أصول الفقه - ج ١١

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-84-3
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٨٣

وعلى ذلك جرت سيرة العقلاء في أخذ السجلات من المستأجرين وغيرهم لقبول الاجارة ونحوها ، وليس ذلك إلاّلأجل إسقاط أمارية اليد وإثبات أنّ حدوث اليد على المال لم يكن بعنوان المالكية ، فيحتاج المستأجر مثلاً إلى إثبات الملكية إن ادّعاها (١).

ولا يخفى أنّه إن كان الاعتماد على الثاني لم يكن أخذ السجل لأجل توليد الاستصحاب ، لما عرفت من سقوطه باحتمال التبدّل إلاّفي صورة العلم ببقاء اليد السابقة ، وعدم تبدّلها بالدفع إلى المالك ثمّ الأخذ منه. أمّا إذا احتمل التبدّل فلا يكون فائدة السجل إلاّمؤاخذة المقرّ باقراره السابق وانقلابه مدّعياً ، فيكون إقراره السابق مسقطاً ليده.

وأمّا على الوجه الأوّل فلا يكون فائدة أخذ السجل محتاجاً إلى هذا التطويل ، بل يكون فائدته بواسطة إثبات أنّ حدوث اليد كان بعنوان الاجارة ، وهو كافٍ في إسقاط اليد الفعلية عن الحجّية ، لأنّها حينئذ لا تكون كاشفة بنظر العقلاء عن الملكية.

ثمّ إنّ هذا كلّه إنّما نحتاج إليه في صورة سبق العدوان أو الأمانة الشرعية ، أمّا الأمانة المالكية فقد عرفت أنّ سقوطها لا يحتاج إلى هذا التطويل ، لما عرفت من أنّ عمراً لو كانت يده على الدار أمانة من مالكها الذي هو زيد لا تكون يد عمرو يداً لعمرو بل هي يد زيد ، فلو احتملنا أنّه اشتراها منه كان الاستصحاب قاضياً بأنّ يد عمرو باقية على ما كانت عليه من كونها غير يده وأنّها يد زيد ، فلا تكون كاشفة عن ملكية عمرو ، فلاحظ وتأمّل.

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ١٩٧ ـ ١٩٩.

١٤١

قوله : وقوله عليه‌السلام في بعض أدلّة اعتبار اليد : « وإلاّ لما قام للمسلمين سوق » (١) لا يدلّ على التعبّد بها ( لكي يكون ذلك دليلاً على اعتبارها أصلاً عملياً ) بل إنّما هو لبيان حكمة إمضاء ما عليه العقلاء ، فإنّه لولا اعتبار اليد لاختلّ النظام ولم يبق للمسلمين سوق ... الخ (٢).

كيف ولا ينبغي الريب في إمكان تعليل الحكم بحجّية خبر الثقة بمثل هذا التعليل ، بأن يقال : وإن لم يكن خبر الثقة حجّة لما انتظم معاش البشر واختلّ جميع ما هم عليه من الاجتماع البشري ، ومن الواضح أنّ التعليل بذلك لا يكشف عن كون حجّية خبر الثقة من باب الأصل العملي ، فلاحظ.

ثمّ إنّك بعد أن عرفت جميع ما حرّرناه في شرح كلمات شيخنا قدس‌سره وغيره من الأساطين ممّا مضى ويأتي تحريره تعرف أنّ ما أفاده العلاّمة الأصفهاني قدس‌سره في الجهة الأُولى من رسالته في قاعدة اليد ممّا لا مساس له بدليل قاعدة اليد وكيفية تقديم استصحاب حالها عليها ، فإنّه قد ذكر أنّ أماريتها في مقام الثبوت منوطة بغلبة كون اليد مالكة ، ولكن هناك غلبة أُخرى وهي غلبة بقاء الشيء على ما كان ، وهذه تقيّد الأُولى ، ومقام الإثبات تابع لمقام الثبوت ، وحينئذ يتقيّد الاطلاق الوارد في مقام الاثبات ، لكن ذلك لو قلنا بكونها أمارة ، أمّا لو قلنا بكونها أصلاً فلا مانع من إطلاق دليلها ، ومقتضاه إلغاء استصحاب الحال ، لكن هذا فيما يكون مشتملاً على الاطلاق من الأدلّة مثل « من استولى » دون غيره من الأدلّة (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ / أبواب كيفية الحكم ب ٢٥ ح ٢ ، ولفظالحديث « لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق ».

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٦٠٣.

(٣) رسالة في قاعدة اليد ( المطبوعة في آخر الطبعة القديمة من نهاية الدراية ) : ٣٢٩.

١٤٢

وأنت خبير بما فيه من أنّ الأمارية أو حجّية اليد ليست منوطة بالغلبة كي تقدّم الغلبة الثانية على الغلبة الأُولى ، ولو سلّمنا ذلك لجرى في كلّ استصحاب في قبال اليد حتّى استصحاب الملكية السابقة.

ثمّ لا يخفى أنّها لو كانت أصلاً عقلائياً لكان ينبغي أن يكون ملاكها هو الغلبة ، وحينئذ يجري ما قدّمه من كون الغلبة الثانية مقدّمة على الغلبة الأُولى.

ثمّ لو أغضينا النظر عن ذلك كلّه فكيف كان مفاد اليد بناءً على كونه أصلاً عملياً مقدّماً على مفاد استصحاب حال اليد ، إذ لا أقل حينئذ من التعارض والتساقط ، ودعوى كون اليد بلا مورد حينئذ إنّما هي في قبال الاستصحاب في موردها لا في قبال استصحاب حالها كما أوضحناه. أمّا إطلاق دليلها لو كانت أصلاً فهو غير نافع في دعوى تقديمها على الاستصحاب المذكور ، فإنّ دليل الاستصحاب أيضاً مطلق فكيف قدّمنا ذلك الاطلاق على هذا الاطلاق.

ومن الغريب قوله : إلاّ أنّ دعوى الاطلاق في جميع موارد الأدلّة المتقدّمة ممنوع الخ ، فإنّ باقي الأدلّة إذا لم يكن فيها إطلاق كانت ساقطة [ عن ] الحجّية في المقام ، لكن ذلك الذي له إطلاق وهو مثل قوله عليه‌السلام : « من استولى » الخ (١) ، كاف في إثبات حجّية اليد في المقام ، فكيف فرّع عليه قوله : وحينئذ فمرجع الأمر إلى استصحاب بقاء اليد على عنوانها المعلوم ، فهي يد غير مالكة تعبّداً الخ ، وهل يكون عدم الاطلاق في باقي الأدلّة موجباً لسقوط الاطلاق في المسلّم إطلاقه أعني قوله : « من استولى على شيء » ليكون ذلك موجباً لسقوط حجّية اليد ليتمّ حجّية استصحاب الحال.

ثمّ إنّ له كلمة قبل هذه الكلمات لم أتوفّق لفهمها ، وذلك قوله في مقام

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٦ : ٢١٦ / أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ٣.

١٤٣

الثبوت : فنقول أمّا ملاك الملازمة الطبعية فلا ينبغي الإشكال فيه ، لأنّ مقام الاقتضاء لا يتقيّد بعدم المانع ، بل يتقيّد به فعلية المقتضى مع ثبوت مقتضيه وانحفاظ الاقتضاء الخ. ويمكن أن يكون مراده هو أنّ اليد مقتضية للملكية ، وهذا الاقتضاء لا يتقيّد بعدم المانع الذي هو كونها عادية مثلاً ، بل الذي يتقيّد بعدم المانع المذكور هو فعلية الملكية التي هي المقتضى ـ بالفتح ـ ، فإنّ الملكية الفعلية تتقيّد بعدم المانع المذكور وبثبوت المقتضي ـ بالكسر ـ الذي هو اليد مع انحفاظ الاقتضاء ، هذا ما فهمته.

ولكن يكون ماذا حينئذ ، فهل يكون الجاري في المقام هو اليد أو يكون الجاري هو الاستصحاب؟ ظاهره الأوّل ، لأنّ اليد باقية على الاقتضاء فيحكم بالملكية.

ثمّ له كلمة سابقة على ذلك وهي قوله : نعم يمكن ـ إلى قوله ـ بل كما يتقوّى جانب ثبوت المقتضى بثبوت مقتضيه فلا يعتنون باحتمال المانع ويتقوّى جانب البقاء بارتكاز الثبوت فلا يعتنون باحتمال الارتفاع ، كذلك يتقوّى جانب الاحتواء الاعتباري بوجدان الاحتواء الخارجي الخ (١) ، والثالث هو محصّل قاعدة اليد والثاني هو محصّل قاعدة الاستصحاب ، والأوّل هو محصّل قاعدة المقتضي ، وحينئذ فهل هي مسلّمة عنده أو أنّها غير مسلّمة ، وحينئذ فلماذا لا تكون مسلّمة مع جريان العقلاء عليها حسب الفرض ، فهل ذلك لردع أو عدم إمضاء ، كلّ ذلك محتاج إلى الشرح.

وأمّا قوله : والظاهر كما أفاده بعض أجلّة السادة قدس‌سرهم أنّ الأمر ممّا لا شكّ

__________________

(١) رسالة في قاعدة اليد ( المطبوعة في آخر الطبعة القديمة من نهاية الدراية ) : ٣٢٨.

١٤٤

فيه (١) فهو إشارة إلى ما ذكره السيّد قدس‌سره في البلغة وهو قوله قدس‌سره : السادس يشترط في إفادة اليد الملك عدم العلم بحدوثها بعنوان آخر ، فلو علم بكونها في يده كان بنحو العدوان أو الأمانة ثمّ شكّ في ملكيتها وهي في يده في الزمان اللاحق ، لم تكن اليد مفيدة للملك عند الشكّ لاستصحاب اليد السابقة وأصالة عدم تبدّل عنوانها بعنوان آخر ، وهو ممّا لا شكّ فيه ولا شبهة تعتريه (٢) لكن لعمري لقد اعترتنا الشبهة في وجه تقدّم هذا الاستصحاب المعبّر عنه باستصحاب اليد على نفس اليد ، ولابدّ من الجواب عنها بما عرفت.

أمّا دعوى أنّه لا مستند لنا في حجّية اليد إلاّعمل العقلاء الممضى من جانب الشارع ، المقصور على القدر المتيقّن وهو ما لم يكن حالها سابقاً معلوماً بالعدوان أو بالأمانيّة ، فهي أوضح الأجوبة ، ولكن عهدة هذه الدعوى على مدّعيها في قبال إطلاق الأدلّة.

تكميل : وهو أنّه بعد أن اتّضح أنّ استصحاب حال اليد في مثل الأمانات يكون مقدّماً على اليد ولو لما ذكرناه من جهة كون يد الأمين يد المالك لا أنّها يد نفس الأمين ، وبعد أن اتّضح أنّ هذا الاستصحاب لا يجري في مورد احتمال تبدّل اليد وتجدّدها ، لا تكون فائدة أخذ الورقة من المستأجر مثلاً بأنّ يده على العين يد إجارة هو فتح باب التمسّك باستصحاب اليد ، بل تكون فائدة الورقة هو مؤاخذة صاحبها باقراره وانقلابه مدّعياً لو لم نقل بعدم سماع دعواه.

ومن ذلك يتّضح لك التأمّل فيما أفاده في التحرير عن شيخنا قدس‌سره بقوله : وعلى ذلك يبتني قبول السجلات وأوراق الاجارة الخ ، فإنّ قبول ورقة الإقرار

__________________

(١) رسالة في قاعدة اليد ( المطبوعة في آخر الطبعة القديمة من نهاية الدراية ) : ٣٢٩.

(٢) بلغة الفقيه ٣ : ٣٣٠.

١٤٥

ليس من جهة تقدّم الاستصحاب ، بل من جهة نفس الإقرار. نعم ثبوت كون اليد إجارة بالبيّنة يكون من هذا القبيل.

قوله : فإنّ اليد إنّما تكون أمارة على الملك إذا كانت مجهولة الحال غير معنونة بعنوان الاجارة والغصب ونحوهما ... الخ (١).

لا يخفى أنّ الظاهر التسالم على تقدّم استصحاب حال اليد على نفس اليد في كشفها عن الملكية كما يظهر ذلك من الجواهر (٢) والسيّد قدس‌سره في البلغة (٣) والسيّد في ملحقات العروة (٤) على أنّه مخالف في مسألة المسبوقية بالوقف (٥).

وعمدة ما يمكن أن يقال في وجه تقدّم اليد على استصحاب حالها هو أنّ استصحاب كون هذه اليد يد عدوان وإن كان في حدّ نفسه جارياً ، إلاّ أنّ في قباله اليد ، وهي إن قلنا بكونها من الأمارات فلا إشكال في تقدّمها على الاستصحاب ، فإنّها وإن لم تكن بمدلولها المطابقي رافعة لموضوع هذا الاستصحاب ، لأنّ مجرّد الملكية لا يرفع موضوع هذا الاستصحاب ، إلاّ أنّها بمدلولها الالتزامي وهو خروج تلك اليد عن كونها عدوانية تكون رافعة لموضوع ذلك الاستصحاب. وإن قلنا بأنّ اليد من قبيل الأُصول الاحرازية فهي أيضاً مقدّمة على الاستصحاب في موردها ، لما تقدّم من أنّه لو تقدّم عليها لبقيت بلا مورد.

لكن قد يقال : بأنّها بناءً على كونها من الأُصول إنّما تكون مقدّمة على مثل

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٠٤ ـ ٦٠٥.

(٢) جواهر الكلام ٤٠ : ٤٥٦.

(٣) بلغة الفقيه ٣ : ٣٣٠ ـ ٣٣١.

(٤) العروة الوثقى ٦ : ٦٢٥.

(٥) العروة الوثقى ٦ : ٤٠١.

١٤٦

استصحاب ملكية المالك السابق لأنّها لو لم تقدّم على مثل هذا الاستصحاب لبقيت بلا مورد. أمّا استصحاب حال نفس هذه اليد من كونها عدوانية فلا يلزم من تقدّمه عليها بناءً على كونها من الأُصول أن تبقى بلا مورد ، لكفاية بقية الموارد ممّا لا يكون مورداً لاستصحاب حال اليد ، وحينئذ فلا أقل من التعارض بينها وبين هذا الاستصحاب ، وبناءً على ذلك يتمّ ما أراده المعترض من أنّه لا وجه لتقدّم الاستصحاب عليها ، بل كانت النتيجة أنّ اليد إن كانت من الأمارات كانت هي المقدّمة على الاستصحاب المذكور ، وإن كانت من الأُصول كانت معارضة له ، فلا وجه لتقدّمه عليها كما هو المعروف.

وربما يجاب : بأنّ استصحاب حال اليد لمّا كان محرزاً لكونها عدوانية ، كان موجباً لخروجها عن موضوع حجّية اليد ، إذ لا يمكن الحكم على اليد العدوانية ( ولو بواسطة الاستصحاب ) بأنّها كاشفة عن الملكية كما ربما يظهر ذلك من قوله : واستصحاب حال اليد يوجب تعنونها بعنوان الاجارة أو الغصب ، فلا تكون كاشفة عن الملكية الخ (١).

وفيه : ما لا يخفى ، فإنّا لو قلنا إنّ اليد الكاشفة عن الملكية هي غير اليد الاجارية والعدوانية ونحوها لم يكن له معنى محصّل ، إلاّ أنّ اليد إن كانت هي من قبيل هذه الأيدي لم تكن كاشفة عن الملكية ، وإن لم تكن من قبيل هذه الأيدي كانت كاشفة عن الملكية ، ولا ريب في أنّ اليد التي هي غير هذه الأيدي منحصرة باليد المالكية ، فلا معنى حينئذ للقول بأنّها أمارة على الملكية ، هذا.

مضافاً إلى أنّ اليد التي هي أمارة على الملكية لو كانت مقيّدة بكونها هي غير هذه الأيدي لكان التمسّك بها في موارد الشكّ من قبيل التمسّك بالعموم في

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٠٥.

١٤٧

الشبهة المصداقية.

وحينئذ فلابدّ في الجواب عن أصل الشبهة بما أفاده قدس‌سره بقوله : فإنّ اليد إنّما تكون أمارة على الملكية إذا لم يعلم حالها ، والاستصحاب يرفع موضوع اليد الخ (١) ، وحاصله : أنّ موضوع الأمارة ليس هو مطلق اليد ، بل هو اليد التي لم يكن حالها معلوماً ، والاستصحاب الجاري في حال اليد وأنّها يد عادية يكون رافعاً لهذا الموضوع ، فيكون حاكماً على دليل حجّية اليد.

وتوضيح ذلك : أنّه لا إشكال في أنّ اليد التي جرى عليها العقلاء وأمضى الشارع فيها ذلك البناء العقلائي ليس هو خصوص اليد غير العادية ولا خصوص اليد المالكية ، بل إنّ مورد ذلك البناء العقلائي والامضاء الشرعي هو اليد غير المعلومة الحال ، وحينئذ فاليد وإن كانت في حدّ نفسها باعتبار دليل حجّيتها وتتميم جهة كشفها من الأمارات ، إلاّ أنّها باعتبار كون موضوع ذلك الكشف وتلك الحجّية هو اليد التي لم يعلم حالها ، تكون من هذه الناحية كالأُصول الشرعية غير التنزيلية يتقدّم عليها كلّ ما يكون محرزاً لحالها من حيث كونها أمانية أو عدوانية.

فإنّ المراد من عدم العلم بحالها إن كان هو عدم الإحراز الأعمّ من الاحراز الوجداني والاحراز التعبّدي كما ربما يدّعى ذلك من باب أنّه القدر المتيقّن من موارد حجّية اليد ، وأنّ اليد في مورد إحراز حالها وجداناً أو تعبّداً خارجة عن دليل حجّية اليد ، كان استصحاب العدوانية فيها وارداً على دليل حجّيتها ، لكونه حينئذ مخرجاً لها وجداناً عن موضوع دليل حجّيتها الذي هو اليد التي لم يحرز حالها بالأعمّ من الاحراز الوجداني والاحراز التعبّدي ، من دون فرق في ذلك بين

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٠٥.

١٤٨

أن نقول بكون اليد من قبيل الأمارات أو نقول بكونها من قبيل الأُصول.

وإن منع من ذلك وادّعي أنّ موضوع الحجّية هو اليد التي لم يعلم حالها بالعلم الوجداني غير الشامل للاحراز التعبّدي ، فإن قلنا بأنّها من قبيل الأمارات فهي وإن كانت مثبتة للوازم ، إلاّ أنّ استصحاب العدوانية فيها يكون حاكماً عليها لأنّ هذا الاستصحاب يرفع الشكّ فيها رفعاً تنزيلياً ويخرجها إخراجاً تنزيلياً عن كونها ممّا لم يعلم حالها ، نظير حكومة الأمارة على الأُصول الاحرازية وغير الاحرازية ، وحكومة الأُصول الاحرازية على غير الاحرازية ، بناءً على أنّ تلك الأُصول المحكومة مقيّدة بعدم العلم الوجداني على ما تقدّم توضيحه (١) ، هذا حال استصحاب عدوانية اليد.

وأمّا اليد نفسها فهي بمدلولها المطابقي الذي هو مالكية صاحبها لا ترفع موضوع الاستصحاب المذكور ، وإنّما ترفعه باعتبار مدلولها الالتزامي الذي [ هو ] متأخّر رتبة عن مدلولها المطابقي ، فإنّها أوّلاً تثبت مالكية صاحبها ، وبواسطة أنّ مالكية صاحبها ملازم لكونها غير عادية تثبت ثانياً أنّها يد مالكية وأنّها غير عدوانية ، وبواسطة هذا الإثبات ثانياً يرتفع موضوع استصحاب العدوانية ، لكن الاستصحاب المذكور يرفع موضوعها تنزيلاً في المرتبة الأُولى ، فلا تصل النوبة إلى المرتبة الثانية كي تكون اليد بالمرتبة الثانية رافعة لموضوع الاستصحاب ، وهذا بخلاف البيّنة القائمة على مالكية صاحب اليد ، فإنّ البيّنة لمّا لم تكن مقيّدة بعدم العلم وكانت حجّة في إثبات اللوازم ، كانت حاكمة على الاستصحاب المذكور ، لأنّه لا يكون رافعاً لموضوعها في الرتبة الأُولى ، وهي في المرتبة الثانية

__________________

(١) راجع الأمر الثالث في فوائد الأُصول ٤ : ٥٩١ ـ ٦٠١ ، وحواشي المصنّف قدس‌سره على ذلك المبحث تقدّمت في الصفحة : ١٢٤ وما بعدها.

١٤٩

رافعة لموضوعه ، فتكون حاكمة عليه ، هذا كلّه لو قلنا بأنّ اليد من قبيل الأمارات.

وأمّا لو قلنا بأنّها من قبيل الأُصول العملية ، فحكومة الاستصحاب عليها أوضح ، لأنّها حينئذ لا تثبت ذلك اللازم ، واستصحاب حالها يرفع موضوعها وهي في الرتبة الأُولى بحكمها بأنّ صاحبها مالك لا ترفع موضوع استصحاب الأمانية أو العدوانية ، وإنّما ترفعه في الرتبة الثانية التي هي لازمة للرتبة الأُولى ، وهي بناءً على كونها من الأُصول العملية لا تثبت تلك المرتبة.

لا يقال : قد تكرّر مراراً أنّ الأمارات وإن كان موردها الجهل بالحكم الواقعي إلاّ أنّ دليل اعتبارها لم يكن مشتملاً على تقييد موضوعها بالشكّ وعدم العلم ، فلأجل ذلك قلنا إنّ الأُصول التنزيلية لا تكون حاكمة عليها ، بل كانت هي ـ أعني الأمارات ـ حاكمة على الأُصول التنزيلية ، لكون موضوع الأُصول هو عدم العلم والأمارات لم تكن مقيّدة به ، وحينئذ فينبغي أن لا يتمّ ما ذكرتموه من أنّ موضوع اليد هو اليد المشكوكة أو غير المعلومة الحال ، سواء كان ذلك عبارة عن مطلق الاحراز أو كان عبارة عن الاحراز الوجداني ، فلا وجه لتقدّم استصحاب حالها عليها ، سواء كانت من قبيل الأمارات أو كانت من قبيل الأُصول العملية.

لأنّا نقول : يمكن أن يدّعى أنّ القدر المتيقّن من دليل حجّيتها هو خصوص هذا المورد وهو خصوص اليد غير المعلومة الحال أو غير المحرزة الحال ، فيكون ذلك القدر المتيقّن بمنزلة المقيّد للدليل الدالّ على حجّيتها ، وأنّ موضوع تلك الحجّية هو خصوص اليد غير المعلومة الحال.

بل يمكن أن يقال : إنّ الدليل على الحجّية لمّا كان هو بناء العقلاء بعد إمضاء الشارع ، ورأينا العقلاء لا يأخذون بكلّ يد ، فإنّهم إنّما يأخذون باليد التي لا يعلمون حالها ، إذ اليد المعلومة الحال لا تحتاج إلى ذلك البناء العقلائي ، كان ذلك

١٥٠

عبارة أُخرى عن كون موضوعها مقيّداً بالقيد المزبور ، وما ذكرناه في باب الأمارات من أنّ مورد حجّيتها وإن كان هو عدم العلم إلاّ أنّ دليل حجّيتها لا يكون مقيّداً بهذا القيد لا يجري في حجّية اليد وإن كانت من الأمارات ، لأنّ عدم العلم الذي ذكرنا أنّه لم يكن مأخوذاً قيداً في الأمارات إنّما هو عدم العلم بنفس مؤدّاها الذي هو الحكم الواقعي ، وهكذا نقول في اليد فإنّ عدم العلم بمؤدّاها الذي هو مالكية صاحبها لم يكن مأخوذاً قيداً في دليل حجّيتها ، وإن كان مورد حجّيتها منحصراً فيه ، لكن الذي نريد أن نجعله قيداً في موضوع اليد هو عدم العلم بلون اليد وبحالها الذي هو غير مؤدّاها.

والحاصل : أنّ اليد التي تكون حاكية وكاشفة عن الملكية إنّما هي خصوص اليد المجهولة الحال ، وليس ذلك من قبيل التقييد بعدم العلم بمؤدّاها ، بل هو من قبيل التقييد بلونها ، نظير ما لو قلنا إنّ موضوع حجّية خبر الواحد هو خصوص ما لو كان الناقل ثقة ، أو ما لو كان النقل بالعربية مثلاً ، ونحو ذلك من حالات نفس الموضوع الذي جعله الشارع أمارة ، ففيما نحن فيه أنّ الشارع وإن جعل اليد أمارة إلاّ أنّه لم يجعل ذلك لكلّ يد ، بل الذي جعله هو خصوص اليد التي لم يعلم حالها ، فلاحظ وتأمّل.

لا يقال : إنّ ما تثبته اليد من الملكية هو عين كونها غير غصبية ، فلا يكون في البين تقدّم رتبي للاستصحاب على اليد.

لأنّا نقول : لا ريب في أنّ الملكية هي لون لما تحت اليد ، ولا دخل لهذا اللون بلون نفس اليد إلاّباللازم ، بمعنى أنّ إثبات اليد لملكية ما تحتها يلزمه ارتفاع لون اليد الذي هو الغصبية.

لا يقال : سلّمنا التغاير والملازمة إلاّ أنّه لا دليل على كون ارتفاع لون اليد

١٥١

متأخّراً عن ملكية ما تحت اليد ، بل الأمر بالعكس ، فالذي يرتفع أوّلاً هو لون اليد الذي هو الغصبية ، ثمّ بعده يتحقّق الملكية بالنسبة إلى ما تحت اليد.

لأنّا نقول : إنّ ارتفاع لون اليد الذي هو الغصبية وإن كان في مقام الثبوت متقدّماً على تحقّق الملكية ، إلاّ أنّه في مقام الاثبات يكون متأخّراً عنه ، فإنّ اليد أوّل ما تثبته هو الملكية ، وبعد إثباتها الملكية تثبت ملزوم الملكية الذي هو ارتفاع الغصبية ، نظير الدليل الدالّ على إثبات الدخان ، فإنّه يثبت أوّلاً وجود الدخان وبعد إثباته الدخان يثبت ملزومه الذي هو وجود النار ، وإن كان الأمر بالعكس في مقام الثبوت والواقع ، فإنّ وجود النار سابق في الرتبة واقعاً وفي مقام الثبوت على وجود الدخان ، هذا كلّه على تقدير كون الدعوى هي كون الموضوع هو اليد التي لم يعلم حالها.

وأمّا بناءً على كون الموضوع هو اليد غير المسبوقة بالغصبية أو الأمانية والاستيجار ونحو ذلك كما ربما يستفاد ذلك من تحريرات السيّد سلّمه الله بدعوى كون القدر المتيقّن من دليل حجّيتها هو خصوص ذلك ، أعني اليد غير المسبوقة بلون من هذه الألوان وإن لم يكن لونها الآن معلوماً ، فلا يحتاج سقوطها في الموارد المذكورة إلى التمسّك بحكومة الاستصحاب أو وروده عليها ، بل تكون هي ساقطة بنفسها وإن لم يكن الاستصحاب جارياً في موردها.

وهذه الدعوى ـ أعني عدم تمامية الدليل على حجّيتها في المورد المذكور ـ غير بعيدة ، إذ ليس لنا إلاّبناء العقلاء وجريان السيرة وحديث « من استولى » (١) ونحو ذلك ، وكلّها قاصرة الشمول للمورد المذكور أعني اليد المسبوقة بلون من هذه الألوان وإن لم يكن لونها الحالي معلوماً ، ولا أقل من الشكّ في الشمول

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٦ : ٢١٦ / أبواب ميراث الأزواج ب ٨ ح ٣.

١٥٢

الموجب للشكّ في الحجّية الموجب للقطع بعدم الحجّية.

ويمكن أن يتأتّى هذا التقريب في المسألة الآتية أعني كون ما تحت اليد مسبوقاً بالوقفية ، بدعوى قصور دليل أمارية اليد على الملكية عمّا يكون مسبوقاً بالوقفية ، فتكون اليد حينئذ ساقطة بنفسها وإن لم يجر استصحاب الوقفية ، فلاحظ وتدبّر.

قوله : وعلى ذلك يبتني قبول السجلاّت وأوراق الاجارة وينتزع المال عن يد مدّعي الملكية إذا كان في يد الطرف ورقة الاستيجار المثبتة لكون يد المدّعي كانت يد إجارة كما عليه عمل العلماء من سالف الزمان (١).

لكن ذلك في خصوص ما إذا كانت اليد المسبوقة بكونها يد إجارة باقية بحالها ، أمّا إذا كان قد سلّمها إلى المؤجر ثمّ بعد ذلك وضع يده عليها واحتملنا أنّ هذه اليد الجديدة يد مالكية فلا وجه للانتزاع ، لعدم جريان استصحاب حال اليد السابقة بالنسبة إلى هذه اليد الجديدة ، وذلك واضح لا ريب فيه.

ومنه يعرف الحكم في صورة احتمال التبدّل وتجدّد اليد ، فإنّ استصحاب حال اليد لا يمكن جرّه إلى هذه اليد الموجودة فعلاً التي لا نعلم أنّها هي اليد السابقة أو أنّها يد جديدة ، واستصحاب بقاء اليد السابقة التي كانت يد إجارة أو استصحاب عدم حدوث يد جديدة لا ينفع في إثبات أنّ هذه اليد هي اليد السابقة التي هي موضوع استصحاب حال الاجارة إلاّبالأصل المثبت.

ومن ذلك كلّه تظهر الخدشة فيما أفاده في قضاء المستند بقوله : فلو كانت هناك يد لم يعلم منشؤها ولكن علم مسبوقيتها بيد عارية أو غصب ، ولم يعلم أنّ اليد الحالية هل هي تلك اليد أو زالت الأُولى وحصلت يد حاصلة من السبب

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٠٦.

١٥٣

المملّك ، فمقتضى استصحاب اليد السابقة وأصالة عدم حدوث يد أُخرى يجعلها هي اليد الأُولى ، فلا تفيد ملكيته ، وليس هذا من باب تعارض الاستصحاب والأصل مع اليد المقتضية للملكية ، بل تصير اليد بواسطة الأصل والاستصحاب غير اليد المقتضية للملك (١).

فإنّ اليد إنّما تصير خارجة عن اليد المقتضية للملك بواسطة استصحاب الأمانية أو الغصبية إذا كانت هي بنفسها باقية من حين الأمانيّة أو الغصبية إلى الآن الذي هو آن دعوى الملكية ، لكون استصحاب حال اليد بالأمانة أو الغصب مخرجاً لها عن موضوع اليد المالكية الذي هو اليد التي لم يعلم حالها ، أمّا إذا علم بتبدّل تلك اليد أو احتمل تبدّلها كما هو مورد ما أفاده في المستند ، فلا يمكن جريان استصحاب حال اليد فيه كي يكون حاكماً على دليل حجّيتها في إفادة الملكية.

وهكذا الحال فيما لو أقرّ صاحب اليد بأنّ ما تحت يده ملك للمدّعي اللازم لكون يده عليه يداً غير مالكية ، فإنّه يلزم بإقراره ما دامت تلك اليد باقية ، أمّا إذا سلّمه له ثمّ بعد ذلك وضع يده عليه وادّعى الملكية في هذه اليد الجديدة ، فإنّه لا يلزم بإقراره لعدم جريان استصحاب حال اليد ، بل لا يكون من موارد الانقلاب لانحصار الانقلاب بما إذا اعترف أنّها للمدّعي وأنّه اشتراه منه مع بقاء يده تلك بحالها لم تتبدّل إلى يد جديدة ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ لازم إقراره السابق المقرون بتلك اليد السابقة بضمّ دعواه الملكية بالنسبة إلى يده الفعلية هو الاعتراف بأنّها كانت ملكاً للمدّعي وأنّه اشتراها منه ، وبذلك يكون من موارد الانقلاب.

وعلى أي حال ، لا يكون ذلك من موارد تقدّم استصحاب حال اليد على ما

__________________

(١) مستند الشيعة ١٧ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥.

١٥٤

تقتضيه اليد ، لارتفاع اليد السابقة التي كانت مورداً لاستصحاب الحال المزبور. ولو شكّ في التبدّل كان حاله حال ما تقدّم في عدم جريان استصحاب حال اليد.

ومنه يظهر الخدشة فيما أفاده في الجواهر في كتاب القضاء في آخر شرحه لقول المصنّف في المسألة الخامسة : لو ادّعى داراً في يد إنسان وأقام بيّنة أنّها كانت في يده أمس الخ بقوله : وأمّا ما سمعته من الفرق بين الإقرار وغيره فالقدر المسلّم منه إن لم يكن إجماعاً ما إذا بقيت العين في يد المقرّ ولم يعلم تجدّد يد أُخرى له ، فإنّ الظاهر حينئذ أخذه بإقراره الرافع لحكم استدامة يده السابقة مع فرض عدم العلم بتجدّد يد غيرها والأصل عدمها ، أمّا لو كان قد أقرّ بها ودفعها إلى المقرّ له ثمّ وجدت في يده المقتضية كونه مالكاً لها ، فإنّ انتزاعها من يده لاستصحاب الإقرار السابق محلّ إشكال بل محلّ منع ، ضرورة عدم الفرق بينه وبين انتزاعها منه باستصحاب الملك السابق الثابت بالبيّنة الذي قد عرفت عدمه ، وبذلك يظهر لك الوجه بانتزاعها منه باقراره بالغصبية أو الاستيجار أو نحوهما ، لأصالة عدم يد أُخرى غير التي صادفت إقراره ، وحينئذ فالميزان ذلك (١).

ولا يخفى أنّ إقرار صاحب اليد بملكية ما تحت يده للمدّعي مع بقاء تلك اليد بحالها لم تتجدّد لا ينبغي الريب في تقدّمه على مقتضى اليد لاستصحاب حال اليد ، أمّا مع التبدّل فإنّ استصحاب حال اليد وإن سقط لتبدّل اليد إلاّ أنّه مع ذلك لا يخرج عن كونه من موارد انقلاب الدعوى ، لما أشرنا إليه من أنّ ضمّ إقراره السابق المقرون باليد السابقة إلى دعواه الملكية في هذه اليد الجديدة يكون عين دعوى الانتقال ، فلا يبعد إبقاء إطلاق كلماتهم بالنسبة إلى الإقرار بحالها ، بل مقتضى إطلاق كلماتهم هو أنّه لو أقرّ بملكية العين لزيد ولم تكن يده عليها حين

__________________

(١) جواهر الكلام ٤٠ : ٤٥٢ ـ ٤٥٦.

١٥٥

الإقرار ، ثمّ بعد ذلك وضع يده عليها ، يكون دعواه الملكية في يده تلك عين دعوى الانتقال إليه ، كلّ ذلك بضميمة إقراره السابق.

قال في الكفاية في آخر المسألة السادسة من دعوى الأملاك : وفي كلامهم القطع بأنّ صاحب اليد لو أقرّ أمس بأنّ الملك له ، أو شهدت البيّنة بإقراره له أمس أو أقرّ بأنّ هذا له أمس ، قضي به له. وفي إطلاق الحكم بذلك إشكال ( ولعلّ الإشكال المشار إليه هو ما فصّله في الجواهر من صورة التبدّل وعدمها ) نعم لو أقرّ بأنّه غصبه أمس من زيد أو قامت البيّنة على ذلك أو أقرّ بذلك أمس ، لم تنفع اليد الحالية ، إذ قد ثبت بالإقرار أو البيّنة أنّه أثبت عليه يد عدوان ، فيستصحب ذلك حتّى يثبت خلافه ، وفي حكم الغصب فيما ذكرناه الاستيجار والاستعارة ، انتهى ما في الكفاية (١). وقد تعرّض السيّد قدس‌سره في قضائه من ملحقات العروة (٢) لهذا الذي نقلناه عن الكفاية فراجعه ، وقد أيّد إشكاله بما يظهر اندفاعه ممّا حرّرناه هنا وفي الحاشية الآتية.

وقال في كشف اللثام مازجاً عبارته بعبارة المصنّف قدس‌سره : أمّا لو شهدت بأنّه أقرّ له بالأمس ثبت الإقرار واستصحب موجبه إلى أن يظهر المزيل ، وإن لم يتعرّض الشاهد للملك الحالي ، كما إذا سمعنا نحن منه الإقرار حكمنا بالملك للمقرّ له إلى ظهور المزيل ، والفرق بين ثبوت الملك بالإقرار وثبوته بالبيّنة واضح ، ولذا لو قال المدّعى عليه كان ملكك بالأمس انتزع من يده ، وكذا إذا كان أقرّ بالأمس أنّه ملكه ثمّ رأيناه اليوم بيده وينازعه فيه المقرّ له ، فإنّ المرء مأخوذ بإقراره ، ولأنّه يخبر عن تحقيق ، فإنّه يخبر عن حال نفسه فيستصحب ما أقرّ به ،

__________________

(١) كفاية الفقه : ٧٣٤.

(٢) العروة الوثقى ٦ : ٦٢٥ ( الفصل الثالث عشر في تعارض اليدين والبيّنتين ).

١٥٦

بخلاف الشاهد بملكه أمس فإنّه ربما يخبر عن تخمين مستنداً إلى يد أو استفاضة ، وقد يسوّى بين الإقرار أمس والشهادة بملكه أمس فلا ينتزع من يده بشيء منهما (١).

ومن الفروع التي ينبغي التأمّل فيها ما لو كانت يده على الشاة مثلاً يد أمانة وقد أولدت تلك الشاة ، واحتملنا أنّها انتقلت إليه ببيع ونحوه قبل الولادة ، فهل يكون مقتضى استصحاب الأمانية بالنسبة إلى الشاة موجباً للحكم بالأمانية بالنسبة إلى ولدها أيضاً ، أو أنّه لا يقتضي إلاّسقوط اليد بالنسبة إلى الشاة نفسها دون ولدها.

وبعبارة أُخرى : هل يكون في البين يديان إحداهما على الشاة والأُخرى على ولدها ، والاستصحاب لا يحكم إلاّعلى اليد الأُولى التي هي اليد على الشاة دون اليد على ولدها ، وإن كان الحكم بالأمانية بالنسبة إلى الشاة ملازماً للأمانية بالنسبة إلى ولدها ، وأوضح منه ما لو لم يكن في البين هذا التلازم بأن كان محتمل الانتقال هو ولد تلك الشاة دون الشاة نفسها.

قوله : فإنّ اليد إنّما تكون أمارة على الملك في المال الذي يكون في طبعه قابلاً للنقل والانتقال فعلاً ولم يكن محبوساً ... الخ (٢).

حاصله : أنّ موضوع أمارية اليد وحجّيتها مقيّد بكون ما تحت اليد قابلاً للنقل والانتقال فعلاً بمعنى جواز نقله جوازاً فعلياً ، إذ لا ريب في أنّ ما ليس قابلاً لذلك لا تكون اليد فيه حجّة على الملكية ، والحكم بالملكية فيما تحقّقت وقفيته يحتاج إلى طي أربع مراحل ، بأن يقال : طرأ الخراب على هذه الدار مثلاً فجاز

__________________

(١) كشف اللثام ١٠ : ٢٦١.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٦٠٦ ـ ٦٠٧.

١٥٧

نقلها وبيعها ووقع البيع فتحقّقت الملكية ، والملكية وإن كانت متأخّرة في مقام الثبوت والواقع عن هذه المراحل ، لأنّ نسبة الملكية إليها نسبة المعلول إلى العلّة إلاّ أنّها في مقام الإثبات متقدّمة عليها ، لأنّ مقام الاثبات في مثل ما نحن فيه من الانتقال من المعلول إلى العلّة يكون على العكس من مقام الثبوت ، فالذي تثبته اليد أوّلاً هو الملكية ، وبعد إثباتها الملكية ينتقل إلى إثبات تحقّق النقل والبيع ، وبعد إثبات البيع ننتقل إلى إثبات جواز البيع ، وعن إثبات جواز البيع ننتقل إلى إثبات حدوث المسوّغ وهو حصول الخراب مثلاً ، واستصحاب عدم حصول المسوّغ يرفع موضوع اليد الذي هو قابلية الانتقال في الدرجة الأُولى قبل أن تصل النوبة إلى الدرجة الأخيرة من درجات ما تثبته اليد ، فيكون الاستصحاب حاكماً على اليد.

ولكن يرد النقض بما هو مشكوك الوقفية ممّا هو تحت اليد ، كما إذا كان مورداً للعلم الاجمالي ، أمّا الشبهة البدوية فيمكن إحراز القابلية فيها بأصالة عدم صدور الوقف على هذه الدار مثلاً.

والذي ينبغي هو إسقاط النقض بمسألة احتمال الوقفية بالمرّة حتّى لو كان مقروناً بالعلم الاجمالي ، لوضوح سقوط اليد في مورد العلم الاجمالي.

نعم يتوجّه النقض باحتمال حرّية من هو تحت اليد. وما أُفيد في الجواب عنه بسقوط أصالة الحرّية لأنّها مقيّدة بما إذا لم يكن تحت اليد ، إنّما ينفع في سقوط أصالة الحرّية ولكن لا يطرد احتمال الحرّية بناءً على كون ما تحت اليد مقيّداً بالقابلية ، فإنّ التمسّك باليد في مثل ذلك يكون من قبيل التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية ، لكن ورد النصّ (١) في عدم سماع دعوى الحرّية في قبال

__________________

(١) لعلّه يريد بذلك ما ورد في وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٠ / أبواب بيع الحيوان ب ٥.

١٥٨

اليد ، وهكذا احتمال الحرّية لها.

نعم يرد النقض بالحيوان المحتمل تولّده من حيوان موقوف لو كان على نحو يكون الوقف سارياً إلى نسله ، ولا مانع من الالتزام بعدم تحكيم اليد في مثل الحيوان المذكور بعد فرض عدم جريان أصالة العدم فيه ، كما في أصالة عدم القرشية. ولو التزمنا بتحكيم اليد في مثل الحيوان المذكور لم يكن له وجه إلاّ دعوى أنّ اليد الحاكمة بالملكية مقيّدة بعدم العلم بالوقفية ، بأن يدّعى أنّ موضوع اليد هو ما لم يعلم كونه وقفاً إمّا بالعلم الوجداني فيكون الاستصحاب حاكماً على دليل اليد ، أو الأعمّ من الاحراز التعبّدي والوجداني فيكون وارداً عليه ، على حذو ما سبق في استصحاب حال اليد.

وقد يقرّب تقديم الاستصحاب على اليد فيما نحن فيه بما حاصله : هو أنّ مدرك اليد هو غالبية كونها مالكة في قبال احتمال بقاء العين على ملك مالكها الأوّل ، أمّا لو كان في قبال احتمال طروّ المسوّغ للبيع فلا تكون المالكية هي الغالبة كي تكون اليد في أمثال هذه الموارد كاشفة عن الملكية ، لتوقّف غلبة المالكية في هذه الموارد على غلبة طروّ المسوّغ ، ولمّا لم يكن ذلك اللازم غالبياً لم تكن الملكية غالبة ، فلمّا لم تكن الملكية غالبة لم يمكن الحكم بكون أمثال هذه اليد كاشفة عن الملكية ، وهذا هو المتراءى من التقريرات المطبوعة في صيدا (١) ، وهو الذي يظهر من العلاّمة الأصفهاني في رسالته الملحقة بحاشيته على الكفاية (٢).

ولكن يمكن المناقشة فيه أوّلاً : بأنّ الغلبة من قبيل حكمة التشريع لا من

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ٢٠٠.

(٢) رسالة في قاعدة اليد ( المطبوعة آخر الطبعة القديمة من نهاية الدراية ) : ٣٢٩ ـ ٣٣٠.

١٥٩

قبيل العلّة ، فلا يضرّ تخلّفها في بعض الموارد. وثانياً : أنّ عدم الغلبة في خصوص المسبوق بالوقفية لا يضرّ بتحقّق الغلبة بالنظر إلى مجموع ما تحت الأيدي ممّا لا يكون مسبوقاً بالوقفية. وثالثاً : النقض بما هو محتمل الوقفية ممّا لم يكن مسبوقاً بها ، فإنّ هذا الصنف لم تتحقّق فيه غلبة الملكية.

وحينئذ فالأولى أن يقال : موضوع اليد هو ما لم يعلم كونه وقفاً غير قابل للنقل بالعلم الوجداني ليكون استصحاب الوقفية أو عدم طروّ المسوّغ حاكماً على اليد ، ويكون دليل هذا التقييد هو أنّ ما علم كونه غير قابل للنقل لا يمكن أن تكون اليد فيه كاشفة عن الملكية ، فينحصر كشفها عن الملكية في مورد عدم العلم الوجداني بعدم القابلية للنقل.

لا يقال : كما أنّ اليد لا يمكن أن تكون كاشفة عن الملكية في مورد العلم بعدم القابلية للنقل ، فكذلك لا يمكن أن تكون كاشفة عن الملكية في موارد العلم بكون ما تحت اليد مملوكاً لمن هو قبله ، وكما أنّ الأوّل يكون موجباً للتقييد فكذلك الثاني ، وحينئذ يكون استصحاب الملكية السابقة حاكماً على اليد كما يكون استصحاب الوقفية حاكماً عليها.

لأنّا نقول : فرق واضح بين المقامين ، فإنّ الثاني يكون من قبيل التقييد بعدم العلم بما هو ضدّ مؤدّى الأمارة ، والأوّل [ لا ] يكون من هذا القبيل ، بل يكون من قبيل التقييد بما هو خارج عن مؤدّاها ، وقد تحرّر في محلّه (١) أنّ الأمارة لا تكون مقيّدة بالشكّ وعدم العلم بمؤدّاها ، بخلاف ما هو خارج عن مؤدّاها وإن كان لازماً له.

على أنّه يمكن الفرق بينهما من ناحية أُخرى ، بأنّ ذلك وإن كان مقتضاه

__________________

(١) أشار إليه في فوائد الأُصول ٤ : ٥٩٥.

١٦٠