أصول الفقه - ج ٧

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٧

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-72-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٩٢

يكون المرجع هو أصالة عدم الاتيان بالركن الذي يكون قاضياً ببطلان الصلاة ، وحاكماً على كلّ أصل جارٍ في ناحية غير الركن.

تكميل : لو علم بعد الفراغ من الصلاة بأنّه قد زاد إمّا الركوع أو السجدة الواحدة (١) فبناءً على تعارض القاعدتين وتعارض أصالة العدم في كلّ منهما ، يكون المرجع هو أصالة الاشتغال بالصلاة وأصالة البراءة من قضاء السجدة (٢) ومن سجود السهو ، وكذلك بناءً على عدم التعارض بين القاعدتين ، فإنّ الجاري حينئذ هو قاعدة الفراغ في زيادة الركن وأصالة العدم في زيادة غيره ، وهما متعارضان أيضاً ، فيكون المرجع بعد ذلك هو أصالة العدم في زيادة الركن وأصالة البراءة من سجود السهو ، وبعد التساقط للتعارض يتعيّن الرجوع إلى أصالة الاشتغال في الصلاة ، لكن لا يكون في البين أصل جارٍ في ناحية زيادة غير الركن ، وحيث إنّه لا مؤمّن من احتمال وجوب سجود السهو ، فيمكن القول بلزومه أيضاً.

بل يمكن أن يقال : إنّ قاعدة الفراغ في ناحية احتمال زيادة الركن لا يعارضها شيء من الأُصول الجارية في ناحية احتمال زيادة غير الركن ، سواء كان ذلك هو قاعدة الفراغ أو كان هو أصالة العدم ، أو كان هو البراءة من سجود السهو ، فإنّها جميعها في طول قاعدة الفراغ في الركن ، لأنّها جميعاً مترتّبة على صحّة الصلاة المتوقّف إحرازها على القاعدة في الركن ، وبناءً على ذلك يكون الجاري هو قاعدة الفراغ في الركن ، فيحكم بصحّة الصلاة مع لزوم سجود السهو ، لعدم

__________________

(١) ومثل هذا الفرع ما ذكر السيّد سلّمه الله في التحرير عن شيخنا قدس‌سره في ص ٢٤٧ [ أي أجود التقريرات ٣ : ٤٢٥ ] فراجعه ، وراجع ما علّقناه عليه [ في الصفحة ٤٢٣ وما بعدها. منه قدس‌سره ].

(٢) [ الظاهر أنّ قضاء السجدة من سهو القلم ، فلاحظ ].

٥٠١

المؤمّن من وجوبه ، فتأمّل جيّداً.

ولو علم بترك أحدهما فهو المحرّر في هذه الرسالة.

ولو علم إجمالاً بعروض أحد الأمرين من زيادة الركن أو نقص غير الركن ، فبناءً على الأوّل ـ أعني تعارض القاعدتين ـ يكون المرجع بعد سقوطهما هو أصالة عدم زيادة الركن ، وأصالة عدم الاتيان بغير الركن ، ويعمل على ذلك. وبناءً على عدم المعارضة تكون القاعدة جارية في الركن ، ويحكم بأنّه لم يزده ، ويكون الجاري في زيادة (١) غير الركن هو أصالة العدم ، وتكون النتيجة واحدة على كلا المسلكين (٢).

ولو انعكس الأمر بأن علم بأحد الأمرين من نقص الركن وزيادة غير الركن ، فبناءً على الأوّل ـ أعني تعارض القاعدتين ـ يكون المرجع هو أصالة العدم في كلّ من الركن وزيادة غير الركن ، فيحكم ببطلان الصلاة ولزوم الاعادة فقط. وبناءً على عدم المعارضة تقع المعارضة بين قاعدة الفراغ في ناحية الركن وأصالة عدم الزيادة في غير الركن ، لاستلزامهما المخالفة القطعية ، وبعد سقوطهما يكون المرجع هو أصالة عدم الاتيان بالركن وأصالة البراءة من سجود السهو اللازم لاحتمال زيادة غير الركن ، فيحكم ببطلان صلاته ولزوم الاعادة فقط ، وتكون النتيجة واحدة على كلا المسلكين.

وبالجملة : أنّه لا يظهر أثر عملي للمسلكين المذكورين في هذه المسائل ، إلاّ في مسألة واحدة ، وهي ما لو علم بعد الفراغ بترك أحد الأمرين من الركن

__________________

(١) [ الظاهر أنّ « زيادة » من سهو القلم ، فلاحظ ].

(٢) وقد تعرّض لهذا الفرع في العروة في المسألة ٥٠ [ منه قدس‌سره. راجع العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٣ : ٣٨٤ ].

٥٠٢

وغيره ، وهي المحرّرة في هذه الرسالة ، وإلاّ في المسألة الأُولى بناءً على ما عرفت من عدم المؤمّن من احتمال وجوب سجود السهو ، فتأمّل فإنّ قاعدة الفراغ في ناحية نقص الركن لا يعارضها شيء من الأُصول النافية في ناحية زيادة غير الركن ، لأنّه بناءً على الطولية يكون كلّ من قاعدة الفراغ وأصالة العدم وأصالة البراءة الجارية في ناحية زيادة غير الركن كلّها في طول قاعدة الفراغ الجارية في نقص الركن ، وحينئذ يكون حال الفرع الرابع بعينه حال الفرع الأوّل فلاحظ وتدبّر. هذا كلّه لو قلنا بجريان قاعدة الفراغ في احتمال الزيادة.

ولو منعنا من ذلك ، وقلنا باختصاصها بنفي احتمال النقيصة ، وأنّ الجاري في احتمال الزيادة هو أصالة العدم ، كان لهذه الفروع حساب آخر.

ففي الفرع الأوّل لا تجري القاعدة في كلا الطرفين ، وأصالة العدم فيهما متعارضة ، فلابدّ من الرجوع إلى أصالة الاشتغال ، وأصالة البراءة من ناحية احتمال زيادة غير الركن ، إن لم نقل إنّ أصالة العدم في ناحية زيادة غير الركن في طول أصالة العدم في ناحية زيادة الركن ، وإلاّ عاد الإشكال السابق.

وفي الفرع الثالث يكون الجاري ابتداءً هو أصالة عدم زيادة الركن ، وتعارضها قاعدة الفراغ في نقيصة غير الركن ، وبعد التساقط يكون المرجع هو أصالة الاشتغال بالصلاة ، وأصالة عدم الاتيان بغير الركن ، فيلزمه الاعادة وقضاء غير الركن وسجود السهو له ، كما ذكره في العروة في مسألة الخمسين من أنّ الأحوط (١) هو ذلك. هذا إن لم نقل بالطولية.

وإن قلنا بها ، بأن نقول إنّ قاعدة الفراغ في نقيصة غير الركن في طول أصالة

__________________

(١) كتب عليه المرحوم الشيخ عبد الكريم اليزدي قدس‌سره : لا يترك الاحتياط [ منه قدس‌سره. راجع العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٣ : ٣٨٤ ـ ٣٨٥ ].

٥٠٣

عدم زيادة الركن ، لكونها متوقّفة على صحّة الصلاة الثابتة بأصالة عدم زيادة الركن ، كان الجاري في زيادة الركن هو أصالة العدم ، وفي نقص غير الركن هو أصالة عدم الاتيان به ، فلا يلزمه إلاّقضاء غير الركن وسجود السهو له كما ذكره السيّد قدس‌سره في العروة في المسألة المزبورة أخيراً بقوله : ولا يبعد الخ.

وتوضيح ما تلخّص في هذا الفرع : هو أنّا لو قلنا بسقوط القاعدتين ، إمّا للتعارض أو لأنّ احتمال زيادة الركن لا تجري فيه القاعدة ، واحتمال نقيصة غيره لا تجري فيه أيضاً للعلم بعدم امتثال أمره ، كان المرجع هو أصالة عدم زيادة الركن ، وأصالة عدم الاتيان بغير الركن. ولو قلنا بجريان القاعدة في طرف احتمال زيادة الركن ، ولم نجرها في طرف نقص غيره لما ذكرناه من العلم بعدم امتثال أمره ، بل أجرينا فيه أصالة عدم الاتيان ، كان الحكم فيه كما تقدّم من لزوم قضاء غير الركن وسجود السهو من دون إعادة الصلاة. وكذا لو قلنا بالعكس ، بأن أجرينا القاعدة في طرف النقص ولم نُجرها في طرف احتمال زيادة الركن ، بل أجرينا فيه أصالة عدم الزيادة ، ولكن قلنا بأنّ قاعدة الفراغ في نقص غير الركن في طول أصالة عدم زيادة الركن ، فلا تكون القاعدة جارية في مرتبة جريان أصالة عدم زيادة الركن ، ويكون الجاري حينئذ في طرف زيادة الركن هو أصالة العدم ، وفي طرف نقص غير الركن هو أصالة عدم الاتيان ، ويكون الحكم حينئذ هو لزوم قضاء غير الركن وسجود السهو له من دون إعادة الصلاة.

نعم ، لو قلنا بأنّ الجاري في طرف زيادة الركن هو أصالة عدم الزيادة ، وفي طرف نقص غير الركن هو قاعدة الفراغ ، ولم نقل بالطولية المذكورة ، وقع التعارض بين أصالة عدم زيادة الركن وقاعدة الفراغ في غير الركن ، وبعد التساقط يكون المرجع هو أصالة الاشتغال بالصلاة وأصالة عدم الاتيان بغير الركن ، وعلى

٥٠٤

هذا الوجه يكون الحكم هو لزوم قضاء غير الركن وسجود السهو له ، مع إعادة الصلاة ، ويكون التعبير بأنّ ذلك هو الأحوط كما في المتن ، وبأنّ هذا الاحتياط لا يترك كما في الحاشية ، لأجل التردّد بين هذا الوجه وبين الوجوه السابقة ، فلاحظ وتأمّل. ويمكن أن يفصّل في احتمال الزيادة بين قاعدة الفراغ والتجاوز فتجري فيه الأُولى دون الثانية.

وفي الفرع الرابع يكون الجاري في ناحية نقص الركن هو قاعدة الفراغ ، وفي ناحية زيادة غيره هو أصالة العدم ، وبعد السقوط للتعارض يكون المرجع هو أصالة عدم الاتيان بالركن ، وهو حاكم ببطلان الصلاة ، مع أصالة البراءة من سجود السهو لزيادة غير الركن ، إن لم نقل بالطولية ، وإن قلنا بها لكون أصالة عدم زيادة غير الركن ، وكذلك أصالة البراءة من سجود السهو له ، في طول قاعدة الفراغ في نقص الركن ، جاء الإشكال السابق ، لأنّ الجاري حينئذ هو قاعدة الفراغ في ناحية نقص الركن ، ولا تعارضها الأُصول النافية في ناحية احتمال زيادة غير الركن ، لكونها في طولها ، مع فرض عدم إمكان جريان هذه الأُصول النافية بعد إجراء قاعدة الفراغ في نقص الركن ، لمخالفة ذلك للعلم الاجمالي ، فيكون الساقط هو الأُصول النافية المذكورة دون قاعدة الفراغ في الركن كما حرّرناه في هذه الرسالة ، وحينئذ يبقى احتمال زيادة غير الركن خالياً من الأصل الجاري فيه ، اللهمّ إلاّ أن يقال إنّه يلزمه السجود للسهو لعدم المؤمّن حينئذ ، فتأمّل.

ولو كان مجنباً فاغتسل وصلّى ثمّ أحدث بالأصغر وتوضّأ وصلّى ، ثمّ علم إجمالاً بخلل إمّا في غسله أو في وضوئه ، فإنّه حينئذ يعلم تفصيلاً بفساد صلاته الثانية ووضوئه ، لأنّ الخلل إن كان في غسله فهو لحتّى الآن مجنب ، وإن كان في وضوئه فهو لحتّى الآن محدث بالأصغر ، فتكون قاعدة الفراغ في غسله وصلاته

٥٠٥

السابقة بلا معارض ، هذا بناءً على الطولية.

وأمّا بناءً على عدم الطولية فينبغي أن يقال بتعارض القاعدتين ، وأصالة العدم في كلّ من المشكوك فيه في كلّ من الطهارتين ، فيلزم إعادة الغسل والوضوء والصلاتين. وأمّا العلم التفصيلي المذكور فهو على رأي شيخنا قدس‌سره غير مانع من جريان القاعدة في كلّ من الطرفين وتعارضهما ، لأنّ القاعدة إنّما تجري في كلّ واحد من الطرفين في حدّ نفسه مع قطع النظر عن الطرف الآخر ، وهذا العلم التفصيلي إنّما يتولّد من ضمّ أحد الطرفين إلى الآخر.

وينبغي أن يعلم أنّ الكلام في هذا الفرع لا يتوقّف على فرض الصلاتين ، بل إنّ الكلام فيه يتأتّى في فرض عدم الصلاة ، بأن يكون قد اغتسل ثمّ أحدث بالأصغر ثمّ توضّأ ثمّ علم بفساد إحدى الطهارتين ، ونظيره في ذلك ما لو توضّأ وصلّى وعلم إجمالاً بخلل مبطل إمّا في وضوئه أو في صلاته ، وهي المسألة السابعة والخمسين من مسائل الخاتمة (١) ، فراجعه بما كتب عليه شيخنا من الحاشية الخطّية.

وممّا يتفرّع على المسلكين المذكورين ، ما لو كان في حال القيام وعلم إجمالاً بفوات سجدتين ، إمّا من هذه الركعة التي قام عنها أو من الركعة السابقة ، فبناءً على أنّ قاعدة التجاوز في الركعة السابقة لا تعارضها القاعدة في هذه الركعة ، إمّا لكونها في طولها ، أو لكون السجدتين من هذه الركعة يعلم بأنّه لم يمتثل أمرهما ، يلزمه الرجوع وتلافي السجدتين ، لأصالة عدم الاتيان بهما ، ويسجد للسهو من جهة زيادة القيام الذي هدمه. ولا يرد عليه العلم الاجمالي بعد الفراغ بأنّه يلزمه إمّا إعادة الصلاة أو سجود السهو ، لأنّ مقتضى أصالة عدم الاتيان

__________________

(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٣ : ٣٩٠ مسألة ٥٩.

٥٠٦

بالسجدتين الذي أجراه في حال القيام بضميمة قاعدة التجاوز عن السجدتين في الركعة السابقة ، هو نفي احتمال البطلان الناشئ من احتمال زيادة السجدتين في الركعة التي رجع إليها ونقيصتهما من الركعة السابقة ، أمّا الطرف الآخر وهو لزوم سجود السهو للقيام الذي هدمه ، فيحكم به للعلم الوجداني بحصول سببه وهو زيادة القيام المذكور.

وإن شئت فقل : إنّ ذلك الأصل الواحد وهو أصالة عدم الاتيان بالسجدتين من هذه الركعة يكون قاضياً بلزوم هدم القيام ، وكونه زيادة سهوية موجبة لسجود السهو ، فلم يبق إلاّ احتمال بطلان الصلاة من جهة احتمال عدم الاتيان بالسجدتين في الركعة السابقة ، وهذا منفي بقاعدة التجاوز ، فكان أحد طرفي ذلك العلم الاجمالي وهو وجوب سجود السهو مثبتاً بمقتضى لزوم هدم القيام الناشئ عن أصالة عدم الاتيان بالسجدتين في هذه الركعة ، والطرف الآخر وهو البطلان منفياً بمقتضى قاعدة التجاوز في الركعة السابقة.

ونظير ذلك ما لو كان في محلّ الركن كالركوع مثلاً وحصل له الشكّ في الاتيان ، فإنّه يلزمه الاتيان به لأصالة عدم الاتيان به ، فلو انضاف إلى ذلك أنّه قد أتى بما يوجب سجود السهو كزيادة سجدة واحدة قبل الشكّ المذكور أو بعده ومثله أيضاً ما لو كان في حال القيام إلى الثالثة وعلم بأنّه لم يأت بالتشهّد ، فإنّه يلزمه [ هدم ] القيام لتلافي التشهّد ، فلو هدمه وبعد الهدم حصل له الشكّ في الاتيان بالسجدتين ، فإنّه يلزمه الاتيان أيضاً ، وحينئذ يعلم إجمالاً بعد الفراغ بأنّه يلزمه أحد الأمرين من إعادة الصلاة لاحتمال زيادة الركن ، أو سجود السهو للعلم بموجبه على تقدير صحّة الصلاة.

والجواب عن هذا العلم الاجمالي هو ما عرفته من الانحلال ، فإنّ مقتضى

٥٠٧

أصالة عدم الاتيان بالسجدتين هو صحّة الصلاة بعد الاتيان بهما ، فيكون من قبيل ما لو كان الأصل في أحد طرفي العلم الاجمالي نافياً للتكليف وكان الطرف الآخر مورداً للأصل القاضي بثبوت التكليف ، فإنّ أصالة عدم الاتيان بالسجدتين قاضٍ بأنّ تلافيهما ليس بزيادة فينتفي احتمال بطلان الصلاة ، مع فرض لزوم سجود السهو عليه للعلم الوجداني بحصول سببه.

وممّا يتفرّع على ما تقدّم ، ما لو نوى الإقامة وصلّى الظهر تماماً ، ثمّ عدل وصلّى العصر تماماً لكونه قد صلّى رباعية ، ولكنّه بعد الفراغ من العصر علم ببطلان إحدى الصلاتين بنقص ركن مثلاً ، فإنّه يعلم أنّ عصره باطلة إمّا لفوت الركن منها ، أو لفوت الركن من الظهر الموجب لبطلانها الموجب لبطلان الاتمام في العصر ، فهو يعلم أنّه لم يمتثل الأمر بالعصر ، فلا مورد فيها لجريان قاعدة الفراغ ، وتنفرد الظهر بقاعدة الفراغ ، ويلزمه إعادة العصر تماماً ، ويبقى على التمام فيما يأتي من صلواته.

وهذا بخلاف ما لو كان مسافراً فصلّى الظهر قصراً ثمّ نوى الاقامة فصلّى العصر تماماً ، ثمّ علم ببطلان إحدى الصلاتين ، فتتعارض فيهما قاعدة الفراغ ويلزمه الاعادة لكلّ منهما ، غايته إن كان في الوقت يعيد رباعية عمّا في ذمّته ، لأنّ الفاسد إن كان هو الظهر فيلزمه إعادتها تماماً ، لكونه في الوقت وقد نوى الاقامة ، وإن كان الفاسد هو العصر وجب إعادتها ، فهو يعيد رباعية عمّا في ذمّته. والظاهر أنّ الحكم كذلك فيما لو كان التفاته بعد خروج الوقت ، بناءً على أنّ من كان في أوّل الوقت مسافراً وكان في آخره مقيماً وقد فاتته الصلاة فإنّه يقضيها تماماً لكون العبرة بآخر الوقت ، ويبقى على التمام فيما يأتي من صلواته.

ولكن لو عدل عن الاقامة بعد العصر المذكورة فإنّه يلزمه إعادة الظهر تماماً

٥٠٨

والعصر قصراً ، لأنّ الفاسد لو كان هو الظهر لزمه إعادتها تماماً لكونه قد صلّى رباعية قبل العدول ، ولو كان الفاسد هو العصر لزمه إعادتها قصراً ، لكونه قد عدل عن الاقامة ولم يصلّ رباعية لفساد هذه الرباعية ، وحينئذ يبقى مشغول الذمّة بالعصر فيعيدها قصراً ، أمّا صلواته الآتية فالظاهر أنّه يلزمه الجمع فيها بين القصر والتمام لتردّد تكليفه بينهما.

وممّا يتفرّع على ذلك ، ما لو علم بعد الفراغ من الوضوء والصلاة بنقصان مبطل إمّا في وضوئه كمسح الرأس أو في صلاته كالركوع ، فالقائل بسقوط قاعدة الفراغ في الصلاة للعلم بعدم امتثال أمرها يجري قاعدة الفراغ في الوضوء ، ويلزم باعادة الصلاة فقط ، ولا يجب عليه إعادة الوضوء حتّى بالنسبة إلى بقية الصلوات. أمّا مسلك الطولية ، فالظاهر أنّه لا أثر له في مثل ذلك ، لكون القاعدتين هنا في رتبة واحدة ، فيسقطان بالمعارضة ، ويكون المرجع هو أصالة العدم في كلّ من المسح والركوع ، فيلزمه إعادة كلّ من الوضوء والصلاة. وهكذا الحال على مسلك شيخنا قدس‌سره من عدم الاعتناء بالعلم بفساد الصلاة وعدم الاعتناء بالطولية أصلاً.

نعم ، ربما يتوجّه على شيخنا قدس‌سره أنّه إذا وصلت النوبة إلى أصالة العدم في كلّ من المسح والركوع ، يقع التعارض بينهما ، لكونهما من الأُصول الاحرازية التي لا تجري عنده في مورد العلم بالخلاف وإن كانت موافقة للعلم الاجمالي ، وبعد تساقطهما يكون المرجع هو قاعدة الفراغ في الصلاة من ناحية الشكّ في طهارتها.

اللهمّ إلاّ أن يدفع ذلك : بأنّ قاعدة الفراغ في الصلاة من هذه الناحية قد سقطت بسقوط قاعدة الفراغ في الوضوء نفسه ، بناءً على ما حقّقه قدس‌سره من سقوط الحاكم والمحكوم المتوافقين عند ابتلاء الحاكم بالمعارض ، فإنّ قاعدة الفراغ في

٥٠٩

الوضوء نفسه حاكمة على قاعدة الفراغ في الصلاة من ناحية الوضوء ، فتكون الثانية ساقطة بسقوط الأُولى بالمعارضة مع قاعدة الفراغ في الصلاة من ناحية الركوع ، وحينئذ يكون المرجع بعد سقوط هذه الأُصول هو أصالة الاشتغال بالصلاة مع عدم وجود المؤمّن من ناحية الوضوء ، فيلزمه إعادتهما معاً.

لا يقال : لا حاجة إلى ذلك ، بل نقول إنّ قاعدة الفراغ في الصلاة من ناحية الوضوء حاكمة على أصالة عدم المسح الذي مقتضاه بطلان الصلاة ، وحينئذ يكون المرجع هو صحّة الصلاة من ناحية الوضوء ، وأصالة عدم الركوع.

لأنّا نقول : إنّ ذلك غير ممكن ، لأنّ قاعدة الفراغ في الصلاة من ناحية الوضوء حينئذ لا يترتّب عليها أثر

عملي ، للحكم ببطلان الصلاة من ناحية عدم الركوع ، فلا يترتّب أثر عملي على قاعدة الفراغ فيها من ناحية الوضوء كي تكون حاكمة على أصالة عدم الاتيان بالمسح ليسلم لنا أصالة عدم الاتيان بالركوع ، ويكون مقتضاه إعادة الصلاة ، ويكون مقتضى عدم المؤمّن من فساد الوضوء هو إعادته أيضاً.

والأولى أن يقال : إنّ قاعدة الفراغ في الصلاة من ناحية الوضوء لا تجري بعد تعارض أصالة العدم في كلّ من المسح والركوع ، لأنّها مقرونة بأصالة الاشتغال في الصلاة من ناحية الركوع ، فلا يترتّب أثر عملي على قاعدة الفراغ في الصلاة من ناحية الوضوء ، فتأمّل.

ولو كان الخلل المحتمل في الصلاة من قبيل السجدة الواحدة ممّا يقضى بعد الصلاة ، فبناءً على المسلكين المزبورين يكون المرجع هو قاعدة الفراغ في الوضوء وأصالة العدم في السجدة ، فلا يلزمه إلاّقضاؤها ، وأمّا بناءً على جريان قاعدة الفراغ في السجدة ، فبعد تعارض القاعدتين يكون المرجع هو أصالة العدم

٥١٠

في كلّ واحد من المسح والسجدة ، فيلزمه إعادة الوضوء وقضاء السجدة ، لكن قاعدة الفراغ في الصلاة من ناحية صحّة الوضوء تكون حاكمة على أصالة عدم المسح ، فيكون المرجع الوحيد هو أصالة عدم الاتيان بالسجدة فيلزمه قضاؤها ، ومع [ ذلك ] يلزمه إعادة الوضوء ، لعدم المؤمّن من فساده ، فإنّ قاعدة الفراغ في الصلاة من ناحيته لا يثبت بها الاتيان بالمسح وتحقّق الوضوء ، فتأمّل.

وأمّا بناءً على مسلك شيخنا من تعارض الأُصول الاحرازية ، فالذي ينبغي أن يقال : إنّه يتعارض القاعدتان ـ أعني قاعدة التجاوز في الوضوء وقاعدة التجاوز في الصلاة بالنسبة إلى السجدة ـ وبعد التساقط يتعارض أصالة عدم المسح مع أصالة عدم السجدة ، وبعد التساقط يكون المرجع هو قاعدة الفراغ في الصلاة من ناحية الوضوء ، وأصالة البراءة من قضاء السجدة ، وهما متعارضان ، أو نقول : إنّهما سقطا بسقوط حاكميهما ، فقاعدة الفراغ في الصلاة من ناحية الوضوء سقطت بسقوط حاكمها وهو قاعدة الفراغ في الوضوء نفسه ، وأصالة البراءة من قضاء السجدة سقطت بسقوط حاكمها وهو قاعدة الفراغ فيها من ناحية السجدة ، وحينئذ نبقى نحن والعلم الاجمالي بالخلل في الصلاة من ناحية وضوئها ومن ناحية وجوب قضاء السجدة ، فيلزم إعادتها ويلزم قضاء السجدة ، كما يلزم إعادة الوضوء من جهة عدم المؤمّن لنا من فساده.

فتأمّل ، لإمكان أن يقال : إنّ قاعدة الفراغ في الصلاة من ناحية الشكّ في الوضوء المذكور غير جارية بعد فرض سقوط قاعدة التجاوز في نفس الوضوء ، فإنّها حينئذ نظير ما لو صلّى إلى جهة معيّنة ثمّ شكّ في كونها هي القبلة ، وقد تعرّضنا لذلك في مسألة ما لو توضّأ وصلّى ثمّ أحدث ثمّ توضّأ وعلم بخلل في أحد الوضوءين.

٥١١

ثمّ لو فرضنا جريانها فهل تكون حاكمة على أصالة عدم المسح؟ الظاهر نعم ، إذ لا أثر لأصالة عدم المسح فيما نحن فيه إلاّفساد الصلاة ، فقاعدة الفراغ فيها من هذه الناحية تكون حاكمة على الأصل الأوّلي الذي هو أصالة عدم المسح.

ويمكن أن يقال : إنّها غير حاكمة عليه ، لأنّها وإن حكمت على أصالة العدم ، إلاّ أنّ هذا العدم فيما نحن فيه بمنزلة الموضوع بالنسبة إلى قاعدة الفراغ من جهته ، فتأمّل.

وقد تعرّض المرحوم الشيخ عبد الكريم اليزدي قدس‌سره في صلاته (١) م ٤٠ لهذه المسألة ، وحكم في صورة الركن بعدم جريان قاعدة الفراغ في الصلاة للعلم التفصيلي بفسادها. وفي صورة كون المحتمل هو ترك السجدة بنى أوّلاً على تعارض القاعدتين ولزوم السجدة والقضاء ، نظراً إلى كون المرجع هو أصالة عدم المسح وأصالة عدم السجدة ، ثمّ احتمل عدم جريان قاعدة التجاوز في السجدة ، لعدم جريان قاعدة التجاوز في جزء يكون الحكم بوجوده ملازماً لبطلان الصلاة ، فإنّ السجدة على تقدير وجودها يكون اللازم هو عدم المسح الموجب لبطلان الصلاة. وفيه تأمّل ، ولعلّه تلويح إلى مسلك من يقول إنّ السجدة لا تجري فيها القاعدة ، للعلم بعدم امتثال أمرها.

ثمّ إنّه أفاد أنّه لو سلّمنا تعارض القاعدتين لكان مقتضاه الاكتفاء بالاعادة ، لأنّ وجوب السجدة فرع توجّه الحكم باتمام الصلاة ، ولا دليل على وجوب الاتمام بعد فرض سقوط قاعدة التجاوز في كلّ من الوضوء والسجدة.

__________________

(١) كتاب الصلاة : ٤٤٢.

٥١٢

وينبغي أن يعلم أنّ المرحوم الشيخ عبد الكريم اليزدي قدس‌سره في صلاته (١) مسألة ٣٢ ذكر هذا الفرع الذي ذكره في العروة في مسألة ٥٠ (٢) ، وهو دوران الأمر بين نقصان السجدة وزيادة الركوع ، وذكر له فروضاً ثلاثة :

الأوّل : أن يكون ذلك في حال عدم التجاوز في الركوع ، بأن يكون قد رفع رأسه من الركوع ، وعلم أنّه إمّا زاد ركوعاً بأن يكون هذا الذي رفع رأسه منه هو الركوع الثاني ، أو أنّه نقص من ركعته هذه سجدة واحدة ، وفي هذه الصورة حكم عليه بلزوم قضاء السجدة مع إعادة الصلاة ، استناداً إلى أنّه بعد تعارض قاعدة التجاوز في السجدة مع أصالة عدم زيادة الركوع يكون المرجع في السجدة أصالة عدم الاتيان بها ، وفي زيادة الركوع أصالة الاشتغال بالصلاة للشكّ في صحّتها مع عدم المؤمّن. ولا تجري في هذه الصورة قاعدة التجاوز في زيادة الركوع ، حتّى لو قلنا بجريانها في ناحية الزيادة بناءً على كون عدمها شرطاً ليكون قيداً عدمياً ، وذلك لأنّ فرض المسألة هو أنّه لم يتجاوز محل الركوع ، فهو لم يتجاوز محل ذلك القيد ، أعني كون الركوع مقيّداً بالوحدة وعدم الركوع الثاني.

الفرض الثاني : أن يكون ذلك بعد الفراغ من الصلاة ، وفي هذه الصورة بنى على تعارض القاعدتين وسقوطهما والرجوع إلى أصالة عدم الاتيان بالسجدة ، وأصالة عدم الاتيان بالركوع الزائد ، فليس عليه حينئذ إلاّقضاء السجدة وسجود السهو. وكأنّه بنى على جريان قاعدة الفراغ في نفي احتمال الزيادة أخذاً

__________________

(١) كتاب الصلاة : ٤٣٧ ـ ٤٣٨.

(٢) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٣ : ٣٨٤.

٥١٣

باطلاق أدلّتها مثل « كلّ ما مضى من صلاتك فامضه كما هو » (١) ونحوه ممّا يدلّ على عدم الاعتناء بكلّ شكّ واحتمال خلل بعد الفراغ.

الفرض الثالث : أن يكون ذلك بعد تجاوز محلّ الركوع ، بأن يكون في الركعة الرابعة مثلاً وعلم أنّه في الركعة الثانية إمّا قد زاد ركوعاً أو قد نقص سجدة ، وفي هذه الصورة احتمل عدم جريان قاعدة التجاوز في ناحية زيادة الركوع ، نظراً إلى أنّ مفاد أدلّة قاعدة التجاوز هو عدم الاعتناء باحتمال عدم الاتيان بما وجب عليه من الأجزاء أو الشرائط ، فلا نظر لها إلى نفي احتمال الزيادة ، وحينئذ يكون المرجع في الزيادة هو أصالة العدم ، وفي النقيصة هو قاعدة التجاوز ، فيتعارضان ، ويكون المرجع حينئذ هو أصالة عدم الاتيان بالسجدة وأصالة الاشتغال بالصلاة ، فيلزمه قضاء السجدة وإعادة الصلاة كما في الفرض الأوّل.

واحتمل أيضاً جريان قاعدة التجاوز في الزيادة ، نظراً إلى أنّ قاعدة التجاوز تجري فيما لو كان المشكوك شرطاً ، والزيادة من مقولة الشروط ، غايته أنّها من مقولة الشروط العدمية ، حيث إنّه يعتبر عدمها في الصلاة أو في نفس الجزء ، بحيث إنّه يعتبر في مثل الركوع أن يكون واحداً بلا أن يزيد عليه ثانياً ، وحينئذ تجري في ناحية احتمال الزيادة قاعدة التجاوز ، فتعارضها قاعدة التجاوز في ناحية السجدة ، وبعد التساقط يكون المرجع هو أصالة العدم في كلّ منهما ، فيلزمه قضاء السجدة من دون إعادة الصلاة.

أمّا ما ذكره في العروة فهو مجمل لا إطلاق فيه بحيث يشمل هذه الفروض الثلاثة كلّها ، ولا يبعد أن يكون المنظور هو ما إذا كان ذلك بعد الفراغ ، ولا أقل من

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٦ ( مع اختلاف يسير ).

٥١٤

أن لا يكون شاملاً للفرض الأوّل.

ولا يخفى أنّ جميع ما ذكره المرحوم الشيخ عبد الكريم في أحكام هذه الفروض الثلاثة إنّما هو بناءً على ما هو المختار من جريان القاعدة في الجزء غير الركني ، في قبال جريان القاعدة أو الأصل في الجزء الركني. أمّا لو قلنا بأنّها لا تجري في غير الركني ، إمّا للطولية أو للعلم بعدم امتثال الأمر المتعلّق به ، فالظاهر أنّ الحكم في جميع هذه الفروض يكون هو لزوم قضاء السجدة من دون إعادة الصلاة. أمّا الأوّل ، فلأنّ المرجع حينئذ هو أصالة عدم الاتيان بالسجدة بعد جريان أصالة عدم زيادة الركوع. وأمّا في الثاني ، فلأنّ المرجع بعد جريان قاعدة الفراغ في نفي احتمال الزيادة هو أصالة عدم الاتيان بالسجدة. وكذلك الحال في الفرض الثالث.

نعم ، قد يقال إنّه بناءً على أنّ المانع من جريان القاعدة في طرف غير الركن هو العلم بعدم امتثال أمره ، لا حاجة في لزوم قضائه إلى التمسّك بأصالة عدم الاتيان به ، بل يكون ذلك العلم أيضاً مانعاً عن التمسّك فيه بأصالة عدم الاتيان ، ويكون المستند في لزوم الاتيان به هو العلم المذكور ، فتأمّل.

قال الأُستاذ المرحوم الآغا ضياء الدين العراقي فيما طبع عنه من فروع العلم الاجمالي ـ وهو قائل بعدم جريان قاعدة التجاوز في غير الركن للعلم بعدم امتثاله ـ ما هذا لفظه : إذا علم إجمالاً أنّه ترك سجدة أم زاد ركوعاً ، فأصالة عدم الزيادة جارية بدواً بلا معارض ، ثمّ من لوازمه نفي احتمال عدم وجوب السجدة من جهة فساد الصلاة ، فحينئذ إن بقي محلّ السجدة ولو ذكرياً يأتي بها ، وإلاّ فيأتي

٥١٥

بقضائها الخ (١).

فهو رحمه‌الله بعد أن بنى على أنّ السجدة ليست محلاً للتعبّد بقاعدة التجاوز للعلم بأنّه لم يمتثل أمرها ، بقي عنده احتمال زيادة الركوع فنفاه بأصالة العدم وبقي المكلّف حينئذ هو وعلمه بأنّه لم يمتثل الأمر بالسجدة مردّداً بين كون عدم امتثاله لذلك الأمر لأجل أنّه قد طرأ المبطل وهو الزيادة ، وحينئذ لا يجب عليه الاتيان بالسجدة وحدها ، بل يلزمه الاعادة ، وكون عدم امتثاله لذلك الأمر لأجل أنّه لم يأت بمتعلّقه الذي هو السجدة ، وحينئذ يجب عليه الاتيان بها وحدها. وأصالة عدم الزيادة تعيّن الاحتمال الثاني ، هذا محصّل ما أفاده قدس‌سره في هذه الأسطر.

ولكن كيف تكون أصالة عدم الزيادة معيّنة للاحتمال الثاني ، وهل ذلك إلاّ من قبيل الأصل المثبت.

نعم ، في البين طريق آخر ولعلّه هو المراد ، وذلك بأن يقال : إنّ العلم الاجمالي المردّد بين إعادة الصلاة ووجوب السجدة ، ينحلّ بالأصل النافي وهو أصالة عدم الزيادة ، والأصل المثبت وهو أصالة عدم الاتيان بالسجدة ، لكنّه مبني على إمكان جريان التعبّد في السجدة بمثل أصالة عدم الاتيان ، وإن لم يمكن التعبّد فيها بمثل قاعدة التجاوز. أو نقول لا حاجة في لزوم الاتيان بالسجدة إلى أصالة عدم الاتيان بها ، بل يكفي فيه مجرّد العلم الاجمالي بأنّه لم يمتثل أمرها بعد فرض إسقاط أحد الطرفين بأصالة عدم الزيادة. لكنّه مشكل ، خصوصاً فيما لو كان الاتيان بها في أثناء الصلاة ، لتوقّفه على هدم ما بيده. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ هذا الذي بيده إن كان قد زاد الركوع فلا حرمة له لكون صلاته حينئذ باطلة ، وكذلك لو لم يكن قد زاد الركوع ، لكونه حينئذ قبل الاتيان بالسجدة ، فيكون واقعاً في غير

__________________

(١) روائع الأمالي في فروع العلم الاجمالي : ٦٠ / ٤٨.

٥١٦

محلّه ، فله حينئذ هدمه على كلّ حال ، فتأمّل.

قوله : فإذا سقطت الأُصول النافية للتكليف تصل النوبة إلى الأصل المحكوم بها ، وهو استصحاب عدم الاتيان بالسجدة من كلّ ركعة واستصحاب عدم الاتيان بالسجدتين من الركعة الواحدة ... الخ (١).

الأولى جعل المقابلة بين الاتيان بمسمّى السجود في إحدى الركعتين وبين الاتيان بالسجدة الثانية في كلّ من الركعتين ، فيكون الأوّل عبارة عن أصالة عدم الاتيان بالركن ، والثاني عبارة عن أصالة عدم غير الركن ، وعلى أي حال يكون أصالة العدم في الركن حاكمة على الأصل الجاري في غير الركن ، سواء كان هو أصالة العدم ، أو كان هو أصالة البراءة من القضاء وسجود السهو ، لأنّ مقتضى أصالة عدم الاتيان بالركن هو بطلان الصلاة ، وأنّه لا مورد فيها لقضاء السجدة ولا لسجود السهو ، وذلك أوضح من حكومة أصالة الفساد في المعاملة على وجوب الوفاء ، ولأجل ذلك نقول : إنّه لو فرضنا أنّ الصلاة كانت محكومة بالفساد لأجل أصل يقتضي فسادها ، ومع ذلك حصل العلم بأنّه قد ترك سجدة واحدة فيهما ، لم يكن لذلك الترك أثر أصلاً.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ هذا عبارة أُخرى عن كون الأُصول الجارية في طرف غير الركن هي متأخّرة رتبة عمّا يحرز الصحّة من الأُصول في طرف الركن ، كما تقدّم (٢) من كون قاعدة التجاوز في غير الركن في طول قاعدة التجاوز في الركن. ولكن الفرق واضح ، فإنّ ذلك راجع إلى دعوى لزوم إحراز صحّة الصلاة في إجراء قاعدة التجاوز في غير الركن ، وما نحن فيه من حكومة

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٤٥.

(٢) في الصفحة : ٤٤٧ وما بعدها.

٥١٧

أصالة العدم في ناحية الركن عليها في ناحية غير الركن من باب إحراز الفساد ، لا من باب عدم إحراز الصحّة ، ومن الواضح أنّه مع إحراز الفساد لا يكون لترك غير الركن أثر كي يكون بذلك مجرى أصل من الأُصول.

قوله : لأنّ تعارض الأُصول إنّما هو باعتبار تعارض مؤدّياتها وما هو المجعول فيها ، والمؤدّى في كلّ من استصحاب الطهارة وقاعدتها أمر واحد وهو طهارة مشكوك الطهارة والنجاسة ... الخ (١).

تقدّمت الاشارة إلى التأمّل في ذلك (٢) ، ونزيده توضيحاً بذكر مقدّمات :

الأُولى : أنّ الحكم الظاهري بأيّ شيء فسّرناه فيما مرّ في أوائل حجّية الظنّ من كيفية الجمع بين الأحكام الواقعية والأحكام الظاهرية (٣) ، لا يكون في مورده قابلاً للظنّ أو الشكّ أو الوهم ، بل هو في مورده مقطوع به دائماً ، سواء كان حاصلاً من قيام الأمارة كما لو قامت البيّنة على طهارة هذا الاناء ، أو كان حاصلاً من الاستصحاب كما لو كانت تلك الآنية مشكوكة الطهارة مع فرض تقدّم اليقين بطهارتها ، أو كان حاصلاً من قاعدة الطهارة كما لو كانت تلك الآنية مشكوكة الطهارة مع عدم لحاظ حالتها السابقة ، فإنّ تلك الآنية في هذه الأطوار الثلاثة يكون حكمها الظاهري وهو الطهارة الظاهرية مقطوعاً به ، والعلّة في هذا القطع هو أنّ ذلك الحكم الظاهري مسبّب عن تحقّق هذه الأطوار ، أو أنّ كلّ واحد من هذه الأطوار يكون موضوعاً لذلك الحكم الظاهري ، ولا ريب في تحقّق الحكم

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٤٨.

(٢) راجع الصفحة : ٣٩٩ ـ ٤٠١.

(٣) راجع فوائد الأُصول ٣ : ١٠٥ ـ ١١٩ ، وحواشي المصنّف قدس‌سره على ذلك تقدّمت في المجلّد السادس من هذا الكتاب ، فراجع الصفحة : ٢٩٩ والصفحة ٣١٢ ، وراجع أيضاً ما ذكره قدس‌سره في الصفحة : ٨٢ وما بعدها من ذلك المجلّد.

٥١٨

عند تحقّق سببه أو تحقّق موضوعه.

المقدّمة الثانية : أنّ الحكم الظاهري في كلّ واحد من هذه الأطوار الثلاثة أعني طهارة تلك الآنية عند قيام البيّنة على طهارتها ، وطهارتها عند كونها مجرى لاستصحاب الطهارة ، وطهارتها عند كونها مجرى لقاعدة الطهارة ، لابدّ أن يكون كلّ واحد منها مبايناً للآخر ، ضرورة تباين المسبّبات عند تباين الأسباب ، أو تباين الأحكام عند تباين الموضوعات ، لما عرفت من أنّ نسبة هذه الأطوار إلى تلك الطهارات الظاهرية إمّا من قبيل الأسباب إلى مسبّباتها أو من قبيل الموضوعات بالنسبة إلى أحكامها.

المقدّمة الثالثة : أنّ هذه الأسباب أو هاتيك الموضوعات لا يعقل اجتماعها في مرتبة واحدة ، لأنّ كلّ واحد منها يكون معدماً ورافعاً لموضوع لاحقه كما حقّق في كيفية حكومة كلّ واحد منها على لاحقه ، وحينئذ تكون النتيجة هي أنّ الطهارة المجعولة على قيام الاستصحاب غير متحقّقة في مرتبة الطهارة المجعولة على قيام الأمارة ، والطهارة المجعولة على قيام قاعدة الطهارة غير متحقّقة في مرتبة الطهارة المجعولة على قيام الاستصحاب.

والحاصل : أنّ كلّ واحد من هذه الأحكام الثلاثة منعدم في صقع التشريع موضوعاً ومحمولاً عند تحقّق ما قبله ، فكيف يمكننا القول بأنّ الطهارة الاستصحابية والطهارة الناشئة من قاعدة الطهارة معارضان معاً وفي رتبة واحدة في هذا الطرف للطهارة في الطرف الآخر.

هذا ما حرّرناه سابقاً ، ولكن لا يخفى أنّه لا يخلو من منافاة لما تقدّم (١) في

__________________

(١) راجع حاشيتي المصنّف قدس‌سره المتقدّمتين في المجلّد السادس من هذا الكتاب ص ٢٩٩ وما بعدها ، وص ٣١٢ وما بعدها.

٥١٩

أوائل حجّية الظنّ من إنكار الحكم الظاهري بالمرّة ، وأنّه لا واقعية له أصلاً.

ولا يخفى أنّ ما أفاده شيخنا قدس‌سره من أنّ الحكم بالطهارة فيما هو مورد للاستصحاب من أيّ ناحية كان ، يكون معارضاً لقاعدة الطهارة في الطرف الآخر إنّما هو مطلب فقاهتي حاصله : أنّ قاعدة الطهارة وإن كانت متأخّرة رتبة عن استصحاب الطهارة ، إلاّ أنّه من الممكن أن يقف الطوليان معاً في قبال ما هو معارض لهما ، فيسقط الجميع بالمعارضة ، فلا يكون لازم ذلك تحقّق الأصل المحكوم مع فرض تحقّق الحاكم المخالف له ، كما في استصحاب نجاسة الشيء مع قاعدة الطهارة فيه ، فإنّ وقوف المحكوم مع الحاكم الموافق في قبال ما هو المعارض لهما معاً ، لا يلزمه معارضة المحكوم مع الحاكم المخالف كما في موارد استصحاب النجاسة ، ليلزم من ذلك أن تكون قاعدة الطهارة صالحة لمعارضة استصحاب النجاسة.

ومن ذلك يظهر لك أنّه لا يرد النقض عليه بالماء الذي تعاقب عليه الحالتان من التنجّس بوقوع البول والطهارة بوقوع المطر فيه مع الشكّ في المقدّم منهما ، فإنّه يتعارض فيه استصحاب الطهارة والنجاسة ، ويرجع فيه بعد التساقط إلى قاعدة الطهارة ، بأن يقال : إنّ قاعدة الطهارة سقطت بسقوط استصحاب الطهارة وبيان عدم الورود هو ما عرفت من أنّ قاعدة الطهارة في المورد الواحد لا تصلح لمعارضة استصحاب النجاسة فيه ، فلا يمكن انضمامها إلى استصحاب الطهارة في معارضة استصحاب النجاسة.

وكذلك لا يرد عليه النقض بمن توضّأ غفلة بمايع مردّد بين البول والماء الطاهر ، بناءً على تعارض استصحاب الحدث وطهارة أعضائه لكونهما إحرازيين ، وبعد التساقط يرجع إلى قاعدة الطهارة في الأعضاء ، ولزوم إحراز

٥٢٠