أصول الفقه - ج ٥

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٥

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٧٠

التخصيص سابقة على عملية النسخ. أمّا الوجه الثاني المبني على تقدّم أصالة عدم النسخ رتبة على أصالة عدم التخصيص ، فينبغي القطع بعدمه ، لما عرفت من أنّ الرتبة في ذلك على العكس ، فلا وجه لتقدّم أصالة عدم النسخ رتبة على أصالة العموم أو كونهما في عرض واحد ، وكيف يتخيّل أنّ إجراء أصالة عدم نسخ الحكم المستفاد من الدليل الفلاني يكون قبل إجراء أصالة الظهور في ذلك الدليل أو أنّهما يجريان في عرض واحد ، وهل يمكن أن يتكلّم في أنّ الحكم منسوخ أو غير منسوخ إلاّ بعد معرفة ذلك الحكم المتوقّفة على استفادته من اللفظ ببركة أصالة الظهور ، هذا كلّه بناء على كون النسخ من قبيل الرفع ، ليكون مرجع أصالة عدم النسخ إلى استصحاب بقاء الحكم.

وأمّا بناء على كونه من قبيل الدفع ، وأنّه من قبيل التخصيص الأزماني ، فالأمر في تقدّم أصالة العموم رتبة على أصالة عدم النسخ أوضح ، حيث إنّ العموم الأفرادي متقدّم رتبة على العموم الأزماني ، حيث إنّ العموم الأزماني بمعنى دوام الحكم واستمراره يكون واردا على الحكم الشرعي بما هو عليه من العموم لجميع الأفراد وعدم العموم كما حقّق ذلك شيخنا قدس‌سره في بعض تنبيهات الاستصحاب (١) ، فراجع.

ثمّ لا يخفى أنّ ما التزمنا به من كون أصالة العموم سابقة في الرتبة على أصالة عدم النسخ (٢) لا يلزمه الحكم بتقدّم النسخ على التخصيص بتوهّم أنّ إجراء أصالة العموم في العام يوجب الحكم بأنّ ذلك الخاص ناسخ له ، لما عرفت فيما نقلناه عن شيخنا الأستاذ قدس‌سره من دفع ذلك التوهّم بكون عملية التخصيص سابقة

__________________

(١) وهو التنبيه الثاني عشر ، راجع فرائد الأصول ٤ : ٥٣١ ، وأجود التقريرات ٤ : ١٦٨.

(٢) [ في الأصل : التخصيص ، والصحيح ما أثبتناه ].

٣٨١

في الرتبة على عملية النسخ ، وقد عرفت الوجه في ذلك ، فراجع.

ثمّ لا يخفى أنّ هذا الذي حرّرناه ونقلناه عن المقالة إنّما هو في الجزء الأوّل منها ، أمّا الثاني من المقالة فقد تعرّض فيه للمعارضة بين أصالة عدم النسخ وأصالة العموم في مبحث التعادل والتراجيح (١) ص ١٩٩ إلى ص ٢٠٠ ، وكأنّه عدول عمّا ذكره في الجزء الأوّل ، فراجعه.

تنبيه : لا يخفى أنّ الطبعة الأولى من هذا الكتاب لا تخلو عن اضطراب في تحرير هذه المسألة ، بخلاف الطبعة الثانية ، ولأجل ذلك جعلنا تعليقنا في خصوص هذه المسألة على [ ما ] في الطبعة الثانية ، فنقول بعونه تعالى :

قوله : والوجه في ذلك هو أنّ أصالة العموم في هذه الموارد غير جارية في نفسها ، فلا بدّ من الحكم فيها بتخصيص العام ، واختصاص الحكم بغير مورد التخصيص ـ إلى قوله ـ فتحصّل أنّ عدم جريان أصالة العموم في هذه الموارد إنّما هو لأجل قصور مقتضي الجريان في نفسه ... الخ (٢).

لا يخفى أنّ مجرّد عدم جريان أصالة العموم في المقام لا ينفع في سقوط أصالة عدم النسخ ، ولا في طرد احتمال النسخ ، فلنفرض أنّ أصالة العموم في صورة تأخّر الخاص غير جارية في حدّ نفسها ، لم يكن ذلك موجبا للحكم بعدم كون الخاص المتأخّر ناسخا. وهكذا الحال في صورة تأخّر العام ، فإنّا لو فرضنا أنّ أصالة العموم غير جارية فيه لم يكن ذلك موجبا للحكم بأنّه ليس بناسخ للخاص السابق على وجه نستغني عن إجراء أصالة عدم النسخ.

والحاصل : أنّ مجرّد كون أصالة العموم ساقطة بوجود الخاص لا يعيّن

__________________

(١) مقالات الأصول ٢ : ٤٨٧.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٩٨ ـ ٣٩٩.

٣٨٢

التخصيص ، لامكان أن يقال من الطرف المقابل أنّ أصالة عدم النسخ ساقطة بوجود الناسخ ، وحينئذ لا بدّ من إتمام المطلب بما تقدّمت (١) الاشارة إليه في شرح ما حرّرناه عن شيخنا قدس‌سره من أنّ الالتفات إلى النسخ وعدمه إنّما يكون بعد تمامية المراد ، وتمامية المراد إنّما تحصل بالأصول المرادية التي هي مثل أصالة العموم ونحوها.

فنحن أوّلا نحتاج إلى إثبات أنّ مراد المتكلّم ما ذا ، ثمّ بعد ثبوت مراده نتكلّم في أنّه ناسخ أو منسوخ ، وفي هذه المرتبة الأوّلية ننظر إلى عموم العام فنجد في قباله الخاص ، فنحكم بأنّ ذلك العام مخصّص بذلك الخاص ، وبعد الفراغ من عملية التخصيص لا نجد احتمالا للنسخ ، فتكون عملية التخصيص المفروض كونها سابقة على الالتفات إلى النسخ مذهبة لموضوع النسخ قبل الالتفات إليه ، وهذا هو الموجب لأن يكون المورد محكوما بالتخصيص دون النسخ ، سواء كان الخاص هو المتأخّر أو كان العام هو المتأخّر.

ومن ذلك يتّضح لك التأمّل فيما أفيد في مقام الجواب عن استدلال الشيخ قدس‌سره (٢) بالأكثرية بقوله : فيرد عليه أوّلا : ما عرفت من أنّه لا تجري أصالة العموم في المقام في نفسها ، فكيف يعقل أن تكون معارضة لأصالة عدم النسخ (٣).

فإنّ مجرّد سقوط أصالة العموم في حدّ نفسها لا ينفع ، بل إنّه يوجب خلو الميدان لأصالة عدم النسخ ولزوم البناء عليها ، فيكون مؤكّدا لما أراده الشيخ قدس‌سره من إسقاط أصالة العموم وإبقاء أصالة عدم النسخ ، غايته أنّ الشيخ أسقطها لكون

__________________

(١) في الصفحة : ٣٧١.

(٢) فرائد الأصول ٤ : ٩٤ ، مطارح الأنظار ٢ : ٢٢٦.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ٣٩٩.

٣٨٣

الغالب هو سقوطها ، ونحن أسقطناها لأجل وجود المخصّص ، وهذا وحده لا ينفع ، بل لا بدّ من أن نثبت أنّ سقوطها كان لأجل الحكم بالتخصيص ، وأنّ عملية التخصيص سابقة على عملية النسخ ، وأنّه بعد التخصيص لا يبقى مورد للكلام على النسخ وعدمه.

وأمّا قوله : وثانيا أنّ أصالة العموم لو كانت جارية في المقام لم يبق مجال لجريان أصالة عدم النسخ فيه ـ إلى قوله ـ والوجه في ذلك أنّ أصالة العموم إنّما هي من الأصول اللفظية ، وأمّا أصالة عدم النسخ فهي من الأصول العملية الخ (١) فحاصله : أنّا لو خلّينا نحن وأصالة العموم وأصالة عدم النسخ لكانت أصالة العموم حاكمة على أصالة عدم النسخ ، ولكان مقتضاها هو الحكم بالنسخ. لكن لا تنحصر الحكومة بكون أصالة عدم النسخ من الأصول الحكمية ، بل هي أعني الحكومة متحقّقة بأي وجه كان من وجوه مدرك أصالة عدم النسخ على ما عرفت (٢) تفصيله فيما لو كان المتأخّر هو العام ، أمّا لو كان المتأخّر هو الخاص فإنّ أصالة عدم النسخ لا مورد لها أصلا كما عرفت (٣) توضيحه في المسألة الأولى أعني صورة تأخّر العام.

وأمّا ما أوضحه بقوله : بل إنّ أصالة عدم النسخ فيما كان الخاص فيه واردا بعد حضور وقت العمل بالعام ـ إلى قوله ـ فهي مدفوعة الخ (٤) ، فهو ناظر إلى خصوص المدرك الأوّل من مدارك أصالة عدم النسخ ، أعني استصحاب بقاء

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

(٢) في الصفحة : ٣٧١ وما بعدها ( المسألة الثانية ).

(٣) في الصفحة : ٣٦٨ ـ ٣٧٠.

(٤) أجود التقريرات ٢ : ٤٠٠.

٣٨٤

الحكم السابق لتكون أصلا حكميا.

وعلى أي حال ، فإنّ حاصل التوضيح المستفاد من قوله : بل إنّ أصالة عدم النسخ الخ ، هو أنّ استصحاب بقاء الحكم وعدم نسخه لا يجري في نفسه ، إذ لو كان العام هو وجوب دفع الخمس إلى الهاشميين مثلا وبعد العمل به في خصوص آل أبي لهب مثلا صدر المنع عن دفع الخمس إلى آل أبي لهب ، كان التردّد بين كون هذا الخاص ناسخا للعام وكونه مخصّصا له موجبا للشكّ في حكم هؤلاء من حين صدور ذلك العام إلى حين صدور الخاص ، وحينئذ لا يجري استصحاب عدم نسخ العام بالنسبة إلى حكم هؤلاء ، لأنّ حكمهم السابق لم يكن معلوما وكان من قبيل الشكّ في الحدوث لا من قبيل الشكّ في البقاء ، وكان ذلك نظير الشكّ الساري.

ثمّ لو أغضي النظر عن هذه الجهة ، وسلّمنا أنّ المورد من قبيل الشكّ في البقاء ، لم يكن الاستصحاب جاريا أيضا ، إذ لا أثر يترتّب على بقاء الحكم إلاّ صحّة الدفع السابق وعدم لزوم إعادته لو كان من قبيل النسخ ، وفساده ولزوم إعادته لو كان من قبيل التخصيص ، ومن الواضح أنّ هذا الأثر وهو لزوم الاعادة وعدمه لم يكن مترتّبا على البقاء ، بل هو مترتّب على أنّ حكمهم الحادث سابقا هل هو وجوب الدفع إليهم أو هو حرمته ، هذا.

ولا يخفى أنّ هذا الإشكال بكلا شقّيه لم يذكره المرحوم الشيخ محمّد علي فيما حرّره عن شيخنا في هذه المسألة في مبحث التعادل والتراجيح ، نعم هو موجود بكلا شقّيه في تحرير صاحب هذا التحرير (١) فراجعه.

وقد حرّرت عن شيخنا قدس‌سره في هذا المقام في باب العموم والخصوص ما

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧.

٣٨٥

هذا لفظه : أنّه في صورة تقدّم العام على الخاص وإن ترتّب الأثر العملي على الدوران بين التخصيص والنسخ بالنسبة إلى الأعمال السابقة على صدور الخاص فيما تجري فيه الاعادة والقضاء ، إلاّ أنّ هذا الأثر لا يمكن الحكم بترتّبه على جريان أصالة عدم النسخ ، لما عرفت من كون أصالة عدم النسخ عبارة عن استصحاب بقاء الحكم السابق ، ومن الواضح أنّ هذا الأثر ـ أعني عدم (١) الاعادة والقضاء ـ لا يترتّب على بقاء ذلك الحكم المشكوك نسخه إلاّ باعتبار لازمه الذي هو التخصيص ، فيكون من قبيل الحكم بترتّب أثر أحد الضدّين على نفي الضدّ الآخر بالأصل ، ولو أغضي النظر عن هذا الإشكال لكان فيه إشكال آخر من جهة أخرى ، انتهى. ثمّ أخذ في بيان الإشكال من الجهة الأخرى ممّا يرجع إلى أنّ كون المقام من قبيل الشكّ في الحدوث لا من قبيل الشكّ في البقاء.

أمّا إشكال المثبتية فتوضيحه : هو أنّه لو ورد حكم وقد عمل المكلّف على طبقه في أوّل الشهر مثلا ، ثمّ علم في وسط الشهر بأنّه قد صدر نسخ ذلك الحكم ولكن لا يعلم أنّ صدور الناسخ هل كان في وسط الشهر أو أنّه كان من أوّله ، وعلى الأوّل لا يجب عليه الاعادة ، بخلاف الثاني فإنّه بناء عليه يجب الاعادة لانكشاف كون عمله واقعا في ظرف الناسخ ، ففي مثل ذلك يكون استصحاب بقاء الحكم السابق وعدم نسخه إلى ما بعد فراغه من العمل السابق محقّقا لصحّة عمله السابق وعدم وجوب إعادته ، فيكون المترتّب على أصالة عدم النسخ في مثل المثال هو عدم وجوب الاعادة ، وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنّ الأثر المترتّب فيه على كون الخاص ناسخا هو صحّة العمل السابق وعدم إعادته ، والأثر المترتّب على عدم كون الخاص ناسخا وكونه مخصّصا هو فساد عمله السابق ولزوم إعادته ، فيكون

__________________

(١) [ هكذا في الأصل ، والظاهر أنّ « عدم » من سهو القلم ].

٣٨٦

الغرض من إجراء أصالة عدم نسخ العام بالخاص هو نفي الأثر المترتّب على كونه ناسخا الذي هو عدم لزوم الاعادة ، فيكون الأثر المرتّب على أصالة عدم النسخ هو الاعادة ، ولا ريب أنّ مجرّد عدم النسخ لا

يترتّب عليه لزوم الاعادة ، وإنّما يكون ذلك أعني الاعادة مترتّبا على كون الخاص مخصّصا ، فيكون المقام من قبيل نفي أحد الضدّين الذي هو النسخ بالأصل ، ليترتّب على ذلك إثبات الضدّ الآخر الذي هو التخصيص فيكون من الأصول المثبتة.

قوله : وأمّا توهّم كون أصالة عدم النسخ أيضا من الأصول اللفظية ، استنادا إلى دعوى أنّ دليل الحكم ظاهر في استمرار ذلك الحكم ودوامه ، أو إلى دعوى قولهم عليهم‌السلام : « حلال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة » (١) ... الخ (٢).

قد عرفت (٣) الاشارة إلى أنّ مدرك أصالة عدم النسخ ربما كان هو استصحاب بقاء الحكم المحتمل نسخه فيكون أصلا حكميا ، وقد يكون مدركه هو العموم الأزماني ، أو هو عموم « حلال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال ... » ، وقد يدّعى أنّه أصل عقلائي مستقل نظير أصالة الحقيقة ، وهذه المدارك الثلاثة تلحقه بالأصول اللفظية. ومرجع هذا التوهّم إلى الأوّل والثاني من هذه الوجوه الثلاثة ، وتمام الكلام في هذين الوجهين موكول إلى محلّه (٤) من التنبيه الثاني عشر من تنبيهات الاستصحاب في مسألة الرجوع إلى عموم العام ، أو استصحاب حكم المخصّص. وأمّا الثالث فلم يتعرّض له شيخنا قدس‌سره.

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٨ / باب البدع والرأي والمقاييس ح ١٩.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٠١.

(٣) في الصفحة : ٣٦٨.

(٤) أجود التقريرات ٤ : ١٧٠ وما بعدها ، فوائد الأصول ٤ : ٥٣٤ وما بعدها.

٣٨٧

وعلى أي حال ، فقد عرفت (١) أنّ أصالة العموم حاكمة على أصالة عدم النسخ بأي مدرك كانت من هذه المدارك. هذا في صورة كون المتأخّر هو العام ، وأمّا في صورة العكس فقد عرفت (٢) أنّها لا أصل لها في المقام أصلا. ولعلّ المراد من كون الشكّ في النسخ مسبّبا عن الشكّ في بقاء عموم العام على عمومه هو ما عرفت من توجيه الحكومة ، وأنّ الشكّ في النسخ إنّما يكون بعد تنقيح المراد ، فلا يتوجّه عليه ما في الحاشية (٣) من أنّ الشكّين ناشئان عن العلم الاجمالي ولا سببية ومسبّبية بينهما ، فإنّ ما في هذه الحاشية إنّما يتمّ لو كانا في عرض واحد ، وقد عرفت الطولية بينهما ، وهي التي أوجبت كون الأصل في الأوّل حاكما على الأصل في الثاني.

وأمّا ما ذكره في الحاشية المذكورة بقوله : فالصحيح في وجه عدم الالتزام بالنسخ في هذه الموارد هو ما أفيد أوّلا من أنّ أصالة العموم في هذه الموارد غير جارية في نفسها ، وإلاّ فهي لكونها من الأصول اللفظية تتقدّم على أصالة عدم النسخ لا محالة ، فلا بدّ من الالتزام في هذه الموارد بالنسخ مع أنّه غير صحيح ، انتهى.

ففيه : أنّ هذه الدعوى أعني كون أصالة العموم لو كانت جارية لكانت متقدّمة على أصالة عدم النسخ ، إنّما كانت بناء على أنّ أصالة عدم النسخ من الأصول الحكمية ، لأنّ الأصل اللفظي حاكم على الأصل الحكمي ، وأمّا بناء على أنّها من الأصول اللفظية فنحتاج في توجيه الحكومة إلى ما عرفت من تأخّر النسخ

__________________

(١) في الصفحة : ٣٧١ وما بعدها

(٢) في الصفحة : ٣٦٨ وما بعدها.

(٣) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٤٠٢.

٣٨٨

رتبة عن الأصول المرادية ، وهو المراد بالسببية التي أفادها شيخنا قدس‌سره في هذا المقام. بقي الكلام فيما أشار إليه ب :

قوله : تذييل ... الخ (١).

وهل النسخ من قبيل الرفع أو من قبيل الدفع ، ولعلّ ما أفيد بقوله إنّ النسخ عبارة عن انتهاء أمد الحكم المجعول لانتهاء الحكمة الداعية إلى جعله الخ (٢) ، إشارة إلى الثاني ، ببرهان أنّ الحكم لمّا كان تابعا للمصلحة فإن كانت محدودة كان الحكم محدودا ، وإن لم تكن محدودة بالزمان كان الحكم كذلك ، فهو في الواقع لا يخلو عن هذين الوجهين ، فإنّ الإهمال في مقام الثبوت محال ، وحينئذ فإن كانت المصلحة غير محدودة وكانت مستمرّة مع الزمان ، كان الحكم كذلك واستحال نسخه ، وإن كانت المصلحة محدودة وجب إنشاء الحكم على طبقها في مقام الثبوت ، ويكون نسخه عند انتهاء أمد مصلحته من قبيل الدفع.

لكن يرد عليه حينئذ أنّ الشكّ في بقاء الحكم وعدم نسخه من قبيل الشكّ في المقتضي.

ويمكن أن يقال : إنّ الحكم لو كان محدودا في حدّ نفسه إلى حدّ زماني ثبوتا وإثباتا لم يكن انقطاعه عند الوصول إلى ذلك الحدّ من قبيل النسخ قطعا ، بل لو كان محدودا ثبوتا فقط بأن يكون في مقام الثبوت فقط محدودا ، فعند الوصول إلى ذلك الحد لا يكون انقطاع الحكم بذلك من قبيل النسخ أيضا وإن لم يكن الحكم المذكور محدودا بذلك إثباتا ، بمعنى أنّ الشارع عند بيانه لذلك الحكم لم يبيّن التحديد المذكور ، بل كان بيانه الحكم بصورة الاطلاق الذي يكون مقتضاه الدوام والاستمرار ، وعند الوصول إلى ذلك الحدّ الواقعي يبيّن التحديد المذكور ،

__________________

(١ و ٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٠٣.

٣٨٩

فإنّ قصارى ذلك أن يكون من قبيل تأخير البيان لا من قبيل النسخ ، وليس هو من التأخير عن وقت الحاجة ، بل أقصاه أنّه تأخير البيان عن وقت الخطاب فقط ، فإنّ وقت الحاجة إنّما هو عند انتهاء أمد الحكم ، وكأنّ منشأ دعوى كون النسخ من قبيل الدفع هو النظر إلى هذه الصورة ، فإنّها هي التي تكون من قبيل الدفع لا الرفع ، وهي التي تكون من التخصيص الأزماني ، وقد عرفت أنّها في الحقيقة من قبيل تأخير البيان ، وإنّما حقيقة النسخ هو أن يكون الحكم المجعول غير محدود بحدّ لا في مقام الثبوت ولا في مقام الاثبات ، ومقتضى كون الحكم غير محدود حتّى في مرحلة الثبوت هو بقاؤه واستمراره ، وأنّه لا يرتفع إلاّ برافع يرفعه ، وليس ذلك إلاّ نسخه.

والظاهر من أدلّة النسخ هو الثاني كما في قوله تعالى ( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ )(١) ومثل قوله تعالى ( عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ )(٢) وقوله تعالى :

( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ )(٣) وغير ذلك ممّا ظاهره الرفع لا الدفع.

وبالجملة : أنّ الحكم كسائر الأمور الانشائية التي يكون جعلها وإنشاؤها مقتضيا لبقائها واستمرارها ما لم يطرأ رافع يرفعها كالزوجية التي لا ترتفع إلاّ بالطلاق الذي هو رافعها ، ومجرّد علم الحاكم بأنّه يرفع ذلك الحكم بعد مضي المدّة الفلانية لأجل علمه بانتهاء أمد مصلحته لا يوجب كون ذلك الحكم في مرحلة الجعل محدودا بذلك الحدّ كي يخرج النسخ بذلك عن كونه رافعا للحكم ويكون من قبيل الدفع ، من دون فرق في ذلك بين تأخير النسخ إلى انتهاء أمد

__________________

(١) الأنفال ٨ : ٦٦.

(٢) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٣) المجادلة ٥٨ : ١٣.

٣٩٠

مصلحة الحكم ، فيكون ذلك من قبيل تأخير الطلاق إلى انتهاء أمد مصلحة الزوجية ، أو إنشاء النسخ فعلا معلّقا ومشروطا بانتهاء أمد مصلحة الحكم ، ويكون ذلك من قبيل إنشاء الزوجية مقرونا بانشاء الطلاق المعلّق على انتهاء المدّة المعيّنة التي هي مدّة مصلحة الزوجية ، هذا كلّه في النسخ بعد حضور وقت العمل.

وأمّا قبله فقد يقال فيه إنّه لا بدّ من الالتزام بكونه من قبيل الدفع ، إذ لا يكون لنا حينئذ حكم واقعي حقيقي ، وإنّما هو حكم صوري ، فيكون نسخه من قبيل الدفع خصوصا على رأي شيخنا قدس‌سره من كون الأحكام تابعة للمصالح في المتعلّقات كما أوضحه في أوائل مبحث حجّية القطع الناشئ عن المقدّمات العقلية (١).

اللهمّ إلاّ أن يلتزم بأنّ خصوص هذا النحو من الأحكام المنسوخة قبل حضور وقت العمل يكون تابعا للمصلحة في الجعل ، فيكون حكما حقيقة ، ولا مانع من الالتزام بذلك ، ويكون حاله حال الزوجية المجعولة في حال عدم القابلية للاستمتاع ، ثمّ بعد جعلها وتحقّقها يرفعها بالطلاق.

وعلى كلّ حال ، أنّ هذا الحكم وإن لم يكن بداعي الاجراء والامتثال بل كان بداعي الامتحان مثلا ، إلاّ أنّه من ناحية كونه لا يرتفع إلاّ برافع كسائر الأحكام في أنّه لو لم ينسخ لكان باقيا ، إذ ليس محطّ الكلام هو الدوام بمعنى وجود الحكم في كلّ آن في مقابل وجوده محدودا ببعض الآنات ، فإنّ ذلك لا يتصوّر فيه الاهمال في مقام الثبوت ، فإن كانت المصلحة محدودة جعل الحكم على طبقها محدودا أيضا ، وإلاّ جعله دائميا موجودا في كلّ آن ، ولا يعقل الاهمال من هذه الجهة. ولو

__________________

(١) أجود التقريرات ٣ : ٦٦ وما بعدها ، فوائد الأصول ٣ : ٥٧ وما بعدها.

٣٩١

كان النسخ في قبال هذا المعنى من الدوام لكان من قبيل الدفع وكان تخصيصا بحسب الأزمان ، لكن محلّ الكلام إنّما هو الدوام الذي هو عبارة عن البقاء بعد الحدوث في قبال عدم البقاء ، فإنّ هذا هو الذي يتصوّر فيه الاهمال وعدم الاطلاق والتقييد في مقام الثبوت ، بل يستحيل فيه لحاظ الاطلاق والتقييد في مقام الثبوت ، لاستحالة النظر في مقام جعل الحكم وحدوثه إلى جهة بقائه وعدم بقائه ، فإنّ مرتبة البقاء وعدمه إنّما هي بعد مرتبة الحدوث التي هي مرتبة جعل الحكم وهذه المرتبة أعني مرتبة البقاء هي فوق الحكم حتّى لو كان مقيّدا بالوجود في كلّ آن ، فيقال هذا الحكم الموجود في كلّ آن باق أو غير باق ، وهذه المرتبة أعني مرتبة البقاء هي التي يقابلها النسخ والارتفاع ، فلا يكون النسخ إلاّ رفع الحكم أيّا كان ذلك الحكم من كونه مقيّدا بالوجود في كلّ آن ، أو كونه مقيّدا ببعض الآنات ، كما أوضحناه في مبحث العموم الأزماني من تنبيهات الاستصحاب (١) ، فراجع.

والعمدة في المقام هو تنقيح هذه الجهة ، وهي أنّ الحكم هل يقتضي بذاته البقاء على وجه يكون غير قابل للاطلاق والتقييد من هذه الجهة ، وإنّما أقصى ما في البين هو أنّ مصلحته لو كانت قصيرة الأمد فعلى الجاعل الحكيم أن يجعله ويجعل نسخه ورفعه عند الوصول إلى ذلك الأمد ، أو أنّه يجعله ويجعل رفعه ونسخه معلّقا على الوصول إلى ذلك الأمد على وجه لو لم يكن الجاعل حكيما ملاحظا للمصلحة لكان ذلك الحكم باقيا.

وبناء على ذلك لا يكون في الواقع إهمال لعدم تصوّر الاطلاق والتقييد بالنسبة إلى ما يكون الحكم مقتضيا له في مرتبة جعله ، وإن كان بعد الفراغ عن

__________________

(١) وهو التنبيه الثاني عشر في فوائد الأصول ٤ : ٥٣١ وما بعدها ، وحواشي المصنّف قدس‌سره عليه تأتي في المجلّد العاشر من هذا الكتاب.

٣٩٢

جعله لا بدّ أن يكون في الواقع متّصفا بأحد الأمرين من أنّ مصلحته محدودة ، فيرد عليه النسخ الذي هو رافعه ، أو أنّ مصلحته غير محدودة فلا يرد عليه النسخ أصلا ، وهو محصّل العموم الأزماني الطارئ على ذلك الحكم بعد فرض جعله ، إذ ليس العموم الأزماني مأخوذا في ناحية المتعلّق ، لأنّ ذلك أجنبي عمّا هو مفروض الكلام من كون العموم الأزماني واردا على نفس الحكم.

ثمّ إنّ محصّل العموم الأزماني بالنسبة إلى نفس الحكم ليس هو عبارة عن تعدّد الأحكام بحسب تعدّد الآنات ، بل لا يكون محصّله إلاّ استمرار ذلك الحكم وبقاءه في عمود الزمان ، فلو كان لنا مثل هذا العموم الأزماني بأن دلّ الدليل على أنّ هذا الحكم باق مستمرّ مع الزمان ، كان ذلك عبارة أخرى عن أنّه لا يرفعه رافع ولا ينسخه ناسخ ، فيكون حينئذ هذا معارضا لما دلّ على نسخه معارضة تباين لا العموم المطلق ، فلا يكون لقولهم إنّ النسخ تخصيص بحسب الزمان معنى محصّل ، لما عرفت من وقوع التباين بين قوله هذا الحكم مستمرّ باق مع الزمان مع قوله بأنّه مرفوع في الآن الفلاني ، وليس الأوّل إلاّ عبارة عن قولك هذا الحكم طويل الأمد أو أنّه لا نهاية له ، مع قولك إنّ هذا الحكم قصير الأمد أو أنّ له نهاية في كون الأوّل منافيا للثاني منافاة تباين.

ولو سلّمنا كون المعارضة على وجه العموم المطلق ، بأن يكون محصّل العموم الأزماني أنّ الحكم باق مستمرّ في كلّ آن ، ليكون قوله نسخته في الآن الفلاني مخصّصا لقوله في كلّ آن ، لم يكن ذلك منافيا لما ذكرناه من كونه بالنسبة إلى أصل الحكم رفعا ، وإن كان بالنسبة إلى ذلك الدليل تخصيصا ، فإنّ المتحصّل من الدليلين هو أنّ هذا الحكم باق مستمرّ مع الزمان لا أرفعه في جميع الآنات الآتية إلاّ في الآن الفلاني الذي هو بعد مدّة عشر سنين مثلا فإنّي أرفعه عنكم ، لكن

٣٩٣

لا يخلو هذا الأخير من بعد ، لكونه من قبيل تخصيص الأكثر.

فالأولى هو ما ذكرناه أوّلا من أنّه لا محصّل للعموم الأزماني إلاّ الاستمرار والبقاء ، ومقتضاه أنّه لا يرد النسخ عليه ، ولو ورد مع ذلك ما يدلّ على نسخه في بعض الآنات الآتية كان بين الدليلين تباين ، كلّ ذلك على فرض أن يكون لنا عموم أزماني كذلك ، والظاهر عدمه ، وأنّه ليس في البين إلاّ عموم « حلال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة » (١) وليس مفاد هذا إلاّ عدم النسخ كما عرفت ، وهو بظاهره مباين لما دلّ على نسخ بعض الأحكام ، إلاّ أن نقول إنّ ذلك البعض المنسوخ خارج خروج تخصيص عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « حلال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ... » أو خروج تخصّص على ما عرفت (٢) من محصّل هذه الجملة الشريفة من أنّه لا ينسخ شريعته أحد بعده أو أنّه لا نبي بعده.

وينبغي مراجعة ما علّقناه على التنبيه الثاني عشر من تنبيهات الاستصحاب (٣) ، وأنّه هل يمكن أن يكون العموم الأزماني واردا في مرتبة جعل الحكم ، وحينئذ يتّجه قابلية الحكم للاطلاق والتقييد من هذه الجهة ، وحينئذ يستحيل الاهمال في مقام الثبوت بالنسبة إلى الجهة المذكورة ، أو أنّ العموم الأزماني الطارئ على الحكم لا يكون إلاّ في المرتبة المتأخّرة عن جعله كما أفاده شيخنا قدس‌سره (٤) ، وحينئذ لا يستحيل إهماله واقعا في مقام جعله وإنشائه ، فراجع وتأمّل.

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٨ / باب البدع والرأي والمقاييس ح ١٩.

(٢) في الصفحة : ٣٧٤.

(٣) في المجلّد العاشر في التعليق على فوائد الأصول ٤ : ٥٣٥ وكذا التعليقة المفصّلة على الفوائد ٤ : ٥٣٩.

(٤) أجود التقريرات ٤ : ١٦٩ ، فوائد الأصول ٤ : ٥٣٩.

٣٩٤

مباحث المطلق والمقيّد

قوله : وأمّا إذا أريد منه الساري في الجنس ، لأنّ معنى الشيوع هو السريان ، فينطبق على اسم الجنس والنكرة كليهما ... الخ (١).

يمكن أن يقال : إنّ هذا التعريف ـ وهو قولهم ما دلّ على شايع في جنسه ـ لا ينطبق على اسم الجنس حتّى لو قلنا بأنّ المراد من الشيوع هو السريان في الجنس ، إذ لا يكون اسم الجنس داخلا فيما دلّ على شايع في جنسه ، لأنّه إنّما يدلّ على الجنس نفسه لا على شيء شايع في جنسه. وأمّا الاعتذار عن ذلك بأنّ هذا التعريف إنّما هو ممّن يقول بعدم وجود الكلّي الطبيعي في الخارج ، فهو ممّا يزيد في الإشكال ، لأنّ خروج أسماء الأجناس عن المطلقات ممّا لا يمكن الالتزام به ، لأنّ لازم ذلك هو انحصار القضايا الأحكامية بما يكون موضوع الحكم فيها هو الفرد غير المعيّن الذي هو النكرة ، أو يكون موضوع الحكم فيها هو الأفراد نفسها على نحو العموم الشمولي ، وتكون القضية الكلّية عبارة عن قضايا شخصية.

قوله : وأمّا الاطلاق المتّصف به الجمل التركيبية ، أعني به ما يوجبه طبع نفس القضية الموجب للتوسعة مرّة وللتضييق أخرى فلم يقع التكلّم عنه في المقام ... الخ (٢).

لا يخفى أنّ القيود الموجودة في الجمل التركيبية إن كانت راجعة إلى مفاد المادّة ، كانت داخلة في أسماء الأجناس ، وإن كانت راجعة إلى مفاد الهيئة ، كانت

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤١٣ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤١٤ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٣٩٥

داخلة في إطلاق الحروف. نعم هناك كيفيات في الجمل التركيبية نعبّر عنها بعدم إعمال العناية ، مثلا التمسّك بأنّ صيغة الأمر تقتضي الوجوب ، لأنّ الندب يحتاج إلى عناية وهي جعل الترخيص في الترك ، وأنّ الأمر يقتضي التعيين ، لأنّ التخيير يحتاج إلى العطف بلفظ أو ، وأنّ التعليق على الشرط يقتضي كون الشرط تمام العلّة وأنّه على نحو الانحصار ، لأنّ الاحتياج إلى شيء آخر ينضمّ إلى الشرط يحتاج إلى العطف بلفظ الواو ، وقيام شيء آخر مقام الشرط يحتاج إلى العطف عليه بلفظ أو ، هذه التمسّكات ليست براجعة إلى تمسّك باطلاق ، بل هي عبارة عن التمسّك بعدم العناية الزائدة ، لأنّ الطرف المقابل يحتاج إلى عناية لفظية زائدة عمّا هو موجود في عالم الألفاظ ، ومن الواضح أنّ ذلك في الحقيقة ليس من قبيل الاطلاق ، ولعلّ هذا النحو هو المراد لشيخنا قدس‌سره من إطلاق الجمل التركيبية. وفي تحريراتي التمثيل لاطلاق الجمل بالدرهم في مقام وقوعه في العقد ، وفرق بين كونه في العقد وكونه في الاقرار ، وأنّه ليس مدرك الفرق هو الانصراف في الأوّل دون الثاني ، وكذلك في تحريرات المرحوم الشيخ محمّد علي (١) ، والتفرقة مشكلة ، والاستناد إلى شيء غير الانصراف أشكل ، فراجع وتأمّل.

قوله : وكلّ منهما إمّا أن يكون في سياق النفي أو الاثبات ، وعلى تقدير وقوعهما في سياق النفي فلا إشكال في دلالتهما على العموم والاستيعاب ، وأمّا إذا كانا في سياق الاثبات ، فإن كان هناك ما يدلّ على البدلية من طرف المادّة كما في النكرة أو من طرف الهيئة كما في أسماء الأجناس ... الخ (٢).

لا يخفى ما في العبارة من القلق ، لأنّ المقسم هو النكرة واسم الجنس ،

__________________

(١) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٥٦٣.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤١٥ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٣٩٦

فكيف يمكن أن يجعل أحد أقسامه هو النكرة واسم الجنس.

ثمّ إنّ قوله : وإلاّ فيكون الحكم استيعابيا الخ (١) ، ظاهره أنّ اسم الجنس والنكرة إذا وقعا في مقام الاثبات والايجاب ولم يكن ما يدلّ على البدلية من ناحية المادّة ولا من ناحية الهيئة يكون العموم استيعابيا ، ومن الواضح أنّ ذلك لا يوجب الاستيعاب ما لم يكن في البين لفظ مثل لفظ كل أو اللام الاستغراقية أو غير ذلك من أدوات العموم ، ولا أقل من مقدّمات الحكمة ، وإلاّ كان اللفظ مجملا.

وبالجملة : أنّ ما أفيد في هذا الأمر الثاني من الحصر غير حاصر ، لكن يهوّن الخطب أنّ هذه الجهات واضحة تقدّم أغلبها في باب العموم والخصوص (٢) ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في هذه المباحث بقيتها ، وليس الغرض من هذه المقدّمات إلاّ التمهيد لتلك المباحث لا أنّها حقائق راهنة ، مع أنّي لم أجد هذا التفصيل الموجود في هذا الأمر الثاني في تحريراتي عنه قدس‌سره.

نعم ، أشار إليه المرحوم الشيخ محمّد علي في أوائل البحث عند تفسيره الاطلاق بمعنى الارسال ، وأنّ اختلافه في كونه شموليا تارة وبدليا أخرى لا يوجب تفاوتا فيه ، فقال : بل الاطلاق في الجميع بمعنى واحد وهو الارسال ، غايته أنّ الحكم الوارد على النكرة أو الطبيعة تارة يقتضي البدلية كالنكرة الواقعة في سياق الاثبات ، والحكم على الطبيعة بلحاظ صرف الوجود ، حيث إنّ نتيجته البدلية في مقام الامتثال (٣) والاكتفاء بفرد واحد ، وأخرى يقتضي الشمول كالنكرة أو

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤١٥ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) راجع أجود التقريرات ٢ : ٢٩٤ وما بعدها.

(٣) [ هكذا ورد في الطبعة القديمة من الفوائد ، وأمّا الحديثة فقد جاء فيها : حيث إنّ نتيجة البدلية في المقام الامتثال ].

٣٩٧

الطبيعة الواقعة في حيّز النفي أو الطبيعة الواقعة في حيّز الاثبات بلحاظ مطلق الوجود الخ (١) ، ولا يخفى أنّ هذا التفصيل لا خدشة فيه.

قوله : الثالث : أنّه قد ذكرنا سابقا أنّ سريان الحكم في العام الأصولي ... الخ (٢).

تقدّم (٣) البحث عن كون العام الأصولي محتاجا إلى مقدّمات الحكمة أو أنّه غير محتاج ، وقد قلنا هناك إنّه يحتاج إليها في طرد احتمال التقييد في ناحية المدخول ، وأمّا في طرد احتمال التخصيص الاخراجي فيتكفّله إضافة لفظة كلّ إلى المدخول ، كما أنّه قد تقدّمت الاشارة إلى وجه حكومة هذه العمومات الثلاثة بعضها على بعض ، فراجع ما حرّرناه في مباحث العموم والخصوص.

قوله : لتوقّف قصد القربة على ورود الأمر ، فلا يمكن أن يؤخذ في متعلّقه ، فيستحيل الاطلاق أيضا ... الخ (٤).

تقدّم إقامة البرهان على ذلك في مبحث التعبّدي والتوصّلي وفي مبحث الترتّب ، وقد تعرّضنا في المقامين لعدم تمامية ما علّق من الحاشية على ذلك ، فراجع المقامين (٥) وتأمّل.

__________________

(١) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٥٦٢.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤١٥.

(٣) راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ١٠٥ وما بعدها.

(٤) أجود التقريرات ٢ : ٤١٧ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٥) راجع المجلّد الأوّل من هذا الكتاب الصفحة : ٤٠٩ وما بعدها ، وراجع أيضا المجلّد الثالث من هذا الكتاب الصفحة : ٣٦٣ وما بعدها.

٣٩٨

قوله : الخامس : أنّ الاطلاق قد يكون في الأعلام الشخصية لا باعتبار الصدق والانطباق ، لعدم قابلية صدقها على كثيرين ، بل هو باعتبار الحالات والصفات ... الخ (١).

القيود اللاحقة صورة للأعلام الشخصية مثل أكرم زيدا في حال اتّصافه بالصفة الكذائية يمكن أن تكون لاحقة للأفعال المتعلّقة بالعلم مثل الاكرام ، وحينئذ يكون داخلا في محلّ النزاع ، وعلى كلّ حال أنّ إثبات الاطلاق ولو في ناحية العلم باعتبار كونه أحواليا يحتاج إلى مقدّمات الحكمة. نعم ، لا يكون داخلا في محلّ النزاع بين السلطان (٢) وغيره من كون هذا الاطلاق بالوضع أو كونه بمقدّمات الحكمة.

أمّا الاطلاق في الجمل التركيبية فقد عرفت (٣) أنّه يمكن إرجاعه إلى إطلاق أسماء الأجناس إن كان القيد راجعا إلى المادّة ، أمّا لو قلنا برجوعه إلى مفاد الهيئة كان داخلا في إطلاق الحروف ، وهو أعني جريان الاطلاق في مفاد الحروف وعدم جريانه فيها مبنائي ، فبناء على مسلك صاحب الكفاية قدس‌سره يكون داخلا في محلّ النزاع ، وبناء على مسلك شيخنا قدس‌سره من استحالة الاطلاق فيها يكون خارجا من جهة عدم تصوّر الاطلاق والتقييد فيها ، لا من جهة أنّ إطلاقها خارج عن محلّ النزاع.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤١٩ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) راجع حاشيته المطبوعة في هامش معالم الدين : ١٥٥ ، ذيل قول الماتن : فلأنّه جمع بين الدليلين.

(٣) في الصفحة : ٣٩٥ ـ ٣٩٦.

٣٩٩

قوله : فإن قلنا بعدم الوضع في المركّبات كما هو الحقّ فحاله حال الاطلاق في الأعلام الشخصية ، وإلاّ فللنزاع المذكور فيه مجال كما في أسماء الأجناس ... الخ (١).

فيه تأمّل ، فإنّ محصّل القول بعدم الوضع في المركّبات أعني المجموع المؤلّف من المادّة والهيئة هو أنّه لا وجود له ، إذ ليس الموجود إلاّ المادّة والهيئة ، وحينئذ كيف يكون حاله حال الاطلاق في الأعلام الشخصية في الخروج عن محلّ النزاع أو في كون إطلاقه أحواليا أو نحو ذلك. وكيف يكون كذلك وهو لا وجود له أصلا.

وحينئذ لا بدّ أن نقول إنّ القيود الموجودة راجعة إلى مفاد المادّة ، فتكون داخلة في أسماء الأجناس ، أو إلى مفاد الهيئة فترجع إلى الاطلاق في مفاد الحروف.

ثمّ الظاهر أنّه لو قلنا بوجود المركّب ، وأنّه يكون موضوعا لحاصل الجملة ، فليس هو على نحو أسماء الأجناس في الدخول في النزاع بين السلطان والمشهور ، لأنّ ذلك النزاع واقع في أنّ الاطلاق الذي هو عبارة عن اللاّبشرطية في أسماء الأجناس هل هو داخل في الموضوع له أو أنّه إنّما يثبت فيها بمقدّمات الحكمة ، ومن الواضح أنّ ما يكون مفاده هو حاصل الجملة أجنبي عن ذلك.

قوله : وأخرى تعتبر بشرط لا ، بمعنى أن لا يكون معها خصوصية ، أي بشرط التجرّد عن كلّ خصوصية ، وبهذا الاعتبار تكون من الكلّيات العقلية غير الصادقة على الموجودات الخارجية ... الخ (٢).

لو أخذنا الماهية بشرط لا بالاضافة إلى قيد مخصوص ، لكان الأمر في هذا

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤١٩ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسخة المحشاة ].

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٢١ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٤٠٠