بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وأولادهم وأموالهم وحقوقهم وأنسابهم ودنياهم وآخرتهم ، فليأتنا بآية يليق بجلالة هذه الولاية ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما كفاكم نور علي المشرق في الظلمات الذي رأيتموه ليلة خروجه من عند رسول الله إلى منزله؟ أما كفاكم أن عليا جاز و الحيطان بين يديه ، ففتحت له وطرقت ثم عادت والتأمت؟ أما كفاكم يوم غدير خم أن عليا لما أقامه رسول الله رأيتم أبواب السماء مفتحة والملائكة منها مطلعين تناديكم هذا ولي الله فاتبعوه وإلا حل بكم عذاب الله فاحذروه؟ أما كفاكم رؤيتكم علي بن أبي طالب وهو يمشي والجبال يسير بين يديه لئلا يحتاج إلى الانحراف عنها فلما جاز رجعت الجبال إلى أماكنها؟ ثم قال : اللهم زدهم آيات فإنها عليك سهلات يسيرات لتزيد حجتك عليهم تأكيدا ، قال : فرجع القوم إلى بيوتهم فأرادوا دخولها فاعتقلتهم الارض ومنعتهم ونادتهم : حرام عليكم دخولها حتى تؤمنوا بولاية علي عليه‌السلام قالوا : آمنا ودخلوا ، ثم ذهبوا ينزعون ثيابهم ليلبسوا غيرها فثقلت عليهم ولم يقلوها (١) ونادتهم : حرام عليكم سهولة نزعها (٢) حتى تقروا بولاية علي عليه‌السلام فأقروا ونزعوها ، ثم ذهبوا ليلبسوا ثياب الليل فثقلت عليهم ونادتهم : حرام عليكم لبسنا حتى تعترفوا بولاية علي عليه‌السلام فاعترفوا ، فذهبوا يأكلون فثقلت عليهم اللقم وما لم يثقل منها استحجر في أفواههم ، ونادتهم : حرام عليكم أكلنا حتى تعترفوا بولاية علي عليه‌السلام فاعترفوا ، ثم ذهبوا يبولون ويتغوطون فتعذر عليهم ونادتهم بطونهم ومذاكيرهم : حرام عليكم السلامة منا حتى تعترفوا بولاية علي بن أبي ـ طالب عليه‌السلام فاعترفوا ، ثم ضجر بعضهم وقال : « اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم (٣) » قال الله تعالى : « وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم » فإن عذاب الاصطلام (٤) العام إذا نزل نزل بعد خروج

____________________

(١) أى لم يرفعوها.

(٢) في المصدر : نزعنا.

(٣) سورة الانفال : ٣٢. وما بعدها ذيلها.

(٤) اصطلمه : استأصله.

٤١

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من بين أظهرهم ، ثم قال الله عز وجل : « وماكان الله معذبهم وهم يستغفرون » يظهرون التوبة والانابة ، فإن من حكمه في الدنيا أن يأمرك بقبول الظاهر وترك التفتيش عن الباطن ، لان الدنيا دار إمهال وإنظار والآخرة دار الجزاء بلا بعد ، قال : « وما كان الله معذبهم » وفيهم من يستغفر لان هؤلاء لو لا أن فيهم (١) من علم الله أنه سيؤمن أو أنه سيخرج من نسله ذرية طيبة يجود ربك على هؤلاء بالايمان وثوابه ولا يقتطعهم باخترام (٢) آبائهم الكفار ولولا ذلك لاهلكهم ، فذلك قول رسول الله : كذلك اقترح الناصبون آيات في علي عليه‌السلام حتى اقترحوا ما لا يجوز في حكمته ، جهلا بأحكام الله واقتراحا للاباطيل على الله (٣).

١٥ ـ يل : روي عن الصادق عليه‌السلام أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام بلغه عن عمر بن الخطاب أمر ، فأرسل إليه سلمان رضي‌الله‌عنه وقال : قل له : قد بلغني عنك كيت وكيت ، وكرهت أن أعتب عليك في وجهك ، فينبغي أن لا يقال في إلا الحق ، فقد غصبت حقي على القذى وصبرت حتى تبلغ الكتاب أجله ، فنهض سلمان رضي الله عنه وبلغه ذلك وعاتبه ، وذكر مناقب أميرالمؤمنين عليه‌السلام وذكر فضائله وبراهينه فقال عمر : عندي الكثير من فضائل علي عليه‌السلام ولست بمنكر فضله إلا أنه يتنفس الصعداء ويظهر البغضاء ، فقال له سلمان رضي‌الله‌عنه : حدثني بشئ مما رأيته منه فقال عمر : يا أبا عيدالله نعم خلوت به ذات يوم في شئ من أمر الجيش ، فقطع حديثي وقام من عندي وقال : مكانك حتى أعود إليك ، فقد عرضت لي حاجة ، فما كان أسرع أن رجع علي ثانية وعلى ثيابه وعمامته غبار كثير ، فقلت له : ما شأنك؟ فقال : أقبل نفر من الملائكة وفيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يريدون مدينة بالمشرق يريدون مدينة جيحون ، فخرجت لاسلم عليه ، وهذه الغبرة ركبتني من سرعة المشي ، فقال عمر : فضحكت متعجبا حتى استلقيت على قفائي ، وقلت له : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد مات

____________________

(١) في المصدر : لو أن فيهم.

(٢) اخترمه : أهلكه واستأصله.

(٣) تفسير الامام : ٢٦٥ و ٢٦٦.

٤٢

وبلي وتزعم أنك لقيته الساعة وسلمت عليه؟! فهذا من العجائب ومما لا يكون فغضب علي عليه‌السلام ونظر إلي وقال : تكذبني يا ابن الخطاب؟ فقلت : لا تغضب وعد إلى ما كنا فيه فإن هذا مما لا يكون أبدا ، قال : فإن أنت رأيته حتى لا تنكر منه شيئا استغفرت الله مما قلت وأضمرت وأحدثت توبة مما أنت فيه وتركت حقا لي؟ فقلت : نعم ، فقال : قم ، فقمت معه فخرجنا إلى طرف المدينة ، وقال لي : غمض عينيك فغمضتهما ، فقال : افتحهما ففعلت ذلك ، فإذا أنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله معه نفر من الملائكة ، فلما أطلت النظر قال لي : هل رأيته؟ فقلت : نعم ، قال : غمض عينيك فغمضتهما ، ثم قال : افتحهما فإذا لا عين ولا أثر.

فقلت له : هل رأيت من علي عليه‌السلام غير ذلك؟ قال : نعم إنه استقبلني يوما وأخذ بيدي ومضى بي إلى الجبانة ، وكنا نتحدث في الطريق ، وكان بيده قوس فلما صرنا في الجبانة رمى بقوسه من يده فصار ثعبانا عظيما مثل ثعبان موسى عليه‌السلام وفتح فاه وأقبل ليبتلعني ، فلما رأيت ذلك طار قلبي من الخوف وتنحيت وضحكت في وجه علي عليه‌السلام وقلت : الامان يا علي بن أبي طالب واذكر ما بيني وبينك من الجميل ، فلما سمع هذا القول افتر (١) ضاحكا وقال : لطفت في الكلام ونحن أهل بيت نشكر القليل ، فضرب بيده إلى الثعبان وأخذه بيده فإذا هو قوسه الذي كان بيده.

ثم قال عمر : يا سلمان إني كتمت ذلك عن كل أحد وأخبرتك به يا أبا ـ عبدالله ، فإنهم أهل بيت يتوارثون هذه الاعجوبة كابر عن كابر ، ولقد كان إبراهيم يأتي بمثل ذلك وكان أبوطالب وعبدالله يأتيان بمثل ذلك في الجاهلية ، وأنا لا انكر فضل علي عليه‌السلام وسابقته ونجدته وكثرة علمه ، فارجع إليه واعتذر عني إليه وأثن عني عليه بالجميل (٢).

١٦ ـ يل : روى عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه أنه قال : كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام

____________________

(١) افتر الرجل : ضحك ضحكا حسنا.

(٢) الفضائل : ٦٥ و ٦٦.

٤٣

جالسا في دكة القضاء إذ نهض إليه رجل يقال له صفوان الاكحل ، وقال له : أنا رجل من شيعتك وعلي ذنوب فاريد أن تطهرني منها في الدنيا لاصل إلى الآخرة وما معي ذنب ، فقال الامام عليه‌السلام : ما أعظم ذنوبك وما هي؟ فقال : أنا ألوط الصبيان ، فقال عليه‌السلام : أيما أحب إليك ضربة بذي الفقار أو اقلب عليك جدارا أو أرمي عليك نارا؟ فإن ذلك جزاء من ارتكب تلك المعصية ، فقال : يا مولاي احرقني بالنار لانجو من نار الآخرة ، فقال عليه‌السلام : يا عمار اجمع ألف حزمة (١) قصب لنضرمه غداة غد بالنار ، ثم قال للرجل : انهض وأوص بمالك وبما عليك ، قال : فنهض الرجل و أوصى بما له وما عليه ، وقسم أمواله على أولاده ، وأعطى كل ذي حق حقه ، ثم بات على حجرة أميرالمؤمنين عليه‌السلام في بيت نوح شرقي جامع الكوفة ، فلما صلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال : يا عمار ناد بالكوفة : اخرجوا وانظروا حكم أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقال جماعة منهم : كيف يحرق رجلا من شيعته ومحبيه وهو الساعة يريد يحرقه بالنار فبطلت إمامته؟! فسمع بذلك أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال عمار : فأخذ الامام الرجل ورمى عليه ألف حزمة من القصب ، فأعطاه مقدحة وكبريتا وقال : اقدح وأحرق نفسك ، فإن كنت من شيعتي ومحبي وعارفي فإنك لا تحترق بالنار وإن كنت من المخالفين المكذبين فالنار تأكل لحمك وتكسر عظمك ، فأوقد الرجل على نفسه واحترق القصب ، وكان على الرجل ثياب بيض فلم تعلق بها النار ولم تقربها الدخان ، فاستفتح الامام عليه‌السلام وقال : كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا ، ثم قال : إن شيعتنا منا وأنا قسيم الجنة والنار ، وأشهد لي بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مواطن كثيرة (٢).

١٧ ـ فر : علي بن محمد بن مخلد الجعفي معنعنا عن الاعمش قال : خرجت حاجا إلى مكة ، فلما انصرفت بعيدا رأيت عمياء على ظهر الطريق تقول : بحق (٣) محمد

____________________

(١) بالمهملة ثم المعجمة ما حزم وشد من الحطب وغيره.

(٢) الفضائل : ٧٧ و ٧٨.

(٣) في المصدر : اللهم انى اسألك بحق اه.

٤٤

وآله رد علي بصري ، قال : فتعجبت من قولها وقلت لها : أي حق لمحمد وآله على الله؟ إنما الحق له عليهم ، فقالت : مه يا لكع والله ما ارتضى هو حتى حلف بحقهم ، فلو لم يكن لهم عليه حقا ما حلف به ، قال : قلت : وأي موضع حلف؟ قالت قوله : « لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون » (١) والعمر في كلام العرب الحياة قال فقضيت حجتي ثم رجعت فإذا بها مبصرة في موضعها وهي تقول : أيها الناس أحبوا عليا فحبه ينجيكم من النار ، قال : فسلمت عليها وقلت : ألست العمياء بالامس تقولين : بحق (٢) محمد وآله رد علي بصري؟ قالت : بلى ، قلت : حدثيني بقصتك ، قالت : والله ما جزتني حتى وقف علي رجل فقال لي : إن رأيت محمدا و آله تعرفينه قلت : لا ولكن بالدلالة (٣) التي جاءتنا ، قالت : فبينا هو يخاطبني إذ أتاني رجل آخر متوكئا على رجلين فقال : ما قيامك معها؟ قال : إنها تسأل ربها بحق محمد وآله أن يرد عليها بصرها فادع الله لها ، قال : فدعا ربه ومسح على عيني بيده فأبصرت ، فقلت : من أنتم؟ فقال : أنا محمد وهذا علي ، قد ردالله عليك بصرك اقعدي في موضعك هذا حتى يرجع الناس وأعلميهم أن حب علي ينجيهم من النار (٤).

١٨ ـ ج ، م : قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : كان أميرالمؤمنين صلوات الله عليه قاعدا ذات يوم فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة والطب ، فقال : يا با حسن (٥) بلغني خبر صاحبك وأن به جنونا وجئت لاعالجه! فلحقته قد مضى لسبيله وفاتني ما أردت من ذلك ، وقد قيل لي : إنك ابن عمه وصهره وأرى (٦) صفارا قد علاك وساقين دقيقتين ما أراهما ثقلانك (٧) فأما الصفار فعندي دواؤه وأما

____________________

(١) سورة الحجر : ٧٢.

(٢) في المصدر : اللهم انى اسألك بحق اه

(٣) في المصدر : بالولاء.

(٤) تفسير فرات : ٩٩ ـ ١٠٠.

(٥) في المصدرين : فقال له : يا ابا الحسن.

(٦) في المصدرين : وارى بك اه.

(٧) في المصدرين : تقلانك.

٤٥

الساقان الدقيقان فلا حيلة (١) لتغليظهما ، والوجه أن ترفق بنفسك في المشي تقلله ولا تكثره ، وفيما تحمله على ظهرك وتحضنه (٢) بصدرك أن تقللهما ولا تكثرهما فإن ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما (٣) وأما الصفار فدواؤك (٤) عندي وهو هذا ، وأخرج دواء وقال : هذا لا يؤذيك ولا يخيسك (٥) ولكنه يلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا ، ثم يزيل صفارك ، فقال علي عليه‌السلام (٦) : قد ذكرت نفع هذا الدواء الصفاري فهل تعرف شيئا يزيد فيه ويضره؟ فقال الرجل : بلى حبة من هذا ، وأشار إلى دواء معه وقال : إن تناوله الانسان وبه صفار أماته من ساعته ، وإن كان لا صفار به صار به صفار حتى يموت في يومه ، فقال علي عليه‌السلام : فأرني هذا الضار فأعطاه فقال (٧) : كم قدر هذا؟ فقال : قدر مثقالين سم ناقع ، و قدر كل حبة منه يقتل رجلا ، فتناوله علي عليه‌السلام فقمحه (٨) وعرق عرقا خفيفا وجعل الرجل يرتعد ويقول في نفسه : الآن اؤخذ بابن أبي طالب ويقال : قتلته ولا يقبل مني قولي إنه لهو ألجأني على نفسي ، فتبسم علي عليه‌السلام وقال : يا عبدالله أصح ما كنت بدنا الآن ، لم يضرني ما زعمت أنه سم ، فغمض عينيك فغمض ، ثم قال : افتح عينيك ، ففتح فنظر إلى وجه علي عليه‌السلام فإذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة فارتعد الرجل مما رآه وتبسم علي عليه‌السلام وقال : أين الصفار الذي زعمت أنه بي؟ فقال : والله لكأنك لست من رأيت قبل ، كنت مصفارا فأنت الآن مورد ، قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : فزال عني الصفار بسمك الذي زعمت أنه قاتلي ، وأما ساقاي

____________________

(١) في المصدرين : فلا حيلة لى اه.

(٢) في المصدرين : تحتضنه.

(٣) انقصف : انكسر.

(٤) في المصدرين : فدواؤه.

(٥) خاس اللحم : فسدت رائحته.

(٦) في المصدرين ، فقال له على بن ابى طالب عليه‌السلام.

(٧) في المصدرين : فأعطاه اياه ، فقال له.

(٨) قمح السويق : استفه والشراب : اخذه في راحته فلطعه.

٤٦

هاتان ـ ومد رجليه وكشف عن ساقيه ـ فإنك زعمت أني أحتاج أن أرفق (١) ببدني في حمل ما أحمل عليه لئلا ينقصف الساقان ، وأنا أدلك أن طب الله عزوجل خلاف طبك ، وضرب بيده إلى اسطوانة خشب غليظة (٢) على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه ، و ( في ) فوقه حجرتان إحداهما فوق الآخر ، وحركها أو احتملها (٣) فارتفع السطح والحيطان وفوقهما الغرفتان ، فغشي على اليوناني ، فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : صبوا عليه ماء (٤) فأفاق وهو يقول : والله ما رأيت كاليوم عجبا ، فقال له علي عليه‌السلام : هذه قوة الساقين الدقيقين واحتمالهما في طبك هذا يا يوناني!.

فقال اليوناني : أمثلك كان محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال علي عليه‌السلام:فهل علمي إلا من علمه وعقلي إلا من عقله وقوتي إلا من قوته؟ لقد أتاه ثقفي كان أطب العرب فقال له : إن كان بك جنون داويتك! فقال له محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتحب أن اريك آية تعلم بها غناي عن طبك وحاجتك إلى طبي؟ قال : نعم ، قال : أي آية تريد؟ قال : تدعو ذلك العذق ـ وأشار إلى نخلة سحوق ـ فدعاها فانقلع أصلها من الارض وهي تخد في الارض خدا (٥) ، حتى وقفت بين يديه ، فقال له : أكفاك؟ قال : لا ، قال : فتريد ماذا؟ قال : تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت (٦) وتستقر في مقرها الذي انقلعت منه ، فأمرها فرجعت واستقرت في مقرها.

فقال اليوناني لاميرالمؤمنين عليه‌السلام : هذا الذي تذكره عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله غائب عني ، وأنا أقتصر منك على أقل من ذلك ، أنا أتباعد عنك فادعني وأنا لا أختار الاجابة ، فإن جئت بي إليك فهي آية ، فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : هذا إنما يكون

____________________

(١) في المصدرين : احتاج إلى أن ارفق.

(٢) في المصدرين : عظيمة.

(٣) في المصدرين : واحتملها.

(٤) في المصدرين بعد ذلك : فصبوا عليه ماءا.

(٥) خد الارض : شقها وأثرفيها.

(٦) في المصدرين : حيث جاءت منه.

٤٧

آية لك وحدك لانك تعلم من نفسك أنك لم ترد وأني أزلت اختيارك من غير أن باشرت مني شيئا أو ممن أمرته بأن يباشرك أو ممن قصد إلي ذلك ، وإن (١) لم آمره إلا ما يكون من قدرة الله القاهر ، وأنت يوناني (٢) يمكنك أن تدعي ويمكن غيرك أن يقول : أني قد واطأتك على ذلك ، فاقترح إن كنت مقترحا ما هو آية لجميع العالمين ، قال له اليوناني : إذ جعلت الاقتراح إلي فأنا أقترح أن تفصل أجزاء تلك النخلة وتفرقها وتباعد ما بينها ثم تجمعها وتعيدها كما كانت ، فقال علي عليه‌السلام : هذه آية وأنت رسولي إليها ـ يعني إلى النخلة ـ فقل لها : إن وصي محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمر أجزاءك أن تتفرق وتتباعد ، فذهب فقال لها ، فتفاصلت وتهافتت و تبترت (٣) وتصاغرت أجزاؤها ، حتى لم تر عين ولا أثر ، حتى كأن لم يكن هناك نخلة قط ، فارتعدت فرائص اليوناني وقال : ياوصي محمد قد أعطيتني اقتراحي الاول فأعطني الآخر ، فأمرها أن تجتمع وتعود كماكانت ، فقال : أنت رسولي إليها بعد (٤) فقل لها : يا أجزاء النخلة إن وصي محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمرك أن تجتمعي وكما كنت تعودي. فنادى اليوناني فقال ذلك فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور ، ثم جعلت تجتمع جزء جزء منها حتى تصور لها القضبان والاوراق والاصول والسعف والشماريخ والاعذاق (٥) ثم تألفت وتجمعت واستطالت وعرضت واستقل (٦) أصلها في مقرها ، وتمكن عليها ساقها ، وتركب على الساق قضبانها ، وعلى القضبان أوراقها ، وفي أمكنتها أعذاقها ، وقد كانت في الابتداء شماريخها متجردة (٧) لبعدها

____________________

(١) في تفسير الامام : وانى.

(٢) في المصدرين : يايونانى.

(٣) أى تقطعت وفى الاحتجاج : وتنثرت.

(٤) في المصدرين : فعد.

(٥) السعف : جريد النخل. الشمروخ : العذق عليه بسر أو عنب. وعذق النخل كالعنقود من العنب.

(٦) في المصدرين : واستقر.

(٧) في الاحتجاج : متفردة. وفي التفسير : مجردة.

٤٨

من أوان الرطب والبسر والخلال (١) فقال اليوناني : واخرى احبها (٢) أن تخرج شماريخها خلالها ، وتقلبها من خضرة إلى صفرة وحمرة وترطيب وبلوغ أناه (٣) ليؤكل وتطعمني ومن حضر منها ، فقال عليه‌السلام (٤) : أنت رسولي إليها بذلك فمرها به فقال له اليوناني ما أمره أميرالمؤمنين عليه‌السلام فأخلت وأبسرت واصفرت واحمرت وترطبت وثقلت أعذاقها برطبها ، فقال اليوناني : واخرى احبها يقرب من يدي أعذاقها أو تطول يدي لتنالها ، وأحب شئ إلي أن تنزل إلي أحدها وتطول يدي إلى الاخرى التي هي اختها ، فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : مد اليد التي تريد أن تنالها وقل : يا مقرب البعيد قرب يدي منها ، واقبض الاخرى التي تريد أن يترك (٥) إليك العذق منها وقل : يا مسهل العسير سهل لي تناول ما يبعد عني منها ففعل ذلك وقاله فطالت يمناه فوصلت إلى العذق ، وانحطت الاعذاق الاخر فسقطت على الارض وقد طالت عراجينها (٦) ثم قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : إنك إن أكلت منها ثم لم تؤمن بمن أظهر لك عجائبها عجل الله عزوجل من العقوبة التي يبتليك بها ما يعتبر به عقلاء خلقه وجهالهم ، فقال اليوناني : إني إن كفرت بعد ما رأيت فقد بالغت في العناد وتناهيت في التعرض للهلاك ، أشهد أنك من خاصة الله صادق في جميع أقاويلك عن الله ، فأمرني بما تشاء أطعك (٧).

أقول : تمام الخبرفي أبواب احتجاجاته عليه‌السلام وقد مضى كثير من معجزاته ومناقبه صلوات الله عليه في أبواب معجزات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

____________________

(١) بضم الخاء : الرطب.

(٢) في المصدرين : احب.

(٣) الاناء : حلول الوقت. النضج.

(٤) في المصدرين : ومن حضرك منها فقال على عليه‌السلام.

(٥) في المصدرين : ان تنزل.

(٦) جمع العرجون : اصل العذق الذي يعوج ويبقى على النخل يابسا بعد ان تقطع عنه الشماريخ.

(٧) الاحتجاج : ١٢٢ ـ ١٢٤. تفسير الامام : ٦٧ ـ ٦٩.

٤٩

١٩ ـ ختص محمد بن علي ، عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن أبان الاحمر قال : قال الصادق عليه‌السلام : يا أبان كيف تنكر (١) الناس قول أمير ـ المؤمنين عليه‌السلام لما قال : « لو شئت لرفعت رجلى هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام فنكسته عن سريره » ولا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس و إتيانه سليمان به قبل أن يرتد إليه طرفه؟ أليس نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الانبياء ووصيه أفضل الاوصياء؟ أفلا جعلوه كوصي سليمان؟ حكم الله بيننا وبين من جحد حقنا وأنكر فضلنا (٢)

١١٧

( باب )

* ( ما ورد من غرائب معجزاته عليه‌السلام بالاسانيد الغريبة ) *

١ ـ وجدت في بعض الكتب : حدثنا محمد بن زكريا العلائي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار المعروف بابن المعافا ، عن وكيع ، عن زاذان ، عن سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه قال : كنا مع مولانا أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقلت : يا أميرالمؤمنين احب أن أرى من معجزاتك شيئا ، قال صلوات الله عليه : أفعل إن شاء الله عزوجل ثم قام ودخل منزله وخرج إلي وتحته فرس أدهم ، وعليه قباء أبيض وقلنسوة بيضاء ، ثم نادى : يا قنبر أخرج إلي ذلك الفرس ، فأخرج فرسا آخر أدهم ، فقال صلوات الله عليه وآله : اركب يابا عبدالله ، قال سلمان : فركبته فإذا له جناحان ملتصقان إلى جنبه ، قال : فصاح به الامام صلوات الله عليه فتعلق في الهواء ، وكنت أسمع حفيف أجنحة الملائكة وتسبيحها تحت العرش ، ثم خطونا على ساحل بحر عجاج مغطمط الامواج ، فنظر إليه الامام شزرا (٣) فسكن البحر من غليانه ، فقلت

____________________

(١) في المصدر : ينكر.

(٢) الاختصاص : ٢١٢ و ٢١٣.

(٣) شزر اليه : نظر اليه بجانب عينه مع اعراض أو غضب.

٥٠

له : يامولاي سكن البحر من غليانه من نظرك إليه ، فقال صلوات الله عليه : يا سلمان خشي أن آمر فيه بأمر ، ثم قبض على يدي وسار على وجه الماء والفرسان تتبعاننا لا يقود هما أحد ، فوالله ما ابتلت أقدامنا ولا حوافر الخيل.

قال سلمان : فعبرنا ذلك البحر ورفعنا (١) إلى جزيرة كثيرة الاشجار والاثمار والاطيار والانهار ، وإذا شجرة عظيمة بلا صدع ولا زهر (٢) فهزها صلوات الله عليه بقضيب كان في يده فانشقت ، وخرج منها ناقة طولها ثمانون ذراعا وعرضها أربعون ذراعا وخلفها قلوص (٣) فقال صلوات الله عليه : ادن منها واشرب من لبنها ، قال سلمان : فدنوت منها وشربت حتى رويت ، وكان لبنها أعذب من الشهد وألين من الزبد ، وقد اكتفيت ، قال صلوات الله عليه : هذا حسن يا سلمان؟ فقلت : مولاي حسن ، فقال صلوات الله عليه : تريد أن أراك ما هو أحسن منه؟ فقلت : نعم يا أمير المؤمنين ، قال سلمان : فنادى مولاي أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : اخرجي يا حسناء قال : فخرجت ناقة طولها عشرون ومائة ذراع وعرضها ستون ذراعا ، ورأسها من الياقوت الاحمر ، وصدرها من العنبر الاشهب ، وقوائمها من الزبرجد الاخضر ، وزمامها من الياقوت الاصفر ، وجنبها الايمن من الذهب ، وجنبها الايسر من الفضة ، وعرضها من اللؤلؤ الرطب ، فقال صلوات الله عليه : يا سلمان اشرب من لبنها ، قال سلمان : فالتقمت الضرع فإذا هي تحلبء سلاً صافيا مخلصا (٤) فقلت يا سيدي : هذه لمن؟ قال صلوات الله عليه : هذه لك ولسائر الشيعة من أوليائي ثم قال صلوات الله عليه وسلامه لها : ارجعي إلى الصخرة ، ورجعت من الوقت ، و ساربي في تلك الجزيرة حتى ورد بي إلى شجرة عظيمة عليها طعام يفوح منه رائحة المسك ، فإذا بطائر في صورة النسر العظيم ، قال سلمان رضي‌الله‌عنه : فوثب ذلك

____________________

(١) كذا في ( ك ). وفى غيره من النسخ : ودفعنا.

(٢) الصدع : الشق في شئ صلب. الزهر : نور النبات.

(٣) القلوص من الابل : أول ما يركب من اناثها.

(٤) في ( خ ) : محضا خ ل.

٥١

الطائر فسلم عليه صلوات الله عليه ورجع إلى موضعه ، فقلت : يا أميرالمؤمنين ما هذه المائدة؟ فقال صلوات الله عليه : هذه منصوبة في هذا المكان للشيعة من موالي إلى يوم القيامة ، فقلت : ما هذا الطائر؟ قال صلوات الله عليه : ملك موكل بها إلى يوم القيامة ، فقلت : وحده يا سيدي؟ فقال صلوات الله عليه : يجتاز به الخضر صلوات الله عليه في كل يوم مرة.

ثم قبض صلوات الله عليه على يدي وسار إلى بحرثان ، فعبرنا وإذا جزيرة عظيمة فيها قصر لبنة من ذهب ولبنة من فضة بيضاء ، وشرفها من عقيق أصفر ، و على كل ركن من القصر سبعون صفا من الملائكة ، فأتوا وسلموا ، ثم أذن لهم فرجعوا ، إلى مواضعهم ، قال سلمان رحمه الله تعالى : ثم دخل أميرالمؤمنين عليه‌السلام القصر فإذن أشجار وأثمار وأنهار وأطيار وألوان النبات : فجعل الامام صلوات الله عليه يمشي فيه حتى وصل إلى آخره ، فوقف صلوات الله عليه على بركة كانت في البستان ، ثم صعد على قصر (١) فإذن كرسي من الذهب الاحمر ، فجلس عليه صلوات الله عليه ، وأشرفنا على القصر فإذا بحر أسود يغطمط أمواجه كالجبال الراسيات ، فنظر صلوات الله عليه شزرا فسكن من غليانه حتى كان كالمذنب ، فقلت : يا سيدي سكن البحر من غليانه إلى نظره إليه (٢) فقال عليه‌السلام : خشي أن آمر فيه بأمر ، أتدري يا سلمان أي بحر هذا؟ فقلت : لا يا سيدي ، فقال : هذا الذي غرق فيه فرعون وملؤه المذنبة ، حملها جناح جبرئيل عليه‌السلام ثم زجها في هذا البحر ، فهو يهوي لا يبلغ قراره إلى يوم القيامة.

فقلت : يا أميرالمؤمنين هل سرنا فرسخين؟ فقال صلوات الله عليه : يا سلمان لقد سرت خمسين ألف فرسخ ودرت حول الدنيا عشر مرات ، فقلت : يا سيدي و كيف هذا؟ قال عليه‌السلام : إذا كان ذوالقرنين طاف شرقها وغربها وبلغ إلى سد يأجوج

____________________

(١) كذا في ( ك ) وفى غيره من النسخ : إلى قصر.

(٢) كذا. والظاهر أن تكون العبارة هكذا : فسكن من غليانه من نظره إليه حتى كان كالمذنب ، فقلت ، ياسيدى سكن البحر من غليانه ، فقال اه.

٥٢

ومأجوج فأنى يتعذر علي وأنا أميرالمؤمنين وخليفة رب العالمين؟ يا سلمان أما قرأت قول الله عزوجل حيث يقول : « عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول (١) »؟ فقلت : بلى يا أميرالمؤمنين ، فقال عليه‌السلام : أنا ذلك المرتضى من الرسول الذي أظهره الله عزوجل على غيبه ، أنا العالم الرباني ، أنا الذي هون الله علي الشدائد فطوى له البعيد.

قال سلمان رضي‌الله‌عنه : فسمعت صائحا يصيح في السماء أسمع الصوت ولا أرى الشخص ، وهو يقول : صدقت (٢) أنت الصادق المصدق صلوات الله عليك ، قال : ثم نهض صلوات الله عليه فركب الفرس وركبت معه وصاح بهما فطارا في الهواء ثم خطونا على باب الكوفة ، هذا كله وقد مضى من الليل ثلاث ساعات ، فقال صلوات الله عليه لي : يا سلمان الويل كل الويل لمن لا يعرفنا حق معرفتنا وأنكر ولايتنا،أيما أفضل محمد (ص) أم سليمان عليه‌السلام؟ قلت:بل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال صلوات الله عليه : فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من فارس بطرفة عين و عنده علم الكتاب (٣) ولا أفعل أنا ذلك وعندي مائة كتاب وأربعة وعشرون كتابا؟ أنزل الله تعالى على شيث بن آدم عليهما‌السلام خمسين صحيفة ، وعلى إدريس النبي عليه‌السلام ثلاثين صحيفة ، وعلى نوح عليه‌السلام عشرين صحيفة ، وعلى إبراهيم عليه‌السلام عشرين صحيفة والتوراة والانجيل والزبور والفرقان ، فقلت : صدقت يا أميرالمؤمنين هكذا يكون الامام ، فقال عليه‌السلام : إن الشاك في امورنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا ، وحقوقنا قد فرض الله عزوجل في كتابه في غير موضع ، وبين فيه ما وجب العمل به وهو غير مكشوف.

بيان : الغطمطة : اضطراب موج البحر.

ومنه أيضا : روي الاصبغ بن نباتة قال : كنت يوما مع مولانا أميرالمؤمنين عليه‌السلام

____________________

(١) سورة الجن : ٢٦ و ٢٧.

(٢) في ( خ ) و ( م ) : صدقت صدقت.

(٣) الصحيح كما في القرآن المجيد و ( خ ) : علم من الكتاب.

٥٣

إذ دخل عليه نفر من أصحابه منهم أبوموسى الاشعري وعبدالله بن مسعود و أنس بن مالك وأبوهريرة والمغيرة بن شعبة وحذيفة بن اليمان وغيرهم فقالوا : يا أميرالمؤمنين أرنا شيئا من معجزاتك التي خصك الله بها ، فقال عليه‌السلام : ما أنتم و ذلك وما سؤالكم عما لا ترضون به؟ والله تعالى يقول : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني إني لا اعذب أحدا من خلقي إلا بحجة وبرهان وعلم وبيان ، لان رحمتي سبقت غضبي ، وكتبت الرحمة علي ، فأنا الراحم الرحيم وأنا الودود العلي ، وأنا المنان العظيم ، وأنا العزيز الكريم ، فإذا أرسلت رسولا أعطيته برهانا وأنزلت عليه كتابا. فمن آمن بي وبرسولي فاولئك هم المفلحون الفائزون ، ومن كفر بي وبرسولي فاولئك هم الخاسرون الذين استحقوا عذابي ، فقالوا : يا أميرالمؤمنين نحن آمنا بالله وبرسوله وتوكلنا عليه ، فقال علي عليه‌السلام : اللهم اشهد على ما يقولون وأنا العليم الخبير بما يفعلون.

ثم قال عليه‌السلام : قوموا على اسم الله وبركاته ، قال فقمنا معه حتى أتى بالجبانة ولم يكن في ذلك الموضع ماء ، قال : فنظرنا فإذا روضة خضراء ذات ماء ، وإذا في الروضة غدران (١) وفي الغدران حيتان ، فقلنا : والله إنها لدلالة الامامة فأرنا غيرها يا أميرالمؤمنين وإلا قد أدركنا بعض ما أردنا ، فقال عليه‌السلام : « حسبي الله ونعم الوكيل » ثم أشار بيده العليا نحو الجبانة فإذا قصور كثيرة مكللة بالدر والياقوت والجواهر وأبوابها من الزبرجد الاخضر ، وإذا في القصور حور وغلمان وأنهار وأشجار وطيور ونبات كثيرة ، فبقينا متحيرين متعجبين ، وإذا وصائف وجواري وولدان وغلمان كالؤلؤ المكنون ، فقالوا : يا أميرالمؤمنين لقد اشتد شوقنا إليك وإلى شيعتك و أوليائك فأومأ إليهم بالسكوت ، ثم ركض الارض برجله فانفلقت الارض عن منبر من ياقوت أحمر فارتقى إليه ، فحمدالله وأثنى عليه ، وصلى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال : غمضوا أعينكم ، فغمضنا أعيننا ، فسمعنا حفيف أجنحة الملائكة بالتسبيح والتهليل

____________________

(١) بالضم جمع الغدير : النهر : قطعة من الماء يتركها السيل.

٥٤

والتحميد والتعظيم والتقديس ، ثم قاموا بين يديه قالوا : مرنا بأمرك يا أميرالمؤمنين و خليفة رب العالمين صلوات الله عليك ، فقال عليه‌السلام : يا ملائكة ربي ائتوني الساعة بإبليس الابالسة وفرعون الفراعنة ، قال : فوالله ما كان بأسرع من طرفة عين حتى أحضروه عنده ، فقال عليه‌السلام : ارفعوا أعينكم ، قال : فرفعنا أعيننا ونحن لا نستطيع أن ننظر إليه من شعاع نور الملائكة فقلنا : يا أميرالمؤمنين الله الله في أبصارنا فما ننظر شيئا البتة ، وسمعنا صلصلة (١) السلاسل واصطكاك الاغلال ، وهبت ريح عظيمة ، فقالت الملائكة : يا خليفة الله زد الملعون لعنة وضاعف عليه العذاب ، فقلنا : يا أميرالمؤمنين الله الله في أبصارنا ومسامعنا ، فوالله ما نقدر على احتمال هذا السر والقدر ، قال : فلما جروه بين يديه قام وقال : واويلاه من ظلم آل محمد واويلاه من اجترائي عليهم ، ثم قال : يا سيدي ارحمني فإني لا أحتمل هذا العذاب ، فقال عليه‌السلام : لا رحمك الله ولا غفر لك أيها الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان ، ثم التفت إلينا وقال عليه‌السلام : أنتم تعرفون هذا باسمه وجسمه؟ قلنا : نعم يا أميرالمؤمنين ، فقال عليه‌السلام : سلوه حتى يخبركم من هو ، فقالوا : من أنت؟ فقال : أنا إبليس الابالسة وفرعون هذه الامة أنا الذي جحدت سيدي ومولاي أميرالمؤمنين وخليفة رب العالمين ، وأنكرت آياته ومعجزاته. ثم قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : يا قوم غمضوا أعينكم ، فغمضنا أعيننا فتكلم عليه‌السلام بكلام أخفى ، فإذا نحن في الموضع الذي كنا فيه لا قصور ولا ماء ولا غدران ولا أشجار.

قال الاصبغ بن نباتة رضي‌الله‌عنه : والذي أكرمني بما رأيت من تلك الدلائل والمعجزات ما تفرق القوم حتى ارتابوا وشكوا! وقال بعضهم : سحر وكهانة و إفك! فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : إن بني إسرائيل لم يعاقبوا ولم يمسخوا إلا بعد ما سألوا الآيات والدلالات ، فقد حلت عقوبة الله بهم ، والآن حلت لعنة الله فيكم وعقوبته عليكم ، قال الاصبغ بن نباته رضي‌الله‌عنه : إني أيقنت أن العقوبة حلت بتكذيبهم الدلالات والمعجزات.

____________________

(١) الصلصلة : الصوت.

٥٥

عن عمار (١) بن ياسر رضي‌الله‌عنه قال : كنت عند أميرالمؤمنين جالسا بمسجد الكوفة ولم يكن سواي أحد فيه ، وإذا هو يقول : صدقيه صدقيه ، فالتفت يمينا وشمالا فلم أر أحدا ، فبقيت متعجبا فقال لي : يا عمار كأني بك تقول : لمن يكلم علي؟ فقلت : هو كذلك يا أميرالمؤمنين ، فقال : ارفع رأسك ، فرفعت رأسي وإذا أنا بحمامتين يتجاوبان ، فقال لي : ياعمار أتدري ما تقول إحداهما للاخرى؟ فقلت : لا وعيشك يا أميرالمؤمنين ، قال : تقول الاثنى للذكر أنت استبدلت بي غيري و هجرتني وأخذت سواي ، وهو يحلف لها ويقول : ما فعلت ذلك ، وهي تقول : ما اصدقك ، فقال لها : وحق هذا القاعد في هذا الجامع ما استبدلت بك سواك ولا أخذت غيرك ، فهمت أن تكذبه فقلت لها : صدقيه صدقيه ، قال عمار : يا أمير ـ المؤمنين ما علمت أحدا يعلم منطق الطير إلا سليمان بن داود عليهما‌السلام فقال له : يا عمار والله إن سليمان بن داود عليهما‌السلام سأل الله تعالى بنا أهل البيت حتى علم منطق الطير.

____________________

(١) في ( خ ) : نقل من كتاب صفوة الاخبار عن الائمة الاطهار اه.

٥٦

( أبواب )

* ( ما يتعلق به ومن ينتسب اليه ) *

١١٨

( باب )

* ( أسلحته وملابسه ومراكبه ولوائه وساير مايتعلق به صلوات الله ) *

* ( عليه من أشباه ذلك ) *

١ ـ قب : تفسير السدي ع أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى : « و أنزلنا الحديد » (١) قال : أنزل الله آدم من الجنة معه ذوالفقار ، خلق من ورق آس (٢) الجنة ، ثم قال : « فيه بأس شديد » فكان به يحارب آدم أعداءه من الجن والشياطين ، وكان عليه مكتوبا : لا يزال أنبيائي يحاربون به نبي بعد نبي وصديق بعد صديق حتى يرثه أميرالمؤمنين عليه‌السلام فيحارب به عن النبي الامي « ومنافع للناس » لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي « إن الله قوي عزيز » منيع من النقمة بالكفار بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام. وقد روى كافة أصحابنا أن المراد بهذه الآية ذوالفقار ، انزل (٣) من السماء ، على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأعطاه عليا ، وسئل الرضا عليه‌السلام من أين هو؟ فقال : هبط به جبرئيل من السماء ، وكان حليه من فضة ، وهو عندي. وقيل : أمر جبرئيل عليه‌السلام أن يتخذ من صنم حديد في اليمن فذهب علي وكسره ، فاتخذ منه سفيان مخدم وذوالفقار ، وطبعهما (٤) عمير الصيقل. وقيل : صار إليه يوم بدر ،

____________________

(١) سورة الحديد : ٢٥.

(٢) الاس : شجر يعرف بالريحان.

(٣) في المصدر : انزل به.

(٤) طبع السيف : عمله وصاغه.

٥٧

أخذه من العاص بن منبه السهمي وقد قتله. وقيل : كان من هدايا بلقيس إلى سليمان. وقيل : أخذه من منبه بن الحجاج السهمي في غزاة بني المصطلق بعد أن قتله. وقيل : كان سعف نخل نفث فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فصار سيفا. وقيل : صار إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر فأعطاه عليا ، ثم كان مع الحسن ثم مع الحسين إلى أن بلغ المهدي عليهم‌السلام.

سئل الصادق عليه‌السلام : لم سمي ذوالفقار؟ فقال : إنما سمي ذوالفقار لانه ما ضرب به أميرالمؤمنين أحدا إلا افتقر في الدنيا من الحياة وفي الآخرة من الجنة.

علان الكليني رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إنما سمي سيف أمير ـ المؤمنين عليه‌السلام ذوالفقار لانه كان في وسطه خطة في طوله مشبهة بفقار الظهر ، وزعم الاصمعي أنه كان فيه ثماني عشرة فقارة.

تاريخ أبي يعقوب : كان طوله سبعة أشبار وعرضه شبر ، في وسطه كالفقار.

أبوعبدالله عليه‌السلام : نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جبرئيل بين السماء والارض على كرسي من ذهب وهو يقول : لا سيف إلا ذوالفقار ولا فتى إلا علي.

القاضي أبوبكر الجعابي بإسناده عن الصادق عليه‌السلام : نادى ملك من السماء يوم احد يقال له رضوان : لا سيف إلا ذوالفقار ولا فتى إلا علي. ومثله في إرشاد المفيد وأمالي الطوسي عن عكرمة وأبي رافع ، وقد رواه السمعاني في فضائل الصحابة وابن بطة في الابانة ، إلا أنهما قالا : يوم بدر.

درعه عليه‌السلام : رآه قيس بن سعد الهمداني في الحرب وعليه ثوبان ، فقال : يا أميرالمؤمنين في مثل هذا الموضع؟ فقال : نعم يا قيس إنه ليس من عبد إلا وله من الله حافظ وواقية ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر ، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شئ. وكان مكتوبا على درعه عليه‌السلام :

أي يومي من الموت أفر

يوم لا يقدر أم يوم قدر

يوم لا يقدر لا أخشى الوغى

يوم قد قدر لا يغني الحذر

وروي أن درعه عليه‌السلام كانت لا قب لها أي لا ظهر لها ، فقيل في ذلك فقال :

٥٨

إن وليت فلا وألت أي نجوت.

وكان له مثل الدراهم سايل

على ظهره في الدرع كالسطر إذا سطر (١)

مركوبه عليه‌السلام بغلة بيضاء يقال لها : دلدل ،أعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنما سميت دلدل لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما انهزم المسلمون يوم حنين قال : دلدل ، فوضعت بطنها على الارض فأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم ، ثم أعطاها عليا عليه‌السلام وذلك دون الفرس. وقيل له : لم لا تركب الخيل وطلابك كثير؟ فقال : الخيل للطلب والهرب ولست أطلب مدبرا ولا أنصرف عن مقبل. وفي رواية : أكر على من فر ولا أفر ممن كر والبغلة تزجيني ـ أي تكفينى ـ.

فصل في لوائه وخاتمه عليه‌السلام : محمد الكسائي في المبتدء : إن أول حرب كانت بين بني آدم ما كان بين شيث وقابيل ، وذلك أن الله تعالى أهدى إليه حلة بيضاء و رفعت الملائكة له رأية بيضاء ، فسلسلت الملائكة لقابيل وحملوه إلى عين الشمس و مات فيها ، وصارت ذريته عبيد الشيث. وفي الخبر : أول من اتخذ الرايات إبراهيم الخليل عليه‌السلام.

ابن أبي البختري وسائر أهل السير أنه كانت راية قريش ولواؤها جميعا بيدي قصي بن كلاب ، ثم لم تزل الراية في يدي عبدالمطلب ، فلما بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أقرها في بني هاشم ودفعها إلى علي عليه‌السلام في أول غزاة حمل فيها ، وهي ودان فلم تزل معه وكان اللواء يومئذ في عبد الدار ، فأعطاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مصعب بن عمير فاستشهد يوم احد ، فأخذها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ودفعها إلى علي عليه‌السلام فجمع يومئذ له الراية واللواء وهما أبيضان ، وذكره الطبري في تاريخه والقشيري في تفسيره.

تنبيه المذكرين : زيد بن علي عن آبائه عليهم‌السلام : كسرت زند علي عليه‌السلام يوم احد وفي يده لواء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسقط اللواء من يده ، فتحاماه المسلمون أن يأخذوه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فضعوه في يده الشمال فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة.

____________________

(١) في المصدر : اذ سطر. ولم نفهم المراد من التشبيه.

٥٩

وفي رواية غيره : فرفعه المقداد وأعطاه عليا عليه‌السلام ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :أنت صاحب رايتي في الدنيا والآخرة.

المواعظ والزواجر عن العسكري أن مالك بن دينار سأل سعيد بن جبير : من كان صاحب لواء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : علي بن أبي طالب.

عبدالله بن حنبل أنه لما سأل مالك بن دينار سعيد بن جبير عن ذلك قال : فنظر إلي فقال : كأنك رخي البال ، فغضبت وشكوت إلى القراء فقالوا : إنك سألته وهو خائف من الحجاج وقد لاذ بالبيت ، فاسأله الآن ، فسألته فقال : كان حاملها علي كان حاملها علي ، كذا سمعته من عبدالله بن عباس.

تاريخ الطبري والبلاذري وصحيحي مسلم والبخاري أنه لما أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يخرج إلى بدر اختار كل قوم راية ، فاختار حمزة حمراء ، وبنو امية خضراء وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام صفراء ،وكانت راية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بيضاء ، فأعطاها عليا يوم خيبر لما قال : لاعطين الراية غدا رجلا ، الخبر. وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عقد لحمزة ولعبيدة بن الحارث ولسعد بن أبي وقاص ألوية بيضاء.

وكان مكتوبا على علم أميرالمؤمنين عليه‌السلام :

الحرب إن باشرتها فلا يكن منك الفشل واصبر على أهوالها لا موت إلا بالاجل وعلى رايته عليه‌السلام :

هذا علي والهدى يقوده

من خير فتيان قريش عوده

وحدثني ابن كادش في تكذيب العصابة العلوية في ادعائهم الامامة النبوية أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى العباس في ثوبين أبيضين فقال : إنه لابيض الثوبين ، وهذا جبرئيل يخبرني أن ولده يلبسون السواد.

عبدالله بن أحمد بن حنبل في كتاب صفين أنه نشر عمرو بن العاص في يوم صفين راية سوداء الخبر.

وفي أخبار دمشق عن أبي الحسين محمد بن عبدالله الرازي قال ثوبان : قال

٦٠