أصول الفقه - ج ٥

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٥

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٧٠

١

٢

[ تعدّد الشرط واتّحاد الجزاء ]

قوله : الأمر الثالث : إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء ... الخ (١).

حرّرت عنه قدس‌سره في هذا المقام ما هذا لفظه : لا يخفى أنّهم كما في التقريرات (٢) والكفاية (٣) ذكروا هذا العنوان مرّتين ، وبحثوا في المرّة الأولى عن مقتضى الجمع الدلالي بين الشرطيتين ، وفي المرّة الثانية بحثوا عن تداخل السببين أو المسبّبين. ولا يخفى أنّ الأولى تغيير العنوان في كلا المسألتين ، ويجعل عنوان الأولى هو ما ذكر من تعدّد الشرط ، بمعنى أنّه لو وردت شرطيتان واتّحدا في الجزاء واختلفا في الشرط فما هو مقتضى الجمع بينهما ، بعد الفراغ عن ظهور القضية الشرطية في المفهوم. ويجعل عنوان الثانية هو أنّه لو تعدّد السبب والشرط فهل يكون تعدّده موجبا لتعدّد المسبّب ـ أعني الحكم في ناحية الجزاء ـ أو أنّه لا يتعدّد ، بل تتداخل الأسباب أو تتداخل المسبّبات.

وحاصل الأمر الأوّل : هو أنّه مسوق لرفع التعارض والتدافع بين القضيتين الشرطيتين ، حيث إنّه بعد فرض وحدة الحكم في القضايا المذكورة ، وبعد اختلاف الشرط فيها بالعموم من وجه أو العموم المطلق أو التباين يقع التدافع المذكور ، لأنّ تعليق الحكم على شرط ينافي تعليقه على غيره ممّا يباينه أو يكون

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٥٩.

(٢) مطارح الأنظار ٢ : ٤٧ ، ٥١.

(٣) كفاية الأصول : ٢٠١ ، ٢٠٢.

٣

بينه وبينه عموم من وجه أو عموم مطلق ، كما لو كان أحد الشرطين أقلّ من الآخر في مقام التحديد ، مثل إذا خفي الأذان فقصّر ، بناء على كون خفاء الأذان قبل خفاء الجدران. أمّا بناء على ما ذكرناه في الفقه من كون المراد من خفاء الأذان خفاء فصوله لا خفاء الصوت نفسه ، ومن خفاء الجدران خفاء الصورة لا خفاء الشبح ، فلا يكون أحدهما أقلّ من الآخر ، بل يكونان متلازمين ، ويكونان معا كناية عن التحديد بأمر واحد ، وهو بلوغ المسافة إلى الحدّ الذي يخفى فيه كلاهما بالنحو الذي ذكرناه.

وكيف كان ، فمدار الأمر الأوّل على رفع التدافع والتعارض بين القضيتين ، الناشئ عن وحدة الحكم في ناحية الجزاء في جميع تلك القضايا الشرطية مع اختلاف الشرط فيها تباينا أو عموما مطلقا أو من وجه ، وحاصله : أنّه بعد ذلك التدافع فكيف الجمع بين القضيتين ورفع التعارض بينهما.

ومدار الثاني هو أنّه بعد ثبوت كون الشرط شرطا ، لو تعدّد كما في مثل إذا نمت فتوضّأ وإذا بلت فتوضّأ ، أو ما إذا بال مرتين ، فهل يكون تعدّده موجبا لتعدّد الجزاء أو أنّه لا يتعدّد. فيكون الأوّل مسوقا لجهة لفظية أعني رفع التعارض بين الشرطين ، والثاني مسوقا لجهة لبّية ، وهي أنّه عند اجتماع السببين هل يكون المسبّب واحدا أو متعدّدا حسب تعدّدهما.

قلت : ولا يخفى أنّ مثل إذا نمت فتوضّأ وإذا بلت فتوضّأ ، إنّما يدخل في الأمر الثاني بعد فرض الجمع بينهما باسقاط الاطلاق الثاني ـ أعني عدم العطف بلفظ أو ـ لأنّه حينئذ يكون كلّ من الشرطين سببا مستقلا ، فعند اجتماعهما هل يتعدّد الحكم أو لا ، أمّا إذا جمع بينهما باسقاط الاطلاق الأوّل ـ أعني عدم العطف بلفظ الواو ـ فلا يدخل اجتماعهما في العنوان الثاني ، بل لا يترتّب الحكم حينئذ

٤

إلاّ عند اجتماعهما. صرّح بذلك في الكفاية بقوله في المسألة الآتية : إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء فلا إشكال على الوجه الثالث ، وأمّا على سائر الوجوه الخ (١). فتأمّل.

ولا يخفى أنّ الدخول في المسألة الثانية وعدم الدخول في المسألة لا بدّ فيه من النظر إلى الحكم في ناحية الجزاء ، فإن كان قابلا للتكرار أو التأكّد كان داخلا في الثانية ، وإلاّ فهو داخل في الأولى ، وحينئذ مثل قوله إذا بلت فتوضّأ وإذا نمت فتوضّأ يمكن القول بأنّ أخذ وجوب الوضوء في طرف الجزاء من جهة كونه كاشفا عن انتقاض الوضوء ، فيكون مرجع القضيتين هو أنّك إذا بلت انتقض وضوءك وإذا نمت انتقض وضوءك ، وأنّ وجوب الوضوء إنّما هو من جهة تحقّق الانتقاض ، ومن الواضح أنّ الانتقاض غير قابل للتكرّر ولا للتأكّد ، فيكون راجعا إلى المسألة الأولى دون الثانية ، وسيأتي إن شاء الله تعالى (٢) مزيد توضيح لذلك (٣).

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٠٢.

(٢) راجع الحاشية الآتية في الصفحة : ٤٦ ـ ٤٧.

(٣) [ وجدنا هنا أوراقا منفصلة ارتأينا إدراجها في الهامش ، وهي كما يلي : ]

الوجوه المحتملة أو الأقوال في المسألة :

١ ـ تقييد مفهوم كلّ منهما بمنطوق الأخرى.

٢ ـ الغاء المفهومين.

٣ ـ تقييد كلّ منطوق بالآخر بمفاد الواو.

٤ ـ كون الشرط هو القدر الجامع.

وهذا الأخير يرجع إلى العطف بمفاد لفظ أو ، سواء كان في البين جامع عرفي أو لم يكن. أمّا الثاني فواضح ، وأمّا الأوّل فلما ذكرناه من ظهور مدخلية الخصوصية ، ولا جامع عرفي بين الخصوصيتين ، فيلزم العطف بأو على كلا التقديرين ، خلافا لما عساه يظهر من بعض ما حرّر عن شيخنا قدس‌سره من أنّه إن كان في البين جامع عرفي كان الشرط

٥

قوله : ولا يخفى أنّ الوجه الأوّل فيما إذا لم يكن هناك جامع عرفي خطابي يرجع إلى الوجه الثالث ، وهو تقييد اطلاق كلّ منهما المقابل للعطف بأو ... الخ (١).

بل يمكن أن يقال برجوعه إليه حتّى في الجامع العرفي ، لما

__________________

هو ذلك القدر الجامع ، وإلاّ كان الشرط هو أحدهما بمفاد العطف بلفظ أو. وبعد إسقاط الوجهين الأوّلين ، لعدم إمكان التصرّف في المفهوم بدون التصرّف في المنطوق ، يبقى الترديد بين الوجهين الأخيرين : العطف بالواو والعطف بلفظ أو.

أمّا ما ذكره في المقالة [ مقالات الأصول ١ : ٤٠٦ ] فهو راجع إلى العطف بأو ، أعني كون الشرط هو القدر الجامع ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى توضيحه [ في الصفحة : ١٦ ـ ١٧ ].

أمّا ما في آخر عبارة الكفاية طبع طهران [ سينقل قدس‌سره العبارة في هامش الصفحة : ١٥ ] فقد ضرب عليه وأسقط من طبعة بغداد [ كفاية الأصول : ١٠٥ ] ، وهو الوجه الرابع الذي ذكره في التقريرات [ مطارح الأنظار ٢ : ٤٨ ] ، وأسقطه بكونه إسقاطا لإحدى القضيتين منطوقا ومفهوما بلا وجه ، وحينئذ يكون خارجا عن الجمع الدلالي كما سيأتي إن شاء الله تعالى توضيحه [ في هامش الصفحة : ١٤ ].

الذي ينبغي تنسيق المسألة على هذه الأمور :

الأوّل : بيان الفرق بين هذه المسألة والمسألة الآتية التي يبحث فيها عن التداخل.

الثاني : بيان النسبة بين الشرطين بالعموم من وجه والعموم المطلق والتباين.

الثالث : بيان التدافع بين القضيتين من جهة دلالة كلّ منهما على انحصار العلّة في شرطها وأنّه علّة تامّة.

الرابع : عدد الوجوه المحتملة وإرجاع بعضها إلى بعض ، وانحصار الجمع بين القضيتين بأحد طريقين : اسقاط الاطلاق المقتضي لطرد احتمال العطف بأو ، أو اسقاط الاطلاق المقتضي لطرد احتمال العطف بالواو.

الخامس : بيان ما هو الحقّ والمختار [ منه قدس‌سره ].

(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٦٠ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسختين ].

٦

تقدّمت (١) الاشارة إليه فيما علّقناه على ما حقّقه شيخنا المحقّق العراقي في الوجه الثاني ، وذلك بأن يقال : إنّ ظاهر الخصوصية ينفي احتمال كون الشرط هو القدر الجامع ، فلو ثبت مع ذلك مدخلية خصوصية شرط آخر كان الشرط هو إحدى الخصوصيتين ، وحيث إنّه لا جامع عرفي بين الخصوصيتين يكون اللازم هو عطف كلّ منهما على الآخر بلفظ أو ، مثلا لو علّق الجزاء في إحداهما على مجيء زيد مثلا وفي الأخرى على مجيء عمرو ، فظاهر كلّ منهما أنّ للخصوصية الزيدية وللخصوصية العمرية مدخلية في ذلك الجزاء ، وهذا الظهور يمنع من كون الأثر للقدر الجامع القريب بينهما مثل الإنسان ونحوه. وحينئذ لا بدّ من كون المؤثّر هو إحدى الخصوصيتين ، بحيث يكون للخصوصية الخاصّة في كلّ منهما أثر ، وحيث لا جامع عرفي بين الخصوصيتين الشخصيتين يكون المؤثّر هو إحدى الخصوصيتين المتباينتين ، إذ لا جامع عرفي قريب بين المتباينين ، فيكون الشرط في كلّ منهما محتاجا إلى عطف الآخر عليه بلفظ أو.

ثمّ لا يخفى أنّه في الكفاية (٢) ذكر وجوها أربعة : تخصيص مفهوم كلّ منهما بمنطوق الأخرى ، ولازمه نفي الغير وانحصار انتفاء الجزاء بصورة انتفائهما معا. ورفع اليد عن مفهوم كلّ منهما ولازمه عدم الدلالة على نفي الغير. وتقييد كلّ من الشرطين بما هو مفاد الواو ، ولازمه الانتفاء عند انتفائهما أو انتفاء أحدهما. وكون الشرط هو القدر الجامع بينهما ، وهو في الانتفاء كالأوّل. وشيخنا قدس‌سره أفاد ما حاصله أنّ هذا الوجه الأخير إن كان الجامع عرفيا قريبا كان وجها آخر غير ما هو مفاد العطف بأو ، وأنّ مفاد العطف بأو إنّما هو في خصوص ما إذا لم يكن في

__________________

(١) في المجلّد الرابع من هذا الكتاب ص ٤١٨.

(٢) كفاية الأصول : ٢٠١.

٧

البين جامع عرفي ، فتكون الوجوه المحتملة حينئذ خمسة. وقد عرفت أنّه لا بدّ من العطف بأو على كلّ من التقديرين ، فلا يكون لنا إلاّ وجوه أربعة ، والأمر سهل في ذلك.

نعم ، يترتّب الأثر على ذلك في المسألة الآتية أعني التداخل ، فعلى تقدير الجامع العرفي لو اجتمعا لا يكون إلاّ من قبيل تداخل السبب ، ولا يؤثّر إلاّ أثرا واحدا ، بخلاف ما لو كان الشرط هو أحدهما على نحو نكرة الفصول (١) فإنّه يكون من قبيل تعدّد السبب ، فيحتاج إلى تعدّد المسبّب.

ثمّ إنّ صاحب الكفاية اختار الوجه الأخير ، للقاعدة العقلية وهي عدم معقولية تعدّد العلل مع وحدة المعلول ، وبناء على هذه القاعدة كان عليه أن يسقط الاحتمال الأوّل والاحتمال الثاني ، ويرجعهما إلى الاحتمال الرابع ، فإنّ تقييد مفهوم كلّ منهما بمنطوق الأخرى ، أو إسقاط المفهوم في كلّ منهما لا يخلصنا من إشكال اجتماع العلل المتعدّدة على معلول واحد.

نعم ، إنّ الوجه الثالث ـ وهو العطف في كلّ منهما على الآخر بالواو ـ سالم من هذا الإشكال ، وحينئذ فقوله في الكفاية : فلا بدّ من المصير إلى أنّ الشرط في الحقيقة واحد ، وهو المشترك بين الشرطين ، بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم وبقاء اطلاق الشرط في كلّ منهما على حاله ، وإن كان بناء العرف والأذهان العامية على تعدّد الشرط وتأثير كلّ شرط بعنوانه الخاص فافهم (٢) لا يخلو من تأمّل. وكان عليه أن يقول : بعد البناء على بقاء إطلاق الشرط في كلّ منهما على حاله من عدم العطف بالواو ، ليكون المعنى : أنّا بعد أن التزمنا بأنّه ليس الشرط هو

__________________

(١) راجع الفصول الغروية : ١٦٣.

(٢) كفاية الأصول : ٢٠١ ـ ٢٠٢.

٨

المجموع المركّب منهما ، فنحن محتاجون إلى أخذ الشرط بمعنى القدر الجامع ، وإن كان ذلك ـ أعني أخذ الشرط هو القدر الجامع ـ ربما لا تساعد عليه الأذهان العامية العرفية ، لأنّهم يرون أنّ كلّ شرط مؤثّر بنفسه لا بالقدر الجامع ، لبعده عن أذهانهم. والحاصل أنّ الإشكال العقلي الذي أوجب علينا استنباط القدر الجامع لا يختصّ بالوجه الثاني كما هو ظاهر العبارة ، بل هو جار في الوجه الأوّل ، نعم إنّ الوجه الثالث سالم من الإشكال المذكور. ولعلّ قوله : فافهم ، إشارة إلى ذلك.

ويمكن توجيه هذه العبارة الموجودة في الكفاية بأنّ كلامه قدس‌سره إنّما هو في مقابلة الوجه الرابع مع الوجه الثاني الذي أفاد أنّه لعلّ العرف يساعد عليه (١) ، وأنّ حاصل ذلك هو أنّ الوجه الثاني وإن ساعد عليه العرف إلاّ أنّ الوجه الرابع لا بدّ من المصير إليه وإن قلنا بالوجه الثاني.

وبالجملة : أنّه بناء على الوجه الثاني ـ الذي هو عبارة عن رفع اليد عن المفهوم ـ إن لم نبق إطلاق الشرط بحاله من كون كلّ منها مؤثّرا بالاستقلال فلا نحتاج إلى الوجه الرابع ، وإن أبقينا الاطلاق على حاله فلا بدّ من المصير إلى الوجه الرابع ، كلّ ذلك بعد مساعدة العرف (٢) على الوجه الثاني وتقديمه على بقية

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٠١.

(٢) قال المرحوم القوچاني في شرح قوله قدس‌سره : ولعلّ العرف يساعد على الوجه الثاني الخ ، ما هذا لفظه : حيث إنّ للقضية الشرطية بناء على المفهوم ظهورين :

أحدهما : بحسب المنطوق في كون الشرط بنفسه مستقلا في التأثير ، بلا ربط للغير في تأثيره.

وثانيهما : في خصوصية انحصار العلّة التي لازمه الانتفاء عند الانتفاء. ومن المعلوم أنّ ظهوره الأوّل أقوى من الثاني ، فالمتعيّن عند الدوران هو رفع اليد عن الثاني ، ولازمه

٩

الوجوه ، وإنّما تبقى المقابلة بينه وبين الوجه الرابع فكان الوجه الرابع مقدّما عليه لاحتياجه إليه.

ثمّ لا يخفى أنّه لا يمكن توجيه العبارة بما في الحاشية طبع بغداد (١) من أنّه إنّما لا يحتاج إلى هذا الوجه على الوجه الأوّل ، لأنّه إذا خصّص مفهوم كلّ منهما بمنطوق الأخرى يكون الجزاء متعدّدا بتعدّد الشرط بالجهة والحيثية التي يضاف الجزاء إليه باعتبارها ، فلا يكون الجزاء واحدا بل متعدّدا ، لتعدّده حسب تعدّد الجهة التي بها يضاف إلى الشرط ، فالجزاء في المثال الذي ذكره المصنّف رحمه‌الله

__________________

الوجه الثاني دون باقي الوجوه المذكورة ، لاحتياجها إلى التصرّف في المنطوق بحسب ظهوره الأوّل غير ذلك الخ [ كفاية الأصول ( مع تعليقة الشيخ علي القوچاني قدس‌سره ) ١ : ١٦٥ / التعليقة ٧٥ ].

ولا يخفى أنّ إسقاط الظهور في انحصار العلّة في كلّ منهما إنّما هو في مقابلة الآخر ، وحينئذ يكون عدم الانحصار في كلّ منهما إنّما هو بالاضافة إلى الآخر ، ويتولّد من ذلك أنّ الشرط الذي هو تمام العلّة هو أحدهما الذي هو مفاد العطف بأو ، وحينئذ يكون المفهوم هو انتفاء الحكم عند انتفائهما معا ، ولا داعي حينئذ لاسقاط المفهوم منهما بتاتا ، لأنّ ذلك إنّما يكون فيما لو أسقط الانحصار بالمرّة ، بمعنى أنّهما لا يدلاّن على نفي المغاير لهما مطلقا ، ومن الواضح أنّ هذا الاسقاط لا داعي إليه ، لأنّه إنّما نسقط قوله مثلا « إذا سافرت فقصر » في دلالته على الانحصار بالاضافة إلى الشرط الآخر الذي هو خوف العدو ليكون الشرط حينئذ هو أحدهما ، وإذا ثبت أنّ الشرط هو أحدهما كان دالا على الانحصار ، بمعنى أنّه ينفي كون الشرط غيرهما ، وحينئذ يكون انتفاؤهما معا موجبا لانتفاء الحكم ، لكنّه حينئذ يكون راجعا إلى أنّ الشرط هو القدر الجامع لا إلى أنّه لا مفهوم لهما أصلا. ولعلّ هذا هو مراد شيخنا قدس‌سره فيما يأتي [ في الحاشية الآتية ] ممّا حرّرته عنه قدس‌سره فراجعه وتأمّل [ منه قدس‌سره ].

(١) كفاية الأصول : ١٠٤ ـ ١٠٥ ( وهي حاشية للشيخ محمّد مهدي الكاظمي قدس‌سره ).

١٠

يكون متعدّدا بواسطة إضافة التقصير إلى خفاء الأذان تارة وإلى خفاء الجدران أخرى. وذلك لأنّ تعدّد الجزاء حسب تعدّد الشرط إذا كان رافعا للإشكال المذكور لم يبق لنا حاجة إلى الوجه الرابع حتّى في الصورة التي ذكرها المصنّف قدس‌سره ، وهي ما إذا رفعنا اليد عن المفهوم مع إبقاء إطلاق الشرط على حاله ، فتأمّل.

قوله : وأمّا احتمال سقوط المفهومين من القضيتين فهو راجع إلى تقييد الاطلاق للعطف بأو ، وليس وجها آخر في قباله ... الخ (١).

وجهه هو أنّ إسقاط المفهوم من كلّ منهما يلزمه إسقاط الاطلاق النافي للعطف بأو ، إذ لا يجتمع دعوى الانحصار في كلّ منهما مع عدم المفهوم لهما ، فلا بدّ في إسقاط المفهوم من إسقاط دعوى الانحصار ، وذلك الاسقاط عبارة عن العطف بأو.

وقد حرّرت عنه قدس‌سره في هذا المقام ما هذا لفظه : أنّ المراد من إسقاط دلالتهما على المفهوم إن كان عبارة عن إسقاط دلالة كلّ من الشرطيتين على نفي شرطية الشرط في الأخرى ، مع بقاء دلالة كلّ منهما على نفي مدخلية شيء ثالث ، فهو عين ما ذكرناه من إسقاط الاطلاق الثاني ، أعني عدم عطف شرط إحدى الشرطيتين على شرط الأخرى بلفظ أو. وإن كان المراد نفي دلالة كلّ من الشرطيتين على المفهوم بالكلّية ، بحيث لا يكون لهما دلالة على نفي الثالث ، فهذا لا وجه له ولا يقتضيه التعارض بين الشرطيتين ، لكفاية إسقاط دلالة كلّ منهما على نفي مدخلية الشرط في الأخرى في رفع التعارض المذكور ، من دون حاجة

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٦٠ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ، وقد ذكر في النسخة المحشاة بعنوان : الرابع ... وأمّا الوجه الرابع ... ].

١١

إلى إسقاط دلالتهما على نفي مدخلية الثالث ، انتهى.

قلت : ولكن الظاهر من الكفاية بل صريحها هو إرادة الوجه الثاني ، لأنّه يقول : وإمّا برفع اليد عن المفهوم فيهما ، فلا دلالة لهما على عدم مدخلية شيء آخر في الجزاء (١).

ثمّ قال شيخنا الأستاذ قدس‌سره : وأمّا ما يقال من الجمع بينهما بجعل الشرط هو القدر الجامع بينهما فهو عبارة أخرى عمّا ذكرناه من العطف بلفظ أو ، إذ مرجعه هو أحدهما ، فإن كان بينهما جامع عرفي قريب كان الشرط هو ذلك القدر الجامع ، وإن لم يكن بينهما ذلك الجامع العرفي القريب كان الشرط هو أحدهما على البدل ، وإن كان الشرط في الحقيقة هو القدر الجامع العقلي وإن كان بعيدا عرفا ، لعدم معقولية معلولية الشيء الواحد لأشياء متعدّدة بلا قدر جامع ، انتهى.

قلت : قد تقدّم (٢) أنّه لو كان في البين قدر جامع عرفي قريب ومع ذلك ذكر الشرط الخاصّ ، كان ظهور اللفظ في مدخلية الخصوصية موجبة لالغاء ذلك القدر الجامع ، فلو جاءت شرطية أخرى تتضمّن مدخلية خصوصية أخرى لشرط آخر كان اللازم هو الالتجاء إلى العطف بأو كما عرفته فيما تقدّم.

تنبيه : قال في الكفاية : الأمر الثاني : إذا تعدّد الشرط مثل ( إذا خفي الأذان فقصّر ) و ( إذا خفي الجدران فقصّر ) فبناء على ظهور الجملة الشرطية في المفهوم لا بدّ من التصرّف ورفع اليد عن الظهور الخ (٣).

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٠١.

(٢) في بداية الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٦ ـ ٧ ، وراجع أيضا المجلّد الرابع من هذا الكتاب الصفحة : ٤١٨.

(٣) كفاية الأصول : ٢٠١.

١٢

يمكن أن يقال : إنّ التصرّف لا بدّ منه حتّى لو لم نقل بالمفهوم ، إذ لا أقل من كون ذلك من قبيل الحكم الواحد مع فرض اختلاف موضوعه بالتباين ، أو العموم من وجه أو العموم والخصوص المطلق ، فلاحظ. وهذا نظير ما ذكره المصنّف قدس‌سره (١) في ردّ استدلال القائلين بمفهوم الوصف بالاتّفاق على حمل المطلق مثل أعتق رقبة على المقيّد (٢) مثل أعتق رقبة مؤمنة ، فإنّ هذا الحمل كاشف عن التنافي ، وهو لا يكون إلاّ من جهة المفهوم ، فأجاب عنه بأنّ التنافي من جهة ضيق الموضوع وسعته مع فرض وحدة الحكم.

ولعلّ المراد هو أنّه بعد أن أخرجنا المتباينين اللذين لا يجتمعان معا ولا في السبق واللحوق ، مثل إن جاء مسافرك أوّل النهار فتصدّق وإن جاء في آخر النهار فتصدّق ، فهذا ومثله خارج لأنّ المتعيّن فيه هو مفاد أو ، ولا يتأتّى الجمع فيه بمفاد الواو. ثمّ بعد أن أخرجنا الخاص والعام وتعيّن الجمع فيه بمفاد الواو ، لم يبق إلاّ العامان من وجه مفهوما أو موردا ، مثل إن سافرت فقصّر وإن خفت من العدو فقصّر ، ولا ريب في عدم التنافي بينهما عند الاجتماع بأن تحقّق السفر والخوف ، فإنّه يلزمه التقصير على كلّ حال. أمّا لو انفرد السفر عن الخوف أو انفرد الخوف عن السفر فلا تعارض حينئذ ، إذ لا منافاة بين وجوب التقصير عند الخوف وحده ووجوبه أيضا عند السفر وحده ، وإنّما تتأتّى المنافاة بين مثل هذين الدليلين لو قلنا بالدلالة على الانحصار وتمامية العلّة ـ أعني الموضوع الذي هو السفر أو الخوف ـ ولأجل ذلك أفاد في الكفاية أنّه بناء على الدلالة على المفهوم تتحقّق المنافاة بينهما.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٢٠٦.

(٢) [ في الأصل : المطلق ، والصحيح ما أثبتناه ].

١٣

لكن ذلك أيضا لا يخلو عن تأمّل بعد فرض كون الحكم واحدا ، فإن جعله على الخوف ينافي جعله على السفر ، فلا بدّ من الجمع بمفاد الواو أو بمفاد أو ، فتأمّل (١).

__________________

(١) وفي الطبعة الطهرانية * بعد قوله قدس‌سره : فافهم ، ما هذا لفظه : وأمّا رفع اليد عن المفهوم في خصوص أحد الشرطين وبقاء الآخر على مفهومه ، فلا وجه لأن يصار إليه إلاّ بدليل آخر ، إلاّ أن يكون ما أبقي على المفهوم أظهر فتدبّر جيّدا.

وكتب قدس‌سره على الهامش ما هذا لفظه : ولازمه تقييد منطوقها بمفهوم الآخر ، فلا يكون عند ثبوت شرطها ثبوت الجزاء إلاّ إذا كان شرط الآخر يلزم ثانيا.

وشرح المرحوم القوچاني قوله : بمفهوم الآخر ، فقال : أي بسبب مفهوم الآخر. إلاّ أنّ الأحسن أن يقال : بمنطوق الآخر ، مع عدم الالتزام بالعلّية أيضا ، بأن يكون مفاد إحدى القضيتين ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط عند وجود الشرط الآخر وتأثيره في الجزاء كما عرفت. ولكنّه تصرّف لا يصار إليه إلاّ بدليل [ كفاية الأصول ( مع تعليقة الشيخ علي القوچاني رحمه‌الله ) ١ : ١٦٦ / التعليقة ٧٧ ].

وأشار بقوله : « كما عرفت » إلى ما تقدّم منه في الحاشية السابقة في بيان هذا الوجه بقوله : بأن يجعل مفاده مجرّد ثبوت الجزاء عنده بلا علّية في البين ، بل ولا إطلاق في الثبوت ، بأن يكون ثبوته عنده عند وجود الشرط الآخر بسببية ذلك وكشف هذا عنه

__________________

(*) [ الظاهر أن المقصود بها النسخة المطبوعة في طهران قديماً وهي نادرة الوجود وقد ورد في الصفحة : ١١٨ ـ ١١٩ منها هذه العبارة مع الهامش الذي ينقله المصنف قدس‌سره.

كما أن أصل العبارة ذذكرت في الطبعة الحديثة المحشاة بحاشية المرحوم المشكيني قدس‌سره وله تعليقتان عليها ٢ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ إلا أن الهامش غير مذكور فيها ، نعم أشار قدس‌سره إليه في التعليقة الأُولى].

١٤

تنبيه : قد اشتمل بعض التحارير على أنّ الشرطين تارة يكونان متباينين ، وأخرى يكون بينهما العموم من وجه ، وثالثة يكون بينهما العموم المطلق. وقد مثّلوا للأوّل بمثل : إذا بلت انتقض وضوءك ، وإذا نمت انتقض وضوءك. وللثاني بمثل : إذا سافرت فقصّر ، وإذا خفت العدو فقصّر. وللثالث بمثل : إذا خفي الأذان فقصّر ، وإذا خفيت الجدران فقصّر ، بناء على كون خفاء الأذان قبل خفاء الجدران ، فيكون الشرط الثاني أخصّ من الأوّل.

ولا يخفى أنّه ليس المراد بالعموم من وجه ما هو بمعناه المصطلح ، بل الظاهر أنّ المراد به هو مجرّد الاجتماع في الوجود ولو لم يكن أحدهما صادقا على [ الآخر ]. والظاهر أيضا أنّ المراد بالتباين في المقام معناه المصطلح ، وهو اختلاف المفهومين وتباينهما مصداقا وإن اجتمعا في الوجود ، كما في مثل النوم

__________________

فيكون أحدهما معرّفا عن الآخر [ كفاية الأصول ( مع تعليقة الشيخ علي القوچاني رحمه‌الله ) ١ : ١٦٥ / التعليقة ٧٥ ].

قلت : لا يخفى أنّ محصّل هذا التطويل هو إسقاط إحدى القضيتين منطوقا ومفهوما ، وليس هذا من الجمع الدلالي. وكأنّه لأجل ذلك ضرب على ذلك كلّه كما في نسختي التي صحّحتها على نسخة صحّحت على نسخة المصنّف ، وكما في طبعة بغداد [ كفاية الأصول : ١٠٥ مطبعة الشابندر ـ بغداد ].

قال في التقريرات : رابعها ابقاء إحدى الجملتين بحالها مفهوما ومنطوقا ، والتصرّف في الأخرى كذلك ، كما هو الظاهر من الحلّي [ السرائر ١ : ٣٣١ ] في المثال المذكور ، فإنّه جعل المناط في القصر خفاء الأذان فقط ، وقيّد منطوق الآخر بخفاء الأذان ومفهومه بعدمه ، فيرجع إلى إلغاء الجملة الثانية رأسا. اللهمّ إلاّ أن يكون خفاء الجدران من الأمارات التي يتوصّل بها إلى خفاء الأذان ، فلا يلزم لغويته رأسا [ مطارح الأنظار ٢ : ٤٨ منه قدس‌سره ].

١٥

والبول ، وحينئذ يكون ذلك عين العموم من وجه بالنحو المذكور. أمّا المتباينان اللذان لا يجتمعان في الوجود أصلا حتّى لو كان أحدهما سابقا على الآخر مثل الإنسان والحجر ، فلا يتأتّى فيه الجمع بمفاد الواو ، بل يتعيّن فيه مفاد أو.

وذكر المرحوم الشيخ محمّد علي أنّ الوجه الثاني ـ وهو الحمل على العطف بلفظ أو في مثل المثال ـ لا يستقيم ، لأنّ المفروض حصول خفاء الأذان دائما قبل حصول خفاء الجدران ، فيلزم لغوية جعل خفاء الجدران شرطا ، لعدم وصول النوبة إليه (١).

هذا بالنسبة إلى حال الخروج ، وأمّا بالنسبة إلى الرجوع فالأمر فيه بالعكس.

قلت : والذي ينبغي أن يقال : إنّ أحد الشرطين لو كان أخصّ مطلقا من الآخر ، مثل الإنسان والحيوان ومثل المطلق والمقيّد ، كما لو قال : إن تركت التشهّد بطلت صلاتك ، وقال في أخرى إن تعمّدت تركه أو إن تركته عمدا بطلت صلاتك ، تعيّن الجمع بينهما بمفاد الواو ، فيعطف الخاص على العام أو المقيّد على المطلق بالواو ، فيكون الشرط هو الخاص أو المقيّد ، ولا محصّل للجمع في ذلك بمفاد لفظة أو ، بأن يعطف بها الخاص على العام. أمّا العكس أعني عطف العام بها على الخاص بأن يقال : إن كان هذا إنسانا أو كان حيوانا فافعل كذا ، فلا محصّل لذلك العطف إلاّ عطف ما عدا الإنسان من الحيوان على الإنسان ، فيرجع الأمر حينئذ إلى التباين ، لأنّ المراد من الحيوان هو ما عدا الإنسان ، وهو مباين له ، فلاحظ.

تنبيه آخر : قال شيخنا الأستاذ العراقي قدس‌سره في مقالته المطبوعة : ثمّ إنّه إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء شخصا بحيث [ كان ] غير قابل للتكثّر ، فلا شبهة في

__________________

(١) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٤٨٦.

١٦

أنّه لا محيص من رفع اليد عن ظهور الشرط في المؤثّرية بنحو الاستقلال ، فيحمل على مؤثّرية المجموع في وجود الجزاء عند تقارنهما ، خصوصا مع اقتضاء ما هو أحدهما دون الآخر ترجيحا بلا مرجّح ، نعم مع تعاقبهما كان الأثر لأوّل الوجودين قهرا ، كما لا يخفى (١).

ولا يخفى أنّ الملاك في كون الأثر للأوّل عند التعاقب إن كان هو كون الشرط هو القدر الجامع العرفي بينهما ، لم نكن في حاجة إلى الالتزام بكون المؤثّر عند اجتماعهما هو المجموع على وجه يستند الأثر إلى كلّ واحد ، بحيث يكون كلّ واحد جزء العلّة ، بل يكون الأثر مستندا إلى صرف الطبيعة الموجودة فيهما. وكذلك لو لم يكن في البين جامع عرفي قريب وكانا بحسب النظر العرفي متباينين ، فإنّه بعد البناء على تلك القاعدة العقلية المانعة من تعدّد العلل ووحدة المعلول ، لا بدّ لنا أن نقول إنّه عند اجتماعهما يكون الأثر مستندا إلى القدر الجامع العقلي.

وكيف كان ، فقد ظهر لك أنّ كون الأثر عند الاجتماع مستندا إلى مجموعهما ، بحيث يكون كلّ منهما جزء العلّة ، لا يجتمع مع الحكم باستناد الأثر إلى السابق عند التعاقب ، فتأمّل.

قوله : فيدور الأمر بين تقييد أحد الاطلاقين المقابلين للعطف بالواو أو العطف بأو ... الخ (٢).

الأولى أن نمثّل لذلك بما إذا كان الشرطان متباينين وإن كان يمكن اجتماعهما في الوجود ، مثل : إذا سافرت فقصّر ، وإذا خفت من العدو فقصّر.

__________________

(١) مقالات الأصول ١ : ٤٠٦.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٢٦٠ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

١٧

فنقول : إنّ الذي يظهر من القضية الأولى أمران : الأوّل كون السفر شرطا وعلّة منحصرة لوجوب القصر ، على وجه لا يقوم غيره الذي هو خوف العدو مقامه. الثاني كون السفر هو تمام العلّة والموضوع لوجوب القصر ، على وجه يكون وجوده وحده كافيا في تحقّق وجوب القصر ، ولا يحتاج إلى ضمّ غيره إليه الذي هو خوف العدو. وهكذا الحال في القضية الثانية.

أمّا الأوّل ـ أعني الانحصار ـ : فقد أثبتناه باطلاق الشرط في قبال احتمال عطف الخوف عليه بلفظ أو ، بإحدى الطرق المتقدّمة (١) التي كان أهم تقريباته التمسّك باطلاق قيدية الشرط وأنّ السفر قيد بقول مطلق في وجوب القصر حتّى في حال وجود الخوف وحده ، وأنّ وجوب القصر يتوقّف على وجود السفر ، سواء كان الخوف موجودا أو كان الخوف معدوما.

أمّا الثاني ، أعني استقلال السفر في علّية وجوب القصر ، في قبال احتمال احتياجه في ذلك إلى انضمام الخوف معه ، فلنا في التمسّك على نفي هذا الاحتمال الذي مفاده عطف الخوف على السفر بلفظ الواو طريقان :

الطريق الأوّل : هو التمسّك باطلاق الشرط ، وأنّ ظاهر تعليق الوجوب عليه أنّه يؤثّر في الوجوب وحده ، من دون أن يقيّد هو ـ أعني السفر ـ باجتماعه مع الخوف الذي هو مفاد عطفه عليه بالواو ، فإنّ ظاهر إطلاق الشرط من هذه الجهة وعدم عطف الخوف عليه بلفظ الواو أنّه ـ أعني السفر ـ مستقل في تحقيق الوجوب ، ولا يحتاج في تحقيقه الوجوب إلى عطف الخوف عليه بلفظ الواو.

الطريق الثاني : هو إطلاق نفس الوجوب المستفاد من قوله قصّر ، فإنّ هذا

__________________

(١) راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٤١٠ وما بعدها من المجلّد الرابع من هذا الكتاب.

١٨

الدليل الدالّ على الوجوب لو خلي وحده لكان مقتضى إطلاقه هو وجوب القصر ، سواء سافر أو لم يسافر ، وسواء خاف العدو أو لم يخفه. لكن لمّا قيّده بقوله : ( إذا سافرت فقصّر ) التجأنا إلى تقييد إطلاق ذلك الوجوب بالسفر. أمّا الخوف فكان إطلاق الوجوب بالقياس إليه باقيا بحاله ، بمعنى أنّ الوجوب في قوله : ( إن سافرت وجب عليك القصر ) يكون بالقياس إلى الخوف باقيا على إطلاقه ، ولا ترفع اليد عن إطلاق دليل ذلك الوجوب إلاّ بالنسبة إلى السفر دون الخوف ، وحينئذ يكون مقتضى إطلاق الوجوب بالنسبة إلى الخوف بعد تقييده بالسفر أنّ وجوب القصر يتحقّق بمجرّد تحقّق السفر ، سواء انضمّ إليه الخوف أو لم ينضمّ إليه ، وذلك عبارة أخرى عن أنّ السفر يؤثّر وحده في وجوب القصر من دون أن نضمّ إليه الخوف ، فيكون هذا الاطلاق في ناحية الوجوب بالنسبة إلى الخوف نافيا لاحتمال عطف الخوف على السفر بالواو ، فيكون هذان الطريقان متوافقين في أخذ هذه النتيجة أعني طرد احتمال عطف الخوف على السفر بالواو.

وحيث إنّ جميع ما حرّرناه في القضية الأولى ـ أعني قوله : إذا سافرت فقصّر ـ متأتّ بعينه في القضية الثانية ، أعني قوله : إذا خفت العدو فقصّر ، وحينئذ يقع التدافع بين إطلاق الأولى وإطلاق الثانية من الجهتين ، أعني من جهة الاطلاق الطارد لاحتمال العطف بأو ، والاطلاق الطارد لاحتمال العطف بالواو ، وإن شئت فقل : إنّ ظاهر الاطلاق في القضية الأولى أنّ السفر في علّيته وتأثيره في وجوب القصر منحصر ، لا يقوم غيره الذي هو الخوف مقامه ، وأنّه مستقل في ذلك لا يحتاج إلى ضمّ غيره إليه في ذلك ، وهكذا الحال في الثانية. وكما أنّ إطلاق الأولى في إثبات انحصار الشرط بالسفر يعارض إطلاق الثانية في إثبات انحصار الشرط

١٩

بالخوف ، إذ لا يجتمع الانحصاران ، فكذلك إطلاق الأولى في إثبات استقلال السفر يعارض إطلاق الثانية في إثبات استقلال الخوف. وإن شئت فقل : إنّ إطلاق وجوب القصر في الأولى من جهة إثبات أنّ الوجوب غير مقيّد بالخوف معارض لما أفادته الثانية من تقييده بالخوف ، كما أنّ إطلاق الوجوب في الثانية من جهة إثبات أنّ الوجوب غير مقيّد بالسفر معارض لما أفادته الأولى من كونه مقيّدا بالسفر ، وحينئذ يكون إطلاق الوجوب في كلّ منهما بالنسبة إلى الشرط في الأخرى معارضا لاطلاقه بالأخرى بالنسبة إلى الشرط فيها ، وحينئذ يكون الاطلاقان المذكوران متنافيين.

وجلّ غرضنا من هذه الاطالة هو بيان أنّ شيخنا قدس‌سره بنى أخيرا على تحقّق التزاحم بين الاطلاق المقتضي للانحصار المبني على نفي احتمال العطف بأو ، وبين الاطلاق المقتضي لاستقلال الشرط المبني على نفي احتمال العطف بالواو ، لأنّا لا بدّ لنا في مثل هذه القضايا من إسقاط أحد الاطلاقين ، وحيث إنّهما في عرض واحد ولا ترجيح في البين ، كان الحاصل حينئذ هو عدم حجّية كلّ منهما ، ويكون اللازم هو الأخذ بالقدر المتيقّن ، وهو أنّه عند اجتماع الشرطين يكون الحكم فعليا لا محالة ، وفيما عداه يكون المرجع هو الأصول العملية ، وهي البراءة من ذلك الوجوب مثلا ، على إشكال في ذلك.

والذي هو محلّ التأمّل ممّا أفاده شيخنا قدس‌سره هو كون الاطلاقين في عرض واحد ، لامكان القول بتقدّم إسقاط الاطلاق المقتضي لعدم العطف بالواو ، وذلك الاطلاق هو إطلاق الوجوب الذي ذكرناه في الطريق الثاني ، فإنّ الوجوب في قوله : ( إذا سافرت وجب القصر ) وإن كان من حيث انضمام الخوف مطلقا ، لكنّه بعد أن فرضناه حكما واحدا في كلّ من القضيتين ، يكون إطلاقه من ناحية

٢٠