بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وأطعنهم صدر الكمي برمحه

وأكساهم للهام عضبا مهندا (١)

سوى أخويك السيدين كلاهما

إماما الورى والداعيان إلى الهدى

أبى الله أن يعطي عدوك مقعدا

من الارض أو في اللوح مرقى ومصعدا (٢)

وقال في موضع آخر : روى عمرو بن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : خطب عبدالله بن زبير فنال من علي عليه‌السلام فبلغ ذلك محمد بن الحنفية ، فجاء إليه وهو يخطب ، فوضع له كرسي ، فقطع عليه خطبته وقال : يا معشر العرب شاهت الوجوه أينتقص علي وأنتم حضور؟ إن عليا كان يدالله على أعدائه ، وصاعقة من أمرالله (٣) أرسله على الكافرين به والجاهدين لحقه ، فقتلهم بكفرهم ، فشنؤه وأبغضوه و ضمروا (٤) له السيف والحسد وابن عمه عليه‌السلام حي بعد لم يمت ، فلما نقله الله إلى جواره وأحب له ما عنده أظهرت له رجال أحقادها ، وشفت أضغانها ، فمنهم من ابتزه حقه ، ومنهم من أسمر به (٥) ليقتله ، ومنهم من شتمه وقذفه بالاباطيل ، فإن يكن لذريته وناصري دعوته دولة ينشر عظامهم ويحفر على أجسادهم والابدان (٦) يومئذ بالية بعد أن يقتل الاحياء منهم ويذل رقابهم ، ويكون الله عز اسمه قد عذبهم بأيدينا ، وأخزاهم ونصرنا عليهم ، وشفى صدورنا منهم ، إنه والله ما يشتم عليا إلا كافر يسر شتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويخاف أن يبوح به ، فيلقى شتم علي عنه (٧) أما إنه قد يخطب المنية (٨) منكم من امتد عمره وسمع قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه : « لا

____________________

(١) الكمى ـ بالفتح فالكسر ـ : الشجاع أو لابس السلاح. العضب : السيف القاطع. والمهند السيف المطبوع من حديد الهند.

(٢) شرح النهج ١ : ١١٨ ـ ١٢٠. ( ك ل م ). وفيه : أو في اللوح.

(٣) في المصدر : من امره.

(٤) في المصدر : وأضمروا.

(٥) ابتز منه الشئ : استلبه قهرا. سمر : لم ينم وتحدث ليلا.

(٦) في المصدر : والابدان منهم اه.

(٧) في المصدر : فيكنى بشتم على عنه.

(٨) في المصدر : قد تخطت المنية.

١٠١

يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق » « وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ».

فعاد ابن الزبير إلى خطبته وقال : عذرت بني الفواطم يتكلمون فما بال ابن ام حنفية؟ فقال محمد : يا ابن ام فتيلة (١) ومالي لا أتكلم وهل فاتني من الفواطم إلا واحدة؟ ولم يفتني فخرها ، لانها ام أخوي ، أنا ابن فاطمة بنت عمران بن عائذ بن مخزوم جدة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا ابن فاطمة بنت أسد بن هاشم كافلة رسول الله والقائمة مقام امه ، أما والله لولا خديجة بنت خويلد ما تركت في أسد (٢) بن عبدالعزى عظما إلا هشمته ، ثم قام فانصرف (٣).

وقال ابن أبي الحديد في موضع آخر : قال أبوالعباس المبرد : قد جاءت الرواية أن أميرالمؤمنين عليا عليه‌السلام لما ولد لعبدالله بن العباس مولود ففقده (٤) وقت صلاة الظهر فقال : ما بال ابن العباس لم يحضر؟ قالوا : ولد له ولد ذكر يا أميرالمؤمنين ، قال : فامضوا بنا إليه ، فأتاه فقال له : شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب ، ما سميته؟ فقال : يا أميرالمؤمنين أو يجوز لي أن اسميه حتى تسميه؟ فقال : أخرجه إلي ، وأخرجه فأخذه فحنكه ودعا له ، ثم رده إليه وقال : خذ إليك أبا الاملاك قد سميته عليا وكنيته أبا الحسن ، قال : فلما قدم معاوية خليفة قال لعبدالله بن العباس : لا أجمع لك بين الاسم والكنية ، قد كنيته أبا محمد فجرت عليه.

قلت : سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد فقلت له : من أي طريق عرف بنو امية أن الامر سينتقل عنهم وإنه سيليه بنو هاشم وأول من يلي منهم يكون اسمه عبدالله؟ ولم منعوهم عن مناكحة بني الحارث بن كعب لعلمهم

____________________

(١) في المصدر : يا ابن ام رومان.

(٢) في المصدر : في بنى اسد.

(٣) شرح النهج ١ : ٤٦٦ و ٤٧٧.

(٤) في المصدر : فقده.

١٠٢

أن أول من يلي الامر من بني هاشم يكون (١) امه حارثية؟ وبأي طريق عرف بنو هاشم أن الامر سيصير إليهم ويملكه عبيد أولادهم حتى عرفوا ( أولادهم ) صاحب الامر منهم كما قد جاء في هذا الخبر؟ فقال : أصل هذا كله محمد بن الحنفية ، ثم ابنه عبدالله المكنى أبا هاشم ، قلت له : أفكان محمدبن الحنفية مخصوصا من أميرالمؤمنين بعلم يستأثر به على أخويه حسن وحسين عليهما‌السلام؟ قال : لا ولكنهما كتما وأذاع. ثم قال : قد صحت الرواية عندنا عن أسلافنا وعن غيرهم من أرباب الحديث أن عليا عليه‌السلام لما قبض أنى محمد ابنه أخويه حسنا وحسينا فقال لهما : أعطياني ميراثي من أبي ، فقالا له : قد علمت أن أباك لم يترك صفراء ولا بيضاء ، فقال : قد علمت ذلك وليس ميراث المال أطلب ، إنما أطلب ميراث العلم ، أبوجعفر : (٢) فروى أبان بن عثمان عمن روى له ذلك عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : فدفعا إليه صحيفة لو أطلعاه على أكثر منها لهلك ، فيها ذكر دولة بني العباس.

قال أبوجعفر : وقد روى أبوالحسن علي بن محمد النوفلي قال : حدثني عيسى بن علي بن عبدالله بن العباس قال : لما أردنا الهرب من مروان بن محمد لما قبض على إبراهيم الامام جعلنا نسخة الصحيفة التي دفعها أبوهاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن عبدالله بن العباس ـ وهي التي كان آباؤنا يسمونها صحيفة الدولة ـ في صندوق من نحاس صغير ، ثم دفناه تحت زيتونات بالشراة (٣) لم يكن بالشراة من الزيتون غيرهن ، فلما افضي السلطان إلينا وملكنا الامر أرسلنا إلى ذلك الموضع ، فبحث وحفر فلم يوجد شئ ، فأمرنا بحفر جريب من الارض في ذلك الموضع ، حتى بلغ الحفر الماء ولم نجد شيئا.

____________________

(١) في المصدر : تكون.

(٢) كذا في النسخ. والصحيح كما في المصدر : قال ابوجعفر.

(٣) الشراة صقع بالشام بين دمشق ومدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من بعض نواحيه القرية المعروفة بالحميمة التى كان يسكنها ولد على بن عبدالله بن عباس في ايام بنى مروان.

١٠٣

قال أبوجعفر : وقد كان محمد بن الحنفية صرح بالامر لعبدالله بن العباس وعرفه تفصيله ، ولم يكن أميرالمؤمنين عليه‌السلام فد فصل لعبدالله بن العباس الامر وإنما أخبره به مجملا ، كقوله في هذا الخبر « خذ إليك أبا الاملاك » ونحو ذلك مما كان يعرض له به ، ولكن الذي كشف القناع وأبرز المستور هو محمد بن الحنفية وكذلك أيضا ما وصل إلى بني امية من علم هذا الامر فإنه وصل من جهة محمد بن الحنفية ، وأطلعهم على السر الذي علمه ، ولكن لم يكشف لهم كشفه لبني العباس كان أكمل (١).

قال أبوجعفر : فأما أبوهاشم فإنه قد كان أفضى بالامر إلى محمد بن علي بن عبدالله بن العباس وأطلعه عليه وأوضحه له ، فلما حضرته الوفاه عقيب انصرافه من عند الوليد بن عبدالملك مر بالشراة وهو مريض ومحمد بن علي بها ، فدفع إليه كتبه وجعله وصيه ، وأمر الشيعة بالاختلاف إليه ، قال أبوجعفر : وحضر وفاة أبي هاشم ثلاثة نفر من بني هاشم : محمد بن علي هذا ، ومعاوية بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، وعبدالله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب ، فلما مات خرج محمد بن علي ومعاوية بن عبدالله بن جعفر من عنده وكل واحد منهما يدعي وصايته ، فأما عبدالله بن الحارث فلم يقل شيئا.

قال أبوجعفر : وصدق محمد بن علي ، إليه أوصى أبوهاشم ، وإليه دفع كتاب الدولة ، وكذب معاوية بن عبدالله بن جعفر ، لكنه قرأ الكتاب فوجد لهم فيه ذكرا يسيرا فادعى الوصية بذلك ، فمات وخرج ابنه عبدالله بن معاوية يدعي وصاية أبيه إليه ، ويدعي لابيه وصاية أبي هاشم ، ويظهر الانكار على بني امية ، وكان له في ذلك شيعة يقولون بإمامته سرا حتى قتل ، انتهى (٢).

____________________

(١) كذا في النسخ. وفى العبارة سقط. والصحيح كما في المصدر : فان كشفه الامر لبنى العباس كان اكمل.

(٢) شرح النهج ٢ : ٣٠٨ ـ ٣١٠.

١٠٤

أقول : روى في جامع الاصول من صحيح الترمذي عن محمد بن الحنفية عن أبيه عليهما‌السلام قال : قلت : يا رسول الله أرأيت إن ولد لي بعدك ولدا سمية باسمك واكنيه بكنيتك؟ قال : نعم.

وقال ابن أبي الحديد : أسماء بنت عميس هي اخت ميمونة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) وكانت من المهاجرات إلى أرض الحبشة ، وهي إذ ض ذاك تحت جعفر بن أبي طالب ، فولدت له هناك محمد بن جعفر وعبدالله وعونا ، ثم هاجرت معه إلى المدينة ، فلما قتل جعفر تزوجها أبوبكر ، فولدت له محمد بن أبي بكر ، ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب عليه‌السلام فولدت له يحيى بن علي ، لا خلاف في ذلك.

وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب : ذكر ابن الكلبي أن عون بن علي امه أسماء بنت عميس ، ولم يقل ذلك أحد غيره ، وقد روي أن أسماء كانت تحت حمزة بن عبدالمطلب ، فولدت له بنتا تسمى أمة الله ، وقيل : أمامة (٢).

أقول : روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن ابن عباس قال : لما كنا في حرب صفين دعا علي عليه‌السلام ابنه محمد بن الحنفية وقال له : يا بني شد على عسكر معاوية فحمل على الميمنة حتى كشفهم ، ثم رجع إلى أبيه مجروحا فقال : يا أبتاه العطش العطش ، فسقاه جرعة من الماء ثم صب الباقي بين درعه وجلده ، فوالله لقد رأيت علق الدم يخرج من حلق درعه ، فأمهله ساعة ثم قال له : يا بني شد على الميسرة ، فحمل على ميسرة عسكر معاوية فكشفهم ، ثم رجع وبه جراحات وهو يقول : الماء الماء يا أباه ، فسقاه جرعة من الماء وصب باقيه بين درعه وجلده ، ثم قال : يا بني شد على القلب ، فحمل عليهم وقتل منهم فرسانا ، ثم رجع إلى أبيه وهو يبكي ، وقد أثقلته الجراح ، فقام إليه أبوه وقبل ما بين عينيه (٣) وقال له : فداك أبوك فقد

____________________

(١) في المصدر بعد ذلك : واخت لبابة ام الفضل وعبدالله زوج العباس بن عبدالمطلب.

(٢) شرح النهج ٤ : ٧٤.

(٣) في ( م ) و ( خ ) : مما بين عينيه.

١٠٥

سررتني والله يا بني بجهادك هذا بين يدي ، فما يبكيك أفرحا أم جزعا؟ فقال : يا أبت كيف لا أبكي وقد عرضتني للموت ثلاث مرات فسلمني الله ، وها أنا مجروح كما ترى ، وكلما رجعت إليك لتمهلني عن الحرب ساعة ما أمهلتني ، وهذان أخواي الحسن والحسين ما تأمرهما بشئ من الحرب ، فقام إليه أميرالمؤمنين وقبل وجهه وقال له : يا بني أنت ابني وهذان ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أفلا أصونهما عن القتل؟ فقال : بلى يا أبتاه جعلني الله فداك وفداهما من كل سوء.

٣٢ ـ ب : محمد بن الحسن ، عن علي بن الاسباط ، عن الحسن بن شجرة ، عن عنبسة العابد قال : إن فاطمة بنت علي مد لها في العمر حتى رآها أبوعبدالله عليه‌السلام (١).

٣٣ ـ يد : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن أبي الخطاب ، عن ابن بشير ، عن الحسين بن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : قال أبي عليه‌السلام : إن محمد بن الحنفية (٢) كان رجلا رابط الجأش (٣) ـ وأشار بيده ـ وكان يطوف بالبيت فاستقبله الحجاج ، فقال : قد همت أن أضرب الذي فيه عيناك ، قال له محمد : كلا إن الله تبارك اسمه في خلقه في كل يوم ثلاثمائة لحظة أو لمحة ، فلعل إحداهن تكفك عني (٤).

٣٤ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وحماد ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في تزويج ام كلثوم : فقال : إن ذلك فرج غصبناه (٥).

بيان : هذه الاخبار لا ينافي ما مر من قصة الجنية ، لانها قصة مخفية

____________________

(١) قرب الاسناد : ٧٦.

(٢) في المصدر : ان محمد بن على ابن الحنفية.

(٣) الجأش : القلب والصدر. يقال « رابط الجأش » أى شجاع.

(٤) التوحيد : ١١٧.

(٥) فروع الكافى ( الجزء الخامس من الطبعة الحديثة ) : ٣٤٦.

١٠٦

أطلعوا عليها خواصهم ، ولم يكن يتم به الاحتجاج على المخالفين ، بل ربما كانوا يحترزون عن إظهار أمثال تلك الامور لاكثر الشيعة أيضا ، لئلا تقبله عقولهم ولئلا يغلو فيهم ، فالمعنى : غصبناه ظاهرا وبزعم الناس إن صحت تلك القصة.

وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في جواب المسائل السروية : إن الخبر الوارد بتزويج أميرالمؤمنين عليه‌السلام ابنته من عمر لم يثبت ، وطريقته من الزبير بن بكار ولم يكن موثوقا به في النقل ، وكان متهما فيما يذكره من بغضه لاميرالمؤمنين عليه‌السلام وغير مأمون ، والحديث نفسه مختلف ، فتارة يروى أن أميرالمؤمنين تولى العقد له على ابنته ، وتارة يروى عن العباس أنه تولى ذلك عنه ، وتارة يروى أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد عن عمر وتهديد لبني هاشم ، وتارة يروى أنه كان عن اختيار و إيثار ، ثم بعض الرواة يذكر أن عمر أولدها ولدا سماه زيدا ، وبعضهم يقول : إن لزيد بن عمر عقبا ، ومنهم من يقول : إنه قتل ولا عقب له ، ومنهم من يقول : إنه وامه قتلا ، ومنهم من يقول : إن امه بقيت بعده ، ومنهم من يقول : إن عمر أمهر ام كلثوم أربعين ألف درهم ، ومنهم من يقول : مهرها أربعة آلاف درهم ، ومنهم من يقول : كان مهرها خمسمائة درهم ، وهذا الاختلاف مما يبطل الحديث.

ثم إنه لو صح لكان له وجهان لا ينافيان مذهب الشيعة في ضلال المتقدمين على أميرالمؤمنين عليه‌السلام أحدهما أن النكاح إنما هو على ظاهر الاسلام الذي هو الشهادتان والصلاة إلى الكعبة والاقرار بجملة الشريعة ، وإن كان الافضل مناكحة من يعتقد الايمان ، ويكره مناكحة من ضم إلى ظاهر الاسلام ضلالا يخرجه عن الايمان ، إلا أن الضرورة متى قادت إلى مناكحة الضال مع إظهاره كلمة الاسلام زالت الكراهة من ذلك ، وأميرالمؤمنين عليه‌السلام كان مضطرا إلى مناكحة الرجل ، لانه تهدده وتواعده ، فلم يأمنه على نفسه وشيعته ، فأجابه إلى ذلك ضرورة ، كما أن الضرورة يشرع إظهار كلمة الكفر ، وليس ذلك بأعجب من قول لوط : « هؤلاء بناتي هن أطهرلكم (١) » فدعاهم إلى العقد عليهم لبناته وهم كفار ضلال قد أذن الله

____________________

(١) سورة هود : ٧٨.

١٠٧

تعالى في هلاكهم ، وقد زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الاصنام ، أحدهما عتبة بن أبي لهب والآخر أبوالعاص بن الربيع ، فلما بعث صلى‌الله‌عليه‌وآله فرق بينهما وبين ابنتيه (١).

وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في كتاب الشافي : فأما الحنفية فلم يكن سبية على الحقيقة ولم يستبحها عليه‌السلام بالسبي لانها بالاسلام قد صارت حرة مالكة أمرها ، فأخرجها من يد من استرقها ثم عقد عليها النكاح (٢) وفي أصحابنا من يذهب إلى أن الظالمين متى غلبوا على الدار وقهروا ولم يتمكن المؤمن من الخروج من أحكامهم جاز له أن يطأ سبيهم ، ويجري أحكامهم مع الغلبة والقهر مجرى أحكام المحقين فيما يرجع إلى المحكوم عليه وإن كان فيما يرجع إلى الحاكم معاقبا آثما وأما تزويجه بنته فلم يكن ذلك عن اختيار ، ثم ذكر رحمه‌الله الاخبار السابقة الدالة على الاضطرار ، ثم قال : على أنه لو لم يجر ما ذكرناه لم يمتنع أن يجوزه عليه‌السلام لانه كان على ظاهر الاسلام والتمسك بشرائعه وإظهار الاسلام ، وهذا حكم يرجع إلى الشرع فيه ، وليس مما يخاطره (٣) العقول ، وقد كان يجوز أيضا أن يبيحنا أن ننكح اليهود والنصارى ، كما أباحنا عند أكثر المسلمين أن ننكح فيهم ، وهذا إذا كان في العقول سائغا فالمرجع في تحليله وتحريمه إلى الشريعة ، وفعل أميرالمؤمنين عليه‌السلام حجة عندنا في الشرع ، فلنا أن نجعل ما فعله أصلا في جواز مناكحة من ذكروه وليس لهم أن يلزموا على ذلك مناكحة اليهود والنصارى وعباد الاوثان ، لانهم إن سألوا عن جوازه في العقل فهو جائز (٤) وإن سألوا عنه في الشرع فالاجماع يحظره

____________________

(١) رسائل الشيخ المفيد : ٦١ ـ ٦٣.

(٢) في المصدر بعد ذلك : فمن اين انه استباحها بالسبى دون عقد النكاح.

(٣) في المصدر : يحظره.

(٤) في المصدر : فهو جار.

١٠٨

ويمنع منه ، انتهى كلامه رفع الله مقامه (١).

أقول : بعد إنكار عمر النص الجلي وظهور نصبه وعداوته لاهل البيت عليهم‌السلام يشكل القول بجواز مناكحته من غير ضرورة ولا تقية ، إلا أن يقال بجواز مناكحة كل مرتد عن الاسلام ، ولم يقل به أحد من أصحابنا ، ولعل الفاضلين إنما ذكرا ذلك استظهارا على الخصم ، وكذا إنكار المفيد رحمه‌الله أصل الواقعة إنما هو لبيان أنه لم يثبت ذلك من طرقهم ، وإلا فبعد ورود ما مر من الاخبار إنكار ذلك عجيب.

وقد روي الكليني ، عن حميد بن زياد ، عن ابن سماعة ، عن محمد بن زياد ، عن عبدالله بن سنان ، ومعاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن عليا لما توفي عمر أتى ام كلثوم فانطلق بها إلى بيته. وروى نحو ذلك عن محمد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن هشام ابن سالم ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام (٢). والاصل في الجواب هو أن ذلك وقع على سبيل التقية والاضطرار ولا استبعاد في ذلك ، فإن كثيرا من المحرمات تنقلب عند الضرورة وتصير من الواجبات ، على أنه ثبت بالاخبار الصحيحة أن أميرالمؤمنين وسائر الائمة عليهم‌السلام كانوا قد أخبرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بما يجري عليهم من الظلم وبما يجب عليهم فعله عند ذلك ، فقد أباح الله تعالى له خصوص ذلك بنص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا مما يسكن استبعاد الاوهام ، والله يعلم حقائق أحكامه وحججه عليهم‌السلام.

أقول : قد أثبتنا في غزوة الخوارج بعض أحوال محمد بن الحنفية ، وكذا في باب معجزات علي بن الحسين عليهما‌السلام منازعته له ظاهرا في الامامة ، وفي أبواب أحوال الحسين عليه‌السلام وما جرى بعد شهادته. ثم اعلم أنه سأل السيد مهنا بن سنان عن العلامة الحلي قدس الله روحهما فيما كتب إليه من المسائل : ما يقول سيدنا في

____________________

(١) الشافى : ٢١٥ و ٢١٦.

(٢) راجع فروع الكافى ( الجزء السادس من الطبعة الحديثة ) : ١١٥ و ١١٦.

١٠٩

محمد بن الحنفية؟ هل كان يقول بإمامة زين العابدين عليه‌السلام؟ وكيف تخلف عن الحسين عليه‌السلام؟ وكذلك عبدالله بن جعفر ، فأجاب العلامة رحمه‌الله : قد ثبت في أصل الامامة أن أركان الايمان التوحيد والعدل والنبوة والامامة ، والسيد محمد بن الحنفية و عبدالله بن جعفر وأمثالهم أجل قدرا وأعظم شأنا من اعتقادهم خلاف الحق ، و خروجهم عن الايمان الذي يحصل به اكتساب الثواب الدائم والخلاص من العقاب وأما تخلفه عن نصرة الحسين عليه‌السلام فقد نقل أنه كان مريضا ، ويحتمل في غيره عدم العلم بما وقع على مولانا الحسين عليه‌السلام من القتل وغيره ، وبنوا على ما وصل من كتب الغدرة إليه وتوهموا نصرتهم له.

١٢١

( باب )

* ( أحوال اخوانه وعشائره صلوات الله عليه ) *

١ ـ ل : الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، عن جده ، عن إبراهيم بن محمد بن يوسف عن علي بن الحسن ، عن إبراهيم بن رستم ، عن أبي حمزة السكوني ، عن جابر الجعفي ، عن عبدالرحمن بن ثابت (١) قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعقيل : إني لاحبك يا عقيل حبين : حبا لك وحبا لحب أبي طالب لك (٢).

٢ ـ د : ذكر ابن عبدالبر في كتاب الاستيعاب أن مولانا أميرالمؤمنين عليه‌السلام كان أصغر ولد أبي طالب عليه‌السلام كان أصغر من جعفر بعشر سنين ، وجعفر أصغر من عقيل بعشر سنين ، وعقيل أصغر من طالب بعشر سنين (٣).

____________________

(١) في المصدر و ( م ) و ( خ ) : سابط.

(٢) الخصال ١ : ٣٨.

(٣) مخطوط. وتوجد في الاستيعاب ٣ : ٢٦ و ٢٧.

١١٠

٣ ـ ما : أحمد بن محمد بن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن القاسم الاكفاني عن عباد بن يعقوب ، عن أبي معاذ زياد بن رستم بياع الادم ، عن عبدالصمد ، عن جعفر ابن محمد عليهما‌السلام قال : قلت : يا أبا عبدالله حدثنا حديث عقيل ، قال : نعم ، جاء عقيل إليكم بالكوفة وكان علي عليه‌السلام جالسا في صحن المسجد وعليه قميص سنبلاني قال : فسأله ، قال : أكتب لك إلى ينبع ، قال : ليس غير هذا؟ قال : لا ، فبينما هو كذلك إذ أقبل الحسين عليه‌السلام (١) فقال : اشتر لعمك ثوبين ، فاشترى له ، قال : يا ابن أخي ما هذا؟ قال : هذه كسوة أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، ثم أقبل حتى انتهى إلى علي عليه‌السلام فجلس فجعل يضرب يده على الثوبين وجعل يقول : ما ألين هذا الثوب يا أبا يزيد! قال : يا حسن أخد عمك قال : قال : ما أملك صفراء ولا بيضاء ، قال : فمر له ببعض ثيابك ، قال : فكساه بعض ثيابه ، قال : ثم قال : يا محمد أخد عمك ، قال : والله ما أملك درهما ولا دينارا ، قال : اكسه بعض ثيابك.

قال عقيل : يا أميرالمؤمنين ائذن لي إلى معاوية؟ قال : في حل محلل ، فانطلق نحوه ، وبلغ ذلك معاوية ، فقال : اركبوا أفره دوابكم والبسوا من أحسن ثيابكم فإن عقيلا قد أقبل نحوكم ، وأبرز معاوية سريره ، فلما انتهى إليه عقيل قال : معاوية مرحبا بك يا أبا يزيد ما نزع بك؟ قال : طلب الدنيا من مظانها ، قال : وقفت وأصبت قد أمرنا لك بمائة ألف ، فأعطاه المائة الالف : ثم قال : أخبرني عن العسكرين اللذين مررت بهما عسكري وعسكر علي ، قال : في الجماعة اخبرك أو في الوحدة قال : لا بل في الجماعة ، قال : مررت على عسكر علي عليه‌السلام فإذا ليل كليل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونهار كنهار النبي (ص) إلا أن رسول الله (ص) ليس فيهم ، ومررت على عسكرك فإذا أول من استقبلني أبوالاعور وطائفة من المنافقين والمنفرين برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا أن أبا سفيان ليس فيهم! فكف عنه حتى إذا ذهب الناس قال له : يا أبا يزيد أيش صنعت بي؟ قال : ألم أقل لك : في الجماعة أو في الوحدة فأبيت علي؟ قال : أما

____________________

(١) في المصدر : الحسن عليه‌السلام.

١١١

الآن فاشفني من عدوي ، قال : ذلك عند الرحيل ، فلما كان من الغد شد غرائره ورواحله وأقبل نحو معاوية وقد جمع معاوية حوله ، فلما انتهى إليه قال : يا معاوية من ذا عن يمينك؟ قال : عمرو بن العاص ، فتضاحك ، ثم قال : لقد علمت قريش أنه لم يكن أحصى لتيوسها (١) من أبيه ، ثم قال : من هذا؟ قال : هذا أبوموسى ، فتضاحك ، ثم قال : لقد علمت قريش بالمدينة أنه لم يكن بها امرأة أطيب ريحا من قب امه! قال : (٢) أخبرني عن نفسي يا أبا يزيد قال تعرف حمامة؟ ثم سار فألقى في خلد (٣) معاوية ، قال : ام من امهاتي لست أعرفها ، فدعا بنسابين من أهل الشام فقال : أخبراني أو لاضربن أعناقكما ، لكما الامان ، قالا : فإن حمامة جدة أبي ـ سفيان السابعة وكانت بغيا ، وكان لها بيت توفي فيه ، قال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : و كان عقيل من أنسب الناس (٤).

بيان : يقال : أخديته أي أعطيته. والقب بالكسر : العظم الناتئ بين الاليتين.

أقول : قال عبدالحميد بن أبي الحديد : رووا أن عقيلا رحمه‌الله قدم على أميرالمؤمنين عليه‌السلام فوجده جالسا في صحن المسجد بالكوفة (٥) فقال : السلام عليك يا أميرالمؤمنين ، قال : وعليك السلام يا أبا يزيد ، ثم التفت إلى الحسن ابنه (٦) عليهما‌السلام فقال : قم فأنزل عمك ، فقام فأنزله ، ثم عاد إليه فقال : اذهب فاشتر لعمك قميصا جديدا ورداء جديدا وإزارا جديدا ونعلا جديدا ، فذهب فاشترى له ، فغدا عقيل على أميرالمؤمنين عليه‌السلام في الثياب ، فقال : السلام عليك يا أميرالمؤمنين ، فقال : و

____________________

(١) جمع التيس : الذكر من المعز. والضمير راجع إلى قريش.

(٢) في المصدر : ثم قال.

(٣) الخلد ـ بفتحتين ـ : البال والقلب.

(٤) امالى ابن الشيخ : ٨٩ و ٩٠.

(٥) في المصدر : في صحن مسجد الكوفة.

(٦) في المصدر : إلى ابنه الحسن.

١١٢

عليك السلام يا أبا يزيد (١) يخرج عطائي فأدفعه إليك ، فلما ارتحل عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام إلى معاوية (٢) فنصب له كراسيه وأجلس جلساءه حوله ، فلما ورد عليه أمر له بمائة ألف فقبضها ، ثم غدا عليه يوما بعد ذلك وجلساء معاوية حوله ، فقال : يا أبا يزيد أخبرني عن عسكري وعسكر أخيك فقد وردت عليهما ، قال : اخبرك ، مررت والله بعسكر أخي فإذا ليل كليل رسول الله (ص) ونهار كنهار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا أن رسول الله ليس في القوم ، ما رأيت إلا مصليا ولا سمعت إلا قارئا ، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) ليلة العقبة ثم قال : من هذا عن يمينك يا معاوية؟ قال : هذا عمرو بن العاص ، قال : هذا الذي اختصم فيه ستة نفر فغلب عليه جزار قريش ، فمن الآخر؟ قال : الضحاك بن قيس الفهري ، قال : أما والله لقد كان أبوه جيد الاخذ لعسب التيوس (٤) ، فمن هذا الآخر؟ قال : أبوموسى الاشعري ، قال : هذا ابن السراقة! فلما رأى معاوية أنه قد أغضب جلساءه علم أنه إن استخبره عن نفسه قال فيه سوءا ، فأحب أن يسأله ليقول فيه ما يعلمه من السوء فيذهب بذلك غضب جلسائه ، قال : يا أبا يزيد فما تقول في؟ قال : دعني من هذا ، قال : لتقولن ، قال : أتعرف حمامة؟ قال : ومن حمامة يا أبا يزيد؟ قال : قد أخبرتك ، ثم قال (٥) فمضى ، فأرسل معاوية إلى النسابة فدعاه ، قال : من حمامة؟ قال : ولي الامان؟ قال : نعم ، قال : حمامة جدتك ام أبي سفيان ، كانت بغيا في الجاهلية صاحبة راية ، قال معاوية لجلسائه : قد ساويتكم و

____________________

(١) في المصدر بعد ذلك : قال يا أميرالمؤمنين ما اراك اصبت من الدنيا شيئا وانى لا ترضى نفسى من خلافتك بما رضيت به لنفسك ، فقال : يا ابا يزيد اه.

(٢) في المصدر : أتى معاوية.

(٣) في المصدر : و ( م ) و ( خ ) : ممن نفر برسول الله.

(٤) العسب : النسل.

(٥) كذا في النسخ ، والصحيح كما في المصدر ، قام.

١١٣

زدت عليكم فلا تغضبوا (١)!

وقال في موضع آخر : من المفارقين لعلي عليه‌السلام أخوه عقيل بن أبي طالب قدم على أميرالمؤمنين عليه‌السلام الكوفة (٢) يسترفده ، فعرض عليه عطاءه فقال : إنما اريد من بيت المال ، فقال : تقيم لي (٣) يوم الجمعة ، فلما صلى علي الجمعة قال له : ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين؟ قال : بئس الرجل ، قال : فإنك أمرتني أن أخونهم واعطيك ، فلما خرج من عنده شخص إلى معاوية ، فأمر له يوم قدومه بمائة ألف درهم ، وقال له : يا أبايزيد أنا خير لك أم علي؟ قال : وجدت عليا أنظر لنفسه منك ووجدتك أنظر لي منك لنفسك! وقال معاوية لعقيل : إن فيكم يا بني هاشم لينا ، قال : أجل إن فينا للينا من غير ضعف وعزا من غير عنف ، وإن لينكم يا معاوية غدر وسلمكم كفر! وقال معاوية : ولا كل هذا يا أبا يزيد ، وقال الوليد ابن عقبة لعقيل في مجلس معاوية : غلبك أخوك يا با يزيد على الثروة ، قال : نعم و سبقني وإياك إلى الجنة ، قال : أما والله (٤) لو أن أهل الارض اشتركوا في قتله لارهقوا صعودا ، وإن أخاك لاشد هذه الامة عذابا ، فقال : صه! والله إنا لنرغب بعبد من عبيده عن صحبة أبيك عقبة بن أبي معيط!

وقال معاوية يوما وعنده عمرو بن العاص وقد أقبل عقيل : لاضحكنك من عقيل ، فلما سلم قال معاوية : مرحبا برجل عمه أبولهب ، فقال عقيل : وأهلا بمن (٥) عمته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد ، لان امرأة أبي لهب ام جميل بنت حرب

____________________

(١) شرح النهج ١ : ١٨٤ و ١٨٥.

(٢) في المصدر : بالكوفة.

(٣) في المصدر : إلى.

(٤) في المصدر بعد ذلك ، ان شدقيه لمضمومان من دم عثمان ، فقال : وما أنت وقريش والله ما انت فينا الا كنصيح التيس ، فغضب الوليد وقال : والله اه.

(٥) في المصدر : برجل.

١١٤

ابن امية ، قال معاوية يا أبا يزيد : ما ظنك بعمك أبي لهب؟ قال : إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمتك حمالة الحطب ، أفناكح في النار خير أم منكوح؟! قال : كلاهما شر والله (١).

وقال في موضع آخر : عقيل بن أبي طالب هو أخو أميرالمؤمنين عليه‌السلام لابيه وامه ، وكانوا بنو أبي طالب أربعة : طالب وهو أسن من عقيل بعشر سنين ، وعقيل وهو أسن من جعفر بعشر سنين ، وجعفر وهو أسن من علي بعشر سنين ، وعلي عليه‌السلام وهو أصغر هم سنا وأعظمهم قدرا بل وأعظم الناس بعد ابن عمه قدرا ، وكان أبوطالب يحب عقيلا أكثر من حبه سائر بنيه ، فلذلك قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وللعباس حين أتياه ليقسما بنيه عام المحل (٢) فيخففا عنه ثقلهم : دعوا لي عقيلا وخذوا من شئتم ، فأخذ العباس جعفرا وأخذ محمد عليا ، وكان عقيل يكنى أبا يزيد ، قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا يزيد إني احبك حبين : حبا لقرابتك مني وحبا لما كنت أعلم من حب عمي إياك. اخرج عقيل إلى بدر مكرها كما اخرج العباس فاسر وفدي وعاد إلى مكة ، ثم أقبل مسلما مهاجرا قبل الحديبية ، وشهد غزاة مؤتة مع أخيه جعفر ، وتوفي في خلافة معاوية في سنة خمسين ، وكان عمره ست و تسعون سنة ، وله دار بالمدينة معروفة ، وخرج إلى مكة (٣) ثم إلى الشام ثم عاد إلى المدينة ، ولم يشهد مع أخيه أميرالمؤمنين عليه‌السلام شيئا من حروبه أيام خلافته وعرض نفسه وولده عليه فأعفاه ولم يكلفه حضور الحرب ، وكان أنسب قريش و أعلمهم بأيامها ، وكان مبغضا إليهم ، لانه كان يعد مساويهم ، وكانت له طنفسة (٤) تطرح في مسجد رسول الله فيصلي عليها ، ويجتمع إليه الناس في علم النسب وأيام العرب ، وكان حينئذ قد ذهب بصره ، وكان أسرع الناس جوابا وأشد هم عارضة

____________________

(١) شرح النهج ١ : ٤٨١.

(٢) بالفتح فالسكون : انقطاع المطرويبس الارض.

(٣) في المصدر : إلى العراق.

(٤) الطنفسة ـ مثلثة الطاء والفاء ـ : البساط. الحصير.

١١٥

وكان يقال : إن في قريش أربعة ينحاكم إليهم في علم النسب وأيام قريش ويرجع إلى قولهم : عقيل بن أبي طالب ، ومخرمة بن نوفل الزهري ، وأبوالجهم بن حذيفة العدوي ، وحو يطب بن عبدالعزى العامري ، واختلف الناس فيه هل التحق بمعاوية وأميرالمؤمنين عليه‌السلام حي؟ فقال قوم (١) ورووا أن معاوية قال يوما وعقيل عنده : هذا أبويزيد لو لا علمه أني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه ، فقال عقيل : أخي خير لي في ديني وأنت خير لي في دنياي ، وقد آثرت دنيا ، وأسأل الله خاتمه خير. وقال قوم : إنه لم يفد إلى معاوية إلا بعد وفاة أميرالمؤمنين عليه‌السلام و استدلوا على ذلك بالكتاب الذي كتبه إليه في آخر خلافته والجواب الذي أجابه عليه‌السلام به وقد ذكرناه فيما تقدم ، وسيأتي ذكره أيضا في باب كتبه عليه‌السلام ، وهذا القول هو الاظهر عندي.

وروى المدائني قال : قال معاوية يوما لعقيل بن أبي طالب : هل من حاجة فأقضيها لك؟ قال : نعم ، جارية عرضت علي وأبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفا ، فأحب معاوية أن يمازحه ، قال : وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا وأنت أعمى؟ تجتزئ بجارية قيمتها خمسون درهما : قال : أرجو أن أطأها فتلد لي غلاما إذا أغضبته يضرب عنقك! فضحك معاوية وقال : ما زحناك يا بايزيد ، وأمر فابتيعت له الجارية التي أولد منها مسلما رحمه‌الله ، فلما أتت على مسلم ثماني عشرة سنة وقد مات عقيل أبوه قال لمعاوية : يا أميرالمؤمنين إن لي أرضا بمكان كذا من المدينة ، و إني أعطيت بها مائة ألف ، وقد أحببت أن أبيعك إياها ، فادفع إلي ثمنها ، فأمر معاوية بقبض الارض ودفع الثمن إليه ، فبلغ ذلك الحسين عليه‌السلام فكتب إلى معاوية : أما بعد فإنك اغتررت (٢) غلاما من بني هاشم فابتعت منه أرضا لا يملكها ، فاقبض من الغلام ما دفعته إليه واردد علينا أرضنا ، فبعث معاوية إلى مسلم فأخبره ذلك وأقرأه

____________________

(١) اى اعتقد قوم ذلك. وفى المصدر : فقال قوم : نعم.

(٢) في المصدر : غررت.

١١٦

كتاب الحسين عليه‌السلام وقال : اردد علينا مالنا وخذ أرضك فإنك بعت ما لا تملك ، فقال مسلم : أما دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا ، فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه وقال : يا بني هذا والله كلام قاله لي أبوك حين ابتعت له امك ، ثم كتب إلى الحسين عليه‌السلام : إني قد رددت عليكم الارض وسوغت مسلما ما أخذه ، فقال الحسين عليه‌السلام : أبيتم يا آل أبي سفيان إلا كرما.

وفقال معاوية لعقيل : يا أبا يزيد أين يكون عمك أبولهب اليوم؟ قال : إذا دخلت جهنم فاطلبه تجده مضاجعا عمتك ام جميل بنت حرب بن امية. وقالت له زوجته ابنة عتبة بن ربيعة : يا بني هاشم لا يحبكم قلبي أبدا ، أين أبي؟ أين عمي؟ أين أخي؟ كأن أعناقهم أباريق الفضة ترد أنفهم الماء قبل شفاهم ، قال : إذا دخلت جهنم فخذي على شمالك تجدينهم.

سأل معاوية عقيلا رحمه‌الله عن قصة الحديدة المحماة المذكورة ، فبكى وقال : أنا احدثك يا معاوية عنه (١) ثم احدثك عما سألت ، نزل بالحسين ابنه ضيف ، فاستسلف (٢) درهما اشترى به خبزا ، واحتاج إلى الادام ، فطلب من قنبر خادمهم أن يفتح له زقا من زقاق عسل جاءتهم من اليمن ، فأخذ منه رطلا ، فلما طلبها ليقسمها قال : يا قنبر أظن أنه حدث في هذا الزق حدث ، قال : نعم يا أميرالمؤمنين ، و أخبره ، فغضب وقال : علي بحسين ، ورفع الدرة (٣) فقال : بحق عمي جعفر ـ وكان إذا سئل بحق جعفر سكن ـ فقال له : ما حملك إذ أخذت منه قبل القسمة؟ قال : إن لنا فيه حقا ، فإذا أعطيناه رددناه ، قال : فداك أبوك وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم ، أما لولا أني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقبل ثنيتيك لاوجعتك ضربا ، ثم دفع إلى قنبر درهما كان مصرورا في ردائه وقال : اشتر به خير عسل تقدر عليه ، قال عقيل : والله لكأني أنظر

____________________

(١) أى عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام.

(٢) أى اقترض.

(٣) في المصدر : فرفع عليه الدرة.

١١٧

إلى يدي علي وهي على فم الزق وقنبر يقلب العسل فيه ثم شده وجعل يبكي و يقول : اللهم اغفر للحسين فإنه لم يعلم.

فقال معاوية : ذكرت من لا ينكر فضله ، رحم الله أبا حسن فلقد سبق من كان قبله وأعجز من يأتي بعده ، هلم حديث الحديدة ، قال : نعم ، أقويت (١) وأصابتني مخمصة شديدة ، فسألته فلم تند صفاته (٢) فجمعت صبياني وجئته بهم والبؤس والضر ظاهران عليهم ، فقال : ائتني عشية لادفع إليك شيئا ، فجئته يقودني أحد ولدي فأمره بالتنحي ثم قال : ألا فدونك ، فأهويت حريصا قد غلبني الجشع (٣) أظنها صرة ، فوضعت يدي على حديد تلتهب نارا ، فلما قبضتها نبذتها وخرت كما يخور (٤) الثور تحت جازره ، فقال لي : ثكلتك امك هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا فكيف بك وبي غدا أن سلكنا في سلاسل جهنم؟ ثم قرأ « إذ الاغلال في أعناقهم و السلاسل يسحبون » (٥) ثم قال : ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلا ما ترى ، فانصرف إلى أهلك ، فجعل معاوية يتعجب ويقول : هيهات عقمت النساء أن تلد بمثله (٦).

أقول : روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن قتادة أن أروى بنت الحارث بن عبدالمطلب دخلت على معاوية بن أبي سفيان وقد قدم المدينة وهي عجوز كبيرة فلما رآها معاوية قال : مرحبا بك يا خالة كيف كنت بعدي؟ قالت : كيف أنت يا ابن اختي؟ لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة ، وتسميت بغير اسمك

____________________

(١) أى افتقرت.

(٢) الصفاة : الحجر الصلد الضخم. يقال « فلان لا تندى صفاته » أى انه بخيل. والجملة كناية عن امساكه عليه‌السلام عن بذل بيت المال لا خيه عقيل.

(٣) الجشع : اشد الحرص.

(٤) خار البقر : صاح.

(٥) سورة المؤمن : ٧١.

(٦) شرح النهج ٣ : ١٢٠ ـ ١٢٢. وفيه : هيهات هيهات عقمت النساء أن يلدن بمثله.

١١٨

وأخذت غير حقك بلا بلاء كان منك ولا من آبائك في ديننا ولا سابقة كانت لكم ، بل كفرتم بما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأتعس الله منكم الجدود ، وأصعر منكم الخدود ، و رد الحق إلى أهله ، فكانت كلمتنا هي العليا ونبينا هو المنصور على من ناواه ، فوثبت قريش علينا من بعده حسدا لنا وبغيا ، فكنا بحمدالله ونعمته أهل بيت فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ، وكان سيدنا فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى ، وغايتنا الجنة وغايتكم النار ، فقال لها عمرو بن العاص : كفي أيتها العجوز الضالة ، واقصري من قولك مع ذهاب عقلك ، إذ لا تجوز شهادتك وحدك! فقالت : وأنت يا ابن الباغية تتكلم وامك أشهر بغي بمكة ، وأقلهم اجرة! و ادعاك خمسة من قريش ، فسئلت امك عن ذلك فقالت : كل أتاها فانظروا أشبههم به فألحقوه به! فغلب شبه العاص بن وائل جزار قريش ألامهم مكرا وأمهنهم خيرا فما ألومك ببغضنا ، قال مروان بن الحكم : كفي أيتها العجوز واقصدي لما جئت له ، فقالت : وأنت يا ابن الزرقاء تتكلم والله وأنت ببشير مولى ابن كلدة أشبه منك بالحكم بن العاص! وقد رأيت الحكم سبط الشعر مديد القامة ، وما بينكما قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الاتان المقرف! فاسأل عما أخبرتك به امك فإنها ستخبرك بذلك ، ثم التفتت إلى معاوية فقالت : والله ما جرأ هؤلاء غيرك ، وإن امك القائلة في قتل حمزة :

نحن جزيناكم بيوم بدر

والحرب بعد الحرب ذات السعر

إلى آخر الابيات ، فأجابتها ابنة عمي :

خزيت في بدر وغير بدر

يا بنت وقاع عظيم الكفر

إلى آخر الابيات ، فالتفت معاوية إلى مروان وعمرو وقال : والله ما جرأها علي غيركما ، ولا أسمعني هذا الكلام سواكما ، ثم قال : يا خالة اقصدي لحاجتك ودعي أساطير النساء عنك ، قالت : تعطيني ألفي دينار وألفي دينار ، قال : ما تصنعين بألفي دينار؟ قالت : أزوج بها فقراء بني الحارث بن عبدالمطلب ، قال :

١١٩

هي كذلك ، فما تصنعين بألفي دينار؟ قالت : أستعين بها على شدة الزمان وزيارة بيت الله الحرام ، قال : قد أمرت بها لك ، فما تصنعين بألفي دينار؟ قالت : أشتري بها عينا خرارة في أرض حوارة تكون لفقراء بني الحارث بن عبدالمطلب ، قال : هي لك يا خالة ، أما والله لو كان ابن عمك علي ما أمر بها لك ، قالت : تذكر عليا فض الله فاك وأجهد بلاك ، ثم علا نحيبها وبكاؤها وجعلت تقول :

ألا ياعين ويحك فاسعدينا

ألا فابكي أميرالمؤمنينا

رزئنا خير من ركب المطايا

وجال بها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها

ومن قرأ المثاني والمئينا

إذا استقبلت وجه أبي حسين

رأيت البدر راق الناظرينا

ألا فابلغ معاوية فجعتمونا

بخير الخلق طرا أجمعينا

مضى بعد النبي فدته نفسي

أبوحسن وخير الصالحينا

كأن الناس إذ فقدوا عليا

نعام جال في بلد سنينا

فلا والله لا أنسى عليا

وحسن صلاته في الراكعينا

لقد علمت قريش حيث كانت

بأنك خيرها حسبا ودينا

فلا يفرح معاوية بن حرب

فإن بقية الخلفاء فينا

قال : فبكى معاوية ثم قال : يا خالة لقد كان كما قلت وأفضل.

بيان : الخرير : صوت الماء أي عينا يكون لمائها صوت لكثرته. والحوارة لعلها من الحور بمعنى الرجوع ، أي ترجع كل سنة إلى إعطاء الغلة ، وفي أكثر النسخ بالخاء المعجمة ، والخوار : الصوت والضعف والانكسار ، ولا يستقيم إلا بتكلف.

٤ ـ قب : إخوته عليه‌السلام طالب وعقيل وجعفر وعلي أصغرهم ، وكل واحد منهم أكبر من أخيه بعشر سنين بهذا الترتيب ، وأسلموا كلهم وأعقبوا إلا طالب ،

١٢٠