أصول الفقه - ج ١١

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-84-3
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٨٣

من يكون مالكاً له ولو بحسب الحكم الظاهري الناشئ عن الأُصول أو الأمارات. ولكن هذا مخدوش بأنّه إذا كان الواجب علينا إيصال المال إلى مالكه الواقعي لم يمكننا الحكم فعلاً ولو بحسب الظاهر بكلّ من هذين الحكمين ، لأنّا نعلم بأنّ أحدهما إيصال إلى غير المالك الواقعي.

فالأولى بل المتعيّن أنّه لو ترافع الطرفان إلينا ولم يكن في البين يد ، وكان ورثة الأب يدّعون تأخّر موته وورثة الابن يدّعون تأخّر موته ، كان كلّ منهما منكراً لأنّ قول كلّ منهما على طبق الأصل ، فلابدّ من حسم المسألة بينهما في هذه الصورة بالتحليف أو البيّنة إن كانت ، أو الصلح القهري أو التنصيف في كلّ من الدراهم والدنانير أو القرعة ، ولا يمكننا الحكم الشرعي بوارثية كلّ منهما الآخر ، لما عرفت من أنّه موجب للمخالفة القطعية لما يجب علينا من إيصال الحقّ.

والأوجه أن يقال : إنّ المسألة تتكوّن من خصومتين : الأُولى الخصومة على الدنانير ، وفي هذه الخصومة يكون ورثة الابن منكرين وورثة الأب مدّعين ، فعلى ورثة الأب إقامة البيّنة على عدم بقاء الابن حيّاً بعد الأب ، وإلاّ توجّه الحلف على ورثة الابن وأنّه بقي حيّاً بعد الأب. والخصومة الثانية هي الخصومة على الدراهم ، ويكون الحال في هذه الخصومة على العكس من الأُولى ، وحيث لا بيّنة من الطرفين حلف ورثة الابن على بقاء حياته وأخذوا الدنانير ، وحلف ورثة الأب على بقاء حياته وأخذوا الدراهم ، ولكن يكون أحد الحكمين على خلاف الواقع ، فلو كان ذلك مانعاً من القضاء بما ذكر تعيّن القضاء بالصلح القهري أو الحكم بالتنصيف. وفيه تأمّل ، لأنّه موجب لخلاف الواقع أيضاً. هذا إذا كان في البين تداع وخصومة من الطرفين.

ولو لم يكن في البين ذلك ، بأن كان كلّ منهما جاهلاً بالحال بالنسبة إلى

٥٦١

التقدّم والتأخّر ، عرّفنا كلاً منهما ما يقتضيه حكمه الظاهري من وارثية مورّثه فيعمل كلّ منهما على طبق ما يجري في حقّه من الأصلين ، فورثة الأب يسلّمون الدنانير إلى ورثة الابن استناداً إلى استصحابهم حياة الابن ، ويأخذون منهم الدراهم استناداً إلى استصحابهم حياة الأب.

وهكذا الحال في ورثة الابن ، فإنّه يلزمهم تسليم الدراهم إلى ورثة الأب استناداً إلى استصحابهم حياته ، ولهم أخذ الدنانير استناداً إلى استصحابهم حياة الابن ، فيكون هذان الاستصحابان جاريين معاً في حقّ كلّ من الطرفين ، فليسا من قبيل واجدي المني ، لأنّ كلاً من واجدي المني يستصحب طهارة نفسه ، فالأصل الجاري في حقّ أحدهما غير الأصل الجاري في الآخر ، بخلاف ما نحن فيه فإنّ كلاً من الطرفين فيما نحن فيه يجري كلاً من الأصلين من حيث الأخذ والاعطاء ، وعمل كلّ واحد من الطرفين بكلّ واحد من الأصلين لا يكون مشتملاً على المخالفة لتكليف إلزامي ، وإنّما أقصى ما فيه أنّه يعلم أنّ أحد الأمرين من جواز أخذه ولزوم دفعه مخالف للواقع ، فتأمّل إذ ليس المقام من قبيل دوران الأمر بين حرمة الدنانير أو حرمة الدراهم عليهم ، بل هي من قبيل الدوران بين حرمتهما معاً لهم أو حلّيتهما معاً لهم ، فلا يكون في لزوم دفعهم الدراهم وجواز أخذهم الدنانير مخالفة عملية لتكليف إلزامي متوجّه إلى ورثة الابن ، وهكذا الحال في ناحية ورثة الأب.

نعم ، إنّ كلاً من الطرفين يعلم بحرمة مجموع المال إمّا عليه أو على طرفه ، وإذا كان مقتضى الأصل هو حرمة أحد المالين عليه وحلّية الآخر له لا يكون في ذلك مخالفة عملية لتكليف إلزامي ، وإنّما أقصى ما فيه هو العلم الاجمالي بخطأ أحد الحكمين ومخالفته للواقع ، هذا إذا لم يكن في البين احتمال المقارنة.

٥٦٢

ومنه يعلم الحال فيما إذا احتمل المقارنة مع احتمال تقدّم موت كلّ منهما ، فإنّ ورثة الأب حينئذ يعلمون إمّا بحرمة تمام المال عليهم أو كونه لهم وحرمته على ورثة الابن ، وإمّا ببقاء مال كلّ ميت على حاله فتكون الدنانير لورثة الأب والدراهم لورثة الابن ، ومقتضى الأصلين هو حرمة الدنانير عليهم وانتقال الدراهم إليهم ، وليس في ذلك إلاّ العلم بخطأ أحد الأصلين أو خطئهما معاً ، من دون أن يكون في البين مخالفة عملية لتكليف إلزامي. هذا كلّه مع قطع النظر عن شبهة عدم اتّصال زمان الشكّ بزمان [ اليقين ] في مجهولي التاريخ ، وإلاّ سقط الأصلان وإن لم يكن بينهما التعارض ، وكان الحكم هو عدم التوارث ، فلاحظ وتدبّر.

وربما يناقش في جواز أخذ الدنانير لورثة الابن وتملّكهم لها ، فإنّ استصحاب حياة الابن إلى ما بعد موت الأب وإن أثبت وارثية الابن للأب ، إلاّ أنّ ذلك بمجرّده لا يصحّح انتقال الدنانير إلى ورثة الابن إلاّباللازم ، لأنّ انتقالها إليهم متوقّف على كونها ممّا تركه الابن ، وذلك لا يثبت بمجرّد وارثية الابن ، وهكذا الحال في ورثة الأب بالنسبة إلى الدراهم.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ كون الدنانير ممّا تركه الابن يكفي فيه الحكم بأنّه مالك لها ، وذلك هو مقتضى استصحاب حياته.

والحاصل : أنّ ما تركه الميت يشمل جميع ما يملكه ولو بمقتضى الأصل والحكم الظاهري ، غايته أنّ انتقالها إليهم يكون حكماً ظاهرياً كالحكم بأنّ الابن ورثها من أبيه.

وأمّا الإشكال على استصحاب حياة الابن بأنّه لا يثبت به وارثيته من الأب لتوقّفها على إحراز حياته بعد أبيه ، ومجرّد استصحاب حياته إلى ما بعد موت أبيه

٥٦٣

لا تثبته ، كما في الجواهر (١) ، ففيه : أنّ البعدية غير محتاج إليها في الحكم بالارث ، لأنّ موضوع الارث هو المركّب من موت الأب وحياة الابن ، وأحدهما وهو موت الأب محرز بالوجدان ، والآخر وهو حياة الابن محرز بالأصل ، وهما عرضان لموضوعين فيكفي فيهما الاجتماع في الزمان ، ولأجل ذلك يحكم بالارث لمن هو مجهول التاريخ فيما لو كان أحدهما معلوم التاريخ وكان الآخر مجهول التاريخ ، كما صرّح به في المستند (٢) بل نقل عدم الخلاف فيه.

وقد حرّر هذه المسألة المرحوم السيّد في كتاب القضاء من ملحقات العروة في مسائل الخلاف في الارث ، وأشكل على قول المشهور بأنّ التوارث في الغرقى على خلاف القاعدة فراجع (٣) ، وراجع الجواهر (٤) في كتاب القضاء في مسألة التنازع في المواريث فيما لو ماتت الزوجة ومات ابنها ، وادّعى الزوج موت الابن بعد موت أُمّه ، وادّعى أخو الزوجة أنّه مات قبل أُمّه ، وراجع أيضاً كشف اللثام (٥) في هذه المسألة ، تجدهم يصرّحون بجريان الاستصحاب فيما لو كان أحدهما معلوم التاريخ.

بل يرد النقض على اعتبار البعدية فيما لو كان الابن غائباً وقد مات أبوه الآن ولم يعلم ببقاء حياة الابن ، فإنّ مقتضاه عدم الحكم بأنّه وارث.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٩ : ٣٠٦.

(٢) مستند الشيعة ١٩ : ٤٥٢ / المسألة السابعة.

(٣) العروة الوثقى ٦ : ٦٧٩ ـ ٦٨٠ / مسألة ١٦.

(٤) جواهر الكلام ٤٠ : ٥١٣ / المسألة الرابعة.

(٥) لاحظ كشف اللثام ١٠ : ٢٢٩.

٥٦٤

[ فرع ](١) شخص له زوجة لها ولد من غيره ، ولهذه الزوجة إخوة ، ولولدها المذكور إخوة من أبيه ، فغرقت الزوجة وابنها المذكور ، ولكلّ منهما مال ، فما هو نصيب الزوج من زوجته ، هل هو الربع أو النصف؟

الجواب : مقتضى كون الحكم الشرعي في الغرقى والمهدوم عليهم هو التوارث بينهما ، هو استحقاق الزوج الربع ممّا كان من الأموال الأصلية لزوجته والنصف من الأموال التي انتقلت إليها من ابنها ، وذلك بأن نفرض تارةً موت الزوجة قبل ابنها وأُخرى نفرض موت ابنها قبلها ، ففي الفرض الأوّل يرثها ولدها وفي هذه المرحلة يكون للزوج الربع من الأموال الأصلية لزوجته والباقي لولدها ومنه ينتقل إلى اخوته من أبيه. وفي الفرض الثاني ـ أعني موت الولد قبل أُمّه ـ ينتقل ماله الأصلي إلى أُمّه وعن أُمّه ينتقل إلى ورثتها وهم زوجها وإخوتها ، فيكون للزوج النصف من ذلك والنصف الآخر الباقي إلى اخوتها.

والظاهر أنّه لا فرق في ذلك بين القول بأنّ توارث الغرقى والمهدوم عليهم على خلاف القاعدة استناداً إلى النصوص الحاكمة بالتوارث (٢) ، والقول بأنّه على القاعدة استناداً إلى استصحاب الحياة في كلّ منهما إلى ما بعد موت الآخر.

أمّا الأوّل ، فلما عرفت من أنّ ذلك هو قضية التوارث بينهما ، فإنّ مقتضى التوارث بينهما هو انتقال الأموال الأصلية للزوجة إلى ولدها وزوجها ، وانتقال الأموال الأصلية للولد إلى أُمّه وعنها إلى ورثتها ومنهم زوجها ، الذي لازمه أو عينه كون استحقاق الزوج الربع في الجهة الأُولى لكونها فيها ذات ولد ، والنصف في الجهة الثانية لكونها فيها غير ذات ولد.

__________________

(١) ٨ / شعبان / ١٣٧٠ [ منه قدس‌سره ].

(٢) وسائل الشيعة ٢٦ : ٣٠٧ / أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ١ وغيره.

٥٦٥

وأمّا الثاني ، فلأنّ مقتضى استصحاب حياة الولد إلى ما بعد وفاة الأُمّ أنّه يرثها هو وزوجها ، فيكون للزوج الربع من متروكاتها. ومقتضى استصحاب حياتها إلى ما بعد وفاة الولد أنّها ترثه ، وعنها ينتقل ما ورثته منه إلى ورثتها وهم زوجها وإخوتها ، فيكون للزوج النصف من ذلك.

لا يقال : إنّ مجرّد استصحاب حياتها إلى ما بعد وفاة ولدها لا يترتّب عليه وارثية الزوج النصف منه وأنّها ماتت بلا ولد إلاّبالأصل المثبت ، فإنّ أقصى ما يفيده هذا الأصل هو كونها وارثة لولدها ليس إلاّ.

لأنّا نقول : إذا ثبت بذلك الأصل كونها وارثة لولدها وأنّها قد ملكت متروكاته وأمواله الأصلية ، كان ذلك ـ أعني مالكيتها في حياتها لما تركه ولدها ـ كافياً في الحكم بانتقاله منها إلى ورثتها وهم زوجها وإخوتها ، كما هو الحال في الجهة الأُولى والحكم بانتقال ما ملكه ولدها منها إلى ورثته بمجرّد استصحاب حياته إلى ما بعد وفاتها.

وأمّا الحكم بكون استحقاق زوجها النصف من ذلك لا الربع ، فقد يتأمّل فيه ، لأنّ استصحاب حياتها إلى ما بعد وفاة ولدها لا يثبت كونها ماتت بلا ولد إلاّ باعتبار الملازمة الاتّفاقية هنا ، وهي أنّها لا ولد لها غير هذا الولد المذكور.

ولكن يمكن دفعه بأنّه يكفي في استحقاقه النصف مجرّد الحكم بأنّها قد ملكت في حياتها ما تركه ولدها ، فإنّ هذا الحكم الثابت باستصحاب حياتها إلى ما بعد وفاة ولدها كاف في الحكم بانتقاله منها إلى ورثتها الموجودين بالوجدان ، وهم زوجها المقرون فعلاً بلا ولد منها وإخوتها ، وإلاّ سرى الإشكال في الحكم بانتقاله إلى إخوتها ، لأنّه لا ينتقل إليهم إلاّ إذا لم يكن لها ولد. وكذلك الحال في الجهة الأُولى ، وهي انتقال ما وصل الولد من أُمّه إلى إخوته ، فإنّه أيضاً يتوقّف

٥٦٦

على أن لا تكون أُمّه موجودة عند موته.

لا يقال : إنّ استصحاب حياتها إلى ما بعد وفاة ولدها لا ينحصر أثره في انتقال ما تركه ولدها إليها ثمّ إلى ورثتها ، بل إنّه يؤثّر في انتقال متروكاتها الأصلية منها إلى زوجها وإخوتها ، وحينئذ يكون مقتضى الأصل الأوّل ـ وهو بقاء حياته إلى ما بعد وفاتها ـ هو انتقال متروكاتها الأصلية إلى ولدها ومنه إلى إخوته ، ومقتضى الأصل الثاني ـ وهو بقاء حياتها إلى ما بعد وفاة ولدها ـ هو انتقال تلك المتروكات الأصلية إلى زوجها وإخوتها ، وحينئذ يقع التعارض بين الأصلين فيسقطان.

لأنّا نقول : إنّ الأصل الثاني لا يقتضي انتقال متروكاتها الأصلية إلى إخوتها ، وإنّما أقصى ما فيه هو أنّها ترث ولدها وأنّها قد ملكت متروكاته في حياتها ، وقهراً ينتقل ذلك منها إلى ورثتها ، أمّا وصول متروكاتها الأصلية إلى إخوتها فهو لا يترتّب على بقاء حياتها إلى ما بعد ولدها إلاّباعتبار لازم ذلك ، وهو سقوط ولدها عن كونه وارثاً لها.

ومن ذلك كلّه يعرف الحكم فيما لم يكن الموت بسبب الغرق والهدم ، بل كان بسبب آخر كالقتل ، أو كان من محض الشكّ في المقدّم منهما بناءً على جريان الاستصحابين المذكورين ، لكن الأصحاب ( قدّست أسرارهم ) حكموا في مثل ذلك بعدم التوارث لعدم اعتنائهم بالاستصحاب المذكور ، فإن كان استنادهم في ذلك إلى أنّ التوارث يحتاج إلى إحراز القبلية والبعدية أو الحينية ، والاستصحاب المذكور لا يثبتها ، كما قالوا إنّ التوارث في الغرقى والمهدوم عليهم على خلاف القاعدة ، وحينئذ يكون النصّ الوارد بعدم التوارث في غيرهم

٥٦٧

على القاعدة ، أعني بذلك ما ورد في قصّة موت أُمّ كلثوم وولدها زيد (١) ، وحينئذ يكون مقتضى ذلك في مسألتنا هو الحكم بأنّ الولد لا يرث أُمّه والأُمّ لا ترث ولدها ، وأنّ إرث كلّ واحد منهما يصل إلى الأحياء من ورثته ، فمتروكات الأُمّ إلى إخوتها وزوجها ، وللزوج النصف [ من ] ذلك ، ومتروكات الولد إلى إخوته من أبيه ، وليس للزوج شيء من ذلك إذ لا نصيب له فيها.

أمّا على ما عرفت من جريان الاستصحاب ، فإن اعتمدنا على النصّ الوارد في قصّة أُمّ كلثوم ، كان الحكم كذلك من انتقال متروكات الأُمّ نصفاً إلى زوجها ونصفاً إلى إخوتها ، وإن لم نعتمد عليه كان الحكم هو ما تقدّم من استحقاق الزوج الربع من متروكات زوجته الأصلية والنصف ممّا وصلها من متروكات ولدها ، فراجع كلمات القوم من الجواهر وغيرها ، وراجع ما علّقناه على أُصول شيخنا الأُستاذ قدس‌سره في تنبيهات الاستصحاب في البحث عن أصالة تأخّر الحادث والاستصحاب في الحادثين المجهولي التاريخ (٢) ، وفي الخاتمة في البحث عن تعارض الأُصول (٣).

وعلى أي حال ، الظاهر أنّ الحكم في المسألة الأُولى ـ وهي كون موت الأُمّ وولدها مستنداً إلى الغرق ـ هو ما ذكرناه من استحقاق الزوج الربع من المتروكات الأصلية لزوجته والنصف ممّا وصلها من متروكات ولدها ، لكن ربما يظهر من المحقّق الميرزا القمي قدس‌سره في جامع الشتات خلاف ذلك ، وهذا نصّ ما فيه :

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٦ : ٣١٤ / أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ٥ ح ١.

(٢) راجع الحاشية المتقدّمة في المجلّد العاشر من هذا الكتاب ، الصفحة : ١٧٥ ومابعدها.

(٣) وهي هذه المباحث المذكورة هنا.

٥٦٨

س : شخصى با زوجه خود ويك نفر أولاد در ميان خانه ودر ميان يك رخت خواب خوابيده بودند وشب خانه بر سر ايشان خراب شده وهر سه نفر در زير بام مانده ، زوج زنده بيرون آمده وزوجه وفرزند مرده ، الحال ورثه زوجه از زوج مزبور ادعاى وجه صداق زوجه مينمايد ، وزوج را سخن اينست كه بلكه مادر پيش از فرزند مرده باشد إرث بفرزند مى رسد واز فرزند به پدر مى رسد ، ووارث زوجه ميگويد بلكه فرزند پيش از مادر مرده باشد يا هر دو همراه مرده باشند حكم آن را بيان فرمائيد؟

ج : در صورت مزبوره كه معلوم نيست كه كدام پيش مرده ، هرگاه زوجه وارثى كه با فرزند تواند ميراث برد مثل پدر ومادر نداشته باشد ، ميراث او بالتمام از صداق وغير صداق الحال مال شوهر است ، چه آنچه نصيب خود شوهر است كه ربع است وچه آنچه از مادر به فرزند رسيده واز فرزند باو رسيده است ، بلى اگر آن فرزند هم مالى على حده از خود داشته بوده است وارث مادر بقدر حصه مادر از ميراث آن طفل كه از خود داشته مى طلبند والله العالم (١).

فإنّ ظاهر قوله « وارث مادر بقدر حصه مادر از ميراث آن طفل كه از خود داشته است مى طلبند » أنّ ميراث الأُمّ من ولدها يكون لورثتها ، ومقتضى المقابلة مع الزوج أنّه ليس للزوج فيه نصيب ، لكن قد عرفت أنّ له فيه النصف ، ولعلّ مراده من وارث الأُمّ شامل للزوج ، فتأمّل.

ولو غرقت الأُمّ وبنتها وتركت الأُمّ زوجاً وأُمّاً ولم يكن للبنت مال ، حكم بكون البنت وارثة للأُمّ الغريقة ، إمّا لمقتضى النصوص وإمّا لاستصحاب حياة الطفلة إلى حين موت أُمّها ، ولا يجري استصحاب حياة الأُمّ إلى ما بعد موت

__________________

(١) جامع الشتات ٢ : ٥٩٣.

٥٦٩

الطفلة لعدم الأثر له ، إذ لا مال للطفلة ، وحينئذ يكون للزوج الربع ممّا تركته زوجته ، ولأُمّها السدس منه ، وللطفلة النصف ويعود إلى الزوج الذي هو الأب ، فتكون الفريضة أوّلاً من اثني عشر ، ثلاثة منها للزوج واثنان للأُمّ وستة للطفلة ، ويبقى واحد يردّ عليها وعلى جدّتها أرباعاً على حسب نسبة ميراث إحداهما للأُخرى ، فربعه للجدّة وثلاثة أرباعه للطفلة ، فيكون الحاصل أنّ ما عدا ربع الزوج يقسّم أرباعاً ، ربع منه للجدّة وثلاثة أرباعه للطفلة ، فتصحّ من ستّة عشر ، ربعها أربعة للزوج ، والباقي اثنا عشر ، ربعه وهو ثلاثة للجدّة ، وثلاثة أرباعه وهو التسعة للبنت.

وكان مقتضى الحساب هو ضرب الاثني عشر في الأربعة ليكون الحاصل ٤٨ ، نصفها ٢٤ للبنت ، وربعها ١٢ للزوج ، وسدسها وهو ٨ للجدّة ، يبقى أربعة ، واحد منها يردّ على الجدّة فيكون لها من ذلك ٩ ، والثلاثة الأُخرى تردّ على البنت فيكون لها من ذلك ٢٧ ، ونسبة هذه السبعة والعشرين إلى ٤٨ كنسبة ٩ للستّة عشر ، لكونها نصفاً ونصف ثمن ، كما أنّ نسبة ٩ للأصل ـ وهو ٤٨ ـ كنسبة ٣ لستّة عشر في كونها ثمناً ونصف ثمن. واختصار الفريضة من ٤٨ إلى ١٦ مأخوذ ممّا دلّت عليه الروايات (١) في من مات وترك أُمّه وبنته ، للابنة النصف ثلاثة أسهم وللأُمّ السدس ، ويقسّم المال على أربعة أسهم ، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة ، وما أصاب سهماً فللأُمّ ( راجع الجواهر ومفتاح الكرامة ص ١٢٣ (٢) ) (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٦ : ١٢٨ / أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب ١٧ ح ١ وغيره.

(٢) جواهر الكلام ٣٩ : ١١٤ ، مفتاح الكرامة ١٧ : ٢٠٢.

(٣) فإنّ قواعد حساب الفرائض أن تكون القسمة من ١٢ ، لأنّ أصل الفريضة ستّة ، يزيد

٥٧٠

__________________

فيها اثنان ، لا تقبل الردّ على حسب نسبة فريضة الأُمّ للبنت إلاّبفرضهما أربعة ، فنحتاج إلى ضرب اثنين في ٦ ليكون الحاصل اثني عشر ، ليكون للأُمّ منها ٣ و ٩ للبنت ، فتأمّل فإنّ الأربعة يكون نصفها للبنت وهو اثنان وسدسها للأُمّ وهو أربعة أسداس عبارة عن الثلثين للأُمّ ، زاد واحد وثلث ، ومعلوم أنّ نسبة الثلثين أعني استحقاق [ الأُمّ ] إلى الاثنين أعني استحقاق البنت بالربع ، فإنّ الاثنين ستّة أثلاث ، أضف إليها ثلثين تكن ثمانية أثلاث ، فيكون ردّ ذلك الواحد والثلث على الأُمّ والبنت أرباعاً ، فيكون الثلث للأُمّ والواحد للبنت ، ويكون مجموع ما تستحقّه الأُمّ من الأربعة فرضاً وردّاً واحداً من أربعة ، ويكون مجموع ما تستحقّه البنت من الأربعة ثلاثة. وكذلك الحال في مسألتنا فإنّ للزوج من ١٦ أربعة وهي ربعها ، وللأُمّ السدس وهو اثنان وثلثان ، وللبنت النصف وهو ثمانية ، صار المجموع أربعة عشر وثلثين ، فقد زاد واحد وثلث ، يردّ الثلث على الأُمّ والواحد على البنت ، فيكون مجموع استحقاق الأُمّ فرضاً وردّاً ثلاثة ، ومجموع استحقاق [ البنت ] كذلك ٩.

وأساس المسألة أنّ السدس إذا جمعناه إلى النصف يكون السدس ربع المجموع ، ويكون الردّ بهذه النسبة ، فيكون ما يحصل لذات السدس فرضاً وردّاً إذا جمعناه مع ما يحصل لذات النصف فرضاً وردّاً ربع المجموع ، بحيث يكون لذات السدس الربع ولذات النصف ثلاثة أرباع.

ومن الغريب أنّ صاحب المستند ذكر في صورة اجتماع أحد الأبوين مع الزوج والبنت أنّ الردّ يكون فيها أرباعاً ، قال : فتكون مقسومة على ثمانية وأربعين ، ذكر ذلك في المسألة الخامسة من البحث الثالث [ مستند الشيعة ١٩ : ١٨٣ ].

وأغرب من ذلك ما ذكره في المسألة الثانية من هذه المسائل فقال : الثانية إذا اجتمع أحد الأبوين مع بنت فله السدس ولها النصف ، والباقي يردّ عليهما أرباعاً ، فتكون التركة مقسومة على أربعة وعشرين الحاصلة من ضرب الأربعة في الستّة ، ربعها له

٥٧١

وأمّا كون نصيب الزوج هو الربع لا النصف فهو واضح ممّا تقدّم في نظائره من أنّ استصحاب حياة البنت إلى ما بعد موت أُمّها يترتّب عليه أنّ الزوجة ماتت وهي ذات ولد ، بخلاف استصحاب حياة الأُمّ إلى ما بعد موت البنت فإنّه لا يترتّب عليها أنّها ماتت بلا ولد إلاّبالأصل المثبت ، فتأمّل.

قال المرحوم الميرزا القمي في جامع الشتات :

س : زيد وزوجه مدخوله اش مع ولدهما مهدوم عليهم گرديده اند ، وتقديم وتاخير موت هيچ يك معلوم نيست ، وتركه از زوجه وولدش معلوم نيست ، وزوج مذكور مالك مبلغى ـ إلى أن قال ـ ووارث زوج منحصر است در يك برادر ، ووارث زوجه منحصر است در دو همشيره ، تركه مذكوره را چه نحو بايد قسمت كرد الخ.

ج : ثمن تركه زيد از غير اراضى وآب تابع آن مال زوجه اوست ، واز او منتقل مى شود به دو همشيره او ، وبينهما على السوية قسمت ميشود اگر در يك مرتبه باشند ، وباقى مال ولد اوست ، واز او منتقل مى شود به يك نفر عم ودو نفر خاله او ، دو ثلث را به عم مى دهند ، ويك ثلث را بين دو خاله تقسيم ميكنند على السوية هرگاه در مرتبه واحده باشند ، وديگر فرزند ومادر از يكديگر ميراثى نمى برند به جهت اينكه ميراث مهدوم عليهم از صلب مال است نه از

__________________

وثلاثة أرباع لها ، والدليل على ذلك بعد الإجماع الأخبار المستفيضة [ مستند الشيعة ١٩ : ١٧٧ ]. ثمّ ذكر الأخبار ، وهي صريحة في قسمة المال على أربعة أسهم. ومع قطع النظر عن ذلك فكان ينبغي أن يقول : القسم من اثني عشر ، لأنّ الباقي اثنان فنضربهما في الستّة ، لأنّ المحتاج إلى التربيع هما الاثنان ، فتأمّل [ منه قدس‌سره ].

٥٧٢

آنچه بآنها رسيده از مال مهدوم عليه ديگر (١) ، انتهى محل الحاجة من الجواب.

قوله : « وديگر فرزند ومادر از يكديگر ميراث نمى برند » الخ ، الظاهر خلافه ، فإنّهم وإن قالوا يتوارثان في تالد المال لا طريفه ، إلاّ أنّ ذلك إنّما هو فيما يرثه البعض من الآخر ، فإنّه لا يرجع إليه ، أمّا ما يرثه من غيره فإنّه يرث منه ، من دون فرق في ذلك بين كون المستند في التوارث هو الاستصحاب أو النصّ الدالّ على التوارث ، أمّا الأوّل فواضح ، لأنّا في هذه الصورة وإن حكمنا ببقاء حياة الأُمّ والولد إلى ما بعد موت الأب فورثاه ، إلاّ أنّه لمّا كان موت كلّ منهما غير معلوم التقدّم والتأخّر بالقياس إلى الآخر ، كان استصحاب حياة كلّ منهما إلى موت الآخر جارياً ، ومقتضاه وارثية كلّ منهما من الآخر ما كان قد ورثه من الأب. وأمّا الثاني فكذلك ، لأنّ حكم الشارع بالتوارث يجري فيما ورثاه من الأب. قال في مفتاح الكرامة في مثل هذه المسألة عند كون كلّ منهم ذا مال ، عندما تعرّض لما قيل من تقديم الأقوى أو تقديم الأضعف : لا يرث أحد من أحد من ماله الذي ورثه منه على المشهور ، نعم يرث ممّا ورثه من غيره (٢) فراجعه.

أمّا قول صاحب الجواهر قدس‌سره في شرحه آخر مسألة الغرقى : فليس في شيء من الأدلّة تقديم أحدهما بالخصوص ، ولا ميراث الثاني ممّا ورثه الأوّل منه أو من غيره الخ (٣). وكذلك قوله في النجاة : والمراد بالتوارث في الغرقى والمهدوم عليهم فرض كلّ منهما حياً بعد موت الآخر فيعطى إرثه ، نعم الأصحّ أنّه لا يورث الثاني

__________________

(١) جامع الشتات ٢ : ٦١٥.

(٢) مفتاح الكرامة ١٧ : ٤٢١.

(٣) جواهر الكلام ٣٩ : ٣١٨ ـ ٣١٩.

٥٧٣

ممّا ورثه منه أو من غيره الأوّل (١). وكذلك قول العلاّمة قدس‌سره في القواعد وهو أنّه : لو كان الغرقى أكثر من اثنين يتوارثون فالحكم كذلك ، يفرض موت أحدهم وتقسم تركته على الأحياء والأموات معه ، فما يصيب الحي يعطى وما يصيب الميّت معه تقسّم على ورثته الأحياء دون الأموات ، وهكذا يفرض موت كلّ واحد إلى أن تصير تركات جميعهم منقولة إلى الأحياء (٢) ، فليس هو إلاّناظراً إلى أنّه لو كان لكلٍّ مال وكانوا أزيد من اثنين ، يكون وارثية كلّ منهم في عرض الآخر ، ولازمه أنّ كلّ واحد إنّما يرث من الآخر تركته الأصلية لا ما ورثه منه ولا ما ورثه من غيره ، فلا دخل لما هو المفروض في جامع الشتات من كون كلّ من الزوجة وولدها لا مال لهما وإنّما كان صاحب المال هو الزوج الميت معهما ، كما أنّه لا دخل له بما في مفتاح الكرامة من فرض تقديم الأضعف أو فرض تقديم الأقوى ، فراجع وتأمّل.

ولعلّ المستند فيما أفاده المحقّق القمي قدس‌سره من عدم التوارث بين الولد وأُمّه في الصورة المزبورة هو إطلاق ما عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت ، قال عليه‌السلام : تورث المرأة من الرجل ويورث الرجل من المرأة. معناه : يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم ، لا يورثون ممّا يورث بعضهم بعضاً شيئاً » (٣).

لكن فيه أوّلاً : أنّ هذه الجملة الأخيرة لم يعلم كونها من الإمام عليه‌السلام ، بل يحتمل قريباً بقرينة قوله « معناه » الخ كونها من كلام الراوي كما أومأ إليه في

__________________

(١) نجاة العباد : ٥٦٩ / المسألة الرابعة عشر.

(٢) قواعد الأحكام ٣ : ٤٠١.

(٣) وسائل الشيعة ٢٦ : ٣١٠ / أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ٣ ح ١.

٥٧٤

الجواهر بقوله : وإن كان لم يعلم كون ذلك من الباقر عليه‌السلام الخ (١). وثانياً : أنّ ظاهره هو أنّ أحدهم لا يرث من صاحبه ما ورثه منه ، فلا دخل لذلك بما ورثه صاحبه من الشخص الثالث الذي مات معهما.

والمتعيّن هو ما أفاده في الجواهر والنجاة ، فإنّ الضابط هو أن نفرض موت كلّ واحد من الثلاثة وبقاء الاثنين ، ففي مسألة الزوج والزوجة وولدهما نفرض أوّلاً مثلاً موت [ الزوج ] وقد ورثه ابنه وزوجته ، ثمّ نفرض موت الابن وقد ورثه أبواه ، ثمّ نفرض موت الزوجة وقد ورثها زوجها وابنها ، كلّ ذلك استناداً إلى استصحاب حياة الباقين عند موت أحدهم ، ولازم ذلك هو كون الموروث من كلّ واحد لمن بقي هو ماله الأصلي ، دون ما يحصل له من هذه الواقعة ولو ما يرثه من الآخر ، ولعلّ في مرسلة حمران دلالة عليه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « في قوم غرقوا جميعاً أهل البيت ، قال : يورث هؤلاء من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء ، ولا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً ، ولا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً » (٢) وأمّا ما في مفتاح الكرامة فهو محتاج إلى مراجعة وتأمّل ، فراجعه وتأمّل.

قوله : وفي القسم الرابع لا يجريان لمكان قيام الدليل من الخارج على عدم صحّة الجمع بين الاستصحابين ، كما في تتميم الماء النجس كرّاً بماء طاهر ، فإنّه لولا قيام الإجماع على اتّحاد حكم الماءين المختلطين لكانت القاعدة تقتضي بقاء الطاهر على طهارته والنجس على نجاسته ... الخ (٣).

لا يخفى أنّه في مسألة المتمِّم والمتمَّم قولان ، أوّلهما الحكم بنجاسة

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٩ : ٣١٤.

(٢) وسائل الشيعة ٢٦ : ٣١١ / أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ب ٣ ح ٢.

(٣) فوائد الأُصول ٤ : ٦٩٧.

٥٧٥

المجموع ، والثاني الحكم بطهارة المجموع ، بدعوى أنّ مثل قولهم عليهم‌السلام : « إذا بلغ الماء قدر كرّ لم يحمل خبثاً » (١) مسوق للأعمّ من الحدوث والبقاء ، وحينئذ نقول : إنّه مع قطع النظر عن دليل القول الأوّل وعن دليل القول الثاني نقول إنّ مقتضى الاستصحاب هو بقاء النجس على نجاسته والطاهر على طهارته ، فيكون الأصل الأوّل في قبال القول الثاني والأصل الثاني في قبال القول الأوّل.

لكن على الظاهر أنّه لا أثر لهذين الأصلين بالقياس إلى المجموع المختلط من المتمِّم والمتمَّم ، إذ لا يمكن الحكم بأنّه لا ينجس ملاقيه ، لفرض أنّ جزءاً منه مستصحب النجاسة ، كما أنّه لأجل ذلك لا يمكن الحكم بأنّه مطهّر للنجس مثلاً ، فيكون ذلك راجعاً إلى القول الأوّل. نعم لو لم يكن في البين خلط ، ولم يقع إلاّ اتّصال أحد الماءين بالآخر مع تمايز الماءين ، لكان أثر الاستصحابين ظاهراً.

وعلى كلّ حال ، فقد أفاد شيخنا قدس‌سره فيما حرّرته عنه أنّ المرجع بعد تعارض الاستصحابين في المتمِّم والمتمَّم هو قاعدة الطهارة في مجموع الماء ، لا في خصوص المتمِّم المفروض كونه قبل الخلط طاهراً ، أمّا أوّلاً : فلما تقدّم في قاعدة الاشتغال من أنّ الأصل المحكوم في أحد الطرفين لا يمكن الرجوع إليه بعد سقوط الحاكم بالمعارضة ، لأنّ المحكوم والحاكم معاً معارضان بالأصل في الطرف الآخر. وأمّا ثانياً : فلأنّه مع الغضّ عن هذا تكون قاعدة الطهارة في المتمِّم معارضة لها في المتمَّم ، نعم قاعدة الطهارة في مجموع الماءين لا يرد عليها شيء من هذين الإشكالين.

ثمّ إنّه قدس‌سره أفاد أنّ الشكّ في مسألة المتمِّم والمتمَّم والرجوع إلى الأُصول المذكورة فيها إنّما هو فرض محض ، وإلاّ فالتحقيق أنّ الماء المذكور محكوم

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١ : ١٩٨ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٦.

٥٧٦

بالنجاسة ، لأنّ مرتبة الملاقاة سابقة على مرتبة الكرّية ، فيكون محكوماً بالانفعال قبل الوصول إلى مرتبة الكرّية والعاصمية.

قلت : وتوضيح ذلك هو أنّ إلقاء الماء المتنجّس في الماء القليل الطاهر يكون علّة في أمرين ، أحدهما نجاسته والآخر صيرورته كرّاً ، فتكون الكرّية واقعة في مرتبة النجاسة ، فلا يعقل كونها عاصمة ، إذ لابدّ في العاصمية من النجاسة ومانعيتها من تأثير المقتضي ـ الذي هو الملاقاة ـ من كونها سابقة في الرتبة على النجاسة التي هي أثر الملاقاة ، وإن كانت متّحدة معها زماناً.

ومن ذلك يظهر لك الحال فيما لو وقعت النجاسة والكرّية في آن واحد ، فإنّ وقوع هذا النجس ووقوع ذلك المتمِّم في رتبة واحدة ، ومعلول الأوّل هو التنجيس ومعلول الثاني هو الكرّية والعاصمية ، فكما أنّ المتمِّم قد وقع على القليل فأوجب كونه كرّاً ، فكذلك هذا النجس قد وقع على القليل فأوجب نجاسته فكانت النجاسة في رتبة الكرّية ، فلا يعقل كونها مانعة منها.

ومن ذلك يظهر لك التأمّل فيما أفاده المرحوم الشيخ محمّد علي فيما نقله عن شيخنا قدس‌سره من قوله : هو أنّه يعتبر في العاصمية وعدم تأثير الملاقاة سبق الكرّية ولو آناً ما الخ (١) ، فإنّه قد ظهر لك أنّه لا حاجة إلى دعوى السبق الزماني ، بل المعتبر إنّما هو السبق الرتبي كما حقّقه شيخنا قدس‌سره (٢) في مسألة الترتّب من أنّ الشرط والموضوع لا يعقل فيهما التقدّم والتأخّر الزماني ، فراجع وتأمّل.

والخلاصة : أنّ معلول الملاقاة التي هي الكرّية لا يعقل أن تكون مانعة من

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٢٨.

(٢) راجع أجود التقريرات ٢ : ٥٩ وما بعدها / المقدّمة الثالثة. وراجع أيضاً فوائدالأُصول ١ ـ ٢ : ٣٤١.

٥٧٧

تأثير علّتها المذكورة كما في مسألة المتمّم بالنجس ، ولا يعقل أيضاً أن يكون ما هو المعلول لإحدى العلّتين مانعاً من تأثير العلّة الأُخرى التي هي مقارنة لها في الرتبة ، كما في صورة تحقّق الكرّية والملاقاة في آن واحد ، لكن في هذا الأخير إشكال ، وهو أنّ تقارن العلّتين في الزمان لا يوجب اتّحادهما في الرتبة ، وحينئذ يمكن أن يكون معلول أحدهما وهو الكرّية مانعاً من تأثير العلّة الأُخرى وهي ملاقاة النجاسة.

ومنه تظهر الخدشة في الصورة الأُولى وهي مسألة المتمِّم والمتمَّم ، فإنّ إلقاء الماء النجس في الماء القليل على وحدته لا يعقل أن يؤثّر في معلولين وهما الكرّية والنجاسة ، بل لابدّ من إرجاعه إلى علّتين إحداهما كونه ماء والأُخرى كونه نجساً ، فبالجهة الأُولى يؤثّر في تحقّق الكرّية ، وبالجهة الثانية يؤثّر في تحقّق النجاسة ، واجتماع هاتين الجهتين لا يكون موجباً لاتّحادهما في الرتبة ، بل لا يكون ذلك إلاّمن قبيل الاجتماع في الزمان ، فلا مانع من أن يكون أثر الجهة الأُولى مانعاً من تأثير الجهة الثانية.

وحينئذ ينحصر الأمر بالرجوع إلى ظاهر الأدلّة ، والمستفاد من مجموعها هو أنّ ملاقاة النجاسة للماء القليل موضوع للحكم بنجاسته ، وملاقاة النجاسة للكرّ موضوع للحكم بطهارته وعدم نجاسته ، والمفروض فيما نحن فيه أنّ الملاقاة وقعت على القليل فيتحقّق موضوع النجاسة فينجس الماء المذكور ، ولم تقع النجاسة على الكرّ ليكون موضوع الطهارة متحقّقاً ، والكرّية وإن قلنا بأنّها مانعة من تأثير الملاقاة ، إلاّ أنّ الظاهر من الأدلّة هو كون المانعية هي ملاقاة النجاسة للكرّ ، والمفروض في كلتا الصورتين أنّ الملاقاة لم تقع على الكرّ وإنّما وقعت على القليل ، فتأمّل جيّداً.

٥٧٨

ولو وقعت النجاسة والنقصان عن الكرّية في آن واحد ، فالظاهر ممّا تقدّم هو الحكم بالطهارة في هذه الصورة ، لوقوع النجاسة على الكرّ وإن صادفت النقصان في آن وقوعها.

والخلاصة : هي أنّا لو أردنا في استصحاب نجاسة المتمّم واستصحاب طهارة المتمّم إثبات نجاسة الماء الواحد وطهارته فذلك بديهي البطلان ، لكونه موجباً للتناقض الموجب للتعارض والتساقط ، ولا يحتاج إلى الإجماع. ولو فرضنا أنّا نريد طهارة تلك الذرّات المختلطة ونجاسة الذرّات الأُخرى ، فذلك أيضاً باطل ، لما عرفت من عدم الأثر لطهارة تلك الذرّات المختلطة مع تلك الذرّات النجسة ، إذ لا يمكن استعمالها في شيء من التطهير والشرب ونحوهما. ولو لم يكن في البين اختلاط وكان من قبيل مجرّد الاتّصال ، لقلنا إنّ ذلك الاتّصال يولّد الكرّية في المجموع في عرض توليده لنجاسة ما كان طاهراً منهما ، وحينئذ ففي المرتبة الثانية لو قلنا بالقول الأوّل وهو اعتبار عروض الملاقاة بعد الكرّية فلا إشكال في نجاسة الجميع ، وإن قلنا بالقول الثاني وهو كون طروّ الكرّية رافعاً ودافعاً للنجاسة ، لزمنا الحكم بطهارة الجميع ، وإن تردّدنا بين القولين لزمنا الحكم بنجاسة الجميع ، أمّا النجس سابقاً فواضح ، وأمّا هذا الطاهر الذي كانت الملاقاة علّة في نجاسته فلأنّ نجاسته قد تحقّقت بتحقّق علّتها ، ولم يعلم كون تلك التي هي في عرض نجاسته رافعة لها ، لأنّها إنّما تكون كذلك على القول الثاني ، والمفروض أنّا شاكّون فيه ، فيكون المستصحب هو نجاسة ذلك الذي كان طاهراً ـ أعني النجاسة الحادثة بالملاقاة ـ ونجاسة ذلك الذي كان نجساً ، لعدم العلم بارتفاع النجاستين ، فلاحظ وتأمّل.

٥٧٩

فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

خاتمة الاستصحاب في بيان أُمور....................................................

الأمر الأوّل : اعتبار اتّحاد متعلّق الشكّ مع متعلّق اليقين........................... ٣

تحقيق جريان الاستصحاب في المحمولات الأوّلية والمحمولات المترتّبة................. ٤

معنى أخذ الموضوع من العرف دون العقل أو لسان الدليل........................ ٤٨

الشكّ في الغاية والرافع بالنسبة إلى الحكم أو الموضوع........................... ٥٧

كون المراد بالرافع في المقام ما يقابل المانع لا ما يقابل المقتضي..................... ٦٠

المناقشة في تقسيم الرافع إلى قسمين............................................ ٦٤

أنحاء الشكّ في بقاء الحكم ووقفة مع الشيخ الأنصاري قدس‌سره في المقام.............. ٦٧

التعليق على تقسيم الشيخ قدس‌سره الشبهة إلى المفهومية والصدقية والمصداقية وتعيين مرجعية العرف في ذلك ٧٧

مرجعية العرف في تشخيص مقوّم الموضوع عن غيره ومناقشة الحلّي قدس‌سره في ذلك... ٨٦

الأمر الثاني : حول شمول أخبار الباب لقاعدة اليقين............................ ١٠٣

مناقشة المصنّف للمحقّق النائيني قدس‌سرهما في الفرق بين القاعدة والاستصحاب...... ١٠٤

٥٨٠