بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الجنازة قال وليها لابي جعفر : ارجع مأجورا رحمك الله فإنك لاتقوى على المشي فأبى أن يرجع ، قال فقلت له : قد أذن لك في الرجوع ولي حاجة اريد أن أسألك عنها فقال : امض فليس باذنه جئنا ولا باذنه نرجع ، إنما هو فضل وأجر طلبناه فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك (١).

٤٤ ـ كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن بعض أصحابنا ، قال : كان قوم أتوا أبا جعفر عليه‌السلام فوافقوا صبيا له مريضا فرأوا منه اهتماما وغما وجعل لايقر ، قال فقالوا : والله لئن أصابه شئ إنا لنتخوف أن نرى منه ما نكره ، قال : فما لبثوا أن سمعوا الصياح عليه فاذا هو قد خرج عليهم منبسط الوجه في غير الحال التي كان عليها ، فقالوا له : جعلنا الله فداك لقد كنا نخاف مما نرى منك أن لو وقع أن نرى منك ما يغمنا فقال لهم : إنا لنحب أن نعافى فيمن نحب فاذا جاء أمر الله سلمنا فيما يحب (٢).

٤٥ ـ كا : أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن إسحاق ابن عمار ، قال : قال لي أبوعبدالله عليه‌السلام : إني كنت امهد لابي فراشه فأنتظره حتى يأتي ، فاذا أوى إلى فراشه ونام قمت إلى فراشي ، وإنه أبطأ علي ذات ليلة ، فأتيت المسجد في طلبه وذلك بعد ما هدأ الناس ، فاذا هو في المسجد ساجد ، وليس في المسجد غيره ، فسمعت حنينه وهو يقول : سبحانك اللهم أنت ربي حقا حقا سجدت لك يا رب تعبدا ورقا ، اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي ، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ، وتب علي إنك أنت التواب الرحيم (٣).

____________________

(١) المصدر السابق ج ٣ ص ١٧١.

(٢) المصدر السابق ج ٣ ص ٢٢٦ وأخرج أبونعيم في الحلية ج ٣ ص ١٨٧ كلمة الامام في التسليم فقط.

(٣) المصدر السابق ج ٣ ص ٣٢٣.

٣٠١

٤٦ ـ يب : أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال ثقل ابن لجعفر ، وأبوجعفر جالس في ناحية فكان إذا دنا منه إنسان قال : لا تمسه ، فإنه إنما يزداد ضعفا ، وأضعف ما يكون في هذه الحال ، ومن مسه على هذه الحال أعان عليه ، فلما قضى الغلام أمر به فغمض عيناه وشد لحياه ، ثم قال لنا : إن نجزع ما لم ينزل أمر الله ، فاذا نزل أمرالله فليس لنا إلا التسليم ، ثم دعا بدهن فادهن واكتحل ودعا بطعام فأكل هو ومن معه ، ثم قال : هذا هو الصبر الجميل ثم أمر به فغسل ثم لبس جبة خز ومطرف خز وعمامة خز وخرج فصلى عليه (١).

٤٧ ـ كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون عن يحيي بن زكريا ، عن أبي عبيدة قال : كنت زميل أبي جعفر عليه‌السلام وكنت أبدأ بالركوب ثم يركب هو ، فاذا استوينا سلم وسأل مسألة رجل لا عهد له بصاحبه وصافح ، قال : وكان إذا نزل نزل قبلي فاذا استويت أنا وهو على الارض سلم و سأل مسألة من لاعهد له بصاحبه ، فقلت يا ابن رسول الله إنك لتفعل شيئا ما يفعله من قبلنا ، وإن فعل مرة لكثير ، فقال : أما علمت ما في المصافحة ، إن المؤمنين يلتقيان فيصافح أحدهما صاحبه فما تزال الذنوب تتحات عنهما كما يتحات الورق عن الشجر والله ينظر إليهما حتى يفترقان (٢).

٤٨ ـ تم : روي عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : دخلت على أبي يوما وهو يتصدق على فقراء أهل المدينة بثمانية آلاف دينار ، وأعتق أهل بيت بلغوا أحد عشر مملوكا الخبر (٣).

٤٩ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن ميمون القداح ، قال : قال لي أبوجعفر عليه‌السلام : اقرأ ، قلت : من أي شئ أقرأ؟ قال :

____________________

(١) تهذيب الاحكام ج ١ ص ٢٨٩.

(٢) الكافى ج ٢ ص ١٧٩.

(٣) لم نعثر عليه في المطبوع من المصدر.

٣٠٢

من السورة التاسعة ، قال : فجعلت ألتمسها فقال : اقرأ من سورة يونس فقال : قرأت « للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة » (١) قال : حسبك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني لاعجب كيف لا أشيب إذا قرأت القرآن (٢).

٥٠ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، والعدة عن البرقي ، عن أبيه ، جميعا عن يونس ، عن عبدالله بن سنان ، وابن مسكان ، عن أبي الجارود قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : إذا حدثتكم بشئ فاسألوني عن كتاب الله ، ثم قال في حديثه : إن الله نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤأل ، فقالوا : يا ابن رسول الله وأين هذا من كتاب الله؟ فقال : إن الله عزوجل يقول في كتابه : « لاخير في كثير من نجويهم » (٣) الآية وقال « ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما » (٤) وقال « ولا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم » (٥).

٥١ ـ ين : فضالة ، عن ابن فرقد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال في كتاب رسول الله : إذا استعملتم ما ملكت أيمانكم في شئ فيشق عليهم فاعملوا معهم فيه ، قال : و إن كان أبي ليأمرهم فيقول : كما أنتم ، فيأتي فينظر فان كان ثقيلا قال بسم الله ثم عمل معهم وإن كان خفيفا تنحى عنهم (٦).

٥٢ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، بإسناده إلى شقيق البلخي ، عمن أخبره من أهل العلم ، قال : قيل لمحمد بن علي الباقر عليه‌السلام كيف أصبحت؟ قال :

____________________

(١) سورة يونس ، الاية : ٢٦.

(٢) الكافى ج ٢ ص ٦٣٢ عد سورة يونس السورة التاسعة بناء على ان سورة البقرة أول سور القرآن كما ذهب اليه بعض ، أو بناء على ان التوبة متممة لسورة الانفال كما ذهب اليه جمع.

(٣) سورة النساء ، الاية : ١١٤.

(٤) سورة النساء ، الاية : ٥.

(٥) الكافى ج ١ ص ٦٠. والاية الثالثة في سورة المائدة ، الاية : ١٠١.

(٦) كتاب الزهد للحسين بن سعيد الاهوازي باب ما جاء في المملوك.

٣٠٣

أصبحنا غرقي في النعمة ، موفورين بالذنوب ، يتحبب إلينا إلهنا بالنعم ، ونتمقت إليه بالمعاصي ، ونحن نفتقر إليه ، وهو غني عنا (١).

٥٣ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبدالله سنان ، عن عبدالله بن سليمان ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبن فقال : لقد سألتني عن طعام يعجبني ، ثم أعطى الغلام درهما فقال : يا غلام ابتع لنا جبنا ودعا بالغداء فتغدينا معه وأتى بالجبن فأكل وأكلنا (٢).

٥٤ ـ كا : علي بن محمد بن عبدالله ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله ، قال : دخل عبدالله بن قيس الماصر على أبي جعفر عليه‌السلام فقال : أخبرني عن الميت لم يغسل غسل الجنابة؟ فقال له أبوجعفر عليه‌السلام : لا اخبرك فخرج من عنده فلقي بعض الشيعة ، فقال له : العجب لكم يا معشر الشيعة توليتم هذا الرجل وأطعتموه فلو دعاكم إلى عبادته لاجبتموه و قد سألته عن مسألة فما كان عنده فيها شئ ، فلما كان من قابل دخل عليه أيضا فسأله عنها ، فقال : لا اخبرك بها.

فقال عبدالله بن قيس لرجل من أصحابه : انطلق إلى الشيعة فاصحبهم وأظهر عندهم موالاتك إياهم ولعنتي والتبري مني ، فاذا كان وقت الحج فائتني حتى أدفع إليك ما تحتج به ، واسألهم أن يدخلوك على محمد بن علي ، فاذا صرت إليه فاسأله عن الميت لم يغسل غسل الجنابة؟ فانطلق الرجل إلى الشيعة فكان معهم إلى وقت الموسم فنظر إلى دين القوم فقبله بقبوله ، وكتم ابن قيس أمره مخافة أن يحرم الحج ، فلما كان وقت الحج أتاه فأعطاه حجة وخرج ، فلما صار بالمدينة قال له أصحابه : تخلف في المنزل حتى نذكرك له ونسأله ليأذن لك.

فلما صاروا إلى أبي جعفر عليه‌السلام قال لهما : أين صاحبكم؟ ما أنصفتموه ، قالوا :

____________________

(١) أمالى ابن الشيخ الطوسى ص ٥٠ الملحق بأمالى والده ، ضمن حديث.

(٢) الكافى ج ٦ ص ٣٣٩ صدر حديث.

٣٠٤

لم نعلم ما يوافق من ذلك فأمر بعض من يأتيه به ، فلما دخل على أبي جعفر عليه‌السلام قال له : مرحبا كيف رأيت ما أنت فيه اليوم مما كنت فيه قبل؟ فقال : يا ابن رسول الله لم أكن في شئ ، فقال : صدقت أما إن عبادتك يومئذ كانت أخف عليك من عبادتك اليوم لان الحق ثقيل والشيطان موكل بشيعتنا ، لان سائر الناس قد كفوه أنفسهم ، إني ساخبرك بما قال لك ابن قيس الماصر قبل أن تسألني عنه و أصير الامر في تعريفه إياه إليك إن شئت أخبرته وإن شئت لم تخبره ، إن الله عزوجل خلق خلاقين ، فاذا أراد أن يخلق خلقا أمرهم فأخذوا من التربة التي قال في كتابه : « منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى » فعجن النطفة بتلك التربة التي يخلق منها بعد أن أسكنها الرحم أربعين ليلة ، فاذا تمت له أربعة أشهر ، قالوا يا رب تخلق ما ذا؟ فيأمرهم بما يريد من ذكر أو أنثى ، أبيض أو أسود ، فاذا خرجت الروح من البدن خرجت هذه النطفة بعينها منه كائنا ما كان صغيرا أو كبيرا ، ذكرا أو انثى ، فلذلك يغسل الميت غسل الجنابة ، فقال الرجل يا ابن رسول الله لا بالله لا اخبر ابن قيس الماصر بهذا أبدا فقال : ذاك إليك (١).

____________________

(١) نفس المصدر ج ٣ ص ١٦١.

٣٠٥

٧.

* ( باب ) *

* ( ( خروجه عليه‌السلام إلى الشام وما ظهر فيه من المعجزات ) ) *

١ ـ ذكر السيد بن طاوس رحمه‌الله في كتاب أمان الاخطار (١) ناقلا عن كتاب دلائل الامامة (٢) تصنيف محمد بن جرير الطبري الامامي ، من أخبار معجزات مولانا محمد بن علي الباقر عليه‌السلام.

ذكره باسناده عن الصادق عليه‌السلام قال : حج هشام بن عبدالملك بن مروان سنة من السنين ، وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر بن محمد عليهم‌السلام فقال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : الحمدلله الذي بعث محمدا بالحق نبيا وأكرمنا به فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده وخلفاؤه ، فالسعيد من ابتعنا و الشقي من عادنا وخالفنا.

ثم قال : فأخبر مسلمة أخاه بما سمع فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق وانصرفنا إلى المدينة ، فأنفذ بريدا إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه فأشخصنا ، فلما وردنا مدينة دمشق حجبنا ثلاثا ، ثم أذن لنا في اليوم الرابع فدخلنا ، وإذا قد قعد على سرير الملك ، وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم سماطان متسلحان ، وقد نصب البرجاس حذاة وأشياخ قومه يرمون ، فلما دخلنا وأبي أمامي وأنا خلفه ، فنادى أبي وقال : يا محمد ارم مع أشياخ قومك الغرض ، فقال له : إني قد كبرت عن الرمي فهل رأيت أن تعفيني ، فقال : وحق من أعزنا بدينه ونبيه محد صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أفيك ، ثم أو مأ إلى شيخ من بني امية أن أعطه قوسك فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ثم تناول منه سهما ، فوضعه في كبد القوس ، ثم

____________________

(١) أمان الاخطار ص ٥٢ طبع النجف.

(٢) دلائل الامامة للطبرى ص ١٠٤.

٣٠٦

انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه ، ثم رمى فيه الثانية فشق فواق سهمه إلى نصله ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض ، وهشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك إلا أن قال : أجدت يا أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم ، هلا زعمت أنك كبرت عن الرمي ، ثم أدركته ندامة على ما قال.

وكان هشام لم يكن كنى أحدا قبل أبي ولا بعده في خلافته ، فهم به وأطرق إلى الارض إطراقة يتروى فيها وأنا وأبي واقف حذاه مواجهين له ، فلما طال وقوفنا غضب أبي فهم به ، وكان أبي عليه‌السلام إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يرى الناظر الغضب في وجهه ، فلما نظر هشام إلى ذلك من أبي ، قال له : إلي يا محمد! فصعد أبي إلى السرير ، وأنا أتبعه ، فلما دنا من هشام ، قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي ، ثم أقبل على أبي بوجهه ، فقال له : يا محمد لاتزال العرب والعجم تسودها قريش مادام فيهم مثلك ، لله درك ، من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟ فقال أبي : قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثني ثم تركته ، فلما أراد أميرالمؤمنين مني ذلك عدت فيه ، فقال له : ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت وما ظننت ، أن في الارض أحدا يرمي مثل هذا الرمي ، أيرمي جعفر مثل رميك؟ فقال : إنا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله : « اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا » (١) والارض لاتخلو ممن يكمل هذه الامور التي يقصر غيرنا عنها.

قال : فلما سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولت واحمر وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثم أطرق هنيئة ثم رفع رأسه ، فقال لابي : ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي : نحن كذلك ولكن الله جل ثناؤه اختصنا من مكنون سره وخالص علمه بما لم يخص أحدا به غيرنا فقال : أليس الله جل ثناؤه بعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة

____________________

(١) سورة المائدة ، الاية : ٣.

٣٠٧

أبيضها وأسودها وأحمرها من أين ورثتم ما ليس لغيركم؟ ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مبعوث إلى الناس كافة وذلك قول الله تبارك وتعالى « ولله ميراث السموات والارض » (١) إلى آخر الآية فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي ولا أنتم أنبياء؟ فقال : من قوله تبارك وتعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله « لاتحرك به لسانك لتعجل به » (٢) الذي لم يحرك به لسانه لغيرنا أمره الله أن يخصنا به من دون غيرنا فلذلك كان ناجى أخاه عليا من دون أصحابه فأنزل الله بذلك قرآنا في قوله « وتعيها اذن واعية » (٣) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لاصحابه : سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي ، فلذلك قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكفوة : علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم ففتح كل باب ألف باب ، خصه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكنون سره بما يخص أميرالمؤمنين أكرم الخلق عليه ، فكما خص الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله خص نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخاه عليا من مكنون سره بما لم يخص به أحدا من قومه ، حتى صار إلينا فتوارثنا من دون أهلنا.

فقال هشام بن عبدالملك : إن عليا كان يدعي علمى الغيب والله لم يطلع على غيبه أحدا ، فمن أين ادعى ذلك؟ فقال أبي : إن الله جل ذكره أنزل على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى « ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين » (٤) وفي قوله : « وكل شئ أحصيناه في إمام مبين » (٥) وفي قوله : « ما فرطنا في الكتاب من شئ » (٦) وأوحى الله إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يبقي في غيبه وسره ومكنون علمه شيئا إلا يناجي به عليا ، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده ويتولى غسله وتكفينه وتحنيطه

____________________

(١) سورة آل عمران ، الاية ١٨٠.

(٢) سورة القيامة ، الاية : ١٦.

(٣) سورة الحاقة ، الاية : ١٢.

(٤) سورة النحل ، الاية : ٨٩.

(٥) سورة يس ، الاية : ١٢.

(٦) سورة الانعام ، الاية : ٣٨.

٣٠٨

من دون قومه ، وقال لاصحابه : حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي ، فإنه مني وأنا منه ، له مالي وعليه ما علي ، وهو قاضي ديني ومنجز وعدي. ثم قال لاصحابه : علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي عليه‌السلام ، ولذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لاصحابه : أقضاكم علي أي هو قاضيكم وقال عمر بن الخطاب : لو لا علي لهلك عمر ، يشهد له عمر ويجحده غيره.

فأطرق هشام طويلا ثم رفع رأسه فقال : سل حاجتك ، فقال : خلفت عيالي وأهلي مستوحشين لخروجي فقال : قد آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم ولاتقم ، سر من يومك ، فاعتنقه أبي ودعا له وفعلت أنا كفعل أبي ، ثم نهض ونهضت معه وخرجنا إلى بابه ، إذا ميدان ببابه وفي آخر الميدان اناس قعود عدد كثير ، قال أبي : من هؤلاء؟ فقال الحباب هؤلاء القسيسون والرهبان وهذا عالم لهم يقعد إليهم في كل سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم ، فلف أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه وفعلت أنا مثل فعل أبي ، فأقبل نحوهم حتى قعد نحوهم وقعدت وراء أبي ، ورفع ذلك الخبر إلى هشام ، فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي ، فأقبل وأقبل عداد من المسلمين فأحاطوا بنا ، وأقبل عالم النصارى وقد شد حاجبيه بحريرة صفراء حتى توسطنا ، فقام إليه جميع القسيسين والرهبان مسلمين عليه ، فجاؤا به إلى صدر المجلس فقعد فيه ، وأحاط به وأصحابه وأبي وأنا بينهم ، فأدار نظره ثم قال : لابي : أمنا أم من هذه الامة المرحومة؟ فقال أبي : بل من هذه الامة المرحومة فقال : من أيهم أنت من علمائها أم من جهالها؟ فقال له أبي : لست من جهالها فاضطرب اضطرابا شديدا.

ثم قال له : أسألك؟ فقال له أبي : سل ، فقال : من أين ادعيتم أن أهل الجنة يطعمون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون؟

وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل؟ فقال له أبي : دليل ما ندعي من شاهد لا يجهل الجنين في بطن امه يطعم ولا يحدث ، قال : فاضطرب النصراني

٣٠٩

اضطرابا شديدا ، ثم قال : هلا زعمت أنك لست من علمائها؟ فقال له أبي : ولا من جهالها ، وأصحاب هشام يسمعون ذلك.

فقال لابي : أسألك عن مسألة اخرى فقال له أبي : سل.

فقال : من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة؟ وما الدليل عليه من شاهد لايجهل؟

فقال له أبي : دليل ما ندعي أن ترابنا أبدا يكون غضا طريا موجودا غير معدوم عند جميع أهل الدنيا لاينقطع ، فاضطرب اضطرابا شديدا ، ثم قال : هلا زعمت أنك لست من علمائها؟ فقال له أبي : ولا من جهالها.

فقال له : أسألك عن مسألة؟ فقال : سل ، فقال : أخبرني عن ساعة لامن ساعات الليل ولا من ساعات النهار.

فقال له أبي : هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يهدأ فيها المبتلى ، ويرقد فيها الساهر ، ويفيق المغمى عليه ، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين وفي الآخرة للعالمين لها دليلا واضحا وحجة بالغة على الجاحدين المتكبرين التاركين لها.

قال : فصاح النصراني صيحة ثم قال : بقيت مسألة واحدة والله لاسألك عن مسألة لاتهدي إلى الجواب عنها أبدا.

قال له أبي : سل فانك حانث في يمينك.

فقال : أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد عمر أحدهما خمسون سنة وعمر الآخر مائة وخمسون سنة في دار الدنيا.

فقال له أبي : ذلك عزيز وعزيرة ولدا في يوم واحد ، فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عام ، مر عزيز على حماره راكبا على قرية بأنطاكية وهي خاوية على عروشها قال : « أنى يحيي هذه الله بعد موتها » (١) وقد كان اصطفاه وهداه فلما قال ذلك القول غضب الله عليه فأماته الله مائة عام سخطا عليه بما قال : ثم بعثه

____________________

(١) سورة البقرة الاية : ٢٥٩.

٣١٠

على حماره بعينه وطعامه وشرابه وعاد إلى داره ، وعزيرة أخوه لا يعرفه فاستضافه فأضافه ، وبعث إليه ولد عزيرة وولد ولده وقد شاخوا وعزير شاب في سن خمس وعشرين سنة ، فلم يزل عزير يذكر أخاه وولده وقد شاخوا وهم يذكرون ما يذكرهم ويقولون : ما أعلمك بأمر قد مضت عليه النسون والشهور ، ويقول له عزيرة وهو شيخ كبير ابن مائة وخمسة وعشرين سنة : ما رأيت شابا في سن خمسة وعشرين سنة أعلم بما كان بيني وبين أخي عزيز أيام شبابي منك! فمن أهل السماء أنت؟ أم من أهل الارض؟ فقال : يا عزيرة أنا عزير سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفاني وهداني فأماتني مائة سنة ثم بعثني لتزدادوا بذلك يقينا إن الله على كل شئ قدير ، وها هو هذا حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده الله تعالى كما كان ، فعندها أيقنوا فأعاشه الله بينهم خمسة وعشرين سنة ، ثم قبضه الله وأخاه في يوم واحد.

فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما وقاموا النصارى على أرجلهم فقال لهم عالمهم : جئتموني بأعلم مني وأقعدتموه معكم حتى هتكني وفضحني وأعلم المسلمين بأن لهم من أحاط بعلومنا وعنده ما ليس عندنا ، لا والله لا كلمتكم من رأسي كلمة واحدة ، ولا قعدت لكم إن عشت سنة ، فتفرقوا وأبى قاعد مكانه وأنا معه ، ورفع ذلك الخبر إلى هشام.

فلما تفرق الناس نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنا فيه ، فوافانا رسول هشام بالجائزة وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ولا نجلس ، لان الناس ماجوا وخاضوا فيما داربين أبي وبين عالم النصارى ، فركبنا دوابنا منصرفين وقد سبقنا بريد من عند هشام إلى عامل مدين على طريقنا إلى المدينة أن ابني أبي تراب الساحرين : محمد بن علي وجعفر بن محمد الكذابين بل هو الكذاب لعنه الله فيما يظهران من الاسلام وردا علي ولما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان من كفار النصارى وأظهر الهما دينهما ومرقا من الاسلام إلى الكفردين النصارى وتقربا إليهم بالنصرانية ، فكرهت أن انكل بهما لقرابتهما ، فإذا قرأت كتابي

٣١١

هذا فناد في الناس : برئت الذمة ممن يشاريهما أو يبايعهما أو يصافحهما أو يسلم عليهما فإنهما قد ارتدا عن الاسلام ، ورأى أميرالمؤمنين أن يقتلهما ودوابهما وغلمانهما ومن معهما شر قتلة ، قال : فورد البريد إلى مدينة مدين.

فلما شارفنا مدينة مدين قدم أبي غلمانه ليرتادوا لنا منزلا ويشروا لدوابنا علفا ، ولنا طعاما ، فلما قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا وشتمونا وذكروا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فقالوا : لا نزول لكم عندنا ولا شراء ولا بيع يا كفار يا مشركين يا مرتدين يا كذابين يا شر الخلائق أجمعين فوقف غلماننا على الباب حتى انتهينا إليهم فكلمهم أبي ولين لهم القول وقال لهم اتقوالله ولا تغلظوا فلسنا كما بلغكم ولانحن كما تقولون فأسمعونا ، فقال لهم : فهبنا كما تقولون افتحوا لنا الباب وشارونا وبايعونا كما تشارون وتبايعون اليهود والنصارى والمجوس ، فقالوا : أنتم شر من اليهود والنصارى والمجوس لان هؤلاء يؤدون الجزية وأنتم ما تؤدون ، فقال لهم أبي : فافتحوا لنا ألباب وأنزلونا وخذوا منا الجزية كما تأخذون منهم ، فقالوا : لا نفتح ولاكرامة لكم حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا نياعا أو تموت دوابكم تحتكم ، فوعظهم أبي فازدادوا عتوا ونشوزا قال : فثنى أبي رجله عن سرجه ثم قال لي : مكانك يا جعفر لاتبرح ، ثم صعد الجبل المطل على مدينة مدين وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع ، فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة وجسده ، ثم وضع إصبعيه في اذنيه ثم نادى بأعلا صوته « وإلى مدين أخاهم شعيبا » إلى قوله « بقية الله خيرلكم إن كنتم مؤمنين » (١) نحن والله بقية الله في أرضه ، فأمر الله ريحا سوداء مظلمة فهبت واحتملت صوت أبي فطرحته في أسماع الرجال والصبيان والنساء ، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلا صعد السطوح ، وأبي مشرف عليهم ، وصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن ، فنظر إلى أبي على الجبل ، فنادى بأعلا صوته : اتقوا الله يا أهل مدين فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب عليه‌السلام حين دعا على قومه ، فإن

____________________

(١) سورة هود ، الاية ، ٨٦.

٣١٢

أنتم لم تفتحوا له الباب ولم تنزلوه جاءكم من الله العذاب فإني أخاف عليكم وقد أعذر من أنذر ، ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا ، وكثيب بجميع ذلك إلى هشام فارتحلنا في اليوم الثاني ، فكتب هشام إلى عامل مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيقتله رحمة الله عليه وصلواته ، وكتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سم أبي في طعام أو شراب ، فمضى هشام ولم يتهيأ له في أبي من ذلك شي ء.

ايضاح : وجدت الخبر في أصل كتاب الدلائل كما ذكر.

وقال الجوهري (١) السماطان : من النخل والناس : الجانبان.

وقال في القاموس (٢) : البرجاس : بالضم غرض في الهواء على رأس رمح ونحوه مولد.

وفي الصحاح (٣) النوع بالضم إتباع للجوع والنائع إتباع للجائع ، يقال رجل جائع نائع ، وإذا دعوا عليه قالوا جوعا نوعا ، وقوم جياع نياع ، وزعم بعضهم [ أن ] النوع العطش والنائع العطشان.

٢ ـ فس : أبي ، عن إسماعيل بن أبان ، عن عمر بن عبدالله الثقفي ، قال : أخرج هشام بن عبدالملك أبا جعفر محمد بن علي زين العابدين عليهما‌السلام من المدينة إلى الشام وكان ينزله معه ، فكان يقعد مع الناس في مجالسهم ، فبينا هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك ، فقال : مالهؤلاء القوم أهلم عيد اليوم؟ قالوا : لا يا ابن رسول الله ، ولكنهم يأتون عالما لهم في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم فيخرجونه ويسألونه عما يريدون وعما يكون في عامهم ، قال أبوجعفر : ولا علم؟ فقالوا : من أعلم الناس قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى عليه‌السلام قال : فهلم أن نذهب إليه؟ فقالوا : ذاك إليك يا ابن رسول الله ، قال : فقنع أبوجعفر عليه‌السلام رأسه بثوبه ، ومضى هو وأصحابه

____________________

(١) الصحاح ج ١ ص ٥٥٣ طبع بولاق.

(٢) القاموس ج ٢ ص ٢٠٠.

(٣) الصحاح ج ١ ص ٦٢٨ طبع بولاق.

٣١٣

فاختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل.

قال : فقعد أبو جعفر وسط النصارى هو وأصحابه فأخرج النصارى بساطا ثم وضع الوسائد ثم دخلوا فأخرجوه وربطوا عينه فقلب عينيه كأنهما عينا أفعى ثم قصد أبا جعفر فقال له : امنا أنت أم من الامة المرحومة؟ فقال أبوجعفر من الامة المرحومة ، قال : أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم؟ فقال : لست من جهالهم ، قال النصراني : أسألك أو تسألني؟ قال أبوجعفر تسألني فقال : يا معشر النصارى رجل من امة محمد يقول سلني إن هذا لعالم بالمسائل ، ثم قال : يا عبدالله أخبرني عن ساعة ما هي من الليل ولا هي من النهارأي ساعة هي؟ قال أبوجعفر : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، قال النصراني : إذا لم تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي؟ فقال أبوجعفر عليه‌السلام : من ساعات الجنة ، وفيها تفيق مرضانا.

فقال النصراني : أصبت فأسألك أو تسألني؟ قال أبوجعفر عليه‌السلام : سلني قال : يا معشر النصاري إن هذا لمليئ بالمسائل أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون أعطني مثله في الدنيا؟ فقال أبوجعفر : هذا الجنين في بطن امه يأكل مما تأكل امه ولا يتغوط ، قال النصراني : أصبت ألم تقل ما أنا من علمائهم؟ قال أبوجعفر : إنما قلت لك : ما أنا من جهالهم.

قال النصراني فأسألك أو تسألني؟ [ قال أبوجعفر عليه‌السلام تسألني ] قال : يا معشر النصارى والله لاسألنه مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل فقال : سل ، قال : أخبرني عن رجل دنا من امرأة فحملت بابنين جميعا حملتهما ، في ساعة واحدة ، وماتا في ساعة واحدة ، ودفنا في ساعة واحدة في قبر واحد فعاش أحدهما خمسين ومائة سنة وعاش واحدة ، ودفنا في ساعة واحدة في قبر واحد ، فعاش أحدهما خمسين ومائة سنة وعاش الآخر خمسين سنة من هما؟ فقال أبوجعفر عليه‌السلام : هما عزير وعزرة كان حمل امهما على ما وصفت ، ووضعتهما على ما وصفت ، وعاش عزرة وعزير فعاش عزرة مع عزير ثلاثين سنة ، ثم أمات الله عزيرا مائة سنة ، وبقي عزرة يحيى ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة عشرين سنة



٣١٤

قال النصراني : يا معشر النصارى ما رأيت أحدا قط أعلم من هذا الرجل لاتسألوني عن حرف وهذا بالشام ردوني فردوه إلى كهفه ورجع النصارى مع أبي جعفر صلوات الله عليه (١).

بيان : قوله : فربطوا عينيه ، لعلهم ربطوا حاجبيه فوق عينيه كما في الخرائج « فرأينا شيخا سقط حاجباه على عينيه من الكبر » وقد مر فيما رواه السيد « شد حاجبيه » ويحتمل أن يكون المراد ربط أشفار عينيه فوقهما لتنفتحا أو ربط ثوب شفيف على عينيه بحيث لا يمنع رؤيته من تحته لئلا يضره نور الشمس لاعتياده بالظلمة في الهكف.

قوله : لمليئ : أي جدير بأن يسأل عنه ، ثم اعلم أن قوله عليه‌السلام مابين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ليس من ساعات الليل والنهار ، لا ينافي ما نقله العلامة وغيره من إجماع الشيعة على كونها من ساعات النهار ، إذ يمكن حمله على أن المراد أنها ساعة لاتشبه سائر ساعات الليل والنهار ، بل هي شبيهة بساعات الجنة ، وإنما جعلها الله في الدنيا ليعرفوا بها طيب هواء الجنة ولطافتها و اعتدالها ، على أنه يحتمل أن يكون عليه‌السلام أجاب السائل على ما يوافق عرفه و اعتقاده ومصطلحه.

أقول : قد مر في باب احتجاجه عليه‌السلام من الخرايج أن الديراني أسلم مع أصحابه على يديه عليه‌السلام.

٣ ـ ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن أحمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن علي بن عبدالعزيز ، عن يحيى بن بشير عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله صلوات الله عليه قال : بعث هشام بن عبدالملك إلى أبي عليه‌السلام فأشخصه إلى الشام ، فلما دخل عليه قال له : يا أبا جعفر إنما بعثت إليك لاسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري ، ولا ينبغي أن يعرف هذه المسألة إلا رجل واحد ، فقال له أبي : يسألني أميرالمؤمنين عما أحب فإن علمت

____________________

(١) تفسير على بن ابراهيم ص ٨٨.

٣١٥

أجبته ، وإن لم أعلم قلت لا أدري ، وكان الصدق أولى بي ، فقال هشام : أخبرني عن الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب بما استدل الغائب عن المصر الذي قتل فيه علي؟ وما كانت العلامة فيه للناس؟ وأخبرني هل كانت لغيره في قتله عبرة.

فقال له أبي : إنه لما كانت الليلة التي قتل فيها علي صلوات الله عليه لم يرفع عن وجه الارض حجر إلا وجد تحته دم عبيط حتى طلع الفجر.

وكذلك كانت الليلة التي فقد فيها هارون أخو موسى صلوات الله عليهما.

وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون.

وكذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم عليهما‌السلام.

وكذلك الليلة التي قتل فيها الحسين صلوات الله عليه.

فتربد وجه هشام وامتقع لونه ، وهم أن يبطش بأبي ، فقال له أبي : يا أميرالمؤمنين الواجب على الناس الطاعة لامامهم والصدق له بالنصيحة ، وإن الذي دعاني إلى ما أجبت به أميرالمؤمنين فيما سألني عنه معرفتي بما يجب له من الطاعة فليحسن ظن أميرالمؤمنين ، فقال له هشام : أعطني عهد الله وميثاقه ألا ترفع هذا الحديث إلى أحد ما حييت ، فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه ، ثم قال هشام : انصرف إلى أهلك إذا شئت ، فخرج أبي متوجها من الشام نحو الحجاز ، وأبرد هشام بريدا وكتب معه إلى جميع عماله ما بين دمشق إلى يثرب يأمرهم أن لا يأذنوا لابي في شئ من مدينتهم ولا يبايعوه في أسواقهم ، ولا يأذنوا له في مخالطة أهل الشام حتى ينفذ إلى الحجاز ، فلما انتهي إلى مدينة مدين ومعه حشمه ، وأتاه بعضهم فأخبره أن زادهم قد نفد ، وأنهم قد منعوا من السوق ، وأن باب المدينة أغلق ، فقال أبي : فعلوها أئتوني بوضوء فاتي بماء فتوضأ ثم توكأ على غلام له ثم صعد الجبل حتى إذا صار في ثنية (١) استقبل القبلة فصلى ركعتين ، ثم قام و أشرف على المدينة ثم نادى بأعلا صوته وقال :

« وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا

____________________

(١) الثنية : العقبة أو طريقها ، أو الجبل ، أو الطريقة فيه أو اليه « القاموس ».

٣١٦

تنقصوا المكيال والميزان إني أريكم بخيرو إني أخاف عليكم عذاب يوم محيط * ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولاتعثوا في الارض مفسدين * بقية الله خيرلكم إن كنتم مؤمنين » (١) ثم وضع يده على صدره ثم نادى بأعلى صوته : أنا والله بقية الله ، أنا والله بقية الله قال وكان في أهل مدين شيخ كبير قد بلغ السن وأدبته التجارب وقد قرأ الكتب وعرفه أهل مدين بالصلاح فلما سمع الندا قال لاهله : أخرجوني فحمل ووضع وسط المدينة ، فاجتمع الناس إليه فقال لهم : ما هذا الذي سمعته من فوق الجبل؟ قالوا : هذا رجل يطلب السوق فمنعه السلطان من ذلك وحال بينه وبين منافعه ، فقال لهم الشيخ : تطيعونني؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : قوم صالح إنما ولي عقر الناقة منهم رجل واحد وعذبوا جميعا على الرضا بفعله ، وهذا رجل قد قام مقام شعيب ونادى مثل نداء شعيب عليه‌السلام فارفضوا السلطان وأطيعوني واخرجوا إليه بالسوق فاقضوا حاجته ، وإلا لم آمن والله عليكم الهلكة ، قال : ففتحوا الباب وأخرجوا السوق إلى أبي فاشتروا حاجتهم ودخلوا مدينتهم ، وكتب عامل هشام إليه بما فعلوه وبخبر الشيخ ، فكتب هشام إلى عامله بمدين بحمل الشيخ إليه فمات في الطريق رضي‌الله‌عنه.

ايضاح : قال الجوهري (٢) تربد وجه فلان أي تغير من الغضب ، وقال (٣) يقال : امتقع لونه اذا تغير من حزن أو فزع.

أقول : قد مر الخبر بوجه آخر في باب معجزاته عليه‌السلام.

قب : أبوبكر بن دريد الازدي ، باسناد له ، وعن الحسن بن علي الناصر بن الحسن بن علي بن عمر بن علي ، وعن الحسين بن علي بن جعفر بن موسى بن جعفر عن آبائهم كلهم عن الصادق عليه‌السلام قال : لما اشخص أبي محمد بن علي إلى دمشق سمع الناس يقولون : هذا ابن أبي تراب ، قال : فأسند ظهره إلى جدار القبلة ثم حمدالله

____________________

(١) سورة هود ، الايات ٨٤ ٨٥ ٨٦.

(٢) الصحاح ج ١ ص ٢٢٦ طبع بولاق.

(٣) نفس المصدر ج ١ ص ٦٢٤ طبع بولاق.

٣١٧

وأثنى عليه وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال : اجتبوا أهل الشقاق ، وذرية النفاق وحشو النار ، وحصب جهنم ، عن البدر الزاهر ، والبحر الزاخر ، والشهاب الثاقب وشهاب المؤمنين ، والصراط المستقيم ، من قبل أن تطمس وجوه فترد على أدبارها أو يلعنوا كما لعن أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا.

ثم قال بعد كلام : أبصنو رسول الله تستهزؤن؟ أم بيعسوت الدين تلمزون؟ وأي سبيل بعده تسلكون؟ وأي حزن بعده تدفعون؟ هيهات هيهات برز والله بالسبق وفاز بالخصل ، واستوى على الغاية ، وأحرز الخطار ، فانحسرت عنه الابصار ، و خضعت دونه الرقاب ، وفرع الذروة العليا ، فكذب من رام من نفسه السعي وأعياه الطلب ، فأنى لهم التناوش من مكان بيعد ، وقال :

أقلوا عليهم لا أبا لابيكم

من اللوم أوسد وامكان الذي سدوا

اولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا

وإن عاهدوا أوفوا إن عقدوا شدوا

فأنى يسد ثلمة أخي رسول الله إذ شفعوا ، وشقيقه إذ نسبوا ، ونديده إذ فشلوا ، وذي قرني كنزها إذ فتحوا ، ومصلي القبلتين إذ تحرفوا ، والمشهود له بالايمان إذ كفروا ، والمدعى لنبذ عهد المشركين إذ نكلوا ، والخليفة على المهاد ليلة الحصار إذ جزعوا ، والمستودع لاسرار ساعة الوداع ، إلى آخر كلامه (١).

توضيح : أهل الشقاق أي يا أهل الشقاق عن البدر الزهر أي عن سوء القول فيه ، وذخر البحر أي مد وكثر ماؤه وارتفعت أمواجه ، والثاقب : المضئ ، و الصنو : بالكسر المثل وأصله أن تطلع نخلتان من عرق واحد ، واللمز : العيب و الوقوع في الناس ، برز والله بالسبق : أي ظهر وخرج من بينهم بأن سبقهم في جميع الفضائل.

قوله عليه‌السلام : بالخصل أي بالغلبة على من راهنه في إحراز سبق الكمال. قال الفيروز آبادي (٢) الخصل إصابة القرطاس وتخاصلوا تراهنوا على النضال وأحرز

____________________

(١) المناقب ج ٣ ص ٣٣٤.

(٢) القاموس ج ٣ ص ٣٦٨ وفيه بعده : أو أن يقع السهم بلزق القرطاس.

٣١٨

خصله وأصاب خصله غلب ، وخصلهم خصلا وخصالا بالكسر فضلهم انتهي.

والغاية : العلامة التي تنصب في آخر الميدان فمن انتهى إليه قبل غيره فقد سبقه ، والخطار بالكسر جمع خطر بالتحريك : وهو السبق الذي يتراهن عليه فانحسرت أي كلت عن إدراكه الابصار لبعده في السبق عنهم ، وفرع : أي صعد وارتفع أعلى الدرجة العليا من الكمال.

فكذب : بالتشديد أي صار ظهور كماله سببا لظهور كذب من طلب السعي لتحصيل الفضل ، وأعياه الطلب ومع ذلك ادعى مرتبته ، ويحتمل التخفيف أيضا و يمكن عطف قوله وأعياه على قوله كذب ، وعلى قوله رام ، والتناوش : التناول أي كيف يتيسر تناول درجته وفضله وهم في مكان بعيد منها ، أقلوا عليهم أي على أهل البيت عليهم‌السلام.

قوله عليه‌السلام : وسدوا مكان الذي سدوا ، لعل المراد سدوا الفرج والثلم التي سدها أهل البيت عليهم‌السلام من البدع والاهواء في الدين أو كونوا مثل الذين سدوا ثلم الباطل ، كما يقال سد مسده ، مؤيده قوله : فأنى يسد ، ويحتمل أن يكون من قولهم سد يسد أي صار سديدا قوله عليه‌السلام فأنى يسد أي كيف يمكن سد ثلمة حصلت بفقده عليه‌السلام بغيره. والحال أنه كان أخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ صار كل منهم شفعا بنظيره كسلمان مع أبي ذر ، وأبي بكر مع عمر ، والشقيق الاخ كأنه شق نسبه من نسبه ، وكل ما انشق نصفين كل منهما شقيق ، أي عده الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شقيق نفسه عند مالحق كل ذي نسب بنسبه ، ونديده أي مثله في الثبات والقوة إذ قتلوا وصرفوا وجوههم عن الحرب ، أو فشلوا من الفشل : الضعف والجبن.

قوله : وذي قرني كنزها إشارة إلى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله له عليه‌السلام لك كنز في الجنة وأنت ذو قرنيها ، ويحتمل إرجاع الضمير إلى الجنة وإلى الامة وقد مر تفسيرها في كتاب تاريخه عليه‌السلام.

وقوله : إذ فتحوا أي قال ذلك حين أصابهم فتح أو أنه عليه‌السلام ملكه وفوض إليه عند كل الفتوح اختيارطرفي كنزها وغنائمها لكونها على يده وعلى

٣١٩

تقدير إرجاع الضمير إلى الجنة يحتمل أن يكون المراد فتح بابها ، ويحتمل أن يكون إذ قبحوا على المجهول من التقبيح أي مدحه حين ذمهم ، والادعاء لنبذ عهد المشركين يمكن حمله على زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده ، فعلى الاول المراد أنه لما أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله طرح عهد المشركين والمحاربة معهم كان هو المدعى والمقدم عليه وقد نكل غيره عن ذلك فيكون إشارة إلى تبليغ سورة براءة وقراءتها في الموسم و نقض عهود المشركين وإيذانهم بالحرب وغير ذلك مما شا كله ، وعلى الثاني إشارة إلى العهود التي كان عهدها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على المشركين فنبذ خلفاء الجور تلك العهود وراءهم فادعى عليه‌السلام إثباتها وإبقاءها والاول أظهر ، قوله عليه‌السلام : ليلة الحصار أي محاصرة ، المشركين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته.

٨.

* ( باب ) *

* ( ( احوال أصحابه وأهل زمانه من الخلفاء وغيرهم ) ) *

* ( ( وما جرى بينه عليه‌السلام وبينهم ) ) *

١ ـ ب : ابن طريف ، عن ابن علوان ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : لما ولي عمر بن عبدالعزيز أعطانا عطايا عظيمة ، قال : فدخل عليه أخوه فقال له : إن بني امية لاترضى منك بأن تفضل بني فاطمة عليهم ، فقال : افضلهم لاني سمعت حتى لا ابالي ألا أسمع أو لا أسمع ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : إنما فاطمة شجنة (١) مني يسرني ما أسرها ، ويسؤوني ما أساءها ، فأنا أبتغي سرور رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأتقي مساءته (٢).

____________________

(١) الشجن : بتقديم الجيم على النون محركة الشعبة من كل شئ.

(٢) قرب الاسناد ص ١٧٢.

٣٢٠