أصول الفقه - ج ٥

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٥

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٧٠

التقسيم واضحا ، وهذا هو الذي ينفعنا في المطلقات والمقيّدات ، وهو الذي جرى عليه اصطلاح الفقهاء في الصلاة وغيرها ، فتراهم يقولون إنّ الركوع في كلّ ركعة معتبر بالقياس إلى الزائد على الواحد بشرط لا ، بخلاف الذكر فيه الصادق على التسبيحة الواحدة فإنّه معتبر لا بشرط ، وبخلاف السجود الصادق على السجدة الأولى فإنّه معتبر بشرط شيء وهو الانضمام إلى السجدة الثانية.

وحينئذ يكون حاصل التقسيم أنّك إذا تعلّق أمرك باحضار إنسان ، تارة تأمر باحضار الإنسان المقيّد بالكتابة وهو الإنسان بشرط شيء من حيث هذا العارض الخاص وهو الكتابة ، وأخرى تأمر باحضار الإنسان المقيّد بعدم الكتابة وهو الإنسان بشرط لا من حيث الكتابة ، وثالثة تأمر باحضار الإنسان مطلقا سواء كان كاتبا أو غير كاتب ، وهو الإنسان لا بشرط من حيث الكتابة ، وحيث إنّ الاعتبار الثاني راجع إلى تقييد الإنسان بعدم الكتابة ، كان مرجع القسمة الثلاثية إلى الثنائية. والجامع بين الأوّلين هو الإنسان بشرط شيء ، سواء كان وجوديا كالكتابة أو عدميا كعدمها ، وحينئذ ترجع المقابلة إلى المقابلة بين التقييد والاطلاق ، والجامع بينهما هو طبيعة الإنسان المهملة الصالحة لكلّ من الاطلاق والتقييد ، والسلطان يقول إنّ لفظ الإنسان موضوع لذلك الجامع ، والمشهور يقولون إنّه موضوع للقسم الأخير من أقسامه ، وهذا الجامع لا بدّ أن يكون مأخوذا لا بشرط ، لكن بالاضافة إلى كلّ من لحاظي الاطلاق والتقييد ، بخلاف القسم الأخير فإنّ معنى اللاّبشرطية فيه بالقياس إلى التقييد بذلك القيد الوجودي والعدمي.

والظاهر أنّ الكلّي الطبيعي هو نفس ذات الإنسان الصالحة لأن يطرأها كلّ من الاطلاق والتقييد ، أمّا القدر الجامع بين لحاظي الاطلاق والتقييد فليس هو الكلّي الطبيعي الذي يعرضه هذان اللحاظان ، فالظاهر أنّه لا وجود له حتّى في

٤٠١

الذهن ، لأنّ اللحاظين المذكورين عبارة عن تصوّر الماهية مقيّدة بالكتابة أو بعدمها ، وتصوّرها مطلقة شاملة لكلّ من الكاتب وغير الكاتب ، ولا وجود للجامع بين التصوّرين في الذهن فضلا عن الخارج ، بمعنى أنّه لا وجود له في الذهن في عرض وجودهما ، وإلاّ لم يكن جامعا بينهما ، وهذا لا ينافي تصوّر نفس ذلك الجامع الموجود بينهما وذلك عبارة أخرى عن وجود الجامع في الذهن لكن فوقهما لا في عرضهما كما سيتّضح إن شاء الله تعالى.

وهكذا الحال في كلّ مقسم بالنسبة إلى أقسامه ، فإنّه يكون كلّيا طبيعيا لها ولا يكون وجوده إلاّ عبارة عن وجودها ذهنا أو خارجا ، فالجامع بين الموجودات الذهنية يكون كلّيا طبيعيا لها ولا يكون له وجود ذهني في قبالها ، وإلاّ لم يكن جامعا لها بل كان موجودا آخر في عرضها ، كما أنّ الجامع بين الموجودات الخارجية لا يكون إلاّ كليا طبيعيا لها ولا يكون له وجود خارجي في قبالها ، بل لا يكون له وجود ذهني لعدم إمكان كون الوجود الذهني جامعا بين الموجودين الخارجيين.

لا يقال : يكون الجامع هو الوجود الذهني بما أنّه مرآة لما في الخارج.

لأنّا نقول : إنّ كون الجامع هو الموجود الذهني المأخوذ مرآة لما في الخارج عبارة أخرى عن كون الجامع هو ما في الخارج ، وليس له وجود في الخارج إلاّ نفس وجودهما.

نعم إنّك تتصوّر ذلك الجامع ، وذلك التصوّر نعبّر عنه بالوجود الذهني. هذا الذي نتعقّله من تقسيم الماهية إلى أخذها بالقياس إلى عارض من عوارضها بشرط شيء أو بشرط لا أو لا بشرط.

ولكن الجماعة أخذوا مفاد قولهم الماهية بشرط لا بمعنى تجرّدها عن

٤٠٢

لحاظ كلّ شيء زائد على حقيقتها فكانت منحصرة بالوجود الذهني ، وحينئذ يكون الجامع بين الأقسام الثلاثة جامعا بين الموجود الذهني والموجود الخارجي ، وعبّروا عنه بالماهية لا بشرط المقسمي. ولا ريب أنّ ذلك الجامع لا يكون هو نفس الكلّي الطبيعي ، إذ لو كان الكلّي الطبيعي جامعا بين القسم الأوّل أعني المأخوذ بشرط لا الذي هو الوجود الذهني ، وبين غيره من الأقسام ، لكان الكلّي الطبيعي جامعا بين الكلّي العقلي والكلّي الخارجي ، والمفروض أنّ الكلّي الطبيعي في قبال الكلّي العقلي.

ولأجل ذلك أفاد شيخنا قدس‌سره (١) في مقام استبشاع ذلك واستنكاره بأنّه يلزم من ذلك كون الفرد العقلاني مصداقا من مصاديق الكلّي الطبيعي للإنسان ، فيكون حال هذا الفرد العقلاني في دعوى دخوله تحت طبيعة الإنسان حال المثل الأفلاطونية المعبّر عن كلّ واحد منها بربّ النوع بالقياس إلى ما تحت ذلك النوع من الأفراد الخارجية في كون كلّ واحد من تلك المثل مصداقا للكلّي الطبيعي الذي هو النوع ، وأفاد قدس‌سره أنّه لا بدّ إن نقول أنّ الكلّي الطبيعي هو القسم الأخير أعني الماهية لا بشرط القسمي ، وحينئذ ربما يتوجّه عليه أنّ لفظ الإنسان موضوع لذلك الكلّي الطبيعي فيتمّ ما عليه المشهور.

ويمكن الجواب عنه : بأنّ لفظة الإنسان ليست موضوعة لذلك الكلّي الطبيعي ، بل هي موضوعة لذات الماهية الصالحة لكلّ لحاظ من اللحاظات الثلاثة والكلّي الطبيعي أحد تلك اللحاظات.

وفي هذا الجواب تأمّل ، بل الظاهر أنّ لفظة الإنسان اسم لجنس الإنسان ولذلك نقول إنّه اسم جنس ، والمراد بالجنس هو ماهية الإنسان وطبيعته وهي

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٢٤.

٤٠٣

عين الكلّي الطبيعي.

فالأولى أن يقال : إنّ الكلّي الطبيعي جامع بين القسمين الأخيرين أعني الماهية الملحوظة بشرط شيء وجودي أو عدمي ، والماهية الملحوظة لا بشرط القسمي على ما شرحناه ، فيكون الكلّي الطبيعي جامعا بين المطلق والمقيّد.

ثمّ لا يخفى أنّ المراد بالكلّي الطبيعي في المقام هو نفس الماهية التي هي عبارة عن ماهية الإنسان ، أمّا الكلّي الطبيعي أعني القدر المشترك بين الأقسام فهو كلّي طبيعي آخر غير هذا الكلّي الطبيعي المبحوث عنه ، بناء على ما عرفت من أنّ كلّ تقسيم لا بدّ فيه من قدر جامع بين الأقسام ، وأنّ ما هو الجامع بين الأقسام ـ أيّ أقسام كانت ـ لا بدّ أن يكون بالنسبة إلى تلك الأقسام كلّيا طبيعيا وإلاّ لم يكن هو الجامع بينها.

ثمّ إنّ المحشّي جرى في التقسيم على ما جرى عليه الجماعة ، لكنّه جاء ببعض الأقسام بأسمائها الاصطلاحية ، فسمّى الماهية المأخوذة بشرط شيء بالماهية المختلطة مثل الإنسان العالم. والظاهر أنّ الماهية المختلطة هي الماهية المأخوذ فيها عرض وجودي من عوارضها ، أمّا الماهية المقيّدة بقيد عدمي فالظاهر ليست عندهم من الماهيات المختلطة ، ولأجل ذلك يكون الابقاء على تسميتها الماهية بشرط شيء أولى بناء على أنّ المراد بشرط شيء هو الأعمّ من الوجودي والعدمي ، كما أنّه سمّى الماهية لا بشرط بالماهية المطلقة وهو واضح ، وسمّى الماهية بشرط لا بالماهية المجرّدة ، وجعل لحاظ التجريد أمرا زائدا على الماهية التي لا ينظر إلى مقام ذاتها التي هي الماهية من حيث هي التي ليست إلاّ هي ، وجعل هذه قسما مستقلا.

ولك أن تقول : هذه الماهية المأخوذة من حيث هي ليست إلاّ من أقسام

٤٠٤

الماهية بشرط لا ، وحينئذ يكون الماهية بشرط لا قسمين : الأوّل الماهية من حيث هي ، التي لا يكون النظر فيها إلاّ إلى مقام الذات. والثاني : هي الماهية الملحوظ فيها شيء زائد على الذات ، وهو لحاظ تجرّدها. والأوّل هي الماهية بشرط لا حتّى عن كونها مقيّدة بشرط لا. والثاني هو الماهية المقيّدة بشرط لا ، والأمر في ذلك كلّه سهل لأنّه اصطلاح لا مشاحة فيه ، والعهدة في نسبته إلى القوم على مدّعيه.

لكنّه ذهب ـ في البساطة والتجرّد من كلّ شيء ـ بالكلّي الطبيعي إلى مناط الثريا فجعله فوق الجميع وجعله مجرّدا عن كلّ شيء حتّى لحاظ مقام الذات الذي هو الماهية من حيث هي ، ولو صحّ ذلك لكان الكلّي الطبيعي هو الجامع بين الأقسام الأربعة ، أعني الماهية من حيث هي هي ، والماهية المجرّدة ، والماهية المخلوطة ، والماهية المطلقة ، هذا ما ذكره في الحاشية على ص ٥٢٣ (١).

ولكنّه ذكر في الحاشية على ص ٥٢٥ ما هذا لفظه : لكنّك قد عرفت أنّ الكلّي الطبيعي إنّما هو نفس الماهية المتحقّقة بنفسها في الخارج وفي كلّ قسم من أقسام الماهية الملحوظة بلحاظ يختصّ به (٢).

ولم أعرف المراد بقوله : إنّ الكلّي الطبيعي هو نفس الماهية المتحقّقة في الخارج بضميمة قوله : وفي كلّ قسم من أقسام الماهية الملحوظة بلحاظ يختصّ به ، فإنّ الظاهر من هذا الأخير هو الأقسام الأربعة ، فما معنى قوله قبله هو نفس الماهية المتحقّقة في الخارج ، اللهمّ إلاّ أن يريد به هو الماهية من حيث هي هي الذي هو القسم الأوّل الذي ذكره قبل الثلاثة ، لكنّه بهذا الاعتبار لا يكون موجودا

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٤٢١ ـ ٤٢٣.

(٢) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٤٢٤.

٤٠٥

ومتحقّقا في الخارج ، لما عرفت من أنّ الماهية من حيث هي ليست إلاّ هي ، فلا يمكن أن تكون منظورا بها الوجود المتحقّق في الخارج.

وقد بقيت جهات من الكلام ، منها ما يتعلّق بشرح ما في الكفاية وغيره تعرّضنا له فيما علّقناه على ما حرّرناه عنه قدس‌سره (١) فراجعها فقد تركنا نقله هنا حذرا من الاطالة.

قال المحقّق الطوسي قدس‌سره في متن التجريد : الفصل الثاني : في الماهية ولواحقها ، وهي مشتقّة عمّا هو ، وهو ما به يجاب عن السؤال بما هو ، وتطلق غالبا على الأمر المتعقّل ويطلق الذات والحقيقة عليها مع اعتبار الوجود الخارجي والكل من ثواني المعقولات ، وحقيقة كلّ شيء مغايرة لما يعرض لها من الاعتبارات وإلاّ لم تصدق على ما ينافيها ، وتكون الماهية مع كلّ عارض مقابلة لها مع ضدّه ، وهي من حيث هي ليست إلاّ هي ، ولو سئل بطرفي النقيض فالجواب السلب لكلّ شيء قبل الحيثية لا بعدها ، وقد تؤخذ الماهية محذوفا عنها ما عداها بحيث لو انضمّ إليها شيء لكان زائدا ولا تكون مقولة على ذلك المجموع ، وهو الماهية بشرط لا شيء ، ولا توجد إلاّ في الأذهان ، وقد تؤخذ لا بشرط شيء وهو كلّي طبيعي موجود في الخارج وهو جزء من الأشخاص وصادق على المجموع الحاصل منه وممّا أضيف إليه (٢).

قال العلاّمة قدس‌سره في شرح هذا الأخير ـ أعني قوله : وقد تؤخذ لا بشرط شيء الخ ـ : هذا اعتبار آخر للماهية معقول ، وهو أن تؤخذ الماهية من حيث هي هي لا باعتبار التجرّد ولا باعتبار عدمه ، كما يؤخذ الحيوان من حيث هو هو لا

__________________

(١) مخطوط ، لم يطبع بعد.

(٢) كشف المراد : ٨٥ ـ ٨٧.

٤٠٦

باعتبار تجرّده عن الاعتبارات بل مع تجويز أن يقارنه غيره ممّا يدخل في حقيقته ، وهذا هو الحيوان لا بشرط شيء وهو الكلّي الطبيعي لأنّه نفس طبائع الأشياء وحقائقها ، وهذا الكلّي موجود في الخارج الخ (١).

والمستفاد من هذا التقسيم أنّ القسمة ثلاثية ، وأنّ القسم الأوّل هو الماهية من حيث هي وهي ليست إلاّ هي ، وهي المجرّدة عن كلّ شيء حتّى قيد التجرّد. والقسم الثاني هو الماهية المقيّدة بالتجرّد وهو الماهية بشرط لا شيء. والقسم الثالث هو الماهية لا بشرط شيء. وبمقتضى تفسير العلاّمة قدس‌سره هو أنّ المراد من اللاّبشرطية هو أخذها لا بقيد التجريد كما في الثاني ولا بقيد عدم التجريد ، والمراد من كونها غير مقيّدة بعدم التجريد هو تقيّدها بشيء وهو الذي نعبّر عنه بالماهية بشرط شيء ، وحينئذ تكون الأقسام أربعة : الماهية من حيث هي ، والماهية المقيّدة بالتجرّد ، والماهية غير المقيّدة بالتجرّد ، والماهية المقيّدة بشرط شيء من لواحقها ، ومن الواضح أنّ الماهية غير المقيّدة بالتجرّد الذي عبّر عنه قدس‌سره بقوله : وقد تؤخذ لا بشرط شيء الخ ليست هي الماهية المطلقة السارية في كلّ واحد من أفرادها على نحو يتساوى فيه وجود القيد وعدمه على نحو الشمول أو على نحو البدلية ، بل المراد به هو المقابلة للمأخوذة بشرط لا شيء وبشرط التجريد عن لحاظ كلّ شيء زائد على نفس الماهية ، وأين هذا التقسيم حينئذ ممّا نحن بصدده من مباحث المطلق والمقيّد ، وهل إدخال تلك الاصطلاحات فيما نحن فيه مفيد لشيء إلاّ تبعيد المسافة على الطالب ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله وهو المستعان.

وقال المرحوم الشيخ عبد الهادي البغدادي المعروف بشليلة في شرح

__________________

(١) كشف المراد : ٨٧.

٤٠٧

منظومته في المنطق في بيان أقسام الماهية من الاعتبارات العقلية وهي ثلاثة :

الأوّل : أن تلحظ من حيث هي ، أي لا بشرط اقترانها بشيء من لواحقها من كلّية أو جزئية أو ذاتية أو عرضية أو وجود أو عدم إلى غير ذلك ممّا يلحقها ذهنا أو خارجا ، ولا بشرط عدمه. وهي بهذا الاعتبار ليست إلاّ هي ، على معنى أنّها بملاحظتها في نفسها ومن حيث نفسها ليست عين شيء ممّا عداها ونفسه بل غيره وإن اتّحد معها خارجا أو ذهنا ، بل لا يمكن أن يعبّر عنها حينئذ إلاّ بهي المشار بها إلى ذاتها أو بلفظها الموضوع بازائها ، فلو أفيدت بغير ذلك كان ما تفاد به إمّا عنوانا منتزعا منها أو خارجا عنها لاحقا لها. وأيّا ما كان يكون مغايرا لها ولو بالاعتبار وإن اتّحد معها ذاتا ، فما هي من حيث هي إلاّ هي ، كذا يجب أن يفهم ذلك ، وتسمّى حينئذ الماهية المطلقة واللاّبشرط فلا تنافي الف شرط.

الثاني : أن تلحظ مع واحد من عوارضها على سبيل الشرطية أو الشطرية ، وتسمّى الماهية المقرونة والمخلوطة وبشرط شيء ، فلا تجتمع إلاّ مع ما لا ينافيه.

الثالث : أن تلحظ بشرط لا شيء معها أصلا ، وهي المسمّاة بالمجرّدة وبشرط لا. ولا يمكن زيادة اعتباراتها على ما ذكر. فانكشف أنّ الماهية لا بشرط شيء وكونها جزئية أو كلّية عرضية أو ذاتية جنسا أو فصلا ماشيا أو ضاحكا إلى غير ذلك شيء ، وأنّ أيّ ماهية فرضت مع أيّ صفة فرضت لها تلك الاعتبارات ، بل لا اختصاص لها بالماهية بذلك المعنى ، بل كلّ مفهوم إذا لوحظ مع آخر جرى فيه ما قلناه ومنه كافّة الجزئيات (١).

وقال في المقدّمة التي ساقها لبيان إقامة البرهان على وجود الكلّي الطبيعي :

__________________

(١) منتقى الجمان في شرح لؤلؤة الميزان : ٧٠.

٤٠٨

قد علم أنّ أحد إطلاقات الكلّي أن يطلق ويراد به الماهية من حيث هي لا بشرط ، والمراد بالماهية الأمر الواحد بالنوع الذي يشترك فيه كافّة الجزئيات المندرجة تحته ، ويكون كلّ واحد منها بحسبه عين الآخر بعد حذف النحو الخاص من أنحاء الوجود الخ (١).

فنراه قد جعل الماهية من حيث هي التي حكم عليها بأنّها ليست إلاّ هي ، هي الماهية لا بشرط ، وجعل الماهية بهذا الاعتبار هو عين الكلّي الطبيعي.

ولا يخفى أنّا لو سلّمنا أنّ الكلّي الطبيعي هو الماهية المأخوذة لا بشرط القسمي ، فلا نسلّم أنّ الماهية لا بشرط القسمي هي عبارة عن نفس الماهية من حيث هي هي المعبّر عنها فيما تقدّم بالماهية في مقام الذات ، فإنّ الماهية في مقام الذات أبسط وأبعد في التجريد من الماهية المجرّدة المعبّر عنها في كلام المحقّق الطوسي قدس‌سره (٢) بالماهية بشرط لا شيء.

وبالجملة : أنّ الذي يظهر ممّا عرفت من عبارة التجريد أنّ الماهية من حيث هي هي تكون قسيمة للماهية بشرط لا والماهية لا بشرط ، لا أنّها عين الماهية لا بشرط ، وأنّ الكلّي الطبيعي إنّما هو الماهية لا بشرط ، فلاحظ وتأمّل.

وقال المحقّق السيّد مير شريف في حاشيته على مبحث لازم الوجود ولازم الماهية من شرح المطالع في أثناء الكلام على صحّة ذلك التقسيم أعني تقسيم اللازم إلى لازم الماهية ولازم الوجود قال (٣) : لا يقال قد اشتهر في كلامهم تقسيم الماهية إلى أقسام ثلاثة ، هي المخلوطة والمشروطة بشرط لا وما لا شرط معها ،

__________________

(١) منتقى الجمان في شرح لؤلؤة الميزان : ٧٤.

(٢) المتقدّم في الصفحة : ٤٠٧.

(٣) في ص ١٥٠ من الحواشي المذكورة طبع الآستانة [ منه قدس‌سره ].

٤٠٩

فقد جوّزوا كون الشيء قسما لنفسه ونوعا منها. لأنّا نقول هذه فرية بلا مرية ، لأنّهم ذكروا أنّ الماهية قد تقيّد بعوارضها وقد تقيّد بعدمها ، وقد لا يعتبر معها شيء منهما ، والأوّلان مندرجان تحت الثالث اندراج نوعين متباينين تحت أعمّ ، وليس في ذلك تقسيم الماهية إلى تلك الأقسام بل بيان أنّ لها اعتبارات ثلاثة (١).

وهذا المعنى ، أعني كون الماهية من حيث هي هو عبارة عن الماهية لا بشرط ، هو الذي يظهر ممّا في التقريرات عن الشيخ قدس‌سره فإنّه قال : إنّ الماهية يمكن اعتبارها على وجوه مختلفة ، فتارة تعتبر على وجه التقييد بشيء خاص وقيد مخصوص ، سواء كان ذلك القيد ممّا يقتضي حصرها في شيء خاص كما في ماهية الإنسان الملحوظ معها خصوصية زيد على وجه لا يمكن التعدّي عنه ، أو كان ممّا يقضي بعدم حصرها في شيء خاصّ مثل ما يلحق الإنسان من الاعتبار الموجب لكفاية الاكرام لكلّ فرد منه ، يعني بذلك اعتبار الشيوع والاطلاق ، فإنّ الماهية المقيّدة بالاطلاق مطلقة في مقام الامتثال لو تعلّق الأمر باكرامه. ولا ريب أنّ ذلك اعتبار زائد على نفس المعنى ، ولا يلازمه دائما ، لجواز انفكاكه من الماهية ، وهذا هو المعبّر عنه عندهم بالماهية بشرط شيء.

وأخرى تعتبر على وجه عدم التقييد وهي المرسومة عندهم بالماهية بشرط لا ـ إلى أن قال ـ وأخرى تلاحظ على وجه الإرسال وعدم ملاحظة شيء معها من أمر وجودي أو عدمي ، فهي في هذه المرتبة ليست إلاّ هي ، ويمكن حذف جميع ما عداها وسلبها عنها ، كما أنّها في هذه المرتبة يحمل عليها الأضداد ، وهي الموسومة عندهم بالماهيّة لا بشرط شيء ، والتي يرتفع عنها النقيضان بمعنى عدم أخذهما فيها كما هو الموضوع لهما أيضا ، من دون حاجة لأن يلاحظ معها قيد

__________________

(١) شرح المطالع : ٧٠.

٤١٠

في صحّة حمل الأضداد أو المتناقضين عليها ، كيف وتلك القيود لا بدّ من رجوعها إلى الأضداد وهي ثابتة لها من دون قيد دفعا للتسلسل. ولا فرق بين هذا القسم والمقسم إلاّ بمجرّد الاعتبار والملاحظة على وجه حرّرناه في غير المقام ، وملخّصه أنّ القسم يمايز المقسم بالالتفات إلى أنّه في تلك الحالة كذلك ، وهو غير ملتفت به في المقسم وإن كان هو كذلك أيضا الخ (١).

فتراه جعل الماهية لا بشرط القسمي هي عين الماهية من حيث هي ، كما أنّه جعل الماهية المأخوذ فيها الشيوع أعني الماهية المطلقة من قسم الماهية بشرط شيء.

وهذه العبارة ـ أعني قوله : يعني بذلك اعتبار الشيوع والاطلاق فإنّ الماهية المقيّدة بالاطلاق مطلقة انتهى ـ ، مرسومة في نسختي على الهامش بالأحمر بعنوان التصحيح ، ويؤيّد ذلك قوله فيما بعد في أثناء الكلام ما هذا لفظه : ومن تلك الأطوار ظهوره على وجه السراية والشيوع ، فالماهيّة في هذه الملاحظة ملحوظة بشرط شيء ، لما أشرنا إليه من أنّ الشيء المشروط به أعمّ من ذلك ومن غيره ، ولذلك تكون القضية التي اعتبر موضوعها على هذا الوجه من المحصورة في وجه الخ (٢).

وقال القوشجي في شرح التجريد : فاعلم أنّ للماهية بالقياس إلى تلك العوارض اعتبارات ثلاثة : أحدها أن تؤخذ بشرط مقارنتها ، وتسمّى الماهية حينئذ المخلوطة والماهية بشرط شيء. وقد تؤخذ بشرط أن لا يقارنها شيء من العوارض ، وتسمّى حينئذ الماهية المجرّدة والماهية بشرط لا. وقد تؤخذ غير

__________________

(١) مطارح الأنظار ٢ : ٢٤٩ ـ ٢٥١.

(٢) مطارح الأنظار ٢ : ٢٥١ ـ ٢٥٢.

٤١١

مشروطة لا بالمقارنة ولا بعدمها ، وتسمّى المطلقة والماهية لا بشرط شيء. والمجرّدة والمخلوطة متباينتان مندرجتان تحت المطلقة. وتوهّم بعض الناس أنّ القوم جعلوا الماهية منقسمة إلى هذه الأقسام الثلاثة ، فتمسّك بذلك على تجويز كون الشيء قسما من نفسه بناء على أنّ الماهية المطلقة نفس الماهية التي جعلت موردا للقسمة ، ومنشؤه الغفول عمّا أشرنا إليه من أنّ القوم لمّا بيّنوا أنّ ماهية كلّ شيء مغايرة لجميع ما يعرض لها من الاعتبارات أشاروا إلى أنّ للماهية بالقياس إلى تلك العوارض اعتبارات ثلاثة ، فمورد القسمة حال الماهية بالقياس إلى عوارضها (١).

قوله : فهي بهذا الاعتبار تكون من الكلّيات العقلية التي يمتنع صدقها على الموجودات الخارجية (٢).

فلا تكون إلاّ من الموجودات الذهنية ، لا بمعنى أخذ الوجود الذهني قيدا فيها وإلاّ لم تكن بشرط لا ، بل بمعنى أنّها لو أخذت بشرط لا بالقياس إلى كلّ ما يكون خارجا عن أصل ذاتها يستحيل أن لا تنوجد إلاّ في الذهن ، إذ كلّ وجود يكون خارجا عن أصل ذاتها حتّى الوجود الذهني ، ولا تنافي بين وجودها الذهني وبين أخذها معرّاة حتّى عن الوجود الذهني.

لا يقال : فلم لا تقولون بأنّها موجودة في الخارج ، إذ لا تنافي بين وجودها الخارجي وبين أخذها معرّاة حتّى عن الوجود الخارجي.

لأنّا نقول : نعم لكن يكون لحاظها معرّاة حتّى عن الوجود الخارجي عبارة عن وجودها في الذهن ، لأنّ لحاظها هو عبارة عن وجودها في الذهن. لكن نقول

__________________

(١) شرح تجريد الاعتقاد : ٧٦.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٢١ [ المنقول هنا مخالف للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٤١٢

إنّ هذا الوجود الذهني داخل في النفي في قولنا مأخوذة بشرط لا ، بمعنى أنّا لاحظناها معرّاة عن كلّ شيء حتّى هذا الوجود أعني اللحاظ اللازم لتعريتها في حال لحاظها ، فلا يكون هذا الوجود الذهني مرآة لما في الخارج ، لما عرفت من أنّ أخذها بشرط لا بذلك المعنى يوجب عدم إمكان صدقها على ما في الخارج ، بل لا يكون صقعها حينئذ إلاّ الذهن ، وبذلك تختلف عن القسمين الأخيرين ، أعني لحاظها بشرط شيء أو لحاظها لا بشرط ، فإنّها وإن كانت في كلّ منهما موجودة في الذهن ، إلاّ أنّها لوحظت مرآة لما في الخارج ، فيمكن انطباقها على ما في الخارج من الواجد للقيد ومن فاقده ، ومن القدر الجامع بين الواجد والفاقد كما سيأتي (١) شرحه إن شاء الله تعالى (٢).

ثمّ إنّهم ذكروا أنّ لحاظ الماهية من حيث هي لا يكون إلاّ عبارة عن لحاظها من حيث هي نافيا عنها كلّ شيء حتّى لحاظها بشرط لا بالقياس إلى كلّ ما يكون خارجا عن ذاتها ، فهذا أعني أخذها من حيث هي يكون نافيا عنها كلّ شيء في مقام اللحاظ حتّى هذا القسم من اللحاظ أعني البشرطلائية بالقياس إلى كلّ شيء

__________________

(١) في الصفحة : ٤١٨.

(٢) الغرض من هذا التقسيم هو بيان الخلاف بين المشهور وسلطان العلماء ، فالمشهور يقولون إنّ أسماء الأجناس موضوعة للماهية اللاّبشرط القسمي ، فلا يكون الاطلاق محتاجا إلى مقدّمات الحكمة ، والسلطان يقول إنّها موضوعة للماهية اللاّبشرط المقسمي ، فكما يكون تقييدها بشرط شيء محتاجا إلى القرينة فكذلك الإطلاق المقابل له أعني اللاّبشرط القسمي محتاج إلى دليل خارج وهو مقدّمات الحكمة. وعلى كلّ حال أنّهم ذكروا أنّ الماهية تارة تلاحظ بشرط لا وأخرى بشرط شيء وثالثة لا بشرط ، ومرادهم كما شرحه شيخنا قدس‌سره [ في أجود التقريرات ٢ : ٤٢٠ ـ ٤٢١ ] من الماهية بشرط لا هو أخذها مجرّدة عن كلّ شيء من عوارضها [ منه قدس‌سره ].

٤١٣

عداها ، وحينئذ يكون قسما رابعا.

وقد يقال : إنّه هو القدر الجامع بين الأقسام الثلاثة ، أعني اللاّبشرط المقسمي.

وفيه : أنّ هذا اللحاظ مباين لكلّ واحد من اللحاظات الثلاثة ، فكيف يكون قدرا جامعا ومقسما لها ، ومن شرط الجامع والمقسم قابلية الانطباق والحمل على كلّ واحد من الأقسام ، فإنّ الجامع لا يكون لا كلّيا طبيعيا لجميع ما تحته من الأقسام ، فيكون موجودا بعين وجودها ، ولا يكون موجودا بوجود آخر ، وإلاّ كان مباينا لها كما هو ظاهر في الجامع بين الموجودات الخارجية. أمّا الموجودات الذهنية فهي كذلك ، بمعنى أنّ الجامع والكلّي الطبيعي لها لا يكون له وجود ذهني في عرضها وإلاّ كان مباينا لها ، لكن حيث إنّ دائرة الذهن وسيعة ، ويمكنك أن تتصوّر ما هو موجود في ذهنك بكونه الجامع بين الموجودات الذهنية ، وإن كان هو موجودا ذهنيا في ضمن كلّ واحد منها ، إلاّ أنّك كما يمكنك أن تتصوّر كلّ واحد من تلك الموجودات الذهنية فيمكنك أن تتصوّر ذلك القدر الجامع بينها ويكون تصوّرك له فوق الجميع.

قوله : والماهية المأخوذة بشرط لا بهذا المعنى يقابلها أمران : أحدهما الماهية المعتبرة بشرط شيء ـ إلى قوله ـ وثانيهما الماهية المعتبرة لا بشرط ... الخ (١).

هذه المقابلة صحيحة ، لأنّ كلّ واحد من أخذها بشرط الكتابة أو عدم الكتابة ، وأخذها لا بشرط من حيث الكتابة وعدمها ، يقابل أخذها بشرط لا بالقياس إلى جميع العوارض ، فإنّ الكتابة وعدمها والاطلاق من حيث الكتابة

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٢١ [ المنقول هنا مخالف للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٤١٤

وعدمها داخل في النفي في قولنا بشرط لا بالقياس إلى جميع الطوارئ والعوارض ، فإنّ وجود الكتابة وعدمها والاطلاق من ناحية ذلك الوجود والعدم جميع ذلك من الطوارئ الزائدة على أصل الماهية.

قوله : لا بشرط ، أعني بها ما لا يعتبر فيه شيء من الخصوصيتين المعتبرتين في الماهية المجرّدة والمخلوطة ... الخ (١).

هذا لا يخلو من غموض أو تأمّل. والأولى أن يقال : إنّ المراد من قولهم لا بشرط إنّما هو عبارة عن أنّها لم يؤخذ فيها شرط وجود الكتابة ولا شرط عدم الكتابة ، ولا دخل لذلك بالماهية المجرّدة التي عرفت أنّها أخذت بشرط لا بالقياس إلى جميع العوارض حتّى الاطلاق من ناحية الكتابة وعدمها.

ثمّ إنّه يريد أن يجعل اللاّبشرط هنا عبارة عن الكلّي الطبيعي فكيف يكون خلوّ الشرط في اللاّبشرط هنا شاملا لشرط لا الذي هو في الماهية المجرّدة التي لا تكون إلاّ في العقل ، مع فرض كون الكلّي الطبيعي موجودا في الخارج.

والذي أظنّ أنّ قوله المجرّدة ، غلط من الناسخ ، وأنّ أصل العبارة هكذا : أعني بها ما لا يعتبر فيه شيء من الخصوصيتين المعتبرتين في الماهية المخلوطة الخ. والمراد من المخلوطة هي المخلوطة بالكتابة مثلا والمخلوطة بعدم الكتابة ، والمراد بالخصوصيتين هما الكتابة وعدمها.

وإن شئت فقل : إنّ القسم الأوّل هو الماهية المجرّدة ، والثاني هو المختلطة ، والثالث لمّا كان جامعا بين المختلطة مع الكتابة مثلا ومع عدم الكتابة ، كانت الماهية فيه أيضا مختلطة ومع وجود القيد الزائد وعدمه ، فيكون كلّ منهما من المختلطة المقابلة للماهية المجرّدة.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٢١ [ المنقول هنا مخالف للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٤١٥

وإن شئت فلاحظ ما حرّره المرحوم الشيخ محمّد علي فإنّه أطنب في تحرير هذا التقسيم وقال ما هذا لفظه : وليس المراد من لا بشرط هو اللاّبشرطية عن البشرط اللائية والبشرط الشيئية ، بحيث يكون بشرط لا قسما من لا بشرط ، وبشرط شيء قسما آخر ، وكان لا بشرط يجتمع مع كلّ منهما ، فإنّه يكون حينئذ لا بشرط مقسما لهما لا قسيما الخ (١).

وقال المرحوم الشيخ موسى الخونساري فيما حرّره عن شيخنا قدس‌سره في الدورة السابقة ما هذا لفظه : وبعبارة واضحة نفس الطبيعة لا ملحوظا معها الضميمة ولا عدمها ، أي بما هي هي اللاّبشرط المقسمي ، وبلحاظ عدم تخصّصه بالخصوصيات هي بشرط لا ، وبلحاظ تخصيصها بالخصوصيات فتارة يتساوى كلّ خصوصية مع نقيضها بالنسبة إليها فهي اللاّبشرط القسمي ـ إلى أن قال ـ وأخرى يقيّد ويتخصّص بخصوصية خاصّة فهي الماهية بشرط شيء ، انتهى.

وقلت فيما حرّرته عنه قدس‌سره : وبالجملة أنّ الماهية لا بشرط القسمي عبارة عن القدر الجامع بين الواجد لذلك الطارئ والفاقد له ـ إلى قوله ـ فتكون عبارة عن القدر الجامع بين الصنفين ، أعني الواجد والفاقد ، وليست هي عبارة عن القدر الجامع بين أخذها بشرط لا وأخذها بشرط شيء ليكون كلّيا عقليا ـ إلى قوله ـ مع أنّ الضرورة شاهدة بأنّ أخذها لا بشرط من حيث وجدان الصفة وفقدانها إنّما هو قسيم ومقابل لكلّ من أخذها بشرط لا وأخذها بشرط شيء ، فإنّ ذلك ممّا يوجب بداهة عدم كون أخذها لا بشرط قدرا مشتركا بين الاعتبارين المذكورين ، وأنّه ليس إلاّ قدرا جامعا بين واجد الوصف وفاقده ، إلى آخر ما شرحناه هناك فراجع

__________________

(١) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٥٦٩.

٤١٦

ص ١٧٩ (١).

والمستفاد من مجموع هذه الكلمات وممّا حرّره المرحوم الشيخ موسى وحرّره المرحوم الشيخ محمّد علي ، أنّ مراد شيخنا قدس‌سره من كون الماهية لا بشرط القسمي إنّما هو لا بشرط من حيث القيد الزائد مثل الكتابة وعدمه لا اللاّبشرطية من حيث الماهية المجرّدة والمخلوطة لتكون منطبقة على المخلوطة والمجرّدة التي هي لا موطن لها إلاّ في الذهن ، فلاحظ وتدبّر.

واعلم أنّ الطبعة الأولى خالية من هذه اللفظة ، وإن شئت فلاحظ قوله ص ٤٠٠ في : اللاّبشرط القسمي ، أي ما لا يعتبر فيه خصوصية من الخصوصيات الخارجية (٢) ، ولاحظ قوله في ص ٤٠٢ هو أنّ الثاني ( يعني اللاّبشرط القسمي ) هو اللاّبشرط بالاضافة إلى الخصوصيات والأوصاف اللاحقة لها مثل العالمية والجاهلية للإنسان الخ (٣).

ثمّ إنّ الذي يظهر منه قدس‌سره ومن غيره ما عرفته من الفرق بين القسم الأوّل وهو لحاظ الماهية بشرط لا والقسمين الآخرين أعني لحاظ الماهية بشرط شيء وجودي أو عدمي ، ولحاظ الماهية لا بشرط ، هو استحالة انطباق الأوّل على ما في الخارج ، بخلاف الأخيرين ، وليس مرجع ذلك إلى أنّ الأخيرين أعني الثاني والثالث من الموجودات الخارجية كما ربما يتراءى من عبارة مقرّر درس السيّد البروجردي فإنّه قال : وكيف كان فالماهية التي تكون بشرط لا ليست موجودة والبشرطشيء موجودة ، وكذلك اللاّبشرط بمعنى نفس الماهية لتحقّقها في

__________________

(١) مخطوط ، لم يطبع بعد.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٢١ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٣) أجود التقريرات ٢ : ٤٢٥ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٤١٧

ضمن البشرطشيء وحملها عليها (١).

بل المراد أنّ الثلاثة من مقولة الوجود الذهني ، غايته أنّ الأوّل ليس بصالح للانطباق على ما في الخارج بخلاف الأخيرين فإنّهما أعني لحاظ الماهية بشرط شيء أو لحاظها لا بشرط يكون الملحوظ فيهما آلة للحاظ ما في الخارج ، فكلّ واحد منهما صالح للانطباق على ما في الخارج.

لكن التحقيق أنّ ما هو موجود في الذهن لا يمكن انطباقه على ما في الخارج ، نعم إنّ ما هو الموجود تارة يكون صورة ذهنية لما في الخارج ، وأخرى لا تكون تلك الصورة الذهنية صورة ذهنية لما في الخارج ، والثاني فيما نحن فيه هو الماهية الملحوظة بشرط لا ، والأوّل هو الماهية الملحوظة بشرط شيء.

ثمّ إنّ في المقام تأمّلا آخر ، وهو أنّ الموجود الخارجي من الرقبة مثلا فردان أحدهما المؤمنة والأخرى ليست بمؤمنة ، والقدر الجامع بينهما هو الكلّي الطبيعي ، فهو موجود في الخارج بوجود فرديه ، سواء كان في البين ملاحظ يلاحظ أحد هذه الثلاثة أو لم يكن ، على إشكال في كيفية وجود ذلك الجامع في ضمن فرديه ، إذ ليس في الوجود إلاّ الحصّة في هذا الفرد والحصة في الفرد الآخر ، والجامع بين الحصتين لا وجود له في الخارج ، نعم إنّه مفهوم متصوّر منتزع منهما ، ونقول إنّ وجوده الخارجي عين وجودهما ، ووجوده الذهني منطبق على كلّ منهما ، كما أنّ وجود كلّ منهما ذهنا منطبق على نفسه في الخارج ، ثمّ لمّا جاء دور اللحاظ أعني دور الوجود الذهني كان هناك لحاظ للرقبة التي وجدت مقترنة بالإيمان وللرقبة التي وجدت مقترنة بعدم الإيمان ، ونعبّر عن الأوّل بلحاظ ماهية الرقبة بشرط شيء وهو الإيمان ، وعن الثاني بلحاظها بشرط لا وهو عدم

__________________

(١) نهاية الأصول ١ : ٣٧٢.

٤١٨

الإيمان ، وإن شئت فسمّ اللحاظين بلحاظ الماهية بشرط شيء ، سواء كان هو وجود الإيمان أو كان هو عدمه ، وكان هناك لحاظ لماهية الرقبة لا بشرط من حيث الإيمان وعدمه ، وهذا هو عبارة عن لحاظ الجامع بينهما وهو عبارة عن لحاظ الكلّي الطبيعي الصالح للانطباق على كلّ منهما أعني به ذلك الموجود خارجا في كلّ منهما بنسبة واحدة.

ثمّ إنّ هناك شيئا آخر هو الجامع بين الرقبة التي لوحظت بشرط الإيمان أو بشرط عدمه ، والرقبة التي لوحظت لا بشرط بالقياس إلى كلّ منهما وهو لحاظ نفس الرقبة لا بشرط من حيث كلّ من التقييد والاطلاق بالنسبة إلى الإيمان وعدمه ، وحينئذ يكون الفرق بين اللاّبشرط القسم واللاّبشرط المقسم أنّ الأوّل عبارة عن لحاظ الماهية مطلقة من ناحية الإيمان وعدمه ، والثاني عبارة عن لحاظ الماهية غير مقيّدة لا بالإيمان ولا بعدمه ولا بالاطلاق من ناحيتهما.

ولو أخذنا البشرطلا بالمعنى الأوّل أعني لحاظها مجرّدة وضممناه إلى الثلاثة أعني لحاظها بشرط الإيمان ولحاظها بشرط عدم الإيمان ولحاظها مطلقة من هذه الناحية كانت الأقسام أربعة ، ولو قلنا إنّ لحاظ الماهية من حيث هي هي قسم آخر ، كانت الأقسام خمسة وكانت كلّها عبارة عن وجودات ذهنية ، وكان الجامع بين هذه الوجودات الذهنية وجودا ذهنيا واسعا لكلّ واحد منها يكون نسبته إليها نسبة الكلّي الطبيعي الخارجي إلى أفراده الخارجية ، ولو أدخلناه في عالم اللحاظ والوجود الذهني لكان لحاظه ووجوده الذهني فوق الجميع لا أنّه في عرضها ، وإلاّ لم يكن جامعا بينها ولا أنّه في ضمنها لأنّه هو نفس ذلك الكلّي الطبيعي الذي جعلناه بمنزلة الكلّي الخارجي ، فلا بدّ أن يكون لحاظه فوقه لا أنّه عين لحاظه.

٤١٩

وعلى كلّ حال ، أنّ المدّعى هو أنّ اسم الجنس إنّما هو موضوع لذلك الوجود الذهني المعبّر عنه بلحاظ الماهية لا بشرط المقسمي الذي هو الجامع بين الوجودات الذهنية. أعني اللحاظات الثلاثة للماهية أو اللحاظات الأربعة أو اللحاظات الخمسة لها ، ولكن الظاهر أنّ اللحاظ لم يكن مأخوذا في أسماء الأجناس وإلاّ لم تنطبق على ما في الخارج ، بل الموضوع له اسم الجنس مثل الرقبة هو ذلك الجنس الواقعي الموجود في ضمن المؤمنة كما هو موجود في ضمن الكافرة ، فليس الموضوع له مقيّدا باللحاظ الذي هو الوجود الذهني ولا مقيّدا بالوجود الخارجي في ضمن كلّ واحد من أفراده ، بل الموضوع له إنّما هو المعنى الواقعي الذي هو طبيعة الرقبة.

نعم ، إنّه لا بدّ من لحاظه حين الوضع كما لا بدّ من لحاظه حين الاستعمال ، إلاّ أنّ هذا اللحاظ ليس إلاّ طريقا وآلة ليتمّ الوضع له والحكاية عنه ، حيث إنّ الوضع له والحكاية عنه لا يعقل إلاّ في حال لحاظه وتصوّره من دون أن يكون ذلك اللحاظ والتصوّر جزءا أو قيدا في الموضوع له أو في المستعمل فيه.

ومن ذلك يتّضح لك أنّ الموضوع له اسم الجنس الذي هو الكلّي الطبيعي خارج عن كلّ من المقسم والأقسام المذكورة ، ولأجل ذلك نقول إنّ ثبوت الاطلاق أعني الاطلاق اللحاظي المعبّر عنه بقولنا سواء كانت الرقبة مؤمنة أو كانت غير مؤمنة ، يحتاج إلى دليل في مقام الاثبات ، ولا يكفي فيه إيراد الحكم على نفس الجنس أعني طبيعة الرقبة ، إلاّ إذا كان في مقام البيان ولم يبيّن ، وذلك عبارة عن مقدّمات الحكمة ، وإلاّ فلو لم يكن في مقام البيان كان من المحتمل إرادة نوع خاصّ من الرقبة ، فلاحظ وتدبّر.

٤٢٠