أصول الفقه - ج ١١

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-84-3
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٨٣

ركن ، سواء كان ذلك الركن متّصلاً بمحلّ المتروك أو كان منفصلاً عنه بأجزاء غير ركنية.

لأنّا نقول : فرق واضح بين الترك العمدي والترك السهوي ، فإنّه في الترك العمدي يكون المأتي به بعد محلّ المتروك منهياً عنه باعتبار تعمّد ترك شرطه وهو تقدّم ذلك المتروك عليه ، وحيث كان منهياً عنه لم يكن صالحاً للجزئية وقد جاء به بعنوان الجزئية ، فكان زيادة عمدية ، فكان باطلاً في نفسه لكونه منهياً عنه ومبطلاً لكونه من الزيادة العمدية.

وإن شئت فقل : إنّه بتعمّد الاتيان بالجزء قبل الاتيان بما قبله يكون قد تعمّد ترك شرط ذلك الجزء الذي أتى به ، فيكون من قبيل تعمّد ترك شرط الجزء فيكون موجباً لبطلان الصلاة ، فلا حاجة إلى تجشّم كونه من تعمّد الزيادة كي يلزم عليه لزوم تحقّق الزيادة فيما إذا فعل ذلك سهواً ، وعلى أيّ من هاتين الطريقتين لا يتأتّى النقض بالترك السهوي ، فإنّه لا يكون من قبيل ترك شرط الجزء عمداً ، وكذلك لا يكون منهياً عنه كي يكون من الزيادة العمدية ، فلا يكون باطلاً في نفسه كي يكون من الزيادة ، وأقصى ما في البين هو فقدانه لشرط الانضمام إلى ما قبله الحاصل بترك ما قبله ، فلا يكون إلاّمن باب النقص السهوي ، ومقتضى القاعدة الأوّلية هو وجوب الاتيان بذلك المفقود وإعادة ما وقع بعده من الأجزاء ما دام في العمل كما في باب الوضوء ، وإن لزم من إعادتها صيرورة تلك الأجزاء التي وقعت قبل التلافي زيادة في ذلك المركّب.

ولكنّه مع ذلك كلّه قابل للتأمّل ، فإنّ أقصى ما في البين هو التعمّد في ترك شرط الجزء ، وهو لا يوجب زيادة ذلك الجزء ، بل أقصى ما فيه هو أنّه قد ترك شرطه عمداً ، وليس ذلك من الزيادة في شيء ، فلو أمكنه التلافي كما لو كان قبل

٤٤١

الدخول في الركوع وجب عليه تلافيه ، وبعد التلافي يكون ذلك المأتي به زيادة قهرية لا عمدية ولا سهوية ، فتدخل في حديث لا تعاد ، وتصحّ الصلاة إن لم يكن في البين إجماع أو نصّ على البطلان. اللهمّ إلاّ أن يدّعى أنّ الجزء الفاقد للشرط ليس بجزء من الصلاة فلا يكون إلاّزائداً ، سواء كان فقده للشرط عن عمد أو كان عن نسيان.

أمّا الاستدلال على الزيادة في خصوص [ العمد ] بكونه منهياً عنه ، ففيه أنّه ليس في البين نهي مولوي كي يدخل في النهي عن جزء العبادة ، وأمّا النهي الغيري فهو متوقّف على كونه زيادة ليكون عدمه معتبراً في الصلاة ، فلا يصحّ الاستدلال على كونه زيادة بالنهي الغيري ، فالعمدة في كونه زيادة هو فقدانه للشرط ، فيكون خارجاً عن الصلاة لعدم كونه جزءاً منها ، فيكون زيادة ، فلو كان عن عمد أبطل ، بخلاف ما لو كان عن سهو فإنّ أقصى ما فيه أن يكون زيادة سهوية.

٤٤٢

[ أصالة الصحّة ]

قوله : وإن كان أكثرها لا يخلو عن مناقشة بل منع ... الخ (١).

الإنصاف : أنّه يمكن القول بأنّه لا مجال للمنع عن بناء العقلاء ـ وملاكه هو ما تقدّمت الاشارة إليه في بعض مباحث قاعدة التجاوز والفراغ من أنّ العاقل المقدم على عمل مركّب لا يخلّ بشيء من أجزائه أو شرائطه وأنّه يأتي به بتمامه ـ والسيرة المستمرّة من المسلمين على البناء على أصالة الصحّة في الجملة. أمّا الإجماع فلا يبعد أن يكون مستنده هو البناء العقلائي والسيرة المذكورة ، وفي ثبوت إطلاق لمعقده تأمّل وإشكال.

ومن ذلك يظهر لك الإشكال في إطلاق الأخذ بأصالة الصحّة حتّى مع جهل العامل ، خصوصاً ما لو كان يعتقد شرطية ذلك المشكوك ونحن نعتقد مانعيته أو بالعكس ، نعم لا يبعد الأخذ بالأصل المذكور فيما شكّ في جهل العامل وعلمه بالحكم ولو من جهة دعوى بناء العقلاء على إلغاء احتمال جهله.

وبالجملة : يمكن أن يقال بخروج خصوص من كان جاهلاً بالحكم عن مورد الأصل المذكور ، والمسألة بعدُ محتاجة إلى التتبّع في كلمات الأصحاب.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٥٣.

٤٤٣

قوله : فنقول قد اختلفت كلمات الأعلام في حكومة أصالة الصحّة في العقود على جميع الأُصول الموضوعية المقتضية لفساد العقد ، والمتحصّل من الكلمات أقوال ثلاثة : الأوّل حكومتها على كلّ أصل يقتضي فساد العقد سواء كان الأصل جارياً في شرائط ... الخ (١).

لا يخفى أنّهم قسّموا الشروط في باب المعاملات إلى ثلاثة أقسام : شروط نفس العقد ، وشروط المتعاقدين ، وشروط العوضين. والأولى جعل هذه الأقوال الثلاثة واردة على حسب هذه الشروط ، فيكون القول الأوّل عبارة عن إجراء أصالة الصحّة مطلقاً في الجهات الثلاثة ، بمعنى إجرائها عند الشكّ في شرائط العقد والشكّ في شرائط العوضين والشكّ في شرائط المتعاقدين ، سواء كان في قبالها أصل موضوعي ينفي الشرط المحتمل أو لم يكن في البين إلاّمجرّد أصالة عدم النقل والانتقال ، والقول الثاني عبارة عن إجرائها في خصوص الشكّ في شرائط العقد دون الشكّ في شرائط العوضين أو شرائط المتعاقدين ، سواء كان في البين أصل موضوعي أو لم يكن ، والقول الثالث عبارة عن القول الأوّل إلاّفي إخراج ما يكون شرطاً عرفياً للعوضين كالمالية أو للمتعاقدين كالبلوغ والرشد.

وبالجملة : ليس المدار في هذه الأقوال هو حكومتها على الأصل الموضوعي وعدمه ، بل المدار فيها هو جريانها في هذه المراتب من الشروط. نعم بعد فرض جريانها في مرتبة من هذه الشروط تكون حاكمة على الأصل الموضوعي فيها ، لكن مع فرض القول بعدم جريانها في مرتبة من هذه المراتب لا يمكن حينئذ الرجوع إلى أصالة الصحّة في تلك المرتبة حتّى لو لم يكن في البين أصل موضوعي ، بل في صورة عدم وجود الأصل الموضوعي يكون

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٥٥.

٤٤٤

المرجع هو أصالة عدم النقل والانتقال ، كما لو فرضنا أنّ أصالة الصحّة لا تجري في صورة الشكّ في كون أحد العوضين مالاً ، كما لو تردّد بين كون الثمن خمراً أو كونه غير خمر من سائر الماليات ، فإنّه بعد عدم جريان أصالة الصحّة في ذلك يكون المرجع هو أصالة عدم انتقال العوض الآخر لعدم وجود الأصل الموضوعي ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : فإنّ حقيقته هي المبادلة بين المالين ولو كان المبيع أو الثمن كلّياً ... الخ (١).

لا يخفى أنّ قوام مالية الكلّي إنّما هو الذمّة ، فإذا فرضنا أنّ الصبي لا ذمّة له عرفاً يشكل الحكم بكون الكلّي في ذمّته مالاً ، وحينئذ يكون الإشكال في الضمان جار بعينه في كون أحد العوضين في باب البيع كلّياً في الذمّة ، هذا. مضافاً إلى إمكان المناقشة في كون الصبي لا ذمّة له عرفاً ، وإنّما يسلّم ذلك في الصبي غير المميّز ، أمّا المميّز العارف بالمعاملة الحاذق فيها فيشكل الحكم بالغاء ذمّته عرفاً بحيث إنّه لا يعتمد العرف على ضمانه.

قوله : والتحقيق أنّ أصالة الصحّة إنّما تقدّم على أصالة بقاء المال على ملك مالكه ولا تقدّم على سائر الأُصول ... الخ (٢).

لا يخفى أنّه قدس‌سره لا يمنع من تقديم أصالة الصحّة على الأُصول الموضوعية الجارية في ناحية العقد ، كما لو قلنا بأنّ ذكر المهر شرط في عقد نكاح المتعة وقد شكّ في ذكره في عقدها ، ونحو ذلك ممّا يكون المشكوك فيه من شرائط العقد مورداً للأصل العدمي ، بل إنّ أصالة الصحّة عنده قدس‌سره تحكم على جملة من الأُصول

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٥٦.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٦٥٧.

٤٤٥

الموضوعية الجارية في ناحية المتعاقدين أو العوضين ممّا لا يكون راجعاً إلى القابلية للنقل أو إلى أهلية الناقل ، نعم إنّه قدس‌سره يمنع من جريان أصالة الصحّة فيما إذا كان الشرط في المتعاقدين أو العوضين راجعاً إلى القابلية والأهلية ، لكن لا لأجل عدم حكومتها على الأصل الموضوعي الجاري في ذلك الشرط ، بل لأجل أنّ أصالة الصحّة لا تجري فيه حتّى لو لم يكن في البين أصل موضوعي ، كما لو تردّد الأمر في كون الثمن مثلاً خمراً أو غيره ممّا يكون قابلاً للنقل.

وقد أفاد قدس‌سره فيما حرّرته عنه في توضيح ذلك ما لا بأس بنقله ليتّضح الوجه فيما أفاده قدس‌سره : وهو أنّا قد حقّقنا في باب اقتضاء النهي عن المعاملة فسادها أنّ النهي إن تعلّق بالسبب لم يكن ذلك موجباً لفساده ، وإن تعلّق بالمسبّب أوجب الفساد ، وبيّنا أنّ السرّ في ذلك هو أنّ النهي إذا كان متعلّقاً بالمسبّب كان موجباً لقصر السلطنة وعدم قدرة العاقد على إيجاد ذلك المسبّب ، حيث إنّ غير المقدور شرعاً كغير المقدور العقلي ، وهكذا الحال في الشرط ، فإن كان المجعول شرعاً هو عدم المسبّب أوجب الفساد ، وإن كان هو عدم السبب لم يكن موجباً للفساد.

إذا تقرّر ذلك فنقول : إنّ بعض الشروط تكون شرطاً للسبب بما أنّه سبب وهذه هي القدر المتيقّن من موارد جريان أصالة الصحّة ، وبعضها تكون شرطاً للمسبّب وهي شروط المتعاقدين وشروط العوضين. مثال الأوّل عدم السفه مثلاً فإنّه شرط في حصول المسبّب وترتّبه على السبب ، فلو كان مشكوكاً لم ينفع في ترتّب الأثر ـ أعني المسبّب ـ أصالة الصحّة ، حيث إنّ صحّة العقد التي هي نتيجة أصالة الصحّة لا تنفع في الحكم بحصول المسبّب.

وهكذا الحال في شرائط العوضين ، فإنّ كون العين مملوكة إنّما تكون شرطاً في ناحية المسبّب ، بمعنى أنّ حصول المسبّب وهو النقل والانتقال يتوقّف

٤٤٦

على كون العوضين مملوكين ، فلو شكّ في كون ما وقع عليه العقد كان خمراً أو خلاً لم تنفع أصالة الصحّة في حصول المسبّب ، حيث إنّ صحّة العقد لا ربط لها بحصول المسبّب المتوقّف حصوله على قابلية العوض لأن يكون مملوكاً ، وهكذا الحال في غيره من شرائط العوضين. نعم بعض شرائط العوضين تكون راجعة إلى ناحية السبب ، مثل كونهما معلومين غير مشتملين على الربا ، فيكون هذا النحو مورداً لأصالة الصحّة. أمّا شرائط المتعاقدين فالإنصاف أنّ بعضها صالح وواجد للجهتين ، كالبلوغ الذي هو شرط المتعاقدين ، فإنّ له جهتين إحداهما راجعة إلى ناحية المسبّب التي هي عبارة عن توقّف النقل والانتقال على كون المالك العاقد بالغاً ، بمعنى أنّه لا يحصل النقل والانتقال من غير البالغ ، فلا يكون من هذه الجهة مورداً لأصالة الصحّة ، وله جهة أُخرى راجعة إلى ناحية السبب وهي عبارة عن توقّف تمامية العقد على كون العاقد بالغاً ، سواء كان هو المالك أو كان وكيلاً أو مأذوناً أو فضولياً ، من جهة أنّ الصبي مسلوب العبارة ، ومن هذه الجهة يكون الشكّ في حصول هذا الشرط مورداً لأصالة الصحّة ، وتظهر الثمرة في عقد الوكيل أو المأذون أو الفضولي إذا وقع الشكّ في بلوغه حين العقد ، فإنّ أصالة الصحّة تجري فيه.

وبالجملة : أنّ هذه الشروط كلّها وإن كانت متساوية في أنّ عدمها يوجب عدم المسبّب ، إلاّ أنّه تارة يكون لقصور في السبب كما في الشروط الراجعة إلى ناحية السبب ، وأُخرى يكون ذلك لقصور في المسبّب لأجل قصور فيما وقع عليه السبب أو في من أوقع السبب ، فما كان القصور فيه راجعاً إلى ناحية السبب جرت فيه أصالة الصحّة عند الشكّ فيه ، وما كان راجعاً إلى ناحية المسبّب لم تجر أصالة الصحّة في مورد الشكّ فيه.

٤٤٧

وإن شئت فقل : إنّ لمجرى أصالة الصحّة عقد وضع وعقد حمل ، فإنّ مجراها هو العقد الصادر ممّن له العقد على ما يمكن العقد عليه ، فلو كان الشكّ واقعاً في نفس العقد وأنّه هل كان صحيحاً أو فاسداً ، وهو المعبّر عنه بعقد الحمل جرت في ذلك أصالة الصحّة ، سواء كان الشكّ في شروط العقد نفسه أو فيما يرجع إلى ذلك من شروط المتعاقدين أو العوضين. أمّا إذا كان الشكّ في عقد الوضع ، بأن كان الشكّ في نفس المتعاقدين من جهة الشكّ في كونهما ممّن له العقد ، أو كان الشكّ فيما وقع عليه من العوضين من جهة الشكّ في كونهما ممّا يمكن وقوع العقد عليهما ، لم تجر فيه أصالة الصحّة ، لما ذكرناه من رجوع ذلك إلى مرحلة المسبّب ، ولا مجال فيه لأصالة الصحّة التي يكون مجراها هو الشكّ في صحّة السبب ، هذا حاصل ما أفاده قدس‌سره فيما حرّرته عنه.

ولكنّه مع ذلك قابل للتأمّل والإشكال ، فإنّ المدار في جريان أصالة الصحّة إن كان على كون الشكّ راجعاً إلى ناحية نفس السبب ، فالظاهر أنّه بناءً عليه ينبغي أن لا تجري في مثل شرائط المتعاقدين والعوضين ممّا لا يكون راجعاً إلى القابلية وذلك مثل عدم الاكراه ومثل كون أحد العوضين غير معلوم المقدار أو عدم التفاوت ، ونحو ذلك ممّا لا يرجع إلى القابلية ، ودعوى كون هذه الشروط راجعة إلى شروط العقد قابلة للمنع ، لأنّ الضابط حينئذ هو كون الشكّ راجعاً إلى عالم العقد كالعربية والماضوية ونحوهما ، ومن الواضح أنّ مثل العلم بالمقدار وعدم التفاوت والاختيار ليس ممّا يرجع إلى نفس العقد ، نعم ذلك شرط في تأثيره كما أنّ البلوغ شرط في تأثيره.

وإن كان المدار في جريان أصالة الصحّة على أن لا يكون الشرط المشكوك راجعاً إلى القابلية الشرعية أو العرفية ، فهذا يحتاج إلى إقامة البرهان ، نعم هناك

٤٤٨

دعوى كون القدر المتيقّن من الإجماع هو ما عدا شروط القابلية ، وهذه الدعوى محتاجة إلى التتبّع في كلمات المجمعين ، خصوصاً من مثل شيخنا قدس‌سره الذي قدّم في طليعة البحث ثبوت إطلاق لمعقد الإجماع.

وأمّا لو استدللنا على هذا الأصل بالسيرة المستمرّة من المسلمين وببناء العقلاء أمكن دعوى القدر المتيقّن ، لكن يمكن القطع بخلافه وأنّ ما جرت عليه السيرة وبناء العقلاء هو مطلق الشروط ، ولعلّ من هذا القبيل ما هو مسلّم عندهم على الظاهر من أنّه لو ادّعى أحد الزوجين فساد الطلاق لمصادفة حيض الزوجة أو طهرها الذي واقعها فيه ، فالقول قول مدّعي الصحّة ، وهكذا فيما يكون من هذا القبيل ، اللهمّ إلاّ أن يدّعى أنّ مثل حيض الزوجة والطهر الذي لم يواقعها فيه وأمثالهما كلّها راجعة إلى السبب ، ولكن المسألة بعدُ محتاجة إلى التأمّل ، إذ لا يبعد القول بأنّ ما جرت عليه السيرة والبناء العقلائي وقام عليه الإجماع إنّما هو البناء على مثل صحّة النقل عند الشكّ في صحّته بعد إحراز قابلية النقل من الناقل والمنقول ، دون ما لو كان الشكّ في قابلية العين للنقل أو قابلية الناقل للنقل.

والحاصل : أنّ الشكّ إذا كان راجعاً إلى قابلية العوض للعوضية مثل المشكوك كونه حرّاً مع فرض عدم اليد ، وكذا لو كان الشكّ في أهلية من أوقع المعاملة ، كما لو شكّ في كون الطلاق بائناً أو رجعياً مع فرض الرجوع في أثناء العدّة ، وكذا لو شكّ في كون المعاملة بيعاً كي ينفذ الفسخ قبل التفرّق أو صلحاً أو هبة معوّضة كي لا ينفذ الفسخ ، بل لو شكّ في كون البيع خيارياً أو غير خياري فلا أظن أنّ أحداً يلتزم بنفوذ الرجوع أو بنفوذ الفسخ استناداً إلى أصالة الصحّة في الرجوع أو الفسخ ، وهكذا الحال في مسألة بيع الوقف المعلوم الوقفية مع الشكّ في طروّ المجوّز ، نعم مع الشكّ في كون المبيع وقفاً أو طلقاً يمكن القول بصحّة

٤٤٩

البيع ، ولعلّ ذلك لأجل اليد الحاكمة بالملكية ، وإلاّ فمع قطع النظر عن اليد لا يمكن الاعتماد على مجرّد أصالة الصحّة في البيع ، والمسألة محتاجة إلى التتبّع والتأمّل في الموارد الخاصّة ، ثمّ إنّ في عدّ عدم السفه من شرائط القابلية تأمّلاً ، فإنّه ليس على حذو العقل ، بل الظاهر أنّه على حذو الاختيار في قبال الاكراه.

ثمّ إنّ البرهان الذي أقامه قدس‌سره على امتناع جريان أصالة الصحّة في موارد الشكّ في القابلية قوي متين ، وحاصله أنّ كلّ ما يكون ركناً في العقد ، بحيث يتوقّف صدق العقد عليه على وجه يكون الشكّ في تحقّقه موجباً للشكّ في تحقّق العقد ، يمتنع فيه إجراء أصالة الصحّة في العقد ، لتوقّف الحكم بصحّة العقد على تحقّق أصل العقد ، وهذا المقدار ممّا لا إشكال فيه كبروياً ، وأظهر صغرياته ما لو شكّ في تحقّق القصد فإنّه ـ أعني القصد ـ من مقوّمات العقد على وجه لو شكّ في تحقّق القصد يكون تحقّق العقد مشكوكاً ، ولعلّ منه اشتراط العقل في المتعاقدين ، سيّما إذا كان عدم العقد ملازماً لعدم القصد على وجه يكون مسلوب العبارة في النظر العرفي. وهكذا الحال في الصغير الذي لا قصد له ، أمّا المميّز ففي غاية الإشكال ، لتحقّق القصد منه عرفاً غايته أنّ الشارع المقدّس لم يرتّب الأثر على قصده.

ومن صغريات هذه الكبرى ما لو شكّ في وجود المبيع ، كما لو تلف المبيع وشكّ في أنّ تلفه كان قبل العقد أو كان بعد القبض ، وقد تعرّض الشيخ لذلك في المكاسب في أواخر اشتراط معلومية العوضين (١).

ومن صغريات هذه الكبرى كون العوض ثمناً أو مثمناً مالاً عرفياً ، أمّا ما يكون مالاً عرفاً ولكن الشارع ألغى ماليته كالخمر فكونه من صغريات هذه

__________________

(١) المكاسب ٤ : ٢٨٤.

٤٥٠

الكبرى في غاية الإشكال. نعم يمكن التمسّك في أمثال ذلك بقصور الدليل أعني السيرة العقلائية أو سيرة المسلمين أو الإجماع ، ومع ذلك فهو في غاية الإشكال سيّما بعد الاعتراف بوجود معقد للإجماع الذي هو بمنزلة رواية عامّة أو مطلقة ، إلاّ أن يقال إنّ الشكّ في الشمول كافٍ في عدم ثبوت إجراء أصالة الصحّة فيه ، والمسألة بعدُ مجال التأمّل والنظر.

قوله : وكذلك يصحّ التفاضل بين المالين في غير عقود المعاوضة ، بل حتى في عقود المعاوضة غير عقد البيع على قولٍ ... الخ (١).

لم أستحضر معاملة غير معاوضية مشتملة على مال من الطرفين ، لتكون مثالاً لصحّة التفاوت بين المالين من جنس واحد في غير عقود المعاوضات إلاّفي باب الغرامات ، ودخولها في المعاملات العقدية ممنوع. أمّا القول بصحّة التفاوت في غير البيع من المعاوضات فهو غير نافع لمن يمنع من التفاوت في مطلق المعاوضات ، ولكن يهوّن الخطب أنّه ليس المدار في كون الشرط راجعاً إلى القابلية والأهلية على اعتباره في جميع المعاوضات ، وإلاّ لكان الاختيار في قبال الاكراه من الشروط الراجعة إلى القابلية ، بل إنّ هذا ـ أعني كون الشرط راجعاً إلى الأهلية والقابلية ـ أمر واقعي لا دخل له بعموم اعتباره في جميع المعاوضات أو اختصاصه بخصوص البيع ، ومن الواضح أنّ عدم التفاوت بين الجنسين لم يكن من قبيل شروط القابلية ، وهو واضح لا ينبغي الريب فيه ، فلا يقاس على مثل الخمر والحرّ والوقف ونحو ذلك ، فتأمّل.

والأولى أن يقال : إنّ اشتراط التساوي في الجنسين لا يكون مانعاً من نقل كلّ منهما في قبال جنس آخر ، فلأجل ذلك لا يكون هذا الشرط راجعاً إلى القابلية.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٥٨.

٤٥١

قوله : وقد يشكّ في بعض الشروط أنّها من أيّ القبيل كاشتراط كون العاقد غير محرم ... الخ (١).

ولعلّ هذا الشكّ هو منشأ الإشكال فيما لو شكّ في أنّ عقده كان في حال الاحرام أو بعده كما ذكره في العروة في مسائل النكاح مسألة ٤ (٢) ، فإنّه فيما لو شكّ في أنّ عقده كان في الاحرام أو قبله جزم في الحكم بالصحّة ، بخلاف الصورة المزبورة فإنّه وإن حكم فيها بالصحّة إلاّ أنّه عقّبه بقوله : على إشكال.

وحاصل الفرق : أنّ الصورة الأُولى يكون مقتضى الاستصحاب هو الصحّة ، فلا يتوقّف الحكم بالصحّة فيها على إجراء أصالة الصحّة ، بخلاف الثانية فإنّ مقتضى الاستصحاب فيها هو البطلان ، فيحتاج في الحكم بالصحّة فيها إلى أصالة الصحّة ، وجريانها في المقام مشكل للشكّ في كون هذا الشرط من الأركان.

أو نقول : إنّ وجه الإشكال فيها هو ما سيأتي من الإشكال في حكومة أصالة الصحّة على الأصل الموضوعي الجاري في موردها الذي يكون مقتضاه الفساد ، وهو ما تعرّض له من كلمات الشيخ والسيّد الشيرازي قدس‌سرهما فراجع (٣).

قوله : فاسد ، فإنّ اشتراط أهلية الوكيل للوكالة أو سلطنة الموكّل للتوكيل ليس شرطاً زائداً على اشتراط بلوغ العاقد ... الخ (٤).

لا يخفى أنّا وإن سلّمنا أنّ عقد البيع الصادر من الوكيل غير البالغ لا يكون

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٥٩.

(٢) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٥ : ٥٣٩.

(٣) راجع الأمر السادس في فوائد الأُصول ٤ : ٦٦٩ وما بعدها. وحواشي المصنّف قدس‌سره على ذلك المبحث تأتي في الصفحة : ٤٩١ وما بعدها.

(٤) فوائد الأُصول ٤ : ٦٦٠.

٤٥٢

البلوغ فيه من قبيل شرط القابلية في ناحية النقل والانتقال الذي هو مؤدّى عقد البيع ، إلاّ أنّه ـ أعني البلوغ ـ بالنسبة إلى عقد الوكالة لا ينبغي التأمّل في كونه من قبيل شرط القابلية ، حيث إنّه لابدّ في عقد الوكالة من قابلية الوكيل لأن يصدر منه ما وكّل فيه ، وبعد فرض اشتراط البلوغ في عقد البيع لا يكون غير البالغ متمكّناً من إيقاعه ، وحينئذ يكون غير البالغ خارجاً عن قابلية إيقاع عقد البيع ، فلا يمكن إيقاع وكالته على البيع ، ويكون البلوغ بالنسبة إلى عقد الوكالة شرطاً في القابلية ، فلا يمكن التمسّك بأصالة الصحّة في عقد الوكالة عند الشكّ في بلوغ الوكيل ، كما لا يمكن ذلك عند الشكّ في بلوغ الموكّل.

نعم ، بعد فرض عدم جريان أصالة الصحّة في عقد الوكالة يكون المرجع في عقدها إلى أصالة عدم ترتّب الأثر الذي هو الوكالة ، ومقتضاه وإن كان هو عدم صحّة البيع ، لكن أصالة الصحّة فيه يمكن القول بأنّها نافعة في الحكم بصحّة ذلك البيع بعد فرض كون بلوغ الوكيل العاقد لم يكن من شروط القابلية بالقياس إليه فتأمّل.

قوله في الهامش في وجه التأمّل : وجهه هو أنّه يمكن دفع التنافي بين الكلامين ... الخ (١).

لا يخفى أنّه عند الشكّ في بلوغ أحد المتعاقدين مع فرض كون الآخر بالغاً إن كان المراد من أصالة الصحّة هي صحّة عمل البالغ الذي هو الايجاب فتلك صحّة تأهّلية لا دخل لها بناحية القبول ، فإنّها متحقّقة وجد القبول أو لم يوجد أو وجد فاسداً. وإن كان المراد صحّة مجموع العقد تطرّق إليه الإشكال في أنّ البلوغ من شروط القابلية ، فلا تجري فيه أصالة الصحّة ، فليس المانع من التمسّك

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ ( الهامش ) : ٦٦٢.

٤٥٣

بأصالة الصحّة عند الشكّ في البلوغ منحصراً بما إذا كان كلّ من الطرفين مشكوك البلوغ.

والحاصل : أنّه عند كون أحدهما مشكوك البلوغ والآخر معلومه إن كان المراد إجراء أصالة الصحّة في ناحية مشكوك البلوغ ففيه إشكال القابلية ، وإن كان المراد إجراءها في ناحية معلوم البلوغ ليثبت بذلك صحّة عمل طرفه الآخر ، لكون صحّة عمل البالغ موقوفة على صحّة عمل ذلك الطرف ، ففيه أنّ المراد بالصحّة التي نثبتها في ناحية البالغ هي صحّة عمله بنفسه ، فتلك صحّة تأهّلية وهي غير مشكوكة أصلاً ، وإن كان المراد هي صحّة العقد تطرّق حينئذ إشكال القابلية.

قوله : وأولى من ذلك بيع الوقف مع الشكّ في عروض ما يسوغ معه البيع ... الخ (١).

لا يخفى أنّ الإشكال في بيع الراهن مع الشكّ في اجازة المرتهن يكون من جهتين : إحداهما أنّ صحّته تأهّلية بمعنى القابلية للحوق الاجازة من المرتهن ، والأُخرى من جهة كون الشكّ في القابلية ، بخلاف بيع الوقف فإنّ الإشكال فيه منحصر بالجهة الثانية ، فينبغي أن يكون الأولى هو بيع الراهن لا بيع الوقف ، وقد تقدّمت الاشارة إلى أنّ الشكّ في مسألة الوقف على نحوين ، أحدهما : ما لو أحرزت الوقفية وحصل الشكّ في المسوّغ. الثاني : ما لو شكّ في كون المبيع ملكاً أو وقفاً مع فرض عدم المسوّغ للبيع لو كان وقفاً وعدم اليد الدالّة على الملكية ، كما أنّ ذلك متصوّر أيضاً في الرهن ، فإنّه ربما يكون الشكّ في إجازة المرتهن مع فرض تحقّق الرهن ، وأُخرى يكون الشكّ في أصل الرهن مع فرض أنّه لو كان مرهوناً فهو بغير إجازة من المرتهن.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٦٣.

٤٥٤

ثمّ لا يخفى أنّ كون بيع الراهن واجداً للجهتين محلّ تأمّل ، لأنّ المراد من الصحّة فيه إن كانت هي التأهّلية فلا يرد عليها الإشكال الثاني الذي هو إشكال القابلية ، وإنّما يرد عليها الإشكال الأوّل وهو أنّها ليست بمشكوكة ، وإن كان المراد هو الصحّة الفعلية توجّه عليها الإشكال الثاني وهو إشكال القابلية دون الإشكال الأوّل.

والظاهر أنّ محلّ الفرض هو الأوّل أعني الصحّة الفعلية ، لأنّ المفروض أنّ عقد الراهن لم تلحقه الاجازة من المرتهن ، فإنّ ذلك مقطوع به ، وإنّما وقع الشكّ في كونه مسبوقاً بالإذن أو في كونه سابقاً على الرجوع ، فلا تكون الصحّة المشكوكة حينئذ إلاّصحّة فعلية ، فتأمّل.

ومنه يظهر الكلام في إجراء أصل الصحّة في بيع الصرف عند الشكّ في تحقّق القبض في المجلس ، فإنّ المقصود من الصحّة فيه هي الصحّة الفعلية ، بمعنى صحّة بيع الصرف لا صحّة نفس العقد الذي هو مجرّد الإيجاب والقبول التي لا تكون إلاّصحّة تأهّلية ، والظاهر أنّه لا مانع من إثبات القبض في المجلس بأصالة الصحّة بمعنى الجامعية لجميع ما يعتبر في بيع الصرف التي من جملتها القبض في المجلس ، خصوصاً إذا علمنا بتحقّق القبض ولكن وقع الشكّ في كونه في مجلس العقد أو أنّه في مجلس آخر.

والحاصل : أنّ الشكّ في تحقّق التقابض في بيع الصرف والسلم إن كان قبل التفرّق عن المجلس ، لم يكن في البين مجال لأصالة الصحّة ، من دون فرق في ذلك بين القول بأنّ القبض جزء من المعاملة ، والقول بأنّه شرط في حصول الملكية مع فرض تمامية المعاملة قبله ، إذ لا إشكال في الصورة المفروضة في كون البيع صحيحاً ، سواء قلنا بالصحّة التأهلية أو قلنا بالصحّة الفعلية. وإن كان

٤٥٥

الشكّ بعد التفرّق ، فإن نسبنا الصحّة إلى نفس العقد فكذلك أيضاً لا مجال لأصالة الصحّة ، لفرض كون العقد في حدّ نفسه صحيحاً ، غايته أنّه لو لحقه القبض في المجلس لترتّب عليه الأثر ، وهو المراد من الصحّة التأهّلية ، وإن نسبنا الصحّة إلى نفس المعاملة الصرفية المفروض أنّ الشارع اعتبر فيها زيادة على العقد القبض في المجلس ، فلا مانع على الظاهر من الحكم بصحّة تلك المعاملة وترتّب القبض في المجلس عليها ، خصوصاً لو علمنا بتحقّق القبض واحتملنا كونه بعد التفرّق.

ومن ذلك يظهر الحال في الهبة من الرحم مثلاً وفي الوقف ، فإنّه ما دام الواهب أو الواقف موجوداً وقد شككنا في تحقّق القبض لا يمكن الحكم بترتّب القبض وتحقّقه ركوناً إلى أصالة الصحّة ، ويكون حالهما حال بيع الصرف ما داما في المجلس ، إذ لا إشكال في صحّة عقد الهبة والوقف قبل القبض ، غايته أنّهما لا يكونان لازمين قبل القبض. وإن كان الشكّ بعد موت الواهب والواقف ، فإن نسبنا الصحّة إلى نفس العقد لم تكن أصالة الصحّة نافعة في تحقّق القبض ، وإن نسبنا الصحّة إلى معاملة الهبة والوقف فلا مانع على الظاهر من الركون إلى أصالة الصحّة في نفس المعاملة والحكم بترتّب القبض ، لأنّه لو لم يحصل القبض إلى ما بعد الموت كانت تلك المعاملة فاسدة.

ومن ذلك يظهر لك الحال في بيع الفضولي ، سواء كان الشكّ في أصل الفضولية بأن شككنا في مالكية البائع أو في إجازة المالك سابقة على العقد أو لاحقة له ، فإنّ العقد في جميع ذلك يكون صحيحاً ، ولا يقابله احتمال الفساد ، بل إنّما تكون المقابلة بين كونه لازماً وكونه موقوفاً على إجازة المالك ، وفي مثله لا تجري أصالة الصحّة ، لأنّها إنّما تجري في قبال احتمال الفساد ، فليس المانع من

٤٥٦

جريان الصحّة فيما لو احتمل كون البائع غير مالك هو أنّ المالكية من شرائط القابلية ، بل المانع إنّما هو أنّه ليس في مقابل احتمال المالكية احتمال الفساد ، لما عرفت من صحّة العقد سواء كان من المالك أو كان من غير المالك ، غايته أنّه لو كان من غير المالك كان لزومه على المالك موقوفاً على إجازته. نعم في مسألة الشكّ في الفضولية أصل آخر غير أصالة الصحّة وهو أصالة كون البائع مالكاً ، ألمّ به الشيخ قدس‌سره (١) في باب الخيار نقلاً عن جامع المقاصد ، وربما كان في بعض كلمات الجواهر إشارة إليه ، فراجع ما حرّرناه في هذه المسألة في المجموعة (٢) وعلى أيّ حال ، لا مورد لأصالة الصحّة عند الشكّ في الفضولية.

ومنه يظهر الحال في البيع مع احتمال كون المبيع مرهوناً ، أو مع إحراز كونه مرهوناً مع الشكّ في إجازة المرتهن ، فإنّ المانع من إجراء أصالة الصحّة في مثل ذلك ليس هو كون المبيع غير مرهون أو كونه باجازة المرتهن من شرائط القابلية ، بل المانع هو كون العقد في حدّ نفسه صحيحاً على كلّ حال ، غايته أنّه لو كان مرهوناً كان لزومه متوقّفاً على إجازة المرتهن سابقة أو لاحقة.

ومن ذلك كلّه يظهر لك الحال في البيع مع احتمال الاكراه ، فإنّه لا يمكن التمسّك في نفي الاكراه بأصالة الصحّة ، لأنّ عقد المكره لم يكن فاسداً بل هو صحيح ، غايته أنّ صحّته تأهّلية معلّقة على لحوق الرضا به.

فقد تلخّص لك : أنّه لا مجرى لأصالة الصحّة في كلّ مورد احتمل فيه التوقّف على إجازة من له الاجازة ، من دون فرق في ذلك بين احتمال الفضولية أو احتمال الرهن أو احتمال الاكراه. نعم بعد فرض تحقّق الردّ من ذلك الذي كنّا

__________________

(١) المكاسب ٦ : ١٣٢ ـ ١٣٣.

(٢) مخطوط لم يطبع بعدُ.

٤٥٧

نحتمل توقّف العقد على إجازته حيث يكون مقابل احتمال اللزوم هو احتمال الفساد ، يكون المرجع حينئذٍ هو أصالة الصحّة. كما ظهر لك أنّ ما يكون موقوفاً على القبض من المعاملات ـ مثل الصرف والسلم والهبة والوقف ـ لا مجال فيه لأصالة الصحّة عند الشكّ في تحقّق القبض ما دام الاقباض ممكناً ، كما لو كان المجلس باقياً في مسألة الصرف والسلم ، وكما لو كان الواهب والواقف حياً ، أمّا بعد انقضاء المجلس أو بعد موت الواهب أو الواقف ، فإن نسبنا الصحّة إلى نفس العقد بما أنّه عقد لم يكن مورد لأصالة الصحّة ، وإن نسبناها إلى نفس المعاملة كان هناك مجال لإعمال أصالة الصحّة ، فتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّ من جملة فروع المسألة مسألة اختلاف الزوج مع الزوجة المطلّقة رجعياً في أنّه كان رجوعه بها قبل انقضاء العدّة أو بعد انقضائها ، فقد اختلف في أنّ القول هل هو قول الزوج أو هو قول الزوجة. وقال بعض أجلّة العصر إنّه لو علم تاريخ الانقضاء ووقع النزاع في يوم الرجوع كان القول قوله ، ولو كان الأمر بالعكس بأن علم تاريخ الرجوع واختلف في تاريخ الانقضاء كان القول قولها ، استناداً في الأوّل إلى أصالة الصحّة في الرجوع الحاكمة على أصالة عدم وقوع الرجوع قبل الانقضاء ، وفي الثاني إلى سماع قولها في انقضاء العدّة ، وهو حاكم على أصالة الصحّة في الرجوع ، ولا مورد لسماع قولها في الأوّل لعدم الشكّ في تاريخ الانقضاء ، وإنّما وقع الشكّ في وقوع الرجوع قبله ، فلا يكون من موارد سماع قولها في انقضاء العدّة ، خلافاً لما يظهر من الجواهر (١) ، فإنّ الذي يظهر منه هو إجراء سماع قولها في المورد الأوّل أيضاً ، وقد اختاره السيّد قدس‌سره في قضاء

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٢ : ١٩٦ ـ ١٩٨.

٤٥٨

العروة (١).

ثمّ إنّا لو قلنا بعدم جريان أصالة الصحّة في الرجوع لكون الشكّ في القابلية كما يستفاد من كلمات شيخنا قدس‌سره ، كان القول قولها في المورد الأوّل أيضاً ، لأصالة عدم وقوع الرجوع من حين الطلاق إلى حين الخروج من العدّة ، فتأمّل. وقد تكلّمنا في هذه المسألة وفيما هو من نظائرها مفصّلاً في مباحث مجهول التاريخ فراجع (٢).

__________________

(١) العروة الوثقى ٦ : ٦٩٥.

(٢) وإن شئت فراجع قوله في الجزء الثاني من العروة مسألة ٤ : لو شكّ في أنّ تزويجه هل كان في الاحرام أو قبله ، بنى على عدم كونه فيه [ العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٥ : ٥٣٩ ] فإنّه لا يبعد أن يكون المراد هو البناء على صحّة التزويج كما أفاده الأُستاذ العراقي قدس‌سره في حاشيته [ نفس المصدر ] ، فيكون ذلك عبارة عن الاستناد إلى أصالة الصحّة ، وإلاّ فإنّ البناء على عدم كون ذلك العقد واقعاً في حال الاحرام لا وجه له ، وأصالة عدم وقوع العقد في حال الاحرام بمفاد ليس التامّة لا دخل لها بهذا العقد وأنّه هل وقع في حال الاحرام أو أنّه قد وقع قبله ، مضافاً إلى إمكان استصحاب كونه في الاحلال إلى أن وقع العقد ، فيكون هو القاضي بالصحّة ، كما أنّ استصحاب كونه في الاحرام إلى حين العقد في الفرع الثاني يكون قاضياً بالفساد ، إلاّ أن نحكّم فيه أصالة الصحّة على استصحاب كونه محرماً إلى حين العقد ، ولعلّه لأجل ذلك خصّصه بالإشكال.

ويحتمل رجوع الإشكال إلى الصورتين ، بناءً على أن يكون منشؤه هو التأمّل في جريان أصالة الصحّة عند الشكّ في إحرام العاقد لكونه من قبيل الشكّ في القابلية ، نظير الشكّ في بلوغ العاقد ، والثاني منهما أشكل لوجود الأصل الموضوعي الحاكم بالفساد ، وهو استصحاب كونه في الاحرام إلى حين العقد ، لكن الظاهر منه قدس‌سره هو

٤٥٩

__________________

البناء على أصالة الصحّة ، وقد أشار إلى أنّ كلاً من الفرعين يتصوّر فيه الجهل بتاريخ الحادثين والعلم بأحدهما دون الآخر وحكم في الجميع بأصالة الصحّة ، فلاحظ الصور المتصوّرة في الفرعين وهي ست ، وتأمّل في مقتضى الأصل فيها مع قطع النظر عن أصالة الصحّة.

صور الفرع الأوّل :

١ ـ العقد والاحرام مجهولا التاريخ ، فيجري استصحاب بقائه محلاً وعدم الاحرام إلى حين العقد ، فيكون العقد صحيحاً ، ولا تعارضه أصالة عدم العقد إلى ما بعد الاحرام ، لأنّه لا أثر له إلاّبلازمه وهو وقوع العقد بعد الإحرام.

٢ ـ أن يكون الاحرام معلوم التاريخ والعقد مجهولاً ، فلا أصل إلاّ استصحاب عدم العقد إلى ما بعد الاحرام وهو مثبت ، فإن قلنا بأصالة الصحّة فهو وإلاّ كان المرجع أصالة عدم ترتّب الأثر حتّى الحرمة الأبدية لو احتمل وقوعه في الاحرام عن عمد وعلم.

٣ ـ أن يكونا بالعكس ، فيجري استصحاب الاحلال إلى حين العقد فيحكم بصحّته.

صور الفرع الثاني :

١ ـ العقد والاحلال من الاحرام كلّ منهما مجهول التاريخ ، فيجري استصحاب بقائه محرماً إلى حين العقد فيبطل ، إلاّ أن يركن إلى أصالة الصحّة ، ولا يعارضه استصحاب عدم العقد إلى ما بعد الاحلال ، إذ لا أثر لعدم وقوع العقد في حال الاحرام إلاّبواسطة لازمه وهو كون هذا العقد غير واقع في حال الاحرام.

٢ ـ أن يكون الاحلال معلوم التاريخ ، فلا أصل في البين ، لأنّ استصحاب عدم وقوع العقد إلى ما بعد الاحلال لا أثر له ، فيكون المرجع هو أصالة عدم ترتّب الأثر إلاّ إذا قلنا بأصالة الصحّة.

٣ ـ أن يكون بالعكس فيجري استصحاب كونه محرماً إلى حين العقد فيحكم بالبطلان

٤٦٠