أصول الفقه - ج ٤

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٤

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٣٦

الأساسي وهو تقيّد الصلاة بعدمه واعتبارها بشرط لا بالاضافة إلى ذلك الجزء المنهي عنه.

وكنت في وقت استفادة هذا الدرس من شيخنا قدس‌سره فيما يعود إلى هذا الحجر الأساسي قد علّقت عليه ما هذا لفظه : لا يخفى أنّ النهي عن الجزء لا يكون بمجرّده موجبا لبطلان العبادة إلاّ إذا أتى به بقصد الجزئية ، ليكون من باب النقيصة لو اقتصر عليه ، بل يكون حينئذ من باب النقيصة والزيادة العمديتين لو اقتصر عليه ، ومن باب الزيادة العمدية لو لم يقتصر عليه ، أو إذا كانت هناك جهة أخرى موجبة للبطلان لكونه قرانا بين سورتين ، بناء على حرمة القران وتقييد الصلاة بعدم القران ، وحينئذ لو أتى بالعزيمة مع سورة أخرى يكون البطلان من ناحية الزيادة والنقيصة ومن ناحية القران أيضا. أمّا إذا لم يقصد به الجزئية ولم يقتصر عليه ، ولم يكن ذلك الجزء مأخوذا بشرط لا ، ولم تنضمّ إليه جهة أخرى ، فعلى الظاهر أنّه لا يكون موجبا لبطلان العبادة وإنّما يكون من قبيل الفعل المحرّم في أثنائها. وأمّا ما أفاده دام ظلّه من أنّ النهي عنه في الصلاة يكون موجبا لتقيّدها بعدمه فللتأمّل فيه مجال ، لأنّ مجرّد النهي النفسي عن شيء في حال العبادة لا يكون موجبا لتقيّدها بعدمه ، بل أقصى ما فيه أنّه يكون من قبيل فعل شيء محرّم في أثناء الصلاة ، فتكون الصلاة بمنزلة الظرف لذلك الفعل المحرّم. وهذا الإشكال من قبيل ما يقال إنّ مجرّد الأمر بشيء في حال الصلاة أمرا نفسيا لا ضمنيا لا يدلّ على أنّه جزء منها ، لأنّه حينئذ يكون من قبيل الواجب في ضمن واجب آخر ، فيكون التحريم النفسي فيما نحن فيه من قبيل التحريم النفسي لذلك الجزء في ضمن العبادة في عدم اقتضائه التقيّد بعدمه.

ثمّ بعد أن طبع هذا الكتاب علّقت على هذه الوجوه الثلاثة بأنّ هذه الوجوه

٢٨١

الثلاثة كلّها قابلة للمناقشة.

أمّا الأوّل : فلأنّ النهي عن شيء في الصلاة إذا لم يكن غيريا ، بل كان تحريما نفسيا استقلاليا لا ضمنيا ، لم يكن موجبا لتقيّد الصلاة بعدمه ، وإلاّ لكان النهي النفسي عن الوصف أو الشرط موجبا للبطلان. وسيأتي منه قدس‌سره المنع من ذلك (١). وأمّا أخذ العبادة بالاضافة إليه بشرط لا فلا يجري في كلّ جزء منهي عنه ، وإنّما يتأتّى ذلك في خصوص ما إذا كان الجزء الواجب في الصلاة مقيّدا بعدد خاص ، فإنّه لو أضيف إليه مثله كان موجبا للبطلان ، لكن ليس ذلك من جهة كونه محرّما ، بل من جهة كونه موجبا لعدم تحقّق قيد الجزء.

وبالجملة : أنّ ما أخذ فيه عدد خاص تكون الزيادة عليه مبطلة ، وإن لم يكن ذلك الزائد محرّما في نفسه ، وليس ذلك هو محلّ الكلام ، وإنّما الكلام في مبطلية كون الجزء المأتي به محرّما مع قطع النظر عن كون بعض الأجزاء مقيّدا بعدمه.

وأمّا الوجه الثاني : فهو متّجه في خصوص الأجزاء المحرّمة التي هي من سنخ أجزاء الصلاة ليكون من قبيل الزيادة ، والظاهر أنّه لا صغرى له في باب الصلاة. وأمّا المحرّمات التي هي من قبيل الذكر كقول آمين ، أو من قبيل القرآن كسورة العزيمة ولو بين السجدتين مثلا ، فالظاهر أنّه لا يتحقّق كونها زيادة إلاّ بقصد الجزئية ، حيث إنّ الذكر والقرآن غير المحرّمين وإن جاز فعلهما في أثناء الصلاة ، إلاّ أنّها لو فعلت لا تكون جزءا ، وإنّما تكون ذكرا جائزا في أثناء الصلاة ، إلاّ إذا قصد بها الجزئية فتكون من الزيادة.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٢١٩ ـ ٢٢١ ، وستأتي حاشية المصنّف قدس‌سره على ذلك في الصفحة : ٢٩٧ وما بعدها من هذا المجلّد.

٢٨٢

ولا يبعد القول بأنّها لو أتي بها بقصد الجزئية تكون مبطلة ، أمّا ما يكون محرّما منها فينبغي أن يكون كذلك ، بمعنى أنّها لو لم يؤت بها بقصد الجزئية فلا تكون إلاّ من قبيل المحرّم في أثناء الصلاة ، ولا يدخل في الزيادة إلاّ إذا قصد به الجزئية ، وحينئذ يكون مبطلا من جهة قصد الجزئية لا من جهة كونه محرّما. اللهمّ إلاّ أن يلتزم في مطلق الذكر والقرآن بأنّه من قبيل الزيادة الغير المبطلة لكون زيادته مغتفرة فلا يكون اتّصافه بالزيادة متوقّفا على قصد الجزئية ، فتأمّل فإنّه قدس‌سره لا يقول بذلك.

وأمّا الوجه الثالث : فكأنّ المراد به هو أنّ مقتضى الأدلّة الأوّلية هو أن لا يؤتى في أثناء الصلاة بغير اجزائها المنصوصة ، وقد خرج من ذلك مطلق الذكر والقرآن للأدلّة الدالّة على ذلك ، ولكن خرج من تلك الأدلّة المسوغة مثل قوله آمين وقراءة سورة العزيمة ، وحينئذ يكون الحكم فيها هو مقتضى الأدلّة الأوّلية من عدم الاتيان بها في أثناء الصلاة.

ويمكن التأمّل في ذلك بمنع أنّ مقتضى الأدلّة الأوّلية هو عدم الاتيان في أثناء الصلاة بشيء غير أجزائها المنصوصة ، على وجه يكون ذلك المنع موجبا لتقيّد الصلاة بما عدا أجزائها المنصوصة ، فلم يبق لنا إلاّ مجرّد حرمة قول آمين وقراءة العزيمة في أثناء الصلاة ، وقد عرفت أنّ ذلك بمجرّده لا يوجب البطلان.

نعم لو كان التحريم المذكور مخرجا لهما عن مطلق الذكر والقرآن ، وملحقا لهما بكلام الآدميين ، لكان موجبا لافسادهما الصلاة ، لكنّه قدس‌سره منع من ذلك.

والحاصل : أنّ المراد من النهي عن الجزء هو تعلّق النهي بما لو فرض الأمر به ولم يكن منهيا عنه لكان جزءا من الصلاة ، ومن الواضح أنّ مجرّد تعلّق النهي بمثل ذلك لا يوجب كونه مبطلا للصلاة إلاّ فيما تكون الصلاة مقيّدة بعدمه ، كما

٢٨٣

في الاجزاء المقيّدة بعدد خاص ، أو كان ذلك المنهي عنه من سنخ أجزاء الصلاة على وجه يكون زيادة عمدية من دون توقّف على قصد الجزئية ، ومن الواضح أنّ الفساد في هذين الموردين لا يكون مستندا إلى التحريم ، بل تكون الصلاة فاسدة حتّى لو لم يكن ذلك المأتي به محرّما ذاتا في الصلاة ، انتهى ما كنت حرّرته سابقا.

وحيث قد ظهر لك أنّ الحجر الأساسي في دعوى كون النهي عن جزء العبادة موجبا لفسادها هو ما أفاده شيخنا قدس‌سره من كون ذلك النهي موجبا لتقيّدها بعدم ذلك الجزء المنهي عنه ، على وجه يكون ذلك النهي النفسي الاستقلالي المتعلّق بذلك الجزء موجبا لأخذ العبادة بشرط لا بالقياس إلى ذلك المنهي عنه ، فاعلم أنّ أساس ذلك ليس هو مجرّد كون ذلك الجزء منهيا عنه ، لينتقض بجميع المحرّمات حتّى مثل النظر إلى الأجنبية كما في الحاشية الثانية على ص ٣٩٧ من الطبعة الجديدة (١) ، بل إنّ أساسه هو كون ذلك المنهي عنه قد أخذ في النهي عنه ظرفية وقوعه في الصلاة ، فإنّ النهي عن قول آمين مثلا ليس مطلقا في جميع الحالات حتّى في حالة عدم الصلاة ، بل إنّ ظرفية الصلاة مأخوذة فيه ، فقول آمين تكون حرمته مختصّة بحال الصلاة ، والمدّعى أنّ أخذ هذه الظرفية في ذلك النهي تعطي النهي عن جعله في جملة أجزاء الصلاة ، على وجه يكون ذلك المنهي عنه لو بدّل النهي عنه بالأمر به ، بأن يكون قوله : قل آمين بعد الحمد ، بدل قوله : لا تقل ، يكون ذلك الأمر أمرا ضمنيا واردا على جزء من أجزاء الصلاة ، فيكون ذلك النهي واردا أيضا على جزء من تلك الأجزاء ، وبذلك يستفاد كون الصلاة مقيّدة بعدم ذلك الجزء.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ١ ) : ٢١٨.

٢٨٤

ويعجبني في هذا المقام نقل ما حرّره بعض أجلّة تلامذته (١) في هذه الجهة ، فإنّه قال ما هذا لفظه : وأمّا إذا تعلّق بجزئها ويكون نهيا نفسيا كالنهي المتعلّق بقراءة العزائم في الصلاة ، فلا إشكال في أنّه بنفس تعلّقه به يخرجه عن دائرة عموم الأدلّة الدالّة على جزئية كلّ سورة وكلّ قرآن ، ويلزمه تقييد الجزء بعدمه وتقييد القرآن بما عدا هذا ، لعدم إمكان كونه جزءا مأمورا به مع تعلّق النهي به ، وكون النهي نفسيا كاشف عن وجود مفسدة في هذا المنهي عنه ، وهو لا يجتمع لا مع الأمر ولا مع ملاكه ، فإذا لم يكن فيه ملاك الجزئية فيخرج عن كونه جزءا ، وحيث إنّ المفروض أنّه مشتمل على المفسدة التي لا يمكن اجتماعها مع المصلحة الصلاتية ، فلا محالة يقيّد الصلاة بعدمه. ولا نعني بالمانعية إلاّ تقييد الصلاة وكلّ مركّب بعدم شيء في النواهي الغيرية ، فإذا أتى بالصلاة مع هذا الأمر الذي قيّدت الصلاة بعدمه لا تكون واجدة لجميع ما يعتبر فيها ، فلم يؤت بها على وجهها الذي أمر به ، فلا يمكن أن تكون مجزية ، هذا. مضافا إلى أنّ الاتيان به في الصلاة يوجب كون الصلاة مشتملة على الزيادة العمدية الموجبة لبطلانها كما لا يخفى.

ثمّ ذكر النهي عن الشرط وأفاد أنّ الشرط هو الستر ، وأنّ النهي عن التستّر لا يفسده ، فلا ربط له بالنهي عن العبادة ، ثمّ قال : والفرق بينه وبين الجزء أنّ الجزء داخل وجوده في المركّب ، ويكون وجود المركّب بوجود أجزائه ، فإذا نهي عن الجزء فيفيد تقييد الصلاة بعدمه ، فيفيد مفاد النهي الغيري ، ولكن بخلاف الشرط فإنّ الداخل في المركّب هو تقيّد المركّب به ، والمفروض أنّ النهي لم يرد عليه ، بل ورد على ما يتحقّق به تلك الاضافة والتقييد لا عن أصل القيد ، فيكون مفاده

__________________

(١) وهو المرحوم حجّة الإسلام السيّد جمال الدين قدس‌سره [ منه قدس‌سره ].

٢٨٥

تقييد ما يحصل به ذلك القيد والاضافة بغيره ، انتهى ما حرّره سلّمه الله تعالى عن شيخنا قدس‌سره.

ومع هذا التطويل فهو لا يخلو عن تأمّل ، لأنّ النهي النفسي الاستقلالي كما هو المفروض لو تعلّق بالاتيان بسورة العزيمة في أثناء الصلاة لا يلزمه أن تكون الصلاة مقيّدة بعدمه ، نعم يمكن أن نأخذ هذا التقييد من طريقة أخرى ، بأن نقول إنّ هذا النهي يكون مخصّصا لما دلّ على كون السورة جزءا ، ولمّا كان هذا التخصيص بطريق النهي النفسي استفيد منه كون الصلاة مقيّدة بعدمه ، لأنّه يستفاد عرفا من قوله لا تقرأ سورة العزيمة في الصلاة فإنّ ذلك حرام وهي ليست بجزء من الصلاة ، أنّ هذه الصلاة قد اعتبرت في عالم التشريع خالية من سورة العزيمة. وهكذا الحال في مثل لا تقل آمين بعد الفاتحة ، فإنّه يستفاد منه أوّلا حرمة قول آمين في ذلك الموقع حرمة نفسية استقلالية ، ولازم ذلك أنّ هذه الكلمة خارجة عن عموم الذكر في الصلاة ، ويستفاد من هذا التخصيص أنّ الصلاة قد أخذت في عالم التشريع خالية من هذه الجملة ، إذ لا يجتمع بحسب النظر العرفي هذه الحرمة في هذا الموقع الخاص مع بقاء إطلاق الصلاة بحاله من ناحية هذه الجملة ، بل لا بدّ عند العرف بعد اطّلاعهم على تشريع الحرمة المذكورة ، وبعد حكمهم بأنّها موجبة لتخصيص ما دلّ على جزئية كلّ ذكر بما عدا هذه الجملة ، من أن يحكموا بأنّ الشارع عند ما أمرنا بالصلاة قد نظر إليها مجرّدة عن هذه الجملة ، هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه التقييد المزبور ، ولعلّ هذا هو المراد لشيخنا قدس‌سره فيما حرّر عنه في هذا التحرير الذي نقلناه. وعلى كلّ حال ، ليس مراد شيخنا قدس‌سره هو أنّ تحريم الفعل يوجب تقييد الصلاة بعدمه ، أي فعل كان ، وإن كانت حرمته مطلقة غير مختصّة بحال الصلاة ، بل إنّ مصبّ كلامه هو كون المنهي

٢٨٦

عنه هو الجزء ، أعني ما لو لم يكن منهيا عنه لكان في حدّ نفسه جزءا من الصلاة ، فذلك الجزء لو لا النهي يكون النهي عنه موجبا لاخراجه عن الجزئية ، وأنّ العرف يستفيد من ذلك أنّ الصلاة في نظر الشارع عند ما يعلّق أمره بها تكون مجرّدة عن ذلك الجزء ، فلا يرد عليه ما في الحاشية المشار إليها.

وأمّا ما ذكره في الحاشية الأولى من هذه الصفحة (١) فعلى الظاهر أنّه لا يتوجّه على شيخنا قدس‌سره فإنّ هذه الجملة التي نقلها عنه قدس‌سره من قوله : بل لو بنينا على جواز القران الخ (٢) ، المراد منها أنّ الدليل الأوّلي هو أنّ الجزء سورة واحدة ، ومقتضاه عدم جواز اضافة سورة أخرى إليها ، كما في جميع الأجزاء التي أخذ فيها عدد خاص ، ولمّا قام الدليل على جواز القران والجمع بين الجزءين في خصوص [ السورة ] قلنا بجوازه ، لكن دليل حرمة سورة العزيمة يكون مخصّصا لذلك الدليل الذي دلّ على جواز الجمع بين سورتين ، لأنّ مفاده هو خروج هذه السورة فيما لو كانت هي إحدى السورتين ، وحينئذ يبقى الدليل الأوّلي الحاكم بعدم جواز التكرار في الأجزاء بحاله.

نعم ، يمكن المناقشة في هذا الترتيب ، لامكان أن يقال : إنّه لا دليل عندنا يدلّ في حدّ نفسه على المنع من الجمع بين الجزءين لنرتّب هذا الترتيب : إذ ليس بيدنا إلاّ وحدة الجزء القاضية بعدم اضافة غيره إليه لكونه مقيّدا بالوحدة ، ويمكن إنكار ذلك بأن يقال يستفاد من مجموع الأدلّة أنّ طبيعة السورة جزء ، سواء كانت في ضمن الواحد أو الكثير ، فتأمّل.

ولا يخفى أنّي لم أعثر على مثل هذه الجملة أو ما يؤدّي مؤدّاها في جملة ما

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٢١٧.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٢١٧.

٢٨٧

تتبّعته من التحارير عنه قدس‌سره ، نعم وجدتها أو نظيرها فيما حرّره المرحوم الشيخ موسى رحمه‌الله ، ولا بأس بنقل جملة ممّا حرّره في هذا المقام وإن كان لا يخلو من تطويل ، إلاّ أنّه لا يخلو من فائدة راجعة إلى شرح مرام شيخنا قدس‌سره على النحو الذي شرحناه ، على وجه لا يرد عليه ما في هذه الحاشية ، وهذا نصّه ، قال : نعم لو دلّ دليل على جواز زيادة هذا السنخ من الجزء ، كما ورد في القرآن والذكر ، فاتيانهما لا يوجب زيادة في المكتوبة إلاّ إذا قصد بهما الجزئية ، لأنّه بلحاظ هذا الدليل ينقلب الدليل الدالّ على أنّ الجزء بالنسبة إلى فرده الطولي بشرط لا إلى أنّه لا بشرط ، فيصير الجزء ببركة هذا الدليل بالنسبة إلى فرده الطولي كفرده العرضي لا بشرط.

ثمّ إنّ هذا بالنسبة إلى غير سورة العزيمة ، وأمّا بالنسبة إليها فاتيانها موجب لفساد الصلاة ولو لم يقصد بها الجزئية ، لأنّ الدليل الدالّ على جواز قراءة القرآن والذكر والدعاء يخصّص بالنهي عن قراءة سور العزائم ، لا من جهة كونه كلاما آدميا ، بل لأنّه قرآن محرّم ، بل لو لم تكن الزيادة موجبة للبطلان أيضا لقلنا بفساد الصلاة بقراءة سور العزائم ، إمّا لجهة القران بناء على كونه منهيا عنه ، أي بناء على اعتبار بشرط لا في السورة كالركوع والسجود ، وإمّا لأنّ النهي عنها يقتضي أن ينقلب لا بشرطية في السورة إلى بشرط لا بالنسبة إلى سور العزائم. فعلى أي حال ، قراءة العزائم يوجب البطلان ، نعم هل المفسد اتمام السورة ، أو إنهاؤها إلى آية السجدة ، أو الشروع فيها؟ وجوه محلّها في الفقه ، انتهى كلامه رحمه‌الله.

ولا يخفى أنّ هذه الجملة الأخيرة ـ أعني قوله : وإمّا لأنّ النهي عنها يقتضي أن ينقلب لا بشرطية في السورة إلى بشرط لا بالنسبة إلى سور العزائم الخ ـ إشارة إلى مفاد هذه الجملة المذكورة في هذا الكتاب ، يعني قوله : بل لو بنينا على جواز

٢٨٨

القران الخ.

وحاصل ذلك : هو ما عرفت ممّا شرحناه ، وهو أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية أن يكون حال السورة حال الركوع في كونها مقيّدة بشرط لا ، ثمّ جاء الدليل على أنّه لا مانع من قراءة القرآن ، فدلّ على أنّ السورة معتبرة لا بشرط من حيث الزيادة عليها ولو بسورة كاملة ، ثمّ جاء الدليل على حرمة سورة العزيمة في الصلاة ، فأخرجها من مطلق القرآن وجعل قراءة القرآن مقيّدة بشرط لا بالنسبة إلى سورة العزيمة ، فإذا قرأ سورتين إحداهما من العزائم يكون قد أتى بذلك الجزء فاقدا لهذا القيد ، أعني كونه بشرط لا من جهة سورة العزيمة ، فيفسد الجزء ويكون فساده موجبا لفساد الصلاة حينئذ ، لكونها فاقدة لجزئها المفروض كونه مقيّدا بعدم سورة العزيمة.

وخلاصة البحث : هو أنّه لا ريب في أنّ الفعل ربما كان واجبا نفسيا استقلاليا بقول مطلق ، سواء كان في الصلاة أو كان في غيرها ، كردّ السلام مثلا.

وربما كان طلبه النفسي الاستقلالي مختصّا بحال الصلاة ، كما في مثل القنوت لو قلنا بأنّه واجب مستقل في ظرف الصلاة. وربما كان وجوبه النفسي ضمنيا لكونه في ضمن المجموع المركّب ، وعن هذا الوجوب تنتزع القيدية والجزئية دون ما تقدّم.

وهكذا الحال في الفعل المحرّم ، فإنّه ربما كان الفعل حراما سواء كان في الصلاة أو كان في غير الصلاة ، كالنظر إلى الأجنبية. وربما كانت حرمته النفسية الاستقلالية مختصّة بحال الصلاة ، بحيث تكون حرمة قول آمين على حذو وجوب القنوت في كونها حرمة نفسية استقلالية ، لكن موضع ذلك وموقعه هو الصلاة دون غيرها ، كما ربما يقال بذلك في الارتماس للصائم من أنّه حرام غير

٢٨٩

مفسد للصوم ، وهذه الحرمة والتي قبلها لا ينتزع منهما قيدية العدم المعبّر عنها بالمانعية ، على وجه تكون الصلاة مأخوذة بشرط لا بالنسبة إلى ما هو متعلّق إحدى هاتين الحرمتين ، وإنّما تنتزع القيدية المزبورة عن الحرمة النفسية الضمنية ، التي هي داخلة في الطلب المتعلّق بالمركّب من أفعال وجودية وأخرى عدمية ، فإنّ كلّ واحد من تلك الأفعال الوجودية يكون واجبا نفسيا ضمنيا ، وكلّ واحد من تلك الأمور التي أخذ عدمها في ذلك المركّب يكون محرّما نفسيا ضمنيا ، وعن ذلك الوجوب النفسي الضمني تنتزع الجزئية ، كما أنّ المانعية تنتزع عن تلك الحرمة النفسية الضمنية ، وهذا المقدار لا إشكال فيه عند شيخنا قدس‌سره ، فإنّه إن لم يكن هو المؤسّس له فلا أقل من كونه ممّن شرحه وأوضحه.

مضافا إلى أنّه قدس‌سره (١) قد صرّح في مسألة النهي عن الشرط والوصف بأنّ تحريم فعل في أثناء الصلاة نفسيا لا يوجب المانعية ، فكيف يمكن أن ننسب ذلك إليه قدس‌سره هنا على اطلاقه.

لكنّه قدس‌سره في المقام له جهة أخرى يومي إليها ، وهي أنّ بعض الأفعال لو خليت ونفسها مع قطع النظر عن تعلّق النهي بها تكون أجزاء من الصلاة ، كالذكر والقرآن فإنّ كلّ واحد من أفرادهما يكون جزءا من الصلاة إمّا جزءا استحبابيا أو أنّه جزء وجوبي ، ومع ذلك تعلّق به النهي النفسي الاستقلالي ، مثل قول آمين ومثل قراءة العزيمة ، فإنّ هذا النهي النفسي وإن كان استقلاليا إلاّ أنّه يوجب تقيّد الصلاة بأن لا يكون ذلك المنهي من أجزائها بما عرفته فيما تقدّم من تقريب الفهم العرفي ، هذا خلاصة ما يمكن أن نشرح به ما أفاده قدس‌سره ، ولكن فيه تأمّل من ناحيتين :

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٢٠.

٢٩٠

الأولى : أنّ مقتضى سير المسألة هو أن يكون ذلك الأمر النفسي الضمني بواسطة النهي مبدّلا إلى النهي النفسي الضمني لا الاستقلالي ، ولا ريب في انتزاع المانعية من النهي النفسي الضمني ، كانتزاع الجزئية من الأمر النفسي الضمني ، فلا يكون هذا النهي إلاّ ضمنيا لا استقلاليا.

الناحية الثانية ـ وهي العمدة ـ : هو أنّا لو التزمنا بالحرمة النفسية الاستقلالية ومع ذلك نقول إنّ الصلاة تكون مقيّدة بعدم ذلك الحرام النفسي الاستقلالي ، بحيث كانت الصلاة الواجبة مركّبة من أفعالها المعروفة ومن عدم قول آمين فيها ، كان لازم ذلك هو مطلوبية عدم ذلك القول فيها مطلوبية نفسية ضمنية ، إذ أنّ كلّ قيد عدمي يكون مأخوذا في واجب يكون مطلوبا ضمنيا في ضمن تعلّق الأمر بذلك المركّب ، وإلاّ لم يكن ذلك العدم قيدا في ذلك المركّب ، وحينئذ يكون عدم ذلك القول ـ أعني قول آمين ـ مطلوبا بطلبين : نفسي استقلالي وهو ما يتكفّله دليل النهي ، ونفسي ضمني وهو ما يتكفّله الأمر المتعلّق بالصلاة المقيّدة بعدمه ، المأخوذة حسب الفرض بالقياس إليه بشرط لا ، وليس المقام مقام تأكّد لنقول باندكاك أحد الطلبين في الآخر ، إذ ليس في البين ملاكان ، بل لم يكن لنا إلاّ ملاك واحد (١). وحينئذ لا مخلص لنا من هذا الإشكال إلاّ بأن نقول بأنّ هذا النهي نفسي ضمني ، أو أن نقول بأنّه استقلالي فلا مانعية.

لا يقال : إنّ هذا كلّه لو التزمنا بأنّ المانعية دائما منتزعة من الحرمة النفسية الضمنية ، وحينئذ يكون التزامنا بالمانعية في المقام موجبا لاجتماع حرمتين

__________________

(١) ينبغي هنا مراجعة ما ذكره قدس‌سره في اندكاك الأمرين في الوضوء في صفحة ١٥٠ [ منه قدس‌سره ] راجع أجود التقريرات ١ : ٢٦٠ ( قوله : ففيما نحن فيه ... ) ـ ٢٦٢ ( قوله : ... غير مختصّ بمقام مخصوص ).

٢٩١

نفسيتين استقلالية وضمنية. أمّا لو قلنا بأنّ المانعية يمكن انتزاعها من الحرمة النفسية الاستقلالية ، فلا يلزمنا أن نقول بالحرمتين المذكورتين.

لأنّا نقول : إنّ هذه الحرمة النفسية الضمنية يكون الالتزام بها قهريا علينا ولو قلنا بأنّ المانعية منتزعة من الاستقلالية ، لأنّا إذا التزمنا بأنّ الصلاة مقيّدة بعدم ذلك القول ، وأنّها مأخوذة في مقام تعلّق الأمر بها بالقياس إليه بشرط لا ، كان لازم ذلك قهرا هو تعلّق الوجوب بها مقيّدة بترك ذلك القول ، فيكون لازم ذلك قهرا هو مطلوبية ترك ذلك القول مطلوبية ضمنية ، وهو ما ذكرناه من الحرمة النفسية الضمنية مضافة إلى الحرمة النفسية الاستقلالية.

وحاصل ذلك : أنّ لازم القول بأنّ الحرمة النفسية الاستقلالية موجبة للتقييد هو أنّ تلك الحرمة موجبة لتعلّق الأمر بالمقيّد بعدم ذلك القول ، ولازم تعلّق الأمر بالمقيّد هو كون ذلك القيد العدمي مطلوبا ضمنا ، وهو الحرمة النفسية الضمنية مضافا إلى الاستقلالية. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ نفس ذلك القول لو وقع في أثناء الصلاة تكون فيه مفسدة توجب النهي عنه وتحريمه نفسيا استقلاليا ، كما أنّ نفس الصلاة يكون وفاؤها بمصلحتها متوقّفا على تجريدها من ذلك القول ، أو أنّ وجود ذلك القول في أثنائها يكون موجبا لفساد فيها مضافا إلى فساد نفس ذلك القول الواقع فيها.

وحينئذ يكون هناك ملاكان : أحدهما يقتضي الحرمة النفسية المتعلّقة بذلك القول الواقع في ضمن الصلاة ، والآخر يقتضي تقيّد الصلاة بعدم ذلك القول وتعلّق الطلب به ضمنيا ، وهو المعبّر عنه بالحرمة النفسية الضمنية الذي تنتزع عنه المانعية ، وحينئذ لا بأس باجتماع الحرمتين واندكاك إحداهما بالأخرى ، لكن ذلك لا يكفي في إثباته مجرّد النهي النفسي الاستقلالي المتعلّق

٢٩٢

بذلك القول ، بل لا بدّ من دليل آخر يدلّ على الحرمة النفسية الضمنية ، اللهمّ إلاّ أن يقال بكفاية دليل الحرمة النفسية الاستقلالية الواردة على ما يكون بحسب طبعه جزءا من الصلاة في الدلالة على كلّ من الحرمة النفسية الاستقلالية والحرمة النفسية الضمنية ، ويكون اجتماعهما فيه موجبا لاندكاك إحداهما بالأخرى ، فتأمّل.

قوله : ويترتّب على أخذ العبادة بالاضافة إليه بشرط لا أمور ثلاثة ، كلّها موجبة للبطلان ... الخ (١).

أمّا الأمر الأوّل من هذه الأمور فهو عين كون العبادة مأخوذة بشرط لا ، وأمّا الأمران الآخران فهما غير متفرّعين على قيدية العبادة بعدمه ، بل لو لم نقل بالقيدية المزبورة تأتّى فيه الأمران المذكوران من كونه زيادة ، وكونه داخلا في الكلام وخارجا عن عموم الذكر والقرآن وإن لم يكن من كلام الآدميين ، فالأوجه هو ما حرّره المرحوم الشيخ محمّد علي (٢) من جعل الأساس هو الأمر الأوّل ، وهو تقيّد العبادة بعدمه ، وجعل الأمرين الآخرين إضافة وعلاوة على ذلك.

وينبغي أن يعلم أنّ هذا البحث كلّه متفرّع على أنّ مثل النهي الوارد عن قول آمين وعن قراءة العزائم نهي نفسي استقلالي ، وأمّا لو قلنا بكونه نهيا نفسيا ضمنيا ـ وربما عبّرنا عن ذلك بكونه غيريا أو كونه إرشادا إلى المانعية ـ فهذا البحث يكون بالنسبة إليهما ساقطا بالمرّة ، ويكون النهي المذكور موجبا لفساد العبادة

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٢١٨ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ، وستأتي في الصفحة : ٢٩٥ حاشية أخرى على هذه العبارة ، ولكن بصياغتها المذكورة في الطبعة المحشاة ].

(٢) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٤٦٥ ـ ٤٦٦.

٢٩٣

حينئذ بلا كلام ، لأنّه حينئذ يكون مسوقا للمانعية ، وذلك غير بعيد بعد ملاحظة ما ورد فيه من الأخبار (١) ، فراجع وتأمّل.

قال الشيخ المرتضى قدس‌سره فيما حرّر عنه في التقريرات في مباحث النهي يقتضي الفساد :

السابع : أنّ متعلّق النهي إمّا أنّ يكون نفس العبادة أو جزأها أو وصفها الداخلي أو الخارجي ، مع اتّحادهما أو مع اختلافهما في الوجود الخارجي ، إلى أن قال : وأمّا الثاني ففي العبادة قد يمثّل له بمثل قولك : لا تصلّ الصلاة المشتملة على العزائم ، أو قولك : لا تقرأ العزائم ، بناء على أنّ نهي الجزء يلازم النهي عن الكلّ ، ولا يلزم منه حرمة الشروع ، نظرا إلى أنّ الكل محرّم حينئذ ، لأنّ متعلّق النهي هو المجموع فإيجاد الجميع حرام ، وهو لا يصدق مع الشروع ، مع أنّ التزام حرمة الشروع فيما لو قصد من أوّل الأمر قراءة العزائم غير بعيد ، لأنّ هذه الصلاة المفروضة غير مشروعة ، فيكون الشروع فيها محرّما على الوجه المذكور ، انتهى (٢).

وظاهر ما صدّر به الكلام هو كون المنهي عنه هو الجزء نفسه لا الكل ، لكن الذي يظهر من المثال هو أنّ المراد من كون الجزء متعلّقا للنهي هو كون النهي الوارد على الكل ، هو أنّ وروده عليه كان العلّة فيه هو الجزء ، بحيث يكون الجزء واسطة في الثبوت بالنسبة إلى النهي عن الكل ، لكن ذلك خلاف الظاهر من أخذهم النهي عن الجزء في قبال النهي عن الكلّ. وعلى كلّ حال ، فإنّك تراه جعل النهي عن قراءة العزيمة الذي هو الجزء ملازما للنهي عن الكل ، ولا بدّ من

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٦٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١٧ ، ٤٠.

(٢) مطارح الأنظار ١ : ٧٤٣ ـ ٧٤٤.

٢٩٤

أن يستند في هذه الملازمة إلى فهم العرف. ولعلّ ما صنعه شيخنا قدس‌سره من كون النهي عن الجزء ملازما عرفا لتقيّد الكل بعدم ذلك الجزء أهون وأخفّ مئونة من دعوى كون النهي عن الجزء ملازما للنهي عن الكلّ ، فتأمّل.

قوله : ويترتّب على ذلك أمور كلّها موجبة لبطلان العبادة المشتملة عليه ، الأوّل : كون العبادة مقيّدة بعدم ذلك الشيء ... الخ (١).

مثال ذلك النهي عن قول آمين في الصلاة ، ولكن في ترتّب هذه الأمور الثلاثة تأمّل وإشكال. أمّا الأوّل : فلأنّ مجرّد النهي عن شيء في شيء لا يوجب تقيّد المظروف (٢) بعدمه ، كما في الأمر بشيء في شيء لا يكون موجبا لتقيّد المظروف (٣) بوجوده إلاّ بما شرحناه فيما مضى (٤) ، حيث نقلنا في توضيحه ما حرّره عنه بعض أجلاّء تلامذته.

وأمّا الثاني : فلما تعرّضنا له فيما تقدّم (٥) من توقّف صدق الزيادة في الذكر والقرآن على قصد الجزئية ، فلاحظ.

وأمّا الثالث : فلأنّا وإن سلّمنا عدم كون الذكر المنهي عنه من كلام الآدميين ، إلاّ أنّه لا يزيد عن كونه زيادة عمدية ، وهو الأمر الثاني ، إلاّ بما شرحناه فيما مرّ (٦) من دعوى دلالة الأدلّة الأوّلية على عدم إدخال غير الأجزاء ، ثمّ جاء دليل الذكر

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٢١٨ [ تقدّمت حاشية للمصنّف قدس‌سره على هذه العبارة في الصفحة : ٢٩٣ ].

( ٢ ، ٣ ) [ الظاهر أنّه من سهو القلم ، والصحيح : الظرف ].

(٤) في الصفحة : ٢٨٥ ـ ٢٨٧.

(٥) في الصفحة : ٢٨٢.

(٦) في الصفحة : ٢٨٣.

٢٩٥

والقرآن مسوغا ، ومع النهي عن آمين والعزيمة يخرجان عن المسوغ ويبقيان على المنع من الادخال. هذا حال النهي عن مثل قول آمين ، وأمّا النهي عن قراءة العزيمة فهي كذلك.

نعم ، هناك مطلب آخر في سورة العزيمة ، وهو كون السورة بعد الفاتحة جزءا من الصلاة ، وهذا الجزء مقيّد بشرط لا ، بمعنى سورة واحدة لا سورتين أو أكثر ، مضافا إلى حرمة القران بين سورتين ، وحينئذ فلو قرأ العزيمة في أثناء الركوع أو بعد السجود فلا ريب في أنّه لا يترتّب عليه إلاّ ما ترتّب على قول آمين من الأمور الثلاثة لو سلّمناها. ولو قرأ العزيمة بعد الفاتحة ترتّب عليها الأمور المذكورة ، فلو اقتصر عليها أضاف إلى جريمتها جريمة نقصان الجزء ، لكنّه لا أثر له لكونه بعد بطلان الصلاة بها. ولو أنّه قرأ سورة الإخلاص مثلا بعدها لم يكن لها أثر ، لكونها بعد بطلان الصلاة. ولو قدّم سورة الإخلاص ثمّ قرأ العزيمة بعدها لم يكن بذلك مفسدا للسورة ، فإنّها وإن قيّدت بشرط لا إلاّ أنّ هذا القيد إنّما هو بالقياس إلى ما عدا العزيمة ، فإنّ تحريم العزيمة أوجب انحصار الجزء الواجب بما عداها ، وهذا الجزء الواجب مقيّد بأن يكون وحده وبانعدام غيره من السور الصالحة للجزئية.

ومنه يظهر الكلام في عدم تأتّي حرمة القران ، لأنّه إنّما يكون بين الجزءين ، لا بين الجزء وما هو خارج عن الاجزاء ، بدليل تحريمه في الصلاة. نعم إنّ هذا التحريم أوجب خروج العزيمة من عموم السورة التي هي جزء الصلاة ، وهذا الخروج أوجب تقيّد الجزء بعدمه ، بمعنى أنّ السورة الباقية تحت عموم الجزئية هي ما عدا العزيمة ، وذلك هو سورة القدر والتوحيد مثلا ، لا أنّ سورة التوحيد تكون مقيّدة بعدم انضمام العزيمة إليها. فالذي تلخّص : أنّ هذا النهي لا يؤثّر شيئا

٢٩٦

في ناحية السورة ـ أعني سورة التوحيد مثلا ـ لأنّه لا يترتّب عليه إلاّ تقيّد الصلاة بعدم العزيمة ، والزيادة العمدية وكونها كلاما وكلّ منها محل كلام ، والمسلّم هو مجرّد الحرمة التكليفية. وعلى كلّ حال ، لا يترتّب في المقام أثر على كون الجزء مأخوذا بشرط لا أو أنّه مأخوذ لا بشرط ، إذ لا يكون وجود المحرّم ناقضا لقيده المذكور أعني البشرطلائية ، فلاحظ.

قوله : وأمّا النهي عن الشرط أو الوصف فلا يكون موجبا لفساد المشروط أو الموصوف فيما إذا لم يكن النهي عنهما مستلزما للنهي عن العبادة ، كما في النهي عن الجهر بالقراءة ، فإنّه متّحد مع النهي عن القراءة التي يجهر بها ، فيدخل في باب النهي عن الجزء أو العبادة ، وإن كان النهي لوصفه أو شرطه ... الخ (١).

قال قدس‌سره فيما حرّرته عنه في هذا المقام : وأمّا الثاني ـ أعني ما لو كان النهي متعلّقا بشرط العبادة ، أو ما هو وصف من أوصافها ـ فعلى الظاهر أنّ نفس الشرط لا يكون عباديا ، فإنّ الطهارة من الحدث التي هي شرط في الصلاة ليست عبادية ، وإنّما العبادي هو تلك الأفعال ، وليست هي شرطا بنفسها ، وإنّما الشرط هو أثرها وهو الطهارة. نعم لو وقعت تلك الأفعال منهيا عنها لفسدت ، وكان فسادها موجبا لانعدام الشرط أعني أثرها.

وحينئذ نقول : إنّ ما نهي عنه من الشرائط أو الأوصاف إن كان متّحدا مع العبادة ـ كما في الجهر والاخفات ـ كان النهي عنه نهيا عن العبادة المتّحدة معه ، فيكون موجبا لفساد العبادة. وإن لم يكن متّحدا معها ، بل كان خارجا عنها ، لم

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٢١٩ ـ ٢٢٠ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٢٩٧

يكن النهي عنه موجبا لفساد العبادة ، وكان النهي عنه كالنهي عن النظر إلى الأجنبية حال الصلاة في عدم استلزامه لفسادها. وإن كان شرطا في العبادة كالتستّر فإنّه لو فرض أنّه نهي عن تستّر خاصّ ، لم يكن الاتيان بما هو منهي عنه موجبا لفساد العبادة ، لحصول الشرط وإن كان قد وقع على جهة التحريم ، انتهى.

وكنت علّقت عليه في وقته بما هذا لفظه : ويمكن أن يقال : إنّ النهي عن نحو خاصّ من الشرط يكون موجبا لتخصيص الأمر الشرطي بما عداه ، فتكون العبادة مع ذلك النحو من الشرط المنهي عنه فاقدة للشرط فتكون فاسدة.

وأجاب دام ظلّه عن ذلك بما حاصله حسبما فهمته : أنّ الشرط هو كونه متستّرا ، وهذا المعنى حاصل حتّى مع كون إيجاد ذلك النحو من التستّر منهيا عنه. وكأنّه دام ظلّه يشير في ذلك إلى أنّ الشرط هو التستّر بمعناه الاسم المصدري والمنهي عنه هو التستّر بمعناه المصدري. ولكن لا يخفى أنّه لو كان الشرط هو المعنى الاسم المصدري ، والمنهي عنه هو المعنى المصدري ، كان النهي أيضا موجبا لتخصيص الشرط فيما عدا مورد النهي ، فإنّ منشأ التخصيص هو منافاة النهي للأمر الشرطي ، وهذه المنافاة جارية بعينها فيما يكون الشرط هو اسم المصدر والمنهي عنه هو المصدر ، فإنّ المنع عن المصدر يوجب عدم إمكان الأمر باسم المصدر.

وبالجملة : أنّ الأمر الشرطي المتعلّق بالاستقبال مثلا مناف للنهي المتعلّق بالاستقبال على نحو خاص. وأمّا ما يقال من سقوط الأمر الغيري بالفرد المحرّم ، فإنّما هو في المقدّمات العقلية والعادية التي يتوقّف عليها حصول الواجب توقّفا عقليا أو عاديا ، كما في ركوب الدابة المغصوبة للحجّ ، دون ما يكون شرطا شرعيا فتأمّل ، انتهى ما كنت علّقته في ذلك الوقت.

٢٩٨

ولا يخفى أنّ ما ذكره قدس‌سره في مسألة النهي عن الجزء من كونه موجبا لتقيّد العبادة بعدمه يمكن أن يتأتّى في النهي عن الشرط ، فإنّ المنهي عنه لو لا النهي يكون مأمورا به بالأمر الشرطي ، لشمول عموم ذلك الشرط له ، فيمكن أن يقال إنّ النهي عن ذلك الذي لو خلي ونفسه لكان داخلا في عموم الشرط يوجب تقيّد العبادة بعدمه ، على حذو ما أفاده قدس‌سره في أنّ النهي عن ذلك الذي لو خلي ونفسه لكان داخلا في عموم الجزء يوجب تقيّد العبادة بعدمه.

ثمّ إنّ ما أفاده قدس‌سره هنا من أنّ الشرط في باب الوضوء هو أثر الأفعال لا نفسها ، لعلّه مناف لما أفاده في مباحث الأوامر ص ١٤٧ وص ١٤٨ (١) من أنّ عبادية هذه الأفعال إنّما جاءت من ناحية الأمر الشرطي الضمني النفسي ، فإنّ ظاهر ما أفاده قدس‌سره هناك أنّ الشرط هو نفس هذه الأفعال ، وأنّ الأمر الشرطي الضمني النفسي إنّما هو متعلّق بها ، وهو المصحّح لعباديتها ، فراجع وتأمّل.

ثمّ إنّ ما أفاده قدس‌سره من كون النهي عن الجهر في القراءة هو عين النهي عن القراءة يمكن التأمّل فيه ، فإنّ الجهر وإن كان صفة للقراءة إلاّ أنّه خارج عن حقيقتها.

نعم ، إنّ متعلّق النهي الذي هو الجهر في القراءة أخصّ ممّا هو متعلّق الأمر ، وسواء قلنا بأنّ تركّبهما انضمامي نظرا إلى أنّهما من مقولتين ، لأنّ الأولى أعني القراءة من مقولة الفعل ، والثانية أعني الجهر بمنزلة الكيف للأولى. أو قلنا بأنّ تركّبهما اتّحادي ، بدعوى كونهما من مقولة واحدة ، أو أنّهما وإن كانا من مقولتين لكن لمّا كانت الثانية صفة للأولى كان تركّبهما اتّحاديا. وسواء قلنا بالاتّحاد أو

__________________

(١) حسب الطبعة القديمة ، راجع أجود التقريرات ١ : ٢٥٥ من الطبعة الحديثة ( قوله : والتحقيق في الجواب عن الإشكال ... ) ـ ٢٥٧.

٢٩٩

الانضمام لا بدّ من الالتزام بعدم إمكان الاجتماع فيها من الجهة الأولى ، وحينئذ تكون القراءة بنفسها منهيا عنها ، نظرا إلى ما عرفته من كون الثانية أخصّ من الأولى.

ثمّ إنّ شيخنا قدس‌سره ذكر الوصف الذي يكون النهي عنه راجعا إلى النهي عن العبادة وهو الاجهار ، أمّا ما لا يكون النهي عنه راجعا إلى النهي عن العبادة فقد ذكره بقوله : وأمّا في غير ذلك الخ ، لكنّه لم يذكر له مثالا.

قال في الكفاية : وأمّا القسم الرابع فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه ، فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلا مساوقا للنهي عنها ، لاستحالة كون القراءة التي يجهر بها ، مأمورا بها مع كون الجهر بها منهيا عنها فعلا كما لا يخفى. وهذا بخلاف ما إذا كان مفارقا ، كما في القسم الخامس ، فإنّ النهي عنه لا يسري إلى الموصوف إلاّ فيما إذا اتّحد معه وجودا ، بناء على امتناع الاجتماع ، وأمّا بناء على الجواز فلا يسري إليه ، كما عرفت في المسألة السابقة (١).

ومراده بالقسم الرابع والخامس ما مرّ في طليعة البحث بقوله : أو وصفها الملازم لها كالجهر والاخفات [ للقراءة ] ، أو وصفها الغير الملازم كالغصبية لأكوان الصلاة المنفكّة عنها (٢). وقال في حاشية منه على الهامش على قوله :

« كالجهر والاخفات » ما هذا لفظه : فإنّ كلّ واحد منهما لا يكاد ينفك عن القراءة ، وإن كانت هي تنفك عن أحدهما ، فالنهي عن أيّهما يكون مساوقا للنهي عنها كما لا يخفى ، انتهى.

ولا يخفى أنّ الجهر بنفسه ينفكّ عن القراءة ، فما معنى قوله : إنّ كل واحد

__________________

(١) كفاية الأصول : ١٨٥.

(٢) كفاية الأصول : ١٨٤.

٣٠٠