أصول الفقه - ج ٣

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٣

الصلاة ، ولكنهم مع ذلك يقدّمون الأوّل على الثاني.

الثانية : أن الوقت بالنسبة إلى مقدار ركعة يقدّم على جميع القيود ما عدا الطهور ، لكنه بالنسبة إلى ما عدا الركعة يكون حاله حال سائر القيود.

الثالثة : أن الأجزاء مطلقا ما عدا السورة مقدّم على جميع القيود ما عدا الطهور والوقت بالنسبة إلى مقدار ركعة ، لما عرفت من تقدم الأجزاء رتبة على الشرائط.

الرابعة : أن القيام المتصل بالركوع لكونه ركنا في الركوع مقدّم على غيره حتى القيام حال تكبيرة الاحرام.

الخامسة : أن القيام حال تكبيرة الاحرام مقدّم على القيام الذي بعده ، لا لكونه ركنا كما قيل : بل لتقدمه الزماني ، وهكذا الحال في قيام الركعة الاولى بالنسبة إلى القيام في الركعة الثانية.

السادسة : أن شرط شرط الصلاة لو وقع التزاحم بينه وبين شرطها الابتدائي ، فان كان شرط الشرط فضلة مثل الطمأنينة كان غيره من القيود الابتدائية مقدّما عليه دون ما إذا كان عمدة.

وأما بقية موارد التزاحم في هذا الباب فهي غير منضبطة ، ومرجع التزاحم فيها إلى النصوص الخاصة وإلاّ فإلى الاحتياط بالجمع ، فتأمل.

قلت : ومن ذلك ما لو فرض أنه لا يتمكن من القراءة الصحيحة إلاّ بالاجهار فيها ، ففي مثل صلاة الظهر يقع التزاحم بين صحة القراءة والاخفات ، ولا يبعد تقدم الأوّل ، فيأتي بالقراءة صحيحة ولو مع الجهر بها ، فان لزوم صحة القراءة راجع إلى لزوم الاتيان بها على ما هي عليه من مخارج الحروف والحركات الاعرابية ، وهذه الجهات كلها معروضة لصفات

٢٨١

الجهر والاخفات ، فيكون من قبيل التزاحم بين نفس الشيء ووصفه كما لو لم يتمكن من أصل القراءة إلاّ مع الجهر بها فتأمل ، أو منعه مانع من الجهر في الصلاة الجهرية كخوف العدو ونحوه ، انتهى ما حررته عنه وما ألحقته في الدرس المذكور.

أما مزاحمة ذات الصلاة لشرطها مثل الاستقبال فلا محصل له ، إذ يدور الأمر حينئذ بين الاتيان بالصلاة فاقدة للاستقبال وبين تركها ، والأوّل مقدّم على الثاني ، إلاّ إذا كانت شرطية الشرط مطلقة مثل الطهور ، ولا محصل للمزاحمة بين نفس الصلاة بلا شرط وبين نفس الشرط بلا صلاة. وهكذا الحال في المزاحمة بين نفس الجزء وبين شرط نفس ذلك الجزء. نعم يتصور المزاحمة بين نفس الجزء وبين ما هو الشرط لمجموع الصلاة ، كما لو اتفقت المزاحمة بين القيام وبين الاستقبال مثلا ، أو المزاحمة بين نفس الجزء وبين ما هو الشرط لجزء آخر ، أو بين نفس الصلاة وبين ما هو الشرط لجزء من أجزائها ، ولا يمكن القول بأن الشرط في هذه الأمثلة ساقط في قبال مزاحمه بقول مطلق.

وأما دعوى كون الشرط للصلاة متأخرا رتبة عن نفس الصلاة فلا يخلو عن إشكال ، لأن (١) تأخر الشرط رتبة عن المشروط إنما هو فيما في لحاظهما قبل تعلق الأمر ، أما في رتبة تعلق الأمر بالمجموع المركب من الأجزاء والشرائط فان الجميع في رتبة واحدة.

١ ـ (٢) الطهور الأعم من المائية والترابية مقدّم على غيره من الأجزاء

__________________

(١) [ في الأصل هنا زيادة : الشرط ، حذفناه لاستقامة العبارة ].

(٢) [ وجدنا في الأصل هنا أوراقا مرفقة ارتأينا إدراجها في المتن حسب الترتيب الموجود فيها ].

٢٨٢

والشرائط حتى الوقت بتمامه.

٢ ـ الطهارة المائية متأخرة عن جميع الأجزاء والشرائط لأنها لها البدل بخلاف غيرها ، على تأمل في السورة.

٣ ـ الوقت بتمامه مقدّم على غيره ما عدا مطلق الطهور ، لأهمية الوقت. يمكن استفادته من تشريع صلاة المضطرين كالغرقى ونحوهم.

٤ ـ الوقت بالنسبة إلى بعض الركعات متأخر عن الجميع لقاعدة من أدرك ، إلاّ السورة لسقوطها في الاستعجال.

٥ ـ الأجزاء مقدّمة على الشرائط لتأخر الشرط رتبة عن الجزء.

٦ ـ الركن كالركوع مقدّم على غيره كالقيام.

٧ ـ أصل الشرط مقدّم على شرط الشرط مثل الساتر ، فانه مقدّم على شرطه وهو كونه طاهرا مثلا ، لتقدم أصل الشرط رتبة على القيد المعتبر فيه.

٨ ـ الطمأنينة في الأركان مقدّمة على الطمأنينة في غير الأركان ، وهو مشكل.

٩ ـ القيام قبل الركوع مقدّم على القيام حال القراءة لكونه ركنا ومقوّما للركن ، بخلاف القيام حال القراءة.

١٠ ـ القيام قبل الركوع مقدّم على القيام حال تكبيرة الاحرام ، لكون الأوّل بنفسه ركنا بخلاف الثاني فانه شرط في الركن.

١١ ـ القيام في الركعة الاولى مقدّم على القيام في الركعة الثانية لتقدّمه زمانا.

٢٨٣

١٢ ـ القيام حال التكبير مقدّم على القيام حال القراءة ، لتقدّمه زمانا ، ولكونه شرطا للركن.

[ فرع ] في مثل التزاحم بين القيدين مثل القبلة والساتر ، مع فرض كون كل منهما مشروطا بالقدرة عقلا لا شرعا ، إن كان أحدهما وهو القبلة أهم من الآخر لزمه الاستقبال وترك التستر ، لكن هل يمكن إجراء عصيان الأهم والاتيان بالمهم من جهة الملاك أو من جهة الترتب؟ قد يقال بالمنع ، لأنّ ذلك إنما يتأتى في الواجبات الاستقلالية ، أما القيود فلا ، وذلك من جهة أنه في الصورة المفروضة يكون اللازم عليه تقييد الصلاة بالقبلة وبتركها تبطل الصلاة.

ولكن ينبغي أن ينظر في حكم هذا النحو من التزاحم ، فيقال إنه لو أمكنه تكرار الصلاة مرة واحدة للقبلة دون الساتر واخرى بالعكس ، كان ذلك لازما عليه ، لأنّ مرجع القيد إلى وجوب المركب من القبلة والمركب من الساتر ، فلو أمكنه جمعهما في صلاة واحدة فهو ، وإلاّ كما هو المفروض في التزاحم كان الواجب عليه كلا المركبين إن تمكن من التكرار. ولو لم يتمكن إلاّ من صلاة واحدة ، فان كان الأهم هو ذات القبلة فعلها ولا شيء عليه ، وكانت هي ضدا لفاقدة القبلة وواجدة الساتر ، ولو عصى الأمر بذلك الأهم أعني المركب من القبلة الفاقد للساتر وجاء بالصلاة الفاقدة للقبلة الواجدة للساتر عصى في ترك ذاك وأطاع في فعل هذا ، إما بالملاك أو بالترتب.

[ فرع ] لو زوحمت الطهارة المائية ببعض الوقت كان هو المقدّم ، ولو توضأ لهذه الصلاة بطل الوضوء لعدم الملاك لكونه مشروطا بالقدرة شرعا. ولو كان المزاحم لبعض الوقت بعض الأجزاء أو الشرائط الأخر تقدم الوقت

٢٨٤

أيضا ، لكن لو عصى صح ذلك الجزء كالقيام والتشهد ونحوهما إما بالملاك أو بالترتب ، وكان حاله حال ما لو أخر بسوء اختياره فوقع بعض أجزاء الصلاة أو كلها في خارج [ الوقت ](١) ، ومجرد كون القيام مثلا أو التشهد موجبا لوقوع بعض الصلاة في خارج [ الوقت ](٢) لا يوجب كونه عصيانا ، لعدم كون الأمر بالشيء مقتضيا للنهي عن ضده. ويلزم القائلين بانكار اشتراط الطهارة المائية بالقدرة القول بصحة الوضوء في مورد مزاحمة الوقت ، لكنهم يقولون ببطلانه ، ويعللون ذلك البطلان بعدم الأمر.

ولا يخفى أن عدم الأمر إنما هو عدمه خطابا بناء على مسلكهم لا ملاكا ، وذلك لا يوجب انتفاء الملاك الموجب للبطلان ، فلاحظ.

[ فرع ] فيما لو كان مكانان يتمكن في أحدهما من الصلاة قائما لكن مع الايماء للركوع والسجود ، وفي الآخر لا يتمكن من القيام لكن مع إكمال الركوع والسجود ، رجح شيخنا قدس‌سره الثاني في حاشيته على العروة في مبحث المكان (٣). ولو دار الأمر في المكلف بين الاحتفاظ بالقيام مع الايماء إليهما أو الاحتفاظ بهما مع عدم القيام ، رجح شيخنا قدس‌سره الأوّل في حاشيته على مباحث القيام (٤).

ولعل الفرق من جهة أن المسألة الأولى يكون الدوران فيها بين المكانين ، وتحصيل المكان واجب في الصلاة ، وان شئت فقل : إنه قبل الدخول في الصلاة يتردد بين الصلاتين ، فيكون من قبيل التزاحم في

__________________

(١) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

(٢) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

(٣) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ٢ : ٣٨٣ ـ ٣٨٤ / السادس ممّا يشترط في المكان.

(٤) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ٢ : ٤٨٤ ـ ٤٨٥ / مسألة (١٧).

٢٨٥

المشروط بالقدرة العقلية ، فيكون المقدّم هو الثاني لأهميته باعتبار اشتماله على الركن مع فرض عدم تقدم الابتلاء بأحد الفردين.

أما المسألة الثانية ، فلأنه لا بدّ له من الدخول في الصلاة ولا بدّ أن يكبّر للاحرام ، وهو في هذا الآن قادر على القيام الواجب ، ومزاحمه وهو السجود متأخر ، فلو قلنا بأن المقدّم هو الأسبق ابتلاء كان المقدّم هو القيام على كلام في ذلك ، أعني تقديم الأسبق ابتلاء في باب التزاحم ، ولكن هذا المقدار يكفي لابداء الفرق بين الحاشيتين ، فلاحظ وتأمل.

قوله : الأوّل فيما إذا كان عدم القدرة اتفاقيا كما في تزاحم وجوب إنقاذ كل من الغريقين فيما لم يتمكن المكلف من إنقاذهما معا. الثاني : في باب الضدين إذا كان التضاد اتفاقيا ... إلخ (١).

المراد بالأوّل ما كان التزاحم ناشئا عن اتفاق عدم القدرة على الفعلين مثل القيام في الركعة الاولى والقيام في الركعة الثانية ، ومثل الصوم في اليوم الأوّل والصوم في اليوم الثاني ، ويكون الفعلان طوليين غالبا ، وربما كانا عرضيين يسعهما الزمان الواحد لكن اتفق عدم القدرة على الجمع بينهما مثل التزاحم الواقع بين الصيام في هذا اليوم والصلاة فيه إذا اتفق أن المكلف لا يقدر على الجمع بينهما ، وعدّ الغريقين في النحو الأوّل مبني على أنهما في حد نفسهما يمكن إيجادهما في زمان واحد بأن ينقذهما معا دفعة واحدة ، أو أنهما في حد أنفسهما يمكن إيجادهما تدريجا ولكن اتفق أن المكلف لا يقدر على إنقاذهما معا دفعة واحدة ، وأن إنقاذهما تدريجا لا يمكن ، لأنه لو اشتغل بأحدهما هلك الآخر.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٥٢ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٢٨٦

والحاصل : أن المراد بالأوّل هو ما لم يكن التزاحم إلاّ من محض عدم القدرة. والمراد بالثاني ما كان منشأ التزاحم فيه هو مطلوبية كل منهما في الزمان الخاص المفروض أنه لا يسع إلاّ أحدهما (١) كما في مثل الازالة

__________________

(١) أما مثل تزاحم الصوم والصلاة فهو وإن كان في عداد القسم الأوّل ، إلاّ أن الذي ينبغي إخراجه منه ، وجعل القسم الأوّل مقصورا على ما إذا كان المتزاحمان مترتبين بحسب الزمان ، مثل القيام في الركعة الاولى والقيام في الركعة الثانية ، ومثل الصوم في اليوم الأوّل والصوم في اليوم الثاني ، وجعل القسم الثاني شاملا لكل عرضيين بحسب الزمان.

والحاصل : ان الغرض من هذا التقسيم هو التمهيد للترتب ، وأن ترتب الأمر بالمهم في القسم [ الثاني ] على عصيان الأهم يكون من قبيل الشرط المقارن ، بخلافه في القسم الأوّل فان الترتب فيه إن كان الأهم هو المقدّم زمانا يكون من قبيل الشرط المتقدم ، لأن قوله : صم في الثاني إن عصيت الأوّل ، يكون اشتراط وجوب الصوم في اليوم الثاني بعصيان الأوّل من قبيل الشرط المتقدم ، ولو كان الأهم هو اليوم الثاني لكان اشتراط وجوب الصوم في الأوّل بعصيانه في الثاني من قبيل الشرط المتأخر ، بخلاف الترتب في القسم [ الثاني ] فان اشتراط وجوب الصلاة بعصيان الازالة يكون من قبيل الشرط المقارن ، ويمتد هذا الشرط بامتداد فعل [ الصلاة ] يبتدأ بابتدائها وينتهي بانتهائها.

نعم في مثل الصلاة والصيام لو علّق الأمر بأحدهما على عصيان الآخر لا يكون من قبيل الشرط المقارن ، بل لو اشترطنا وجوب الصلاة في النهار بعصيان الصوم كان من الشرط المتقدم ، ولو اشترطنا وجوب الصوم بعصيان الصلاة النهارية كان من الشرط المتأخر ، وحينئذ يكون اللازم هو إدخاله في القسم الأوّل.

أما مثال الغريقين فهو وان صح عدّه من القسم الأوّل باعتبار أن الزمان يسعهما بأن ينقذهما بانقاذ واحد ، لكن القدرة لا تسعهما ، لأنه لا يتمكن من إنقاذهما دفعة واحدة بانقاذ واحد ، فلا بدّ له من أن ينقذ أحدهما في الزمان الأوّل وثانيهما في الزمان الثاني ، وهو لا يقدر إلاّ على إنقاذ أحدهما ، فهو من قبيل المكلف بفعلين لا تضاد بينهما لكنه لا يقدر على الجمع بينهما فيدخل في القسم الأوّل. كما أنه يصح عدّه في القسم الثاني باعتبار أنه لمّا لم يتمكن من إنقاذهما دفعة واحدة بانقاذ واحد صار محتاجا إلى إنقاذين في آنين مترتبين ، ولمّا لم يمكن ذلك لتلف الثاني

٢٨٧

والصلاة ، فان فورية الأوّل تقتضي إيجاده في أوّل أزمنة الامكان ، فلو توجه إليه التكليف بالصلاة في نفس ذلك الزمان كان راجعا إلى الأمر بالضدين في زمان واحد ، فيكون منشأ التزاحم فيه هو التضاد بين المتعلقين مع وحدة زمانهما.

ويمكن أن يلحق بذلك الغريقان فانه بعد أن [ كان ](١) المكلف لا يقدر على إنقاذهما دفعة واحدة ، وأنه لا يمكن إنقاذهما تدريجا لتلف الثاني عند الاشتغال بأحدهما ، يكونان بمنزلة المتضادين اللذين لا يسعهما الزمان ، بمعنى أنه بعد عدم إمكان الجمع بينهما دفعة واحدة يكون مكلفا بانقاذ هذا وحده وإنقاذ هذا وحده ، وبذلك يحصل التضاد بينهما ، فلو توجه الأمر الفوري بانقاذ كل منهما كان من قبيل الأمر بفعلين متضادين في زمان لا يسع إلاّ أحدهما ، والأمر في المثال سهل ، والعمدة إنما هي في الفرق بين القسم الأوّل والثاني ، وقد عرفت وضوح الفرق بينهما باعتبار وحدة الزمان في الثاني وعدمه في الأوّل ، وهذا المقدار له أثر فيما هو قدس‌سره

__________________

صار محتاجا إلى إنقاذ هذا على حدة وإنقاذ هذا على حدة في زمان واحد ، وحينئذ يكون الحاصل إيقاع الانقاذين في زمان واحد لا يسع إلاّ أحدهما ، فيكون من قبيل طروّ التضاد عليهما ، وإنما قلنا إنقاذ هذا على حدة وانقاذ هذا على حدة لأنه لا يمكنه إنقاذهما معا بانقاذ واحد ، فيحتاج إلى تعدد الانقاذ مع أن الزمان لا يسع إلاّ إنقاذا واحدا.

ولا يخفى أن إلحاق هذا المثال بالقسم الثاني أولى ، لأن الترتب فيه يكون بنحو الشرط المقارن مثل الترتب بين الصلاة والازالة ، إذ لو قلنا أنقذ الأهم فان عصيت فانقذ المهم ، كان اشتراط الأمر بالمهم بعصيان الأهم من قبيل الشرط المقارن لا المتقدم ولا المتأخر ، وحينئذ يكون إدخاله في القسم الثاني أولى من إدخاله في القسم الأوّل. [ منه قدس‌سره ].

(١) [ لم يكن في الأصل ، وانما أضفناه لاستقامة العبارة ].

٢٨٨

بصدده من الترتب ، فان الترتب في الأوّل يكون بنحو غيره في الثاني كما سيتعرض له قدس‌سره في بقية مسائل الترتب إن شاء الله تعالى ، فراجع ما سيأتي في ص ٢٦٤ من القسم الثاني من أقسام الترتب (١) ، وهو منحصر في الطوليين مثل القيامين.

فما في الحاشية من عدم الفرق بين الوجهين مما لم يتضح وجهه ، كما أنه لم يتضح الوجه فيما في الحاشية المذكورة من أنه في صورة التضاد الدائمي إذا كان لهما ثالث يلزم تقييد كل منهما بعدم الآخر ، وأن نتيجة ذلك هو ثبوت حكمين كل منهما مشروط بعدم الاتيان بمتعلق الآخر إلخ (٢) فان ذلك ـ أعني تقييد كل منهما بعدم الآخر ـ إنما يكون بحكم الشارع ، فلا يخرج عن كونه من باب التعارض ، غايته أن إصلاحه كان بالتقييد المذكور ، على أنه لا ينحصر الاصلاح بينهما بذلك ، بل يمكن أن يكون ذلك باسقاطهما معا أو باسقاط أحدهما المعيّن أو غير ذلك مما يلاحظه الشارع.

وبالجملة : أن ذلك ليس من قبيل الجمع الدلالي ، بل هو من قبيل التدافع في مقام الأمر والتشريع ، وعلى كل هو ليس من قبيل التزاحم المأموري ، فلا وجه لما يظهر من الحاشية من عدّه من التزاحم بقرينة قوله :

نعم إذا علم من الخارج كذب أحد الدليلين تحقق المعارضة إلخ ، وإن كان الذي يظهر من صدر العبارة أنه من قبيل التعارض. والحاصل أن التقييد المذكور لا يخرج المسألة عن كونها من التزاحم الآمري الذي هو راجع إلى

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١٠٢ [ هذا القسم ذكر في الطبعة القديمة بعنوان القسم الثاني ، وفي الطبعة المحشاة بعنوان القسم الأول ].

(٢) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٥٢.

٢٨٩

باب التعارض (١) ، ولا يدخلها في التزاحم المأموري الذي هو باب التزاحم ، فتأمل.

وأما ما في الحاشية الثانية (٢) من المناقشة في مسألة الاجتماع ، فهو إشكال على المبنى ، وأنه بناء على الاجتماع من الجهة الاولى وفرض وجود المندوحة هل يمكن التقرب بمورد الاجتماع فتصح الصلاة فلا تزاحم ، أو أنه لا يمكن التقرب فتدخل المسألة في باب التزاحم حينئذ ، ومختار شيخنا قدس‌سره هو الثاني ، والاشكال عليه في هذه الحاشية مبني على اختيار الوجه الأوّل ، وسيأتي إن شاء الله تعالى التعرض لذلك في المسألة الأخيرة من مسائل الترتب (٣) وفي مباحث الاجتماع (٤).

قوله : الثالث : باب اجتماع الأمر والنهي على الامتناع ... إلخ (٥).

ينبغي إبدال لفظ الامتناع بلفظ الجواز كما أصلحه في الطبعة الجديدة ، وهكذا الحال في الأمر الخامس فان التلازم بين الأمرين للعراقي مثال للدائمي لا للاتفاقي ، وقد أصلحه في الطبعة الجديدة فراجع. والأولى التمثيل لذلك بما لو اتفق أن الاستقبال في الصلاة [ كان ](٦) ملازما لاستدبار المصحف وقلنا بحرمة استدباره.

قوله : وأما التزاحم من غير ناحية القدرة فكما إذا صار المكلف

__________________

(١) [ في الأصل : التزاحم ، والصحيح ما أثبتناه ].

(٢) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٥٣.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ١١٤ ـ ١١٥ ، راجع الحاشية في الصفحة : ٤٥٢ من هذا المجلّد.

(٤) أجود التقريرات ٢ : ١٨٠ ـ ١٨١ ، راجع الجزء الرابع من هذا الكتاب ، صفحة : ٨٩ وما بعدها.

(٥) أجود التقريرات ٢ : ٥٣ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٦) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

٢٩٠

واجدا للنصاب الخامس من الابل ... إلخ (١).

كيفية المزاحمة في هذه المسألة هو أن يقال : إن لنا في البين حكمين ، أوّلهما أنّ من ملك خمسا وعشرين من الابل وحال الحول عليها وجب عليه خمس شياه. وثانيهما : هو أنّ من ملك ستا وعشرين من الابل وحال الحول عليها وجب عليه بنت مخاض ، فهذا الشخص لمّا ملك خمسا وعشرين وحال عليه الحول وجب عليه خمس شياه ، ثم إنه لمّا كان قد ملك في نصف السنة ناقة زائدة على تلك الخمس والعشرين إلى أن تم النصف الأوّل من السنة الثانية دخل في موضوع الحكم الثاني فوجب عليه بنت مخاض ، فالخمس والعشرون بالنسبة إلى النصف الثاني من السنة الاولى إلى كمال السنة الاولى تكون داخلة في موضوع الأوّل وهي أيضا داخلة في موضوع الثاني ، فمن هذه الجهة يجري عليها حكم الزكاة مرتين في عام واحد باعتبار أنها في هذه الستة أشهر الثانية من السنة الاولى داخلة في حكم السنة الاولى ، وداخلة أيضا في حكم السنة الثانية ، فلو بقينا نحن وهذان الحكمان لكان اللازم هو الأخذ بكل من الحكمين ، ودخول هذه الخمس والعشرين في زكاة السنة الاولى وفي زكاة السنة الثانية التي يكون مبدؤها من حين ملكه السادسة والعشرين ، لكن قام الدليل على أن المال الواحد لا يزكى في عام واحد مرتين (٢) ، فلزمنا أن نرفع اليد عن أحدهما ، فلا يبعد أن يترجح الأخذ بالأوّل وإسقاط الثاني ، بمعنى جعل ابتداء حول الستة والعشرين من حين انتهاء السنة الاولى.

وفي المثال مناقشة ، وهي أنه بعد أن تم الحول الأول ووجب في

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٥٣ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) مثل ما رواه في وسائل الشيعة ٩ : ١٠٠ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ١.

٢٩١

الخمس والعشرين خمس شياه ، لا يصدق عليه أنه مالك للست والعشرين من حين ملك السادسة إلى نصف الحول الثاني بل ينقص خمس شياه ، سواء كان قد أدى الخمس شياه على رأس الحول الأوّل أو لم يؤدها ، وحينئذ فالأولى هو المثال بما لو كان عنده ثلاثون من البقر وفي أثناء السنة ملك إحدى عشرة بقرة ، فراجع الجواهر (١) والعروة (٢) وغيرهما.

وأما ما في الحاشية من أن هذا الدليل يوجب تقييد أحد الاطلاقين فيقع التعارض ... إلخ (٣) فمما لم يتضح وجهه ، وكيف يمكن الرجوع إلى مرجحات باب المعارضة مع فرض كون كل من الحكمين قطعيا كما هو المفروض ، لأن المفروض أن لزوم الزكاة لكل من النصابين لا شبهة فيه وإنما جاء الاشكال من ناحية أنه لا يمكن الجمع بينهما نظرا إلى أن المال لا يزكى في العام الواحد مرتين.

اللهم إلاّ أن يقال : إن هذه المسألة نظير ما لو قال ادفع لكل عالم دينارا ، وقال أيضا ادفع لكل هاشمي دينارا ، واتفق العنوانان في شخص واحد ، وقام الدليل القطعي على أنه لا يجب في الشخص الواحد إلاّ دينار واحد ، فهذا الدليل يوجب العلم بخروج ذلك الشخص عن أحد هذين العمومين ، فيكونان من قبيل ما طرأه التعارض. وما نحن فيه من هذا القبيل فان عموم من ملك حولا خمسا وعشرين عليه خمس شياه شامل لهذه الخمس والعشرين في تمام السنة الاولى ، وكذلك عموم من ملك ستا وعشرين عليه بنت مخاض شامل لها من حين ملكه السادسة والعشرين إلى

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ١٠٤.

(٢) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) : ٤ : ٤٨ / مسألة (١٣).

(٣) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٥٤ ( نقل بالمضمون ).

٢٩٢

تمام الحول ، يعني إلى تمام نصف السنة الثانية ، وهذا الدليل ـ أعني لا يزكى المال الواحد في عام واحد مرتين ـ يوجب خروج هذه الخمس والعشرين عن عموم الأوّل بالنسبة إلى النصف الثاني من السنة الاولى ، أو أن الست والعشرين خارجة عن العموم الثاني بالنسبة إلى النصف المذكور ، أعني النصف الثاني من السنة الاولى ، هذا.

ولكن لا وجه حينئذ لترجيح التصرف الثاني على التصرف الأول كما هو ظاهر الاساطين ، فانه لا وجه له على الظاهر إلاّ دعوى تقدم الأوّل بحسب الزمان على الثاني ، وذلك كاشف عن كونه بحسب نظرهم من قبيل التزاحم ، ولعل هذا هو العمدة في نظر شيخنا قدس‌سره في جعل المسألة من قبيل التزاحم.

قال في الجواهر ـ بعد أن نقل القول المزبور عن جماعة من الأساطين واختاره هو قدس‌سره ـ ما هذا لفظه : لوجوب إخراج زكاة الأوّل عند تمام حوله لوجود المقتضي وهو اندراجه في الأدلة وانتفاء المانع ، ومتى وجب إخراج زكاته منفردا امتنع اعتباره منضما إلى غيره في ذلك الحول للأصل ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ثنى في صدقة » (١) ، وقول أبي جعفر عليه‌السلام (٢) : « لا يزكى المال من وجهين في عام واحد » (٣) ، ولظهور أدلّة النصاب المتأخر في غير المفروض ... إلخ (٤).

وقد نقل الشيخ قدس‌سره في الزكاة من ملحقات كتاب الطهارة عن بعض

__________________

(١) كنز العمال ٦ / ٣٣٢ / ١٥٩٠٢.

(٢) [ في وسائل الشيعة وكذا في الكافي ٣ : ٥٢٠ / ٦ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، نعم في التهذيب ٤ : ٣٣ / ٨٥ عن أبي جعفر عليه‌السلام ].

(٣) وسائل الشيعة ٩ : ١٠٠ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ١.

(٤) جواهر الكلام ١٥ : ١٠٥.

٢٩٣

مشايخه المعاصرين له وهو صاحب المستند القول بالعمل بكلا الحكمين ، فانه قال في أوّل هذه المسألة ( وهي ما لو كان عنده ثلاثون (١) من البقر فملك في نصف السنة إحدى عشرة زائدة عليها ) ما هذا لفظه : وحينئذ فلا إشكال في وجوب تبيع إذا حال حول الثلاثين ، وإنما الاشكال في مبدأ حول الأربعين هل هو من حين الزيادة ، فيجب المسنة في المثال المفروض بعد مضي ستة أشهر من حول الثلاثين لحول حول الأربعين ، إذ يصدق عليها أنها أربعون حال عليها الحول ، أو هو من حين كمال حول الثلاثين ، لأن الثلاثين في حولها متعلقة لزكاة ذلك الحول ، فالتبيع المخرج منها متعلق بها ومشاع فيها ، فلا يتعلق بها الزكاة إلاّ بعد حلول حول عليها ، فلو تعلق بها شيء بعد ستة أشهر لزم تعلق الزكاة بها في سنة مرتين ، يردّه قوله عليه‌السلام ـ في رواية زكاة القرض على المقترض ـ إنه : « لا يزكى المال من وجهين في عام واحد » ، وصدق أنه حال الحول على أربعين مسلّم ، لكن حلول الحول ليس سببا لوجوب الزكاة إلاّ في ذلك الحول ، والمفروض أن في ذلك الحول تعلق الزكاة بالثلاثين ولو في النصف الأوّل من ذلك الحول ، فيلزم أن يكون أول نصف هذا الحول مؤثرا في تعلق زكاتين بالثلاثين ، زكاة في نفس الثلاثين وزكاة في ضمن الأربعين. ومن الغريب ذهاب بعض مشايخنا المعاصرين ( وهو صاحب المستند ) إلى هذا الاحتمال قال : ولا أرى له مبطلا ولا إجماع على خلافه وإن لم يصرح أحد باختياره (٢) ، وأبطل ما اخترناه ( يعني إكمال الحول الأوّل ثم ابتداء حول الجميع ) بعموم ما دل على وجوب الزكاة بحلول الحول على النصاب ،

__________________

(١) [ في الأصل : أربعون ، والصحيح ما أثبتناه ].

(٢) مستند الشيعة ٩ : ٨٨ ( نقل بالمضمون ).

٢٩٤

إلخ (١).

ثم قال الشيخ قدس‌سره أقول : أما العمومات فقد عرفت أنها تدل على وجوب الزكاة بحلول الحول على المال الذي لم يجر في حول آخر ، والمفروض أن النصاب الأوّل قد جرى في النصف الأوّل من حول الضميمة ، فلا يجري في حول الضميمة مرة أخرى فيكون ستة أشهر له محسوبا من حولين.

ثم بعد كلام طويل نقل عن العلاّمة (٢) طريقة التوزيع ، ثم قال : ولا يخفى أن هذا مجرد اعتبار ، لأن أدلة حولان الحول على الأربعين لو شمل هذا فلا محيص عن وجوب المسنة ، وإلاّ فلا دليل على وجوب الربع ، والجمع بهذا الوجه بين ما دل على وجوب التبيع في رأس حول الثلاثين ووجوب المسنة في رأس حول الأربعين بعد تعارضهما بضميمة ما ثبت من عدم تعدد الزكاة في عام واحد لمال واحد ، حسن لو استفيد من أدلة الفريضة في النصاب كون حولان الحول على كل جزء من النصاب سببا لوجوب حقه من النصاب ولو لم يكن مثلها في مثله ، وهو بعيد عن مدلول اللفظ وان كان قريبا إلى الاعتبار ، بل الظاهر توقف الوجوب في كل جزء على مصاحبة الوجوب في غيره توقف معية لا توقف دور كما في الايضاح ، انتهى (٣).

والغرض من نقل هذه الكلمات على طولها هو التأمل في مدرك قولهم يتقدم النصاب الأوّل ، وهل يكون مدركه بعد قيام الدليل على عدم

__________________

(١) كتاب الزكاة : ١٧١ ـ ١٧٢.

(٢) قواعد الأحكام ١ : ٣٣٣.

(٣) كتاب الزكاة : ١٧٣ ـ ١٧٤.

٢٩٥

تزكية المال مرتين إلاّ كون المسألة من باب التزاحم ، وأن المقدّم هو المقدّم الزماني كما يعطيه قول صاحب الجواهر قدس‌سره (١) من وجود المقتضي وعدم المانع ، وقول الشيخ قدس‌سره (٢) لا إشكال في وجوب التزكية عند تمام الحول الأوّل ، فان ذلك ونحوه كاشف عن كون المسألة عندهم من باب التزاحم لا من باب التعارض ، لأنها لو كانت من هذا القبيل لكانت من قبيل تعارض العموم من وجه ، لدلالة الأوّل على وجوب خمس شياه على الخمس والعشرين سواء ملك السادسة والعشرين في أثناء الحول أو لا ، ودلالة الثاني على وجوب بنت مخاض في حول الستة والعشرين ، سواء كان قد ملك الجميع في ابتداء السنة أو كان قد ملك قبلها خمسا وعشرين ، فمقتضى القاعدة الجمع بينهما فيما نحن فيه بدفع خمس شياه عند انتهاء السنة ، ودفع بنت مخاض بعد ستة أشهر من انتهاء السنة ، وحيث قام الدليل على عدم التزكية مرتين أوجب ذلك التعارض بين هذين العمومين في المورد المذكور ، وحينئذ يكون اللازم هو إجراء أحكام تعارض العموم من وجه من الرجوع إلى التساقط عند انتفاء المرجح الدلالي ، فلا يكون تقدم الأوّل زمانا مرجحا.

نعم ، يمكن هنا سلوك طريقة اخرى وهي الطريقة التي ينبغي إجراؤها في الرواية الدالة إحداهما مثلا على وجوب الجمعة والاخرى على وجوب الظهر ، فان الدليل على أنه لا يجب صلاتان في يوم واحد يوجب تعارضهما ، وبعد التساقط لا يمكن القول بنفيهما للعلم بوجوب إحداهما ، وحينئذ يلزم الاحتياط بالاتيان بهما ، فكذلك نقول فيما نحن فيه إنه بعد

__________________

(١) المتقدم في صفحة : ٢٩٣.

(٢) المتقدم في صفحة : ٢٩٥.

٢٩٦

التعارض والتساقط يلزم الاحتياط بدفع كلا الزكاتين ، وهذا الاحتياط لا ينافي الدليل المذكور كما لا ينافيه الاحتياط في الجمع بين الصلاتين.

إلاّ أن يقال : إن العلم الاجمالي لا يوجب الاحتياط في التكاليف المالية كما قيل ، وحينئذ يكون المكلف مخيرا ، لكن يلزمه اختيار الأوّل لتقدمه زمانا. وفيه تأمل ، لأنه بناء على التعارض لا يكون محرزا لكونه مصداقا للأوّل فكيف يرجح بالتقدم الزماني.

والحاصل : أن الترجيح بالتقدم الزماني يكشف عن كونه مصداقا لكل من الحكمين واقعا وأنه لا بدّ من إسقاط أحدهما ، ويتعين الثاني للاسقاط لتأخره زمانا عن الأوّل ، وأن ذلك ليس من وادي الكشف والدلالة والتدافع في مقام الاثبات والحكاية ، بل إن نفس الحكمين لا تدافع بينهما ، وأن الدليل (١) الدال على عدم التزكية مرتين تكون نسبته إلى نفس الحكمين كنسبة اتفاق عدم القدرة على الجمع بين التكليفين.

ومن ذلك يظهر الفرق بين هذه المسألة ومسألة الظهر والجمعة فانه قدس‌سره جعل مسألة الظهر والجمعة من باب التعارض وجعل هذه المسألة من باب التزاحم ، مع أن الظاهر أنهما من واد واحد ، فراجع ما أفاده قدس‌سره في أوّل مباحث التعادل ص ٢٦٣ وفي ثانيه (٢) ص ٢٦٤ ، وحاصل الفرق هو ما عرفت من أن مسألة الجمعة والظهر بعد النظر إلى الاجماع على عدم صلاتين في يوم واحد تكون من قبيل التزاحم الدائمي فتدخل في باب التعارض ، ومسألة الزكاة بعد فرض الدليل على أن المال الواحد لا يزكى

__________________

(١) وهو ما تقدم ذكره في صفحة ٢٩٣.

(٢) الأرقام مذكورة حسب الطبعة القديمة وراجع الطبعة الحديثة من فوائد الأصول ٤ : ٧٠٢ ، ٧٠٧ ، وراجع أيضا أجود التقريرات ٤ : ٢٧٤ ، ٢٧٨.

٢٩٧

لعام واحد مرتين تكون من التدافع الاتفاقي.

والحاصل : أن كلا منهما لا يمكن المكلف الجمع بينهما بعد النظر إلى الدليل المذكور ، لكن عدم إمكان الجمع يكون في الاولى دائميا فتدخل في التعارض ، وفي الثانية يكون اتفاقيا فتدخل في التزاحم ، وليس شيء من البابين من باب العموم من وجه ، أما الظهر والجمعة فواضح ، بل هما من باب الفعلين اللذين لا يقدر المكلف على الجمع بينهما بعد ثبوت الاجماع المذكور. وأما مسألة الزكاة فأيضا كذلك ، بمعنى أن هذه الخمس والعشرين وإن دخلت في نصاب الخمس والعشرين ودخلت أيضا في نصاب الست والعشرين ، إلاّ أنها ليست في الثاني من قبيل المصداق بل هي جزء منه ، فلا تدخل في العموم من وجه ، بل تكون من قبيل أن المكلف لا يقدر أن يزكيها باعتبار كونها من الأوّل وباعتبار كونها جزءا من الثاني.

وإن شئت فقل : إن هذه المسألة نظير ما مرّ (١) من مثال العالم والهاشمي بعد قيام الدليل على أنه لا يدفع للشخص الواحد إلاّ مالا واحدا ، فانه حينئذ يكون الدليل القائل ادفع شاة للعالم مزاحما للدليل القائل ادفع دينارا للهاشمي ، لا أنه يكون معارضا له بحيث يكون من قبيل الدوران في خروجه عن أيّ العنوانين ، بل يكون من قبيل الدوران في العمل بأيّ الوجوبين ، فتأمل. وما تقدم من كونه من قبيل التعارض لا وجه له خصوصا فيما لو كان الواجب في أحدهما مباينا لما هو الواجب في الآخر.

__________________

(١) في صفحة : ٢٩٢.

٢٩٨

[ مبحث الترتب ]

قوله : كدخول المسجد وقراءة القرآن ومع ذلك كان الطلبان بنحو الترتب ، بأن يكون طلب أحدهما مشروطا بعدم الاتيان بمتعلق الآخر ... إلخ (١).

لا شبهة في أنه لو كان الترتب من طرف واحد بأن قال له اقرأ وادخل المسجد إن لم تقرأ ، وأقدم المكلف على الاتيان بهما دفعة واحدة بأن دخل المسجد قارئا ، كان الثاني خارجا عن حيّز الأمر خطابا وملاكا إن كان الشرط المذكور ـ أعني عدم القراءة في وجوب الدخول إلى المسجد ـ دخيلا فيه خطابا وملاكا ، وإن لم يكن دخيلا فيه ملاكا وكان دخيلا فيه خطابا فقط كان الدخول حينئذ خارجا عن حيز الخطاب وإن كان واجدا للملاك في ذلك الحال أعني حال القراءة ، ولازم ذلك أنه لو كان الترتب من الطرفين كان كل منهما عند اقترانه بالآخر خارجا عن الأمر خطابا وملاكا أو خطابا فقط.

قوله : الثاني أن منشأ التزاحم الموجب لإيقاع المكلف في محذور عدم القدرة لا بدّ وأن يرتفع هو فقط ... إلخ (٢).

لا يخفى أنه قد تقدم الكلام (٣) على أن طروّ عدم القدرة على الجمع بين التكليفين يوجب حكومة المقدّم على غيره ، إما ملاكا وخطابا كما في المشروطات بالقدرة الشرعية ، أو خطابا فقط كما في المشروطات بالقدرة

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٥٥.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٥٦ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٣) في الحواشي المتقدمة في الصفحات : ٢٠٧ و ٢٠٨ و ٢٤٧ و ٢٥٦.

٢٩٩

العقلية ، وأنه لو لم يكن في البين جهة توجب التقدم كان كل منهما حاكما على الآخر ورافعا لموضوعه خطابا وملاكا في الأوّل وخطابا لا ملاكا في الثاني ، وأن نتيجة هذا التحاكم والترافع هو بقاء أحد التكليفين وارتفاع الآخر خطابا وملاكا في القسم الأوّل وخطابا فقط في القسم الثاني. وحينئذ ففيما نحن فيه ينبغي أن يقال بسقوط الخطاب بالمهم ، لا أن الخطاب يكون مشروطا بعدم الاتيان بالأهم.

ولكن التحقيق أن تلك الطريقة التي سلكناها فيما تقدم إنما تتم في خصوص المشروطات بالقدرة الشرعية ، حيث إن تقديم أحد التكليفين يكون رافعا لموضوع الآخر ، ففي صورة التساوي يتحقق التحاكم والترافع وفي صورة تقدم أحدهما لجهة توجب التقديم يكون المقدّم بنفس توجهه سالبا للقدرة على الآخر ، لأن نفس التكليف المقدّم يوجب كون المكلف غير قادر على امتثال الثاني في نظر الشارع ، وحيث إن الشارع قد قيّد الثاني بالقدرة كان نفس توجه الأوّل سالبا بنظر الشارع قدرة المكلف على الثاني ، لأنه بعد النظر إلى أنه قد كلّفه بالأوّل يكون ذلك المكلف غير قادر في نظر الشارع على امتثال التكليف الثاني.

وهذا بخلاف ما لو كان الثاني مشروطا بالقدرة العقلية ، فان الخطاب به حينئذ لا يسقط إلاّ إذا كان المكلف غير قادر بنظر العقل ، والعقل لا يحكم بكونه غير قادر بمجرد توجه التكليف الأوّل ، وإنما يحكم بكونه غير قادر بالنظر إلى امتثاله التكليف الأوّل ، بمعنى أن المكلف في ظرف امتثاله للتكليف الأوّل يكون بنظر العقل غير قادر على الثاني ، فالعقل حينئذ لا يحكم بسقوط الخطاب بالثاني إلاّ في ظرف امتثال الأوّل ، ولازم ذلك أن العقل لا يحكم على ذلك المكلف بأنه غير قادر على امتثال الثاني في ظرف

٣٠٠