أصول الفقه - ج ١١

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-84-3
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٨٣

الوجوه في كون القاعدتين واحدة أو لا ، ثلاثة : الأوّل : هو المختار للشيخ قدس‌سره ، وهو اتّحادهما صغرى وكبرى ، بإرجاع الشكّ في الصحّة في مورد قاعدة الفراغ إلى الشكّ في وجود الصحيح ، ويكون الشكّ في الموردين شكّاً في أصل الوجود. الثاني : هو اختلافهما صغرى وكبرى. والظاهر أنّ هذا هو المختار للمشهور. الثالث : هو اختلافهما صغرى مع اتّحادهما كبرى وهو المختار انتهى ، وذلك كما سيأتي (١) توضيحه إن شاء الله بجعل الكبرى واحدة ، غير أنّ لها صغرى وجدانية وهي ما لو كان المشكوك هو نفس المركّب ولو باعتبار الشكّ في وجود الصحيح منه ، وصغرى تنزيلية وهي ما لو كان الجزء مشكوك الوجود ، فإنّ الجزء من المركّب لا يكون شيئاً بل هو مندك في المركّب ، غير أنّ الشارع ربما لاحظه مستقلاً ، فيكون شيئاً بجعل وتنزيل من الشارع ، وذلك الجعل والتنزيل مختصّ بأجزاء الصلاة دون غيرها من المركّبات كالطهارات ، فهما من هذه الجهة نظير قاعدة وجوب الوضوء لكلّ صلاة ، غير أنّ لها صغرى وجدانية وهي الصلاة المتعارفة ، ولها أيضاً صغرى تنزيلية وهي الطواف ، فإنّه داخل في هذه القاعدة ـ أعني وجوب الوضوء للصلاة ـ لكونه من صغرياتها تنزيلاً كما يستفاد من قوله عليه‌السلام « الطواف بالبيت صلاة » (٢).

ثمّ إنّ قاعدة التجاوز تتوقّف على تنزيل آخر أشار إليه شيخنا قدس‌سره في بعض ما حرّرته عنه ، وهو تحقّق التجاوز عنه بالتجاوز عن محلّه ، فيكون التجاوز عن محلّه منزّلاً منزلة التجاوز عنه ، بتنزيل الجزء المشكوك منزلة محلّه بنحو من الاستعارة على مذهب السكاكي من دون حاجة إلى تقدير وحذف مضاف ،

__________________

(١) في الصفحة : ٣٠٧ وما بعدها.

(٢) مستدرك الوسائل ٩ : ٤١٠ / كتاب الحجّ ب ٣٨ ح ٢.

٢٦١

وسيأتي إن شاء الله تعرّضه قدس‌سره لهذه الجهة من التنزيل في ص ٢٣٣ من هذا التحرير (١).

ثمّ لا يخفى أنّ ملخّص القدر الجامع بين الشكّين هو أنّ الشكّ عبارة عن الترديد بين وجود الشيء وعدمه ، ويؤخذ هذا العدم الذي هو طرف الشكّ بالأعمّ من السالبة البسيطة والسالبة بانتفاء الموضوع ، بأن يكون محصّله هل وجد الركوع الصحيح أو لم يوجد ، بالأعمّ من عدم وجوده أصلاً أو عدم وجود وصف صحّته مع فرض أصل وجوده ، فإنّ كلاً منهما داخل في قولك لم يوجد الركوع الصحيح ، والقاعدة تزيل هذا الشكّ وتقول إنّ ما شككت في وجوده قد وجد سواء كان الذي شككت في وجوده هو أصل وجود الشيء أو كان هو وجود الصحيح منه ، وحينئذ تنطبق على الشكّ في صحّة الصلاة بعد الفراغ منها ، وتنطبق على الشكّ في أصل وجود الركوع بعد التجاوز عنه بأن يتسامح في التجاوز عنه بتحقّق التجاوز عن محلّه ، وعلى الشكّ في صحّته بعد التجاوز عنه إلى السجود أو بعد الفراغ منه وإن لم يتجاوز عنه أو عن محلّه ، ويكون حاله من هذه الجهة حال الشكّ في صحّة الصلاة بعد الفراغ منها ، وحينئذ يكون المراد بالتجاوز عن المشكوك هو الأعمّ من التجاوز عن نفسه أو التجاوز عن محلّه.

وهذا هو الذي أشار إليه الشيخ قدس‌سره ومنعه في أوّل المواضع بقوله : نعم ، لو أُريد الخروج والتجاوز عن محلّه ، أمكن إرادة المعنى الظاهر من الشكّ في الشيء ، وهذا هو المتعيّن ، لأنّ إرادة الأعمّ من الشكّ في وجود الشيء والشكّ الواقع في الشيء الموجود في استعمال واحد غير صحيح (٢) ، ومحصّله هو

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢٧.

(٢) فرائد الأُصول ٣ : ٣٢٩.

٢٦٢

الإشكال الرابع الذي أشكل به على إرادة الأعمّ من القاعدتين ، وذلك قوله : ورابعاً التجاوز في قاعدة التجاوز إنّما يكون بالتجاوز عن محلّ الجزء المشكوك فيه ، وفي قاعدة الفراغ إنّما يكون بالتجاوز عن نفس المركّب لا عن محلّه (١).

قوله : قلت : نعم وإن كان المهمّ في باب التكاليف هو إثبات وجود متعلّق التكليف صحيحاً ولو مع عدم إثبات صحّة المأتي به ... الخ (٢).

لا يخفى أنّه يمكن التأمّل في الفرق بين باب التكاليف وباب الوضعيات ، فإنّ الظاهر أنّ الحكم العقلي بلزوم الفراغ يتوقّف الخروج عن عهدته على إحراز الصحّة ، ولا يكفي مجرّد إحراز وجود الصحيح مع فرض عدم إحراز الصحّة بذلك ، هذا. مضافاً إلى ما في التقرير المطبوع في صيدا (٣) من الإيراد أوّلاً بأنّ الظاهر من دليل قاعدة الفراغ هو الحكم بصحّة الموجود كما يستفاد من قوله عليه‌السلام : « فأمضه كما هو » (٤) لا وجود الصحيح.

ثمّ إنّ الالتزام بأنّه في الوضعيات لا يكفي الحكم بوجود الصحيح بل لابدّ من الحكم بصحّة الموجود ليس على إطلاقه ، فإنّ ذلك إنّما يحتاج إليه في صورة التنازع والمخاصمة على هذا العقد الواقع هل كان صحيحاً أو فاسداً ، فإنّه حينئذ يحتاج إلى الحكم بأنّ ذلك العقد كان صحيحاً ، أمّا لو لم يكن في البين إلاّ الشكّ في الانتقال فعلاً وأردنا أن نحكم بانتقال المال إلى المشتري ، فإنّه يكفي في ذلك الحكمُ بوجود العقد الصحيح ، ولا يتوقّف على إثبات صحّة الموجود.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢٢ ـ ٦٢٣.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢١.

(٣) أجود التقريرات ٤ : ٢١٢.

(٤) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

٢٦٣

قوله : وثانياً : أنّ متعلّق الشكّ في قاعدة التجاوز إنّما هو أجزاء المركّب وفي قاعدة الفراغ يكون المتعلّق نفس المركّب بما له من الوحدة الاعتبارية ... الخ (١).

يمكن التأمّل فيما أُفيد في وجه امتناع القدر الجامع ، من كون لحاظ الجزء مستقلاً يباين لحاظه مندكّاً في ضمن المجموع ، فإنّ أقصى ما فيه هو التباين بين اللحاظين ، وهذا ـ أعني تباين اللحاظين ـ إنّما يمنع لو كان اللحاظ واحداً ، أمّا مع فرض تعدّد اللحاظ كما هو مقتضى العموم الاستغراقي في قوله : « كلّ شيء شككت فيه » الموجب للحاظ كلّ مصداق من مصاديق الشيء لحاظاً مستقلاً وإن كان لحاظاً إجمالياً ، فعلى الظاهر أنّه لا مانع منه ، بل يكون هذا التباين الناشئ عن تعدّد اللحاظ وتباين اللحاظين موجباً لتعدّد مصداق الشيء باعتبار كونه ملحوظاً تارةً مستقلاً وأُخرى مندكّاً في ضمن المجموع.

اللهمّ إلاّ أن يدفع ذلك بأنّه ليس لنا في هذا العموم الحاكي عن مصاديق الأشياء إلاّعنوان الشيء وهو عنوان واحد ، فإن لوحظ بما أنّه مستقل في حدّ نفسه لم ينطبق على الجزء في ضمن المركّب الذي هو مفاد قاعدة الفراغ ، وإن لوحظ مندكّاً في ضمن المجموع لم ينطبق على الجزء مستقلاً الذي هو مفاد قاعدة التجاوز.

ويمكن أن يقال : إنّ الشيء جامع بين الجزء والكل ، غايته أنّ سبب الشكّ في وجود الكل هو وجود ذلك الجزء ، فلا يكون المقام من قبيل الجامع بين المتباينين.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢١.

٢٦٤

قوله : وثالثاً : يلزم التناقض في مدلول قوله عليه‌السلام : « إنّما الشكّ في شيء لم تجزه » (١) لو كان يعمّ الشكّ في الجزء والكل ... الخ (٢).

أفاد قدس‌سره فيما حرّرته عنه أنّه لا يتوجّه هذا التناقض لو قلنا بأنّ القاعدتين متباينتان ، إذ لو قلنا بذلك لكانت قاعدة التجاوز حاكمة على قاعدة الفراغ ، لأنّ مفاد قاعدة الفراغ حينئذ هو الحكم بصحّة المجموع وتماميته بتمامية الاتيان بجميع أجزائه ، ومن الواضح أنّ الشكّ في تمامية الكل مسبّب عن الشكّ في الاتيان بالجزء ، فإذا حكم بمقتضى قاعدة التجاوز في الجزء بأنّه قد أُتي بذلك الجزء ، لم يبق لنا شكّ في صحّة الكل وتماميته كي يكون مجرى قاعدة « إنّما الشكّ في شيء لم تجزه ».

قلت : لا يخفى أنّ هذه الحكومة متحقّقة أيضاً لو قلنا بأنّهما قاعدة واحدة ، فإنّ جريان هذه القاعدة الواحدة في ناحية الجزء يكون حاكماً على إجراء قاعدة « إنّما الشكّ في شيء لم تجزه » في الكل.

والحاصل : أنّ التناقض المتوهّم إنّما هو بين قاعدة الشكّ بعد التجاوز بالنسبة إلى الجزء وبين قاعدة الشكّ في المحلّ بالنسبة إلى الكلّ ، ومن الواضح حكومة الأُولى على الثانية ، سيّما إذا قلنا بأنّ قاعدة الشكّ في المحل ليست قاعدة مستقلّة وإنّما هي عبارة عن الأخذ باستصحاب عدم الاتيان بما شكّ فيه ، من دون فرق في ذلك بين أن نقول إنّ قاعدة التجاوز في الجزء هي عين قاعدة الفراغ أو قلنا بأنّهما متغايران ، بل إنّ القاعدة في الجزء وإن كانت موافقة للقاعدة في الكل

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٤٦٩ ـ ٤٧٠ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٢ وفيه : « إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه ».

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢٢.

٢٦٥

عند الفراغ منه ، إلاّ أنّ الأُولى حاكمة على الثانية لكونها مزيلة لموضوعها الذي هو الشكّ في تمامية المركّب أو في صحّته ، سواء قلنا إنّهما قاعدة واحدة ، أو قلنا إنّهما قاعدتان متغايرتان ، أو قلنا بمقالة شيخنا الأُستاذ قدس‌سره (١) من أنّ التغاير واقع في الصغرى دون الكبرى.

ومن ذلك يظهر أنّه على جميع هذه الأقوال لا يبقى مورد لقاعدة الفراغ إلاّ فيما لا تجري فيه قاعدة التجاوز من الشرائط التي ليس لها محل مخصوص كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى ، وينبغي في هذا المقام ملاحظة ما أُفيد في التقريرات المطبوعة في صيدا ص ٤٦٦ (٢) ويلاحظ ما فيه من الاضطراب.

قوله : ورابعاً : التجاوز في قاعدة التجاوز إنّما يكون بالتجاوز عن محلّ الجزء المشكوك فيه ... الخ (٣).

أفاد قدس‌سره فيما حرّرته عنه أنّ مورد قاعدة التجاوز هو الشكّ في [ الشيء ] بعد تجاوز محلّه لا بعد تجاوز نفس الشيء ، وإلاّ لم يحصل فيه شكّ ، ومورد قاعدة الفراغ هو الشكّ في الشيء بعد تجاوز نفسه ، لأنّ الشكّ في الأوّل شكّ في أصل الوجود ، وفي الثاني شكّ في الصحّة بعد إحراز الوجود.

قلت : ينبغي أن يكون مراده بالصحّة هو تمامية الأجزاء ، إذ لا ينحصر مورد قاعدة الفراغ بموارد الشكّ في الصحّة ، كما لو شكّ بعد الفراغ فيما له قضاء أو في موجب سجود السهو من دون إبطال.

ثمّ إنّ الاحتياج في الفراغ من الجزء إلى التجاوز عن محلّه والدخول في غيره إنّما [ هو ] عند الشكّ في أصل وجوده ، أمّا عند الشكّ في صحّته بعد تحقّق

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢٤.

(٢) راجع أجود التقريرات ٤ : ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٣) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢٢ ـ ٦٢٣.

٢٦٦

الفراغ فعلى الظاهر أنّه لا يحتاج في تحقّق الفراغ منه إلى الدخول في الغير ، فبناءً على وحدة القاعدة تكون القاعدة المذكورة جارية فيه وإن لم يدخل في جزء آخر. نعم ، بناءً على التعدّد وانحصار قاعدة الفراغ بالفراغ من تمام المركّب ينحصر الأمر في هذا الفرض بالرجوع إلى قاعدة التجاوز عن الجزء ، وهي متوقّفة على الدخول في جزء آخر كما سيأتي إن شاء الله تعالى توضيحه عند الكلام على جريان القاعدة في الشرائط (١).

قوله : وخامساً : متعلّق الشكّ في قاعدة التجاوز إنّما هو نفس الجزء ... الخ (٢).

أفاد قدس‌سره فيما حرّرته عنه أنّ مدخول لفظ « في » في قوله عليه‌السلام : « كلّ شيء شككت فيه » (٣) في قاعدة التجاوز يكون متعلّقاً للشكّ وطرفاً له ، وفي قاعدة الفراغ يكون ظرفاً للشكّ ، بمعنى أنّ الشكّ في الصحّة واقع فيه.

قلت : هذا الفرق إنّما هو في الشكّ في الاتيان بنفس الجزء ، أمّا في صورة الشكّ في صحّته بعد فرض الاتيان به فعلى الظاهر مساواته لقاعدة الفراغ في مدخول لفظ « في » فتأمّل.

قوله : مع تقارب التعبيرات الواردة في الأخبار ... الخ (٤).

لابدّ من ذكر الأخبار التي يمكن استفادة القاعدة الكلّية منها ، فمنها : ما ورد

__________________

(١) راجع الحاشية الآتية في الصفحة : ٣٨٠ وما بعدها.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢٣.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ / أبواب الركوع ب ١٣ ح ٤ وفيه : « كلّ شيء شكّ فيه ».

(٤) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢٤.

٢٦٧

في باب الوضوء ما عن ابن أبي عمير عن محمّد بن مسلم ، قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة ، قال : يمضي في صلاته ولا يعيد » (١).

وما عن عبد الله بن بكير عن محمّد بن مسلم ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً فأمضه ولا إعادة عليك » (٢) فسّرت بالشكّ.

وما عن أبان بن عثمان عن بكير بن أعين ، قال « قلت له : الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ ، قال : هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » (٣).

وما عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه » (٤) قالوا : الضمير في « غيره » راجع إلى الوضوء لا إلى الشيء ، بقرينة ما عن زرارة عن أبي جعفر : « إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا ، فأعد عليها وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله أو تمسحه ممّا سمّى الله تعالى ما دمت في حال الوضوء ، فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أُخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى الله ممّا أوجب عليك فيه وضوءه لا شيء عليك » (٥)

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٤٧٠ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٦.

(٣) وسائل الشيعة ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.

(٤) وسائل الشيعة ١ : ٤٦٩ ـ ٤٧٠ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٢.

(٥) وسائل الشيعة ١ : ٤٦٩ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ١.

٢٦٨

ومنها : ما في الموثّقة « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو » (١).

وما عن إسماعيل بن جابر : « إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » (٢).

وما عن زرارة ، قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الاقامة ، قال : يمضي. قلت : رجل شكّ في الأذان والاقامة وقد كبّر ، قال : يمضي. قلت : رجل شكّ في التكبير وقد قرأ ، قال : يمضي. قلت : رجل شكّ في القراءة وقد ركع ، قال : يمضي. قلت : رجل شكّ في الركوع وقد سجد ، قال عليه‌السلام : يمضي في صلاته ، ثمّ قال عليه‌السلام : يازرارة ، إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشككت فشكّك ليس بشيء » (٣).

وهذان الأخيران مسوقان لقاعدة التجاوز (٤) ، وأمّا ما قبلهما فهو مسوق لقاعدة الفراغ المدّعى كونها هي الكبرى الوحيدة. وأظهرها في العموم الموثّقة المشتملة على قوله : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى » ومثلها رواية ابن بكير المشتملة على قوله : « كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك » الخ. ودونهما في

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ / أبواب الركوع ب ١٣ ح ٤.

(٣) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٤) وهناك أخبار أُخر لقاعدة التجاوز لكنّها خاصّة ببعض الأفعال ، مثل قوله عليه‌السلام في رواية حمّاد بن عثمان ، قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أشكّ وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا ، فقال عليه‌السلام : قد ركعت فأمضه » وعن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع ، فقال عليه‌السلام : يمضي في صلاته » [ منه قدس‌سره. راجع وسائل الشيعة ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ / أبواب الركوع ب ١٣ ح ٢ و ٥ ].

٢٦٩

استفادة العموم قوله عليه‌السلام : « يمضي في صلاته ولا يعيد » في جواب قول السائل في رواية ابن أبي عمير : « رجل شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة » ، ونحن إذا أخذنا الأُولى وهي قوله عليه‌السلام : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو » ميزاناً يتّضح لنا المراد في البواقي (١).

فنقول بعونه تعالى : إنّ الظاهر من المضي هو المضي الوجداني المعبّر عنه بالفراغ فيما عن أبي جعفر عليه‌السلام وفي السؤال المشتمل عليه رواية ابن أبي عمير ، وقد عبّر عنه بالانصراف فيما عن الصادق عليه‌السلام ، فلا فرق بين أن يقول : كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى ، أو يقول : ممّا قد فرغت منه وانصرفت عنه ، وإذا كانت الجملة المذكورة ظاهرة في الفراغ الوجداني نرجع إلى معنى قوله عليه‌السلام : « كلّ ما شككت فيه » فنقول : لا يمكن أن يكون المراد به شككت في أصل وجوده ، لأنّ فرض الفراغ منه يمنع من تعلّق الشكّ بأصل وجوده ، وحينئذ لابدّ من حمل قوله عليه‌السلام « فيه » على أحد وجهين :

أوّلهما : أنّها ظرف للشكّ ومتعلّقه محذوف ، يعني أنّك قد وقع شكّك في ذلك هل نقصت منه جزءاً أو شرطاً ، فإنّك لو تردّدت في أنّك هل نقصت منه جزءاً أو شرطاً فقد شككت في ذلك ، إذ يصحّ لمن شكّ في نقصه جزءاً من الصلاة أن يقال فيه إنّه وقع شكّه في الصلاة هل نقص جزء منها ، نظير قولك :

شككت في زيد ، وأنت شاكّ في عدالته مثلاً.

__________________

(١) ومن الأخبار ما عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « كلّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد » ومثله قول الصادق عليه‌السلام : « في الرجل يشكّ بعد ما ينصرف من صلاته ، قال عليه‌السلام : لا يعيد ولا شيء عليه » [ منه قدس‌سره. راجع وسائل الشيعة ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٧ ح ٢ و ١ ].

٢٧٠

ثانيهما : أنّها متعلّق الشكّ ، لأنّ الشكّ في وجود الجزء يوجب الشكّ في وجود المجموع المركّب ، فيصحّ أن تقول : شككت في وجود ذلك المركّب ، وأنت شاكّ في وجود جزء من أجزائه مع وجود باقي الأجزاء.

ولا يخفى أنّه بعد هذه العناية الموجبة لكون الشكّ قد تعلّق بوجود الكل وأنّه صار الكل بنفسه مشكوك الوجود ولو من جهة الشكّ في وجود بعض أجزائه لا يحسن التعبير عنه بأنّه قد مضى ، لأنّ فرض مضيّه ينافي الشكّ في أصل وجوده ولو بالعناية المذكورة. وإصلاح نسبة المضي إليه بعناية محلّه إنّما يتمّ في مثل قوله : جزته ، فإنّه يصحّ نسبة الجواز عن الشيء باعتبار الجواز عن محلّه ، بخلاف نسبة المضي الذي هو عبارة عن الفراغ الموجود في مثل رواية ابن أبي عمير « شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة » وقوله فيما عن أبي جعفر عليه‌السلام : « كلّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد » ومثله ما عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يشكّ بعد ما ينصرف من صلاته ، قال عليه‌السلام : لا يعيد ولا شيء عليه » وهكذا ما في رواية ابن مسلم القائلة « كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فأمضه ولا إعادة عليك » فإن ضمّ هذه الروايات بعضها إلى بعض يعطي أنّ المراد بالمضي في قوله في الموثّقة : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو » هو المضي الوجداني الذي هو الفراغ منه ، هذا.

مضافاً إلى أنّ الحكم عليه بقوله عليه‌السلام : « فأمضه كما هو » يعطي أنّه كان ظرفاً للشكّ ، وأنّه قد فرغ وأنّه قد مضى ، فإنّ الحكم بـ « امضه كما هو » في هذه الرواية وب « امضه ولا إعادة عليك » في رواية ابن مسلم لا يناسب فرض كون نفس الكل مشكوكاً ولو باعتبار الشكّ في وجود بعض أجزائه ، بل كلّ هذه الجهات إنّما تناسب كون الكلّ ظرفاً للشكّ باعتبار كون المشكوك وجود بعض أجزائه أو

٢٧١

بعض شرائطه ، وحينئذ لا ينطبق هذا المفاد إلاّعلى مفاد قاعدة الفراغ دون موارد قاعدة التجاوز.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّها شاملة للشكّ في صحّة الجزء بعد التجاوز عنه وإن لم يفرغ من الصلاة ، كما لو شكّ في صحّة ركوعه مثلاً بعد أن تجاوز عنه إلى السجود ، أو شكّ في صحّة تشهّده بعد أن تجاوز عنه إلى القيام ، سواء كان الشكّ فيه من جهة اجتماع شرائطه ، أو كان من جهة اجتماع تمام أجزائه كأن يشكّ وهو في حال القيام أنّه هل ألحن في تشهّده مثلاً ، أو أنّه هل أتى فيه بالشهادة الثانية ونحو ذلك ، فإنّه يصدق عليه أنّه شكّ في شيء قد مضى وهو التشهّد ، بل إنّ ذلك جارٍ حتّى لو لم يقم بعدُ ، بل كان في حال النهوض أو قبله بعد فراغه من الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن ذلك داخل في مفاد قاعدة التجاوز باعتبار أنّ الشكّ في الجزء يشمل الشكّ فيه باعتبار اجتماع شرائطه.

ثمّ إنّ هذا كلّه مبني على كون لفظة « من » الداخلة على « ما مضى » بيانية لـ « ما شككت فيه » ، ويجوز أن تكون تبعيضية ، ويكون الحاصل أنّ كلّ ما شككت فيه وهو بعض ممّا قد مضى جزءاً أو شرطاً فامضه كما هو ، وحينئذ يكون الضمير في قوله « شككت فيه » متعلّقاً للشكّ ، كما أنّ الضمير في قوله عليه‌السلام « فامضه كما هو » يكون راجعاً إلى المشكوك ، ويكون معنى إمضائه كما هو هو إمضاء ذلك الذي شككت في وجوده على ما هو عليه من وجود أو عدم ، ومع ذلك لا يكون مفاده مفاد قاعدة التجاوز ، لأنّه قد اعتبر في المشكوك أن يكون بعضاً ممّا قد مضى ، فلا ينطبق إلاّعلى مفاد قاعدة الفراغ.

نعم ، يمكن ذلك في قوله عليه‌السلام : « كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً » بجعل « من » للتبعيض بحسب الأجزاء والشرائط ، لكن لا يناسبه حينئذ

٢٧٢

الحكم عليه بقوله عليه‌السلام : « فامضه ولا إعادة » فإنّها إنّما تناسب الفراغ ، وحينئذ فلو جعلنا لفظة « من » فيه للتبعيض فلابدّ أن يكون التبعيض بحسب الأفراد لا الأجزاء.

ثمّ إنّك قد عرفت أنّ الضمير في قوله عليه‌السلام « فأمضه كما هو » راجع إلى ما شككت فيه لا إلى نفس ما مضى ، فإنّه لو عاد إلى نفس ما مضى لزم منه خلوّ جملة « فأمضه كما هو » حينئذ عن ضمير عائد إلى المبتدأ أعني « ما شككت » إلاّبتأويل قوله « كما هو » إلى قولنا كما هو من وجوده وعدمه ، يعني من وجود ذلك المشكوك وعدمه ، ولا يخفى بُعده. وعلى أيّ حال ، لا ينطبق إلاّعلى مفاد قاعدة الفراغ ، لما عرفت من أنّه قد قيّد المشكوك بكونه بعضاً ممّا قد مضى ، فلا يكون له مورد إلاّبعد الفراغ ليصدق على ذلك المشكوك أنّه بعض ممّا قد مضى.

ثمّ إنّ شيخنا قدس‌سره قد اختار الوجه الثاني من الوجهين السابقين أعني كون مدخول لفظة « في » متعلّقاً للشكّ ، ويصحّ أن يقال إنّ المركّب مشكوك إذا شككت في جزء منه أو شرط باعتبار كون الشكّ في وجود التمام أو الصحيح.

وحينئذ فلا يكون محصّل هذه الكبرى إلاّ أنّ كلّ شيء شكّ في وجوده ولو من جهة الشكّ في وجود بعض أجزائه أو شرائطه بعد الفراغ منه ، لا يعتنى بذلك الشكّ ، ومن الواضح أنّ هذه القضية لا تنطبق على الشكّ في وجود الركوع مثلاً بعد الدخول في السجود ، كما أنّها لا تنطبق على الشكّ في أصل وجود الظهر بعد الشروع في العصر ، إذ لم يكن ذلك الشكّ بعد الفراغ منه وإلاّ لم يحصل لنا شكّ في وجوده.

مضافاً إلى أنّ هذه الكلّية لمّا كانت ناظرة إلى المركّب المشكوك لم يعقل أن تكون شاملة مع ذلك لشيء من أجزائه على حدة ، لما أفاده من تباين اللحاظين.

٢٧٣

نعم ، لو شكّ في وجود الركوع بعد الفراغ من الصلاة لكانت الكبرى المذكورة منطبقة ، باعتبار أنّ نفس الصلاة تكون مشكوكة الوجود بعد الفراغ منها ولو باعتبار أنّ الشكّ في وجودها مسبّب عن الشكّ في وجود بعض أجزائها وهو الركوع ، وحينئذ فيكون المانع من انطباق هذه الكلّية على ما ذكرناه من مثل الشكّ في وجود الركوع بعد الدخول في السجود أمرين : أوّلهما عدم دخول الجزء في عرض دخول الكل ، والثاني : هو عدم تأتّي الشكّ بعد الفراغ منه ، ولأجل ذلك احتاج قدس‌سره إلى التصرّف من الجهتين ، الجهة الأُولى التصرّف في ناحية الجزء بلحاظه مستقلاً ، والثانية التصرّف في ناحية الفراغ منه بالدخول في الغير المترتّب عليه ، وبعد هذين التصرّفين يكون الشكّ المذكور مصداقاً لتلك الكلّية.

قال قدس‌سره فيما حرّرته عنه : ثمّ إنّه كما تكون الصغرى في قاعدة التجاوز محتاجة إلى التنزيل في ناحية الجزء ، فكذلك أيضاً تحتاج إلى تنزيل آخر باعتبار الفراغ منه والتجاوز عنه ، بمعنى أنّ ذلك محتاج إلى تنزيل الجزء المشكوك منزلة الفعل المستقلّ في لحاظه شيئاً واحداً ، وبعد هذا التنزيل لا يمكن استعمال التجاوز فيه إلاّبالتنزيل أيضاً والعناية ، بحيث ينزل الدخول في جزء آخر منزلة الفراغ من الجزء المشكوك والتجاوز عنه ، فيكون الغرض من الفراغ منه أو التجاوز عنه هو التجاوز عن محلّه ، لا بمعنى الاضمار وحذف المضاف ليكون التقدير في مثل قوله عليه‌السلام : « كلّ شيء شككت فيه بعد التجاوز عنه » (١) بعد التجاوز عن محلّه ، بل بمعنى التنزيل للجزء المشكوك منزلة محلّه في صحّة نسبة التجاوز إليه ، فيكون من قبيل الاستعارة على مسلك السكاكي لا من قبيل مجاز الحذف

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ / أبواب الركوع ب ١٣ ح ٤ ، وفيه « كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ».

٢٧٤

والاضمار.

قلت : يمكن التأمّل في الاحتياج إلى التنزيل الأوّل بعد تحقّق التنزيل الثاني بل الظاهر كفاية التنزيل الثاني ، لأنّ الشارع إذا اعتبر الدخول في الجزء المتأخّر فراغاً ومضيّاً للجزء المتقدّم ، كان ذلك كافياً في كونه شيئاً شكّ في وجوده بعد الفراغ عنه ومضيّه الذي هو مصداق هذه الكلّية ، من دون حاجة إلى لحاظ الشارع له شيئاً مستقلاً المعبّر عنه بلحاظه قبل التركيب ، بمعنى أنّ الشارع بعد أن يحكم بتلك الكبرى الكلّية يحكم ويتصرّف تصرّفاً ثانياً ويجعل الجزء من المركّب شيئاً مستقلاً ، ليكون داخلاً في قوله في تلك الكلّية « كلّ شيء شككت فيه » بعد فرض أنّه لم يكن داخلاً فيه.

ثمّ لا يخفى أنّ التنزيل الثاني ليس راجعاً إلى مرحلة لفظية كي يتكلّم في أنّه من قبيل الاستعارة على رأي السكاكي أو من قبيل مجاز الحذف ، بل هو راجع إلى مرحلة شرعية وهي أنّ الشارع نزّل الدخول في جزء آخر منزلة الفراغ والمضي عن الجزء المشكوك ليدخل في موثّقة سماعة « كلّ ما مضى فأمضه كما هو » (١) نعم إنّ قوله في مثل رواية زرارة : « كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره » الخ (٢) لابدّ أن ينزّل على الاستعارة أو على مجاز الحذف في قوله : « قد جاوزه » ، وهذا البحث ـ أعني كونه من قبيل مجاز الحذف أو من قبيل الاستعارة ـ

__________________

(١) لم نجد لسماعة رواية بهذا المضمون ، نعم ورد في وسائل الشيعة ٨ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٣ ح ٣ ، عن ابن بكير عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو ».

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ / أبواب الركوع ب ١٣ ح ٤. لكنّها عن إسماعيل بن جابر لا عن زرارة.

٢٧٥

جار في قوله « جاوزه » سواء قلنا إنّه قاعدة مستقلّة أو قلنا إنّه راجع إلى قاعدة الفراغ ، فتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّ النظر قاصر عن إدراك ما أفاده من أنّ المستفاد من تلك النصوص هو كبرى واحدة وهي قاعدة الفراغ ، كي نحتاج بواسطة ذلك إلى هذه التكلّفات في شمول تلك الكبرى لموارد قاعدة التجاوز ، بل الإنصاف أنّ الذي يظهر من الأخبار هو تعدّد القاعدة ، فإنّ ما قبل رواية إسماعيل بن جابر (١) وإن كان ظاهراً في قاعدة الفراغ ، إلاّ أنّ تلك الرواية وما بعدها من رواية زرارة ظاهرة في قاعدة التجاوز في خصوص أجزاء الصلاة وما يتبعها ، من دون أن يكون تنزيل في البين ، فإنّ رواية زرارة وإسماعيل بن جابر ليس في شيء منهما ولا في غيرهما إشعار بهذا التنزيل الذي أفاده بقوله : يعني أنّ الشارع نزّل الشكّ في الجزء في باب الصلاة منزلة الشكّ في الكل في الحكم بعدم الالتفات إليه ـ إلى أن قال ـ والذي يدلّ على هذا التنزيل رواية زرارة وإسماعيل بن جابر الخ (٢).

والحاصل : أنّ المستفاد من رواية زرارة وإسماعيل بن جابر ونحوهما هو ضرب كبرى كلّية في خصوص الشكّ في الجزء من الصلاة بعد الدخول في الجزء الذي بعده ، وهذه كلّية أُخرى غير الكلّية المضروبة في تلك الروايات السابقة التي محصّلها عدم الاعتناء بالشكّ في العمل من حيث تمامية أجزائه بعد تحقّق الفراغ منه ومضيّه ، وهذه القاعدة هي المعبّر عنها بأصالة الصحّة في فعل المكلّف نفسه ، في قبال أصالة الصحّة في عمل الغير ، كما أفاده قدس‌سره فيما حرّرته عنه وهو أنّ مورد قاعدة التجاوز كما هو المستفاد من كلمات الفقهاء هو الشكّ في

__________________

(١) تقدّمت الروايات ومصادرها في الصفحة : ٢٦٨.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢٤ ـ ٦٢٥.

٢٧٦

خصوص أجزاء الصلاة ، ومورد قاعدة الفراغ هو الشكّ في الصحّة ، وهي عندهم تعمّ الصلاة وغيرها ، ويعبّر عنها بأصالة الصحّة في عمل نفس المكلّف ، في مقابل أصالة الصحّة في فعل الغير ، انتهى.

والمراد بالصحّة في مورد قاعدة الفراغ هو التمامية في مقابل النقصان ، لا الصحّة في مقابل الفساد والبطلان ، لجريان القاعدة المذكورة فيما لا يكون موجباً للبطلان كما في موارد الشكّ في النقص الموجب لسجود السهو أو النقص الموجب لقضاء المنسي.

قوله : وأمّا الشكّ في الجزء فهو إنّما يكون صغرى لها بعناية التعبّد والتنزيل ، يعني أنّ الشارع نزّل الشكّ في الجزء في باب الصلاة منزلة الشكّ في الكل في الحكم بعدم الالتفات إليه ... الخ (١).

تقدّم أنّ ذلك من قبيل قوله « الطواف بالبيت صلاة » بعد قوله : يجب الوضوء للصلاة. ولكن لا يخفى أنّ مفاد هذا التنزيل إن كان عبارة عن جعل المماثل ، بأن يكون محصّل تنزيل الطواف مثلاً منزلة الصلاة في وجوب الوضوء هو جعل وجوب الوضوء للطواف كما جعله للصلاة ، فكأنّه قال : يجب الوضوء للطواف لأنّه مثل الصلاة في اقتضائها وجوب الوضوء ، لم يكن ذلك موجباً للتصرّف في موضوع القضية السابقة ولا في محمولها ، ويكون حاصل ذلك فيما نحن فيه هو جعل عدم الاعتناء بالشكّ في المركّب بعد تجاوزه عنه ، وجعل مثل هذا الحكم للشكّ في الجزء بعد التجاوز عنه ، ويكون ذلك عبارة عن جعل قضية أُخرى في الأجزاء مقابلاً للقضية في المجموع المركّب ، ويكون ذلك عبارة عن عدم اتّحاد القاعدتين واختلافهما صغرى وكبرى.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢٤ ـ ٦٢٥.

٢٧٧

وإن كان مفاد التنزيل المذكور هو الحكومة الواقعية على الدليل الأوّل بجعل موضوعه الأعمّ من الصلاة والطواف أعني القدر الجامع بينهما ، ويكون مفاد هذا التنزيل في ناحية الجزء هو توسعة موضوع الدليل الأوّل ـ الذي هو الشكّ في المركّب بعد تجاوزه ـ إلى الأعمّ من الشكّ في المركّب والشكّ في أحد أجزائه ، وحينئذ يعود إشكال القدر الجامع بين الجزء والكلّ.

وربما يتوهّم فيه إشكال آخر ، وهو أنّ الفرد التنزيلي متأخّر عن الحكم الأوّل ، لأنّ التنزيل إنّما هو بحسب الحكم ، فلا يمكن أن يكون الحكم الأوّل وارداً على ما هو الأعمّ من الموضوع الحقيقي والموضوع التنزيلي المفروض تأخّره رتبة عن الحكم المذكور.

ولكن هذا التوهّم يمكن الجواب عنه بأنّ مقتضى الحكومة في مثل « الطواف بالبيت صلاة » هو توسعة الموضوع إلى الصلاة والطواف ، لا إلى عنوان الصلاة الحقيقية والصلاة التنزيلية ، وهكذا الحال فيما نحن فيه ، فإنّ حكومة التنزيل في الجزء على الدليل الأوّل لا يكون مقتضاها إلاّتوسعة موضوع الدليل الأوّل الذي هو الشكّ في المركّب إلى القدر الجامع بينه وبين الشكّ في الجزء ، فلا إشكال فيه إلاّما عرفت من عود المحذور السابق وهو عدم الجامع بين النظر الاندكاكي والنظر الاستقلالي.

وأمّا ما تضمّنه تحرير السيّد سلّمه الله من التعلّق بالقضية الحقيقية الشاملة لكلّ ما وجد أو يوجد من الشكّ في الشيء ، أو الشاملة لكلّ ما وجد أو يوجد من الشيء الذي حصل به الشكّ بعد التجاوز عنه ، فكأنّه جواب آخر لا دخل له بأصل الدعوى وهي دعوى التنزيل في ناحية الجزء ، فإنّ الظاهر أنّه لا مدخل للقضية الخارجية في المقام الذي هو الإشكال في الجامع وفي كيفية تصويره ، فإنّ ذلك

٢٧٨

بعد الحاجة إلى الجامع ، ومع كون القضية خارجية لا يكون الحكم فيها إلاّعلى الأفراد الخارجية ، سواء كان لها جامع أو لم يكن ، فلا معنى للقول بأنّه لو كانت القضية خارجية لتوجّه عود الإشكال بطريق الحكومة كما هو صريح قوله : قلت لو كان جعل الحكم في القاعدة من قبيل الجعل الثابت في موارد القضايا الخارجية الخ (١) ، فلاحظ تمام العبارة.

وعلى كلّ حال ، أنّ هذا الجواب المبني على الاستناد إلى كون القضية حقيقية جواب آخر ، ويمكن توجيهه بأن يقال : إنّ الشكّ المتعلّق بالشيء منطبق على كلّ ما وجد أو يوجد من الشكّ ، سواء كان شكّاً في الكل أو كان شكّاً في الجزء ، فليس في البين حكم على موضوع وهو الكلّ أو الشكّ في الكل ثمّ إنّ الشارع نزّل الشكّ في الجزء منزلة الشكّ في الكل في ذلك ، بل ليس في البين إلاّ حكم واحد على كلّ من الكلّ وكلّ واحد من أجزائه بجامع الشيئية ، غايته أنّ الجزء في حال طروّ الشكّ عليه نفسه يكون ملحوظاً للشاكّ استقلالاً ، وفي حال طروّ الشكّ على المركّب يكون ذلك الجزء ملحوظاً للشاكّ مندكّاً في ضمن المركّب ، لكن في مقام الحكاية بقولك : كلّ شيء مشكوك جزته فلا تعتن ، لا تحكي إلاّ الشيء الذي تعلّق به الشكّ بحيث كان هو المشكوك استقلالاً ، وذلك هو الجزء إن كان قد تعلّق الشكّ بوجود نفس الجزء ولو في ضمن المركّب ، أو الكلّ نفسه إن كان الشكّ متعلّقاً بوجود الكل ولو بواسطة الشكّ في ذلك الجزء ، والجزء في هذه الحالة الثانية في الحكاية لا يكون داخلاً في الحكاية كي يحتاج الحاكي إلى الجامع بين الحالتين من اللحاظ له استقلالاً واندكاكاً ، بل ليس الملحوظ في هذه الحالة في عالم الحكاية إلاّنفس المركّب وأنّه وقع مورداً للشكّ

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ٢١٨.

٢٧٩

في وجود نفسه.

وبالجملة : أنّه مع قطع [ النظر ] عن بقيّة [ الإشكالات ] لا أتصوّر لهذا الإشكال صورة مهمّة ، فإنّه لو قال : إنّ كلّ شيء شككت في وجوده يلزمك الاتيان به ، فهل ترى من نفسك أنّه غير جامع لما إذا تعلّق الشكّ بنفس وجود الجزء في ضمن الكلّ ، ولما إذا تعلّق بنفس وجود الكل بحيث إنّه لم يوجد أصلاً ولو ببعض أجزائه. نعم هنا إشكالات أُخر مثل أنّ المراد من الشكّ في وجود الكل هو الشكّ الناشئ عن وجود ذلك الجزء ، ونحو ذلك ممّا أوجب الإشكال في الجامع ، وإلاّ فإنّ الجامع بين لحاظ نفس الجزء ولو في ضمن الكلّ وبين لحاظ الكل نفسه ممّا لا يتطرّق إليه [ الشكّ ].

وإن شئت فقل : إنّ الجزء عندما نشكّ في إيجاده في أثناء اشتغالنا بالكل لا يكون إلاّشيئاً مبايناً للكل ، كما أنّ الكلّ في حال شكّنا في أصل وجوده في قبال عدمه الكلّي ـ أعني انعدامه بانعدام جميع أجزائه بحيث إنّه لم يوجد شيء من أجزائه ـ يكون مبايناً للجزء ، ويكون الجامع بينهما هو الشيء فإنّه من أوسع الجوامع.

وبالجملة : أنّا نتطلّب جامعاً بين أصل المركّب وبين الجزء الذي في ضمنه وعنوان الشيئية كاف ، بل يمكن أن نجعله جامعاً بين الجزء الملحوظ مستقلاً والجزء الملحوظ مندكّاً ، وإن كنّا في غنى عن ذلك ، لأنّ مركز الحكم وموضوعه هو الجزء الملحوظ مستقلاً ونفس الكل ، لا الجزء الملحوظ مندكّاً والجزء الملحوظ مستقلاً ، فلاحظ.

وعلى كلّ حال ، أنّ هذا التقريب للجامع لا دخل له بالتنزيل والحكومة ، لما عرفت من إمكان تعلّق الشكّ بالجزء كتعلّقه بالكل ، ومقتضى تعلّقه به أنّه في حدّ

٢٨٠