بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وقد اشتروهم له ، فكلم غلاما منهم ، وكان من الحبش جميل ، فكلمه بكلام ساعة حتى أتى على جميع مايريد ، وأعطاه درهما فقال : أعط أصحابك هؤلاء كل غلام منهم كل هلال ثلاثين درهما ، ثم خرجوا فقلت : جعلت فداك لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية ، فماذا أمرته؟ قال : أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا ويعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما ، وذلك أني لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملكهم فأوصيته بجميع ما أحتاج إليه ، فقبل وصيتي ، ومع هذا غلام صدق.

ثم قال : لعلك عجبت من كلامي إياه بالحبشية؟ لاتعجب فما خفي عليك من أمر الامام أعجب وأكثر ، وما هذا من الامام في علمه إلا كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا؟ قال : فإن الامام بمنزلة البحر لاينفد ماعنده ، وعجائبه أكثر من ذلك ، والطير حين أخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئا ، كذلك العالم لاينقصه علمه شيئا ، ولا تنفد عجائبه (١).

٤ ـ يج : ابن أبي حمزة مثله (٢).

٥ ـ عم (٣) شا : كان أبوالحسن موسى عليه‌السلام أعبد أهل زمانه ، وأفقههم وأسخاهم كفا ، وأكرمهم نفسا ، وروي أنه كان يصلي نوافل الليل ، ويصلها بصلاة الصبح ، ثم يعقب حتى تطلع الشمس ، ويخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من السجود والتحميد حتى يقرب زوال الشمس ، وكان يدعو كثيرا فيقول : اللهم إني أسألك الراحة عند الموت ، والعفو عند الحساب ، ويكرر ذلك ، وكان من دعائه عليه‌السلام : عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك ، وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع ، وكان أوصل الناس لاهله ورحمه ، وكان يفتقد فقراء المدينة

____________________

(١) نفس المصدر ص ١٩٤.

(٢) الخرائج والجرائح ص ٢٠١.

(٣) اعلام الورى ص ٢٩٦.

١٠١

في الليل ، فيحمل إليهم الزبيل فيه العين والورق والادقة والتمور ، فيوصل إليهم ذلك ، ولا يعلمون من أي جهة هو (١).

٦ ـ شا : الحسن بن محمد بن يحيى ، عن جده يحيى بن الحسن بن جعفر عن إسماعيل بن يعقوب ، عن محمد بن عبدالله البكري قال : قدمت المدينة أطلب بها دينا فأعياني فقلت لو ذهبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام فشكوت إليه ، فأتيته بنقمى في ضيعته ، فرج إلي ومعه غلام ومعه منسف فيه قديد مجزع ، ليس معه غيره ، فأكل فأكلت معه ، ثم سألني عن حاجتي فذكرت له قصتي فدخل ولم يقم إلا يسيرا حتى خرج إلي فقال لغلامه : اذهب ثم مد يده إلي فناولني صرة فيها ثلاثمائة دينار ثم قام فولى فقمت فركبت دابتي وانصرفت (٢).

بيان : المنسف كمنبر ماينفض به الحب ، شئ طويل منصوب الصدر أعلاه مرتفع ، والمجزع المقطع.

٧ ـ عم (٣) شا : الحسن بن محمد ، عن جده ، عن غير واحد من أصحابه ومشايخه أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى عليه‌السلام ويسبه إذا رآه ، ويشتم عليا فقال له بعض حاشيته يوما : دعنا نقتل هذا الفاجر ، فنهاهم عن ذلك أشد النهي ، وزجرهم ، وسأل عن العمري فذكر أنه يزرع بناحية من نواحي المدينة ، فركب إليه ، فوجده في مزرعة له ، فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمري : لاتوطئ زرعنا ، فتوطأه عليه‌السلام بحماره ، حتى وصل إليه ، ونزل وجلس عنده ، وباسطه وضاحكه ، وقال له : كم غرمت على زرعك هذا؟ قال : مائة دينار ، قال : فكم ترجو أن تصيب؟ قال : لست أعلم الغيب قال له : إنما قلت كم ترجو أن يجيئك فيه؟ قال : أرجو أن يجئ مائتا دينار.

____________________

(١) الارشاد ص ٣١٦ والزبيل والزنبيل : القفة ، الوعاء ، الجراب.

(٢) نفس المصدر ص ٣١٧ ونقمى بالتحريك والقصر : موضع من أعراض المدينة كان لال أبي طالب.

(٣) اعلام الورى ص ٢٩٦.

١٠٢

قال : فأخرج له أبوالحسن عليه‌السلام صرة فيها ثلاثمائة دينار ، وقال هذا زرعك على حاله ، والله يرزقك فيه ماترجو قال : فقام العمري فقبل رأسه وسأله أن يصفح عن فارطه فتبسم إليه أبوالحسن وانصرف ، قال : وراح إلى المسجد فوجد العمري جالسا فلما نظر إليه قال : الله أعلم حيث يجعل رسالاته قال : فوثب أصحابه إليه فقالوا له : ماقضيتك؟ قد كنت تقول غير هذا قال : فقال لهم : قد سمعتم ماقلت الآن ، وجعل يدعو لابي الحسن عليه‌السلام فخاصموه وخاصمهم ، فلما رجع أبوالحسن إلى داره قال لجلسائه الذين سألوه في قتل العمري : أيما كان خيرا ما أردتم؟ أم ما أردت؟ إنني أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم ، وكفيت به شره ، و ذكر جماعة من أهل العلم أن أبا الحسن عليه‌السلام كان يصل بالمأتي دينار إلى الثلاثمائة وكان صرار موسى مثلا (١).

وذكر ابن عمارة وغيره من الرواة أنه لما خرج الرشيد إلى الحج وقرب من المدينة استقبله الوجوه من أهلها يقدمهم موسى بن جعفر عليه‌السلام على بغلة ، فقال له الربيع : ماهذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين؟ وأنت إن تطلب عليها لم تلحق وإن طلبت عليها لم تفت فقال : إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل ، وارتفعت عن ذلة العير ، وخير الامور أوساطها.

قالوا : ولما دخل هارون الرشيد المدينة توجه لزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الناس فتقدم الرشيد إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : السلام عليك يارسول الله السلام عليك يا ابن عم ، مفتخرا بذلك على غيره فتقدم أبوالحسن عليه‌السلام فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبتاه ، فتغير وجه الرشيد ، وتبين الغيظ فيه (٢).

وقد روى الناس عن أبي الحسن عليه‌السلام فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه حسب ماقدمناه ، وأحفظهم لكتاب الله ، وأحسنهم صوتا بالقرآن ، وكان إذا قرأه يحزن

____________________

(١) الارشاد ص ٣١٧ والفارط هنا هو مابدر منه من كلام على غير روية وكان فيه سوء أدب.

(٢) اعلام الورى ص ٢٩٦ والارشاد ص ٣١٨ بتفاوت يسير.

١٠٣

ويبكي السامعون بتلاوته ، وكان الناس بالمدينة يسمونه زين المجتهدين ، وسمي بالكاظم لما كظمه من الغيظ ، وصبر عليه من فعل الظالمين ، حتى مضى قتيلا في حبسهم ووثاقهم صلى الله عليه (١).

اقول : روى أبوالفرج في مقاتل الطالبيين (٢) عن أحمد بن محمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن ، قال : كان موسى بن جعفر عليه‌السلام إذا بلغه عن الرجل مايكره بعث إليه بصرة دنانير ، وكانت صراره مابين الثلاثمائة إلى المائتين دينار فكانت صرار موسى مثلا.

اقول : ثم روى عن أحمد (٣) عن يحيى قصة العمري نحوا مما مر وروى باسناد آخر ما أجاب به الرشيد كما مر في رواية المفيد (٤).

٨ ـ قب : هشام بن الحكم قال موسى بن جعفر لابرهة النصراني : كيف علمك بكتابك؟ قال : أنا عالم به وبتأويله قال : فابتدأ موسى عليه‌السلام يقرأ الانجيل فقال أبرهة : والمسيح لقد كان يقرأها هكذا ، وما قرأ هكذا إلا المسيح ، وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة ، فأسلم على يديه.

حج المهدي فلما صار في فتق العبادي (٥) ضج الناس من العطش فأمر أن تحفر بئر ، فلما بلغوا قريبا من القرار هبت عليهم ريح من البئر ، فوقعت الدلاء

____________________

(١) الارشاد ص ٣١٨ واعلام الورى ص ٢٩٦.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٤٩٩ وأخرج ذلك الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج ١٣ ص ٢٧.

(٣) نفس المصدر ص ٤٩٩ وأخرج الحديث مع العمري الخطيب في تاريخه ج ١٣ ص ٢٨.

(٤) الارشاد للمفيد ص ٣١٨ ومقاتل الطالبيين ص ٥٠٠ وأخرج القصة الحصرى في زهر الاداب ج ١ ص ١٣٢.

(٥) فتق العبادي سيأتى بعد هذا نقلا عن الخرائج ص ٢٣٥ انه قبر العبادى فلاحظ.

١٠٤

ومنعت من العمل ، فخرجت الفعلة خوفا على أنفسهم فأعطي علي بن يقطين لرجلين عطاء كثيرا ليحفرا فنزلا فأبطآ ، ثم خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما ، فسألهما عن الخبر فقالا : إنا رأينا آثارا وأثاثا ، ورأينا رجالا ونساء فكلما أومأنا إلى شئ منهم صار هباءا ، فصار المهدي يسأل عن ذلك ولا يعلمون ، فقال موسى بن جعفر عليهما‌السلام : هؤلاء أصحاب الاحقاف ، غضب الله عليهم فساخت بهم ديارهم و أموالهم (١).

دخل موسى بن جعفر عليه‌السلام بعض قرى الشام متنكرا هاربا فوقع في غار وفيه رابه يعظ في كل سنة يوما فلما رآه الراهب دخله منه هيبة فقال : ياهذا أنت غريب؟ قال : نعم قال : منا؟ أو علينا؟ قال : لست منكم قال : أنت من الامة المرحومة؟ قال : نعم قال : أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم؟ قال : لست من جهالهم فقال : كيف طوبى أصلها في دار عيسى وعندكم في دار محمد وأغصانها في كل دار؟.

فقال عليه‌السلام : الشمس قد وصل ضوؤها إلى كل مكان وكل موضع ، وهي في السماء قال : وفي الجنة لاينفد طعامها وإن أكلوا منه ولا ينقص منه شئ؟ قال : السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شئ ، قال : وفي الجنة ظل ممدود؟ فقال : الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلها ظل ممدود قوله « ألم تر إلى ربك كيف مد الظل » (٢) قال : مايؤكل ويشرب في الجنة لايكون بولا ولا غائطا؟ قال : الجنين في بطن امه قال : أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر؟ فقال : إذا احتاج الانسان إلى شئ عرفت أعضاؤه ذلك ، ويفعلون بمراده من غير أمر قال : مفاتيح الجنة من ذهب؟ أو فضة؟ قال : مفتاح الجنة لسان العبد لا إله إلا الله قال : صدقت ، وأسلم والجماعة معه (٣).

____________________

(١) المناقب ج ٣ ص ٤٢٦.

(٢) سورة الفرقان ، الاية : ٤٥.

(٣) المناقب ج ٣ ص ٤٢٧.

١٠٥

وقال أبوحنيفة : رأيت موسى بن جعفر وهو صغير السن في دهليز أبيه فقلت : أين يحدث الغريب منكم إذا أراد ذلك؟ فنظر إلي ثم قال : يتوارى خلف الجدار ويتوقى أعين الجار ، ويتجنب شطوط الانهار ، ومساقط الثمار ، وأفنية الدور ، و الطرق النافذة ، والمساجد ، ولا يستقبل القبلة ، ولا يستدبرها ، ويرفع ويضع بعد ذلك حيث شآء.

قال : فلما سمعت هذا القول منه ، نبل في عيني ، وعظم في قلبي ، فقلت له : جعلت فداك ممن المعصية؟ فنظر إلي ثم قال : اجلس حتى اخبرك فجلست فقال : إن المعصية لابد أن تكون من العبد أو من ربه أو منهما جميعا ، فان كانت من الله تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله ، وإن كانت منهما فهو شريكه ، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف ، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الامر ، وإليه توجه النهي ، وله حق الثواب والعقاب ، ووجبت الجنة والنار فقلت : « ذرية بعضها من بعض » الآية (١).

وروى عنه الخطيب في تاريخ بغداد (٢) والسمعاني في الرسالة القوامية وأبوصالح أحمد المؤذن في الاربعين ، وأبوعبدالله بن بطة في الابانة ، والثعلبي في الكشف والبيان ، وكان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت عليهم‌السلام لما روى عنه قال : حدثني موسى بن جعفر قال : حدثني أبي جعفر بن محمد وهكذا إلى

____________________

(١) نفس المصدر ج ٣ ص ٤٢٩ واخرج الحديث السيد الشريف المرتضى في أماليه ج ١ ص ١٥١ وقد ذكر في آخره انه قد نظم المعنى شعرا فقيل :

لم تخل أفعالنا اللاتى نذم لها

احدى ثلاث خلال حين نأتيها

اما تفرد بارينا بصنعتها

فيسقط اللوم عنا حين ننشيها

أو كان يشركنا فيها فيلحقه

ماسوف بلحقنا من لائم فيها

أو لم يكن لا لهى في جنايتها

ذنب فما الذنب الا ذنب جانيها

سيعلمون اذا الميزان شال بهم

أهم جنوها أم الرحمن جانيها

(٢) تاريخ بغداد ج ١٣ ص ٣٢٢٧.

١٠٦

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال أحمد : وهذا إسناد لو قرئ على المجنون أفاق.

ولقيه أبونواس فقال :

إذا أبصرتك العين من غير ريبة

وعارض فيك الشك أثبتك القلب

ولو أن ركبا أمموك لقادهم

نسيمك حتى يستدل بك الركب

جعلتك حسبي في اموري كلها

وما خاب من أضحى وأنت له حسب

٩ ـ قب : صفوان الجمال سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن صاحب هذا الامر فقال : صاحب هذا الامر لايلهو ولا يلعب ، فأقبل موسى بن جعفر وهو صغير ومعه عناق (١) مكية وهو يقول لها : اسجدي لربك ، فأخذه أبوعبدالله عليه‌السلام فضمه إليه وقال : بأبي وامي من لايلهو ولا يلعب.

اليوناني كانت لموسى بن جعفر بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال ، وكان عليه‌السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن فكان إذا قرأ يحزن ، وبكى السامعون لتلاوته ، وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع.

أحمد بن عبدالله ، عن أبيه قال : دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي : أشرف على هذا البيت وانظر ماترى؟ فقلت : ثوبا مطروحا فقال : انظر حسنا فتأملت فقلت : رجل ساجد ، فقال لي تعرفه؟ هو موسى بن جعفر ، أتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الاوقات إلا على هذه الحالة إنه يصلي الفجر فيعقب إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة ، فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس وقد وكل من يترصد أوقات الصلاة ، فإذا أخبره وثب يصلي من غير تجديد وضوء ، وهو دأبه ، فاذا صلى العتمة أفطر ، ثم يجدد الوضوء ثم يسجد فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر ، وقال بعض عيونه : كنت أسمعه كثيرا يقول في دعائه « اللهم إنك تعلم أنني كنت أسألك أن تفرغني

____________________

(١) العناق : كسحاب ، الانثى من أولاد المعز ، جمع أعنق وعنوق.

١٠٧

لعبادتك ، اللهم وقد فعلت فلك الحمد ».

وكان عليه‌السلام يقول في سجوده « قبح الذنب من عبدك فليحسن العفو والتجاوزمن عندك »

ومن دعائه عليه‌السلام « اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب ».

وكان عليه‌السلام يتفقد فقراء أهل المدينة فيحمل إليهم في الليل العين والورق وغير ذلك ، فيوصله إليهم وهم لايعلمون من أي جهة هو ، وكان عليه‌السلام يصل بالمائة دينار إلى الثلاثمائة دينار ، فكانت صرار موسى مثلا ، وشكا محمد البكري إليه فمد يده إليه فرجع إلى صرة فيها ثلاثمائة دينار.

وحكي أن المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر عليه‌السلام بالجلوس للتهنية في يوم النيروز وقبض مايحمل إليه فقال عليه‌السلام : إني قد فتشت الاخبار عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم أجد لهذا العيد خبرا وإنه سنة للفرس ومحاها الاسلام ، ومعاذ الله أن نحيي مامحاه الاسلام.

فقال المنصور : إنما نفعل هذا سياسة للجند ، فسألتك بالله العظيم إلا جلست فجلس ودخلت عليه الملوك والامراء والاجناد يهنؤونه ، ويحملون إليه الهدايا و التحف ، وعلى رأسه خادم المنصور يحصي مايحمل ، فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السن فقال له : يا ابن بنت رسول الله إنني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك ولكن أتحفك بثلاثة أبيات قالها جدي في جدك الحسين بن علي عليه‌السلام :

عجبت لمصقول علاك فرنده

يوم الهياج وقد علاك غبار

ولاسهم نفذتك دون حرائر

يدعون جدك والدموع غزار

ألا تغضغضت السهام وعاقها

عن جسمك الاجلال والاكبار

قال : قبلت هديتك ، اجلس بارك الله فيك ، ورفع رأسه إلى الخادم وقال : امض إلى أمير المؤمنين وعرفه بهذا المال ، وما يصنع به ، فمضى الخادم وعاد وهو يقول : كلها هبة مني له ، يفعل به ما أراد فقال موسى للشيخ : اقبض جميع هذا

١٠٨

المال فهو هبة مني لك (١).

بيان : فرند السيف بكسر الفاء والراء جوهره ووشيه ، والتغضغض الانتقاص.

١٠ ـ قب : موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : دخلت ذات يوم من المكتب ومعي لوحي قال : فأجلسني أبي بين يديه وقال : يابني اكتب : تنح عن القبيح ولا ترده ثم قال : أجزه ، فقلت : ومن أوليته حسنا فزده.

ثم قال : ستلقى من عدوك كل كيد. فقلت : إذا كاد العدو فلا تكده قال : فقال : ذرية بعضها من بعض (٢).

بيان : قال الجوهري (٣) الاجازة أن تتم مصراع غيرك.

١١ ـ كش : وجدت بخط محمد بن الحسن بن بندار ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن سالم قال : لما حمل سيدى موسى بن جعفر عليه‌السلام إلى هارون جاء إليه هشام بن إبراهيم العباسي فقال له : ياسيدي قد كتب لي صك إلى الفضل بن يونس تسأله أن يروح أمري قال : فركب إليه أبوالحسن عليه‌السلام فدخل عليه حاجبه فقال : ياسيدي أبوالحسن موسى بالباب فقال : فان كنت صادقا فأنت حر ولك كذا وكذا فخرج الفضل بن يونس حافيا يعدو حتى خرج إليه. فوقع على قدميه يقبلهما ثم سأله أن يدخل فدخل فقال له : اقض حاجة هشام بن إبراهيم ، فقضاها ثم قال : ياسيدي قد حضر الغداء فتكرمني أن تتغدى عندي فقال : هات فجاء بالمائدة و عليها البوارد ، فأجال عليه‌السلام يده في البارد ثم قال : البارد تجال اليد فيه ، فلما رفع البارد وجآء بالحار فقال أبوالحسن عليه‌السلام الحار حمى (٤).

بيان : الحار حمى أي تمنع حرارته عن إجالة اليد فيه ، أو كناية عن استحباب ترك إدخال اليد فيه قبل أن يبرد.

____________________

(١) المناقب ج ٣ ص ٤٣٢.

(٢) نفس المصدر ج ٣ ص ٤٣٤.

(٣) الصحاح ج ٢ ص ٨٦٧ طبع دار الكتاب العربي.

(٤) رجال الكشي ص ٣١١.

١٠٩

١٢ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن بعض أصحابنا قال : أو لم أبوالحسن موسى عليه‌السلام على بعض ولده فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيام الفالوذجات في الجفان في المساجد والازقة ، فعابه بذلك بعض أهل المدينة فبلغه ذلك ، فقال عليه‌السلام ما آتى الله عزوجل نبيا من أنبيآئه شيئا إلا وقد آتى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله وزاده مالم يؤتهم ، قال لسليمان عليه‌السلام : « هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب » (١) وقال لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله « وما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا » (٢).

١٣ ـ كا : عدة ، عن سهل ، عن علي بن حسان ، عن موسى بن بكر قال : كان أبوالحسن الاول عليه‌السلام كثيرا مايأكل السكر عند النوم (٣).

١٤ ـ كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن يونس بن يعقوب قال : حدثني من أثق به أنه رأى على جواري أبي الحسن موسى عليه‌السلام الوشي (٤).

١٥ ـ كا : علي بن محمد بن بندار ، ومحمد بن الحسن جميعا ، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمر ، عن الحسين بن موسى قال : كان أبي موسى بن جعفر عليه‌السلام إذا أراد دخول الحمام أمر أن يوقد عليه ثلاثا ، فكان لايمكنه دخوله حتى يدخله السودان ، فيلقون له اللبود ، فاذا دخله فمرة قاعد ومرة قائم ، فخرج يوما من الحمام فاستقبله رجل من آل الزبير يقال له كنيد وبيده أثر حناء فقال : ماهذا الاثر بيدك؟ فقال : أثر حناء فقال : ويلك ياكنيد حدثني أبي وكان أعلم أهل زمانه عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من دخل الحمام فاطلى ثم أتبعه

____________________

(١) سورة ص الاية : ٣٩.

(٢) الكافى ج ٦ ص ٢٨١ والاية في سورة الحشر برقم : ٧.

(٣) نفس المصدر ج ٦ ص ٣٣٢.

(٤) المصدر السابق ج ٦ ص ٤٥٣ والوشى : هو نقش الثوب ، ويكون من كل لون والمراد به هنا الثياب الموشاة.

١١٠

بالحنا من قرنه إلى قدمه كان أمانا له من الجنون ، والجذام ، والبرص ، والاكلة إلى مثله من النورة (١).

١٦ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن الحسن بن عاصم عن أبيه قال : دخلت على أبي إبراهيم عليه‌السلام وفي يده مشط عاج يتمشط به فقلت له : جعلت فداك إن عندنا بالعراق من يزعم أنه لايحل التمشط بالعاج قال : ولم؟ فقد كان لابي منها مشط أو مشطان؟ فقال : تمشطوا بالعاج فان العاج يذهب بالوبآء (٢).

١٧ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن موسى بن بكر قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يتمشط بمشط عاج واشتريته له (٣).

١٨ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن حفص قال : مارأيت أحدا أشد خوفا على نفسه من موسى بن جعفر عليه‌السلام ولا أرجى للناس منه وكانت قراءته حزنا فاذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانا (٤).

١٩ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن مرازم قال : دخلت مع أبي الحسن عليه‌السلام الحمام ، فلما خرج إلى المسلخ (٥) دعا بمجمرة فتجمر به ، ثم قال : جمروا مرازما قال : قلت : من أراد يأخذ نصيبه يأخذ؟ قال : نعم (٦).

٢٠ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن علي بن الريان ، عن أحمد ابن أبي خلف مولى أبي الحسن عليه‌السلام وكان اشتراه وأباه وامه وأخاه فأعتقهم ، واستكتب أحمد ، وجعله قهرمانه ، قال أحمد : كن نساء أبي الحسن عليه‌السلام إذا تبخرن

____________________

(١) الكافى ج ٦ ص ٥٠٩ والاكلة فيه هى الحكة.

(٢) نفس المصدر ج ٦ ص ٤٨٨.

(٣) المصدر السابق ج ٦ ص ٤٨٩.

(٤) المصدر السابق ج ٢ ص ٦٠٦ ذيل حديث.

(٥) المسلخ : في الحمام محل يعد لنزع الثياب فيه مأخوذ من سلخ بمعنى نزع.

(٦) الكافى ج ٦ ص ٥١٨.

١١١

أخذن نواة من نوى الصيحاني ، ممسوحة من التمر ، منقاة التمر والقشارة ، فألقينها على النار قبل البخور ، فاذا دخنت النواة أدنى دخان ، رمين النواة وتبخرن من بعد وكن يقلن هو أعبق وأطيب للبخور ، وكن يأمرن بذلك (١).

٢١ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن عطية أنه رأى كتبا لابي الحسن عليه‌السلام متربة (٢).

٢٢ ـ كا : علي ، عن أبيه ، والعدة ، عن البرقي جميعا ، عن محمد بن خالد ، عن خلف بن حماد ، ورواه أحمد أيضا عن محمد بن أسلم ، عن خلف بن حماد الكوفي قال : تزوج بعض أصحابنا جارية معصرا لم تطمث فلما افتضها سال الدم فمكث سائلا لاينقطع نحوا من عشرة أيام قال : فأروها القوابل ، ومن ظنوا أنه يبصر ذلك من النساء ، فاختلفن فقال بعض : هذا من دم الحيض وقال بعض : هو من دم العذرة (٣).

فسألوه عن ذلك فقهاءهم مثل أبي حنيفة وغيره من فقهائهم فقالوا : هذا شئ قد أشكل والصلاة فريضة واجبة ، فلتتوضأ ولتصل ، وليمسك عنها زوجها ، حتى ترى البياض ، فان كان دم الحيض لم تضرها الصلاة ، وإن كان دم العذرة كانت قد أدت الفريضة ، ففعلت الجارية ذلك.

وحججت في تلك السنة ، فلما صرنا بمنى بعثت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام فقلت : جعلت فداك إن لنا مسألة قد ضقنا بها ذرعا فان رأيت أن تأذن لي فآتيك فأسألك عنها فبعث إلي : إذا هدأت الرجل ، وانقطع الطريق ، فأقبل إن شاء الله قال خلف : فرعيت الليل حتى إذا رأيت الناس قد قل اختلافهم بمنى توجهت إلى مضربه (٤).

____________________

(١) نفس المصدر ج ٦ ص ٥١٨.

(٢) المصدر السابق ج ٢ ص ٦٧٣.

(٣) العذرة : بالضم ، البكارة.

(٤) المضرب : بكسر الميم ، الخيمة العظيمة ، جمع مضارب.

١١٢

فلما كنت قريبا إذا أنا بأسود قاعد على الطريق فقال : من الرجل؟ فقلت : رجل من الحاج فقال : ما اسمك؟ قلت : خلف بن حماد فقال : إدخل بغير إذن فقد أمرني أن أقعد ههنا ، فاذا أتيت أذنت لك ، فدخلت فسلمت فرد علي السلام وهو جالس على فراشه وحده ، مافي الفسطاط غيره ، فلما صرت بين يديه سألني و سألته عن حاله.

فقلت له : إن رجلا من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث ، فلما افتضها فافترعها سال الدم ، فمكث سائلا لاينقطع نحوا من عشرة أيام ، وإن القوابل اختلفن في ذلك فقال بعضهم : دم الحيض وقال بعضهن : دم العذرة ، فما ينبغي لها أن تصنع؟ قال : فلتتق الله ، فان كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر ، وليمسك عنها بعلها ، وإن كان من العذرة فلتتق الله ولتتوض ولتصل ويأتيها بعلها إن أحب ذلك ، فقلت له : وكيف لهم أن يعلموا مما هي؟ حتى يفعلوا ماينبغي؟

قال : فالتفت يمينا وشمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد قال : ثم نهد إلي فقال : ياخلف سر الله ، فلا تذيعوه ، ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله ، بل ارضوا لهم مارضي الله لهم من ضلال قال : ثم عقد بيده اليسرى تسعين ثم قال : تستدخل القطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها إخراجا رفيقا فان كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة ، وإن كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض. قال خلف : فاستخفني الفرح ، فبكيت فلما سكن بكائي فقال : ما أبكاك؟ قلت : جعلت فداك من كان يحسن هذا غيرك قال : فرفع يده إلى السماء وقال : والله إني ما اخبرك إلا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرئيل عن الله عزوجل (١).

بيان : المعصر الجارية أول ما أدركت وحاضت ، أو هي التي قاربت الحيض قوله عليه‌السلام وهدأت الرجل أي بعد مايسكن الناس عن المشي والاختلاف ، قوله : ثم نهد إلي أي نهض ، قوله : ثم عقد بيده اليسرى تسعين أي موضع رأس ظفر

____________________

(١) الكافى ج ٣ ص ٩٢.

١١٣

مسبحة يسراه على المفصل الاسفل من إبهامها أي هكذا تدخل إبهامها لادخال القطنة ولعل المراد أنه عليه‌السلام عقد عقدا لو كان باليمنى لكان تسعين ، وإلا فكلما في اليمنى موضع للعشرات ، ففي اليسرى موضع للمآت ، ويحتمل أن يكون الراوي وهم في التعبير ، أو يكون إشارة إلى اصطلاح آخر سوى ماهو المشهور.

٢٣ ـ كا : علي بن إبراهيم رفعه قال : خرج أبوحنيفة من عند أبي عبدالله وأبوالحسن موسى عليهما‌السلام قائم وهو غلام ، فقال له أبوحنيفة : ياغلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال : اجتنب أفنية المساجد ، وشطوط الانهار ، ومساقط الثمار ومنازل النزال ، ولا تستقبل القبلة بغائط ، ولا بول ، وارفع ثوبك ، وضع حيث شئت (١).

٢٤ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن ابن أسباط ، عن عدة من أصحابنا أن أبا الحسن الاول عليه‌السلام كان إذا اهتم ترك النافلة (٢).

٢٥ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن يونس ، عن هشام ابن الحكم في حديث بريه أنه لما جاء معه إلى أبي عبدالله فلقي أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام فحكى له هشام الحكاية فلما فرغ قال أبوالحسن لبريه : يابريه كيف علمك بكتابك؟ قال : أنابه عالم ثم قال : كيف ثقتك بتأويله؟ قال : ما أوثقني بعلمي فيه! قال : فابتدأ أبوالحسن يقرأ الانجيل ، فقال بريه : إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك قال : فقال : فآمن بريه وحسن إيمانه ، وآمنت المرأة التي كانت معه.

فدخل هشام وبريه والمرأة على أبي عبدالله عليه‌السلام فحكى له هشام الكلام الذي جرى بين أبي الحسن موسى عليه‌السلام وبين بريه فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : « ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم » (٣).

____________________

(١) الكافى ج ٣ ص ١٦.

(٢) الكافى ج ٣ ص ٤٥٤.

(٣) سورة آل عمران الاية : ٣٤.

١١٤

فقال برية : أنى لكم التوراة والانجيل وكتب الانبياء؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم ، نقرأها كما قرؤوها ونقولها كما قالوا ، إن الله لايجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ فيقول لا أدري (١).

٢٦ ـ كا : العدة ، عن البرقي ، عن سعدان ، عن معتب قال : كان أبوالحسن موسى عليه‌السلام في حائط له يصرم (٢) فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة من تمر فرمى بها وراء الحائط ، فأتيته فأخذته وذهبت به إليه فقلت له : جعلت فداك إني وجدت هذا وهذه الكارة فقال الغلام : فلان! قال : لبيك قال : أتجوع؟ قال : لا ياسيدي قال : فتعرى؟ قال : لا ياسيدي قال : فلاي شئ أخذت هذه؟ قال : اشتهيت ذلك قال : اذهب فهي لك وقال : خلوا عنه (٣).

٢٧ ـ كا : العدة ، عن سهل ، عن الجاموراني ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق فقلت : جعلت فداك أين الرجال؟ فقال : يا علي قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه ومن أبي فقلت : ومن هو؟ فقال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وآبائي كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم ، وهو من عمل النبيين والمرسلين والاوصيآء والصالحين (٤).

٢٨ ـ كا : العدة ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن علي بن الحكم رفعه إلى أبي بصير قال : دخلت على أبي الحسن موسى عليه‌السلام في السنة التي قبض فيها أبوعبدالله عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك مالك ذبحت كبشا ونحر فلان بدنة؟ فقال : يا أبا محمد إن نوحا عليه‌السلام كان في السفينة ، وكان فيها ماشآء الله ، وكانت السفينة مأمورة فطاف بالبيت وهو طواف النساء ، وخلى سبيلها نوح عليه‌السلام فأوحى الله عزوجل

____________________

(١) الكافى ج ١ ص ٢٢٧ وفي هامش المصدر بريهه.

(٢) الصرم : هو القطع البائن ، وصرم فلان النخل والشجر جزه.

(٣) الكافى ج ١ ص ١٠٨.

(٤) نفس المصدر ج ٥ ص ٧٥.

١١٥

إلى الجبال إني واضع سفينة نوح عبدي على جبل منكن ، فتطاولت وشمخت وتواضع الجودي وهو جبل عندكم ، فضربت السفينة بجؤجؤها (١) الجبل قال : فقال نوح عند ذلك : يا ماوي اتقن ، وهو بالسريانية رب أصلح ، قال : فظننت أن أبا الحسن عليه‌السلام عرض بنفسه (٢).

٢٩ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن عطية ، عن هشام ابن أحمر قال : كنت أسير مع أبي الحسن عليه‌السلام في بعض أطراف المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخر ساجدا فأطال وأطال ، ثم رفع رأسه وركب دابته فقلت : جعلت فداك قد أطلت السجود؟! فقال : إنني ذكرت نعمة أنعم الله بها علي فأحببت أن أشكر ربي (٣).

٣٠ ـ كا ، علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري وغيره عن عيسى شلقان قال : كنت قاعدا فمر أبوالحسن موسى عليه‌السلام ومعه بهيمة قال : فقلت : ياغلام ماترى مايصنع أبوك؟ يأمرنا بالشئ ثم ينهانا عنه : أمرنا أن نتولى أبا الخطاب ثم أمرنا أن نلعنه ونتبرأ منه؟ فقال أبوالحسن عليه‌السلام وهو غلام : إن الله خلق خلقا للايمان لا زوال له ، وخلق خلقا للكفر لا زوال له ، وخلق خلقا بين ذلك أعارهم الله الايمان يسمون المعارين إذا شاء سلبهم ، وكان أبوالخطاب ممن اعير الايمان ، قال : فدخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام فأخبرته ماقلت لابي الحسن عليه‌السلام وما قال لي ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : إنه نبعة نبوة (٤).

٣١ ـ كا : علي بن محمد ، عن إسحاق بن محمد النخعي ، عن محمد بن جمهور عن فضالة ، عن موسى بن بكر قال : ما أحصى ماسمعت أبا الحسن موسى صلوات الله عليه ينشد :

____________________

(١) الجؤجؤ : من الطائر والسفينة ، الصدر ، جمع جآجئ.

(٢) الكافى ج ٢ ص ١٢٤.

(٣) نفس المصدر ج ٢ ص ٩٨.

(٤) المصدر السابق ج ٢ ص ٤١٨.

١١٦

فان يك يا أميم علي دين

فعمران بن موسى يستدين (١)

٣٢ ـ كا : العدة ، عن سهل ، وأحمد بن محمد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن يونس بن يعقوب ، عن عبدالحميد بن سعيد قال : بعث أبوالحسن عليه‌السلام غلاما يشتري له بيضا فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها فلما أتى به أكله فقال له مولى له : إن فيه من القمار قال : فدعا بطشت فتقيا فقاءه (٢).

٣٣ ـ كا : علي بن محمد بن بندار ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن محسن بن أحمد عن يونس بن يعقوب ، عن معتب قال : كان أبوالحسن عليه‌السلام يأمرنا إذا أدركت الثمرة أن نخرجها فنبيعها ، ونشتري مع المسلمين يوما بيوم (٣).

٣٤ ـ نى : أحمد بن سليمان بن هوذة ، عن النهاوندي ، عن عبدالله بن حماد عن معاوية بن وهب قال : دخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام فرأيت أبا الحسن موسى عليه‌السلام وله يومئذ ثلاث سنين ومعه عناق من هذه المكية وهو آخذ بخطامها وهو يقول لها : اسجدي فلا تفعل ذلك ثلاث مرات فقال غلام له صغير : ياسيدي قل لها : تموت فقال موسى عليه‌السلام : ويحك أنا احيي واميت؟! الله يحيي ويميت (٤).

٣٥ ـ مكا : عن كتاب البصائر ، عن محمد بن جعفر العاصمي ، عن أبيه ، عن جده قال : حججت ومعي جماعة من أصحابنا فأتيت المدينة ، فقصدنا مكانا ننزله فاستقبلنا أبوالحسن موسى عليه‌السلام على حمار أخضر يتبعه طعام ، ونزلنا بين النخل وجآء ونزل واتي بالطست والماء والاشنان ، فبدأ بغسل يديه ، وادير الطست عن يمينه حتى بلغ آخرنا ، ثم اعيد إلى من على يساره حتى أتى إلى آخرنا ، ثم قدم الطعام ، فبدأ بالملح ، ثم قال : كلوا بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم ثنى بالخل ثم اتي بكتف مشوي فقال : كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان

____________________

(١) المصدر السابق ج ٥ ص ٩٤.

(٢) الكافى ج ٥ ص ١٢٣.

(٣) نفس المصدر ج ٥ ص ١٦٦.

(٤) غيبة النعماني ص ١٧٩.

١١٧

يعجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثم اتي بالخل والزيت فقال : كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب فاطمة عليها‌السلام ، ثم اتي بسكباج (١) فقال : كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فهذا طعام كان يعجب أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ثم اتي بلحم مقلو فيه باذنجان فقال : كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا الطعام كان يعجب الحسن بن علي عليه‌السلام.

ثم اتي بلبن حامض قد ثرد فيه فقال : كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب الحسين بن علي عليه‌السلام ثم اتي بجبن مبزر (٢) فقال : كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب محمد بن علي عليهما‌السلام ثم أتي بتور (٣) فيه بيض كالعجة (٤) فقال : كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجب أبي جعفرا عليه‌السلام ثم اتي بحلواء فقال : كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فان هذا طعام كان يعجبني ، ورفعت المائدة فذهب أحدنا ليلقط ماكان تحتها فقال عليه‌السلام : إنما ذلك في المنازل تحت السقوف ، فأما في مثل هذا الموضع فهو لعافية الطير والبهائم.

ثم اتي بالخلال (٥) فقال : من حق الخلال أن تدير لسانك في فمك ، فما أجابك ابتلعته وما امتنع ثم بالخلال تخرجه فتلفظه ، واتي بالطست والماء فابتدئ بأول من على يساره حتى انتهى إليه فغسل ثم غسل من على يمينه حتى أتى على آخرهم ثم قال : ياعاصم كيف أنتم في التواصل والتبار؟ فقال : على أفضل ماكان عليه أحد فقال : أيأتي أحدكم عند الضيقة منزل أخيه فلا يجده ، فيأمر بإخراج كيسه فيخرج

____________________

(١) السكباج : بكسر السين ، طعام معروف ، يصنع من خل وزعفران ولحم.

(٢) جبن مبزر : أي مطيب بالابازير ، وهى التوابل التي تجعل في الطعام.

(٣) التور : بفتح التاء ، اناء صغير.

(٤) العجة : بضم العين ، طعام من بيض ودقيق وسمن أو زيت.

(٥) الخلال : والخلالة ، بكسر الخاء ، ماتخلل به الاسنان.

١١٨

فيفض ختمه فيأخذ من ذلك حاجته ، فلا ينكر عليه؟! قال : لا ، قال : لستم على ما احب من التواصل والضيقة والفقر (١).

٣٦ ـ ين : إبراهيم بن أبي البلاد قال : قال لي أبوالحسن عليه‌السلام : إني أستغفر الله في كل يوم خمسة آلاف مرة (٢).

٣٧ ـ ب : محمد بن الحسين ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن الحسين بن أبي العرندس قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام بمنى وعليه نقبة ورداء وهو متكئ على جواليق (٣) سود متكئ على يمينه ، فأتاه غلام أسود بصحفة (٤) فيها رطب فجعل يتناول بيساره فيأكل وهو متكئ على يمينه ، فحدثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا قال : فقال لي : أنت رأيته يأكل بيساره؟ قال : قلت : نعم قال : أما والله لحدثني سليمان بن خالد أنه سمع أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : صاحب هذا الامر كلتا يديه يمين (٥).

بيان : النقبة بالضم ثوب كالازار تجعل له حجزة مطيفة من غير نيفق كذا ذكره الفيروزآبادي (٦) والحجزة هي التي تجعل فيها التكة ونيفق السراويل الموضع المتسع منها.

٣٨ ـ ب : أحمد بن محمد ، عن الحسين بن موسى بن جعفر ، عن امه قالت : كنت أغمز قدم أبي الحسن عليه‌السلام وهو نائم مستقبلا في السطح فقام مبادرا يجر إزاره

____________________

(١) مكارم الاخلاق ص ١٦٥ بتفاوت.

(٢) كتاب الزهد للحسين بن سعيد الاهوازي باب التوبة والاستغفار « مخطوط بمكتبتى الخاصة ».

(٣) الجواليق : جمع جوالق وجوالق ، وهو العدل من صوف أو شعر ، والكلمة معربة.

(٤) الصحفة : بفتح الصاد ، قصعة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة ، جمع صحاف.

(٥) قرب الاسناد ص ١٧٣.

(٦) القاموس ج ١ ص ١٣٣.

١١٩

مسرعا ، فتبعته فاذا غلامان له يكلمان جاريتين له ، وبينهما حائط لايصلان إليهما فتسمع عليهما ثم التفت إلي فقال : متى جئت ههنا؟ فقلت : حيث قمت من نومك مسرعا فزعت فتبعتك قال : لم تسمعي الكلام؟ قلت : بلى فلما أصبح بعث الغلامين إلى بلد ، وبعث بالجاريتين إلى بلد آخر ، فباعهم (١).

٣٩ ـ يج : روي أن المهدي أمر بحفر بئر بقرب قبر العبادى ، لعطش الحاج هناك فحفرا أكثر من مائة قامة فبينما هم يحفرون إذ خرقوا خرقا فإذا تحته هواء لايدرى قعره ، وهو مظلم ، وللريح فيه دوي ، فأدخلوا رجلين فلما خرجا تغيرت ألوانهما فقالا : رأينا هواءا ورأينا بيوتا قائمة ، ورجالا ، ونسآءا ، وإبلا ، وبقرأ وغنما ، كلما مسسنا شيئا منها رأيناه هباءا ، فسألنا الفقهآء عن ذلك فلم يدر أحد ما هو ، فقدم أبو الحسن موسى على المهدي فسأله عنه فقال : اولئك أصحاب الاحقاف هم بقية من قوم عاد ، ساخت بهم منازلهم وذكر على مثل قول الرجلين (٢).

____________________

(١) قرب الاسناد ص ١٩٠.

(٢) الخرائج والجرائح ص ٢٥٣.

١٢٠