أصول الفقه - ج ٣

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٣

ثم إنّ في الفرق بين الصورتين ـ أعني صورة تقدم النجاسة والعلم بها على الاشتغال بالصلاة ، وصورة التأخر عن الصلاة ـ في عدم جواز قطع الصلاة في الثانية دون الاولى تأملا ، فانّ دخوله في الصلاة في الثانية وإن لم يكن بطريق الترتب ، إلاّ أنّه بعد أن دخل ووقعت النجاسة في الأثناء يقع التزاحم بين الإتمام وإزالة النجاسة ، إلاّ أن يدعى أنّ الإتمام أهم.

ولا يخفى أن العبارة في الطبعة الثانية قد غيّرت عن الطبعة الاولى بما يمكن أن يكون غلطا مطبعيا ، فلاحظ قوله : « فلا يتحقق حينئذ عصيان خطاب الصلاة » (١). ولعلّ الأولى إبداله بـ « خطاب الإزالة » فلاحظ.

قوله : فرع : لا إشكال في جواز أخذ الماء من الآنية المغصوبة أو الذهب والفضة إذا كان بعنوان التخليص ، والمراد به هو ما إذا كان الماء مملوكا لمن يريد التصرف ... الخ (٢).

قال قدس‌سره فيما حررته عنه : إنّهم ذكروا أنّه إذا كان تفريغ الآنية المغصوبة من الماء بعنوان التخلّص لم يكن محرما. وربما يتوهم أنّ التخلّص يتحقق بالنية ، ولا يخفى ما فيه ، إذ لا مدخل للنية والقصد في إخراج التصرف في ملك الغير عن كونه تصرفا فيه الذي عليه يدور التحريم ، بل إنّ الغرض من عنوان التخلّص أمر آخر ، وهو أنّه إذا كان الماء الموجود في الآنية المغصوبة ملكا له ، وكان إيجاده في تلك الآنية بغير اختياره بأن كان بفعل الغير ، صحّ له تفريغ تلك الآنية بل وجب ، وكان ذلك تخليصا للآنية المذكورة ، انتهى.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١٠٠.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ١٠٠ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسخة المحشاة ].

٤٢١

قلت : لكن الظاهر أنّه لا بدّ في ذلك من كونه بنية التخليص وبداعيه ، إذ لو كان بقصد التصرف كان حراما على الظاهر.

ثم إنّه إنّما يكون واجبا إذا أذن المالك للآنية بتفريغها ، أمّا مع عدم الإذن ففيه إشكال تأتي الإشارة إليه (١).

أمّا ما يكون في آنية الذهب والفضة فانّ المدار في وجوبه على كون بقائه استعمالا لها ، أمّا مع عدم كون بقائه استعمالا لها فلا يجب ، لكن إذا كان الأخذ يعدّ استعمالا كان حراما ، وإن لم يكن يعدّ استعمالا بل كان من مجرد التفريغ والتخليص كان الأخذ جائزا.

قوله : فانّه يجوز التصرف فيها ، بعموم « الناس مسلطون على أموالهم » (٢) ... الخ (٣).

فيه تأمل ، فانّ حديث السلطنة وإن كان مقتضاه جواز أخذه ذلك الماء ، إلاّ أنّه معارض به في ناحية صاحب الآنية ، إلاّ أن يكون هو أعني صاحب الآنية هو الذي أوجد الماء في آنية نفسه.

والحاصل : أنّ واضع الماء في الإناء إن كان هو صاحب الماء حرم عليه أخذه منه بل وتخليص الإناء ، لأنّه لا يخرج عن كونه تصرفا في الإناء ، إلاّ إذا أذن مالك الإناء بالتخليص فيجوز أو طلبه فيجب. وإن كان الواضع هو صاحب الإناء جاز تفريغه لصاحب الماء ، وهنا مورد حديث السلطنة. وإن كان الواضع غيرهما لم يكن لأحدهما تخليص ماله إلاّ بأذن صاحبه.

__________________

(١) في الحاشية الآتية.

(٢) بحار الأنوار ٢ : ٢٧٢ / ٧.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ١٠٠ ـ ١٠١ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٤٢٢

قوله : فلا يجب الوضوء على تقدير عدم التمكن من ماء آخر ... الخ (١).

ويلزمه حينئذ التيمم. أمّا لو كان له ماء آخر فلا إشكال في أصل وجوب الوضوء عليه. وهل يصح أن يتوضأ من تلك الآنية تدريجا؟ الظاهر الصحة وإن فعل حراما في الاغتراف ، لكن ليس ذلك من قبيل الترتب.

نعم ، لو كان الماء الآخر بعيدا عنه ، بحيث إنّه لو شرع في الوضوء من هذه الآنية وأراد إتمامه من الماء الآخر لذهبت الموالاة ، فالظاهر عدم صحة وضوئه منها ، لأنّه لا يقدر على إتمامه. فهو في أول غرفة وإن عصى إلاّ أنّه لا يمكنه أن يغسل بها وجهه للوضوء ، إذ لا تتأتى منه نية إتمام الوضوء ، لعدم تمكّنه من إتمام ذلك الوضوء إلاّ بالعصيان الثاني ، وترتب الأمر بالإتمام على العصيان فرع صحة نيته إتمام الوضوء من حين ابتداء غسل وجهه. والحاصل : أنّه في هذه الصورة لا يصح وضوءه من تلك الآنية ، ولكن لا يكون حكمه الانتقال إلى التيمم ، بل يكون حكمه هو لزوم الوضوء من الماء الآخر.

نعم لو كان الماء الآخر موجودا أمامه ، بحيث لا يكون انتقاله من الوضوء من هذه الآنية إلى الآنية الاخرى المباحة مفوّتا للموالاة ، كان وضوءه من الآنية المغصوبة صحيحا إن لم نقل ببطلانه من ناحية كون نفس الوضوء تصرفا فيها ، كما أشار إليه السيد في العروة بقوله : « مطلقا » (٢). وعلّق

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١٠١.

(٢) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ١ : ٣٠٣ / مسألة (١) من مسائل حكم الأواني.

٤٢٣

عليه شيخنا قدس‌سره بقوله : « الصحة مع عدم الانحصار أقوى والتجنب أحوط » (١). وقد تعرضنا لذلك أيضا في الشرط الرابع من شرائط الوضوء (٢) فراجع.

والحاصل : أنّه في صورة عدم الانحصار يحكم السيد ببطلان الوضوء ، لأنّه بنفسه استعمال للمغصوب ، وشيخنا يقول إنّ الحرام هو نفس الاغتراف دون الوضوء ، فلا يكون وضوءه باطلا.

ونظير هذا الخلاف بينهما الخلاف في مسألة آنية الذهب والفضة فيما لو كان السماور مثلا من أحدهما ، فانّ السيد قدس‌سره (٣) يحكم بأنّ الشرب استعمال ، فيكون نفس الشرب حراما. وشيخنا قدس‌سره (٤) لا يرى ذلك ، بل إنّ نفس الشرب منه مباح وإنّما الحرام هو مقدمته ، فراجع باب الأواني متنا وحاشية.

وسيأتي إن شاء الله تعالى (٥) في باب اجتماع الأمر والنهي التمثيل لبعض صوره ـ وهو ما يكون متعلق الوجوب من مقولة ومتعلق النهي متمما لتلك المقولة ـ بالوضوء من آنية الذهب والفضة ومن الآنية المغصوبة. ولعل ذلك في صورة الوضوء الارتماسي ، أو هو مبني على ما ذكره السيد قدس‌سره فراجع وتأمل. والمتعين هو الحمل على الوضوء الارتماسي كما صرّح به

__________________

(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ١ : ٣٠٣ / مسألة (١) من مسائل حكم الأواني.

(٢) الظاهر أنه قدس‌سره يقصد بذلك ما حرره في الفقه.

(٣) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ١ : ٣١٠ / ذيل مسألة (١) من مسائل حكم الأواني.

(٤) المصدر المتقدم.

(٥) أجود التقريرات ٢ : ١٤٨ ـ ١٤٩.

٤٢٤

في حاشية العروة (١) وبنحوه صرّح في الوسيلة (٢).

لكن بقي إشكال في غير الوضوء الارتماسي ، فانّه مزاحم بالحرام ، وهو سالب للقدرة على ذلك الفرد من الوضوء ، كما أنّ مزاحمة الصلاة بالإزالة موجب لسلب القدرة على ذلك الفرد من الصلاة ، غايته أنّ الفردية في مثال الصلاة والإزالة طولية ، وفي باب الوضوء والاغتراف من الآنية المغصوبة عرضية ، وقد تقرّر أنّ سلب القدرة في باب الطهارة يوجب بطلانها. اللهم إلاّ أن يقال : إنّه يكفي في الصحة الأمر بالطبيعة وإن كانت منحصرة في غير ذلك الفرد. وفيه تأمّل ، لأنّ ذلك راجع إلى ما أفاده المحقق الثاني (٣) ، وقد منعه شيخنا قدس‌سره (٤) فتأمل.

ثم لا يخفى أنّه لا فرق فيما نحن فيه في الوضوء الارتماسي بين كون نية الوضوء في حال الارتماس ولو بسحب اليد وهي في الماء ، أو كونه في حال الإخراج. أمّا الأوّل فواضح ، وأمّا الثاني فلأنّ النية إنّما هي بالنسبة إلى حال خروج كل قطعة ، وذلك هو مورد النهي ، إذ لا تكون النية في الخارج بعد خروجه ، فتأمّل.

ومما ينبغي الالتفات إليه هو أنّ تدرج الاغتراف من الآنية المغصوبة مثلا لو صحّحناه بالترتب فليس هو من قبيل الترتب المعروف ، الذي يكون فيه عصيان الأهم مقارنا لفعل المهم ، بل يكون فيه فعل المهم متأخرا عن عصيان الأهم ، فهو نظير قولك : إن عصيت وسلكت الأرض المغصوبة

__________________

(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ١ : ٣١٣ / ضمن المسألة ١٤ من حكم الأواني.

(٢) وسيلة النجاة : ٥.

(٣) جامع المقاصد ٥ : ١٣ ـ ١٤.

(٤) أجود التقريرات ٢ : ٢٣ وما بعدها.

٤٢٥

ووصلت إلى المسجد فأزل النجاسة عنه.

قوله : والالتزام بشرطية عنوان التعقب قد عرفت أنّه يدور مدار قيام الدليل عليه ، ولم يقم في غير مورد الاشتراط بالقدرة دليل على ذلك ... إلخ (١).

قد يشكل على ما أفاده قدس‌سره من أنّ عصيان التكليف المتأخر غير راجع إلى شرطية القدرة فلا يتأتى فيه ما تقدم من كون العنوان المنتزع هو الشرط ، بما حاصله : أنّه بعد فرض عدم القدرة على امتثال كلا التكليفين يكون لعدم امتثال كل منهما مدخلية في القدرة على امتثال الآخر. وكون القيام السابق مقدورا وجدانا لا ينفع ، حيث إنّ كل مزاحم بغيره يكون في حد نفسه مقدورا وجدانا. ولعلّ ما في الحاشية (٢) في هذا المقام راجع إلى هذا الإشكال.

وكيف كان ، فلا بدّ حينئذ من توجيه ما أفاده قدس‌سره بحيث لا يتوجه عليه الإشكال المزبور ، بأن يقال : إنّ اشتراط كل من التكليفين المتزاحمين بعدم امتثال الآخر إنّما يحكم به العقل من جهة اطلاعه على أنّ بقاء إطلاقهما هو الذي يؤدي إلى المحالية ، أعني طلب الجمع وتكليف ما لا يطاق ، فإذا كان عصيان أحدهما مقارنا للآخر أو كان العصيان متقدما عليه كان داخلا في مورد حكمه المزبور ، أمّا إذا كان العصيان متأخرا عن التكليف المزاحم فلا يمكن للعقل أن يجعله شرطا في توجه التكليف السابق ، لحكمه باستحالة الشرط المتأخر ، ولا يمكنه أيضا أن يجعل الشرط هو العنوان المنتزع ، أعني كونه بحيث يتعقبه عصيان التكليف السابق لاحتياج ذلك إلى الدليل ،

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١٠٣ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٠٣.

٤٢٦

والعقل لا يرجح هذا الوجه على حكمه باسقاط التكليف السابق بقول مطلق ، بل إنّ العقل يعيّن الوجه الثاني ، وهو إسقاط الخطاب بالقيام السابق بالمرة ، لأنّ تقييده بالعنوان المنتزع من العصيان المتأخر يوجب تقييده بعصيان حفظ القدرة للثاني ، إذ لا يمكن أن يقيد بعنوان عصيان المتأخر أو بالعنوان المنتزع منه مع بقائه مطلقا من ناحية لزوم حفظ القدرة للثاني ، وحينئذ يكون التكليف بالقيام الأول مقيدا بعصيان التكليف بالقيام الثاني وعصيان لزوم حفظ القدرة له ، وذلك موجب للوقوع في المحال الذي أشار إليه شيخنا قدس‌سره ، هذا.

مضافا إلى أنّ أخذ العنوان المنتزع شرطا لا يكون موجبا لرفع المطاردة كما تقدم (١) منه قدس‌سره في الجواب عمن أخذ الشرط هو العنوان المنتزع من تحقق العصيان فيما بعد فرارا عن اجتماع الشرط والتكليف المشروط به في زمان واحد.

نعم ، يمكن أخذ العنوان المنتزع شرطا في التكليف السابق من باب شرطية القدرة ، لكن ذلك في مقام آخر وهو ما تقدم (٢) فيما لو كان المهم المعلّق على عصيان الأهم تدريجيا مركبا من أجزاء ارتباطية كما في مثل الصلاة ، بحيث تكون القدرة على الجزء الثاني منها شرطا في توجّه التكليف بالجزء الأول كما هي شرط في توجه التكليف بالجزء الثاني أيضا ، ففي مثل ذلك نقول إنّ عصيان الأمر بالأهم لمّا كان له المدخلية في تحقق القدرة على امتثال الجزء الثاني من المهم ، التي هي حسب الفرض شرط

__________________

(١) [ لاحظ أجود التقريرات ٢ : ٦٥ ـ ٦٦ ، فان الذي يظهر منه هناك أن أخذ العنوان المنتزع على تقدير القول به يرفع المطاردة ، ولعل « لا » في هذه العبارة من سهو القلم ].

(٢) راجع أجود التقريرات ٢ : ٩٨ ـ ٩٩.

٤٢٧

في توجه التكليف بالجزء الأوّل منه ، وكانت شرطية القدرة على الجزء الثاني في التكليف بالجزء الأوّل مأخوذة على نحو العنوان المنتزع ، فلا جرم يكون مدخلية عصيان الأهم في حال الجزء الثاني بالنسبة إلى التكليف بالجزء الأوّل من قبيل العنوان المنتزع.

ولعل مراده قدس‌سره من عدم رجوع العصيان إلى شرطية القدرة هو نفي ذلك المعنى ، أعني نفي كون العصيان فيما نحن فيه من قبيل العصيان في تلك المسألة ، أعني مسألة كون المهم مركبا من أجزاء ارتباطية تدريجية ، يعني أنّ العصيان فيما نحن فيه ليس من ذلك القبيل من العصيان ، كي يقال إنّ الدليل على أخذ العنوان المنتزع منه شرطا في التكليف السابق هو العقل الحاكم باعتبار القدرة.

والحاصل : أنّ التكليف بكل جزء من أجزاء الواجب التدريجي يكون مشروطا بالقدرة الموقوفة على عصيان الأهم ، وحيث إنّ التكليف بالجزء الأوّل مشروط بالقدرة على الجزء الأخير ، يكون اشتراط وجوب الجزء الأوّل بالعصيان في حاله من باب الترتب. أمّا اشتراطه بالعصيان في حال الجزء الأخير فليس هو من وادي الترتب ، بل هو من وادي اشتراطه بالقدرة على الجزء الأخير ، وهي من باب العنوان المنتزع. وهذا بخلاف اشتراط وجوب القيام في الركعة الاولى ، فإنّه ليس من وادي القدرة ، بل من وادي الترتب ، فلا يمكن أن يكون هو ـ أعني عصيان القيام المتأخر ـ بنفسه شرطا ، لكونه من الشرط المتأخر ، ولا يكون الشرط حينئذ هو العنوان المنتزع لكونه متوقفا على الدليل.

وبالجملة : أنّ كل ما يكون التكليف بالجزء الأخير متوقفا عليه

٤٢٨

ومربوطا به يكون التكليف بالجزء الأول متوقفا عليه ومربوطا به ، لأجل الارتباطية بين الأجزاء تكليفا وامتثالا ، فلا بدّ أن يكون ذلك من قبيل العنوان المنتزع. وهذا بخلاف عصيان التكليف بالجزء بالقيام الثاني ، فانّه لا دليل يلجئنا أن نجعل التكليف بالقيام الأول متوقفا عليه كي نلتزم بكون ذلك من قبيل العنوان المنتزع. وعصيان الإزالة في حال الجزء الأخير من الصلاة بالنسبة إلى الجزء الأوّل منها من قبيل النحو الأول ، فلا بدّ أن يكون مدخليته في الجزء الأوّل بنحو عنوان التعقب.

ثم لا يخفى أنّ لازم ما أفاده قدس‌سره من استحالة كون التكليف بالمهم الذي هو القيام المتقدم مترتبا على عصيان الأهم الذي هو القيام المتأخر ، هو عدم صحّة تقييد كل من التكليفين بعدم متعلّق الآخر في صورة تساويهما ، بل بناء عليه يتعيّن بقاء الأمر بالقيام الأوّل بحاله ، لعدم إمكان تقييده بعدم امتثال الأمر بالثاني ، غايته أن يتقيد الأمر بالثاني بعدم امتثال الأوّل.

لكن النتيجة بين هذه الطريقة والطريقة التي أفادها قدس‌سره من تقييد كل منهما بعدم الآخر واحدة ، وهي أنّه لا يجوز له ترك القيام الأول. ولو فرض أنّه تركه عصيانا ولم يكن تركه موجبا لبطلان أصل العمل كما في القيامين في الصلاة ، كان ذلك موجبا لتعين الثاني عليه ، كما في اليومين من شهر رمضان إذا فرض أنّه لا يقدر على صومهما معا.

ثم بعد البناء على جريان الترتب في القيام المتقدم لا ينبغي الريب في إمكان تصحيحه بالملاك ، وكونه بنفسه مصداقا لتفويت القدرة على القيام الثاني لا يوجب سقوطه عن الملاكية ، بل ولا المحبوبية النفسية ، لما تقدّم مرارا من أنّ هذا النحو من التكليف ـ أعني التكليف بحفظ القدرة والمنع

٤٢٩

عن تضييعها ـ ليس هو من التكاليف النفسية الناشئة عن ملاكات خاصة بها ، إذ لا ملاك لها إلاّ ملاك ذيها الذي تحفظ القدرة له ، فتأمّل.

ثم لا يخفى أنّ الحجر الأساسي في منع الترتب في مثل ما نحن فيه من الطوليين كالقيامين هو لزوم حفظ القدرة للثاني الذي هو الأهم ، وهذا أعني لزوم حفظ القدرة إنّما يتأتى فيما لو كان الثاني متأخرا عن الأوّل ، وحينئذ لا يجري هذا الإشكال في أصل مسألة الترتب بأن يقال إنّ الأهم يلزم حفظ القدرة له وصرفها فيه ، فلا يعقل أن يكون الأمر بالمهم مشروطا بعدم امتثال الأهم ، لكونه موجبا لكونه مشروطا بعدم امتثال حفظه القدرة للأهم ، وهو أعني كون الأمر بالمهم مشروطا بعدم امتثال الأمر بحفظ القدرة وصرفها في الأهم بصرفها في غيره ، وذلك الغير إن كان هو المهم كان تحصيل الحاصل ، وإن كان غيره كان من التكليف بما لا يطاق. ومنشأ عدم جريانه هو ما عرفت من أنّ حفظ القدرة لا يتأتى في ذلك ، إذ ليس لزوم صرف القدرة في الأهم إلاّ عبارة عن لزوم الإتيان بالأهم ، فتأمل.

ومن ذلك كلّه يظهر لك الجواب عمّا تضمنته الحاشية من أنّه لا حاجة إلى الالتزام بالترتب بالنسبة إلى لزوم حفظ القدرة ... إلخ (١) ، فانّه قد اتضح لك أنّه الحجر الأساسي في المزاحمة وأنّه يتوجّه قهرا ، فلا بدّ من إصلاحه ، وأنّ الترتب بالقياس إليه غير ممكن ، وهو العمدة في عدم تأتي الترتب في هذه المسألة ، فراجع وتأمّل.

وخلاصة الفرق : هي أنّا في مسألة الترتب المعروف بين الإزالة والصلاة لم يكن التزامنا بأخذ العنوان المنتزع من العصيان المتأخر ناشئا عن

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٠٣ ( نقل بالمضمون ).

٤٣٠

مجرد عدم إمكان الجمع بينهما وإمكان الجمع بين أحدهما وعدم الآخر ، كي يكون ذلك بعينه جاريا في الترتب بين القيام الأول والقيام الثاني ، بل إنّ التزامنا بذلك في مسألة الصلاة والإزالة كان لخصوصية في نفس الصلاة وإن لم يكن في البين أمر بالإزالة ولا تزاحم ولا ترتب ، وذلك من جهة الارتباطية بين أجزاء الصلاة القاضية بأنّ القدرة على الجزء الأخير منها شرط في وجوب الجزء الأول مع فرض توجه الأمر بها ، فانّ ذلك يلجئنا للقول بأنّ العنوان المنتزع من القدرة المتأخرة شرط في وجوب الجزء الأول ، غاية الأمر أنّه عند الابتلاء بالمزاحم الأهم الذي هو الإزالة يكون القدرة على الجزء الأخير من الصلاة متولدا عن عصيان الإزالة وعدم الإتيان بها في ذلك [ الحال ](١) ، فلأجل ذلك يصح لنا التعبير بأنّ الأمر بالجزء الأول من الصلاة مشروط بالتعقب بعصيان الإزالة.

وهذا بخلاف ما نحن فيه من ترتب القيام الأول على ترك القيام الثاني عند فرض كون الثاني أهم ، فإنّ الالتزام بالتعقب لا دليل عليه ، لإمكان سقوط الأمر بالأول بتاتا ، وجعله مشروطا بالتعقب بعصيان الثاني يحتاج الى دليل. نعم لو ثبت الأمر بالأول مع فرض كون الثاني أهم وفرض عدم القدرة على الجمع بينهما ، لالتزمنا بكون الامر بالأول مشروطا بالعنوان المنتزع من عصيان الثاني المتأخر.

ثم مع قطع النظر عن عدم الدليل على ذلك نقول : إنّه غير نافع في حصول القدرة على القيام الأوّل ، وذلك لوجود مزاحم ثالث وهو حكم الشارع بلزوم حفظ القدرة للثاني ، بناء على كونه من متمم الجعل الجاري

__________________

(١) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة المعنى ].

٤٣١

في الواجب قبل حصول زمانه ، فلا بدّ من إصلاح الأمر بالقيام الأول مع الأمر بحفظ القدرة للثاني بالترتب أيضا ، وهو مستلزم لطلب الحاصل أو لطلب المحال.

ومن ذلك يتضح لك أنّ هذا الإشكال لا يتأتى في الترتب بين العرضيين مثل الإزالة والصلاة ، إذ ليس هناك إلاّ حكم العقل بلزوم صرف القدرة في متعلق التكليف ، وليس هو إلاّ عبارة عن وجوب الإطاعة ، وهو بخلاف ما لو كان الثاني متأخرا عن الأول ، فانّ حفظ القدرة فيه يكون واجبا شرعيا نفسيا بالغير كما حققه في المقدمات المفوتة (١). فلو سلّمنا ذلك الوجوب كنّا فيما نحن فيه محتاجين الى أخذ وجوب القيام الأول مشروطا بعدم حفظ القدرة للثاني ، وهو موجب لطلب الحاصل أو طلب المحال كما شرحه قدس‌سره (٢).

ومن ذلك يتضح لك عدم ورود شيء من الحواشي على ما أفاده قدس‌سره فلاحظ وتأمل.

نعم ، إنّ في المقام أمرا آخر وهو عدم صحة قول الآمر : إن عصيت الأمر بالقيام الثاني فاحفظ قدرتك ، بحيث يكون الأمر بحفظ القدرة للتكليف الآتي واردا في صورة عدم صرف القدرة فيه. وما ذلك إلاّ من قبيل ما تقدم في المقدمة الموصلة من رفع حرمة السلوك في الأرض المغصوبة في صورة عدم إنقاذ الغريق ، وسيأتي الكلام في تأتي الترتب في مثل ذلك إن شاء الله تعالى في الأمر الثالث (٣).

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ١٠٥.

(٣) [ الظاهر أن مراده قدس‌سره بذلك هو القسم الثالث من أقسام الترتب وهو المذكور في الطبعة الحديثة من أجود التقريرات بعنوان القسم الثاني ، وعلى أي حال فينبغي مراجعة الحواشي الثلاث التالية ].

٤٣٢

وإن شئت فقل : إنّ حفظ القدرة وإن قلنا بوجوبه من باب متمم الجعل ، إلا أنّه ليس وجوبا مستقلا في عرض وجوب الفعل الآتي ، إذ ليس له عصيان وعقاب مستقل ، بل ليس هو إلاّ وجودا ظليا لوجود التكليف الآتي ، فلا يكون مؤثرا في مرتبة عصيان التكليف الآتي.

وحينئذ لم يبق في تحقق الترتب إلاّ إشكال عدم الدليل على أخذ العنوان المنتزع من العصيان المتأخر. ويمكن التخلّص منه بأنّا عند صورة التعقب بعصيان التكليف الآتي يكون الملاك في التكليف الفعلي متحققا ، فيمكننا استكشاف التكليف بالقيام الأول نظرا الى تحقق ملاكه في صورة كون المكلّف ممن يعصي الأمر بالقيام الآتي.

وهذه الطريقة ـ أعني طريقة استكشاف الأمر بالملاك ـ وإن أمكن سلوكها في البرهان على الترتب حتى في مثل الإزالة والصلاة ، بأن يقال إنّه عند عصيان الإزالة يكون ملاك الصلاة متحققا ، فنستكشف به أمر الشارع بالصلاة عند عصيان الأمر بالإزالة أمرا جديدا مشروطا بعدم الإزالة ، من دون حاجة إلى التمسك بالأمر الأول والالتزام بتقييده ، إلاّ أنّ ذلك في مثل الإزالة والصلاة تبعيد للمسافة من دون داع ، فانّ الأمر بالصلاة المشروط بعدم الإزالة إن لم يكن منافيا للأمر بالإزالة كفى فيه الأمر الأول ، ولا حاجة الى تكلّف هذه الطريقة. وإن كان منافيا له لم تكن الطريقة المذكورة مصلحة له ودافعة للمنافاة. وهذا بخلاف مثل القيام الأول والقيام الثاني ، إذ ليس المطلوب فيهما إلاّ الدليل على الأمر المشروط.

٤٣٣

قوله : أمّا الأوّل فلأنّ لازم الخطاب الترتبي في المقام وإن كان هو الالتزام بشرطية عنوان التعقب ، إلاّ أنّها بمقتضى حكم العقل كما في موارد الاشتراط بالقدرة ... إلخ (١).

توضيح ذلك : أنّه بعد الفراغ عن حرمة المقدّمة ذاتا ، والفراغ عن أهمية الواجب وسقوط حرمتها الذاتية لأجل ذلك ، وبعد الفراغ عن أنّ ما هو الواجب من المقدّمة لا يمكن أخذ قيد الإيصال فيه ولا يمكن أخذ قيد قصد التوصل فيه ، ولا يمكن القول أيضا بأنّ الواجب هو الذات التي تكون توأما مع الإيصال الى الواجب ، ولا يمكن أيضا أخذ إرادة فعل الواجب قيدا في وجوبها ، كل هذه التوجيهات قد فرغنا عن إبطالها.

وبعد ذلك كلّه قد بقينا في قبال ذلك الذوق الفقهي ، الذي كان محصّله هو استبشاع الذوق الحكم على سلوك الأرض المغصوبة بأنّه واجب حتى في مورد يكون سلوكها لأجل التنزّه أو تعمّد الغصب لا لأجل إنقاذ ذلك الغريق ، لم يكن لنا حينئذ بد من دفع ذلك الاستبشاع بأن نقول : إنّ السلوك الذي لا يتعقبه الإنقاذ يكون حراما ، فتكون الحرمة مترتبة على تقدير عدم الإنقاذ ، وهذا هو معنى الترتب في حرمة السلوك ، بأن نقول : إنّه إذا عصى ولم ينقذ ذلك الغريق يكون سلوكه في تلك الأرض حراما ، وحيث إنّ ظرف العصيان متأخر عن ذلك السلوك فتكون حرمته سابقة على العصيان ، ويكون من باب الشرط المتأخر ، ويكون اللازم حينئذ هو الالتزام بكون الشرط هو عنوان التعقب بالعصيان.

وهو وإن كان محتاجا الى الدليل إلاّ أنّه يكفي في الدليل عليه ما

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١١٠ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٤٣٤

ذكرناه من دفع الاستبشاع المذكور ، بعد أن كانت الوجوه التي يتخيّل دفعها له كلّها باطلة عقلا ، فلم يبق بأيدينا إلاّ هذا الوجه المفروض إمكانه بعد ما عرفت من أنّ وجوب المقدمة يكون هادما لموضوع حرمتها ، كما أنّ حرمتها لا تعرض لها بوضع ذلك الموضوع ، الى آخر ما حررناه في إمكان الترتب في هذه المسألة (١) ، وإمكان الجمع بين الوجوب المذكور وبين الحرمة المعلّقة على عصيان الأمر بذي المقدمة ، فانّك بعد أن عرفت إمكان ذلك لم يبق عندنا إلاّ المطالبة بالدليل على أخذ عنوان التعقب شرطا ، وما ذكرناه من إبطال الوجوه السابقة مع ذلك الاستبشاع كاف في الدليل عليه ، وحينئذ فما نحن فيه وإن لم يكن من باب القدرة إلاّ أنّه نظيره في لزوم الالتزام به بعد الفراغ عن الأمور المذكورة ، فلاحظ وتأمل.

وينبغي أن يعلم أنّا في هذا المقام بصدد توجيه ما أفاده شيخنا قدس‌سره من أنّه بعد الفراغ عن إبطال الوجوه السابقة في المقدمة الموصلة لا بد من الالتزام بالترتب ، المبني على أخذ عنوان التعقب بالعصيان شرطا في حرمة المقدمة المذكورة ، فلا يكون ما حررناه هنا منافيا لما حررناه هناك (٢) من أنّ الأقوى هو مسلك الشيخ قدس‌سره (٣) من كون الواجب الغيري من المقدمة ما يكون واقعا بقصد التوصل به الى ذيها ، بناء على ما حررناه في مبحث التعبدي والتوصلي من أصالة التعبدية ، نظرا الى تقيد الواجب قهرا بما يكون بقصد الامتثال ، وأنّ ما يكون بغير هذا القصد لا ينطبق عليه الواجب وإن كان هو مسقطا عنه.

__________________

(١) راجع ما تقدم في الصفحة : ٦٧.

(٢) لاحظ الصفحة : ٧٨ ـ ٧٩ ، فانه قدس‌سره قوّى مسلك الشيخ قدس‌سره أوّلا ثم تأمّل فيه.

(٣) مطارح الأنظار ١ : ٣٥٣ وما بعدها.

٤٣٥

كما أنّا حررنا هناك أعني في المقدمة الموصلة أنّ ما أفاده شيخنا قدس‌سره في توجيه ما نقله عن صاحب الحاشية من أنّ الواجب هو المقدمة من حيث الإيصال وإن لم تكن مقيدة بالإيصال ، ظاهره الانطباق على دعوى كون الواجب من المقدمة هو الذات التي تكون توأما مع الإيصال ، لا أنّها تكون مقيّدة بالإيصال ، وإن قلنا إنّ نفس كلام صاحب الحاشية غير ظاهر في ذلك ، بل إنّ ظاهره هو إخراج المقدمة التي اتفق عدم القدرة على ذيها ، فراجع ما نقلناه هناك عن صاحب الحاشية ، وراجع ما علّقناه في شرح مراده من تلك العبارة (١).

ولا يخفى أنّ ما أفاده شيخنا قدس‌سره في ذلك المقام (٢) في شرح مراد صاحب الحاشية هو عين ما أفاده قدس‌سره هنا من كون وجوب المقدمة واقعا في طريق الإيصال الى ذيها ، وكونه واقعا في رتبة وجوب ذي المقدّمة.

والحاصل : أنّ لازم كون وجوب المقدمة واقعا في طريق الإيصال الى ذيها هو انحصاره في الذات التي تكون توأما مع وجود ذي المقدمة ، ومعه لا حاجة الى الالتزام بترتب حرمتها على عصيان الأمر بذيها ، بل إنّ لازم ذلك هو انحصار وجوبها بالذات التي تكون توأما مع الإيصال ، أمّا الذات الاخرى فهي باقية على ما هي عليه من الحرمة.

لكنه قدس‌سره في ذلك المبحث أفاد (٣) أنّه على مسلك صاحب الحاشية لا بد من الالتزام بالترتب ، لاستحالة انقسام المقدمة إلى قسمين ، وانحصار الوجوب بخصوص ما يترتب عليه الواجب ، فلاحظ وتأمّل.

__________________

(١) راجع الصفحة : ٧١ وما بعدها.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٣٤٨ ـ ٣٥١.

(٣) أجود التقريرات ١ : ٣٥٢.

٤٣٦

قوله : وتوضيح ذلك : أنّ المقدمة بعد ما فرضنا أنّها محكومة بالحرمة في حد ذاتها ، وفرضنا أنّها سابقة على ذي المقدمة زمانا ، وأثبتنا في المقدّمة الاولى أنّ خطابها في مرتبة خطاب ذيها ، فلا محالة يكون وجوبها في تلك المرتبة وحرمتها في مرتبة العصيان ، إذ رفع اليد عن الحرمة إنّما كان لأجل المقدمية ، فإذا فرضنا عدم وقوعها في طريق التوسل الى ذي المقدمة فلا تكون الحرمة ساقطة ، وليس هذا إلاّ عين الالتزام باشتراط حرمتها بالتعقب بالعصيان ... الخ (١).

لا يخفى أنّ هذه المطالب الثلاثة ـ أعني كون المقدمة محرمة في حد ذاتها ، وكونها سابقة في الزمان على ذيها ، وكون وجوبها الغيري في مرتبة وجوب ذيها ـ لا تكون منتجة للترتب ، بل الظاهر أنّ نتيجتها هي ما تقدمت (٢) الإشارة إليه من بقاء الحرمة الذاتية عند عدم وقوعها في طريق التوسل ، وانحصار وجوبها الغيري بما إذا كانت واقعة في طريق التوسل ، وليس ذلك من قبيل الترتب ، بل ولا من باب اشتراط حرمتها بالتعقب بالعصيان ، بل لا يكون إلاّ من باب الأخذ بمقتضى الحرمة الذاتية ، وانحصار الواجب الغيري بما يكون واقعا في طريق التوسل الى ذيها ، إمّا لأنّ الوجوب الغيري مقيّد بارادة ذي المقدمة كما هو عن صاحب المعالم (٣) ، وإمّا لأنّ الواجب مقيّد بقصد التوسل كما عن الشيخ قدس‌سره (٤) ، أو أنّه مقيد بنفس التوصل كما عن صاحب الفصول (٥) ، أو أنّ الواجب الغيري هو

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١١٠ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) في آخر الحاشية السابقة.

(٣) معالم الدين : ٧١.

(٤) مطارح الأنظار ١ : ٣٥٣ وما بعدها.

(٥) الفصول الغروية : ٨١ ، ٨٦.

٤٣٧

خصوص الذات التي تكون توأما مع التوصل كما ربما يحتمله ما عن صاحب الحاشية (١).

وحينئذ فلا بدّ في الجواب عن المطالبة بالدليل على أخذ التعقب شرطا ، بما تقدم (٢) من أنّه بعد إبطال هذه الوجوه لا بد من دفع ذلك الاستبشاع الذوقي ، بالالتزام بالترتب وإن أدى إلى أخذ عنوان التعقب شرطا. نعم لا بد من إثبات إمكان الترتب في المقام ودفع إشكال لزوم اجتماع الحكمين بما تقدم (٣) ويأتي (٤) من كون الوجوب الغيري للمقدمة واقعا في مرتبة وجوب ذيها ، وأنّه لا تدافع بين ذلك الوجوب الغيري والحرمة المعلّقة على عصيان ذي المقدمة ، لكون الأول هادما لموضوع الثاني.

ومن الواضح أنّ هذا المطلب ـ أعني إثبات عدم التدافع بين الحكمين ـ لا دخل له بالإشكال المذكور أعني لزوم أخذ التعقب شرطا من دون دليل ، فانّ هذا الإشكال إنّما يتجه بعد الفراغ عن إمكان الترتب ، وليس مرجعه إلى مجرد المطالبة بالدليل. فينبغي أن يكون جوابه مقصورا على إقامة الدليل عليه ، وهو منحصر بما عرفته من ضرورة الالتجاء إليه في الخروج عن ذلك الاستبشاع ، فلاحظ وتأمل.

ومن ذلك يظهر لك التأمّل فيما تضمنته الحاشية الثانية على ص ٣٢٢ (٥) من الاكتفاء في دفع هذا الإشكال بمجرد إمكان الترتب ، وأنّ الالتزام

__________________

(١) وقد نقله المصنف قدس‌سره في الصفحة : ٧١ وما بعدها.

(٢) في الصفحة : ٤٣٤ ـ ٤٣٥.

(٣) في الصفحة : ٦٦ ـ ٦٧.

(٤) في الصفحة : ٤٤١ وما بعدها.

(٥) حسب الطبعة القديمة المحشاة ، راجع أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٠٩.

٤٣٨

بالشرط المتأخر أو عنوان التعقب لا يتوقف على دلالة دليل بالخصوص عليه بعد فرض إمكان الترتب ، لما عرفت من أنّ مجرد إمكان الترتب إنّما يكفي في إثبات نفس الترتب ، أمّا لو كان هناك لازم آخر وهو أخذ التعقب شرطا فلا يكفي فيه مجرد الإمكان ، بل لا بد من إقامة الدليل عليه.

ثم إنّ في هذه الحاشية منع الترتب لكونه مستلزما لاجتماع الحكمين وقال : وأمّا ما افيد في المتن من أنّ الحكمين ليسا في مرتبة واحدة فلا استحالة في اجتماعهما فقد عرفت ما فيه ... إلخ. والظاهر أنّه يشير في ذلك إلى ما مرّ منه في الحاشية الثانية من ص ٣٢١ من أنّ كل خطاب لا يقتضي إلاّ حصول متعلقه في الخارج ... إلخ (١) ، فلعله غفلة عما حرره مكررا عن شيخنا قدس‌سره في بيان الوجه في كون الأمر المقدمي في رتبة الأمر بذي المقدمة في كونهما تحصيلا لذي المقدمة ، وسيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى (٢).

ثم إنّه قال : وبالجملة : إذا توقف واجب فعلي على مقدمة محرمة في نفسها ، فان كان وجوب المقدمة مشروطا بايصالها إلى الواجب النفسي استلزم ذلك التفكيك بين الوجوب الغيري والوجوب النفسي في الإطلاق والاشتراط ، وهو محال ، مع أنّه يرد عليه جواز ترك الواجب النفسي من دون عذر ، وأن يكون وجوبه مشروطا بوجوده على ما مر بيان ذلك في بحث المقدمة الموصلة. وأمّا إذا كان وجوب المقدمة مطلقا وغير مشروط بالإيصال المزبور ، استلزم ذلك اجتماع الوجوب والحرمة في المقدمة في زمان واحد ... إلخ (٣).

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٠٧.

(٢) في الحاشية اللاحقة صفحة : ٤٤١.

(٣) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ١٠٩.

٤٣٩

هذا الشق الثاني هو الذي بنى عليه شيخنا قدس‌سره (١) وذلك بابقاء الأمر الغيري المتعلق بالمقدمة على حاله غير مشروط بنفسه ولا بمتعلقه بشيء مما يرجع إلى الإيصال ، وبذلك تسقط الحرمة على وتيرة ذلك الوجوب الغيري ، لكن لو عصى المكلّف ولم يأت بالواجب النفسي الذي هو ذو المقدمة تتوجه إليه حرمة المقدمة. وقد عرفت أنّه لا مانع من اجتماع الحكمين المذكورين في هذه المقدمة ، لكون الأول منهما هادما لموضوع الثاني.

أمّا الشق الأوّل فهو أجنبي عما يريده شيخنا قدس‌سره ، فانّ ما أفاده شيخنا قدس‌سره من كون الحرمة للمقدمة مقيدة بعصيان الأمر بذي المقدمة لا يلزمه القول بأنّ الوجوب الغيري للمقدمة يكون مشروطا ومقيدا بالإيصال وصريح كلامه يأبى ذلك ، فانّه قدس‌سره (٢) يصرح بأن الوجوب الغيري الطارئ على المقدمة كالوجوب النفسي الطارئ على ذيها غير قابل للتقييد بوجود ذي المقدمة ، وحينئذ فلا يكون ما وجّهه المحشي على هذا الشق الأول واردا على مسلك شيخنا قدس‌سره ، بل هو وارد على ذلك المسلك الذي يقول إنّ الوجوب الغيري يكون مشروطا بالإيصال.

لكن المحشي في بحث المقدمة الموصلة وجّه عين هذا الإشكال على الترتب الذي يفيده شيخنا قدس‌سره في هذه المسألة ، أعني المقدمة المحرمة المنحصرة ، وحاصل ذلك الإشكال هو لزوم تحصيل الحاصل وجواز ترك الواجب النفسي من غير عذر ، فراجع حاشية ص ٢٣٦ (٣).

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١١٠ ـ ١١١.

(٢) صرّح بذلك في موارد منها ما في هذا المقام ، فراجع أجود التقريرات ٢ : ١٠٨.

(٣) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

٤٤٠