أصول الفقه - ج ٧

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٧

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-72-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٩٢

المتروك هو التشهّد ، وذلك لأجل زيادة الركن حينئذ.

لكن نحن في فسحة من هذا الإشكال ، إذ لا نقول بوجوب سجود السهو لزيادة مثل التشهّد. ولو قلنا بوجوب سجود السهو لأمكن الجواب بأنّه كان أحد طرفي العلم الاجمالي السابق ، لأنّه قبل أن يسجد كان عالماً بأنّه إمّا ترك السجدتين فيكون تشهّده زائداً يجب له سجود السهو ، وإمّا قد فعل السجدتين فيكون اللازم عليه الاتيان بهما ، وبعد [ أن ] أتى بهما وبالتشهّد بعدهما ، يقع في العلم الاجمالي الثاني الذي أحد طرفيه كان طرفاً للأوّل.

ولو كان قائماً وعلم بأنّه قد ترك أحد الأمرين القراءة أو الركوع ، ركع من دون قراءة ، لأنّه يعلم بأنّه فعلاً غير مأمور بالقراءة ، لأنّها إمّا قراءة بعد الركوع أو قراءة بعد القراءة ، لكن يبقى الكلام في المؤمّن من احتمال زيادة الركن بعد تلافيه ، فإنّا لا نقول بأصالة الصحّة ، فراجع ما ذكرناه (١) في آخر شرح المسألة الثانية عشرة من العروة (٢)

__________________

(١) مخطوط لم يطبع بعد.

(٢) وربما يقال في من كان في حال القنوت وعلم إجمالاً بترك القراءة أو السجود : إنّ قاعدة التجاوز لا تجري في القراءة ، لا للعلم بعدم امتثال أمرها ، بل لأنّ القنوت لغو بحكم الشارع ، لأنّه في غير محلّه على كلّ من ترك القراءة أو ترك السجود ، أمّا السجود فتجري فيه القاعدة نظراً إلى كون الشكّ فيه بعد الدخول في القيام ، وحينئذ فيلزمه القراءة ويمضي في صلاته ولا شيء عليه ، وهذا بخلاف ما لو كان في حال القيام وعلم بأنّه قد ترك السجود أو التشهّد ، فإنّ القاعدة تسقط في كلّ منهما ، إذ لا مدرك لها في السجود إلاّ الدخول في القيام. لكن هذا كلّه مبني على عدم إجراء القاعدة في كلّ من طرفي العلم الاجمالي بلحاظه في نفسه كشبهة بدوية ، وإلاّ كانت

٤٨١

الثانية : أن تكون قاعدة التجاوز جارية في أحدهما ، وكان الآخر مجرى لقاعدة الشكّ في المحل ، كما لو كان جالساً وعلم أنّه إمّا قد فاته ركوع الركعة السابقة أو أنّه لم يتشهّد بعد ، فإنّه يلزمه التشهّد لقاعدة الشكّ في المحل ، وبها ينحلّ العلم الاجمالي ، ويرجع في الركوع إلى قاعدة التجاوز.

الثالثة : أن يكون كلّ منهما مجرى لقاعدة التجاوز ، ولكن كان كلّ منهما قابلاً للتلافي لو علم بأنّه هو المتروك ، كما لو كان في أثناء القيام وعلم إجمالاً بأنّه قد ترك أحد الأمرين من التشهّد والسجود ، فإنّه يلزمه هدم القيام والاتيان بالسجدتين وسجود السهو بعد ذلك لزيادة القيام ، وإنّما وجب عليه هدم القيام للعلم بأنّه في غير محلّه ، وإذا كان القيام محكوماً باللغوية ولزوم الهدم ، لم يكن محقّقاً لموضوع قاعدة التجاوز ، بناءً على أنّه يعتبر في ذلك الغير أن لا يكون معلوم اللغوية.

وبناءً على ذلك نقول : إنّه لو كان في حال القنوت مثلاً وعلم إجمالاً بأنّه قد ترك إمّا القراءة أو السجدتين من هذه الركعة يكون ذلك القنوت لغواً فيتركه ، ويكون الشكّ في القراءة شكّاً في المحل والشكّ في السجود شكّاً بعد التجاوز ، فيلزمه القراءة فقط وإتمام الصلاة.

لكن يمكن الخدشة في كلا الفرعين ، بأنّ العلم بلغوية الجزء إنّما يمكن المنع من كونه محقّقاً لموضوع قاعدة التجاوز إذا كان ترك ما قبله معلوماً بالتفصيل ، كمن ترك التشهّد وقام والتفت في أثناء قيامه إلى أنه قد ترك التشهّد ومع ذلك شكّ في السجود. أمّا إذا لم يكن إلاّ العلم الاجمالي بترك أحد الجزأين ،

__________________

القاعدة في كلّ من الطرفين متعارضة ، ولا أثر للعلم التفصيلي المولد من العلم الاجمالي كما شرحناه ، فلاحظ وتأمّل [ منه قدس‌سره ].

٤٨٢

فيمكن القول بأنّه محقّق لموضوع قاعدة التجاوز بالنسبة إلى كلّ واحد من ذينك الجزأين ، فإنّ العلم بكون ما بيده لغواً إنّما يكون من جهة كلا طرفي العلم ، وقاعدة التجاوز إنّما تجري في كلّ واحد منهما على حدة ، ومن الواضح أنّ الشكّ في كلّ واحد على حدة لا يكون في كلا الفرعين إلاّشكّاً بعد تجاوز المحل بالنسبة إلى نفس ذلك المشكوك ، ففي الفرع الأوّل تتعارض القاعدتان قبل هدم القيام ، وكذلك تتعارض أصالة العدم في كلّ منهما ، ويكون المرجع هو أصالة الاشتغال في كلّ منهما ، فيلزم الاتيان بكلّ منهما. أمّا على مسلك الأُستاذ قدس‌سره فواضح ، لما عرفت ، وأمّا على كون الطولية مسقطة لقاعدة التجاوز في غير الركن ، فلعدم الطولية هنا ، لأنّه على تقدير كون المتروك هو الركن لا تكون الصلاة باطلة ، إذ لم يدخل في ركن آخر. وأمّا بناءً على سقوط القاعدة في غير الركن لأجل العلم بعدم امتثال أمره ، فإنّه يكون المرجع في الركن قاعدة التجاوز ، فلا يلزمه إلاّ الإتيان بالتشهّد.

أمّا الفرع الثاني ، ففيه تفصيل ، وهو أنّه بناءً على أنّ لغوية القنوت لا تمنع من الرجوع إلى قاعدة التجاوز ، لو قلنا بسقوط القاعدة في غير الركن من جهة الطولية ، تكون القاعدتان متعارضتين لعدم الطولية في هذه الصورة. وكذلك تتعارض أصالة العدم في كلّ منهما ، فيرجع إلى أصالة الاشتغال في كلّ منهما ، فيلزمه الاتيان بهما معاً.

لكن لو قلنا بسقوط القاعدة في غير الركن من جهة العلم بعدم امتثال أمره ، تكون قاعدة التجاوز في القراءة ساقطة للعلم بعدم امتثال أمرها. أمّا إن كانت هي المتروكة فواضح ، وأمّا إن كان المتروك هو السجدتين ، فلعدم كونها في محلّها ، وحينئذ يكون المرجع في حال القنوت هو قاعدة التجاوز في السجدتين ، فلا

٤٨٣

يلزمه إلاّ الاتيان بالقراءة ، ويكون شكّه في السجود من قبيل الشكّ بعد تجاوز المحل حتّى بعد الرجوع إليها (١) ، لكون القيام حائلاً بينه وبين محل السجود. وهذا بخلاف مسلك الأُستاذ قدس‌سره فإنّه بناءً عليه تكون القاعدتان متعارضتين كأصالتي العدم ، وينبغي أن يكون المرجع بعد التساقط هو أصالة الاشتغال في كلّ منهما ، فيلزمه العود والاتيان بكلّ منهما وإتمام الصلاة وسجود السهو للقيام ، من دون حاجة إلى إعادة الصلاة ، لعدم تطرّق احتمال البطلان في هذه الصورة. اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ العلم الاجمالي بزيادة الركن أو القراءة (٢) يقتضي الاعادة بناءً على لزوم سجود السهو لزيادة القراءة (٣).

الصورة الرابعة : أن يكون كلّ منهما في حدّ نفسه مجرى لقاعدة التجاوز ، ولكن كان الركن قابلاً للتلافي وكان غير الركن غير قابل للتلافي ، كما لو كان في حال القيام وعلم إجمالاً بأنّه قد ترك أحد الأمرين ، إمّا السجود من هذه الركعة التي قام عنها أو سجدة واحدة من الركعة السابقة ، وفي هذه الصورة لا يتوجّه ما قدّمناه من لغوية القيام ، لعدم العلم بكونه لغواً على كلّ حال ، ولأجل ذلك تجري فيها قاعدة التجاوز في كلّ من الطرفين ، ولا طولية بينهما في هذه الصورة ، لأنّ ترك الركن فيها لا يكون موجباً لبطلان الصلاة ، لامكان تداركه.

ومنه يتّضح أنّه لا يتوجّه على القاعدة في غير الركن ما تقدّم من العلم بعدم امتثال أمره ، لعدم تحقّق العلم المذكور في هذه الصورة بالنسبة إلى كلّ من الركن وغير الركن.

__________________

(١) [ الظاهر أنّ المراد بالضمير هو أصالة عدم الإتيان بالقراءة ، الملزمة بالإتيان بها ، فلاحظ ].

(٢ و ٣) [ في الأصل : التشهّد بدل القراءة ، وما أثبتناه هو الذي يقتضيه سياق البحث ].

٤٨٤

وبعد تعارض القاعدتين ، وتعارض أصالة عدم الاتيان في كلّ من الطرفين ، بناءً على عدم جريان الأُصول الاحرازية في أطراف العلم الاجمالي وإن لم يلزم منها المخالفة القطعية ، تنتهي النوبة إلى أصالة البراءة من قضاء السجدة بعد الفراغ ، وأصالة الاشتغال بالسجدتين من هذه الركعة ، فيلزمه العود لتلافيهما وإتمام الصلاة وسجود السهو للقيام.

وفي هذه الصورة تتّحد النتيجة على كلّ من المسلكين ، أعني سقوط قاعدة التجاوز في غير الركن من جهة الطولية أو من جهة العلم بعدم امتثال أمره ، ومسلك الأُستاذ قدس‌سره حيث يقول بعدم سقوط القاعدة في غير الركن وأنّها إنّما تسقط بالتعارض ، لأنّ النتيجة في خصوص هذه الصورة هو التعارض على كلّ حال كما عرفت.

نعم ، يتوجّه على مسلك الأُستاذ قدس‌سره من أنّ الأُصول المتوافقة المترتّبة الجارية في أحد الطرفين تسقط جميعها بالمعارضة للأصل في الطرف الآخر ، فإنّه بناءً على ذلك ينبغي أن يقال بسقوط أصالة البراءة من قضاء غير الركن بسقوط قاعدة التجاوز فيه ، وحينئذ نبقى نحن والعلم الاجمالي الذي حدث في أثناء القيام ، ومقتضاه تنجز كلا طرفيه ، فيلزمه تدارك السجدتين في أثناء الصلاة وقضاء السجدة الواحدة بعد الصلاة مع سجودي سهو. ولكن لهذه الصورة تتمّة ذكرناها في الرسالة المفردة التي لخّصناها من هذه المباحث.

الصورة الخامسة : أن يكون كلّ منهما في حدّ نفسه مجرى لقاعدة التجاوز ، وكان الركن فقط غير قابل للتلافي ، بخلاف غير الركن ، كما لو كان في حال القيام وعلم إجمالاً بأنّه قد ترك أحد الأمرين من السجدة من هذه الركعة التي قام عنها أو الركوع منها ، فبناءً على عدم جريان القاعدة في غير الركن إمّا للعلم

٤٨٥

بعدم امتثال أمره أو للطولية بين القاعدتين ، وأنّ المرجع في مثل ذلك هو قاعدة التجاوز في الركن ، يلزمه هدم القيام والاتيان بالسجدة وإتمام الصلاة وسجود السهو لزيادة القيام. وأمّا بناءً على ما أفاده الأُستاذ قدس‌سره من تعارض القاعدتين وتعارض أصالتي العدم ، فينبغي بعد التساقط أن يكون المرجع هو أصالة الاشتغال في كلّ من الطرفين ، أمّا الصلاة فواضح ، وأمّا السجدة فلعدم جريان البراءة فيها ، لأنّ الشكّ بالنسبة إليها من قبيل الشكّ في الامتثال.

وإن شئت فقل : بعد التساقط نبقى نحن والعلم الاجمالي المردّد بين إعادة الصلاة والرجوع لتلافي السجدة وإتمام الصلاة ، ومقتضى هذا العلم الاجمالي هو لزوم كلا الطرفين ، كما أفاده قدس‌سره فيما حرّرناه عنه في الفقه في مسألة من كان في السورة وعلم أنّه قد ترك إمّا الفاتحة أو الركوع من الركعة التي قام عنها. ومثل ذلك ما لو كان في حال القيام وعلم بأنّه قد ترك سجدتين ، إمّا من هذه الركعة التي قام عنها ، أو من الركعة السابقة أو أنّ إحدى السجدتين من هذه الركعة والسجدة الأُخرى من الركعة السابقة ، فإنّه بناءً على ما ذكرناه يكون المرجع بالنسبة إلى احتمال كون السجدتين من الركعة السابقة هو قاعدة التجاوز ، وبالنسبة إلى باقي الاحتمالات يكون المرجع هو أصالة عدم الاتيان.

وإن شئت قلت : إنّ دخول احتمال كون السجدتين من الركعة السابقة يولّد احتمال بطلان الصلاة ، ومع احتمال بطلان الصلاة لا يمكننا إجراء قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الاحتمالين الباقيين ، فلابدّ أن يكون جريان قاعدة التجاوز في السجدتين من الركعة السابقة سابقاً في الرتبة ، فتجري فيه بلا معارض ، ومقتضى جريانها في الاحتمال المذكور هو الحكم عليه بأنّك قد أتيت بالسجدتين من الركعة السابقة وأنّ صلاتك صحيحة ، ويكون المرجع في باقي الاحتمالات هو

٤٨٦

أصالة العدم ، فيلزمه هدم القيام ، والاتيان بالسجدتين لهذه الركعة ، وإتمام الصلاة ، وقضاء السجدة المحتمل كونها من الركعة السابقة ، وسجود السهو مرّتين ، لزيادة القيام وللسجدة المذكورة.

ويمكن أن يقال : إنّه لا يحتاج إلى قضاء السجدة ، لأنّ أصالة العدم بالنسبة إلى طبيعة السجود من الركعة اللاحقة يكون كافياً في انحلال العلم الاجمالي ، لما حقّق في محلّه من أنّه إذا كان أحد الأطراف مجرى للأصل المثبت ، كان العلم الاجمالي منحلاً مهما كثرت الأطراف ، هذا كلّه على تقدير إسقاط قاعدة التجاوز في غير الركن من جهة الطولية.

وأمّا على تقدير إسقاطها من جهة العلم بأنّه لم يمتثل أمره ، ففيه إشكال ، حيث إنّ الذي يعلم بأنّه لم يمتثل أمره إنّما هو السجدة الثانية من هذه الركعة ، لأنّ المتروك إن كان هو السجدتين من الأُولى فصلاته باطلة ، وإن كان من الثانية ، أو كانت إحداهما من الأُولى والأُخرى من الثانية ، فعلى أيّ حال هو لم يمتثل أمر السجدة الثانية ، فلا تجري فيها قاعدة التجاوز. أمّا السجدة الأُولى من هذه الركعة فهو غير عالم بأنّه لم يمتثل أمرها ، لاحتمال التوزيع ، فلا مانع حينئذ من جريان قاعدة التجاوز فيها.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه بعد أن كانت السجدة الثانية مجرى لأصالة عدم الاتيان يكون قيامه محكوماً بكونه في غير محلّه ، فلا يتحقّق موضوع قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة الأُولى ، لا أنّه قد تحقّق الموضوع وبعد هدم القيام ينقلب شكّه إلى الشكّ في المحلّ ، فتأمّل.

ومن ذلك يظهر أنّه لا فائدة هنا في التعرّض لكون القيام محقّقاً لموضوع قاعدة التجاوز بالنسبة إلى كلّ من السجدتين من الركعة الأخيرة ، لأنّه لو فرضنا أنّه

٤٨٧

ملغى من هذه الجهة ، من جهة أنّ صلاته إمّا باطلة فيكون قيامه لغواً ، أو أنّه قد فاتته السجدتان أو السجدة الأخيرة من الركعة الثانية فيكون أيضاً لغواً ، إلاّ أنّ أقصى ما فيه أن يلزمه هدمه ، وأن لا تجري في حقّه قاعدة التجاوز ، فيكون اللازم عليه هو السجدتين أيضاً لأصالة الاشتغال فيهما.

والأولى أن يقال : إنّ الذي تتوقّف عليه قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الركعة الثانية هو إحراز طبيعة السجود في الأُولى ، فتكون قاعدة التجاوز في الركعة الثانية ساقطة بمقدار ما تقتضيه قاعدة التجاوز في طبيعة السجود في الأُولى ، ولا ريب أنّ إحراز طبيعة السجود في الأُولى لا يحقّق إحراز السجدة الثانية منها ، كما أنّ قاعدة التجاوز في الركعة الثانية لا تتوقّف على إحراز السجدة الثانية من الركعة الأُولى ، وحينئذ يتوجّه الإشكال في أنّ قاعدة التجاوز في الركعة الثانية صالحة لمعارضة قاعدة التجاوز في السجدة الثانية من الركعة الأُولى ، إذ لا طولية بينهما.

والجواب : هو أنّ قاعدة التجاوز في الركعة الثانية لا تجري في سجدتها الأُولى ولا في سجدتها الثانية ، أمّا سجدتها الأُولى أعني طبيعة السجود فيها ، فلأنّها في طول قاعدة التجاوز في الركعة الأُولى المحرزة لطبيعة السجود فيها. وأمّا سجدتها الثانية فللعلم بعدم امتثال الأمر بالسجدة الثانية في الركعة الثانية على جميع تقادير العلم الاجمالي ، وإذا سقطت قاعدة التجاوز في الركعة الثانية بالنسبة إلى كلّ من سجدتيها ، يكون المرجع في أصل وجود السجود فيها هو أصالة العدم ، كما أنّ المرجع حينئذ في الركعة الأُولى هو قاعدة التجاوز في أصل طبيعة السجود ، وفي سجدتها الثانية أيضاً ، فتأمّل فإنّ فيه بحثاً مفصّلاً حرّرناه في الرسالة التي لخّصناها من هذه المباحث ، هذا كلّه بناءً على ما ذكرناه.

وأمّا بناءً على ما أفاده الأُستاذ قدس‌سره ، فالذي ينبغي هو ما عرفت من تأثير العلم

٤٨٨

الاجمالي بجميع أطرافه ، وقد حرّرت عنه قدس‌سره في الدروس الفقهية فيما يتعلّق بهذه الجهة كلاماً لا بأس بنقله : وأمّا إذا كان في المحل السهوي ، كأن يكون في القيام قبل الركوع مثلاً ، ويحصل له العلم بفوات سجدتين ، إمّا من الركعة السابقة أو من هذه الركعة التي قام عنها أو أنّ إحداهما من السابقة والأُخرى من هذه التي قام عنها ، فنقول : إنّه بعد تعارض قاعدة التجاوز في الطرفين ، وبعد تعارض استصحاب عدم الاتيان في جميع المحتملات أيضاً ، نبقى نحن وما يقتضيه هذا العلم ، ومحتملاته لزوم إعادة الصلاة ( بناءً على أنّ السجدتين من الركعة الأُولى ) ولزوم العود والاتيان بسجدتين ( بناءً على أنّهما من الثانية ) أو بسجدة واحدة وقضاء سجدة بعد الفراغ وسجود السهو ( بناءً على [ أنّ ] إحداهما من الركعة الأُولى والأُخرى من الثانية ) ومقتضى العلم الاجمالي هو الأخذ بجميع هذه الاحتمالات ، فيرجع ويسجد سجدتين ، ويتمّ صلاته ، ويقضي سجدة واحدة ، ويسجد للسهو ، ويعيد الصلاة.

لا يقال : إنّ مقتضى الاشتغال هو الرجوع والاتيان بالسجدتين ، والاتمام والاعادة ، وأمّا قضاء السجدة وسجود السهو لها فمقتضى الأصل فيهما هو البراءة.

لأنّا نقول : لو كان الأمر مقصوراً على قاعدة الاشتغال ، لكان الأمر كذلك ، إلاّ أنّك قد عرفت أنّ محتملات العلم ثلاثة ، وإذا تعارضت الأُصول وتساقطت ، وبقينا نحن والعلم الاجمالي ، كان مقتضاه لزوم هذه المحتملات كلّها ، والمفروض أنّ الاحتمال الأخير منها مركّب من سجدة في المحل ، وقضاء سجدة وسجود السهو لها بعد الصلاة ، فيكون ذلك الاحتمال منجّزاً بجميع أجزائه. ولا يعقل التفكيك بين هذه الأجزاء بأن يقال يتنجّز جزؤه الأوّل وهو السجدة في

٤٨٩

المحل ، دون الجزأين الأخيرين وهما السجدة بعد الفراغ وسجود السهو.

ثمّ إنّ الفرق بين هذه الصورة وبين ما إذا كان حصول العلم بعد الفراغ أو بعد تجاوز المحل السهوي بحيث لا يمكنه العود لو تذكّر ، هو أنّ ذلك بعد تعارض الأُصول السابقة فيه يكون الأصل في أحد أطرافه هو الاشتغال وفي الطرف الآخر هو البراءة كما تقدّم ، فينحلّ العلم الاجمالي ، بخلاف هذه الصورة فإنّها بعد تساقط الأُصول فيها يكون كلّ واحد من أطراف العلم مجرى لأصالة الاشتغال ، فيبقى العلم الاجمالي فيها بحاله غير منحل ، وذلك لأنّ العود ولزوم التدارك فيما نحن فيه على تقدير كون الفائت هو غير الركن من السابقة لا يكون تكليفاً جديداً كي ينفى بالبراءة ، كما ينفى قضاء الجزء وسجود السهو بالبراءة ، بل هو مقتضى الاشتغال بذلك التكليف السابق الذي يرجع إلى تلافيه. هذا بعض ما كنت حرّرته عنه قدس‌سره في توجيه لزوم جميع المحتملات.

لكنّه قدس‌سره قد عدل عن ذلك ، وقد كنت حرّرت عنه الوجه في عدوله وهاك نصّ ذلك التحرير : هو أنّ العود في المحل السهوي لو كان بمقتضى القاعدة من جهة تلافي الجزء في محلّه ، لكان كلّ واحد من أطراف العلم منجّزاً ، أعني الاعادة لاحتمال أنّ السجدتين كانا من الركعة السابقة ، والعود والاتيان بسجدتين لاحتمال كونهما من هذه الركعة التي قام عنها ، والاتيان بسجدة واحدة في المحل وأُخرى بعد الفراغ مع سجود السهو ، لاحتمال كون إحدى السجدتين من الركعة السابقة والأُخرى من هذه الركعة ، لأنّ كلّ واحد من هذه الاحتمالات مجرى لقاعدة الاشتغال ، ومقتضى العلم الاجمالي المردّد بينها هو تنجّزها أجمع.

إلاّ أنّ ذلك ـ أعني كون العود على مقتضى القاعدة ـ ممنوع ، فإنّه إنّما يلتزم

٤٩٠

به من جهة حديث « لا تعاد » (١) ، وهي مختصّة بما إذا كان ما يرجع لتداركه محقّق الفوت ، أمّا إذا لم يكن فوته معلوماً بل كان مشكوكاً ، غاية الأمر أنّه أحد أطراف العلم الاجمالي ، فلا يكون مشمولاً لحديث « لا تعاد » ، وحينئذ فنبقى نحن وما تقتضيه القاعدة الأوّلية في ذلك الجزء على تقدير كونه هو الفائت واقعاً ، ولا ريب أنّ مقتضى [ القاعدة ] حينئذ هو بطلان الصلاة بمجرّد نسيان جزء والدخول في جزء آخر ، وعليه فبعد فرض عدم جريان قاعدة التجاوز ، وعدم جريان أصالة عدم الاتيان به لما ذكرناه من المعارضة ، وبعد فرض عدم جريان حديث « لا تعاد » المحقّق لوجوب العود ، لما ذكرناه من اختصاصه بصورة كون فوت الجزء معلوماً ، يكون وجوب العود محتاجاً إلى دليل يدلّ عليه ، وحيث لا دليل فمقتضى القاعدة هو البطلان ، ومع الشكّ في وجوبه كما هو المفروض يكون المرجع هو البراءة ، وعليه فيكون أحد الأطراف وهو وجوب الاعادة لاحتمال كون السجدتين من الركعة السابقة مجرى لقاعدة الاشتغال ، وبقية الأطراف مجرى لأصالة البراءة ، فبعد تعارض الأُصول يكون العلم الاجمالي منحلاً ، كما ينحل إذا كان حاصلاً بعد الفراغ ، أو كان حاصلاً بعد تجاوز المحل السهوي ، ويكون الحكم في جميع هذه الصور الثلاث هو وجوب الاعادة فقط ، انتهى.

قلت : ويمكن التأمّل في هذا الذي كنّا حرّرناه عنه في وجه عدوله قدس‌سره :

أوّلاً : أنّه بناءً على ما أفاده من عدم شمول حديث « لا تعاد » للمورد ، وأنّه يبقى على مقتضى القاعدة من البطلان بمجرّد الاتيان بجزء قبل الاتيان بسابقه ، ينبغي القطع ببطلان الصلاة ، لأنّ السجدتين إن كانتا من الأُولى فبطلانها واضح ، وإن لم تكونا من الأُولى فأيضاً تكون الصلاة باطلة من جهة الاتيان بالقيام في غير

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٥.

٤٩١

محلّه ، فتكون زيادة غير مشمولة لحديث « لا تعاد ».

وثانياً : أنّ هذه الدعوى ، وهي كون حديث « لا تعاد » غير شامل لأمثال هذه الموارد ، وأنّ السهو بالاتيان بالجزء اللاحق قبل الاتيان بسابقه [ موجب للبطلان ] لا تلتئم مع كثير من الموارد التي أفتى قدس‌سره فيها بالصحّة ، وذلك مثل ما لو كان في حال التشهّد أو القيام وعلم بأنّه قد فاتته سجدة واحدة مردّدة بين كونها من الركعة السابقة أو من هذه الركعة ، فإنّه بعد تعارض القاعدتين وأصالتي العدم في الطرفين ، يكون المرجع هو أصالة البراءة من قضاء السجدة السابقة ، وأصالة الاشتغال بالسجدة اللاحقة ، فيلزمه العود لتلافيها ، كما أفاده قدس‌سره في حاشية مسألة ٢٠ من العروة ، فإنّ السيّد قدس‌سره حكم فيها بالمضي وإتمام الصلاة وقضاء السجدة وسجدتي السهو ، ثمّ قال : ويحتمل وجوب العود لتدارك السجدة من هذه الركعة والاتمام وقضاء السجدة مع سجود السهو ، والأحوط على التقديرين إعادة الصلاة أيضاً (١). فقد كتب الحاشية على قوله « ويحتمل » بما نصّه : هذا الاحتمال هو المتعيّن هنا أيضاً ، ولم يظهر وجه للمضي ، والاحتياط بالاعادة ضعيف الخ (٢) وهكذا الحال في المسألة ١٩ المتعرّضة لمسألة من كان في حال القيام وتردّد بين كون الفائت منه هو السجدة من الركعة السابقة أو التشهّد من هذه الركعة.

وكان ينبغي إسقاط الحكم بقضاء السجدة وسجود السهو ، فإنّ الحكم به لا يتّجه إلاّبناءً على جريان أصالة العدم في كلّ من الطرفين ، ليكون مقتضى الأصلين المزبورين هو الرجوع لتلافي السجدة ، واتمام الصلاة ، وقضاء السجدة ، والسجود للسهو مرّتين إحداهما لأجل القيام ، والأُخرى لأجل السجدة ، لكنّه قدس‌سره يرى المعارضة بين الأصلين المزبورين ، لكونهما إحرازيين ، ومن الواضح أنّه

__________________

(١ و ٢) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٣ : ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

٤٩٢

بعد سقوطهما ينبغي أن يكون المرجع هو أصالة البراءة من قضاء السجدة السابقة ، وأصالة الاشتغال بالنسبة إلى السجدة اللاحقة ، فيكون الحكم هو العود والتدارك للسجدة ، وإتمام الصلاة ، وسجود السهو للقيام في صورة كونه قد دخل في القيام لا التشهّد.

ويمكن أن يقال : إنّ نظره قدس‌سره في عدم جريان البراءة من قضاء السجدة إلى ما قدّمنا الاشارة إليه في نظيره في الصورة الرابعة من سقوط أصالة البراءة من قضاء السجدة بسقوط قاعدة التجاوز فيها ، لكنّه قدس‌سره لم يلتزم بذلك فيما لو حصل العلم بعد الفراغ ، بل التزم هناك بالرجوع إلى قاعدة الاشتغال في ناحية الركن وأصالة البراءة من ناحية غير الركن.

وعلى أيّ حال ، فإنّ هذه الحاشية لا تلتئم مع ما نقلناه عنه قدس‌سره في هذا المقام ، فإنّ مقتضاه هو عدم جواز العود ، بل إمّا أن يحكم بالمضي وقضاء سجدة واحدة كما في المتن ، أو يحكم ببطلان الصلاة لعدم إمكان تصحيحها ، لعدم إمكان المضي مع وجود العلم الاجمالي بأنّه إمّا أن يجب عليه تلافي السجدة أو يجب عليه قضاؤها بعد الصلاة ، ولا يمكنه العود ، لأنّه موجب لزيادة التشهّد أو القيام مع عدم جريان حديث « لا تعاد » فيه.

ثمّ لا يخفى أنّ مسلك السيّد هو جريان الاستصحابات المثبتة ، ومقتضاه تعيّن الاحتمال الذي ذكره.

وثالثاً : أنّ ما أفاده قدس‌سره من عدم جريان حديث « لا تعاد » في مثل ما نحن فيه ممنوع ، فإنّه لا تعرّض له لوجوب العود ، وإنّما مفاده هو عدم لزوم إعادة الصلاة لمثل زيادة هذه الأجزاء ، فيكون حاصله اغتفار زيادتها ، فإذا فرض وقوعه قبل سابقه كان زائداً مغتفراً ، ويلزمه حينئذ العود لتلافي الجزء السابق لأنّه بلا مانع ،

٤٩٣

ومن الواضح أنّ هذا ـ أعني اغتفار الزيادة ـ من الأحكام الواقعية التي تتبع واقعها وإن لم يعلم به المكلّف ، وحينئذ ففيما نحن فيه نقول : إنّه بعد أن دخل في القيام وحصل له العلم بترك سجدتين على نحو ما مرّ ، إن كانت السجدتان من الركعة السابقة بطلت صلاته ولا زيادة حتّى يتكلّم في شمول حديث « لا تعاد » لها ، وإن لم تكونا من السابقة كان هذا القيام واقعاً في غير محلّه ، وكان في الواقع محكوماً بكونه زيادة مغتفرة.

وأمّا الفرع الذي نقلناه عن العروة فأيضاً لا ينبغي الحكم بالبطلان فيه ، فإنّ السجدة التي علم بتركها إن كانت من الأُولى ، كان كلّ من السجدة التي أتى بها بعد هدم القيام والقيام الذي هدمه زائداً داخلاً تحت حديث « لا تعاد » ، وإن كانت من الثانية كانت السجدة في محلّها ، وكان القيام زائداً.

والحاصل : أنّه إذا كان مشغولاً بجزء ، وكان مقتضى الاشتغال هو الرجوع إلى الجزء السابق ، جاز له بل لزمه الرجوع إلى الجزء السابق ، ولا يمنعه احتمال الزيادة لأنّها مغتفرة بحديث « لا تعاد » ، فإنّ تلك الزيادة المدّعى كونها مانعة من الرجوع إن كانت هي زيادة الجزء الذي يتداركه ، فمن الواضح اغتفارها لو صادفت الواقع بحديث « لا تعاد » وإلاّ لجرى الإشكال فيما لو كان الشكّ في المحلّ ، وإن كانت هي زيادة ذلك الجزء الذي هدمه ، فمن الواضح اغتفارها أيضاً بحديث « لا تعاد ».

اللهمّ إلاّ أن يكون المراد من الإشكال المزبور هو أنّ هذا الجزء الذي بيده يحتمل قبل هدمه أنّه كان في محلّه ، فمع احتمال كونه في محلّه وأنّه ليس بزائد ، كيف يمكن تجويز هدمه وجعله زائداً.

والحاصل : أنّه قبل هدم ذلك الجزء لا يمكن الحكم عليه بأنّه زائد كي

٤٩٤

ندخله في حديث « لا تعاد » ليكون فعلاً زيادة مغتفرة ، وما لم يحكم عليه بالزيادة لا يمكن تركه وهدمه. نعم لو كانت أصالة عدم الاتيان بالجزء السابق جارية ، لكانت موجبة للحكم على ذلك الجزء الذي بيده بأنّه زائد واقع في غير محلّه ، لكن المفروض أنّه ليس في البين سوى الشكّ في الجزء السابق وأصالة الاشتغال ، ومن الواضح أنّ ذلك بمجرّده لا يوجب الحكم على الجزء الذي بيده بأنّه زائد وواقع في غير محلّه ، وحينئذ فلا طريق لنا لهدمه وتركه ، وإن كان لو هدمناه وتلافينا الجزء السابق يكون زيادة قطعاً ، وحينئذ يكون ذلك قبل الهدم من قبيل احتمال تعمّد الزيادة بالتعمّد للهدم ، ومع عدم إمكان الهدم تدخل المسألة في عدم إمكان التلافي ، وتسقط أصالة الاشتغال.

وهذا الإشكال على تقدير تماميته إنّما يؤثّر فيما لو كان الطرف الآخر المقابل مجرى لأصالة البراءة ، كما في المسألتين اللتين نقلناهما عن العروة وكما في فروض الصورة الرابعة ، أو كان مجرى لأصالة الاشتغال في نفس الجزء أيضاً كما في بعض احتمالات الصورة الثالثة ، أمّا لو كان الطرف الآخر هو بطلان الصلاة كما في فروض الصورة الخامسة ، فلا أثر لهذا الإشكال فيه ، لكون ذلك الجزء الذي بيده لغواً على كلّ من التقديرين ، فيجوز هدمه على كلّ حال.

ولكن يهوّن الخطب ، أنّ وجوب العود لتلافي هذه الأجزاء مثل التشهّد والسجدة الواحدة والفاتحة لو نسيها ودخل فيما بعدها ما لم يدخل في ركن منصوص بالخصوص ، ويستفاد من تلك النصوص (١) أنّ تلك الأجزاء لا يسقطها

__________________

(١) هذه النصوص مذكورة في أبواب متفرّقة فراجع وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ، وص ٤٠٤ / أبواب التشهّد ب ٨ ، وكذا راجع وسائل الشيعة ٨ : ٢٤٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦.

٤٩٥

الدخول فيما بعدها إلاّ إذا كان ركناً ، وحينئذ نقول في مثل ما لو علم في حال القيام أو في حال القراءة أنّه قد ترك سجدة إمّا من الركعة السابقة أو من هذه الركعة التي قام عنها ، وانتهت النوبة إلى أصالة الاشتغال ، أنّ المسقط للسجدة من هذه الركعة التي قام عنها منحصر بالاتيان بها ، فلو كان قد نسيها ودخل في القراءة كان الأمر بتلك السجدة باقياً ، لا أنّ العود يكون بأمر جديد كي يمكن الرجوع فيه إلى البراءة ، ولازم بقاء الأمر بتلك الأجزاء عند نسيانها والدخول فيما بعدها هو أنّه لو شكّ في الاتيان بها كان ذلك من قبيل الشكّ في سقوط ذلك الأمر ، ويكون حاله من هذه الجهة حال ما لو كان الشكّ في المحل في كونه مجرى لأصالة الاشتغال بذلك الجزء ، وكما أنّ أصالة الاشتغال فيما لو كان الشكّ في المحل تمنعه من المضي في صلاته قبل الفراغ اليقيني عن ذلك الجزء المشكوك ، فكذلك تمنعه فيما نحن فيه من إتمام الجزء الذي بيده والمضي في صلاته ، فتكون أصالة الاشتغال هي المسوّغة لهدم ذلك الجزء الذي بيده.

بل يمكن أن يقال : إنّه يستفاد من تلك النصوص وجوب هدم الجزء عند نسيان ما قبله ، فتكون حرمة هدمه منحصرة بما إذا كان قد أتى بما قبله ، فعند الشكّ في الاتيان بما قبله نشكّ في حرمة هدمه ووجوبه ، فيدور الأمر فيه بين المحذورين ، وأصالة الاشتغال بالجزء السابق تعيّن عليه اختيار الهدم ، هذا إذا لم يجر استصحاب بقاء وجوب الجزء السابق كما إذا كان الطرف الآخر مجرى البراءة ، وإلاّ كان وجوب الهدم واضحاً ، وليس هذا الاستصحاب راجعاً إلى أصالة عدم الاتيان بالجزء كي يعارضه الطرف [ الآخر ] ، وإنّما هو استصحاب بقاء نفس الوجوب ، وهو إنّما يجري في هذا الطرف دون الطرف الآخر الذي علمنا بسقوط وجوبه إمّا بالاتيان به أو بالدخول في الركن ، فإنّ فرض الكلام فيما حال الركن بينه

٤٩٦

وبين الطرف الآخر الموجب للعلم بعدم بقاء وجوب ذلك الطرف ، واستصحاب بقاء الوجوب فيما لو كان الشكّ في الامتثال وإن [ كان ] ممنوعاً كما حقّق في محلّه (١) ، إلاّ أنّه إذا لم يكن له أثر إلاّمجرّد الحكم بالاشتغال ، والمفروض فيما نحن فيه أنّ له أثراً آخر وهو وجوب هدم الجزء الذي دخل فيه ، وعدم جواز مضيّه في صلاته.

لكن المطلب بعد محل نظر ، فإنّ الحكم بلزوم الهدم بضرس قاطع مع عدم قيام الحجّة على لغوية ذلك الجزء مشكل ، والاعتماد على استصحاب بقاء وجوب الجزء أيضاً مشكل ، وأشكل منهما الحكم بالمضي في صلاته مع فرض جريان قاعدة الاشتغال في الجزء أو استصحاب بقاء وجوبه. ولا يمكن الاحتياط إذ لا يمكن الجمع بين المحذورين ، إذ لا كيفية في البين تكون حاوية للتخلّص من كلا المحذورين ، ولعلّ هذه الجهات من الإشكال تدخل المسألة فيما لا طريق فيه إلى تصحيح الصلاة ، فيحكم ببطلانها ولزوم رفع اليد عنها وإعادتها.

تتمّة : وهي أنّه في صورة التردّد بين كون الفائت ركناً أو غيره ممّا يقضى بعد الصلاة ، لو لم يلتفت المكلّف إلى ذلك إلى أن خرج الوقت ، فبناءً على ما ذكرناه في صورة التذكّر بعد الفراغ وقبل خروج الوقت من سقوط قاعدة الفراغ بالنسبة إلى غير الركن ، ويكون المرجع فيه هو أصالة عدم الاتيان ، وفي الركن هو قاعدة الفراغ ، نقول : في صورة عدم الالتفات إلى ذلك إلاّبعد خروج الوقت ، لو قلنا إنّ قاعدة الحيلولة مختصّة برفع احتمال القضاء ، ولا تجري في الأجزاء المنسية فلا إشكال ، لأنّ المرجع في غير الركن هو أصالة عدم الاتيان ، وفي الركن

__________________

(١) راجع فوائد الأُصول ٤ : ١٢٥ وما بعدها ، وراجع أيضاً حواشي المصنّف قدس‌سره على المطلب في المجلّد الثامن من هذا الكتاب الصفحة : ٢٠٩ وما بعدها.

٤٩٧

قاعدة الحيلولة ، وهي موافقة لقاعدة التجاوز فيه ولأصالة البراءة من قضاء الصلاة ، لكنّها حاكمة عليهما ، وعلى أيّ حال يكون المرجع هو أصالة عدم الاتيان بغير الركن وقاعدة الحيلولة في الركن ، ويتّحد الحكم في هذه المسألة مع مسألة ما لو كان التذكّر في الوقت. وكذلك الحال لو قلنا بشمول القاعدة المزبورة للأجزاء التي تقضى ، لوقوع التعارض في هذه القاعدة بالنسبة إلى الركن وغير الركن ، لكنّها لمّا كانت حاكمة على جميع الأُصول ، كانت ساقطة في المرتبة الأُولى ، وبعد سقوطها في الطرفين يكون المرجع أيضاً هو قاعدة الفراغ في الركن ، وأصالة عدم الاتيان بغير الركن ، فيتّحد الحكم أيضاً ، ولا تجري أصالة البراءة من القضاء بالنسبة إلى الجزء ، لأنّ أصالة عدم الاتيان به في الصلاة يوجب الحكم بلزوم الاتيان به في الوقت وخارجه على حدّ سواء.

وأمّا على مسلك الأُستاذ قدس‌سره من كون المرجع بعد تعارض قاعدة الفراغ في الطرفين وتعارض أصالتي العدم فيهما هو أصالة الاشتغال بالصلاة وأصالة البراءة من قضاء غير الركن ، ففيه تفصيل ، وهو أنّه لو قلنا بجريان قاعدة الحيلولة في الأجزاء التي تقضى ، يحصل التعارض في القاعدة المزبورة الموجب لسقوطها في الرتبة السابقة على تلك الأُصول ، فنبقى نحن وأصالة الاشتغال بالصلاة وأصالة البراءة من قضاء الجزء ، وحيث إنّ أصالة الاشتغال بالصلاة ساقطة بعد خروج الوقت ، وأنّ المرجع في القضاء هو البراءة لكونه بأمر جديد ، يكون أصالة البراءة من قضاء غير الركن معارضاً بأصالة البراءة من قضاء نفس الصلاة ، للعلم الاجمالي بوجوب أحدهما ، فنبقى نحن والعلم الاجمالي ومقتضاه تنجّز كلا الطرفين.

وهكذا الحال لو قلنا بأنّ قاعدة [ الحيلولة ] مختصّة بموارد الشكّ في

٤٩٨

الاتيان بأصل [ الصلاة ] دون موارد الشكّ في أجزائها أو شرائطها أو ركعاتها ، فإنّه بناءً على ذلك يكون الحكم بعد تعارض الأُصول هو الجري على مقتضى العلم الاجمالي.

ولو قلنا بأنّ قاعدة الحيلولة تشمل موارد الشكّ في الصحّة ، لرجوعها إلى الشكّ في الخروج عن عهدة المأمور به في الوقت ، اختصّ جريانها فيما نحن فيه بناحية الركوع ، وحينئذ نقول أوّل ما يقع التعارض بين قاعدة التجاوز في غير الركن وقاعدة الحيلولة في الركن ، وبعد تساقطهما يكون المرجع في غير الركن هو أصالة عدم الاتيان ، وفي الركن قاعدة الفراغ ، لكن لأجل أنّ قاعدة الفراغ في الركن موافقة لقاعدة الحيلولة ، فتسقط بسقوطها بناءً على مسلكه قدس‌سره من سقوط الأُصول المترتّبة المتوافقة من طرف واحد بالمعارضة للأصل في الطرف الآخر ، وحينئذ يكون المرجع في الركن أيضاً هو أصالة عدم الاتيان به في أثناء الصلاة ، وبناءً على تعارض الأُصول الاحرازية وإن كانت مثبتة للتكليف يتساقطان أيضاً ، وأمّا أصالة البراءة من قضاء الجزء فهي معارضة بأصالة البراءة من قضاء الصلاة ، فنبقى أيضاً نحن والعلم الاجمالي ومقتضاه تنجّز كلا الطرفين. ولم أجد من تعرّض لجريان قاعدة الحيلولة في غير الشكّ في أصل الصلاة سوى السيّد قدس‌سره في العروة في الثاني من موارد الشكّ الذي لا عبرة به بعبارة مختصرة ، فراجع (١).

تذييل : لو كان في حال الركوع وعلم بأنّه قد فاته من الركعة السابقة إمّا ركوع أو سجدة واحدة أو تشهّد ، فبناءً على ما ذكرناه من سقوط قاعدة التجاوز في غير الركن لأجل الطولية ، لا إشكال في أنّ عليه قضاء السجدة والتشهّد من دون إعادة ، لأصالة عدم الاتيان بهما مع جريان قاعدة التجاوز في الركوع.

__________________

(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ٣ : ٣٠٦.

٤٩٩

وكذلك بناءً على سقوط القاعدة في غير الركن لأجل العلم بعدم امتثال أمره ، فإنّ جريان قاعدة التجاوز في غير الركن وإن لم يمنع منها العلم بعدم امتثال كلّ من السجدة والتشهّد ، إذ لا علم للمكلّف بذلك ، لجواز كون المتروك هو أحدهما ، لكن لمّا كان يعلم بأنّه لم يمتثل الأمر في واحد منهما لا على التعيين ، لأنّه إن كان قد ترك الركوع كان كل منهما باطلاً ، وإن لم يكن قد ترك الركوع كان المتروك هو أحدهما ، فهو يعلم أنّ أحدهما لم يمتثل أمره ، وحينئذ لا يمكنه إجراء قاعدة التجاوز في كلّ منهما لأجل هذا العلم الاجمالي المردّد بينهما ، وتكون قاعدة التجاوز في الركوع جارية بلا معارض ، ولا يعقل أن تكون ساقطة بسقوطها فيهما ، لأنّ المعارض لقاعدة التجاوز في الركوع ليس هو خصوص قاعدة التجاوز في السجدة أو في التشهّد ليكون التعارض والتساقط حاصلاً بين الجميع ، لوضوح إمكان الجمع بين قاعدة التجاوز في السجدة وقاعدة التجاوز في الركوع ، لجواز أن يكون المتروك هو التشهّد ، وهكذا الحال في العكس ، بل إنّ المعارض لقاعدة التجاوز في الركوع هو مجموع القاعدتين فيهما ، ولمّا ابتلي كلّ منهما بمعارضة الأُخرى ، لم يكونا صالحين لمعارضة القاعدة في الركوع ، ويكون المرجع في الركوع هو القاعدة المزبورة وفيهما هو أصالة عدم الاتيان ، فيلزمه الاتيان بهما وسجود السهو من دون إعادة.

نعم ، بناءً على تعارض الأُصول الاحرازية لا يمكن إجراء أصالة عدم الاتيان فيهما ، للعلم بأنّه قد أتى بأحدهما ، لأنّ المفروض إنّما هو علمه بأنّه قد ترك أحد الثلاثة ، فالمتروك واحد ، فلا يمكن إحراز الترك في كلّ من السجدة والتشهّد ، وحينئذ يكون المرجع فيهما هو أصالة البراءة من لزوم القضاء وسجود السهو ، فتقع المعارضة بينهما وبين قاعدة التجاوز في الركوع ، وبعد التساقط

٥٠٠