أصول الفقه - ج ٤

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٤

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٣٦

قوله : ومنه يظهر أنّ نسبة العموم من وجه لا يمكن أن يكون بين الجوهرين ـ إلى قوله : ـ بل هي إنّما تكون في جوهر وعرض كالحيوان والأبيض أو بين عرضيين كالأبيض والحلو (١).

التفصيل في ذلك هو أن يقال : إنّ الجوهرين لا يتصوّر فيهما العموم من وجه ويتصوّر فيهما باقي النسب من التساوي والعموم المطلق والتباين ، لكن لا يكون التركيب فيهما إلاّ اتّحاديا. أمّا العرضان إذا كانا من مقولتين فلا يتصوّر فيهما شيء من النسب الأربع إلاّ التباين ، ولا يكون اجتماعهما إلاّ من قبيل التركّب الانضمامي ، وهكذا الحال في الجوهر والعرض. أمّا إذا كانا من مقولة واحدة فيتصوّر فيهما العموم المطلق كما في الحركة والقيام ، بل ربما تصوّر فيهما العموم من وجه كما في التستّر بالثوب المغصوب ، فيجتمع التستّر والتصرّف في المغصوب ، وينفرد الأوّل عن الثاني في التستّر بالمملوك ، وينفرد الثاني عن الأوّل بالتعمّم بالمغصوب ، بل لعلّه يمكن تصوّر التساوي أيضا. ومن ذلك يظهر لك التأمّل فيما تضمّنته الحاشية (٢).

أمّا الجوهر والعرضي مثل الإنسان والضاحك أو مثل الإنسان والماشي ، وكذلك العرضيان مثل الكاتب والضاحك فيتصوّر فيها جميع النسب ، ويكون تركّبها تركّبا اتّحاديا ، بل قد عرفت أنّ التعبير بالتركّب لا يصحّ إلاّ من باب المسامحة والتساهل وإلاّ فإنّه ليس في البين إلاّ الذات التي لا تعدّد فيها ، وإنّما يقع التعدّد في الجهة التعليلية التي هي نفس العرض الذي قد عرفت أنّ النسبة فيه هي

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١٣٢ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٣٢.

٢١

التباين وأنّ الاجتماع فيه لا يكون إلاّ انضماميا ، أمّا العرض مع العرضي مثل الضحك والضاحك فليس ذلك إلاّ من قبيل العرض الذي هو الضحك والجوهر ، أعني الذات الخارجية المحكية بعنوان الضاحك ، وقد عرفت أنّهما لا يكونان إلاّ متباينين وأنّ اجتماعهما لا يكون إلاّ انضماميا.

قوله : بداهة امتناع كون الشيء الواحد متفصّلا بفصلين عرضيين حتّى يكون صدق أحد الجوهرين من جهة وصدق الآخر من جهة أخرى ... الخ (١).

هذا برهان على استحالة تحقّق العموم من وجه بين العنوانين الجوهريين ، لكن العبارة لا تخلو من إجمال ، والمرحوم الشيخ محمّد علي ذكر في بيان هذا البرهان ما هذا لفظه : لأنّ جهة صدق العنوان الجوهري على شيء إنّما يكون باعتبار ما له من الصورة النوعية التي بها يكون الشيء شيئا ، وقد عرفت أنّ الصور النوعية متباينة بالتباين الكلّي لا يمكن أن يجتمعا الخ (٢).

وهذه العبارة وإن كانت أوضح ممّا هو المذكور هنا إلاّ أنّها لا تخلو أيضا عن إجمال ، ولعلّ مراد شيخنا قدس‌سره هو أنّ تحقّق العموم من وجه بين العنوانين الجوهريين لما كان يتوقّف على اجتماعهما في شيء وانفراد كلّ منهما عن صاحبه في شيء آخر ، كان لازمه هو كون هذا العنوان الجوهري مشتركا بين هذا الشيء الذي هو مجمعهما وبين الشيء الآخر الذي ينفرد به فيكون جنسا لهما ، وهكذا الحال في العنوان الآخر ، وحينئذ يكون ذلك المجمع مشتملا على

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١٣٢ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٤٠٤.

٢٢

الجنسين العرضيين ، فإن لم يكن له إلاّ فصل واحد كان ذلك مستلزما لتركّبه من جنسين عرضيين وفصل واحد وهو محال ، حيث إنّ كلّ جنس للماهية لا بدّ أن يكون له فصل ، وإن كان له فصلان كان عبارة عن نوعين كلّ منهما في عرض الآخر ، وقد عرفت التباين الكلّي بين النوعين العرضيين ، فكيف يعقل أن يكون الشيء الواحد عبارة عن نوعين عرضيين.

وفي تحريرات بعض أجلّة تلاميذه (١) ما هذا لفظه : وأمّا بين الجوهرين فلا يعقل لأنّهما ينحصران بالنوعين كالإنسان والبقر ، أو بالجنس والفصل كالحيوان والناطق. ففي الأوّل لا يمكن الاجتماع لأنّهما متعاندان في الوجود ، كما أنّ في الثاني لا يمكن الافتراق من طرف الفصل لأنّه لا ينفك عن الجنس ، ففرض مادتي الافتراق لنوعين من الطرفين لا يمكن في الثاني كما أنّه لا يمكن مادّة الاجتماع في الأوّل ، للتباين الكلّي بين النوعين كما لا يخفى ، انتهى.

ولا يخفى أنّ هذا ليس ببرهان عقلي بل هو استدلال بالاستقراء ، وكان عليه أن يذكر الجنسين أو الجنس والنوع ، ويدفعه بأنّه لا بدّ أن يكون أحدهما أعمّ مطلقا من الآخر ، فهما نظير الجنس والفصل لا يمكن الافتراق في ناحية الأخصّ منهما ، وحينئذ لا بدّ أن يكونا من قبيل الجنسين العرضيين ، وقد دلّ الاستقراء على ترتّب الأجناس من سافل إلى عال ومن خاصّ إلى أعمّ منه وأنّ الجنسين العرضيين لا وجود لهما ، وحينئذ نحتاج إلى إقامة البرهان على امتناعه ، وهو ما ذكرناه واحتملنا كون البرهان المذكور في هذا التحرير وفي تحرير المرحوم الشيخ محمّد علي راجعا إليه ، فتأمّل.

__________________

(١) هو جناب السيّد جمال الدين سلّمه الله تعالى [ منه قدس‌سره ].

٢٣

قوله : المقدّمة الثالثة : قد ذكرنا في مبحث المشتق أنّ مبادئ الاشتقاق مأخوذة بشرط لا ، بعضها بالاضافة إلى بعض والكل بالاضافة إلى الذوات المعروضة لها ، فلذا لا يصحّ الحمل بينها أصلا ... الخ (١).

تقدّم (٢) في باب المشتق أنّ مبدأ الاشتقاق هو المادّة السارية في جميع المشتقّات حتّى المصدر بل حتّى اسم المصدر ، وهي أعني تلك المادّة ملحوظة لا بشرط بالاضافة إلى تلك الطوارئ التي تطرأ عليها ويتولّد منها سائر المشتقّات ، مثل الفعل الماضي واسم الفاعل ونحوهما من النسب الفعلية أو الوصفية التي هي مصحّحة لحملها على الذات ، أمّا المصدر نفسه فقد عرفت أنّه ملحوظ بشرط النسبة كسائر المشتقّات ، نعم اسم المصدر لوحظ فيه الحدث مجرّدا عن النسبة ونحوها من أخذه وصفا للذات وعنوانا لها.

وبعبارة أخرى : هو من هذه الناحية مأخوذ بشرط لا ولكن بالنسبة إلى النواحي الأخر والطوارئ الطارئة على نفس ذلك الحدث ، فهو ملحوظ لا بشرط ، ولذلك يصحّ وصفه بصفات عديدة مثل الشدّة والسرعة ونحوهما ، فيقال الضرب شديد والمشي سريع ، هذا بالقياس إلى ما يلحقه من الصفات والطوارئ والعوارض.

وأمّا بالنسبة إلى عرض آخر مثله فإن كان ذلك العرض الآخر من مقولة أخرى كان مباينا له ولا يصحّ حمله عليه ، وكان بالنسبة إليه مأخوذا بشرط [ لا ] ، بل التعبير في حقّ هذا العرض بالنسبة إلى عرض آخر من مقولة أخرى بأنّه

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١٣٢ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) في أجود التقريرات ١ : ٩٠ ( المقدّمة السادسة ). لاحظ حاشية المصنّف قدس‌سره في المجلّد الأوّل من هذا الكتاب ، الصفحة : ٢٦٠ وما بعدها.

٢٤

بالقياس إلى ذلك العرض مأخوذ بشرط لا ، لا محصّل له لما عرفت من كمال المباينة بينها ، وذلك أعني التباين مغن عن أخذه بالقياس إلى مباينة بشرط لا.

أمّا بالنسبة إلى عرض آخر من مقولته فربما كان مباينا له كما في الضرب والقيام ، وربما كان متّحدا معه اتّحاد العموم المطلق كما في مثل الحركة والقيام والفعل بمعناه اللغوي والضرب ونحو ذلك ، بل ربما كان بينها العموم من وجه كما في التستّر فإنّه يجتمع مع التصرّف بملك الغير كما لو تستّر بالمغصوب ، وينفرد التصرّف في المغصوب عن التستّر كما لو تعمّم بالثوب المغصوب ، وينفرد التستّر عن التصرّف بالمغصوب كما لو تستّر بثوب غير مغصوب. والظاهر أنّ تركّبهما من قبيل التركّب الاتّحادي لا الانضمامي ، ولعلّه يأتي له مزيد بحث وبيان إن شاء الله تعالى (١).

والغرض هنا مجرّد بيان أنّ مبادئ الاشتقاق أعني أسماء المصادر لا يلزمها أن تكون مأخوذة بشرط لا بالقياس إلى بعضها الآخر ، على وجه يمتنع حمل بعضها على بعض ، كما يمتنع حمل كلّ منها على نفس الذات ، بل إنّها في ذلك مختلفة. ولا ينحصر النسبة بينها بالتباين بل يتأتّى فيها العموم المطلق ، خصوصا في مثل العناوين الأوّلية والثانوية مثل الالقاء والإحراق والقيام والتعظيم بل العموم من وجه ، بل ربما يتأتّى فيها التساوي أيضا.

فقد تلخّص : أنّ أخذ اسم المصدر بشرط لا بالقياس إلى الطوارئ التي يتكوّن عنها باقي المشتقّات ومنها الصفات لا يوجب إلاّ عدم صحّة حمله على الذات الموصوفة ، أمّا حمله على أسماء الأحداث الأخر فليس هو براجع إلى

__________________

(١) [ لعلّه قدس‌سره يشير إلى ما يأتي في هذه الحاشية ، أو ما يأتي في الصفحة ٣١ ، فلاحظ ].

٢٥

أخذه بشرط لا أو أخذه لا بشرط ، بل هو راجع إلى أنّ هذا الحدث هل هو مباين لذلك الحدث الآخر ولو لكونهما من مقولتين ، أو أنّه غير مباين له لأجل أنّهما من مقولة واحدة وأنّ أحدهما أعمّ مطلقا من الآخر ، أو كونه عنوانا توليديا له ، أو كون أحدهما أعمّ من وجه من الآخر أو مساويا له. فإن كان الحدثان متباينين لم يصحّ حمل أحدهما على الآخر ، ولم يكن اجتماعهما إلاّ من قبيل الاجتماع الانضمامي ، وإلاّ صحّ حمل أحدهما على الآخر وكان اجتماعهما من قبيل التركّب الاتّحادي.

والحاصل : أنّ مجرّد أخذ الحدث بشرط لا ، لا يكون مانعا من حمله على الحدث الآخر إذا لم يكن مباينا له ، كما أنّه لا يوجب أن يكون تركّبه معه تركّبا انضماميا. ومن ذلك يتّضح لك التأمّل فيما أفيد في المقدّمة الرابعة بقوله : والسرّ في ذلك الخ (١).

كما أنّه يتّضح لك منه التأمّل فيما أفاده قدس‌سره من تقسيم الافتراق على قسمين وأنّ القسم الأوّل منه هو ما يكون الافتراق فيه بتبدّل حقيقة المصداق ، كما في انفراد العالم عن مورد الاجتماع مع عنوان الفاسق في العالم غير الفاسق ، فإنّ المصداق الذي ينفرد فيه العالم مباين في الهوية والحقيقة للمصداق الذي يجتمع فيه مع الفاسق. وأنّ القسم الثاني منه هو ما يكون الافتراق فيه بمجرّد انفكاك أحد العنوانين عن الآخر وانفصاله عنه من دون تبدّل في هوية المصداق ، كما في انفراد عنوان العلم عن عنوان الفسق ، فإنّ العلم المجرّد عن الفسق لا تختلف هويته عن العلم المقرون بالفسق. وجعل قدس‌سره هذا الفرق بين هذين القسمين هو الحجر الأساسي في كون التركّب في القسم الأوّل اتّحاديا وفي القسم الثاني

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١٣٤.

٢٦

انضماميا ، فراجع ما حرّرناه عنه (١) وما حرّره عنه المرحوم الشيخ محمّد علي (٢) في هذا التقسيم.

ووجه التأمّل أنّه أيضا مبني على المباينة بين الحدثين ، وإلاّ فلو لم يكونا متباينين بل كان بينهما العموم من وجه كما مثّلنا به في التستّر بالثوب المغصوب الذي هو مجمع لعنوان التستّر وعنوان التصرّف في المغصوب ، والتستّر الذي يكون بالثوب المملوك والتصرّف الذي يكون بالثوب المغصوب بغير التستّر بل بالتعمّم به مثلا ، فإنّ عنوان التستّر عند انفراده عن عنوان التصرّف في المغصوب يكون لمصداقه هوية هي غير هويته عند اتّحاده مع التصرّف في المغصوب ، وهكذا الحال في انفراد عنوان التصرّف بالثوب المغصوب عن عنوان التستّر به ، فإنّه حينئذ يكون في مصداق مباين في الهوية مع المصداق الذي اجتمعا فيه.

وأمّا ما أورده عليه في الحاشية (٣) من أنّ ذلك إنّما يسلم في المصادر المتأصّلة دون الانتزاعية كالغصب ، فإنّ الموجود منه في غير الصلاة كلبس ثوب الغير أو أكل خبزه مغاير لما هو موجود مع الصلاة الذي هو من مقولة الأين ، فإنّه يمكن الجواب عن ذلك بأنّ الغصب المقابل لما هو موجود مع الصلاة هو الغصب الأيني أيضا ، إلاّ أنّه في غير الصلاة بل في فعل آخر غيرها مثل القيام والمشي ونحوهما. فالعمدة هو ما أشرنا إليه من أنّ الغصب هل هو مباين للصلاة بالذات فيكون اجتماعهما انضماميا أو أنّه عينه في الخارج فيكون اتّحاديا ، ولازمه هو مغايرة الغصب الموجود في غير الصلاة مع الغصب الموجود فيها ،

__________________

(١) مخطوط ، لم يطبع بعد.

(٢) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٤٠٦ وما بعدها.

(٣) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٣٥.

٢٧

وأنّ مجرّد أخذه بشرط لا لا يترتّب عليه الأثر المطلوب.

فالحجر الأساسي لجميع هذه الأمور ولكون التركّب انضماميا هو ما عرفت من التباين بين الحدثين وعدم المباينة بينهما.

وبالجملة : أنّ الذي يظهر منه قدس‌سره في جميع التحارير هو أنّ الحجر الأساسي في التباين بين المبادئ وعدم حمل بعضها على بعض وكون اجتماع بعضها مع بعض في ذات واحدة من باب التركّب الانضمامي هو كونها مأخوذة بشرط لا. وقد عرفت التأمّل في ذلك وأنّه لا أثر لأخذها بشرط لا إلاّ عدم صحّة حملها على الذات ، وكونها مباينة للذات التي تعرض لها ، أمّا بالنسبة إلى بعضها مع البعض الآخر منها فذلك تابع للتباين بين الحدثين وعدم التباين بينهما.

وقد عرفت أنّه يمكن أن لا يكون بين الحدثين تباين بل يكون بينهما العموم المطلق والعموم من وجه بل التساوي. لكن ذلك مستلزم لتركّب الحدث وعدم بساطته ، وسيأتي إن شاء الله تعالى (١) التعرّض لذلك وأنّه لا يعقل فيه التركيب ، وأنّ ما به الامتياز في الاعراض عين ما به الاشتراك ، فلا تكون الأعراض إلاّ متباينة. لكن هذا لو تمّ يكون أساسا آخر للتباين غير مجرّد كونه ملحوظا بشرط لا ، فتأمّل.

وبالجملة : الظاهر أنّ أساس التركّب الانضمامي هو تباين العرضين لا مجرّد كون كلّ منهما ملحوظا بشرط لا ، بل يمكن أن يقال إنّ ما تعرّضت له المقدّمة الخامسة (٢) من كون جهة الصدق في المشتقّات تعليلية وفي مبدأ الاشتقاق تقييدية لا يكون بنفسه منتجا للتركّب الانضمامي ، إذ أقصى ما في البين

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١٣٨.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ١٣٦.

٢٨

هو اجتماع الجهتين التقييديتين ، وهذا لا يمنع من صدق إحدى الجهتين على الأخرى فيكون التركّب بينهما اتّحاديا ، إلاّ بعد الفراغ عن التباين بين الجهتين على وجه لا تصدق إحداهما على الأخرى وبسبب ذلك التباين يكون التركّب انضماميا. لكن سيأتي إن شاء الله تعالى (١) الإشكال في كيفية الجامع بين هاتين الجهتين عند اجتماعهما ، وذلك الجامع بين الصلاة والغصب وهو الحركة ما حقيقته ، وهل يكون مصداقا لكلّ منهما فتكون الحركة الواحدة متّصفة بهما ، أو أنّ لكلّ منهما مصداقا مستقلا.

قوله : نعم بين المبادئ للاشتقاق وبين الهيولى والصورة فرق من جهة ، وهي أنّ مبادئ الاشتقاق ... الخ (٢).

يمكن التأمّل فيه فإنّ مبدأ الاشتقاق لو أخذ لا بشرط لم يعبّر عنه بعبارة تستعصي عن الحمل ، بل يعبّر عنه بعنوان المشتق فيحمل على الذات وعلى مثله. وهكذا الحال في المادّة والصورة فإنّها عند أخذها لا بشرط يعبّر عنها بالجنس أعني الحيوان والفصل أعني الناطق ، وحينئذ يصحّ حمل أحدهما على الآخر وحمل كلّ منهما على النوع.

والخلاصة : أنّه لا فرق بين مبدأ الاشتقاق وبين المادّة في هذا الحال أعني حال الأخذ لا بشرط ، كما أنّه لا فرق بينهما في ذلك الحال أعني حال الأخذ بشرط لا ، فلاحظ وتأمّل.

ولو أنّ إنسانا تجاسر وأنكر هذه التركّبات العقلية أعني تركّب الأنواع من

__________________

(١) راجع الحواشي الآتية في الصفحة : ٣٤ ـ ٣٨.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ١٣٣ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٢٩

هيولى وصورة أو من جنس وفصل ، وزعم أنّ الممكن منحصر في الأعراض والجواهر ، وأنّ الجواهر تنقسم إلى مادّيات ومجرّدات كالعقل والنفس ، وزعم أنّ ما يسمّى جنسا كالحيوان وفصلا كالناطق ليس إلاّ من العوارض ، إذ الحيوان من الحياة والناطق من النطق بمعنى التكلّم ، وكذلك الحال في الإدراك ونحوه من عوارض الإنسان ، وكما أنّ هذه الأعراض وأمثالها قائمة بالجواهر فتكون من قيام العرض بالجوهر فلم لا يمكن أن يكون للعرض نفسه عرض يقوم به ، وحينئذ تشترك الجواهر والأعراض في قابلية قيام العرض ، فكما أنّ البياض قائم بالجسم فلم لا تكون شدّته قائمة به وهما معا قائمان بالجسم ، فيكون الجسم متّصفا بالبياض الشديد ، وحينئذ فكما للجوهر عرض عام يشترك بينه وبين غيره من الجواهر وعرض خاصّ يميّزه عن غيره من الجواهر ، فلم لا يكون للعرض عرض يشترك بينه وبين غيره كالحركة المشتركة بين الصلاة وللغصب ، ولكلّ منهما جهة خاصّة تميّزه عن الآخر وتوجب كون الصلاة مباينة للغصب ، على وجه لا يتّحد أحدهما بالآخر عند اجتماعهما وإن انطبق عليهما عنوان الحركة واتّحدت مع كلّ منهما ، لا أنّها حركة واحدة تتّصف بالغصبية والصلاتية ، بل إنّ الحركة الموجودة في الغصب غير الحركة الموجودة في الصلاة ، نظير الحيوان الموجود في الإنسان عند اجتماعه مع الفرس غير الحيوان الموجود في الفرس ، بمعنى أنّ هناك شخصين من الحيوان ، فشخص هو الإنسان وشخص هو الفرس ، ومن الواضح أنّ أحدهما مباين للآخر ، فكذلك الحال في الحركة الموجودة في الغصب عند اجتماعه مع الصلاة هي شخص من الحركة غير الشخص الموجود في الصلاة.

٣٠

وإن شئت فبدّل عنوان الحركة بالفعل الصادر من الفاعل فرارا من دعوى أنّ الغصب ليس من الحركة أو أنّ الصلاة ليست منها بل هي من الوضع ، فإن غرضنا هو ما عرفت من إمكان اشتراك العرضين في عنوان يشملهما ، واختصاص كلّ منهما بخصوصية توجب امتيازه عن صاحبه ، وأنّه عند اجتماعه لا يكون ذلك الاجتماع إلاّ من قبيل اجتماع المتباينين ، نظير اجتماع الفرس والإنسان. فإن شئت فسمّ ذلك الجامع بينهما جنسا وذلك المميّز لكلّ منهما عن الآخر فصلا ، وإن شئت فسمّ الأوّل عرضا عاما والآخر عرضا خاصّا ، سواء ذلك الجواهر والأعراض.

وأمّا دعوى كون ما به الاشتراك عين ما به الامتياز في البسائط فذلك أمر آخر مرجعه إلى أنّ الامتياز بالذات وأنّه لا اشتراك بينهما ، فلاحظ وتأمّل.

ومن ذلك كلّه تعرف أنّ ما أفاده في المقدّمة الخامسة بقوله : وهذا بخلاف تقييد العناوين الكلّية فإنّه يوجب تضييقها المانع من صدقها على فاقد القيد الخ (١) لا يختصّ بالعناوين الاشتقاقية ونحوها ، بل هو جار في مبادئ الاشتقاق ، فيكون الحاصل أنّ القيد إن كان في عالم المصداق كان موجبا لتكثّره وتعدّده كما في مصداق الغصب والصلاة ، وإن كان في عالم المفهوم كان موجبا لتضييق دائرته كما لو قيّدت مفهوم الغصب بأنّه الغصب الصلاتي. وفي الحقيقة أنّ الجهة التقييدية في الأوّل تكون عبارة عن نفس مصداق الغصب ونفس مصداق الصلاة ، وعند اجتماعهما يكون لنا مصداق للصلاة ومصداق آخر للغصب ، ولا يكون أحدهما عين الآخر بل يكون مغايرا له ، ويكون تركّبهما انضماميا لا اتّحاديا ، كلّ ذلك من

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١٣٨ [ المنقول هنا مخالف للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٣١

جهة التباين بين حقيقة الغصب وحقيقة الصلاة ، ولا معنى للقول بأنّ بينهما عموما من وجه إلاّ أنّهما يجتمعان في الوجود من دون اتّحاد وينفرد كلّ منهما عن الآخر ، بخلاف ما لو اتّحدا عند الاجتماع كما في التصرّف في المغصوب والتستّر مثلا ، فإنّه عند الاجتماع يكون أحدهما عين الآخر ويكون تركّبهما اتّحاديا لا انضماميا ، فيكون من قبيل النهي عن العبادة لو كان التستّر المأمور به عبادة.

وهكذا الحال في مثل قراءة القرآن والغناء عند اجتماعهما ، فإنّ أحدهما حينئذ متّحد مع الآخر فيكون من قبيل النهي عن العبادة ، إلاّ بنحو ارجاعهما إلى التباين بما سيأتي في المقدّمة التاسعة من صرف النهي إلى متمّم المقولة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى (١) شرحه ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : فيكون الحركة الخارجية من جهة وجود هوية الصلاة فيها فردا من الصلاة ومن جهة وجود هوية الغصب فيها فردا من الغصب ... الخ (٢).

قال في الحاشية : قد عرفت أنّ الغصب ليس من الماهيات المتأصّلة ليستحيل اتّحاده مع الصلاة خارجا ، وأنّه من المفاهيم الانتزاعية قابلة الانطباق على ماهيات متعدّدة الخ (٣).

قلت : لكنّه في المقام منطبق على الأين ، وهو كما فسّره به الكون في الدار ، وهو سواء كان منسوبا إلى المصلّي أو كان منسوبا إلى الصلاة نفسها يكون مباينا للصلاة من أي مقولة كانت ، إذ لا شبهة في عدم كونها من مقولة الأين ، وحينئذ

__________________

(١) في الصفحة : ٤٤.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ١٣٦ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٣) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٣٦.

٣٢

يكون استحالة اتّحاده مع الصلاة من الواضحات ، فلا محصّل لقوله : فلا مانع من انطباقه على الصلاة ولو باعتبار بعض أجزائها. فإنّ أي جزء نفرضه من الصلاة لا بدّ له من أين يقع فيه ، وقد قلنا إنّ الأين مباين لما يضاف إليه.

قوله في هذه الحاشية : كالأذكار ، ضرورة أنّ التكلّم في الدار المغصوبة لا يصدق عليه التصرّف في الدار قطعا ... الخ (١).

قلت يكفي في كونه تصرّفا أنّه محتاج إلى تحريك الشفة ، وهو تصرّف في فضاء الدار فيكون ذلك أعني تحريك الشفة من مقولة الفعل ، وكونه في ذلك الفضاء من مقولة الأين ، وقد عرفت المباينة بينهما.

قوله في هذه الحاشية : والصحيح أنّها من مقولة الوضع ... الخ (٢).

كونها من مقولة الوضع لا ينفي كونها مضافة إلى الأين ، وحينئذ تدخل فيما نريده من اجتماع المقولتين أعني الوضع والأين.

قوله : وتوهّم أنّها من مقولة الفعل ... الخ (٣).

قد ذكر ذلك شيخنا قدس‌سره فيما حرّرناه عنه وبيّن أنّ أفعال الصلاة من مقولة الوضع ، فراجع ما حرّره عنه المرحوم الشيخ محمّد علي فيما طبع من تحريراته (٤) ، بل إنّ هذا المحشي ذكره أيضا في هذا التحرير فراجع (٥) وحينئذ فقوله : وتوهّم الخ ، متوجّه إلى أي شخص.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٣٦.

(٢) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٣٧.

(٣) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٣٧.

(٤) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٤٢٥ ـ ٤٢٦.

(٥) أجود التقريرات ٢ : ١٥٩.

٣٣

قوله في هذه الحاشية : فإن قلنا بأنّهما من أجزاء الصلاة كان المأمور به متّحدا مع المنهي عنه وجودا ، فلا مناص عن القول بعدم جواز الاجتماع ... الخ (١).

لا يخفى أنّ تركّب النهوض مثلا مع الغصب لا يكون اتّحاديا ، بل هو انضمامي لكونه من قبيل الفعل والأين ، فإنّه وإن صدق على النهوض أنّه تصرّف إلاّ أنّه باعتبار أينه لا باعتبار نفسه. ومنه يظهر الحال فيما ذكره في السجود من احتياجه إلى الاعتماد وهو تصرّف في الأرض ، فإنّ ذلك لا يخرجه عن كونه من مقولة الأين ، ولو سلم أنّه ليس من مقولة الأين فلا أقل من كونه من قبيل متمّم المقولة ، نظير لبس المغصوب في كون الحرمة المتعلّقة به لا باعتبار نفس اللبس ، بل باعتبار تعلّقه بثوب الغير الذي أفاد شيخنا قدس‌سره (٢) كونه من قبيل متمّم المقولة الذي يعبّر عنه النحويون بالظرف اللغو ، وهو مباين لنفس المقولة فلا يكون تركّبه معها إلاّ من قبيل التركّب الانضمامي ، فراجع ما حرّرناه عنه وما حرّره عنه المرحوم الشيخ محمّد علي (٣).

ومنه يظهر لك الإشكال فيما ذكره في الحاشية (٤) في بيان انطباق التصرّف الحرام على نفس الحركة واتّحاده معها ، ومراد شيخنا قدس‌سره من صدور حركتين من المصلّي هو ما شرحه من الحركة في الأين الذي يرجع إليه الغصب والحركة في الوضع أو الفعل الذي يرجع إليه الصلاة ، فلا يتّجه عليه ما في الحاشية المذكورة

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٣٧.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ١٤٨.

(٣) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٤١٥.

(٤) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٣٨ ـ ١٣٩.

٣٤

بقوله : لأنّه مع وضوح بطلانه في نفسه لبداهة عدم صدور حركتين من المصلّي في آن واحد الخ.

والحاصل : أنّ المحشّي تخيّل أنّ المراد بالحركة هي الحركة الخارجية الفعلية العرفية فأورد عليه هذه الايرادات ، ومراد شيخنا من الحركة هو الحركة باصطلاح أهل المعقول وهي الخروج من القوّة إلى الفعل ، وهي تكون في الوضع والأين ونحوهما ، فراجع ما حرّرناه عنه وما حرّره الباقون ، فراجع ما حرّره عنه المرحوم الشيخ محمّد علي (١) ، بل إنّ ما حرّره المحشّي عنه قدس‌سره في هذا المقام كاف في بيان مراده قدس‌سره من أنّ المقصود هو الحركة في الأين والحركة في الصلاة ، وذلك قوله : بداهة أنّ الحركة نسبتها إلى المقولات التي تجري فيها نسبة الهيولى إلى الصور الخ (٢).

وبالجملة : أنّ الذي يظهر من هذه الحاشية أنّ جميع أفعال الصلاة لا ربط لها بالغصب ، لأنّ الذكر ليس بتصرّف والحركات الانتقالية ليست بأجزاء والقيام والركوع والسجود من مقولة الوضع ، فلم يبق بيد المحشّي سوى الاعتماد في السجود فجعله متّحدا مع الغصب الذي هو التصرّف.

ولا يخفى أنّ الاعتماد ليس بمنحصر في السجود بل جار في القيام والركوع. ويمكن أن يدّعى أنّ نفس هذا الشرط الذي هو الاعتماد لا دليل على عباديته على وجه لو جاء به محرّما لكان موجبا لبطلانه ، بل هو شرط عقلي لتحقّق مفهوم السجود والركوع والقيام ، لا أنّه شرط شرعي في ذلك على وجه يكون النهي عنه أو اتّحاده مع المنهي عنه موجبا لبطلان أصل العبادة ، وسيأتي إن

__________________

(١) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٤٢٦ ـ ٤٢٧.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ١٣٨ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٣٥

شاء الله تعالى (١) تحرير ذلك في بحث النهي عن شرط العبادة مثل التستّر. على أنّه يمكن أن تكون الصلاة في المكان المغصوب مع عدم كون الاعتماد على الأرض المغصوبة ، بأن كانت واقعة على جسر منصوب على الأرض المغصوبة لكن كان اعتماد طرفيه على مملوك أو كانت الأرض مملوكة له لكن كان الفضاء مغصوبا ونحو ذلك.

وبالجملة : أنّ هذه الفروض وأمثالها تمنع من أن يكون فتوى القوم ببطلان الصلاة في المغصوب مستندة إلى مجرّد كون السجود مشروطا بالاعتماد وهو متّحد مع التصرّف الغصبي هذا ، مضافا إلى ما عرفت من كون الاعتماد على الأرض ليس بمتّحد مع الغصب ، لكون الغصب في ذلك من قبيل متمّم المقولة ، على حذو ما حرّرناه في اللباس المغصوب والساتر ، بل الوضوء من الآنية المغصوبة أو الفضّة والذهب على ما حرّره شيخنا قدس‌سره (٢) فراجع.

قوله : فلا يكون هناك فرق بين المبادئ والعناوين الاشتقاقية أصلا في كون الجهة تعليلية لا تقييدية ... الخ (٣).

إنّ هذا الإشكال كأنّه مأخوذ من الكفاية حيث يقول : فالحركة في الدار من أي مقولة الخ (٤).

وحاصله : أنّ الفعل الخارجي الذي هو مصداق ومجمع هو نفس الحركة ، وله جهتان الصلاة والغصب ، وهما بالنسبة إلى العنوان الصادق عليه منهما

__________________

(١) في الصفحة : ٢٩٨ وما بعدها.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ١٤٨ ـ ١٤٩.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ١٣٨ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٤) كفاية الأصول : ١٥٩ ـ ١٦٠ ( مع اختلاف يسير ).

٣٦

تعليليتان ، بمعنى أنّ اتّصاف تلك الحركة بكونه صلاة يكون علّة لانطباق أحد العنوانين على تلك الحركة ، واتّصافها بالغصب يكون علّة في انطباق العنوان الآخر على تلك الحركة ، وحينئذ يكون كلّ من الصلاة والغصب أجنبيا عن كلّ من العنوان والمعنون ، كما قلنا إنّ العلم والعدالة يكون أجنبيا عن عنوان العالم والعادل وعن المعنون بهما وهو تلك الذات الخارجية ، غايته أنّه يكون علّة في انطباق عنوان العالم على تلك الذات وانطباق العادل عليها.

وحينئذ لو قلنا إنّ الصلاة والغصب من الجهات التعليلية يكون محصّله هو أنّهما أجنبيان عن تلك الحركة كما أنّهما أجنبيان عن العنوان المنطبق عليها. لكن ذلك العنوان الذي كانا علّة في انطباقه على الحركة ما هو ، هل هو عنوان الصلاة والغصب بما لهما من المعنى الواقعي ، وحينئذ تكون الجهة المذكورة تقييدية لأنّ العنوان حينئذ بما له من المعنى الواقعي الذي هو ذات الصلاة منطبق على تلك الحركة ، فكانت ذات الصلاة محكية بذلك العنوان فكانت جهة تقييدية ، أو أنّ العنوان هو لفظ الصلاة مجرّدة عن معناها أو بمعنى آخر لتكون الصلاة أجنبية عنه ، وتكون علّة في انطباقه على تلك الحركة ، وحينئذ يكون متعلّق الأمر هو الحركة لا ذات الصلاة ، والمنهي عنه هو نفس الحركة لا ذات الغصب ، وهذا لا يخلو من طرافة.

قوله : فيكون نسبة كلّ منهما إلى الآخر نسبة التشخّص ... الخ (١).

قال قدس‌سره فيما حرّرته عنه : بيان ذلك أنّ كلّ كلّي إذا وجد فلا بدّ أن تلحقه مشخّصات من الحالات والمقارنات والزمان والمكان وغير ذلك ، سواء كان لحوقها له قهريا أم كان اختياريا من الفاعل ، وكلّ خصوصية من تلك

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١٤٠ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسخة المحشاة ].

٣٧

الخصوصيات لا بدّ أن تكون مصداقا لكلّي آخر ، وحينئذ نقول : إنّ الغصب كلّي من الكلّيات التي ما لم تتشخّص لم توجد ، وله مشخّصات كثيرة اختيارية وغير اختيارية فاتّفق أن وقع بعض مشخّصاته الاختيارية مصداقا لكلّي آخر مأمور به أعني الصلاة ، وهكذا الحال بالنسبة إلى الصلاة حرفا بحرف ، فيكون كلّ من هذين الفعلين من مشخّصات الفعل الآخر.

ثمّ إنّه قدس‌سره قال : وتوضيح ذلك أنّهم أرجعوا الأعراض إلى المقولات التسع وقسّموا المقولات المذكورة إلى قسمين متأصّلة واضافية ، والمراد بالقسم الأوّل ما كان معقولا بنفسه كالكمّ والكيف ، والمراد بالثاني ما يكون معقولا بالاضافة إلى حقيقة أخرى كالأين وهو الكون في مكان. ثمّ إنّ الحقيقة التي يكون الأين معقولا بالاضافة إليها إمّا أن تكون من قبيل الجواهر مثل زيد في الدار ويعبّر حينئذ عن الأين المستفاد من لفظ في بالظرف المستقرّ ، وإمّا أن تكون من قبيل الأعراض مثل ضرب في الدار ويعبّر عنه بالظرف اللغو. وكلّ حقيقة يكون الأين معقولا بالاضافة إليها تكون من مشخّصات ذلك الأين ، كما أنّ كلّ أين يكون معقولا بواسطة الاضافة إلى الحقيقة يكون من مشخّصات تلك الحقيقة. وحينئذ يتّضح لك الحال في الصلاة التي هي حقيقة من الحقائق وكونها في المكان المغصوب الذي هو من مقولة الأين ، فإنّ كلّ واحد من الأين المذكور والحقيقة المزبورة يكون مشخّصا للآخر ، وحينئذ يكون التركيب الانضمامي على نحوين : أحدهما ما يكون من قبيل القوّة والفعل كالهيولى والصورة ، والثاني منهما ما يكون من قبيل ضمّ أحد العرضين إلى الآخر وصيرورة كلّ منهما من مشخّصات الآخر ، والأوّل يختصّ بالجواهر والثاني يختصّ بالاعراض انتهى.

٣٨

قوله : فيخرج عن محلّ الكلام ما إذا كان النسبة بينهما عموما مطلقا كصلّ ولا تصلّ في الدار المغصوبة ... الخ (١).

لو كان المنهي عنه هو عين عنوان العام وزيادة كما في المثال كان خارجا عمّا نحن فيه ، لكون التركّب فيه اتّحاديا ، لكن يمكن أن يكون المنهي هو الأين الصلاتي ، كأن يقول لا تغصب في صلاتك أو لا تكن في صلاتك في الدار المغصوبة ونحو ذلك ممّا كان المنهي عنه هو نفس أين الصلاة ، ويكون اجتماعها معه على نحو اجتماعهما فيما لو كان بينهما عموم من وجه ، بأن يكون من قبيل انضمام أحد الفردين إلى الآخر من دون أن يكون بينهما اتّحاد وتصادق.

وبالجملة : كما صوّرنا العموم من وجه مع فرض عدم التصادق في مورد الاجتماع فلنتصوّر العموم المطلق كذلك ، بأن يكون العام مجتمعا مع الخاص على نحو اجتماع الفردين من دون تصادق من العام على الخاصّ ، ويكون المأمور به هو مطلق الصلاة ويكون المنهي عنه هو أينها لا الأين المطلق ، وحينئذ يكون ذلك داخلا فيما نحن فيه. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ التزاحم هنا لمّا كان دائميا كان موجبا لدخول المسألة في باب التعارض ، وخروج مورد المزاحمة عن حيّز الأمر خروجا واقعيا فتأمّل.

قوله : ومنه يظهر خروج مثل اشرب الماء ولا تغصب عن محلّ الكلام أيضا فيما إذا كان الماء مغصوبا ـ إلى قوله : ـ إذ ليس هناك جهة أخرى انضمامية يتعلّق الأمر بها ، بل الغصب والشرب يتّحدان في الخارج والتركيب بينهما اتّحادي ... الخ (٢).

أورد عليه في الحاشية بأنّه مناقض لما تقدّم منه قدس‌سره من استحالة اتّحاد

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١٤٠ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) أجود التقريرات ٢ : ١٤١ ـ ١٤٢ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٣٩

المبادئ بعضها مع بعض ، بدعوى أنّه يستلزم اتّحاد مقولتين متباينتين ، ضرورة أنه لا فرق بين الصلاة والشرب الخ.

لا يخفى ما في هذه المقايسة فإنّ الصلاة مقولة وأينها مقولة أخرى ، بخلاف شرب الماء المغصوب فإنّ نفس الشرب المأمور به هو بعينه منهي عنه ، لكونه مصداقا لقوله تعالى : ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ ... )(١) وهو بنفسه أيضا مصداق لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يحلّ مال امرئ ... » (٢) فإنّ الغصب وإن لم يكن لنا فيه عموم أو إطلاق وكذلك التصرّف في مال الغير ، إلاّ أنّه لا ريب في أنّ نفس أكل المغصوب وشربه مصداق للنواهي المذكورة.

نعم في سائر التصرّفات المتعلّقة بمال الغير نحتاج إلى ادخالها في تلك النواهي ، باعتبار كونها استيفاء منفعة المال مثلا كالجلوس في الدار المغصوبة أو القيام أو الركوع فيها ونحو ذلك فتكون محرّمة من هذه الجهة ، وحينئذ يكون الجلوس في الدار منهيا عنه باعتبار كونه استيفاء لمنفعتها وكونها كذلك باعتبار أينها ، إذ ليس القيام بما أنّه من مقولة الوضع مثلا منفعة للدار ، وإنّما يكون كذلك باعتبار أينه ومحلّه الواقع فيه ، وحينئذ يكون النهي متوجّها إلى الأين المذكور ، أمّا ما يكون هو مصداقا للأكل بل هو هو بعينه فلا يكون محتاجا إلى الارجاع إلى الأين ، بل يكون بنفسه وبذاته محرّما ، فلو كان مع ذلك مأمورا به كان من مورد الاجتماع مع وحدة المتعلّق ، وهذا معنى قولنا في ذلك إنّه من قبيل التركّب الاتّحادي ، وإلاّ ففي الحقيقة لا تعدّد في متعلّق الأمر والنهي في ذلك كي يكون تركّبهما اتّحاديا ، بل لم يتعلّق الأمر إلاّ بنفس العنوان الذي تعلّق به النهي ، غاية

__________________

(١) النساء ٤ : ٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ٥ : ١٢٠ / أبواب مكان المصلّي ب ٣ ح ٣ ، ١ ( مع اختلاف يسير ).

٤٠