أصول الفقه - ج ١١

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-84-3
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٨٣

قاعدة التجاوز ، وأنّه لا دليل على خروجه منه فضلاً عن وجود ما بظاهره الحكم بعدم الاعتناء بالشكّ في الركوع بعد التلبّس بالهوي ، نعم في خصوص النهوض إلى القيام دلّ الدليل على خروجه عن ذلك العموم ، بخلاف الهوي إلى السجود.

والظاهر أنّ المقدّمات في باب الصلاة منحصرة في هذين الفرعين ، وفيما لو شكّ في التشهّد وهو في حال النهوض للقيام ، وفيما لو شكّ في حال هويّه إلى السجدة أنّه استقرّ بينهما ، وهكذا فيما لو شكّ في حال هويّه إلى السجود أنّه استقام واستقرّ بعد الركوع ، أمّا الشكّ في القراءة بعد الهوي إلى الركوع قبل الوصول إلى حدّه فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى (١).

قوله : الأمر الثاني : مقتضى ما ذكرناه ... الخ (٢).

قد عرفت فيما قدّمنا نقله من الروايات أنّ التشهّد قد ذكر في رواية دعائم الإسلام المنقولة في المستدرك (٣) فراجع.

فرع : لو كان القنوت مشكوكاً بعد الدخول في الركوع ، وكان أثر ذلك الشكّ هو القضاء بعد الركوع لو لم يكن من عادته القنوت ، ولكنّه في أثناء الركوع شكّ في أنّه جرى على خلاف عادته فأتى به قبل الركوع أم لا ، فإنّ جريان قاعدة التجاوز في ذلك محلّ تأمّل وإشكال ، لوهنها بجريان عادته على خلاف مقتضاها من أنّه أتى بالقنوت قبل الركوع.

بل يمكن أن يقال : إنّه لمّا كانت عادته جارية على ترك القنوت لم يكن القنوت في حقّه واجداً لما هو الملاك في قاعدة التجاوز من الجري على مقتضى

__________________

(١) في الصفحة : ٣٦٣.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٦٣٧.

(٣) مستدرك الوسائل ٦ : ٤١٧ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٠ ح ١.

٣٦١

الارادة السابقة ، وهكذا الحال في الشكّ في الأذان في أثناء الاقامة لو لم يكن من عادته الأذان.

قوله : فإنّ المذكور في رواية زرارة هو الشكّ في القراءة بعد الركوع ... الخ (١).

لابدّ أن يكون أثر هذا الشكّ هو رفع لزوم سجود السهو لو قلنا بوجوبه لكلّ زيادة ونقيصة أو باستحبابه ، وإلاّ فلا أثر لتركه السهوي بعد عدم التذكّر إلاّبعد الدخول في الركوع ، فضلاً عن الشكّ في ذلك.

قوله : وأمّا الشكّ في الحمد وحدها بعد الدخول في السورة فلم يتعرّض السائل لفرضه ، بل ذكره الإمام عليه‌السلام في الكبرى الكلّية المذكورة في الذيل وهي قوله عليه‌السلام : « إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره » ... الخ (٢).

لا يخفى أنّه بناءً على مسلكه قدس‌سره لا تكون الحمد داخلة في هذه الكبرى إلاّ بعد التنزيل والعناية ولحاظها مستقلّة ، والمفروض أنّه لم يثبت ذلك ، إلاّ أن تكون تلك الكلّية هي محطّ التنزيل لا ما تقدّمها من الأمثلة. ومنه يظهر التأمّل فيما أُفيد في الأمر الرابع في صورة الشكّ في التشهّد بعد القيام.

ثمّ إنّه لا فرق على الظاهر في الأجزاء المستحبّة بين مثل الاستعاذة قبل الفاتحة وبين الاستغفار بعد التسبيح ، فتجري قاعدة التجاوز فيما لو شكّ في تكبيرة الاحرام بعد الدخول في الاستعاذة ، وفيما لو شكّ في التسبيح بعد الدخول في الاستغفار ، لكنّه قدس‌سره أفاد في بعض إفاداته أنّه يمكن الفرق بينهما بأنّ الاستغفار جزء ممّا يقال في الركعة الثالثة والرابعة ، فلا تجري فيها قاعدة التجاوز ، ولعلّ هذا

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٣٧.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٦٣٧.

٣٦٢

الفرق هو منشأ ما أفاده قدس‌سره في حواشي العروة (١) من الاحتياط في الاستغفار في باب القراءة ، ولكنّه مع ذلك لا يخلو عن تأمّل ، لأنّ الحمد بالنسبة إلى السورة أيضاً كذلك ، يعني أنّ المجموع منهما ممّا يقال في الركعة الأُولى والثانية ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الحمد والسورة يكون كلّ منهما جزءاً مستقلاً في التبويب ، فتأمّل.

قوله : فإن قلنا إنّ الهوي من القيام إلى الركوع من المقدّمات كالهوي إلى السجود ، فلا إشكال في وجوب العود إلى القراءة ... الخ (٢).

لا يخفى أنّه ليس لنا دليل عام يخرج عامّة المقدّمات عن عموم « الغير » ، وإنّما كان أقصى ذلك هو مفهوم التحديد في رواية إسماعيل بن جابر ، ومن الواضح أنّه مختصّ بالنهوض إلى القيام مع الشكّ في السجود ، والهوي إلى السجود مع الشكّ في الركوع ، أمّا الهوي إلى الركوع مع الشكّ في القراءة بناءً على كونه من المقدّمات ، فلم يدلّ دليل على خروجه عن عموم « الغير » ، والفرض الذي فرضه السائل في رواية زرارة بقوله : « شكّ في القراءة وقد ركع » (٣) لا يدلّ على ذلك ، لعدم كونه واقعاً في كلام الإمام عليه‌السلام ، إلاّ أن يقال ـ كما مرّ ـ (٤) إنّ خروج هذين الموردين بالتخصّص لا التخصيص ، وأنّ « الغير » لا يشمل المقدّمات ، وقد حرّرت عنه قدس‌سره ما محصّله : أنّه بناءً على كون الهوي إلى الركوع جزءاً صلاتياً يقع الإشكال في دخوله تحت القاعدة ، لأنّ الظاهر من قوله « وقد ركع » هو تمامية الركوع ، فلا يشمل ما إذا كان الشكّ في القراءة قبل تمامية الركوع ، ولو كان الشكّ

__________________

(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٢ : ٥٢٩ / المسألة ١٠.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٦٣٨.

(٣) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٤) في الصفحة : ٣٤٢ فما بعدها.

٣٦٣

في أثناء الهوي.

قلت : لا يخفى أنّه بناءً على كونه جزءاً صلاتياً لا دليل على خروجه ، ومجرّد ظهور رواية زرارة في تمام الركوع لا يوجب ذلك ، لما عرفت من أنّه ليس واقعاً في كلام الإمام عليه‌السلام كي يكون دالاً على الانحصار بمقتضى مفهوم التحديد ، سيّما بعد أن أفاد قدس‌سره أنّه يستفاد من الأمثلة جريان القاعدة في جميع الأجزاء المستقلّة بالتبويب ، فإنّ الهوي بناءً على أنّ الركوع من مقولة الفعل لا من قبيل الهيئة كما هو مختاره قدس‌سره ، يكون من جملة الأجزاء المستقلّة بالتبويب ، على أنّ اعتبار استقلال الأجزاء بالتبويب إنّما يكون مؤثّراً في خروج ما لو كان المشكوك فيه والمدخول [ فيه ] كلاهما جزءاً من جزء واحد ، دون ما لو كان أحدهما من جزء والآخر من جزء آخر.

قوله : وهو أنّ المجعول في قاعدة التجاوز والفراغ إنّما هو البناء على وقوع الجزء المشكوك فيه ، فإنّها لو لم تكن من الأمارات فلا أقل من كونها من الأُصول المحرزة ... الخ (١).

أمّا قاعدة التجاوز فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّها كما أفاده قدس‌سره من أنّها لو لم تكن من قبيل الأمارات فلا أقل من كونها من الأُصول المحرزة للمشكوك ، لما اشتملت عليه رواياتها من قوله عليه‌السلام « قد ركع ». وأمّا قاعدة الفراغ فكونها من ذلك القبيل محلّ تأمّل ، لإمكان القول بأنّها لا تعرض فيها لأزيد من الحكم بامضاء ما مضى ، كما قد يدّعى استفادة ذلك من قوله عليه‌السلام : « فأمضه كما هو » (٢) وأمّا ما

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٣٩.

(٢) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

٣٦٤

اشتملت عليه الرواية من قوله عليه‌السلام : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » (١) فيمكن القول بأنّه ليس من قبيل العلّة والعنوان ، بل هو من قبيل الحكمة كما سيأتي ذلك في ص ٢٤٢ (٢) وكما سيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام في ذلك.

ولكن لا يبعد القول بأنّها من الأُصول الاحرازية ، لكن لا يكون المحرز بها هو نفس الجزء المشكوك ، بل المحرز بها إنّما هو الصحّة أو التمامية ، في قبال الفساد أو النقصان بما يلزم قضاؤه أو سجود السهود له ، فإنّ هذا المقدار هو المحكوم به في قاعدة الفراغ ، حيث إنّك قد عرفت في بعض المباحث السابقة (٣) أنّها عبارة عن الحكم بالصحّة والتمامية في قبال احتمال الفساد والنقصان ، فهي لا تكون مزيلة إلاّلهذه الجهة من الشكّ ، وإن كانت هذه الجهة ناشئة عن الشكّ في وجود الجزء الفلاني ، ولأجل هذا التسبّب كانت قاعدة التجاوز حاكمة عليها.

ولا يخفى أنّ هذا الذي ذكرناه من عدم تعرّض قاعدة الفراغ لإثبات الجزء المشكوك وأنّها لا تتعرّض لأزيد من إحراز الصحّة والتمامية ، لا ينافيه ما اشتملت عليه الرواية المزبورة من قوله عليه‌السلام : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » لأنّ المراد الأذكرية من حيث التمامية في قبال احتمال النقص ، لا الأذكرية من حيث الاتيان بالمشكوك ، كما أنّه لا ينافيه ما تقرّر وتحقّق من حكومتها على استصحاب عدم الاتيان بالجزء المشكوك أو الشرط المشكوك ، وذلك لأنّ أثر ذلك الاستصحاب لمّا كان هو الحكم ببطلان الصلاة أو نقصانها ولزوم قضاء الجزء المتروك أو سجود السهو ، كانت القاعدة حاكمة عليه في هذا الأثر ، دون باقي آثاره

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٦٥٠.

(٣) راجع الصفحة : ٢٦٢ و ٢٦٥ و ٢٩٢.

٣٦٥

من لزوم الاتيان بالشرط المشكوك بالنسبة إلى الصلوات الآتية.

ثمّ لو تنزّلنا وقلنا إنّ قاعدة الفراغ متعرّضة لإثبات الجزء أو الشرط المشكوك وأنّها محرزة له ، فلا أقل حينئذ من القول بأنّ أثر ذلك الاحراز منحصر بما ذكرناه من صحّة الصلاة ، وعدم قضاء المشكوك وسجود السهو ونحو ذلك ممّا يعود إلى نفس تلك الصلاة ، لا جميع الآثار حتّى بالنسبة إلى الصلوات الآتية ، والشاهد على هذا التخصيص ما تضمّنته جملة من رواياتها من قولهم عليهم‌السلام « يمضي ولا يعيد » (١) وهكذا قوله عليه‌السلام : « في الرجل يشكّ بعد ما ينصرف من صلاته ، قال : لا يعيد ولا شيء عليه » (٢).

ولا يضرّه قوله عليه‌السلام « ولا شيء عليه » فإنّ الظاهر منه بقرينة قوله عليه‌السلام « لا يعيد » هو أنّه لا شيء عليه فيما يعود إلى تلك الصلاة من إعادة أو قضاء جزء أو سجود سهو ، لكن هذا الوجه لو تمّ لكان مقتضاه عدم حكومة قاعدة التجاوز على قاعدة الفراغ ، لتساويهما في مورد الاجتماع في كون كلّ منهما متعرّضاً لاثبات الجزء المشكوك ، غايته أنّ إثبات قاعدة التجاوز له لا يكون مقيّداً بحيثية خاصّة ، بخلاف إثباته بقاعدة الفراغ ، فإنّ إثباتها له إنّما يكون من تلك الحيثية الخاصّة وهو عدم إعادة الصلاة أو قضاء الجزء المشكوك أو سجود السهو ، وهذا المقدار من الفرق لا يوجب الحكومة مع فرض الوحدة من حيث الموضوع وأصل الحكم.

وربما يقال : إنّ إثبات قاعدة التجاوز للجزء أو الشرط المشكوكين لا يكون إلاّ من الحيثية المذكورة كإثبات قاعدة الفراغ.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٤٧٠ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٥.

(٢) وسائل الشيعة ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٧ ح ١.

٣٦٦

ولا يرد عليه أنّه بناءً على ذلك لا وجه للحكم بصحّة الأجزاء اللاحقة ، بل حينئذ لابدّ من إحراز الشرط لها أو إحراز ترتّبها على ذلك الجزء المشكوك ، وإحرازه من تلك الحيثية إنّما يؤثّر في الأجزاء السابقة على المشكوك.

وبيان عدم الورود ، هو أنّ المستفاد من أدلّة قاعدة التجاوز هو تصحيح الصلاة بجميع أجزائها السابقة واللاحقة ، وعدم الالتفات إلى ما يقتضيه الشكّ من احتمال البطلان أو احتمال قضاء الجزء المشكوك أو سجود السهو ، لا خصوص الأجزاء السابقة ، لكن ذلك مخصوص بخصوص تلك الصلاة دون غيرها ممّا يأتي من الصلوات.

نعم ، يرد على هذا الوجه : أنّه ليس في روايات قاعدة التجاوز ما يدلّ على انحصار أثر إحراز الجزء أو الشرط وإثباته بخصوص تلك الصلاة ، اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ ذلك هو المنساق منها ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : وهذا في الشرائط التي لا تتعلّق بها إرادة مستقلّة بل تتعلّق بها الارادة بتبع تعلّقها بالمشروط واضح ، ولكن الظاهر أن لا يكون له مثال ... الخ (١).

يمكن أن يقال : إنّ الوضوء للصلاة من هذا القبيل ، ويمكن أن يقال : إنّ نفس أجزاء الصلاة بالنسبة إلى جهة كون كلّ جزء شرطاً في صحّة الأجزاء الأُخر بواسطة الارتباطية بين الأجزاء من هذا القبيل ، فلو شكّ في جزء وقد جازه إلى جزء آخر جرت فيه قاعدة التجاوز من جهة نفس وجوده ، ومن جهة كونه شرطاً في صحّة الأجزاء الأُخر السابقة عليه واللاحقة له ، لكنّه قدس‌سره لم يعتن بهذا المثال

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٤١.

٣٦٧

لعدم تمحّضه في الجهة الثانية ، وحينئذ يكفي في جريان القاعدة فيه من الجهة الأُولى. أمّا مثال الوضوء ففيه إشكال كون الشرط هو نفس الأفعال الوضوئية ، أو أنّ الشرط هو أثرها حتّى لو كان قد توضّأ لصلاة سابقة ، وحينئذ يدخل في الشرط الذي ليس له محلّ مخصوص.

ثمّ لو قلنا بأنّ الشرط هو نفس الأفعال الوضوئية كان الكلام في جريان قاعدة التجاوز فيه متوقّفاً على كونه مراداً تبعاً لا استقلالاً.

ولو سلّمنا أنّه مراد تبعاً أو قلنا بأنّه مراد استقلالاً ، وقلنا بأنّ جريان القاعدة لا يتوقّف على الارادة التبعية توقّف جريان قاعدة التجاوز فيه على كونها قاعدة مستقلّة ، أمّا بناءً على كونهما واحدة وأنّ جريان تلك القاعدة التي هي قاعدة الفراغ في الأجزاء يتوقّف على التنزيل ، كان التوقّف فيه من جريان القاعدة المذكورة من هذه الجهة ، إلاّ أن يدّعى تعميم التنزيل له باستفادة ذلك من إجرائها في الأذان والاقامة ، ويمكن التفرقة بأنّ الأذان والاقامة ملحقان بأجزاء الصلاة ، فتكون الارادة فيهما تبعية ، بخلاف مثل الوضوء والغسل وصلاة الظهر ، فلاحظ.

ثمّ إنّه سيأتي الإشكال على القول بأنّه تجري في حقّه قاعدة التجاوز من ناحية الوضوء مثلاً وتصحّ الأجزاء اللاحقة ولكن يتوضّأ للصلوات الآتية ، بأنّ لازم ذلك هو حرمة مسّ المصحف عليه في أثناء تلك الصلاة ، وأنّه لو [ كان ] محل التجاوز هو الغسل وكان قد طرأه الشكّ في أثناء الصلاة في المسجد فلازمه الخروج من المسجد ، وهو غريب تصحّ صلاته ولا يجوز له مسّ المصحف.

وربما يجاب : بأنّ المانع من المسّ والبقاء هو استصحاب الجنابة ، وهو ما دام لم يفرغ من الصلاة محكوم بقاعدة التجاوز ، وإنّما يرجع إلى الاستصحاب

٣٦٨

بعد الفراغ من تلك الصلاة.

وفيه : ما لا يخفى ، حيث إنّ حكومة القاعدة عليه حسب الفرض إنّما تكون من ناحية صحّة الصلاة المذكورة ، أمّا الآثار الأُخر فلا حكومة من ناحيتها ، فلا مانع من جريان الاستصحاب القاضي بحرمة اللبث والمسّ ولو في أثناء الصلاة ، لعدم كونه من هذه الجهة محكوماً بقاعدة الفراغ ، بل يجريان معاً في زمان واحد لعدم التدافع بينهما إلاّمن جهة دعوى كون قاعدة التجاوز قاضية بتحقّق الغسل ، وحينئذ يلزمه جواز الدخول في الصلوات الآتية.

وممّا يستدلّ به لما ذكر من عدم وجوب الطهارة للصلاة الآتية ، هو أنّه لا ريب في كون قاعدة التجاوز الجارية في السجدة بعد الدخول في التشهّد لا يكون أثرها منحصراً بصحّة ما يأتي من الأجزاء ، بل هي قاضية بأنّه امتثل أمر السجدة ، ولأجل ذلك لا يبقى له شكّ في أنّه يقضيها بعد الصلاة ، وحينئذ يكون أثر جريانها في الغسل بعد الدخول في الصلاة غير مقصور على صحّة ما بيده ، بل له أثر آخر وهو إثبات الغسل وامتثال أمره ، وحينئذ يكون ذلك كافياً في صحّة صلواته الآتية ، ولا يجب عليه التطهّر لها.

ولكن يمكن الفرق بأنّ إثبات السجدة وإسقاط أمرها لا يخرج عن مجموع ما بيده من العمل الذي قلنا إنّ قاعدة التجاوز تؤثّر فيه حتّى من قضائه بعد الصلاة ، وهذا بخلاف ما يأتي من الصلوات الأُخر في مسألة الغسل فإنّها ـ أعني الصلوات الأُخر ـ أجنبية عن العمل الذي بيده. وبالجملة : أنّ أثر قاعدة التجاوز منحصر بما جرت فيه دون ما هو خارج عن منطقة جريانها ، ولكنّه لا يخلو عن مجرّد التخرّص ومزيج من الاستحسان ، فلاحظ وتدبّر.

٣٦٩

قوله : ففي جريان قاعدة التجاوز عند الشكّ في الشرط في أثناء المشروط وعدمه وجهان ... الخ (١).

الذي بنى عليه أخيراً في مبحث الخلل (٢) وفي الدورة الأخيرة من الأُصول (٣) هو عدم جريان قاعدة التجاوز في مثل الطهور وصلاة الظهر ، لكونهما من الأفعال الاستقلالية المرادة بإرادة مستقلّة ، والمعتبر فيما تجري فيه قاعدة التجاوز أن يكون مراداً بالارادة الجزئية الناشئة عن الارادة المتعلّقة بالمركّب.

قلت : قد يقال : إنّ اعتبار الارادة الجزئية إنّما يتمّ على تقدير القول بكون قاعدة التجاوز قاعدة مستقلّة ، وأمّا على تقدير القول بأنّها راجعة إلى قاعدة الفراغ وأنّ التنزيل إنّما يكون في ناحية الصغرى بالنظر إلى كلّ واحد من الأجزاء مستقلاً فلا يعتبر الارادة الجزئية ، لمنافاتها للنظر الاستقلالي للأجزاء.

والجواب عن ذلك واضح ، لأنّ كون الفعل مراداً بالارادة الجزئية لا ينافي كونه في نظر الشارع ملحوظاً بنحو الاستقلال المعبّر عنه بلحاظ قبل التركيب ، هذا.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ صلاة الظهر وإن كانت مرادة بالاستقلال ، إلاّ أنّ الوضوء ليس كذلك ، فالأولى أن يسند عدم جريان القاعدة فيه إلى عدم كونه من ذوات المحلّ المخصوص ، لما أفاده قدس‌سره في أثناء تحقيقاته في مبحث الخلل (٤) من أنّ أقصى ما يستفاد من الآية الشريفة هو وجوب الوضوء عند القيام إلى الصلاة

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٤١.

(٢) كتاب الصلاة ( للشيخ الآملي قدس‌سره ) ٣ : ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٣) أجود التقريرات ٤ : ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

(٤) كتاب الصلاة ( للشيخ الآملي قدس‌سره ) ٣ : ١٣٩.

٣٧٠

من جهة كونها مشروطة به ، وهذا المقدار لا دلالة له على أنّ له محلاً مقرّراً قبل الصلاة ، لقوّة احتمال أن يكون الأمر به قبل الصلاة من جهة حكم العقل بتقدّمه على الصلاة آناً ما كتقدّم الاستقبال والتوجّه إلى القبلة قبل الدخول فيها آناً ما ، ومجرّد ذلك لا يكون محقّقاً للمحلّ الشرعي للوضوء ، وأمّا صلاة الظهر فأقصى ما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام : « إلاّ أنّ هذه قبل هذه » (١) هو لزوم امتثال أمر الأُولى قبل امتثال أمر الثانية ، وهذا المقدار لا يحقّق كون محلّها الشرعي قبل الثانية.

قلت : لا يخفى أنّ الحكم في قاعدة التجاوز غير معلّق في أخبارها على المحلّ الشرعي ، بل إنّما أقصى ما في تلك الأخبار أن يكون الشكّ في الشيء بعد الدخول في غيره ، وهذا المقدار متحقّق في المثالين المذكورين.

بل يمكن أن يقال : إنّ دليل الترتيب في باب الظهر والعصر دالّ على أنّ محلّ الظهر شرعاً قبل العصر ، ولعلّه قدس‌سره لأجل ذلك عدل عن هذه الطريقة إلى طريقة كونهما من الأفعال الاستقلالية ، وقد عرفت أنّه إنّما يسلم في الظهر دون الوضوء.

فالأولى أن يستند في عدم جريان القاعدة في الوضوء إلى أنّ الشرط ليس هو هذه الأفعال ، وإنّما الشرط هو أثرها وهو كونه متطهّراً من الحدث حتّى لو كان واجداً لهذا الشرط من جهة أُخرى ، كأن يكون قبل دخول الوقت متوضّئاً لصلاة سابقة ، وذلك لا ينافي كون المأمور به بالأمر الغيري هو نفس الأفعال فيما لو لم يكن ذلك الشرط حاصلاً كما هو مورد الآية الشريفة ، بناءً على تفسيرها بالقيام من النوم.

والحاصل : أنّ كون المأمور به بالأمر الغيري هو نفس الأفعال ، بحيث إنّه

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥.

٣٧١

عند الشكّ في الأقل والأكثر منها يكون المرجع هو البراءة ، لا ينافي كون القيد والشرط الحقيقي هو نفس الطهارة التي هي أثر تلك الأفعال ، لأنّ إجراء البراءة في الزائد ينقّح أنّ الأقل هو المأمور به بالأمر الغيري وأنّه يترتّب عليه ما هو الشرط والقيد الحقيقي للصلاة ، فتأمّل فإنّ دعوى عدم المنافاة بين هذين المطلبين ـ أعني مطلب الرجوع إلى البراءة في مسألة الأقل والأكثر في باب الوضوء ، ومسألة كون الشرط الحقيقي هو نفس الأثر الذي هو الطهارة من الحدث ـ لا تخلو من إشكال.

ويمكن التفصيل بين ما لو دخل في الصلاة وقد علم أنّه لم يتطهّر لهذه الصلاة لكنّه احتمل أنّه كان واجداً للطهارة في صلاة سابقة مثلاً ، فلا تجري فيه قاعدة التجاوز لعدم كون محلّ طهارته في هذه الصورة قبل هذه الصلاة ، وبين ما لو علم بأنّه في السابق لم يكن متطهّراً واحتمل أنّه تطهّر لهذه الصلاة فتجري فيه قاعدة التجاوز.

وأمّا حديث الاستقلال بالارادة فقد عرفت أنّه إنّما يؤثّر في ناحية الظهر بالنسبة إلى العصر دون الوضوء بالنسبة إلى الصلاة. نعم يمكن أن يرجع في مسألة الظهر والعصر إلى أمر آخر غير قاعدة التجاوز ، وذلك الأمر الآخر هو أنّ الدخول في المرتّب على الشيء لا يكون إلاّبعد الاتيان بذلك الشيء ، فيكون الدخول في المرتّب كاشفاً عن الاتيان بالمرتّب عليه بنحو من الكشف الأماري أو بنحو من التعبّد العقلائي ، والملاك في هذا الأمر غير ما هو الملاك في قاعدة التجاوز ، فإنّ الملاك في قاعدة التجاوز هو أنّ تعلّق الارادة بالمركّب يلزمه تعبّداً أو أمارةً الجريَ على طبق تلك الارادة في أجزاء ذلك المركّب ، فلو أردنا أن ندخل ما نحن فيه في تلك القاعدة ، كان علينا أن ندّعي وحدة المجموع من صلاة الظهر والعصر وحدة عرفية ناشئة من ارتباط الثانية بالأُولى ولو من جهة ترتّبها

٣٧٢

عليها ، ولا ينافي ذلك كون كلّ منهما مراداً بإرادة مستقلّة بعد فرض تعلّق الارادة السابقة بالمجموع المركّب منهما ، ونجعل الشروع في العصر أمارة أو أصلاً عقلائياً مثبتاً للفراغ من الظهر.

ولا يخفى ما في هذه الدعوى من التكلّف وتطرّق المنع إلى دعوى وحدتهما على وجه يمكن أن تتعلّق بالمجموع منهما إرادة واحدة مع فرض أنّه لابدّ في كلّ منهما من إرادة مستقلّة تتعلّق به بنفسه.

فالأولى أن نركن إلى ذلك الأمر الثاني ، وهو أنّ البناء العقلائي جرى على أنّ الأفعال المترتّبة ولو كانت استقلالية إلاّ أنّها لمّا كانت مترتّبة كان البناء العقلائي جارياً على أنّه لا يشرع في اللاحق إلاّبعد الفراغ من السابق ، وهذا البناء العقلائي سواء كان على نحو الأمارة أو كان على نحو الأصل العقلائي أوسع من مفاد قاعدة التجاوز ، بناءً على انحصارها بالمركّبات.

وهناك رواية لا يبعد أن تكون ظاهرة فيه ، قال في الوسائل ـ في أبواب الوقت باب أنّ من شكّ قبل خروج الوقت في أنّه صلّى أم لا وجب عليه الصلاة ، وإن شكّ بعد خروجه لم يجب إلاّ أن يتيقّن ، وكذا الشكّ في الأُولى بعد أن يصلّي الفريضة الثانية ـ : محمّد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن حريز عن زرارة والفضيل عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث ، قال عليه‌السلام : « متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها ، وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت وقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن ، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت » ورواه الشيخ باسناده عن علي بن إبراهيم مثله (١). محمّد بن إدريس في آخر

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣ / أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١ ، تهذيب الأحكام ٢ : ٢٧٦ / ١٠٩٨.

٣٧٣

السرائر نقلاً عن كتاب حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا جاء يقين بعد حائل قضاه ومضى على اليقين ويقضي الحائل والشكّ جميعاً ، فإن شكّ في الظهر فيما بينه وبين أن يصلّي العصر قضاها ، وإن دخله الشكّ بعد أن صلّى العصر فقد مضت إلاّ أن استيقن ، لأنّ العصر حائل فيما بينه وبين الظهر ، فلا يدع الحائل لما كان من الشكّ إلاّبيقين » (١).

ولم أعثر على من استدلّ لعدم الاعتناء بالشكّ في الاتيان بالظهر بعد الشروع في العصر أو بعد الفراغ منها بهذه الرواية فيما راجعته من الكتب التي حضرتني ، مع أنّها واضحة الدلالة على عدم الاعتناء بالشكّ والحكم بأنّه قد فرغ من الظهر ، ولا يبعد أن يكون ذلك من جهة ذلك البناء العقلائي الذي عرفت أنّه أوسع من قاعدة التجاوز ، لا لنفس قاعدة التجاوز ، لما عرفت من تطرّق المنع إلى إجرائها في أمثال ذلك ممّا يكون خارجاً عن عالم المركّبات ، ولا لقاعدة الفراغ من العصر لما عرفت من عدم اقتضائها سقوط الأمر بالظهر ، وحيث إنّي لم أعثر على ما يدلّ على عمل الأصحاب بمقتضى هذه الرواية فلا يمكنني الاستناد إليها فعلاً ، فلابدّ حينئذ من الاعتناء بالشكّ في صلاة الظهر بعد الدخول في العصر.

أمّا الوضوء والصلاة فالأقوى جريان قاعدة التجاوز فيه ، خصوصاً فيما عرفت من صورة احتمال أنّه قد توضّأ لهذه الصلاة ، ومقتضى قاعدة [ التجاوز ] هو جواز بل لزوم إتمام تلك الصلاة مع عدم لزومه للصلوات الأُخرى ، بل لو كان الشكّ بعد الفراغ كان الحكم أيضاً كذلك من عدم لزوم الوضوء للصلوات الآتية ، لما عرفت فيما تقدّم (٢) من حكومة قاعدة التجاوز على قاعدة الفراغ.

__________________

(١) نفس المصدر ح ٢ ، السرائر ٣ : ٥٨٨ ( باختلاف يسير ).

(٢) في الصفحة : ٢٦٢ و ٢٦٥ و ٢٩٢.

٣٧٤

ولكن الإنصاف أنّه لا يبعد القول بأنّ ما دلّت عليه رواية زرارة (١) وإسماعيل ابن جابر (٢) من تلك الكلّية ليس مختصّاً بخصوص المركّبات الداخلة تحت إرادة واحدة ، بل إنّ الأمر أوسع من ذلك ، وذلك هو ما يساوق ما دلّت عليه هذه الرواية.

والحاصل : أنّ بناء العقلاء على الأخذ بمقتضى الارادة الأوّلية المتعلّقة بالمركّب وإن كان مسلّماً إلاّ أنّ لهم بناء هو أوسع من ذلك ، وهو عدم التجاوز عن الشيء والدخول فيما هو مرتّب عليه إلاّبعد الاتيان به والفراغ منه ، ولا يبعد القول بأنّ مثل كلّ شيء دخلت في غيره الخ إنّما هو في مقام بيان هذا البناء الثاني ، وما تضمّنته هذه الرواية من صغرياته ، فتكون قاعدة التجاوز جارية في جميع المرتبات لا خصوص المركّبات ، وهذه التوسعة ظاهرة من كشف الغطاء (٣) والعناوين (٤) الذي هو كتاب تلميذه أو تلميذ أحد أنجاله ، فقد وسّعوا ذلك إلى كلّ مرتب ولو عادي أو اتّفاقي ، فراجع (٥).

قوله : والذي يترجّح في النظر ... الخ (٦).

بعد أن تقدّم الإشكال على ذلك بأنّ مقتضى الأُصول الاحرازية هو عدم وجوب الوضوء للصلوات الآتية ، كيف صار الاقتصار على إتمام الصلاة ووجوب

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ / أبواب الركوع ب ١٣ ح ٤.

(٣) كشف الغطاء ٣ : ٣٦٧.

(٤) العناوين ١ : ١٧٤.

(٥) وينبغي مراجعة العروة في أحكام الوقت المسألة ٢٠ وفي أحكام الشكّ المسألة ١ [ منه قدس‌سره ].

(٦) فوائد الأُصول ٤ : ٦٤٢.

٣٧٥

الوضوء لما يأتي راجحاً.

والإنصاف : أنّ ما حرّرناه عن شيخنا قدس‌سره في هذا المقام في غاية الاضطراب ، فراجع التحرير المطبوع في صيدا (١) مع ما حرّرته عنه في مبحث الخلل والأُصول (٢) وما اشتمل عليه هذا التقرير ، تجد هذه التحارير غير متّحدة المفاد ، وكان قدس‌سره يشكل على هذا الذي أُفيد هنا أنّه المختار بأنّ لازمه عدم جواز مس المصحف في أثناء الصلاة ( قلت : بل ولزوم خروجه من المسجد ) مع فرض جواز تلك الصلاة له بل صحّتها ، كما أنّه قدس‌سره قد نقل عن البعض توجيه هذا المختار هنا بأنّ حيثية وجود الشيء لا دخل لها بصحّة ما هو المشكوك ، وقاعدة التجاوز لا تثبت أصل وجود الشيء ، وإنّما تثبت صحّة ذلك العمل الذي يكون ذلك الشيء شرطاً له. وأورد قدس‌سره على ذلك بأنّ إثبات صحّة العمل إنّما يكون باحراز وجود ذلك الشرط ، وحينئذ لابدّ من الالتزام بسقوط أمره حتّى بالنسبة إلى الصلوات الآتية ، فراجع ما حرّرته عنه قدس‌سره في درس الأُصول.

ثمّ إنّه ربما يقال بجريان قاعدة التجاوز في الوضوء فيما مضى منه ولزوم الوضوء للباقي ، فيتوضّأ في أثناء الصلاة لو شكّ وهو في أثنائها.

وفيه : أنّ الطهارة شرط من أوّل الصلاة إلى آخرها ، وحينئذ فلو شرع في الوضوء في أثناء الصلاة فهو في حال وضوئه في حال الصلاة وليس بمحرز له في ذلك الحال ، فيكون قد مضى عليه كون من أكوان صلاته وهو غير محرز فيه للوضوء ، فتبطل صلاته من هذه الجهة ، وكأنّه لأجل ذلك لم يذكر شيخنا قدس‌سره هذا الوجه أعني لزوم الوضوء في أثناء الصلاة.

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ٢٣٢ ـ ٢٣٤.

(٢) مخطوط لم يطبع بعدُ.

٣٧٦

قوله : وإن شكّ فيه بعد الفراغ ، فلا إشكال في جريان قاعدة الفراغ فيه ... الخ (١).

لا يخفى ظهور الأثر في جريان قاعدة الفراغ في مثل الشكّ في الوضوء أو الغسل بعد الفراغ من الصلاة ، فإنّ أثره هو عدم وجوب الاعادة ، وأمّا في مثل الشكّ في الظهر بعد الفراغ من العصر بناءً على عدم كونها نافعة إلاّفي صحّة الصلاة التي فرغ منها دون الحكم بامتثال الأمر المتعلّق بذلك المشكوك ، فعلى الظاهر أنّه لا أثر له ، قال شيخنا قدس‌سره فيما حرّرته عنه في هذا المقام : إنّ ذلك الشكّ إن كان بعد الفراغ فلا معنى لجريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى العصر التي فرغ منها إذ لا أثر لجريان هذه القاعدة بالنسبة إلى صلاة العصر ، لوقوعها عصراً صحيحة على كلّ حال ، إلاّعلى قول ضعيف وهو وجوب العدول بعد الفراغ أخذاً بقولهم عليهم‌السلام : « فإنّما هي أربع مكان أربع » (٢) فيكون فائدة جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى العصر هو عدم العدول بها إلى الظهر ، وأمّا بناءً على عدم العدول في مثل ذلك فلا أثر لقاعدة الفراغ بالنسبة إلى صلاة العصر ، انتهى.

قلت : كلّ ذلك بعد فرض أنّ قاعدة الفراغ في العصر لا تحكم بأنّه قد امتثل الأمر المتعلّق بالظهر.

بل يمكن أن يقال : إنّه لا أثر لجريان القاعدة في ذلك حتّى على هذا القول أعني به العدول بعد الفراغ ، لأنّه إذا لم تجر القاعدة كان مردّداً بين الفراغ منهما وبين الفراغ من العصر فقط ، وإذ لا أصل يجري في حقّه كان عليه أن يعدل بعصره المذكورة إلى الظهر ثمّ يصلّي العصر ، فإن كان قد صلاّهما معاً كان ذلك العدول

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٤٢.

(٢) وسائل الشيعة ٤ : ٢٩٠ ـ ٢٩١ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

٣٧٧

تهديماً لعصره مع إعادتها ، وإن لم يكن قد صلّى الظهر كان عدوله إليها والاتيان بعدها بالعصر في محلّه ، هذا لو لم تجر قاعدة الفراغ. وأمّا لو أجراها فهو بعد جريانها يحرز صحّة عصره ، لكن تبقى عليه أصالة الاشتغال بالظهر فيلزمه الاتيان بها لذلك ، وحينئذ تكون أصالة الاشتغال بها قاضية بلزوم العدول بعصره إليها ثمّ الاتيان بالعصر ثانياً ، وما دام باب العدول مفتوحاً فليس له أن يأتي بالظهر بعد العصر ، وحينئذ لا يظهر أثر عملي لإجرائه قاعدة الفراغ في عصره ، فلاحظ وتأمّل.

نعم ، يمكن أن نتصوّر لذلك أثراً في مورد نادر ، وهو أن يكون قد صلّى العصر في أوّل الوقت ، وبعد الفراغ منها حصل له الشكّ في أنّه هل صلّى قبلها الظهر فيكون قد مضى من الوقت إلى الآن ما يزيد على مقدار أداء أربع ركعات ، أو أنّه لم يصلّها فلا يكون قد مضى من الوقت إلاّمقدار أربع ركعات. وبعبارة أُخرى على تقدير أنّه لم يصلّ الظهر يكون إيقاعه للعصر في الوقت المختصّ بالظهر فتكون باطلة من هذه الجهة ، وتكون فائدة قاعدة الفراغ حينئذ هو الحكم بصحّة العصر وعدم لزوم إعادتها ، وإن لم يكن ذلك كافياً في إسقاط الأمر بالظهر بل كان عليه أن يأتي بها بعد الفراغ من العصر.

قوله : وأمّا كون الغير متّصلاً بالمشكوك فلا يعتبر ، فإنّه لا إشكال في جريان قاعدة التجاوز لو شكّ المكلّف في أوّل الصلاة وهو في آخرها ... الخ (١).

لا يخفى أنّ اعتبار كون الغير ـ أعني الجزء الذي دخل فيه ـ هو الجزء اللاحق للجزء المشكوك فيه لا يضرّ باجراء قاعدة التجاوز إذا كان الشكّ بعد

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٤٣.

٣٧٨

الفراغ ، مثلاً لو شكّ بعد السلام في أنّه هل ركع في الركعة الأُولى جرت قاعدة التجاوز في حقّه باعتبار كون السجود واقعاً بعد الركوع ، فيكون الغير متّصلاً بالمشكوك ، فلا وجه لما يظهر من هذه الجملة من تسليم تحقّق الانفصال ، والجواب عنه بأنّه لا يعتبر الاتّصال.

ولو كان المراد بذلك هو أنّه لا ينبغي الإشكال على جريان قاعدة التجاوز في الشرط السابق زمانه على زمان الصلاة من جهة عدم اتّصال الصلاة بذلك الشرط لتحقّق الفاصل الزماني بينهما ، ففيه أوّلاً : أنّه وإن صحّ الجواب عنه بأنّه لا يعتبر الاتّصال الزماني بين المشكوك وبين الغير ، إلاّ أنّه لا يحسن ذكر هذا الإشكال هنا ، بل كان ينبغي ذكره في إجراء القاعدة في الشقّ الأوّل وهو ما لو كان الشكّ في الأثناء ، إذ لا خصوصية لذلك الإشكال بما إذا كان الشكّ بعد الفراغ. وثانياً : عدم صحّة النقض على هذا الإشكال بما إذا شكّ في أوّل الصلاة وهو في آخرها ، لتحقّق الاتّصال الزماني في هذا المثال بين الغير ـ الذي هو ما بعد ذلك المشكوك ـ وبين المشكوك.

ولعلّ المراد من هذه الدعوى هو اعتبار حصول الشكّ عند الدخول في الغير الذي هو متّصل بالمشكوك ، فلا تجري قاعدة التجاوز في الركوع إلاّ إذا كان قد حصل الشكّ فيه عند الدخول في السجود ، أمّا لو تأخّر الشكّ في الركوع عن السجود بأن لم يحصل له الشكّ في الركوع إلاّبعد أن دخل في التشهّد ، فلا تجري في حقّه قاعدة التجاوز ، وحينئذ يتّجه عليه النقض المزبور. مضافاً إلى عدم ما يدلّ على هذه الدعوى. نعم كان الأنسب ذكر هذه الدعوى والجواب عنها في الشقّ الأوّل ، بل إنّ إعادة الكلام هنا على إجراء قاعدة التجاوز تكرار واضح فلاحظ.

٣٧٩

قوله : فالأقوى عدم جريان قاعدة التجاوز فيه ، لأنّه ليس له محلّ شرعي ... الخ (١).

لا يقال : لا حاجة إلى إجراء قاعدة التجاوز في نفس الشرط ، بل يمكن إجراؤها في الأجزاء السابقة ، لأنّ الشكّ في صحّتها يوجب الشكّ في وجود الصحيح منها.

لأنّا نقول : إنّ حالته الفعلية إن كانت حالة شكّ في وجود الشرط لم ينفعه إجراء قاعدة التجاوز في وجود الصحيح ممّا سبق ، إذ لا يمكنه الاستمرار في صلاته إلاّ إذا كانت القاعدة الجارية في وجود الصحيح ممّا سبق مثبتة للازمها وهو تحقّق الشرط فيما سبق ليثبت بذلك وجوده الآن ، هذا. مضافاً إلى أنّا ولو قلنا بالاثبات لم تكن القاعدة جارية في هذه الصورة ، لأنّ المفروض أنّه لم يتجاوز عن ذلك المشكوك إلى غيره.

وإن كانت حالته الفعلية هي إحراز الشرط وإنّما حصل له الشكّ فيما مضى من الأجزاء إلى حالته الفعلية ، لم يكن أيضاً مورداً لقاعدة التجاوز ، إذ لم يدخل بعدُ في جزء واجد للشرط. نعم لو كان مشغولاً بالتشهّد مثلاً وكان في حال تشهّده مستقبلاً متستّراً لكن شكّ في كونه كذلك في الأجزاء السابقة على التشهّد ، جرت في حقّه قاعدة التجاوز بالنسبة إلى ما تقدّم على هذا التشهّد من الأجزاء بناءً على ما أفاده الشيخ قدس‌سره (٢) من إلحاق الشكّ في وجود الصحيح من الأجزاء بالشكّ في أصل وجود الجزء ، وقد تقدّم (٣) الكلام على هذا الجامع

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٤٣.

(٢) فرائد الأُصول ٣ : ٣٤٢ ( الموضع السادس ).

(٣) في الصفحة : ٢٥٩ وما بعدها.

٣٨٠