بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٣١ ـ ختص : جعفربن الحسين ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن الحكم ، عن زياد بن أبي الحلال قال : اختلف أصحابنا في أحاديث جابر الجعفي فقلت : أنا أسأل أبا عبدالله عليه‌السلام فلما دخلت ابتدأني فقال : رحم الله جابر الجعفي ، كان يصدق علينا ، لعن الله المغيرة بن سعيد ، كان يكذب علينا (١).

٣٢ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن أبان ، عن عقبة بن بشير الاسدي ، عن الكميت بن زيد الاسدي قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فقال : والله يا كميت لو كان عندنا مال لاعطيناك منه ، ولكن لك ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحسان بن ثابت : لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنا ، قال : قلت : خبرني عن الرجلين؟ قال : فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثم قال : والله يا كميت ما اهريق محجمة من دم ولا اخذ مال من غير حله ، ولا قلب حجر عن حجر إلا ذاك في أعناقهما (٢).

٣٣ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام جالسا في المسجد إذا أقبل داود ابن علي ، وسليمان بن خالد ، وأبوجعفر عبدالله بن محمد أبوالدوانيق ، فقعدوا ناحية من المسجد فقيل لهم : هذا محمد بن علي جالس فقام إليه داود بن علي وسليمان بن خالد ، وقعد أبوالدوانيق مكانه ، حتى سلموا على أبي جعفر عليه‌السلام فقال لهم أبوجعفر : ما منع جباركم من أن يأتيني؟ فعذروه عنده ، فقال عند ذلك أبوجعفر محمد بن علي عليهما‌السلام : أما والله لا تذهب الليالي والايام ، حتى يملك ما بين قطريها ثم ليطان الرجال عقبه ، ثم ليذلن له رقاب الرجال ، ثم ليملكن ملكا شديدا.

فقال له داود بن علي : وإن ملكنا قبل ملككم؟ قال : نعم يا داود إن ملككم قبل ملكنا وسلطانكم قبل سلطاننا فقال له : أصلحك الله هل له من مدة؟

____________________

(١) نفس المصدر ص ٢٠٤ وأخرجه الكشى في رجاله ص ١٢٦.

(٢) الكافى ج ٨ ص ١٠٢.

٣٤١

فقال : نعم يا داود والله لا يملك بنو امية يوما إلا ملكتم مثليه ، ولاسنة إلا ملكتم مثليها ، ولتتلقفها الصبيان منكم ، كما تتلقف الصبيان الكرة ، فقام داود ابن علي من عند أبي جعفر عليه‌السلام فرحا يريد أن يخبر أبا الدوانيق بذلك ، فلما نهضا جميعا هو وسليمان بن خالد ، ناداه أبوجعفر عليه‌السلام من خلفه : يا سليمان بن خالد لايزال القوم في فسحة من ملكهم ، ما لم يصيبوا منا دما حراما ، وأو ما بيده إلى صدره ، فاذا أصابوا ذلك الدم فبطن الارض خير لهم من ظهرها ، فيومئذ لا يكون لهم في الارض ناصر ، ولافي السماء عاذر.

ثم انطلق سليمان بن خالد فأخبر أبا الدوانيق ، فجاء أبوالدوانيق إلى أبي جعفر عليه‌السلام فسلم عليه ثم أخبره بما قال له داود بن علي وسليمان بن خالد فقال له : نعم يا أبا جعفر ، دولتكم قبل دولتنا ، وسلطانكم قبل سلطاننا ، سلطانكم شديد عسر لا يسر فيه ، ولد مدة طويلة ، والله لا يملك بنو امية يوما إلا ملكتم مثليه ولاسنة إلا ملكتم مثليها ، ولتتلقفها صبيان منكم فضلا عن رجالكم ، كما تتلقف الصبيان الكرة أفهمت؟ ثم قال : لا تزالون في عنفوان الملك ترغدون فيه ، مالم تصيبوا منا دما حراما ، فاذا أصبتم ذلك الدم غضب الله عزوجل عليكم فذهب بملككم وسلطانكم ، وذهب بريحكم ، وسلط الله عليكم عبدا من عبيده أعور ، و ليس بأعور من آل أبي سفيان ، يكون استئصالكم على يديه وأيدي أصحابه ، ثم قطع الكلام (١).

بيان : قوله فعذروه بالتخفيف أي أظهروا عذره ، أو بالتشديد أي ذكروا في العذر أشياء لاحقيقة لها. قوله عليه‌السلام إلا ملكتم مثليه : لعل المراد أصل الكثرة والزيادة ، لا الضعف الحقيقي كما قيل في كرتين ولبيك وفي هذا الابهام حكم كثيرة : منها عدم طغيانهم كثيرا ، ومنها عدم يأس الشيعة ، وعنفوان الملك بضم العين والفاء أي أوله.

____________________

(١) الكافى ج ٨ ص ٢١٠.

٣٤٢

قوله عليه‌السلام : ما لم تصيبوا منا دما حراما : المراد إما قتل أهل البيت عليهم‌السلام و إن كان بالسم مجازا بأن يكون قتلهم عليهم‌السلام سببا لسرعة زوال ملكهم ، وإن لم يقارنه أو لزوال ملك كل واحد منهم فعل ذلك أو قتل السادات الذين قتلوا في زمان الدوانيقي والرشيد وغيرهما.

ويحتمل أن يكون إشارة إلى قتل رجل من العلويين قتلوه مقارنا لانقضاء دولتهم ، كما يظهر مما كتب ابن العلقمي إلى نصير الدين الطوسي رحمهما‌الله قوله عليه‌السلام : وذهب بريحكم : قال الجوهري (١) قد تكون الريح بمعنى الغلبة و القوة ، ومنه قوله تعالى « وتذهب ريحكم » قوله عليه‌السلام أعور أي الدني الاصل السيئ الخلق ، وهو إشارة إلى هلاكو ، قال الجزري (٢) فيه لما اعترض أبولهب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند إظهار الدعوة قال له أبوطالب : يا أعور ما أنت وهذا؟ لم يكن أبولهب أعور ولكن العرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه وامه أعور ، وقيل إنهم يقولون للردي من كل شئ من الامور والاخلاق أعور وللمؤنث عوراء. قوله عليه‌السلام : وليس بأعور من آل أبي سفيان : أي ليس هذا الاعور منهم بل من الترك.

٣٤ ـ ختص : أصحاب محمد بن علي عليهما‌السلام : جابر بن يزيد الجعفي ، وحمران ابن أعين ، وزرارة ، عامر بن عبدالله بن جذاعة ، حجر بن زائدة ، عبدالله بن شريك العامري ، فضيل بن يسار البصري ، سلام بن المستنير ، بريد بن معاوية العجلي الحكم بن أبي نعيم (٣).

٣٥ ـ ختص : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن علي بن سليمان ، وحدثنا العطار ، عن سعد ، عن علي بن سليمان ، عن علي بن أسباط ، عن أبيه ، عن أبي

____________________

(١) الصحاح ج ١ ص ١٧٦ طبع بولاق.

(٢) النهاية ج ٣ ص ١٣٨.

(٣) الاختصاص ص ٨.

٣٤٣

الحسن موسى عليه‌السلام قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حواري محمد بن علي؟ وحواري جعفر بن محمد عليهم‌السلام فيقوم عبدالله بن شريك العامري ، وزرارة بن أعين ، و بريد بن معاوية العجلي ، ومحمد بن مسلم الثقفي ، وليث بن البختري المرادي ، وعبدالله ابن أبي يعفور ، وعامر بن عبدالله بن جذاعة ، وحجر بن زائدة ، وحمران بن أعين الخبر (١).

٢٦ ـ ختص : زياد بن المنذر الاعمى وهو أبوالجارود ، وزياد بن أبي رجاء وهو أبوعبيدة الحذاء ، وزياد بن سوقة ، وزياد مولى أبي جعفر عليه‌السلام وزياد بن أبي زياد المنقري وزياد الاحلام من أصحاب أبي جعفر عليه‌السلام ، ومن أصحابه أبوبصير ليث بن البختري المرادي ، وأبوبصير يحيى بن أبي القاسم مكفوف مولى لبني أسد واسم أبي القاسم إسحاق ، وأبوبصير كان يكنى بأبي محمد (٢).

٢٧ ـ كا : عدة من أصحابنا ، عن صالح بن أبي حماد ، عن إسماعيل بن مهران ، عمن حدثة ، عن جابر بن يزيد قال : حدثني محمد بن علي عليه‌السلام بسبعين حديثا لم احدث بها أحدا قط ، ولا أحدث بها أحدا أبدا ، فلما مضى محمد بن علي عليه‌السلام ثقلت على عنقي وضاق بها صدري فأتيت أبا عبدالله عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك إن أباك حدثني سبعين حديثا لم يخرج مني شئ منها ولايخرج شئ منها إلى أحد ، وأمرني بسترها ، وقد ثلقت على عنقي ، وضاق بها صدري ، فما تأمرني فقال : يا جابر إذا ضاق بك من ذلك شئ فاخرج إلى الجبانة ، واحفر حفيرة ، ثم دل رأسك فيها وقل : حدثني محمد بن علي بكذا وكذا ثم طمه فإن الارض تستر عليك ، قال جابر : ففعلت ذلك فخف عني ما كنت أجده (٣).

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران مثله (٤).

____________________

(١) نفس المصدر ص ٦١. وأخرجه الكشى في رجاله ص ٦.

(٢) الاختصاص ص ٨٣.

(٣) الكافى ج ٨ ص ١٥٧.

(٤) نفس المصدر ج ٨ ص ١٥٨.

٣٤٤

٢٨ ـ قب : بابه جابر بن يزيد الجعفي ، واجتمعت العصابة على أن أفقه الاولين ستة وهم أصحاب أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام وهم : زرارة بن أعين ، ومعروف بن خربوذ المكي ، وأبوبصير الاسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي وبريد بن معاوية العجلي (١).

٢٩ ـ الفصول المهمة : صفة الباقر عليه‌السلام : أسمر معتدل ، شاعره : الكميت والسيد الحميري ، وبوابه جابر الجعفي ، ونقش خاتمه « رب لا تذرني فردا » (٢).

نقل خط الشيخ ابن فهد الحلبى رحمه‌الله :

قيل : إن رجلا ورد على أبي جعفر الاول عليه‌السلام بقصيدة مطلعها : عليك السلام أبا جعفر ، فلم يمنحه شيئا ، فسأله في ذلك وقال : لم لاتمنحني؟ وقد مدحتك فقال : حييتني تحية الاموات ، أما سمعت قول الشاعر :

ألا طرقتنا آخر الليل زينب

عليك سلام لما فات مطلب

فقلت لها حييت زينب خدنكم

تحية ميت وهو في الحي يشرب

مع أنه كان يكفيك أن تقول : سلام عليك أبا جعفر.

كتاب مقتضب الاثر في النص على الانثي عشر لاحمد بن محمد بن عياش عن علي بن عبدالله النحوي ، عن علي بن محمد بن سنان ، عن محمد بن زياد بن عقبة قال : أنشدنا لجماعة من الاسديين منهم مشمعل بن سعد الناشري للورد بن زيد أخى الكميت الاسدي ، وقد وفد على أبي جعفر الباقر عليهما‌السلام يخاطبه ويذكر وفادته إليه وهي :

كم جزت فيك من أحواز وأيفاع

واوقع الشوق بي قاعا إلى قاع

يا خير من حملت انثى ومن وضعت

به إليك غدا سيري وإيضاعي

____________________

(١) المناقب ج ٣ ص ٣٤٠.

(٢) الفصول المهمة ص ١٩٧.

٣٤٥

أما بلغتك فالآمال بالغة

بنا إلى غاية يسعى لها الساعي

من معشر شيعة لله ثم لكم

صور إليكم بأبصار وأسماع

وعاة نهي وأمر عن أئمتهم

يوصي بها منهم واع إلى واع

لايسأمون دعاء الخير ربهم

أن يدركوا فيلبوا دعوة الداع

وقال فيها من مختزن الغيوب من ذلك سر من رأى قبل بنائها ، وميلاد الحجة عليه‌السلام.

متى الوليد بسامرا إذا بنيت

يبدو كمثل شهاب الليل طلاع

حتى إذا قذفت أرض العراق به

إلى الحجاز أنا خوه بجعجاع

وغاب سبتا وسبتا من ولادته

مع كل ذي جوب للارض قطاع

لايسأمون به الجواب قد تبعوا

أسباط هارون كيل الصاع بالصاع

شبيه موسى وعيسى في مغابهما

لو عاش عمر يهما لم ينعه ناع

تتمة النقباء المسرعين إلى

موسى بن عمران كانوا خير سراع

أو كالعيون التي يوم العصا انفجرت

فانصاع منها إليه كل منصاع

إني لارجو له رؤيا فأدركه

حتى أكون له من خير أتباع

بذلك أنبأنا الراوون عن نفر

منهم ذوي خشية لله طواع

روته عنكم رواة الحق ما شرعت

آباؤكم خير آباء وشراع (١)

بيان : الاحواز جمع الحوزة وهي الناحية ، واليفاع التل ، وأوضع البعير : حمله على سرعة السير ، والصور بالضم جمع الاصور وهي المائل العنق ، وهو هنا كناية عن الخضوع والطاعة ، والجعجاع الموضع الضيق الخشن وقيل : كل أرض جعجاع والسبت الدهر وفسر في حديث أبيطالب بالثلاثين ، وجوب الارض قطعها ويقال صعت الشئ فانصاع أي فرقته فتفرق.

____________________

(١) مقتضب الاثر ص ٤٩.

٣٤٦

٩

* ( باب ) *

* ( مناظراته عليه‌السلام مع المخالفين ، ويظهر منه أحوال كثير ) *

( ( من أهل زمانه ) )

١ ـ كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن الحسن بن زيد النوفلي ، عن علي بن داود اليعقوبي ، عن عيسى بن عبدالله العلوي قال : وحدثني الاسيدي ومحمد بن مبشر أن عبدالله بن نافع الازرق كان يقول : لو أني علمت أن بين قطريها أحدا تبلغني إليه المطايا يخصمني أن عليا عليه‌السلام قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحلت إليه ، فقيل له ولا ولده؟ فقال : أفي ولده عالم؟ فقيل له : هذا أول جهلك ، وهم يخلون من عالم؟ قال : فمن عالمهم اليوم؟ قيل : محمد بن علي بن الحسين بن على عليهم‌السلام قال : فرحل إليه في صناديد أصحابه حتى أتى المدينة فاستأذن على أبي جعفر عليه‌السلام فقيل له : هذا عبدالله بن نافع فقال : وما يصنع بي؟ وهو يبرأ مني ومن أبي طرفي النهار.

فقال له أبوبصير الكوفي : جعلت فداك إن هذا يزعم أنه لو علم أن بين قطريها أحدا تبلغه المطايا إليه يخصمه أن عليا عليه‌السلام قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحل إليه ، فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : أتراه جاءني مناظرا؟ قال : نعم قال : يا غلام اخرج فحط رحله وقل له : إذا كان الغد فأتنا قال : فلما أصبح عبدالله بن نافع غدا في صناديد أصحابه ، وبعث أبوجعفر عليه‌السلام إلى جميع أبناء المهاجرين والانصار فجمعهم ثم خرج إلى الناس في ثوبين ممغرين وأقبل على الناس كأنه فلقة قمر فقال : الحمدلله محيث الحيث ، ومكيف الكيف ، ومؤين الاين الحمدلله الذي لاتأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السموات وما في الارض إلى آخر

٣٤٧

الآية وأشهد ان لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله ، اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ، الحمدلله الذي أكرمنا بنبوته ، واختصنا بولايته ، يا معشر أبناء المهاجرين والانصار! من كانت عنده منقبة لعلي بن أبي طالب؟ فليقم وليتحدث.

قال : فقام الناس فسردوا تلك المناقب فقال عبدالله : أنا أروى لهذه المناقب من هؤلاء ، وإنما أحدث علي الكفر بعد تحكيمه الحكمين ، حتى انتهوا في المناقب إلى حديث خيبر : لاعطين الراية غدا رجلايحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، كرارا غير فرار ، حتى لا يرجع يفتح الله على يديه فقال أبوجعفر عليه‌السلام : ما تقول في هذا الحديث؟ فقال : هو حق لاشك فيه ، ولكن أحدث الكفر بعد فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : ثكلتك امك أخبرني عن الله عزوجل أحب علي بن أبي طالب يوم أحبه ، وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان ، أم لم يعلم؟ قال : فإن قلت : لاكفرت قال : فقال : قد علم ، قال : فأحبه الله على أن يعمل بطاعته أو على أن يعمل بمعصيته؟ فقال : على أن يعمل بطاعته ، فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : فقم مخصوما ، فقام وهو يقول : حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ، الله أعلم حيث يجعل رسالته (١).

بيان : الصنديد السيد الشجاع ، والمغرة طين أحمر والممغر بها ، والفلقة بالكسر الكسرة يقال : أعطني فلقة الجفنة أي نصفها ، قوله عليه‌السلام : محيث الحيث أي جاعل المكان مكانا بايجاده ، وعلى القول بمجعولية المهيات ظاهر ، ومؤين الاين أي موجد الدهر والزمان فإن الاين يكون بمعنى الزمان أيضا كما قيل ولكنه غير معتمد ويحتمل أن يكون بمعنى المكان إما تأكيدا أو بأن يكون حيث للزمان قال ابن هشام : قال الاخفش : وقد ترد حيث للزمان ، ويحتمل أن تكون حيث تعليلية أي هو علة العلل ، وجاعل العلل عللا قوله عليه‌السلام واختصنا بولايته أي بأن نتولاه أو بأن جعل ولايتنا ولايته ، أو بأن جعلنا ولي من كان وليه ، وقال

____________________

(١) الكافى ج ٨ ص ٣٤٩.

٣٤٨

الجوهري (١) : فلان يسرد الحديث سردا : إذا كان جيد السياق له ، وحاصل إلزامه عليه‌السلام أن الله تعالى إنما يحب من يعمل بطاعته لانه كذلك ، فكيف يحب من يعلم بزعمك الفاسد أنه يكفر ويحبط جميع أعماله.

٢ ـ كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن زيد الشحام قال : دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر فقال عليه‌السلام : يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال : هكذا يزعمون فقال أبوجعفر عليه‌السلام : بلغني أنك تفسر القرآن؟ قال له قتادة : نعم ، فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : بعلم تفسره أم بجهل؟ قال : لا بعلم ، فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت ، وأنا أسألك؟ قال قتادة : سل ، قال : أخبرني عن قول الله عزوجل في سبا : « وقد رنافيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين » (٢) فقال قتادة : ذاك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة حلال وكرى حلال ، يريد هذا البيت كان آمنا حتى يرجع إلى أهله فقال أبوجعفر عليه‌السلام : نشدتك الله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وكرى حلال يريد هذا البيت ، فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ، ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه؟ قال قتادة : اللهم نعم.

فقال أبوجعفر عليه‌السلام : ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك ، فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد أخذته من الرجال ، فقد هلكت وأهلكت ، ويحك يا قتادة ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكرى حلال ، يروم هذا البيت عارفا بحقنا يهوانا قلبه كما قال الله عزوجل : « فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم » (٣) ولم يعن البيت ، فيقول « إليه » فنحن والله دعوة إبراهيم صلى الله عليه التي من هوانا قلبه ، قبلت حجته ، وإلا فلا ، يا قتادة فاذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنم يوم القيامة قال قتادة : لا جرم والله لا فسرتها إلا هكذا

____________________

(١) الصحاح ج ١ ص ٢٣٤.

(٢) سورة سبأ ، الاية : ١٨.

(٣) سورة ابراهيم ، الاية : ٣٧.

٣٤٩

فقال أبوجعفر عليه‌السلام : ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به (١).

ايضاح : هو قتادة بن دعامة من مشاهير محدثي العامة ومفسريهم ، قوله : فأنت أنت أي فأنت العالم المتوحد الذي لايحتاج إلى المدح والوصف ، وينبغي أن يرجع إليك في العلوم ، قوله تعالى : وقد رنا فيها السير ، اعلم أن المشهور بين المفسرين ان هذه الآية لبيان حال تلك القرى في زمان قوم سبا أي قدرنا سيرهم في القرى على قدر مقيلهم ومبيتهم ، لايحتاجون إلى ماء ولازاد لقرب المنازل والامر في قوله تعالى « سيروا » متوجه إليهم على إرادة القول بلسان الحال ، أو المقال ، ويظهر من كثيرمن الاخبار أن الامر متوجه إلى هذه الامة أو خطاب عام يشملهم أيضا.

قوله عليه‌السلام : ولم يعن البيت ، أي لايتوهم أن المراد ميل القلوب إلى البيت وإلا لقال إليه بل كان غرض إبراهيم عليه‌السلام أن يجعل الله ذريته الذين أسكنهم عند الببيت أنبياء وخلفاء ، تهوي إليهم قلوب الناس ، فالحج وسيلة للوصول إليهم ، وقد استجاب الله هذا الدعاء في النبي وأهل بيت صلوات الله عليهم ، فهم دعوة إبراهيم.

قال الجزري (٢) : ومنه الحديث وساخبركم بأول أمري دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى ، دعوة إبراهيم هي قوله تعالى « وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك » (٣) وبشارة عيسى قوله : « ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد » (٤) قوله : لاجرم أي البتة ولامحالة.

٣ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالرحمن بن الحجاج؟ أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن محمد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أرى أن علي بن الحسين عليهما‌السلام يدع خلفا أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن علي عليهما‌السلام فأردت أن عظه فوعظني فقال له

____________________

(١) الكافى ج ٨ ص ٣١١.

(٢) النهاية ج ٢ ص ٢٥.

(٣) سورة البقرة ، الاية : ١٢٩.

(٤) سورة الصف ، الاية : ٦.

٣٥٠

أصحابه : بأي شئ وعظك؟ قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني أبوجعفر محمد بن علي عليهما‌السلام وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين ، فقلت في نفسي : سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا! أما لاعظنه ، فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي بنهر ، هو يتصاب عرقا فقلت : أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أرأيت لوجاءك أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع؟ فقال : لوجاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعة الله عزوجل أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس ، وإنما كنت أخاف أن لو جآءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله فقلت : صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني (١).

٤ ـ ج : عن أبان بن تغلب ، قال : دخل طاووس اليماني إلى الطواف ومعه صاحب له فاذا هو بأبي جعفر عليه‌السلام يطوف أمامه ، وهو شاب حدث فقال طاووس لصاحبه : إن هذا الفتى لعالم ، فلما فرغ من طوافه صلى ركعتين ، ثم جلس فأتاه الناس فقال طاووس لصاحبه : نذهب إلى أبي جعفر عليه‌السلام نسأله عن مسألة لا أدري عنده فيها شئ ، فأتياه فسلما عليه ثم قال له طاووس : يا أبا جعفر هل تعلم أي يوم مات ثلث الناس؟ فقال : يا أبا عبدالرحمن لم يمت ثلث الناس قط ، بل إنما أردت ربع الناس قال : وكيف ذلك؟ قال : كان آدم ، وحوا ، وقابيل ، وهابيل ، فقتل قابيل هابيل فذلك ربع الناس ، قال : صدقت ، قال أبوجعفر عليه‌السلام هل ترى ما صنع بقابيل؟ قال : لا ، قال : علق بالشمس ينضح بالماء الحار إلى أن تقوم الساعة (٢).

٥ ـ ج : عن أبي بصير قال : كان مولانا أبوجعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام جالسا في الحرم وحوله عصابة من أوليائه إذ أقبل طاووس اليماني في جماعة من أصحابه ثم قال لابي جعفر عليه‌السلام : ائذن لي بالسؤال قال : أذنا لك فسل! قال : أخبرني

____________________

(١) الكافى ج ٥ ص ٧٣ وأخرجه الشيخ في التهذيب ج ٦ ص ٣٢٥.

(٢) الاحتجاج ص ١٧٧.

٣٥١

متى هلك ثلث الناس؟ قال : وهمت يا شيخ أردت أن تقول متى هلك ربع الناس وذلك يوم قتل قابيل هابيل كانوا أربعة : آدم ، وحواء ، وقابيل ، وهابيل ، فهلك ربعهم ، فقال : أصبت ووهمت أنا ، فأيهما كان أبا الناس القاتل أو المقتول؟ قال : لاواحد منهما ، بل أبوهم شيث بن آدم قال : فلم سمي آدم آدم؟ قال : لانه رفعت طينته من أديم الارض السفلى قال : فلم سميت حوا حوا؟ قال : لانها خلقت من ضلع حي ، يعني ضلع آدم عليه‌السلام قال : فلم سمي إبليس إبليس؟ قال : لانه ابلس من رحمة الله عزوجل فلايرجوها قال : فلم سمي الجن جنا؟ قال : لانهم استجنوا فلم يروا قال : فأخبرني عن أول كذبة كذبت ، من صاحبها؟ قال : إبليس حين قال « أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ».

قال : فأخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحق ، وكانوا كاذبين؟ قال : المنافقون حين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نشهد إنك لرسول الله » فأنزل الله عزوجل : « إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون » (١) قال : فأخبرني عن طير طار مرة ، ولم يطر قبلها ولا بعدها ذكره الله عزوجل في القرآن ما هو؟ فقال : طورسيناء أطاره الله عزوجل على بني إسرائيل حين أظلهم بجناح منه فيه ألوان العذاب حتى قبل التوراة وذلك قوله عزوجل « وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم » (٢) الآية قال : فأخبرني من رسول بعثه الله تعالى ليس من الجن ولا من الانس ولا من الملائكة ذكره الله عزوجل في كتابه؟ فقال : الغراب حين بعثه الله عزوجل ليري قابيل كيف يواري سوأة أخيه هابيل حين قتله ، قال الله عزوجل « فبعث الله غرابا يبحث في الارض ليريه كيف يواري سوأة أخيه » (٣) قال : فأخبرني عمن أنذر قومه ليس من الجن ولامن الانس ولا من الملائكة ، ذكره الله عزوجل في كتابه؟ قال : النملة

____________________

(١) سورة المنافقون ، الاية : ١

(٢) سورة الاعراف ، الاية ، ١٧١.

(٣) سورة المائدة ، الاية : ٣١.

٣٥٢

حين قالت : « يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون » (١)

قال : فأخبرني من كذب عليه ، ليس من الجن ولامن الانس ولامن الملائكة ذكره الله عزوجل في كتابه؟ قال : الذئب الذي كذب عليه إخوة يوسف عليه‌السلام قال : فأخبرني عن شئ قليله حلال وكثيره حرام ، ذكره الله عزوجل في كتابه قال : نهر طالوت قال الله عزوجل : « إلا من اغترف غرفة بيده » (٢) قال : فأخبرني عن صلاة مفروضة تصلى بغير وضوء وعن صوم لا يحجر عن أكل وشرب؟ قال : أما الصلاة بغير وضوء فالصلاة على النبي وآله عليه عليهم‌السلام. وأما الصوم فقوله عزوجل « إني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم إنسيا » (٣) قال : فأخبرني عن شئ يزيد وينقص؟ وعن شئ يزيد ولا ينقص؟ وعن شئ ينقص ولا يزيد؟ فقال الباقر عليه‌السلام : أما الشئ الذي يزيد وينقص : فهو القمر والشئ الذي يزيد ولا ينقص : فهو البحر ، والشئ الذي ينقص ولايزيد : فهو العمر (٤).

٦ ـ كا : علي ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اذينة ، عن زرارة قال : كنت قاعدا إلى جنب أبي جعفر عليه‌السلام وهو محتب (٥) مستقبل القبلة فقال : أما إن النظر إليها عبادة ، فجاءه رجل من بجيلة يقال له عاصم بن عمر فقال لابي جعفر عليه‌السلام : إن كعب الاحبار كان يقول : إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة ، فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : فما تقول

____________________

(١) سورة النمل ، الاية : ١٨.

(٢) سورة البقرة ، الاية : ٢٤٩.

(٣) سورة مريم ، الاية : ٢٦.

(٤) الاحتجاج ص ١٧٨.

(٥) يقال : احتبى احتباء بالثوب : اشتمل به ، جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها.

٣٥٣

فيما قال كعب؟ فقال : صدق ، القول ما قال كعب فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : كذبت وكذب كعب الاحبار معك وغضب ، قال زرارة ما رأيته استقبل أحدا بقول كذبت غيره ، ثم قال : ما خلق الله عزوجل بقعة في الارض أحب إليه منها ثم أومأ بيده نحو الكعبة ولا أكرم على الله عزوجل منها ، لها حرم الله الاشهر الحرم في كتابه يوم خلق السموات والارض ثلاثة متوالية للحج : شوال ، وذوالقعدة ، و ذوالحجة ، وشهر مفرد للعمرة وهو رجب (١).

٧ ـ قب (٢) شا (٣) ج : روي أن عمرو بن عبيد البصري وفد على محمد بن علي الباقر عليه‌السلام لامتحانه بالسؤال عنه فقال له : جعلت فداك ما معنى قوله تعالى « أولم يرالذين كفروا أن السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما » (٤) ما هذا الرتق والفتق؟ فقال أبوجعفر عليه‌السلام : كانت السماء رتقا لاتنزل القطر ، وكانت الارض رتقا لاتخرج النبات ففتق الله السماء بالقطر ، وفتق الارض بالنبات ، فانطلق عمرو ، ولم يجد اعتراضا ومضى ، ثم عاد إليه فقال : أخبرني جعلت فداك عن قوله تعالى « ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى » (٥) ما غضب الله؟ فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : غضب الله تعالى عقابه ، يا عمرو من ظن أن الله يغيره شئ فقد كفر (٦).

٨ ـ ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الاسدي ، عن النخعي عن النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال : كان أبوجعفر الباقر عليه‌السلام جالسا في الحرم وحوله عصابة من أوليائه ، إذ أقبل طاووس اليماني في جماعة فقال :

____________________

(١) الكافى ج ٤ ص ٢٣٩.

(٢) المناقب ج ٣ ص ٣٢٩ وفيه صدر الحديث.

(٣) الارشاد ص ٢٨٣.

(٤) سورة الانبياء ، الاية ٣٠.

(٥) سورة طه ، الاية : ٨١.

(٦) الاحتجاج ص ١٧٧.

٣٥٤

من صاحب الحلقة؟ قيل : محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام قال : إياه أردت ، فوقف عليه وسلم وجلس ثم قال : أتأذن لي في السؤال؟ فقال الباقرعليه‌السلام : قد أذناك فسل قال : أخبرني بيوم هلك ثلث الناس؟ فقال : وهمت يا شيخ ، أردت أن تقول ربع الناس وذلك يوم قتل هابيل ، كانوا أربعة : قابيل و هابيل وآدم وحوا عليهم‌السلام فهلك ربعهم فقال : اصبت وهمت أنا فأيهما كان الاب للناس القاتل أو المقتول؟ قال : لاواحد منهما ، بل أبوهم شيث بن آدم عليهما‌السلام.

٩ ـ قب : قال الابرش الكلبي لهشام مشيرا إلى الباقر عليه‌السلام : من هذا الذي احتوشته أهل العراق يسألونه؟ قال : هذا نبي الكوفة ، وهو يزعم أنه ابن رسول الله ، وباقر العلم ، ومفسر القرآن ، فاسأله مسألة لايعرفها ، فأتاه وقال : يا ابن علي قرأت التوراة والانجيل ، والزبور والفرقان؟ قال : نعم قال : فإني أسألك عن مسائل؟ قال : سل فإن كنت مسترشدا فستنتفع بما تسأل عنه ، وإن كنت متعنتا فتضل بما تسأل عنه قال : كم الفترة التي كانت بين محمد وعيسى عليهما‌السلام؟ قال : أما في قولنا فسبع مائة سنة ، وأما في قولك فستمائة سنة ، قال : فأخبرني عن قوله تعالى « يوم تبدل الارض غير الارض » (١) ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ قال : يحشر الناس على مثل قرصة النقي ، فيها أنهار متفجرة يأكلون ويشربون ، حتى يفرغ من الحساب ، فقال هشام : قل له : ما أشغلهم عن الاكل والشرب يومئذ؟ قال : هم في النار أشغل ، ولم يشتغلوا عن أن قالوا « أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله » (٢) قال : فنهض الابرش ، وهو يقول : أنت ابن بنت رسول الله حقا ، ثم صار إلى هشام قال : دعونا منكم يا بني امية فان هذا أعلم أهل الارض بما في السماء والارض ، فهذا ولد رسول الله صلى الله عليه وآله.

وقد روى الكليني هذه الحكاية عن نافع غلام ابن عمر ، وزاد فيه أنه قال له

____________________

(١) سورة ابراهيم ، الاية : ٤٨.

(٢) سورة الاعراف الاية : ٥٠.

٣٥٥

الباقر عليه‌السلام : ما تقول في أصحاب النهروان؟ فان قلت إن أميرالمؤمنين قتلهم بحق قد ارتددت وإن قلت إنه قتلهم باطلا فقد كفرت قال : فولى من عنده وهو يقول : أنت والله أعلم الناس حقا فأتى هشاما الخبر (١).

أبوالقاسم الطبري الالكاني في شرح حجج أهل السنة : إنه قال أبوحنيفة لابي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام : أجلس؟ وأبوجعفر قاعد في المسجد ، فقال أبوجعفر : أنت رجل مشهور ولا احب أن تجلس إلي قال : فلم يلتفت إلى أبي جعفر وجلس فقال لابي جعفر عليه‌السلام : أنت الامام؟ قال : لا قال : فان قوما بالكوفة يزعمون أنك إمام قال : فما أصنع بهم؟ قال : تكتب إليهم تخبرهم قال : لا يطيعوني إنما نستدل على من غاب عنا بمن حضرنا ، قد أمرتك أن لاتجلس فلم تطعني ، وكذلك وكذلك لو كتبت إليهم ما أطاعوني ، فلم يقدر أبوحنيفة أن يدخل في الكلام (٢)

١٠ ـ كشف : قال الآبي في كتاب نثر الدرر : روي أن عبدالله بن معمر الليثي قال لابي جعفر عليه‌السلام : بلغني أنك تفتي في المتعة؟ فقال : أحلها الله في كتابه وسنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعمل بها أصحابه ، فقال عبدالله : فقد نهى عنها عمر قال : فأنت على قول صاحبك ، وأنا على قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال عبدالله : فيسرك أن نساءك فعلن ذلك؟ قال أبوجعفر عليه‌السلام : وما ذكر النساء ههنا يا أنوك؟ إن الذي أحلها في كتابه وأباحها لعباده أغير منك وممن نهى عنها تكلفا ، بل يسرك أن بعض حرمك تحت حائك من حاكة يثرب نكاحا قال : لاقال : فلم تحرم ما أحل الله؟ قال : لا احرم ، ولكن الحائك ما هولي بكفؤ قال : فان الله ارتضى عمله ورغب فيه وزوجه حورا ، أفترغب عمن رغب الله فيه؟ وتستنكف ممن هو كفو لحور الجنان كبرا وعتوا؟ قال : فضحك عبدالله وقال : ما أحسب صدوركم إلا منابت أشجار العلم ، فصارلكم ثمره ، وللناس ورقه (٣).

____________________

(١) الكافى ج ٨ ص ١٢٠ مفصلا. وفى المناقب ج ٣ ص ٣٣٠٣٢٩.

(٢) المناقب ج ٣ ص ٣٣١.

(٣) كشف الغمة ج ٢ ص ٣٦٢.

٣٥٦

بيان : الانوك كالاحمق وزنا ومعنى.

أقول : قد أوردنا كثيرا من الاخبار في ذلك في كتاب الاحتجاجات وفي باب الرد على الخوارج وفي أبواب كتاب التوحيد وفي باب الآيات النازلة فيهم عليهم‌السلام.

١١ ـ كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت جالسا في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبل رجل فسلم فقال : من أنت يا عبدالله؟ فقلت رجل من أهل الكوفة فقلت : فما حاجتك؟ فقال لي : أتعرف أبا جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام؟ قلت : نعم فما حاجتك إليه؟ قال : هيأت له أربعين مسألة أسأله عنها فما كان من حق أخذته ، وما كان من باطل تركته قال أبوحمزة : فقلت له : هل تعرف ما بين الحق والباطل؟ فقال : نعم فقلت : فما حاجتك ، إليه إذا كنت تعرف ما بين الحق والباطل؟ فقال لي : يا أهل الكوفة أنتم قوم ما تطاقون ، إذا رأيت أبا جعفر عليه‌السلام فأخبرني ، فما انقطع كلامه ، حتى أقبل أبوجعفر عليه‌السلام وحوله أهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحج ، فمضى حتى جلس مجلسه ، وجلس الرجل قريبا منه قال أبوحمزة : فجلست حيث أسمع الكلام ، وحوله عالم من الناس.

فلما قضى حوائجهم وانصرفوا التفت إلى الرجل فقال له : من أنت؟ قال : أنا قتادة بن دعامة البصري ، فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : أنت فقيه أهل البصرة؟ قال : نعم فقال له أبوجعفر صلوات الله عليه : ويحك يا قتادة إن الله عزوجل خلق خلقا ، فجعلهم حججا على خلقه ، فهم أوتاد في أرضه ، قوام بأمره ، نجباء في علمه اصطفاهم قبل خلقه ، أظلة عن يمين عرشه قال : فسكت قتادة طويلا ثم قال : أصلحك الله ، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدام أحد منهم ما اضطرب قدامك ، فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة

٣٥٧

فأنت ثم ونحن اولئك ، فقال له قتادة : صدقت والله ، جعلني الله فداك ، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين.

قال قتادة : فأخبرني عن الجبن فتبسم أبوجعفر عليه‌السلام وقال : رجعت مسائلك إلى هذا؟ قال : ضلت عني فقال : لابأس به ، فقال : إنه ربما جعلت فيه أنفحة الميت قال : ليس بها بأس ، إن الانفحة ليس لها عروق ، ولا فيها دم ، ولالها عظم إنما تخرج من بين فرث ودم ثم قال : وإنما الانفحة بمنزلة دجاجة ميتة أخرجت منها بيضة ، فهل تأكل تلك البيضة؟ قال قتادة : لا ولا آمر بأكلها ، فقال له أبوجعفرعليه‌السلام : ولم؟ قال : لانها من الميتة قال له : فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها؟ قال : نعم ، قال : فما حرم عليك البيضة وأحل لك الدجاجة؟ ثم قال عليه‌السلام : فكذلك الانفحة مثل البيضة ، فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلين ولا تسأل عنه ، إلا أن يأتيك من يخبرك عنه (١).

١٢ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن أحمد بن إسماعيل الكاتب ، عن أبيه قال : أقبل أبوجعفر عليه‌السلام في المسجد الحرام ، فنظر إليه قوم من قريش فقالوا : من هذا؟ فقيل لهم : إمام أهل العراق ، فقال بعضهم : لو بعثتم إليه بعضكم فسأله ، فأتاه شاب منهم فقال له : يا عم ما أكبر الكبائر؟ فقال : شرب الخمر ، فأتاهم فأخبرهم فقالوا له : عد إليه ، فعاد إليه فقال له : ألم أقل لك يا ابن أخ شرب الخمر؟ إن شرب الخمر يدخل صاحبه في الزنا ، والسرقة وقتل النفس التي حرم الله عزوجل ، وفي الشرك بالله عزوجل ، وأفاعيل الخمر تعلو على كل ذنب كما تعلو شجرها على كل شجر (٢).

١٣ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ابن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن عبدالله بن مسكان ، عن زرارة قال :

____________________

(١) الكافى ج ٦ ص ٢٥٦.

(٢) نفس المصدر ج ٦ ص ٤٢٩.

٣٥٨

كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام وعنده رجل من الانصار فمرت به جنازة فقام الانصاري ولم يقم أبوجعفر عليه‌السلام فقعدت معه ، ولم يزل الانصاري قائما حتى مضوا بها ، ثم جلس فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : ما أقامك؟ قال : رأيت الحسين بن علي عليه‌السلام يفعل ذلك فقال أبوجعفر عليه‌السلام : والله ما فعله الحسين عليه‌السلام ولا قام لها أحد منا أهل البيت قط ، فقال الانصاري : شككتني أصلحك الله ، قد كنت أظن أني رأيت (١).

____________________

(١) المصدر السابق ج ٣ ص ١٩١ وأخرجه الشيخ الطوسى في التهذيب ج ١ ص ٤٥٦.

٣٥٩

١٠

* ( باب ) *

* ( نوادر أخباره صلوات الله عليه ) *

١ ـ ما : المفيد عن زيد بن محمد بن جعفر السلمي ، عن الحسن بن الحكم الكندي ، عن إسماعيل بن صبيح اليشكري ، عن خالد بن العلا ، عن المنهال بن عمر قال : كنت جالسا مع محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام اذ جاءه رجل فسلم عليه فرد عليه‌السلام ، قال الرجل : كيف أنتم؟ فقال له محمد : أؤ ما آن لكم أن تعلموا كيف نحن ، إنما مثلنا في هذه الامة مثل بني إسرائيل ، كان يذبح أبناؤهم وتستحيا نساؤهم ، ألا وإن هؤلاء يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا ، زعمت العرب أن لهم فضلا على العجم فقالت العجم : وبما ذلك؟ قالوا : كان محمد منا عربيا ، قالوا لهم : صدقتم ، وزعمت قريش أن لها فضلا على غيرها من العرب فقالت لهم العرب من غيرهم : وبما ذاك؟ قالوا : كان محمد قرشيا قالوا لهم : صدقتم ، فإن كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس لانا ذرية محمد ، وأهل بيته خاصة وعترته ، لايشركنا في ذلك غيرنا ، فقال له الرجل : والله إني لاحبكم أهل البيت قال : فاتخذ للبلاء جلبابا ، فوالله إنه لاسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي وبنا يبدو البلاء ثم بكم ، وبنا يبدو الرخاء ثم بكم (١).

بيان : يستحيون أي يستبقون وقال الجزري (٢) في حديث علي عليه‌السلام : من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا أي ليزهد في الدنيا وليصبر على الفقر والقلة ، والجلباب الازار والرداء ، وقيل : الملحفة ، وقيل : هو كالمقنعة تغطي بها

____________________

(١) أمالى الطوسى ص ٩٥.

(٢) النهاية ج ١ ص ١٦٩.

٣٦٠