أصول الفقه - ج ٥

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٥

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٧٠

العدم المعتبر فيه هو العدم الناقص ، بل إنّ الاخراج المذكور لا يؤثّر إلاّ في طرد عنوان الخاصّ ، ويدّعي أنّ أصالة العدم ولو العدم التامّ تكفي لطرد عنوان الخاصّ ، وحينئذ فعمدة ما يرد عليه هو ما تضمّنته المقدّمة الأولى والثانية من أنّ الاخراج ملازم لتقيّد العام بنقيض الخاص ، فلا يكون ذلك التقييد العدمي إلاّ مفاد ليس الناقصة.

نعم هذه المقدّمة الثالثة نافعة لدفع شبهة أخرى تقال في هذا المقام وحاصل هذه الشبهة : هو أنّ الشخص قبل وجوده يتّصف بالعدم الناقص ، فيصحّ أن يقال إنّ زيدا ليس بفاسق ، إذ لو لم يصحّ ذلك لصحّ أن يقال إنّه فاسق ، لاستحالة ارتفاع النقيضين.

والجواب عنه : هو ما تضمّنته هذه المقدّمة الثالثة من أنّه لا يصحّ فيه كلا القضيتين ، وليس ذلك من قبيل ارتفاع النقيضين ، بل هو من قبيل ارتفاع المتقابلين تقابل العدم والملكة عند عدم وجود موضوعهما ، كما لا يصحّ أن يقال للجدار إنّه ليس بأعمى وإنّه ليس ببصير فإنّ الأمرين المتقابلين تقابل العدم والملكة من هذه الجهة بحكم الضدّين اللذين لا ثالث لهما ، كما في مثل الحركة والسكون ، فإنّ الضدّين اللذين لا ثالث [ لهما ] يكون وجود أحدهما ملازما لعدم الآخر ، فلو قلنا إنّه يصحّ أن يقال لغير الموجود فعلا إنّه ليس بساكن ، لكان لازم ذلك أنّه يصحّ أن يقال إنّه متحرّك ، ولازم ذلك أن يصحّ أن يقال إنّه ليس بمتحرّك وأنّه ساكن ، فيكون نفي كلّ منهما وإثباته صحيحا في حقّ غير الموجود ، وفساد ذلك لا يخفى ، وحينئذ فلا محيص من أن نقول إنّه لا يصحّ النفي فيه ، وأنّ مورد المقابلة إنّما هو الموجود دون المعدوم.

هذا ما كنت حرّرته سابقا ، ولكن فعلا عثرت على تحرير المرحوم الشيخ

١٨١

موسى فوجدته لا بأس به على وجه يمكن جعله جوابا عن الإشكالات الموجودة هنا ، فإنّه قال : إنّ التركيب لو كان من العرض ومحلّه فلا بدّ أن تكون جهة الوحدة الملحوظة بين أجزاء المركّب هو اتّصاف المعروض بالعرض ، ونعتية العرض لمعروضه ، وعلّل ذلك بأنّه لا شبهة أنّ كلّ شيء بالنسبة إلى انقسامات نفسه مقدّم في اللحاظ بالنسبة إلى لحاظ انقساماته بالنسبة إلى مقارنه ، فلو جعل التركيب من العرض ومحلّه تقارنيا لزم إمّا الاهمال في نفس الأمر أو التناقض أو اللغوية ، لأنّه إذا فرض جعل موضوع الحكم مركّبا من زيد وعدالة نفسه على نحو الاجتماع في الزمان ومقارنا لوجوده ، فنقول زيد الذي هو أحد جزأي الموضوع إذا لوحظ في مقام التركيب بينه وبين العدالة ، فإمّا أن لا يلاحظ كونه عادلا أو فاسقا ، فيلزم الاهمال ، وإمّا أن يلاحظ مطلقا ، فتقييده بالعدالة مناقض له ، وإمّا أن يلاحظ مقيّدا بالعدالة ، فتقييده ثانيا لغو الخ.

ومراده أنّ لحاظ الذات مطلقة أو مقيّدة بالنسبة إلى صفاتها وعوارضها يكون سابقا في الرتبة على لحاظها مطلقة أو مقيّدة بالنسبة إلى ما يجتمع معها في وعاء الزمان ، فإذا لم نأخذ فيها صفة العدالة على نحو العارض للمعروض ، بل أخذناها فيها على نحو مجرّد الاجتماع في الزمان بحيث يكون الموضوع هو ذات زيد مع وجود نفس العدالة ، وكانت نسبة صفة العدالة إلى زيد كنسبة أحد الجوهرين إلى الآخر ، أو كنسبة عرض جوهر إلى جوهر آخر ، وحينئذ نقول إنّ زيدا المذكور في الرتبة السابقة أعني رتبة انقسامه إلى صفات نفسه من العدالة وعدمها دون الرتبة الثانية التي هي رتبة المقارنات ، وإن شئت فقل إنّه بالنسبة إلى اتّصافه بصفة العدالة وانقسامه في حدّ نفسه إلى المتّصف بالعدالة وعدم العدالة إن كان مهملا ، كان محالا لاستحالة الاهمال في الواقع ، وإن كان مقيّدا بعدمها كان

١٨٢

مناقضا للتقييد باجتماعه معها ، وكذلك لو كان مطلقا من جهة الاتّصاف بها وعدمه ، وإن كان مقيّدا باتّصافه بها كان تقيّده باجتماعه معها في وعاء الزمان لغوا. وهذا كلّه ناش عن اختلاف المرتبة.

وبهذا البيان يمكن الجواب عن الإشكالات التي كنت علّقتها. لكن مع ذلك للتأمّل فيه مجال ، لامكان الالتزام بالاهمال الواقعي في المرتبة الأولى مع التقييد في المرتبة الثانية ، والمحال إنّما هو الاهمال الواقعي في جميع المراتب.

وعلى كلّ حال الأولى أن يقال : إنّ العالم منقسم في الواقع إلى متّصف بالفسق وغير متّصف ، يعني من وجدت له صفة الفسق ومن انتفت عنه ، كلّ منهما على نحو العارض المتأخر عن أصل الوجود كما هو لازم التقابل بينهما ، فيكون الأوّل مفاد كان الناقصة والثاني مفاد ليس الناقصة ، فإذا خرج أحد القسمين كان الباقي هو القسم الثاني. وصاحب الكفاية قدس‌سره (١) ينكر كون الباقي مقيّدا بالعدم بمفاد ليس الناقصة ، فيكون الأصل بمفاد ليس التامّة نافعا فيه ، ومن تأخر عنه يقولون إنّ مفاد ليس الناقصة يتحقّق قبل وجود الموضوع على نحو السالبة بانتفاء الموضوع ، أو أنّه يكفي فيه تحقّق الذات قبل وجودها العيني.

وحاصل المقدّمة الثانية : هو أنّ التقييد والتركيب من الجوهر وعرضه لا بدّ أن يكون بمفاد كان الناقصة ، وأنّه لو خرج العالم الفاسق عن عموم قوله أكرم كلّ عالم يكون الخارج هو العالم المتّصف بالفسق بما هو مفاد كان الناقصة ، ويستحيل أن يكون الخارج هو العالم المقرون بالفسق بمفاد كان التامّة ليكون الباقي هو العالم المقرون بعدم الفسق بما هو مفاد ليس التامّة كما هو الظاهر من الكفاية.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٢٣.

١٨٣

ثمّ بعد تمامية كون الخارج هو الفاسق بمفاد كان الناقصة (١) ننقل الكلام إلى المقدّمة الثالثة وهي أنّ الباقي لا بدّ أن يكون هو من انتفى عنه الفسق بمفاد ليس الناقصة قضية للتقابل بينهما.

وحينئذ يكون حاصل المقدّمة الأولى أنّ الاخراج يوجب تقييد الباقي ، فإن كان على نحو مفاد كان التامة وكان الخارج هو العالم الذي اقترن مع الفسق في وعاء الزمان كان الباقي هو العالم الذي اقترن مع عدم الفسق في وعاء الزمان على نحو مفاد ليس التامة ، وإن كان الخارج هو العالم الفاسق بمفاد كان الناقصة كان الباقي هو العالم الذي ليس فاسقا بمفاد ليس الناقصة.

وحاصل المقدّمة الثانية : أنّه لا بدّ في مثل الجوهر وعارضه من كون الخارج هو على نحو مفاد كان الناقصة. وحاصل المقدّمة الثالثة أنّه بعد كون الخارج هو مفاد كان الناقصة لا بدّ أن يكون الباقي هو السلب بمفاد ليس الناقصة ببرهان كون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، وأنّه قبل وجود الموضوع ينتفي كلّ من المتقابلين.

ولا يخفى أنّ الحجر الأساسي في المسألة إنّما هو المقدّمة الأولى والمقدّمة الثالثة ، أمّا المقدّمة الثانية فهي على ما شرحناه إنّما تكون مسوقة لبيان أنّ الخارج إذا كان مؤلّفا من العرض ومحلّه ، لا بدّ أن يكون تركّبه تركّب مفاد كان الناقصة ، وهذا المقدار لا أهميّة له ، لأنّا وإن فرضنا إمكان تركّب العرض ومحلّه من قبيل الاجتماع في وعاء الزمان إلاّ أنّ ذلك خلاف الظاهر من إخراج مثل القرشية من عنوان المرأة تحيض إلى خمسين ، فإنّ ظاهره هو أخذ الانتساب إلى قريش صفة للمرأة بما هو مفاد كان الناقصة ، وحينئذ يترتّب عليه ما ذكر في المقدّمة الثالثة من

__________________

(١) [ في الأصل : التامّة ، والصحيح ما أثبتناه ].

١٨٤

كون قضية التقابل هو كون الباقي المرأة التي ليست منتسبة إلى قريش بمفاد ليس الناقصة الذي لا ينفع فيه الأصل بمفاد ليس التامّة.

واعلم أنّ عمدة همّ صاحب الكفاية قدس‌سره هو أنّ العام لا يعنون بعنوان أصلا لا وجودي ولا عدمي ، وإنّما جلّ همّه هو طرد احتمال كون المشكوك من أفراد الخاصّ ، وهذا إنّما يكون بالركون إلى أصالة عدم الفسق مثلا ليستريح من إشكال التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية ، فليس غرضه من الركون إلى الأصل المذكور إلاّ طرد احتمال انطباق عنوان الخاص على المورد ، وحينئذ يتوجّه عليه أنّ الخارج هو الفاسق بعنوان كان الناقصة ، وهذا لا يمكن طرده بأصالة العدم بمفاد ليس التامة ، لأنّ العدم المحمولي لا يطرد الوجود النعتي إلاّ بالملازمة ، فيكون الأصل المذكور حينئذ من الأصول المثبتة.

وبناء على هذا التقريب لا يبقى موضع حاجة إلى هذه المقدّمات التي ساقها شيخنا قدس‌سره لاثبات تقيّد الباقي تحت العام بمفاد ليس الناقصة أعني العدم النعتي ، فإنّ ذلك وإن كان حقّا لا شبهة فيه ، لأنّ أصالة عدم الفسق على نحو ليس التامّة المعبّر عنه بالعدم المحمولي لا يكون مثبتا للعدم النعتي المعبّر عنه بمفاد ليس الناقصة المفروض كون الباقي تحت العام معنونا به ، إلاّ أنّ كلام صاحب الكفاية لم يكن مبنيا عليه ، بل هو مبني على ما عرفت من أنّ تطبيق العموم على هذا المشكوك لا يحتاج إلى إحراز عنوان غير عنوان العام ، لكن لمّا كانت الشبهة من ناحية الخاص مصداقية ، وكنّا في تطبيق العموم على المورد المذكور محتاجين إلى حلّ هذه الشبهة المصداقية وإزاحة العلّة من ناحيتها بالتمسّك بأصل موضوعي يكون نافيا لاحتمال كون المورد من أفراد ذلك الخاص ، اضطررنا إلى الركون إلى أصالة عدم الفسق لنستريح من كون الشبهة مصداقية من ناحية

١٨٥

المخصّص ، وحينئذ يكفي في ردّه أنّه بعد الاعتراف بكون الخارج هو الفاسق بمفاد كان الناقصة أعني الوجود النعتي ، فهذا لا يمكن طرده بمفاد ليس التامّة التي يكون مفادها العدم المحمولي ، وإنّما يمكن طرده بمفاد ليس الناقصة التي يكون مفادها العدم النعتي ، وسيأتي إن شاء الله تعالى (١) توضيح ذلك فيما علّقناه على حواشي المقرّر لهذا الكتاب.

وهنا مبحث ينبغي الالتفات إليه : وهو أنّ لنا أمورا اصطلاحية أو واقعية ينبغي أن نتكلّم فيها ، وأنّه هل بعضها راجع إلى البعض الآخر أو لا ، وتلك الأمور هي قولهم : ربط السلب وسلب الربط ، وقولهم : موجبة معدولة المحمول وسالبة بسيطة ، وقولهم : مفاد ليس الناقصة ومفاد ليس التامّة ، وقولهم : العدم النعتي والعدم المحمولي ، فهل الأوّل من كلّ من هذه الجمل راجع إلى الأوّل في البواقي والثاني راجع إلى الثاني منها ، ليكون مفاد الجميع واحدا ، أو أنّها مختلفة.

فنقول : الظاهر اتّحاد الجملة الأولى مع الجملة الثانية ، فإنّ ربط السلب عبارة عن الموجبة المعدولة المحمول ، وسلب الربط عبارة عن السالبة البسيطة ، وذلك واضح.

وأمّا الجملة الثالثة : فالظاهر أنّ الجزء الأوّل ليس عبارة عن الجزء الأوّل من الجملتين السابقتين ، إذ ليس مفاد ليس الناقصة راجعا إلى المعدولة المحمول وإلى ربط السلب ، بل ليس مفاد الناقصة إلاّ عبارة عن الجزء الثاني من الجملتين السابقتين ، وأمّا الجزء الثاني من الجملة المذكورة أعني قولهم : مفاد ليس التامّة ، فكأنّه أمر أجنبي عن كلّ من الجملتين السابقتين ، بل هو عبارة عن العدم المطلق.

وأمّا الجملة الرابعة : فالظاهر من الجزء الأوّل منها هو أخذ العدم نعتا ،

__________________

(١) في الصفحة : ١٩٤ وما بعدها.

١٨٦

فيكون منطبقا على الجزء الأوّل من كلّ من الجملة الأولى والجملة الثانية ، وأمّا الجزء الثاني منها أعني العدم المحمولي ، فإن كان المراد منه العدم المسلّط على المحمول كان منطبقا على الجزء الثاني من الجملتين السابقتين ، وإن كان المراد منه العدم المطلق كان منطبقا على الجزء الثاني من الجملة الثالثة أعني مفاد ليس التامّة ، ولا يصحّ أن يراد به العدم الذي يكون محمولا ، لأنّه حينئذ يكون عين الجزء الأوّل من هذه الجملة أعني العدم النعتي ، فلا تحصل المغايرة بين جزأي هذه الجملة ، لكن الظاهر أنّ مرادهم من العدم المحمولي هو المعنى الأوّل أعني العدم المسلّط على المحمول الذي عرفت انطباقه على الجزء الثاني من الجملتين الأوّلتين ، وبناء عليه تكون الجملة الرابعة متّحدة مع كلّ من الجملتين الأوّلتين (١).

وكيف كان ، فإنّ عدم العرض مثل عدم الفسق يكون له مراتب ثلاث :

المرتبة الأولى : مفاد الموجبة المعدولة المحمول بمعنى اتّصاف الذات بعدم الفسق ، فيكون نفس الاتّصاف المذكور ملحوظا بالمعنى الاسمي ، بحيث يكون الاتّصاف بعدم الفسق قيدا في الذات التي أخذت موضوع الحكم.

__________________

(١)

ربط السلب

سلب الربط

موجبة معدولة المحمول

سالبة بسيطة

مفاد ليس الناقصة

مفاد ليس التامّة

العدم النعتي

العدم المحمولي

الظاهر اتّحاد الجملتين الأوليين صدرا وذيلا ، والأخيران أيضا متّحدان صدرا وذيلا ، لكن الصدر منهما عين الذيل في الأوليين ، أمّا الذيل منهما فالظاهر أنّه خارج عن كلّ من صدر الأوليين وذيلهما ، وحينئذ ينبغي إسقاط ما حرّرناه من كون الصدر في الرابعة عين الصدر في الأوليين كما سيأتي إن شاء الله تعالى شرحه فيما علّقناه على حواشي المقرّر [ منه قدس‌سره ].

١٨٧

المرتبة الثانية : مفاد ليس الناقصة المعبّر عنه بالسالبة البسيطة وبسلب الربط ، بحيث يكون القيد هو العدم المذكور ويكون لحاظ الاتّصاف به حرفيا ، بمعنى أنّ الموضوع هو الذات التي سلب عنها الفسق.

المرتبة الثالثة : مفاد ليس التامة المعبّر عنه بالعدم المطلق ، فلا يكون الاتّصاف به ملحوظا لا اسميا ولا حرفيا ، ويكون الموضوع هو الذات من جهة وعدم الفسق من جهة أخرى بلا أن يؤخذ عدم الفسق صفة للذات الذي هو مفاد ليس الناقصة فضلا عن أخذ الاتّصاف بذلك العدم قيدا فيها الذي هو مفاد الموجبة المعدولة المحمول. وهذه المراتب وإن كانت متلازمة إلاّ أنّ الكلام وقع في أنّ أيّ مرتبة منها هي موضوع الحكم ويكون المرتبة السابقة عليها أجنبية عنه وإن كانت ملازمة لتلك المرتبة ، فلا يكون إحرازها بالأصل لازما.

إذا عرفت ذلك فنقول بعونه تعالى : إنّه إذا قال أكرم العلماء ثمّ قال لا تكرم الفسّاق منهم ، أو قال إلاّ الفسّاق منهم ، لا ريب في أنّ هذا التخصيص يوجب تقيّد العام بما عدا الفسّاق ، ولكن لا ريب في أنّ هذا التقييد المستفاد من هذا التخصيص لم يكن على نحو المرتبة الثالثة من المراتب المذكورة ، ولو كان منها لكان أصل العدم نافعا في ترتّب حكم العام بلا كلام.

وكذا لا ينبغي الإشكال على الظاهر في عدم كون هذا التقييد على نحو المرتبة الأولى ، إذ ليس لنا في قبال العام إلاّ قوله لا تكرم الفسّاق منهم أو قوله إلاّ الفسّاق منهم ، وهذا المقدار لا يقتضي تقيّد العام بأن يكون كلّ واحد منهم متّصفا بعدم الفسق بحيث كان الحاكم لاحظ الاتّصاف بالعدم وجعل نفس ذلك الاتّصاف قيدا في العلماء ، ولو كان كذلك لكان القيد أمرا وجوديا وهو الاتّصاف ، غايته أنّ ذلك الأمر الوجودي أعني الاتّصاف المزبور كان متعلّقا بأمر عدمي وهو عدم

١٨٨

الفسق ، وذلك ممّا ينبغي القطع بعدم استفادته من دليل لا تكرم الفسّاق ، ولو دلّ الدليل عليه لكان جريان أصالة عدم الفسق بما هو مفاد ليس الناقصة غير نافع فيه فضلا عمّا هو مفاد ليس التامّة ، فإنّ استصحاب القضية القائلة ليس زيد فاسقا لا ينفع في إثبات اتّصافه بعدم الفسق فضلا عن استصحاب العدم المطلق المتعلّق بالفسق ، وينحصر الأمر في استصحاب الاتّصاف المذكور.

وحينئذ فينحصر الأمر في المرتبة الثانية بمعنى أنّ قوله لا تكرم الفسّاق يدلّ على تقيّد العلماء بعدم الفسق بحيث يكون عدم الفسق معتبرا في العالم ، من جهة انقسامه إلى الفاسق وعدم الفاسق ، والتخصيص دلّ على إخراج الأوّل ، فيبقى النوع الثاني وهو عدم الفاسق ، وحيث إنّ عدم الفاسق في قبال الفاسق فلا بدّ أن يكون مركز التقابل هو العالم بعد وجوده ، إذ قبل وجوده لا يلحقه عنوان الفاسق ، ففي تلك المرتبة لا يلحقه عنوان عدم الفاسق ، فيكون العدم المأخوذ قيدا هو العدم بعد وجود أصل الذات ، فقبل الوجود لا أصل لهذا العدم كي يستصحب ، وجرّ العدم الثابت قبل الوجود إلى ما بعد الوجود لا يثبت به ما هو المطلوب من العدم بعد الوجود إلاّ بالأصل المثبت كما أفاده قدس‌سره (١) فراجع وتأمّل.

بقيت في المقام شبهة راجعة إلى دعوى تحقّق هذا العدم قبل الوجود من جهة صدق السالبة البسيطة مع عدم وجود الموضوع ، تعرّض لجوابها قدس‌سره فيما حرّرناه عنه في مسألة [ اللباس ] المشكوك فراجع (٢). وحاصل ما أفاده قدس‌سره في الجواب عن هذه الشبهة أوّلا : بمنع المبنى وأنّ الأشياء لا تحقّق لها قبل وجودها العيني. وثانيا : أنّ تحقّقها في ذلك الظرف على نحو وجودها العيني ، فهي إمّا أن

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٢٩ ـ ٣٣٧.

(٢) مخطوط ، لم يطبع بعد.

١٨٩

تكون متّصفة بذلك العدم في ذلك الظرف وإمّا أن تكون متّصفة بالوجود النعتي فيه فلا يكون أصالة العدم المحمولي نافعا أيضا. قلت : بل لا معنى للأصل في ذلك الظرف إذ بناء عليه لا حدوث أصلا.

هذا ما كنت حرّرته سابقا ونزيده توضيحا فنقول بعونه تعالى : إنّ شيخنا قدس‌سره تعرّض في مسألة اللباس المشكوك لشبهة أنّ السالبة لا تستدعي وجود الموضوع. وأجاب عنها بأنّ أساس هذه الشبهة هو دعوى أنّ أجزاء القضية أربعة : الموضوع والمحمول والنسبة الناقصة التقييدية والوقوع واللاّوقوع الذي هو الايجاب والسلب ، وقد أشكل قدس‌سره على دعوى التربيع :

أوّلا : بأنّه لو كانت الأجزاء أربعة لكانت القضية اللفظية كذلك.

وثانيا : أنّ نفس النسبة التقييدية ليست من الماهيات القابلة لطروّ الوجود والعدم عليها.

وثالثا : أنّ نفس النسبة المذكورة معنى حرفي لا يعقل طروّ الايجاب والسلب عليه. واختار كون الأجزاء ثلاثة : الموضوع والمحمول ووجود المحمول للموضوع وعدم وجوده له ، والأوّل مفاد القضية الموجبة ، والثاني مفاد القضية السالبة ، وحيث إنّ كلا من وجود المحمول للموضوع وعدمه له يستدعي وجود الموضوع ، لكون مورد التقابل بينهما إنّما هو وجوده ، فكان من البديهي توقّف كلّ منهما على وجود الموضوع ، فلأجل ذلك أنكر قدس‌سره الفرق بين السالبة البسيطة والموجبة المعدولة المحمول ، في كون الأولى لا تستدعي وجود الموضوع والثانية تستدعيه ، وأفاد أنّ مقتضى التثليث هو كون القضية مستدعية لوجود الموضوع ، سواء كانت سالبة بسيطة أو كانت موجبة معدولة المحمول ، وأنّه لا محصّل لقولهم سلب الربط وربط السلب ، ونحن ننقل نصّ عبارته قدس‌سره في

١٩٠

رسالته ، ثمّ ننقل ما حرّرناه عنه قدس‌سره فيما يتعلّق بذلك في مجلس الدرس.

قال قدس‌سره في الرسالة المطبوعة : فليس حديث سلب الربط حينئذ إلاّ من الشعريات التي لا محصّل لها إلاّ حسن العبارة ، فضلا عن أن يفرّق بين السالبة المحصّلة والمعدولة محمولها بمثله ، وإنّما الفارق بينهما هو ترتّب هذا الايجاب ( يعني الايجاب الذي تضمّنته الموجبة المعدولة المحمول ) على ذلك السلب ( يعني الذي تضمّنته السالبة البسيطة ) ترتّب العناوين الثانوية على محصّلاتها ، ولمكان التلازم بين العنوانين في التحقّق الخارجي فلا جدوى لهذا الفرق فيما نحن فيه ( يعني استدعاء كلّ منهما لوجود الموضوع وعدم جريان أصالة العدم في القيد المشكوك ) وإن كان مجديا في رجوع الشبهة المبحوث عنها إلى مرحلة التكليف ( يعني في السالبة البسيطة ) أو المحصّل ( يعني في الموجبة المعدولة ) حسبما تقدّم الكلام فيه (١) ، انتهى ما يتعلّق به الغرض من عبارته قدس‌سره.

وأمّا ما نقلته عنه قدس‌سره في مجلس الدرس فهو ما يلي :

ثمّ إنّك بعد معرفتك بما قرّرناه ـ من أنّه ليس لنا في الخارج إلاّ عدم المحمول لموضوعه أو وجوده له ، وأنّه عن الأوّل ينتزع كون الموضوع محدودا ومقيّدا بعدم المحمول ، ولذلك يكون العدم نعتيا ، وعن الثاني ينتزع كون الموضوع محدودا ومقيّدا بوجود محموله له ، ولذلك يكون الوجود نعتيا ـ تقدر على الفرق بين السالبة البسيطة والموجبة المعدولة المحمول ، فإنّ مفاد الأولى يكون هو نفس عدم المحمول لموضوعه الذي ينتزع عنه كون العدم المذكور نعتا له واتّصاف الموضوع بالعدم المذكور. ومفاد القضية الثانية هو نفس هذا المعنى المنتزع أعني اتّصاف الموضوع بالعدم المذكور. وحينئذ ففي مقام الطلب المتعلّق

__________________

(١) رسالة الصلاة في المشكوك : ٤٥٢ ـ ٤٥٣.

١٩١

بما اعتبر فيه قيد عدمي ، مثل الصلاة المقيّدة بعدم لباس الذهب مثلا أو غير المأكول ، فذلك العدم المأخوذ قيدا يمكن أن يكون مأخوذا على النحو الأوّل ، كما يمكن أن يكون على النحو الثاني ، ولا أثر لذلك فيما نحن بصدده من عدم جريان الاستصحاب العدمي ، حيث إنّ العدم في كلّ من الوجهين قد أخذ نعتيا محدّدا للموضوع ، فلا ينفع فيه الاستصحاب المحمولي. أمّا على الثاني فواضح ، وأمّا على الأوّل فلأنّ المعتبر هو عدم اللباس للصلاة نظير العالم الذي ليس بفاسق ، فلا ينفع فيه العدم المتحقّق قبل تحقّق الصلاة ، إذ لا يترتّب عليه ما هو المعتبر من عدم ذلك المحمول لهذا الموضوع ، وقد مرّ تفصيل ذلك مكرّرا.

نعم ، يظهر الفرق بين هذين النحوين في جريان البراءة فيما شكّ فيه أنّه من الذهب أو من غير المأكول ، حيث إنّه على الأوّل يكون من موارد الشكّ في اعتبار عدم هذا في الصلاة بناء على ما تقدّم من انحلال المانعية ، وعلى الثاني يكون من موارد الشكّ في تحقّق ما هو المعتبر وهو اتّصاف الصلاة بعدم لباس الذهب كما مرّ ذلك مفصّلا. انتهى ما يتعلّق به الغرض ممّا حرّرته عنه قدس‌سره.

والغرض من نقل ذلك هو بيان أنّ بعض العبائر التي ربما صدرت عن شيخنا قدس‌سره التي مفادها هو كون العدم نعتيا ، أو اتّصاف الموضوع بالعدم ونحو ذلك من التعابير ، ليس المراد بها هو التنزيل على الموجبة المعدولة المحمول كي يتوجّه عليه ما أورد المحشّي في حاشيته المفصّلة على ص ٤٦٦ (١) ، بل ليس المراد بذلك إلاّ مفاد السالبة البسيطة التي مرجعها إلى سلب المحمول عن الموضوع القابل لثبوته له واتّصافه به ، فيكون محصّلها سلب الاتّصاف ، وليس هذا المفاد ممّا يمكن تحقّقه قبل وجود الموضوع ، فما في الحاشية من قوله : إلاّ أنّ عدم

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٣١.

١٩٢

العرض غير محتاج إلى وجود الموضوع الخ (١) من قبيل الخلط بين عدم ذات العرض وبين عدمه لموضوعه ، ومحلّ الكلام إنّما هو الثاني دون الأوّل ، وهذه السالبة البسيطة المسوقة لسلب العارض عن معروضه هي المعبّر عنها بمفاد ليس الناقصة ، وليس مفاد ليس الناقصة براجع إلى الموجبة المعدولة المحمول كما يظهر من الحاشية على ص ٤٦٩ (٢).

ثمّ لا يخفى أنّ سلب العرض عن معروضه هو المقابل لاثباته له ، فلا يكون إلاّ عبارة عن مفاد ليس الناقصة ، ولا يعقل أن يكون سلب العرض عن معروضه راجعا إلى العدم المحمولي كما يظهر من الحاشية على ص ٤٧٠ المكمّلة بص ٤٧١ (٣) ، والظاهر أنّ جميع ما في هذه الحواشي راجع إلى هذه الجهة.

وليت شعري كيف يعقل أن يكون عدم اتّصاف الموضوع بالعرض متحقّقا قبل وجود الموضوع ، ومن ذلك قوله : وإن شئت قلت إنّ قرشية المرأة ونفسها كانتا معدومتين في الخارج ... الخ (٤) وكيف يتصوّر انعدام قرشية المرأة قبل وجودها مع أنّ انعدام قرشيتها في عرض اتّصافها بالقرشية. نعم لو أخذ الاتّصاف غير مضاف إلى الموضوع ، ونظر إليه بما أنّه معنى اسمي نظير القيام والقعود ، لأمكن القول بأنّ عدم نفس الاتّصاف لا يتوقّف على تحقّق الموضوع لكنّه خلاف الفرض ، لأنّ المفروض أنّ الملحوظ إنّما هو عدم اتّصاف الموضوع. مضافا إلى أنّ نفس الاتّصاف في المقام ملحوظ بما أنّه معنى نسبي آلي بين العارض

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٣٢.

(٢) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٣٤.

(٣) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٣٦ ، ٣٣٧.

(٤) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٣٣.

١٩٣

والمعروض ، وهذا لا يعقل أن يكون ملحوظا مستقلا وفي حدّ نفسه كسائر الأعراض الاستقلالية. ولعلّ هذا راجع إلى أخذ النسبة جزءا ثالثا من القضية بناء على التربيع الذي أوضح فساده شيخنا قدس‌سره بما لا مزيد عليه ، أو هو مأخوذ من دعوى صدق السالبة البسيطة مع عدم الموضوع ، وقد أبطله شيخنا قدس‌سره أيضا بما لا مزيد عليه.

ومن طريف ما أفاده قدس‌سره في ذلك : أنّ لازم صدق السالبة البسيطة أن يصدق قولنا إنّ زيدا قبل وجوده ليس بساكن ، وحينئذ يلزمه أنّه متحرّك ، لأنّهما ضدّان لا ثالث لهما فلا يرتفعان ، فإذا صحّ نفي أحدهما كان لازمه ثبوت الآخر ، وحينئذ يكون زيد قبل وجوده ليس بمتحرّك وساكن ، كما أنّه ساكن وليس بمتحرّك. ولا يخفى ما فيه من اجتماع الضدّين والنقيضين ، وينبغي مراجعة جميع ما حرّرناه عن شيخنا قدس‌سره في دفع الشبهات في هذا المقام ، منها ما عرفت من كلمة المنطقيين من صدق السالبة مع انتفاء الموضوع ، وشبهة وجود ذات الأشياء قبل وجودها الخارجي العيني.

قوله في الحاشية : التحقيق أنّ استثناء عنوان وجودي من العام لا يستلزم أخذ عدم الخاص قيدا في العام ... الخ (١).

لا يخفى أنّ كون الباقي في المثال هو المرأة التي لا تكون متّصفة بكونها من قريش لا المرأة المتّصفة بأن لا تكون من قريش هو عبارة أخرى عن مفاد كان الناقصة ، وأمّا المرأة المتّصفة بأن لا تكون من قريش فإنّما هو مفاد الموجبة المعدولة ، وحينئذ نقول إنّ هذا المعنى الأوّل أعني المرأة التي لا تكون متّصفة بكونها من قريش لم يكن لاحقا للمرأة قبل وجودها ، لأنّ نفي الاتّصاف بكونها

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٢٩.

١٩٤

من قريش إنّما هو في رتبة الاتّصاف بأنّها من قريش المفروض كونه متأخرا في الرتبة عن وجودها ، فهي في هذه الرتبة أعني رتبة ما بعد الوجود إمّا أن تكون متّصفة بكونها من قريش وإمّا أن لا تكون متّصفة بذلك ، أمّا قبل الوجود فليست هي موردا لهذه المقابلة ، لما حرّر في محلّه من أنّ التقابل بين وجود العرض لمعروضه وعدم وجوده له من قبيل العدم والملكة ، وبهذه المناسبة سمّينا هذا العدم نعتيا ، لا باعتبار أنّه أخذ نعتا للمعروض على نحو الموجبة المعدولة المحمول ، بل لأنّه لمّا كان مقابلا لوجود العرض لمحلّه ونعته بذلك العرض سمّيناه عدما نعتيا ، بمعنى كونه واقعا في مرتبة النعت لا أنّه نعت حقيقة بحيث أخذنا الذات موصوفة بذلك العدم ، وحينئذ يكون تسميته بكونه نعتيا في قبال ما لو أخذ العدم طاريا على نفس العرض في قبال لحاظ وجود ذات العرض في حدّ نفسه ، وإن كان وجوده في نفسه عين وجوده لموضوعه ، لكن لم نلاحظ إلاّ نفس وجوده ، وواضح أنّ العدم المقابل لهذا الوجود لا يكون في مرتبة النعت للمعروض ، فلأجل ذلك لم يطلق عليه العدم النعتي بل أطلق عليه العدم المحمولي.

وهذا العدم المحمولي هو الذي يكون سابقا على أصل وجود المعروض وهو الذي يمكن جرّه إلى ما بعد وجود الموضوع بالاستصحاب ، إلاّ أنّه ليس بنافع في مورد يكون المطلوب فيه هو عدم وجود العرض لمعروضه الذي سمّيناه بالعدم النعتي ، وليس ذلك إلاّ نظير ما لو كان الأثر مترتّبا على عدالة زيد وأردنا الاكتفاء بترتيب ذلك الأثر بمجرّد استصحاب وجود طبيعي العدالة ولو مع فرض العلم بعدم اتّصاف غير زيد بها في الخارج ، وقد صرّح المحشّي في الحاشية بأنّه

١٩٥

من قبيل الأصل المثبت (١).

قوله في الحاشية : والسرّ في ذلك أنّ وجود العرض بذاته وإن كان محتاجا إلى وجود موضوعه ... الخ (٢).

لا يخفى أنّ مجرّد كون العرض محتاجا إلى وجود موضوعه لا يدخل المسألة في الأصل المثبت ، إلاّ إذا أخذ العرض من حيث عروضه لمعروضه أعني أنّه كان الموضوع هو الذات المتّصفة بالعرض.

قوله : إلاّ أنّ عدم العرض غير محتاج إلى وجود الموضوع أصلا ... الخ (٣).

نعم ، إنّ عدم العرض بما أنّه عدم محمولي لا يحتاج إلى ذلك ، لكن عدم حصول العرض لمعروضه يحتاج إلى ذلك كما عرفت فيما تقدّم.

قوله في الحاشية المذكورة : وإن شئت قلت : إنّ قرشية المرأة ونفسها كانتا معدومتين في الخارج ... الخ (٤).

قد عرفت ممّا تقدّم أنّ القرشية قبل وجود المرأة لا يصحّ نسبة العدم إليها كما لا يصحّ نسبة الوجود إليها ، لما عرفت من أنّ التقابل بينهما إنّما هو في مرتبة وجود المرأة ، فقبل وجودها لا يصحّ أن يقال إن قرشية المرأة ليست موجودة ، وليس نسبة العدم إلى قرشية المرأة قبل وجودها إلاّ كنسبة عدم البصر إلى الجدار

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٣٢.

(٢) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٣٢.

(٣) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٣٢.

(٤) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٣٣.

١٩٦

كما حقّقه شيخنا قدس‌سره (١) بما لا مزيد عليه.

قوله في الحاشية : إلاّ أنّ تركّبه من الذات وعدم ثبوت عرض ما له لا يستدعي أخذ عدم ذلك العرض في الموضوع على نحو مفاد ليس الناقصة ... الخ (٢).

قد عرفت أنّ أخذ عدم ثبوت العرض لمعروضه في نفس ذلك الموضوع هو عبارة أخرى عن مفاد ليس الناقصة الذي لا يثبت بأصالة العدم إلاّ بالأصل المثبت.

قوله في الحاشية المذكورة : فيرد عليه أوّلا أنّه على تقدير تماميته يستلزم إنكار إمكان إحراز ... الخ (٣).

تقدّم ما علّقناه سابقا (٤) على المقدّمة بما مفاده ورود النقض المذكور ، وأنّه لا دافع له إلاّ الالتزام بأنّ هذه تقييدات قهرية لا يترتّب عليها الأثر المطلوب فيما نحن فيه من منع جريان الأصول العدمية ، وتقدّم (٥) أيضا أنّ الاستثناء يوجب تقيّد الباقي بضدّ الخارج أو نقيضه ، ولكن هل هو تقيّد قهري فيكون حاله حال التقيّدات الذاتية ، أو أنّ نفس الاخراج يوجب التقييد على وجه يلحق بالتقييد

__________________

(١) [ لعلّه يقصد قدس‌سره بذلك ما نقله عن شيخه قدس‌سره في مسألة اللباس المشكوك ، في الصفحة ٥١٨ وما بعدها ، راجع أيضا أجود التقريرات ٢ : ٣٣٦ ( المقدّمة الثالثة ) وراجع أيضا ما ذكره تعليقا على هذه المقدّمة في الصفحة ١٨٠ ـ ١٨١ من هذا المجلّد ].

(٢) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٣٥.

(٣) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٣٥.

(٤) في الصفحة : ١٧٨ ، قوله : الجهة الثانية ....

(٥) تقدّم ذلك في التعليق على المقدّمة الأولى في الصفحة : ١٧٧.

١٩٧

اللفظي الشرعي الذي يترتّب عليه كون موضوع الحكم مقيّدا بذلك القيد ، ولو من جهة انقسام العام في حدّ نفسه إلى النوعين ، فإذا أخرج منه أحد النوعين كان موضوع ذلك الحكم العام هو النوع الآخر؟ لا يبعد القول بذلك ، وهو الذي بنى عليه شيخنا قدس‌سره.

ولو سلّمنا أنّ الاخراج لا يتكفّل إلاّ خروج الفاسق مثلا ، أمّا كون الباقي مقيّدا بالعادل ، أو بعدم الفاسق ، أو بأن لا يكون فاسقا ، فلا تعرض لذلك الدليل المخرج لشيء من هذه التقييدات ، ولا يستفاد من مثل إلاّ الفسّاق إلاّ إخراج الفسّاق ، ولازمه هو انحصار الحكم العام في الباقي من دون إعطاء عنوان وجودي أو عدمي له ، وأنّ الحاجة إلى استصحاب عدم الفسق إنّما هي من جهة طرد احتمال عنوان الخاصّ ، وهو الظاهر من الكفاية (١).

وعمدة المناقشة مع صاحب الكفاية قدس‌سره أنّ استصحاب عدم الفسق بمفاد ليس التامّة لا ينقّح لنا أنّ هذا الشخص ليس من الفسّاق الخارجين.

ومن ذلك يتّضح لك ما في الحاشية بقوله : وثانيا ـ إلى قوله ـ وعليه فتقييد العام في مفروض الكلام بعدم كونه متّصفا بعنوان الخاص الخ (٢) ، فإنّه صريح بالاعتراف بتقييد الباقي بعدم كونه متّصفا بالفسق الذي عرفت أنّه مفاد ليس الناقصة الموجب لعدم إمكان إحرازه بأصالة العدم بما هو مفاد ليس التامّة.

على أنّك قد عرفت أنّ الباقي لو لم يكن مقيّدا أصلا لا بقيد وجودي ولا عدمي فلا أقل من الاحتياج إلى طرد احتمال انطباق عنوان الخاص ، وأصالة العدم بمفاد ليس التامّة لا تتكفّل بطرده إلاّ على الأصل المثبت ، هذا كلّه.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٢٣.

(٢) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٣٥.

١٩٨

مضافا إلى ما قد يقال من أنّا لو سلّمنا كونه وافيا بطرد عنوان الخاصّ لم يكن ذلك نافعا في إجراء حكم العام عليه ، لأنّ مجرّد طرد احتمال الخاصّ لا يكفي في إجراء حكم العام عليه إلاّ باجراء أصالة العموم في حقّ الشخص المشكوك ، والمفروض أنّها لا تجري فيه ، إذ ليس في البين احتمال تخصيص زائد.

نعم لو كانت أصالة عدم الفسق بالنسبة إلى ذلك العام من الأصول الموضوعية المنقّحة لموضوع العام ، لكانت نافعة ، لكنّه خلاف الفرض ، لأنّ المفروض أنّها ليست إلاّ طاردة لاحتمال عنوان الخاصّ ، ومجرّد طرده لا ينقّح فيه الحكم العام ، إذ المفروض أنّ الباقي لم يكن معنونا بعنوان ليكون ذلك الأصل محرزا له ، إلاّ أن نقول إنّ ذلك العموم من قبيل المقتضي والخاصّ من قبيل المانع.

والحاصل : أنّا إذا التزمنا بأنّ الباقي لم يكن مقيّدا بعنوان أصلا ، لم يبق بأيدينا سوى عنوان العام ، ومن الواضح أنّ مجرّد نفي احتمال الخاصّ لا يوجب إجراء حكم العام ، بل كان إجراؤه فيه متوقّفا على إعمال أصالة العموم التي هي عبارة عن أصالة عدم التخصيص ، وهي إنّما تجري في احتمال التخصيص الزائد ، والمفروض أنّ ما نحن فيه على تقدير أنّه لا يجري فيه الحكم العام ليس من قبيل التخصيص الزائد.

ولكن يمكن الجواب عن هذا الأخير أوّلا : بأنّ لازم ذلك هو أن لا يكون الأصل المذكور نافعا حتّى لو كان الشخص المشكوك مسبوقا بعدم الفسق على نحو ليس الناقصة.

وثانيا وهو العمدة : أنّ الكلام إنّما هو مع فرض كون الشكّ في جريان حكم

١٩٩

العام من ناحية احتمال كونه داخلا في عنوان الخاص ، فإذا فرضنا أنّ الأصل يحرز لنا أنّه لم يكن داخلا في عنوان الخاصّ لم يكن إجراء حكم العام فيه متوقّفا على إجراء أصالة العموم ، إذ لم يكن الشكّ فيه من جهة عموم العام له أو من جهة التخصيص من ناحية أخرى ، وإنّما كان منشأ الشكّ في جريان حكم العام عليه هو احتمال دخوله في عنوان المخصّص ، فإذا أحرزنا عدم دخوله في عنوان الخاص بالأصل المزبور ، كان ذلك كافيا في إجراء حكم العام عليه ، وليس ذلك من قبيل الأخذ بالمقتضي بعد إحراز عدم المانع ، بل هو من قبيل كون حكم العام فيه مقطوعا به لو لا احتمال دخوله في عنوان الخاص ، لأنّ المفروض أنّ الشكّ منحصر في ناحية احتمال دخوله في عنوان الخاصّ الذي هو الفاسق ، وإلاّ فإنّ كونه عالما وكون العالم يجب إكرامه مقطوع به ، فتأمّل فإنّه لا يخلو من إشكال المثبتية ، بل قال الأستاذ العراقي قدس‌سره في مقالته : لأنّ الأصل السلبي ليس شأنه إلاّ نفي حكم الخاصّ عنه ، لا إثبات حكم العام عليه ، لأنّ هذا الفرد حينئذ مورد العلم الاجمالي بكونه محكوما بحكم الخاصّ أو محكوما بلا تغيير عنوان بحكم العام (١) ونفي أحد الحكمين بالأصل لا يثبت الآخر كما هو ظاهر. وممّا يتفرّع على ذلك مسّ الميّت الذي يحتمل كونه شهيدا ، وقد ينظّر ذلك بأصالة عدم التذكية فيقال الأصل عدم الشهادة. وفيه : أنّ الحيوان حين حياته لم يكن مذبوحا فيستصحب هذا العدم بمفاد ليس الناقصة ويقال : مات بالوجدان ولم تفر أوداجه بالأصل ، فيتمّ موضوع الميتة ، بخلاف أصالة عدم الشهادة فإنّ الشهادة حالة للموت ، فلا يتّصف الحي بعدمها. ولو تنزّلنا وقلنا إنّها المقتولية بإذن الإمام ، وقلنا إنّها صفة للحي ، لما كان هذا الأصل نافعا إلاّ في رفع آثار الشهادة ، وأمّا آثار غير

__________________

(١) مقالات الأصول ١ : ٤٤٥.

٢٠٠