أصول الفقه - ج ٧

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٧

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-72-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٩٢

بما بقي من أثر قاعدة الفراغ ، لم يترتّب عليه إلاّنفي الأثر الأوّل ، وفي نفي هذا الأثر تقع المعارضة بينه وبين استصحاب عدم الاتيان بالجزء غير الركني. هذا غاية توضيح ما أفاده قدس‌سره.

ولكنّ فيه مواقع لم أتوفّق لفهمها :

الأوّل : ما أُفيد من أثري قاعدة الفراغ في الجزء الركني ، فإنّ الظاهر أنّ أثرها ينحصر بصحّة الصلاة وإن كان ذلك بلسان البناء على الاتيان بالركن ، فإنّ المراد به هو البناء على الاتيان به من حيث الحكم بصحّة الصلاة ، وإلاّ فإنّ قاعدة التجاوز والفراغ لا تثبت الاتيان بالمشكوك ، كما ذكره قدس‌سره في مسألة الشكّ في فعل الوضوء بعد الفراغ من الصلاة ، فإنّ قاعدة الفراغ وإن حكمت بصحّة الصلاة ، إلاّ أنّها لا يترتّب عليها الاتيان بالوضوء على وجه لا يحتاج إلى الوضوء بالنسبة إلى الصلوات اللاحقة ، خلافاً لمن حكم بعدم الحاجة إليه في ذلك.

وبالجملة : أنّ أثر قاعدة الفراغ ينحصر بالحكم بصحّة الصلاة ، كما لو كان المشكوك من قبيل الركن الذي لا يجري فيه حديث « لا تعاد » (١) ، أو بعدم لزوم قضاء المشكوك أو عدم لزوم سجدتي السهو ، كما في الأجزاء التي يكون أثر نسيانها هو قضاءها بعد الصلاة أو سجود السهو. وعلى أيٍّ هي لا تكون مثبتة للمشكوك على وجه يحكم بحصوله وسقوط أمره.

الثاني : أنّا لو سلّمنا أنّ قاعدة الفراغ مثبتة للجزء المنسي مع إثباتها صحّة الصلاة ، فإنّما يكون ذلك في مثل الشكّ المزبور ، أعني الشكّ في الاتيان بالوضوء بعد الفراغ من الصلاة ، فإنّه يترتّب على الاتيان بالوضوء أثر عملي ، وهو ما ذكرناه من عدم لزوم الوضوء للصلوات الآتية ، أمّا فيما نحن فيه من الشكّ في الاتيان

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٥.

٤٦١

بالركن فلا يمكن فيه ذلك ، لعدم الأثر العملي المترتّب على الاتيان بالركن وعدم الاتيان به إلاّصحّة الصلاة وفسادها ، فلا يكون للحكم بالاتيان بالركن أثر عملي إلاّ أثر واحد ، وهو الحكم بصحّة الصلاة وعدم لزوم إعادتها.

ومنه يعلم أنّ التوضيح الذي ذكرناه لما أفاده قدس‌سره في تعارض الاستصحابين غير متّضح ، فإنّ أصالة عدم الاتيان بالركن بعد أن فرضنا أنّها لا يترتّب عليها بطلان الصلاة ، لا يبقى لها أثر عملي ، فلا محصّل للحكم بعدم الاتيان بالركن بعد أن لم يترتّب عليها الحكم ببطلان الصلاة.

الثالث : أنّا لو سلّمنا تعدّد الأثر لقاعدة الفراغ في الجزء الركني ، وهما الاتيان بالركن وصحّة الصلاة ، وأغضينا النظر عن أنّ الحكم الأوّل وهو الاتيان بالركن لا يترتّب عليه أثر عملي ، لكان هناك إشكال آخر يوجب الطولية بين القاعدتين حتّى بالنسبة إلى الأثر الأوّل لقاعدة الفراغ في الركن ، فإنّ أثرها الثاني وهو صحّة الصلاة إن كان في طول أثرها الأوّل وهو الاتيان بالركن كما هو الظاهر ، كانت قاعدة الفراغ في غير الركن متأخّرة عن القاعدة في الركن بمرتبتين ، لأنّ المفروض أنّها متأخّرة عن الأثر الثاني للقاعدة المزبورة ، وهو ـ أعني الأثر الثاني ـ متأخّر عن الأثر الأوّل.

وإن كان الأثر الثاني للقاعدة في الركن في عرض أثرها الأوّل ، كانت قاعدة الفراغ في غير الركن متأخّرة عن القاعدة في الركن بمرتبة واحدة ، لأنّ المفروض أنّ القاعدة في غير الركن متأخّرة رتبة عن الأثر الثاني للقاعدة في الركن ، وهو ـ أعني الأثر الثاني ـ لمّا كان في عرض الأثر الأوّل ، فقهراً تكون القاعدة في غير الركن متأخّرة عن الأثر الأوّل في الركن ، وإذا تنقّح لك تأخّر القاعدة في غير الركن عن الأثر الأوّل في القاعدة في الركن ، يتّضح لك عدم صلاحيتها لمعارضتها ،

٤٦٢

فيكون إشكال عدم المعارضة باقياً بحاله.

ولا يدفعه ما أُفيد من تعدّد الأثر. أمّا على الأوّل ـ أعني كون الأثر الثاني في طول الأثر الأوّل ـ فلأنّ ما هو متأخّر عن المتأخّر عن الشيء متأخّر عنه بدرجتين. وأمّا على الثاني ـ أعني كون الأثرين في عرض واحد ـ فلأنّ ما هو متأخّر عمّا هو في عرض الشيء متأخّر عن ذلك الشيء برتبة واحدة. وعلى أي حال ، لا تكون قاعدة الفراغ في غير الركن واقعة في عرض قاعدة الفراغ في الركن ولو بالقياس إلى أثرها الأوّل كي تكون صالحة لمعارضتها.

الرابع : أنا لو أغضينا النظر عن جميع ما تقدّم ، لقلنا إنّ ما أُفيد من أنّ الأثر الثاني أجنبي عن معارضة القاعدتين غير نافع ، فإنّ الأثر الثاني وهو الحكم بصحّة الصلاة لا يجتمع مع الحكم بالاتيان بغير الركن الذي هو مفاد القاعدة في غير الركن ، وهي ـ أعني القاعدة في غير الركن ـ وإن لم تصلح لمعارضة الأثر الثاني في القاعدة في الركن وهو صحّة الصلاة ، لتأخّرها عن ذلك الأثر ، إلاّ أنّ المخالفة القطعية للعلم الاجمالي المردّد بين بطلان الصلاة وعدم الاتيان بالجزء غير الركني ، مانعة من جريان القاعدة في غير الركن ، مع فرض الحكم بصحّة الصلاة استناداً إلى القاعدة في الركن ، فتكون قاعدة الفراغ في غير الركن ساقطة من أجل هذه الجهة وإن لم يكن ذلك موجباً لسقوط الأثر الثاني لقاعدة التجاوز في الركن لكونه سابقاً في الرتبة على قاعدة التجاوز في غير الركن ، فلا تصلح لمعارضة الأثر الأوّل في الركن ، وإن قلنا إنّها معه في رتبة واحدة.

الخامس : ما أفاده قدس‌سره من أنّه بعد سقوط القاعدتين والاستصحابين ، يكون المرجع هو أصالة الاشتغال في ناحية الركن وأصالة البراءة في ناحية غير الركن ، لا يتمشّى مع [ ما ] أفاده قدس‌سره من بقاء الأثر الثاني لقاعدة الفراغ في الركن وهو صحّة

٤٦٣

الصلاة ، فإنّ هذا الأثر وهو الحكم بصحّة الصلاة يكون حاكماً على أصالة الاشتغال ، ولا يمكن إصلاحه بأنّ هذا الأثر يكون ساقطاً في هذه المرحلة بالمعارضة مع أصالة البراءة الجارية في هذه المرحلة في ناحية غير الركن ، لأنّ ذلك منافٍ لما أفاده من الانحلال والرجوع إلى كلّ من أصالة الاشتغال وأصالة البراءة ، فإنّه بناءً على التعارض المذكور لا يبقى في المسألة إلاّ أصالة الاشتغال في ناحية الركن ، وتبقى ناحية غير الركن بلا أصل ، وحينئذ يشكل الانحلال ، فإنّ جريان الأصل المثبت للتكليف في أحد الطرفين لا يوجب انحلال العلم الاجمالي ما لم يكن الطرف الآخر مجرى للأصل النافي ، هذا.

مضافاً إلى أنّ مبناه قدس‌سره على سقوط الأُصول المترتّبة المتوافقة في طرف واحد إذا كانت معارضة للأصل في الطرف [ الآخر ] ، فإنّ مقتضى هذا المبنى هو سقوط أصالة البراءة في غير الركن بسقوط قاعدة الفراغ فيه ، كما في الاناءين اللذين يكون أحدهما مجرى لاستصحاب الطهارة والآخر مجرى لقاعدتها ، فإنّه قدس‌سره قد التزم بسقوط قاعدة الطهارة فيما هو مستصحبها بسقوط الاستصحاب المزبور ، ولأجل ذلك أشكل على من يتمسّك فيما نحن فيه بأصالة الصحّة ، بأنّ أصل الصحّة لو سلّم اعتباره في باب الصلاة فهو ساقط بسقوط قاعدة الفراغ في ناحية الركن.

السادس : أنّ ما أفاده قدس‌سره من كفاية الصحّة التقديرية في إجراء قاعدة الفراغ في غير الركن لم يتّضح المراد منه ، فإنّه إن كان المراد هو إجراء القاعدة على تقدير الصحّة ، ففيه ما لا يخفى ، لأنّه على فرض الصحّة يكون عدم الاتيان بغير الركن مقطوعاً به. وإن كان المراد أنّه يكفي فرض الصحّة ، ففيه ما لا يخفى ، حيث إنّ فرض الصحّة لا يصحّح جريان قاعدة الفراغ ، إذ لا يكون حينئذ جريانها منجّزاً ،

٤٦٤

فلا يكون إلاّتقديرياً ، فلا يصلح لمعارضة قاعدة الفراغ في الركن.

نعم ، يمكن أن يكون المراد هو أنّ الصحّة غير معتبرة في قاعدة الفراغ في غير الركن ، إذ ليس محصّل هذه القاعدة إلاّنفي الشكّ في الاتيان بالجزء.

وفيه أوّلاً : المنع من عدم اعتبار الصحّة في ذلك. وثانياً : أنّه لو تمّ فإنّما يدفع إشكال الطولية ، أمّا الإشكال الآتي الذي محصّله هو عدم جريان القاعدة في غير الركن للعلم بعدم الخروج عن عهدته ، فلا يدفعه عدم اعتبار الصحّة في موضوع قاعدة الفراغ ، فتأمّل فإنّه يمكن الجواب عن الإشكالين ، بأنّ الوظائف المقرّرة للشكّ في الشيء إنّما تتعرّض لنفس جهة الشكّ دون ما قارنه من شكّ آخر ، فلا تكون إلاّحكماً حيثياً ، فلا يكون حاصل القاعدة في غير الركن إلاّسدّ باب احتمال عدم الاتيان به ، أمّا احتمال عدم الاتيان بالركن فله وظيفة أُخرى تسدّ باب احتمال عدم الاتيان به ، وليس العلم بأنّه لم يمتثل الأمر المتعلّق بغير الركن إلاّ مجموعة ذينك الاحتمالين.

وقد يقرّب القول الثالث بتقريبات أُخر غير ما تقدّم من سقوط قاعدة الفراغ في غير الركن بالطولية :

منها : سقوط قاعدة الفراغ في غير الركن ، من جهة العلم بأنّه لم يمتثل الأمر المتعلّق بذلك الجزء غير الركني ، فإنّه إن كان هو المتروك فواضح ، وإن كان المتروك هو الركن فلأنّه أيضاً لم يمتثل الأمر بغير الركن في ضمن عدم امتثال الأمر بالصلاة ، لأنّ المفروض حينئذ بطلانها ، فلو دار الأمر بعد الفراغ من الصلاة بين كون المتروك هو السجدة أو الركوع ، لا يمكن الحكم عليه بأنّك قد أتيت بالسجدة الذي هو مقتضى قاعدة الفراغ فيها ، وذلك للعلم الاجمالي بأنّه لم يمتثل الأمر المتعلّق بالسجدة ، إمّا لفساد الصلاة إن كان المتروك هو الركوع ، وإن كان

٤٦٥

المتروك غيره لم تكن السجدة مأتياً بها. وعلى أيّ حال لا يصحّ أن يتوجّه إليه الحكم الشرعي بأنّك قد أتيت بالسجدة ، للعلم بأنّه لم يمتثل أمرها المتعلّق بها ، إمّا لبطلان الصلاة أو لأنّه لم يأت بالسجدة نفسها.

وكيفية تقريب هذا الوجه في مسألة من فاتته سجدتان وتردّد بين كونهما من ركعتين أو من ركعة واحدة ، هو أن يقال : إنّه لمّا علم بعدم سقوط الأمر بالسجدة الثانية من الركعتين ، لم تجر فيهما قاعدة الفراغ ، وبالنسبة إلى أصل وجود السجود في كلّ ركعة تجري قاعدة الفراغ ، فلا يلزمه إلاّقضاء سجدتين مع سجودي سهو لكلّ منهما.

ويمكن الجواب عن هذا التقريب : بأنّه إن كان مرجع الإشكال في الحكم بأنّك أتيت بالجزء غير الركني إلى أنّ شرطه وهو صحّة الصلاة غير محرز ، فهو راجع إلى التقريب السابق وهو إشكال الطولية ، وإن كان راجعاً إلى العلم بوجوب ذلك الجزء غير الركني إمّا وحده أو في ضمن الأمر بالاعادة ، ففيه أنّ ذلك ليس من قبيل العلم التفصيلي بوجوب السجدة والشكّ في الزائد ، إذ ليس ذلك من قبيل الأقل والأكثر ، بل هو من قبيل التردّد بين المتباينين ، لأنّ حاصل ذلك العلم هو العلم بوجوب السجدة إمّا وحدها وإمّا في ضمن الأمر بالصلاة بأن يعيدها ، فيكون ذلك من قبيل التردّد في وجوب السجدة بين كونها بشرط لا أو كونها بشرط شيء ، ومن الواضح أنّهما من قبيل المتباينين. وبالجملة : أنّ الأمر دائر بين وجوب قضاء السجدة وبين بقاء الأمر بالصلاة لبطلانها ، وهما متباينان.

وإن شئت فقل : إنّ العلم بأنّه لم يمتثل الأمر المتعلّق بالسجدة إمّا لبطلان الصلاة أو لنسيان نفس السجدة ، لا يكون مانعاً من جريان قاعدة الفراغ في السجدة والحكم عليه بأنّك أتيت بها وامتثلت أمرها بعد نفي احتمال البطلان

٤٦٦

بقاعدة الفراغ في الركوع. هذا ما استفدته منه قدس‌سره في الدروس الفقهية.

ولكن يمكن الخدشة في الجواب المذكور : بأنّه ليس الغرض من هذا الإشكال هو الانحلال كي يتوجّه عليه أنّه لا معنى للانحلال هنا ، بل إنّ الغرض من هذا الإشكال هو أنّه بعد العلم بأنّه لم يسقط عنه الأمر بالسجدة كيف يمكن أن يتوجّه إليه الحكم بأنّك قد فرغت منها الذي هو معنى قاعدة الفراغ أو التجاوز ، ومن الواضح أنّ هذه جهة أُخرى في الإشكال على جريان القاعدة في غير الركن ، وهي لا دخل لها بإشكال الطولية ، لتحقّق العلم المزبور حتّى مع فرض جريان القاعدة في الركن.

ولا يخفى أنّ هذه الجهة من الإشكال لو تمّت لم يمكن دفعها بمنع الطولية ، ولا بما أفاده قدس‌سره أوّلاً من كفاية الصحّة التقديرية في جريان قاعدة الفراغ في غير الركن. نعم لو تمّت هذه الجهة لكان مقتضاها عدم إمكان جريان أصالة عدم الاتيان بغير الركن ، إذ لا محصّل للحكم عليه تعبّداً بأنّك لم تأت بالجزء غير الركني مع علمه التفصيلي بأنّه لم يمتثل أمره ، اللهمّ إلاّ أن يفرّق بينه وبين القاعدة بأنّ القاعدة لمّا كان لسانها لسان الاتيان لم تجتمع مع العلم بعدم الامتثال ، بخلاف الأصل المذكور فتأمّل ، هذا.

ولكن الظاهر أنّ أرباب هذا القول لا يجرون الأصل في طرف غير الركن أيّ أصل كان ، بل يكتفون في ترتيب الأثر على تركه بمجرّد قاعدة التجاوز في الركن. قال الأُستاذ المحقّق العراقي قدس‌سره في فروع العلم الاجمالي (١) : إذا علم بعد الدخول في الركن من السجدة الثانية على المختار أو الأُولى على المشهور ، بفوت جزء آخر مردّد بين الركن وغيره ، فلا شبهة في أنّ قاعدة التجاوز عن غير الركن غير

__________________

(١) الذي طبع بعد وفاته [ منه قدس‌سره ].

٤٦٧

جارية ، للجزم بعدم كونه مأتياً على وفق أمره ، وتبقى قاعدة التجاوز في الركن بلا معارض ، ومن آثارها وجوب قضاء الفائت إن كان له قضاء وإلاّ فسجدتي السهو محضاً ، لأنّهما لكلّ زيادة ونقيصة في صلاة صحيحة الخ (١).

وقال في ص ٣٠ فرع يط : لو علم إجمالاً بفوت السجدتين مجموعاً ، إمّا من السابقة أو هذه الركعة التي بيده ، فإن كان قبل فوت محلّهما الشكّي فلا إشكال أيضاً في جريان قاعدة التجاوز في الأُولى دون الأخيرة ، للجزم أيضاً بعدم إتيانهما على وفق أمرهما ، فيرفع احتمال عدم وجوبهما من جهة احتمال بطلان الصلاة بقاعدة التجاوز عن الأُولى ، فيجب إتيان السجدتين في محلّهما بمقتضى القاعدة الجارية في الأُولى الخ (٢). وإن شئت فلاحظه في ص ٢٨ وص ٢٩ وص ٣٥ وفي ص ٩٨ (٣).

وإنّما ارتكبوا هذه الخطة من الاكتفاء بقاعدة التجاوز عن الأصل الجاري في غير الركن ، فجعلوا قاعدة التجاوز في الركن مثبتة للتكليف في ناحية غير الركن ، فراراً عن أصلهم الذي بنوا عليه من كون العلم الاجمالي مانعاً من إجراء الأصل النافي في بعض الأطراف ، فهم يقولون إنّ المكلّف يعلم إجمالاً بأنّه يجب عليه امتثال الأمر بغير الركن ، إمّا وحده وإمّا مع تمام باقي الأجزاء ، وقاعدة الفراغ أو التجاوز في الركن تعيّن الأوّل.

ولا يخفى أنّه مع قطع النظر عن كلّ شيء ، من كون إثبات الاتيان بالركن لا يوجب إثبات عدم الاتيان بغير الركن كي يقال إنّ ذلك من آثاره الشرعية ، وغير

__________________

(١) روائع الأمالي في فروع العلم الاجمالي : ٣٧ / ٢٠.

(٢) روائع الأمالي في فروع العلم الاجمالي : ٣٦ / ١٩.

(٣) المصدر السابق : ٣٤ ـ ٣٥ و ٤١ و ١١٠ ـ ١١١.

٤٦٨

ذلك ممّا يرد على هذه التمحّلات ، أنّ هذه التمحّلات لا تأتي في قضاء السجدة ، لأنّها واجب مستقل بوجوب جديد. ولو أُغضي النظر عن القضاء بأن لم يكن الجزء غير الركني ممّا يقضى بل ممّا له سجود السهو فقط ، ولأجل ذلك حوّروا العبارة المذكورة إلى أنّ علم المكلّف بأنّه لم يمتثل أمر الجزء غير الركني المردّد بين كون منشئه هو البطلان أو أنّه مجرّد عدم الاتيان ، منحلّ بواسطة قاعدة التجاوز في الركن ، لأنّها تعيّن كون منشئه هو الثاني.

وهناك أمر آخر يلجئهم إلى هذا التمحّل ، وهو أنّ السجدة في مثل الفرع المزبور كما لا يمكن إجراء قاعدة التجاوز فيها ، لما قرّروه من العلم بعدم امتثال أمرها ، فكذلك لا يمكن إجراء أصالة عدم الاتيان فيها ، لأنّ العلم بعدم امتثال أمرها يمنع من التعبّد بعدم الاتيان بها ، وحينئذ لو لم تكن قاعدة التجاوز في الركن حاكمة بلزوم قضاء السجدة وسجود السهو لها ، بقيت بلا أصل ، ويكون ذلك أحد الموارد التي يكون فيها الأصل النافي جارياً في بعض الأطراف مع كون الطرف الآخر بلا أصل ، نظير ما أشكلوا به على شيخنا قدس‌سره من الاناءين اللذين يكون أحدهما مورداً لاستصحاب الطهارة والآخر مورداً لقاعدة الطهارة ، ويكون لزوم الاتيان بقضاء السجدة وسجود السهو من باب عدم المؤمّن من وجوبهما لا من جهة أصل يقتضي ذلك حتّى أصالة الاشتغال ، وعدم لزوم الاعادة من جهة قاعدة التجاوز في الركن التي هي أصل نافٍ في مورد العلم الاجمالي ، وهذا أمر يستنكرونه ، بل إنّ شيخنا قدس‌سره القائل بامكان الترخيص في بعض أطراف العلم الاجمالي يستنكره ، حتّى أنّه قدس‌سره احتاج إلى ذلك التمحّل في دفع النقض المذكور.

وحينئذ فإن رجعوا في ناحية احتمال ترك السجدة إلى أصالة البراءة من قضائها وسجود السهو ، وجمعوا بينها وبين قاعدة التجاوز في الركن ، كانت

٤٦٩

النتيجة هي عدم وجوب شيء على ذلك المكلّف ، فيقع في المخالفة القطعية ، وإن أوقعوا المعارضة بينهما تساقطا ، وكان المرجع هو أصالة عدم الاتيان بالركن أو الاشتغال ، فيلزمه الاعادة ، وربما نقول أيضاً بلزوم قضاء السجدة وسجود السهو ، لما عرفت من عدم المؤمّن من احتمال وجوبهما عليه.

وعلى كلّ حال ، يكون ذلك مخالفاً لما يرومونه من الحكم عليه بلزوم القضاء وسجود السهو فقط من دون إعادة الصلاة ، فلأجل ذلك التجأوا إلى ذلك التمحّل ، وجعلوا قاعدة الفراغ من الركن حاكمة بوجوب قضاء السجدة وسجود السهو ، بدعوى أنّ ذلك من آثارها ، فراجع كلماتهم وتأمّل فيها ، خصوصاً ما أفاده الأُستاذ المحقّق العراقي قدس‌سره في القاعدة التي حرّرها بعد فروع العلم الاجمالي (١).

أمّا أصل المطلب ، وهو عدم جريان قاعدة التجاوز في غير الركن من جهة العلم بأنّه لم يمتثل أمره ، فيمكن الجواب بما أشرنا إليه وحرّرناه في بعض ما حرّرناه في هذه المسألة ، من أنّ الأُصول إنّما تجري في بعض أطراف العلم الاجمالي بفرضه شبهة بدوية ، وأنّ ما يتضمّنه الأصل في كلّ واحد من الطرفين إنّما هو حكم حيثيتي ، وأنّه سادّ لذلك الاحتمال الموجود في نفس ذلك الطرف ، من دون تعرّض لحال الاحتمال في الطرف الآخر ، ولأجل ذلك لو كان كلّ من الركن وغيره شبهة بدوية ، بأن احتمل ترك الركوع واحتمل ترك التشهّد كلاً على حدة ، بأن كان يحتمل تركهما معاً ويحتمل فعلهما معاً ويحتمل فعل أحدهما وترك الآخر ، فقاعدة التجاوز الجارية في التشهّد لا تتعرّض لأزيد من سدّ باب احتمال تركه ، ولا تتعرّض لنفي احتمال ترك الركن ، وأنّه يجوز أن يكون قد ترك الركن وقد أتى بالتشهّد ، فإنّ ذلك وإن كان محتملاً إلاّ أنّ قاعدة التجاوز في التشهّد

__________________

(١) روائع الأمالي في فروع العلم الاجمالي : ١١٠ ـ ١١١.

٤٧٠

لا تتعرّض لنفيه ولا لإثباته ، وإنّما تتعرّض لذلك قاعدة التجاوز في الركن ، غايته أنّه في المثال لمّا أمكن الجمع بينهما لم يقع بينهما التعارض ، بخلاف ما نحن فيه فإنّ كلاً من القاعدتين فيه متعرّضة لسدّ احتمال العدم في موردها ، غايته أنّه لا يمكن الجمع بينهما ، فيقع التعارض بينهما والتساقط.

ثمّ لا يخفى أنّه لو علم بعد الفراغ إمّا أنّه قد ترك الركوع والتشهّد أو التشهّد وحده ، فهو الآن يعلم إجمالاً بوجوب الاعادة أو قضاء التشهّد وسجود السهو ، وليسا من قبيل الأقل والأكثر ، بل هما متباينان موضوعاً وأثراً ، أمّا موضوعاً فلتردّد المتروك بين كونه هو التشهّد وحده وبشرط لا ، وكونه هو التشهّد مع الركوع وبشرط شيء ، والمباينة بينهما واضحة لا تخفى ، وأمّا أثراً ، فلأنّ أثر الثاني هو بقاء الأمر بالصلاة لبطلانها ، فيكون اللازم إعادتها ، وأثر الأوّل هو قضاء التشهّد وسجود السهو ، والتشهّد وحده وإن لم يكن مورداً لكلّ من قاعدة التجاوز وأصالة العدم ، للعلم بعدم الاتيان به ، إلاّ أنّه مورد لأصالة البراءة من القضاء وسجود السهو ، للشكّ في إحراز موضوع هذا الحكم وهو فوت التشهّد وحده ، وحينئذ تكون البراءة المذكورة معارضة لقاعدة التجاوز في فوت الركوع ، وهذه القاعدة لا تكون مثبتة لفوت التشهّد وحده لتكون حاكمة على أصالة البراءة المذكورة ، وبعد تحقّق المعارضة والتساقط بينهما يكون المرجع هو أصالة الاشتغال بالصلاة ، أو أصالة عدم الاتيان بالركوع ، ومقتضاه الاعادة ، ويبقى احتمال وجوب قضاء التشهّد وسجود السهو بلا مؤمّن ، فيلزم الاتيان به. ومنه يظهر لك الحال فيما نحن فيه بعد تسليم سقوط قاعدة التجاوز وأصالة عدم الاتيان بغير الركن.

أمّا دعوى كون قاعدة التجاوز في الركن مثبتة لوجوب قضاء غير الركن وسجود السهو له ، لتكون هي المرجع الوحيد في المسألة ، فلم أتحقّقه ، بل لم

٤٧١

أتعقّل وجهه ، إذ ليس له إلاّما أفاده في ذيل فروع العلم الاجمالي من قوله : وحينئذ لا يكون احتمال عدم وجوب القضاء مستنداً باحتمال وجود الفعل على وفق طلبه ، لفرض الجزم بعدمه ، فلا جرم يستند إلى فساد الصلاة من جهة احتمال فوت الركن ، فقاعدة التجاوز عن الركن تثبت الصحّة ، ويرفع احتمال فسادها المستتبع لعدم وجوب قضاء السجدة ، فتجب السجدة أو القضاء ، لأنّ شأن الأصل قلب نقيض الأثر بنقيض موضوعه الثابت بمثله الخ (١).

وحاصله : هو أنّ احتمال وجوب قضاء السجدة ناشٍ عن احتمال عدم الاتيان بها وحدها ، وعدم وجوبها ناشٍ في المقام عن ترك الركن وبطلان الصلاة ، إذ لا منشأ في المقام للحكم بعدم وجوب قضاء السجدة إلاّهذا الاحتمال ، أعني بطلان الصلاة ، إذ لا يحتمل أن يكون ذلك ناشئاً عن الاتيان بالسجدة في المثال الذي ذكرناه ، أو عن الاتيان بها على وفق أمرها فيما نحن فيه ، وإذا تحقّق أنّه لا وجه في المقام لعدم وجوب قضاء السجدة إلاّ احتمال بطلان الصلاة ، فقاعدة التجاوز في الركن تنفي هذا الاحتمال ، فتكون حينئذ رافعة لاحتمال عدم وجوب قضاء السجدة ، وإذا ارتفع عدم وجوب قضائها بواسطة القاعدة المذكورة ثبت وجوب قضائها ، لأنّ الأصل الرافع لنقيض الأثر يكون مثبتاً للنقيض الآخر ، لما حقّق في محلّه من الاكتفاء في جريان الأصل أن يكون بحيث يترتّب عليه نقيض الأثر الشرعي ، هذا حاصل ما أفاده في هذه العبارة حسبما فهمته منها.

وفيه تأمّل ، أمّا أوّلاً : فلأنّ الأثر الشرعي المترتّب على الاتيان بالركن الذي هو مفاد قاعدة التجاوز ، ليس هو عدم البطلان لأنّه عقلي ، كما أنّ البطلان أثر عقلي لعدم الاتيان به ، بل ليس الأثر الشرعي للتعبّد بأنّك أتيت بالركن الذي هو

__________________

(١) روائع الأمالي في فروع العلم الاجمالي : ١١١.

٤٧٢

مفاد قاعدة التجاوز إلاّ البدلية الظاهرية والاكتفاء الظاهري بذلك الموجود ، ولأجل ذلك نقول إنّ قاعدة التجاوز حاكمة على أدلّة الأجزاء حكومة ظاهرية ، وأين هذا الأثر من رفع عدم وجوب قضاء الطرف الآخر الذي هو السجدة فضلاً عن الحكم بوجوب قضاء ذلك الطرف.

وأمّا ثانياً : فلأنّا لو سلّمنا أنّ البطلان أثر شرعي لعدم الاتيان بالركن والصحّة ، وعدم البطلان أثر شرعي للاتيان بالركن ، لم يكن رفع عدم وجوب قضاء الطرف الآخر أو الحكم بوجوبه ممّا يترتّب شرعاً على صحّة الصلاة ، بل هو من لوازمه القهرية في المقام ، فإنّ وجوب القضاء وعدمه في المقام وإن كان في حدّ نفسه حكماً شرعياً ، إلاّ أنّه ليس موضوعه الشرعي هو الصحّة وعدم بطلان الصلاة كي يكون التعبّد بالصحّة وبعدم الفساد تعبّداً برفع عدم ذلك الوجوب ، لكي يؤول إلى التعبّد بنفس الوجوب المذكور ، بل إنّ الموضوع الشرعي لذلك الوجوب هو ترك الجزء ـ أعني السجدة ـ في محلّه ، فيكون عدم ذلك الوجوب مترتّباً على عدم ذلك الترك ، وعدم ذلك الترك في المقام ملازم اتّفاقاً مع البطلان.

وأمّا ثالثاً : فلأنّا لو سلّمنا جميع ذلك ، فليس المقام من قبيل ما حقّق في محلّه من كفاية ترتّب نقيض الأثر الشرعي على جريان الأصل ، بل هو من قبيل رفع نقيض الوجوب الذي هو أثر شرعي ليترتّب عليه نفس الوجوب ، فإنّ المرتفع بالصحّة الثابتة بقاعدة الفراغ هو عدم الوجوب ، ونريد أن ننتقل من رفع عدم الوجوب إلى إثبات الوجوب نفسه.

وأمّا رابعاً : فلأنّ عدم وجوب قضاء السجدة المستند إلى فساد الصلاة لا يكون إلاّمن قبيل السالبة بانتفاء الموضوع ، لما عرفت من أنّ موضوع الوجوب إنّما هو ترك السجدة ، فيكون عدمه في حال بطلان الصلاة من قبيل السالبة بانتفاء

٤٧٣

الموضوع ، فلا يمكن أن يكون رفع ذلك العدم الذي هو عبارة عن السالبة بانتفاء الموضوع محقّقاً لنفس مفاد القضية الموجبة أعني وجوب القضاء ، إذ ليس ذلك إلاّ من قبيل كون رفع عدم قيام زيد الثابت قبل وجوده محقّقاً لثبوت قيامه ، فتأمّل.

وإن شئت فقل : إنّ عدم وجوب قضاء السجدة ليس من آثار فساد الصلاة ، لأنّ الصلاة الفاسدة لا مورد ولا محلّ فيها لوجوب قضاء السجدة ولا لعدم وجوبها ، إذ لا يتقابلان في الصلاة الفاسدة ، ولا يكون قولنا إنّ الصلاة الفاسدة لا يجب فيها قضاء السجدة أو سجود السهو إلاّمن قبيل قولنا للجدار إنّه ليس بأعمى ، ولا يكون ذلك إلاّمن قبيل السالبة بانتفاء الموضوع التي لا محصّل لها في الأحكام الشرعية ، فكما أنّ الشارع لم يجعل وجوب قضاء السجدة للصلاة الفاسدة التي أتى المكلّف بجميع سجداتها ، فهو أيضاً لم يجعل عدم ذلك الوجوب لها ، لانتفاء الموضوع في كلّ من الحكمين ، بل لا يكون انتفاء الوجوب في مورد فساد تلك الصلاة إلاّعقلياً من باب اتّفاق مقارنة فساد تلك الصلاة لعدم تحقّق موضوع قضاء السجدة ، وكما لا يتحقّق موضوعه في تلك الصلاة ، فكذلك لا يتحقّق موضوع عدمه فيها ، وليس قولنا إنّ الشارع لم يجعل وجوب قضاء السجدة لتلك الصلاة ، إلاّكقولنا إنّ الشارع لم يجعل لها وجوب قضاء تشهّدها.

ولو كان ذلك العدم من آثار تلك الصلاة ، لكان لازم ذلك هو أنّه لو جرت قاعدة التجاوز في الركوع في الفرض المزبور ، كان مقتضاه هو وجوب قضاء التشهّد مضافاً إلى قضاء السجدة ، لأنّ المفروض أنّ عدم وجوب كلّ منهما من آثار فساد الصلاة ، فإذا حكم الشارع بنفي الفساد كان لازمه هو ثبوت كلّ منهما ، بل لازم ذلك أنّه لو كان كلّ من الركوع والسجدة مشكوكاً بالشكّ البدوي ، هو أن تكون قاعدة التجاوز في الركوع حاكمة على قاعدة التجاوز في السجدة ، لأنّ

٤٧٤

المفروض هو أنّ عدم وجوب قضاء السجدة من آثار فساد الصلاة بترك الركوع ، وأنّه إذا نفى الشارع فساد الصلاة ، فقد نفى عدم وجوب قضاء السجدة ، وأنّ مقتضى نفي عدم وجوب قضاء السجدة هو إثبات وجوب قضائها.

ثمّ لو سلّمنا أنّ عدم وجوب قضاء السجدة من آثار فساد الصلاة ، فلازمه هو أن يكون نقيض ذلك العدم هو الوجوب في المورد المذكور ، أعني الفساد ، لأنّ عدم الوجوب إذا كان قابلاً للجعل للفساد ، كان لازم ذلك هو إمكان جعل الوجوب لها ، إذ لو لم يكن جعل الوجوب ممكناً لم يكن جعل عدمه ممكناً ، فلمّا جعل الشارع العدم للفساد كان رفع الفساد موجباً لثبوت نقيض ذلك العدم وهو الوجوب الممكن جعله للفساد ، لا الوجوب اللاحق للصحّة وعدم الاتيان بالسجدة ، لأنّ رفع أحد النقيضين بالأصل لا يوجب إلاّ إثبات نقيضه الذي هو الوجوب الممكن جعله للفساد ، لا الوجوب اللاحق للصحّة وعدم الاتيان بالسجدة ، ولو بدّلنا العبارة وغيّرناها من رفع الفساد إلى إثبات الصحّة ، لم يكن إثبات الصحّة كافياً في إثبات الوجوب المذكور ، لأنّ موضوعه هو الصحّة مع ترك السجدة ، ومجرّد إثبات الصحّة لا يثبت به الوجوب المذكور ، فتأمّل جيّداً.

نعم ، يمكن أن يقال في المثال الذي ذكرناه : إنّ ترك السجدة وحدها الذي هو موضوع وجوب قضائها مركّب من أمر وجودي وهو ترك السجدة ، وعدمي وهو عدم ترك الركوع ، وهو المتحصّل من تركها بشرط لا ، وأحد جزأي هذا الموضوع وهو ترك السجدة محرز بالوجدان ، والآخر وهو عدم ترك الركوع محرز بالأصل وهو قاعدة التجاوز في الركوع ، وبذلك يتمّ موضوع وجوب قضاء السجدة ، وبه ينحلّ العلم الاجمالي.

ويمكن تمشية هذه الطريقة فيما نحن فيه بأن يقال : إنّ عدم امتثال الأمر

٤٧٥

بالسجدة الذي هو موضوع وجوب قضائها مركّب أيضاً من أمر وجودي وهو عدم امتثال أمرها ، وآخر عدمي وهو عدم كون عدم الامتثال مستنداً إلى البطلان الناشئ عن ترك الركوع ، وهذا الأمر العدمي محرز بالأصل المذكور ، وهو بضميمة الجزء الأوّل أعني عدم امتثال أمرها المحقّق بالوجدان ، كافٍ في تحقّق موضوع وجوب قضائها. ولكنّه تكلّف لا يخلو عن إشكال.

ثمّ لا يخفى أنّه بعد غضّ النظر عمّا تقدّم من التأمّلات الأربعة في كون وجوب قضاء السجدة وسجود السهو من آثار قاعدة التجاوز في الركن ، يبقى الإشكال في أنّه لا ريب في أنّ قاعدة التجاوز في الركن وإن أثبتت وجوب قضاء السجدة وسجود السهو ، إلاّ أنّها نافية للتكليف بالقياس إلى نفس الركن ، فكيف أمكن جريانها في أحد طرفي العلم الاجمالي ، ولأجل ذلك التجأوا في تصحيح ذلك إلى أنّ جريانها أوّلاً إنّما هو باعتبار كونها مثبتة ، وبعد أن جرت بهذا اللحاظ ـ أعني لحاظ الاثبات ـ ينحلّ العلم الاجمالي فتجري في الركن حينئذ بلحاظ أثرها النافي ، فيكون ذلك من قبيل مسألة الدين والحجّ الذي أجاب عنه الأُستاذ العراقي قدس‌سره بأنّ الجريان باعتبار الاثبات لا باعتبار النفي ، وقد عرفت ما في ذلك من التأمّل فراجع (١) ، وراجع ما في المستمسك ص ٣٩٩ ج ٥ (٢) فإنّ ظاهره إجراء قاعدة التجاوز مرتين ، المرّة الأُولى بعنوان إثباتها قضاء السجدة وسجود السهو ، وبذلك ينحل العلم الاجمالي ، والمرّة الثانية هي بعد انحلال العلم الاجمالي نجريها بلحاظ الترخيص في إسقاط الأمر ، بالحكم بأنّه قد أتى بالركوع.

ثمّ إنّه في صدر البحث لم يوجّه وجوب القضاء وسجود السهو إلاّبأنّه بعد

__________________

(١) راجع الصفحة : ٣٨١ و ٤١٤.

(٢) مستمسك العروة الوثقى ٧ : ٦٢٢ ـ ٦٢٣.

٤٧٦

العلم بأنّه لم يمتثل أمر السجدة أو التشهّد ، يحصل له العلم الاجمالي بأنّه يجب الاعادة أو قضاء السجدة أو سجود السهو ، وإذا ثبتت الصحّة بقاعدة التجاوز الجارية لإثبات الركن تعيّن القضاء أو تعيّن السجود للسهو. وبذلك يكون وجوب قضاء السجدة أو سجود السهو من آثار قاعدة الفراغ في الركوع ، مع أنّ المفروض كون الأثرين ـ أعني قضاء السجدة أو سجود السهو مع الاعادة ـ متباينين ، فلا يكون ذلك إلاّمن قبيل كون الأصل الجاري في نفي وجوب صلاة الجمعة قاضياً بوجوب صلاة الظهر. ولعلّ المراد من كون وجوب قضاء السجدة أو سجود السهو من آثار قاعدة الفراغ في الركوع ، هو ما أفاده الأُستاذ العراقي قدس‌سره فيما مضى (١) ممّا نقلناه عنه في ذيل فروع العلم الاجمالي ، وقد عرفت التأمّل فيه.

وخلاصة البحث : أنّا لو سلّمنا عدم إمكان جريان قاعدة التجاوز في غير الركن ، للعلم بعدم امتثال أمره ، ولازم ذلك هو عدم إمكان جريان أصالة عدم الاتيان به ، كان المرجع في غير الركن هو أصالة البراءة من وجوب قضائه وسجود السهو له ، فتكون معارضة لقاعدة التجاوز في الركن ، وبعد التساقط يكون المرجع في الركن هو أصالة العدم القاضية بفساد الصلاة ولزوم إعادتها ، وبذلك يسقط احتمال وجوب قضاء غير الركن وسجود السهو له ، هذا بناءً على ما هو المختار من إمكان جريان الأصل النافي في بعض أطراف العلم الاجمالي ، ولا مخلص من إشكال معارضة البراءة للقاعدة إلاّبما ادّعوه من كون القاعدة مثبتة للتكليف.

وكذلك الحال بناءً على ما يراه الجماعة من عدم إمكان ذلك ، فلأنّه لا تخلّص لهم عن إشكال جريان قاعدة التجاوز التي هي أصل نافٍ في الركن الذي هو أحد طرفي العلم الاجمالي ، وعن جريان البراءة في غير الركن المعارضة

__________________

(١) في الصفحة : ٤٧٢.

٤٧٧

للقاعدة في الركن ، إلاّبما ادّعوه من كون قاعدة التجاوز في الركن مثبتة لوجوب قضاء غير الركن ولزوم سجود السهو ، وقد عرفت المنع من ذلك ، فلاحظ وتدبّر.

والذي تلخّص من مجموع ما ذكرناه في هذه المسألة ، أعني التردّد بعد الفراغ بين كون الفائت هو الركن أو كونه غير الركن ، أنّ المرجع الوحيد هو أصالة عدم الاتيان بالركن ، وهو قاض بفساد الصلاة ، وبذلك يكون حاكماً على كلّ أصل يمكن إجراؤه في غير الركن حتّى أصالة البراءة من وجوب قضائه ومن وجوب سجود السهو له ، على جميع الأقوال التي تقدّمت الاشارة إليها التي :

أوّلها : تعارض القاعدتين والرجوع إلى أصالة عدم الاتيان بكلّ منهما.

وثانيها : هو ذلك ، لكن مع تعارض أصالة عدم الاتيان لكونه إحرازياً ، فإنّك قد عرفت أنّه بعد سقوط قاعدتي التجاوز ووصول النوبة إلى أصالة عدم الاتيان ، يكون هذا الأصل في الركن حاكماً عليه في غير الركن.

وأمّا ثالثها : وهو عدم جريان قاعدة التجاوز في غير الركن للعلم بعدم امتثال أمره ، فإنّك قد عرفت أنّه بناءً على ذلك تكون أصالة البراءة في غير الركن معارضة لقاعدة التجاوز في الركن فيسقطان ، ويكون المرجع هو أصالة عدم الاتيان بالركن ، وكذلك الحال في :

رابعها ، وهو كون قاعدة التجاوز في غير الركن في طول قاعدة التجاوز في الركن ، فإنّك قد عرفت أنّ الطولية لو سلّمت لا تمنع من جريان القاعدة في غير الركن ، فيتعارضان ويكون المرجع هو أصالة العدم ، وهي في الركن حاكمة عليها في غير الركن.

ومنها (١) : أنّه بعد تعارض قاعدة الفراغ في الطرفين وسقوطهما ، يكون

__________________

(١) [ هذا هو ثاني التقريبات التي ذكرها قدس‌سره في الصفحة : ٤٦٥ ، ويأتي التقريب الثالث

٤٧٨

المرجع في ناحية السجدة هو أصالة عدم الاتيان بها ، وفي ناحية الركوع هو أصالة الصحّة ، لكون أصالة الصحّة حاكمة على أصالة عدم الاتيان بالركوع المقتضية للبطلان.

وفيه أوّلاً : أنّا لا نعرف أصلاً لأصالة الصحّة في باب الصلاة في قبال قاعدة التجاوز والفراغ ، إذ لا دليل على الأصل المذكور. وثانياً : ما تقدّم من عدم التعارض بين القاعدتين الموجب لتساقطهما ، لما عرفت من سقوط قاعدة التجاوز أو الفراغ في غير الركن ، إمّا للطولية أو لما تقدّم من العلم بعدم امتثاله.

ومن ذلك يتّضح الخدشة في توجيه آخر ، وهو الرجوع في نسيان الركوع إلى أصالة عدم عروض المبطل ، فإنّ هذا متفرّع على سقوط القاعدة أعني قاعدة الفراغ في الركوع ، وقد عرفت عدم سقوطها ، ومن الواضح حكومتها على أصالة عدم عروض المبطل. مضافاً إلى أنّه لا أصل لهذا الأصل فيما نحن فيه ، لأنّ المبطل في المقام هو عدم الاتيان بالركن ، فيكون الأصل تحقّقه لا عدم عروضه ، حيث إنّ مقتضى الأصل هو عدم الاتيان بالركن. وقد تفضّل الأُستاذ قدس‌سره وكتب

__________________

بعد أسطر ، لكن ما يذكره قدس‌سره فيهما لا يلتئم مع ما بنى عليه أخيراً من أنّ المرجع الوحيد في هذه المسألة هو أصالة عدم الاتيان بالركن ... ولعلّ ما يذكره قدس‌سره في هذين التقريبين وما بعدهما من جريان القاعدة في الركن وأصالة عدم الاتيان في غير الركن مبني على العبارة التي كتبها قدس‌سره قبل التقريب الثاني وضرب عليها خط المحو ، ونصّ العبارة هو : نعم لا يمكن إجراء قاعدة الفراغ في السجدة في عرض إجرائها في الركوع ، لما تقدّم من الطولية ، فلا تكون صالحة لمعارضتها ، كما أنّه لا يمكن إجراء قاعدة الفراغ في السجدة بعد مرتبة إجراء قاعدة الفراغ في الركوع ، للزوم المخالفة القطعية ، ويكون المتعيّن للسقوط هو قاعدة الفراغ في السجدة ، ويكون المرجع في السجدة هو أصالة عدم الاتيان بها على ما تقدّم تفصيله ].

٤٧٩

بخطّه الشريف في هامش ما كنت حرّرته في الإشكال على هذا الأصل ما نصّه : وتوجيهه بأنّ المبطل ليس هو عدم الاتيان بالركن مطلقاً ، وإنّما هو العدم الخاص وهو العدم في محلّه الذي هو الدخول في الركن اللاحق ، وهذا العدم الخاص حادث مسبوق بالعدم ، ممّا يليق بأن يضحك به الثكلى ، انتهى ما كتبه قدس‌سره بخطّه الشريف.

هذا كلّه إذا كان الشكّ بعد الفراغ.

ومثله ما لو كان في الأثناء ولم يمكن التلافي في كلّ منهما ، كما لو كان قد حصل له العلم المذكور المردّد بين كون المتروك ركناً أو كونه غير ركن بعد الدخول في الركن الآخر ، فإنّه بناءً على ما ذكرناه من جريان قاعدة التجاوز في الركن ، وأصالة عدم الاتيان بغير الركن ، يلزمه إتمام الصلاة وقضاء غير الركن وسجود السهو خارج الصلاة ، وبناءً على ما أفاده الأُستاذ قدس‌سره (١) من جريان أصالة الاشتغال في ناحية الركن ، وأصالة البراءة في ناحية غير الركن ، يكون اللازم عليه قطع الصلاة والاعادة.

وأمّا ما لو كان العلم المذكور واقعاً في أثناء الصلاة ، ولم يكن كلّ من الطرفين غير قابل التلافي ، ففيه صور :

الأُولى : أن لا يكون لقاعدة التجاوز مورد في شيء من الطرفين ، كما لو كان جالساً وعلم بأنّه قد ترك أحد الأمرين من السجود أو التشهّد ، فإنّه يكون مورداً لقاعدة الشكّ في المحلّ في كلّ منهما ، ويلزمه الاتيان بالسجود والتشهّد ، غايته أنّه حينئذ يعلم بأنّه إمّا أن يجب عليه سجود السهو إن كان المتروك هو السجدتين وذلك للتشهّد الذي جاء به قبل التلافي ، وإمّا أن يلزمه الاعادة إن كان

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٤٥.

٤٨٠