أصول الفقه - ج ٣

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٣

وتدبر.

مضافا إلى الاشكال في المثال (١) حيث لو ترك محتمل الأهمية وأتى بمقابله لا تبقى له قدرة على الاتيان بمحتمل الأهمية ، ليكون المقام من قبيل الشك في السقوط ، وتكون أصالة الاشتغال قاضية بلزوم الاتيان بما هو محتمل الأهمية بعد الفراغ عن إتيانه بطرفه ، إلاّ أن نقول إن هذا الحساب قبل أن يأتي بالطرف ، وعقله يلزمه بعدم الاتيان به ، بل يلزمه بالاتيان بمحتمل الأهمية تخلصا من هذه الورطة.

قال في البدائع : بقي الكلام فيما إذا كان كلاهما مضيقين ، والكلام هنا في مقامين : الأوّل في أن يكون أحدهما عند الله تعالى أهم من الآخر ـ إلى أن قال : ـ المقام الثاني فيما إذا تساويا في الأهمية ، لا خلاف في أن الحكم حينئذ هو التخيير ، لكن فيه إشكال لا بدّ من دفعه ، وهو أن ما مرّ في تعارض الاصول والأمارات من خروج المتعارضين عن الدليل آت هنا أيضا ، إذ البناء على دخولهما معا تحت الدليل القاضي بوجوبهما العيني تكليف بما لا يطاق ، وترجيح أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجح ، فمقتضى القاعدة المشار إليها سابقا ـ أي التساقط ـ هو الحكم بخروج المتزاحمين عن عموم الدليل وعدم العمل به في شيء منهما ، دون التخيير.

والجواب عنه بوجوه : أحدها ـ إلى أن قال بعد ابطال الوجه الأوّل والثاني ما هذا لفظه : ـ وثالثها وهو المختار الالتزام بالخروج اللفظي عن عموم الدليل مع ثبوت الحكم بالمناط القطعي ، فان لازم ذلك هو التخيير العقلي ، وإنما لم نقل به في تعارض الاصول والأمارات حيث بنينا فيها على

__________________

(١) [ الظاهر أن المراد به الثمرة الثانية ، فلاحظ ].

٢٦١

التساقط لو لم يكن دليل من الخارج ، لأن المناط القطعي بل الظني فيها غير متضح ، إذ الاصول والأمارات شرعت لمصالح عرضية خارجية بناء على عدم التصويب ، واحتمال اختصاص المصلحة الشرعية بالصورة السليمة عن المعارض قائم ، ولا سبيل إلى القطع أو الظن بوجودها عند التعارض ، بخلاف الأحكام الواقعية مثل وجوب إنقاذ الغريق ووجوب أداء الدين وأمثالهما ، فان المصلحة الباعثة على التشريع بعينها موجودة في صورة المزاحمة أيضا ، فمقتضى الوجوب في كل منهما موجود ، وإنما لم يترتب عليه المقتضى وهو وجوب الامتثال عينا لوجود العجز ، وبعد ملاحظة المقدمتين ـ أي وجود المقتضي وعدم القدرة على امتثالهما معا ـ يحكم العقل بالتخيير (١) ، انتهى كلامه رفع مقامه.

وأنت بعد تأملك فيه تجده صريحا في أن التخيير عقلي لا شرعي ، وأنه ليس مبنيا على التساقط ، نعم ظاهر قوله : وثالثها وهو المختار الالتزام بالخروج اللفظي عن عموم الدليل مع ثبوت الحكم بالمناط القطعي ، فان لازم ذلك هو التخيير العقلي إلخ ، ظاهر في أن الحكم بالتخيير العقلي بعد رفع اليد عن كل من الدليلين والحكم بسقوطهما في مقام المزاحمة ، وحينئذ فالمتعين هو ما ذكرناه من كون الساقط هو أحدهما لا بعينه.

أما ما أفاده شيخنا قدس‌سره (٢) من أن المتعين هو تقييد كل منهما بعدم متعلق الآخر ، فالذي يمكن أن يتحصل في وجهه مما حررته عنه قدس‌سره هو أمران :

__________________

(١) بدائع الأفكار : ٣٦٥ ـ ٣٦٧.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٥ ـ ٤٦.

٢٦٢

الأوّل (١) : هو أن المحالية والتدافع إنما هي من ناحية إطلاق كل منهما ، لا من ناحية نفسهما مع قطع النظر عن إطلاقهما ، وحينئذ فيكون المحكوم عقلا بسقوطه هو إطلاق كل منهما ، لأن ذلك هو منشأ المحالية التي هي الانتهاء إلى الأمر بالجمع بينهما.

وهذا الوجه لا يخلو عن تأمل ، أو لعله أشبه شيء بالجمع التبرعي فان الموجب لتقييد أحدهما إن كان هو ذات الآخر فهو ممنوع ، لما أفاده قدس‌سره من أن ذات أحدهما لا تنافي الآخر ، فلا بدّ أن نقول إن الموجب لتقييد أحدهما هو إطلاق الآخر ، فيكون إطلاق كل منهما موجبا لتقييد الآخر ، وهو غير معقول لتوقفه على ثبوت إطلاقه ليكون رافعا لاطلاق الآخر ، والمفروض أن إطلاق كل منهما رافع لاطلاق الآخر ، فلا يستقر الاطلاق لأحدهما كي يكون رافعا لاطلاق الآخر ، فلم يبق في البين إلاّ أنه لا يمكن الجمع بين الاطلاقين ، وذلك لا يوجب تقييد إطلاق كل منهما بعدم الآخر ، إذ لا يكون ذلك إلاّ من قبيل الجمع التبرعي.

ولعله لاجل ذلك أفاد قدس‌سره فيما حررته عنه في الجواب عن لزوم العقابين في الترتب ما هذا لفظه : فان لم يكن في البين مرجح وكانا متساويين في الأهمية كان كل من الخطابين صالحا لسلب القدرة على الآخر ، فلا يمكن إبقاء كل من الاطلاقين بحاله وكان الاطلاقان متدافعين ، فلا بدّ من إصلاح ذلك التدافع ، وهو بأحد وجوه ، الأوّل : إسقاط كل منهما. الثاني : إسقاط أحدهما المعين. الثالث : إسقاط واحد لا بعينه ، كما هو

__________________

(١) [ لم يذكر الأمر الثاني بعنوانه ، ولعله ما يأتي بعد هذا من قوله : ولعله لأجل ذلك ... ].

٢٦٣

الشأن في كل حكمين اتفق عدم إمكان الجمع بينهما ، وعدم مدخلية القدرة في ملاك كل منهما كما في الاصول في باب الشبهة المحصورة. وقد حققنا في محله إبطال الوجه الثالث فتعين أحد الوجهين الاولين ، ولا سبيل إلى الثاني لكونه موجبا للترجيح بلا مرجح فيتعين الأوّل. وهذا باب واسع جار في كل ما هو من هذا القبيل ، انتهى.

فجعل محط المزاحمة هو الاطلاق ، وبعد أن أبطل تعين أحدهما للسقوط لكونه ترجيحا بلا مرجح وأحال إبطال الثالث إلى محله تعين حينئذ سقوط كل من الاطلاقين ، ولعل المحل المشار إليه هو مبحث العلم الاجمالي وتعارض الاصول في أطرافه.

وكيف كان ، فقد عرفت أنا لو التجأنا إلى تقييد الاطلاق فلنا أن نلتزم بأن الساقط هو إطلاق أحدهما فقط ، إلاّ أنك قد عرفت أن مقتضى تحكيم كل منهما على الآخر في مرحلة الخطاب هو سقوط الخطاب بأحدهما فقط ، فراجع وتأمل ، وانتظر ما حررناه (١) في المقدمة الاولى والثانية من خروج ذلك عن الجمع التبرعي ، هذا.

ولكن لا يخفى أن ما أشار إليه قدس‌سره بقوله : وقد حققنا في محله إبطال الوجه الثالث ، وقوله قدس‌سره : وهذا باب واسع جار في كل ما هو من هذا القبيل ، علينا أن نتأمله حق التأمل ، وهو أن ما ذكرناه في تزاحم المشروطين بالقدرة الشرعية ، وفي تزاحم المشروطين بالقدرة العقلية ، وفي تزاحم الاطلاقين ، من أن الباقي هو أحدهما والمرفوع هو أحدهما أيضا ، إن كان

__________________

(١) راجع الصفحة : ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

٢٦٤

المراد به هو مفهوم أحدهما فذلك لا محصل له ، إذ لا معنى لرفع المفهوم ، مضافا إلى أنه لا يرفع التزاحم ، فان إسقاط مفهوم أحدهما وإبقاء مفهومه لا يرفع ما وقع من التزاحم بين هذين الموجودين ، مضافا إلى أنه لا يعقل توارد البقاء والرفع على مفهوم أحدهما.

وإن كان المراد به هو مصداق أحدهما فذلك إنما يمكن في صورتين : إحداهما فيما لو كان ذلك المصداق متعينا في الواقع ونحن لا نعرفه بعينه ، كما في مثل وجوب أحد الفعلين من صلاة الجمعة وصلاة الظهر مثلا ، ومن الواضح أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل.

والصورة الاخرى فيما لو كان الحكم الواحد متعلقا بالفرد المردد بين الفردين ، مثل وجوب إكرام أحد هذين الشخصين ووجوب أحد الفعلين من الاطعام والصيام ، ونتيجته التخيير. ومثله ما لو أسلم الكافر على أزيد من أربع أزواج كالخمس مثلا ، فان الذي يبين منه هو مصداق إحدى تلك الخمس ويعيّنها بالقرعة. ومثل ما لو صححنا طلاق إحدى زوجيته أو عتق أحد عبديه مما لا تعين له واقعا ولا ظاهرا ، فانه حينئذ يكون التعيين بالقرعة أو باختياره ، كما لو باع صاعا من هذه الصبرة.

ومن الواضح أن ما نحن فيه ليس براجع إلى شيء من هذه الصور فان الباقي من أحد الوجوبين كالساقط منهما لا تعيّن له واقعا ، وكما أنه ليس هو مفهوم أحدهما فكذلك ليس هو مصداق أحدهما على نحو الفرد المردد ، إذ لا يعقل نسبة البقاء ولا نسبة السقوط إلى الفرد المردد بينهما ولو

٢٦٥

على نحو النكرة على رأي صاحب الفصول (١) ، فليس لنا أن نقول إن الباقي هو أحد هذين التكليفين لا بعينه ، نظير ما نقول إن المنعتق هو أحد هذين العبدين لا بعينه ، فان الانعتاق قابل للتعلّق بما هو مصداق أحدهما بناء على معقولية تعلق العتق بالفرد المردد ، بخلاف البقاء والسقوط بالنسبة إلى نفس هذين التكليفين فانه غير قابل للتعلق بالفرد المردد بين التكليفين ، فليس لنا أن نقول إن الباقي هو أحد التكليفين المتعلق أحدهما بانقاذ الغريق والآخر باطفاء الحريق إلاّ بقلب المسألة ، بان نقول : إن ذلك المكلف بعد تزاحم ذينك التكليفين وتساقطهما يتوجه إليه تكليف واحد يتعلق بأحد الأمرين من إطفاء الحريق وإنقاذ الغريق ، ومن الواضح أنه ليس هذا براجع إلى الأول ، للفرق الواضح بين كون المتوجه إلى المكلف هو واحدا من ذينك التكليفين ، وكون المتوجه إليه هو التكليف بأحد ذينك الفعلين ، فان هذا الثاني تكليف جديد لا ربط له بما تقدم من أحد التكليفين المتزاحمين.

وبالجملة : أن من أعتق أحد عبديه قد أوجد عتقا واحدا ، وإنما كان الترديد في متعلقه ، فنفس العتق لا تردد فيه وإنما كان المردد هو ما تعلق به ذلك العتق الواحد ، ولا يعقل أن يكون العتق الذي أوجده المعتق مرددا بين عتقين ، فان ذلك التردد موجب لعدم تحقق العتق ، فان قوله أوجدت عتق عبدي سعيد أو أوجدت عتق عبدي خالد نظير أن يقول أوجدت عتق هذا العبد أو أوجدت تزويج عبدي الآخر من جاريتي فلانة ، فان ذلك الترديد الواقع على كل من العتق والتزويج يوجب عدم وقوع شيء منهما ، وهكذا الحال فيما يوجده الآمر في قوله صم أو صل. فالترديد تارة يكون في

__________________

(١) راجع الفصول الغروية : ١٦٣.

٢٦٦

متعلق ذلك الوجوب الذي أوجده أعني الصوم والصلاة مع فرض كون المجعول شيئا واحدا وهو الوجوب ، وهذا لا بأس به ولا مانع منه لأنه من قبيل الواجب التخييري ، وتارة يكون الترديد في نفس ذلك الوجوب المجعول بين كونه وجوب صيام أو كونه وجوب صلاة ، بمعنى أن نفس المجعول مردد بين شيئين ، فهو نظير أن يقول أوجبت عليك القيام أو حرّمت عليك الكلام ، فان هذا الترديد في ناحية المجعول يوجب أن لا يكون قد جعل شيئا منهما.

إذا عرفت هذا فنقول : إن ما ذكرناه في المترافعين خطابا وملاكا أو المترافعين خطابا لا ملاكا من أنهما لا يمكن تحققهما معا لكون كل منهما رافعا للآخر ، ولا يمكن ارتفاعهما معا لتحقق موضوع أحدهما خطابا وملاكا أو خطابا فقط ، ولا يمكن أن يتعين أحدهما المعيّن للارتفاع والآخر معينا للبقاء لكونه ترجيحا بلا مرجح ، فلا بدّ أن يكون المرتفع أحدهما لا بعينه والباقي هو أحدهما لا بعينه ، لا يكون منتجا للتخيير الشرعي ، بل هو منتج لكون المجعول هو أحد الوجوبين الذي قد عرفت عدم معقوليته.

لكن عدم المعقولية إنما هي في مقام أصل الجعل ، أما في مقام البقاء بعد أن تم الجعل بالنسبة إلى كل من التكليفين وقد طرأ ما يوجب ارتفاع واحد منهما لا بعينه ، فالظاهر أن ما ذكرناه من عدم المعقولية لا يتأتى فيه ، فان ذلك نظير ما لو أسلم على أزيد من أربع حيث إنه يوجب بطلان زوجية إحداهن ، بمعنى بطلان إحدى تلك العلق الحاصلة بينه وبين كل واحدة من تلك الزوجات ، وحينئذ فلا مانع من القول بأن الباقي هو أحد التكليفين.

نعم ، لو قلنا إن ذلك غير معقول كما في مقام أصل الجعل ، لم يكن

٢٦٧

لنا بدّ من أن نقول بسقوط كل من الوجوبين ، وأن المجعول في المقام شيء واحد وهو الوجوب ، وأن الترديد يتوجه إلى متعلقه ، فيكون من قبيل الوجوب التخييري ، ويكون ذلك الوجوب التخييري وجوبا شرعيا مستكشفا بطريق العقل ، وهو ما ذكرناه من الترديد العقلي الراجع إلى إبطال الشقوق الأربعة أعني ارتفاعهما ، وبقاءهما ، وارتفاع أحدهما المعيّن وبقاء الآخر ، وارتفاع أحدهما المردد وبقاء الآخر.

وبعد إبطال هذه الوجوه الأربعة نلتزم بأن المجعول هو وجوب واحد ويكون الترديد في متعلقه ، وذلك عبارة أخرى عن الوجوب التخييري الشرعي.

أما لو جعلنا التدافع بين الاطلاقين فلا تتأتى فيه الطريقة المزبورة ، لأنا بعد إبطال كل واحد من الشقوق الأربعة لا يمكننا استكشاف شيء نظير ذلك الوجوب التخييري ، ولأجل ذلك حكم شيخنا قدس‌سره بسقوط كلا الاطلاقين. لكنك قد عرفت أنه لا يمكننا الحكم بسقوطهما ، لأن الذي يسقط الخطاب في أنقذ الغريق هو إطلاق الخطاب في أطفئ الحريق ، وتحقق الاطلاق في الثاني موقوف على سقوط الاطلاق في الأوّل ، وهكذا الحال من طرف العكس ، فلا بدّ لنا من القول بكون كل من الخطابين في نفسه رافعا للخطاب في الآخر إلى آخر ما تقدم في كيفية الترافع بين التكليفين خطابا لا ملاكا ، وتكون النتيجة هي الخطاب الواحد بأحد الفعلين على ما عرفت تفصيله.

وما أفاده قدس‌سره من أن التدافع إنما هو بين الاطلاقين ببرهان أنا لو قيدناهما يرتفع التدافع بينهما ، قد عرفت التأمل فيه من جهة إمكان أن يقال

٢٦٨

إن التدافع بين الخطابين نفسهما ، غايته أنه يرتفع هذا التدافع بتقييد كل منهما ، ومن الواضح أن مقتضى القاعدة هو التساقط حينئذ ، ومجرد أنه يمكن الجمع بينهما بتقييد كل منهما أشبه شيء بالجمع التبرعي ، فتأمل وانتظر الكلام على المقدمة الاولى والخامسة من مقدمات الترتب (١) ، فانا قد تعرضنا هناك للفرق في هذه الجهة بين المشروطات بالقدرة الشرعية والمشروطات بالقدرة العقلية.

قوله : إذ الحكم في طرف محتمل الأهمية وكونه مبرئا للذمة معلوم ، بخلاف الطرف الآخر فان أصل الحكم فيه وكونه مبرئا للذمة مشكوك ... إلخ (٢).

العبارة لا تخلو عن مسامحة ، والمراد هو أن الحكم في ناحية محتمل الأهمية معلوم على كل من احتمال أهميته ومساواته للطرف الآخر ، والاقدام على فعل الطرف الآخر لم يحرز كونه مسوّغا ومسقطا لما هو محتمل الأهمية ، لأن ذلك متوقف على إحراز المساواة وهي غير محرزة ، فلا مسوّغ لرفع اليد عن محتمل الأهمية والاقدام على الطرف الآخر استنادا إلى احتمال مساواته له. وكيف كان فالظاهر أن هذا المعنى ـ وهو كون المرجع عند احتمال الأهمية هو أصالة الاشتغال ـ جار على مسلكهما أيضا ، لأن التخيير على مسلكهما لو سلّمناه لا يكون من ذي الملاك الواحد الذي قيل فيه بالبراءة عند احتمال التعيين ، بل هو من ذي الملاكين ، فيرجع الشك فيه إلى الشك في المسقط ، والمتعين في ذلك هو أصالة الاشتغال لا البراءة.

__________________

(١) تقدم المصدران في الصفحة : ٢٥٨.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٦ ـ ٤٧ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٢٦٩

ومن ذلك يظهر لك أن لازم مسلكهما هو تعدد العقاب لو تركهما ، لأن المفروض أن نسبة كل منهما إلى الآخر نسبة المسقط ، نعم بناء على ما سلكناه لا يكون في البين إلاّ عقاب واحد ، إذ لا خطاب إلاّ بأحدهما. أما من حيث أصالة الاشتغال فمسلكنا مساو لمسلكه قدس‌سره ولمسلكهما أيضا ، فلاحظ وتدبر.

قوله : وأما على المختار فحيث إن الاشتغال بامتثال كل منهما هو الذي يكون مسقطا ... الخ (١).

يمكن المناقشة فيه بناء على مسلكه قدس‌سره من وجوب حفظ القدرة ، أنه يجب حفظ القدرة للثاني ، فيكون مزاحما لوجوب القيام الأوّل ، فينبغي أن يقال إنه قبل أن يشرع في القيام الأوّل قد تحقق في حقه كل من التكليفين ، ويكون عدم القيام الأوّل اشتغالا بحفظ القدرة للثاني ، فيكون ذلك مسقطا لوجوب القيام الأوّل ، ولا أقل من التخيير بين امتثال أمر القيام الأوّل أو امتثال حفظ القدرة للثاني ، هذا على مسلكه قدس‌سره.

وأما على مسلكهما قدس‌سرهما فالذي ينبغي أن يقال هو لزوم القيام الأوّل ، لما عرفت (٢) من كون التخيير بينهما من قبيل ذي الملاكين ، فيكون سقوط كل منهما متوقفا على فعل الآخر ، وحيث إن القيام الثاني متأخر عن القيام الأوّل فالقيام الأوّل في ظرفه لم يحصل مسقطه ، فلا يمكن التخلف عن الأمر المتعلق به. نعم على ما سلكناه من كون الواجب والمخاطب هو أحدهما يكون قضية ذلك جواز ترك القيام الأوّل إلى القيام الثاني.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٧ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) في الحاشية السابقة.

٢٧٠

قوله : وأما في غيره ( وهو ما لو كان كل منهما مشروطا بالقدرة الشرعية أو كان المشروط بها هو أحدهما ) فلا تصل النوبة إلى الترجيح بها أصلا (١).

بل يكون التقديم في ذلك من باب الحكومة الواقعية أو الورود ، كما عرفت تفصيله فيما تقدم (٢).

قوله : نعم ربما يكون المرجح الأوّل لباب المزاحمة مرجحا لباب التعارض أيضا ـ إلى قوله : ـ لكنه بملاك آخر ... إلخ (٣).

تقدم توضيح الفرق بين الجهتين في آخر حاشية قوله : ثم إنه ربما يورد إلخ (٤) ، وفي الحاشية على قوله أحدهما (٥).

قوله : ومن جميع ما ذكرناه يظهر وضوح كون الضدين من باب التزاحم لا التعارض ... إلخ (٦).

لكن ذلك فيما لو كان اتفاقيا ، دون ما لو كان دائميا فانه يرجع إلى باب التعارض ، وقد تقدم توضيح ذلك في آخر الأوّل مما تلخص من الفرق بين التزاحم والتعارض (٧).

قوله : وأما في الرابع فلأن التقديم في باب التعارض مع حفظ

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٧ ـ ٤٨ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسخة المحشاة ].

(٢) في الحواشي المتقدمة في الصفحة : ٢٠٧ و ٢٠٨ و ٢٤٧.

(٣) أجود التقريرات ٢ : ٤٨ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٤) وهي الحاشية المتقدمة في الصفحة : ١٦٣ ـ ١٧١.

(٥) وهي الحاشية المتقدمة في الصفحة : ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٦) أجود التقريرات ٢ : ٤٩ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٧) راجع الصفحة : ١٦٩ ـ ١٧٠.

٢٧١

الموضوع ... إلخ (١).

حاصله : أن نتيجة التقديم في باب التعارض في المرجحات الدلالية هي التخصيص والتقييد ونحوهما مما يكون تصرفا في مقام الاثبات ، بخلاف نتيجة التقديم في باب التزاحم فانها تكون من باب التخصص وهو ما عبرنا عنه فيما تقدم (٢) من الحكومة الواقعية ، لكون الأوّل رافعا لموضوع الثاني رفعا واقعيا ، إما خطابا وملاكا كما لو كان الثاني مشروطا بالقدرة الشرعية ، أو خطابا فقط كما لو كان الثاني مشروطا بالقدرة العقلية ، وذلك متحد مع ما قدمناه من الحكومة الواقعية ، لكنه لا يلتئم مع ما أفاده قدس‌سره من أن كلا منهما يكون موجبا لتقييد الآخر فيما لو كانا متساويين ، أو كون الأهم موجبا لتقييد المهم ، فراجع وتأمل. ولا يخفى أن من موجبات الحكومة والورود والتخصيص (٣) وهذه لا مورد لها في باب التزاحم وإنما موردها هو التعارض ولو صوريا.

والذي ينبغي أن يقال : إن أول المراحل هي مرحلة التزاحم الآمري ، وهي مرحلة ملاحظة الشارع ما هو الأهم من الملاكات المتزاحمة فيجعل الحكم على طبقه ، ثم بعد هذه المرحلة أعني مرحلة مقام الثبوت وجري الشارع فيها على ما رجحه في التزاحم الآمري تصل النوبة إلى مقام الاثبات بالنسبة إلى ذلك الحكم الواقعي الذي جعله الشارع ، فربما تدافعت الأدلة في مقام الاثبات وتكاذبت ، وذلك باب واسع يرجع إليه باب التعادل

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٨ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) راجع الحواشي المتقدمة في الصفحة : ٢٠٧ و ٢٠٨ و ٢٤٧ و ٢٥٦.

(٣) [ كذا في الأصل ].

٢٧٢

والتراجيح وتقديم بعض الأدلة على بعض سندا أو دلالة تخصيصا أو تخصصا حكومة أو ورودا ، وهذه المرحلة هي مرحلة التعارض والتكاذب ولو صوريا ، ومرجعها إلى إصلاح التكاذب بين الأدلة على الأحكام الواقعية ولو تكاذبا صوريا كما في موارد التخصيص والورود والحكومة.

ثم بعد ذلك تصل النوبة إلى مقام العمل فربما حصل التدافع بين الحكمين على قدرة المكلف ، وهذا هو باب التزاحم الذي لا يكون التدافع فيه إلاّ من ناحية القدرة ، وله أطوار ومرجحات ونتائج لا دخل لها بأطوار التعارض والتكاذب ولا بمرجحاته ولا بنتائجه ، وجميع ما فيه راجع إلى إصلاح النزاع بين التكليفين على قدرة المكلف من دون تكاذب بين المتنازعين.

قوله : فائدة استطرادية (١).

ينبغي مراجعة ما حررناه في حاشية ص ٢٣١ (٢) وفيما قبل ذلك من الحواشي ، فراجع وتأمل.

قوله : إلاّ أن خصوص الطهارة المائية ممتازة عن البقية بجعل البدل لها ، فتتأخر رتبتها عن الجميع ... إلخ (٣).

تقدم الاشكال في الترجيح بمحض البدلية في حاشية ص ٢٢٧ (٤) على قوله ثانيهما ، وتقدم هناك أيضا الوجه في تأخر الطهارة المائية عن مثل

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٩.

(٢) [ بحسب الطبعة القديمة من أجود التقريرات ، وله قدس‌سره على هذه الصفحة حاشيتان تقدمتا في الصفحة : ٢٥١ و ٢٥٤ ].

(٣) أجود التقريرات ٢ : ٤٩ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٤) [ بحسب الطبعة القديمة من أجود التقريرات ، راجع صفحة : ١٧٩ وما بعدها ].

٢٧٣

الوقت ونحوه ، فراجع وتأمل.

والذي ينبغي أن يقال : إن ما دل على تشريع الأمر الاضطراري وأن الصلاة لا تسقط بحال ظاهره تقييد الجزئية والشرطية بحال التمكن ولو في آخر الوقت ، وحينئذ يكون جميع الأوامر الضمنية المتعلقة بأجزاء الصلاة وشرائطها مشروطة بالقدرة الشرعية ، فيشكل الأمر في مزاحمة هذه الأوامر الضمنية بعضها مع البعض منها ، إلاّ فيما يكون في البين تقدم زماني.

ويمكن أن يؤيد الاشتراط بالقدرة العقلية بأنه لا ريب في كون مجموع الصلاة بأجزائها وشرائطها من المشروطات بالقدرة العقلية ، فلو قلنا بأن كل جزء أو شرط دل الدليل على سقوطه بالتعذر يكون مشروطا بالقدرة الشرعية ، كان ذلك منافيا لكون المجموع مشروطا بالقدرة العقلية ، حيث إن جميع ما يعتبر في الصلاة من الأجزاء والشرائط مما قام الدليل على سقوطه بالتعذر حتى الوقت.

نعم إن الطهور الأعم لا يسقط بالتعذر ، فيكون هو وحده مشروطا بالقدرة العقلية ، فلا يصح لنا أن نقول إن مجموع الأجزاء والشرائط مشروط بالقدرة العقلية مع فرض كون كل واحد من تلك الأجزاء والشرائط على حدة مشروطا بالقدرة الشرعية ، بل إن الطهور أيضا مشروط بالقدرة الشرعية كما لو فرض عدم التمكن منه في الوقت وخارجه بتمام العمر ، فان ذلك لا يوجب سقوط الصلاة بل يوجب سقوطه بنفسه ، فيكون حينئذ أيضا من المشروطات بالقدرة الشرعية ، وهذا ( أعني كون كل واحد من أجزائها وشرائطها مشروطا بالقدرة الشرعية ) لا يلتئم مع كون المجموع غير مشروط بذلك ، فلا بدّ لنا من القول بأن هذه الأدلة الدالة على تشريع الأوامر

٢٧٤

الاضطرارية لا تستلزم الاشتراط بالقدرة شرعا ، بل أقصى ما فيه هو الدلالة على سقوط الوجوب الضمني عند تعذر ذلك الواجب ، فلا يكون دالاّ إلاّ على سقوطه خطابا لا ملاكا ، خصوصا بعد ما حقق في محله (١) من أنه لا محصل للجزئية والشرطية إلاّ الأوامر الضمنية التي لا إشكال في سقوطها خطابا عند تعذر متعلقاتها وإن بقيت ملاكاتها.

وبالجملة : بناء على كون المجعول هو الأوامر الضمنية لا معنى لأن يقال إنها مطلقة لحال التعذر ، فتأمل. وحينئذ فلنا أن نقول : إنه يمكن أن يقال إن ذلك ( أعني تشريع الأوامر الاضطرارية وأن الصلاة لا تسقط بحال ) لا يدل إلاّ على سقوط الأمر الضمني الذي تعلق بذلك الجزء أو الشرط غير المقدور ، وسقوط تقيد المركب بذلك الجزء أو الشرط ، إما كونه ساقطا خطابا وملاكا كما هو ظاهر التقييد بالتمكن المستفاد من دليل السقوط عند عدم التمكن ، أو أنه إنما يسقط خطابا فقط لا ملاكا ، لامكان بقاء ملاك التقييد والمصلحة الباعثة على ذلك التقييد بحيث تكون المصلحة في المركب متوقفة عليه ، ولكن شرع سقوطه والاتيان بالفاقد ولو فاقدا لبعض المصلحة لدوران الأمر بين فوات المصلحة الناشئة منه والمصلحة الناشئة من الوقت ، وأن مصلحة الوقت أهم من مصلحة ذلك المفقود ، بمعنى أن الصلاة الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط لها مصلحة بعشرين درجة مثلا ، لكن لو فقدت القيام تنقص بمقدار ثلاث درجات ولو فقدت الوقت تنقص بمقدار عشر درجات ، فتكون المحافظة على الوقت أهم ، فيلزم الاتيان بها في الوقت فاقدة للقيام ، إلاّ أن ذلك أيضا موقوف على الدليل على هذه

__________________

(١) راجع فوائد الأصول ٤ : ٣٩٣ ، ويأتي تعليق المصنّف قدس‌سره عليه في المجلّد التاسع.

٢٧٥

الجهة وإلاّ فمن أين علمنا أن مصلحة الوقت أهم.

ومن ذلك يظهر لك أنا محتاجون إلى دليل يدل على التقديم من دون فرق بين القول بأن هذه الأجزاء والشرائط مشروطة شرعا بالتمكن ، وبين القول بكونها مشروطة به عقلا ، أما على الأوّل فواضح ، لأنها بعد فرض كونها جميعا مشروطة بالقدرة شرعا ينحصر التقديم بالتقدم الزماني ، فإذا دل الدليل على التقدم بجهة اخرى كان ذلك الدليل على خلاف القاعدة. وأما على الثاني فلما عرفت من الاحتياج إلى الدليل أيضا لنستكشف منه الأهمية عند الشارع.

وحيث قد تحقق أنا محتاجون في التقديم إلى النص والدليل كان علينا في جميع موارد هذه المزاحمات هو اتباع الدليل ، والقدر الثابت هو تقديم الطهور على جميع البواقي حتى الوقت من جهة قولهم عليهم‌السلام « لا صلاة إلاّ بطهور » (١) ونحوه مما يدل على سقوط الصلاة عن فاقد الطهورين.

وكذلك ثبت لنا أن الوقت بتمامه مقدّم على ما عدا مطلق الطهور ، وذلك مما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال ونحوه مما دل على مشروعية الأوامر الاضطرارية ، فانها بأسرها لا يكون محصّلها إلاّ ملاحظة الوقت وأنه مقدّم في مقام المزاحمة على جميع الأجزاء والشرائط ما عدا مطلق الطهور ، وإلاّ لكان اللازم هو الانتظار ولو بعد خروج الوقت.

وكذلك أيضا ثبت لنا بالدليل تقديم جميع الأجزاء والشرائط على الطهارة المائية على ما تقدم (٢) تفصيله ، فيلزم الانتقال إلى التيمم في جميع

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

(٢) في الحاشية المتقدمة في الصفحة : ١٧٩ وما بعدها.

٢٧٦

تلك الموارد حتى لو تزاحمت الطهارة المائية مع الطهارة من الخبث كغسل الثوب مثلا ، لما تقدم من الاجماع.

ويمكن أن يلحق بما تقدم من موارد قيام الدليل مزاحمة الركن لغيره ، بدعوى أنه يستفاد من كون الجزء ركنا تبطل الصلاة بنقصه عمدا وسهوا ، أهميته في نظر الشارع على ما هو غير ركن. وهذه الجهة لو تمت لأمكن تسريتها إلى ما يكون شرطا للركن وما يكون شرطا لغير الركن ، أو ما يكون جزءا غير ركن ، فيقدّم ما هو شرط للركن على ما هو جزء غير ركن وعلى ما هو شرط لغير الركن ، وكذلك يقدّم الركن نفسه على ما هو شرط فيه. بل يمكن أن يقال بتقدم كل جزء على ما هو شرط فيه.

ولا يخفى أن هذه الاستفادة من دليل الركنية يمكن إجراؤها في كل واحد من الخمسة المستثنيات في حديث لا تعاد (١) أعني الطهور والقبلة والوقت والركوع والسجود ، لكن أصل هذه الاستفادة من دليل الركنية الذي تكون دلالته مقصورة على كون تركه مبطلا عمدا وسهوا على وجه يكون ذلك كاشفا عن أهميته في نظر الشارع ، بحيث إنه يقدّم على غيره عند المزاحمة ، في غاية الاشكال ، خصوصا بناء على الوجه الأوّل أعني كون الأجزاء والشرائط مشروطة بالقدرة الشرعية ، فانك قد عرفت أنه بناء على هذا الوجه لا بدّ من دليل يدل على التقديم ولا يكفي فيه مجرد ما يكشف عن الأهمية.

قوله ـ في الفائدة الاستطرادية ـ : قد ذكرنا في بعض المباحث

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهد ب ٧ ح ١.

٢٧٧

السابقة ... إلخ (١).

تقدم في بعض المباحث السابقة ، أنه لو كان دليل التقييد مطلقا كان ذلك موجبا لسقوط المقيد عند تعذر القيد ، وعند عدم الاطلاق لدليل التقييد يكون المرجع هو إطلاق دليل المقيد لو كان ، وحينئذ يكون اللازم الاتيان به فاقد القيد ، وعند عدم كل من الاطلاقين يكون المرجع هو الاصول الأخر مثل استصحاب الوجوب في المقدور أو قاعدة ما لا يدرك أو قاعدة الميسور ، كل ذلك في غير باب الصلاة.

أما في باب الصلاة فان ما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال قاض بأنها لا تسقط بتعذر قيد من قيودها أو جزء من أجزائها ، ولكن هل هذه القاعدة شاملة للوقت على وجه لو تعذر إيجادها في الوقت كان اللازم الاتيان بها في خارج الوقت ، وهكذا الحال في مطلق الطهور على وجه لو تعذر الحصول على الطهور لم يكن ذلك موجبا لسقوط أصل الصلاة ، بل كان اللازم الاتيان بها فاقدة للطهور.

ولا يخفى أن قضية « الصلاة لا تسقط بحال » على القول بأن القضاء بأمر جديد لا تشمل الوقت ، لأنّ محصلها حينئذ هو أن الصلاة في الوقت لا تسقط بحال ، وإنما تشمله لو قلنا بأنه بالأمر السابق ، ليكون مفادها حينئذ هو أن ذات الصلاة لا يوجب سقوطها شيء حتى الوقت لو تعذر الاتيان بها فيه ، وعليه تتفرع مزاحمة الوقت بتمامه لبعض الأجزاء والشرائط ولو مثل مطلق الطهور ، وإلاّ كانت المسألة من قبيل تعذر ذلك القيد ، لدوران الأمر

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٩.

٢٧٨

حينئذ بين ترك ذات الصلاة وبين ترك قيدها المفروض ، هذا.

ولكن الظاهر أنه لو لم يتمكن من الصلاة في الوقت كان ذلك موجبا لسقوط التقييد به ، ويلزمه الاتيان بها خارج الوقت ليكون الوقت مشمولا لهذه القضية ، وحينئذ ينفتح باب التزاحم بينه وبين بقية القيود ، أما مطلق الطهور لو تعذر في الوقت وكان ممكنا في خارجه دخل في التزاحم بين الوقت ومطلق الطهور ، ونحتاج في تقديم أحدهما على الآخر إلى الدليل.

لكن لا يخفى أنا لو فرضنا ولو بعيدا أنه لا يتمكن من مطلق الطهور لا في الوقت ولا في خارجه كما في من حكم عليه بالاعدام وهو فعلا لا يجد التراب ولا الماء إلى أن ينفذ فيه حكم الاعدام ، فهل يكون الساقط هو أصل الصلاة أو أن الساقط هو تقيدها بالطهور؟ قد يقال بالثاني لدخول الطهور تحت قولهم « الصلاة لا تسقط بحال » (١) وقد يقال بالأوّل نظرا إلى قولهم عليهم‌السلام : « لا صلاة إلاّ بطهور » (٢).

وبناء عليه يكون المقدّم عند التزاحم الصوري هو الطهور ، فيصلي خارج الوقت ليحصل على الطهور وإن فاته الوقت ، بخلاف ما لو صلى في الوقت بلا طهور فانه وان حصل على الوقت إلاّ أنه قد فاته أصل الواجب أعني ذات الصلاة ، إذ لا صلاة إلاّ بطهور ، وهي حاكمة على قضية الصلاة لا تسقط بحال.

والخلاصة : هي أنه إن قلنا بكون كل منهما مشمولا لقضية « الصلاة

__________________

(١) [ ورد هذا في المتون الفقهية دون الروائية ، نعم روي : « ولا تدع الصلاة على حال ». راجع وسائل الشيعة ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥ ].

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

٢٧٩

لا تسقط بحال » انفتح باب التزاحم بينهما ووقعت الحيرة في توجيه تقديم الطهور على الوقت ، وإن قلنا بعدم شمولها للطهور كان تقديم الطهور على الوقت متجها ، لا من باب التزاحم بين القيدين ، بل هو من باب مزاحمة قيد الصلاة الذي هو الوقت لأصل الصلاة الواجبة أخذا من قولهم عليهم‌السلام : « لا صلاة إلاّ بطهور » وهو الذي أراده شيخنا قدس‌سره بقوله فيما حررته عنه من أن وجه التقديم هو كون قيدية مطلق الطهور مطلقة وقيدية غيره مقيدة بحال التمكن ، فان قولهم عليهم‌السلام « لا صلاة إلاّ بطهور » قاض باطلاق القيدية. لكن لازم ذلك أنه لو اتفق عدم التمكن من مطلق الطهور لا في الوقت ولا في خارجه هو سقوط الصلاة ، وهو لا يخلو من استغراب.

والانصاف : أن ما أفاده شيخنا قدس‌سره في هذا المقام لا يخلو عن إجمال كما ذكره المرحوم الشيخ محمّد علي (١) ، وقد حررت عنه (٢) ما هذا نصه : وحاصل الكلام : أن في تزاحم الأجزاء والشروط قواعد كلية مسلّمة فيما بينهم :

الاولى : أن مطلق الطهور الأعم من الطهارة المائية والترابية مقدّم على غيره من الشرائط ، حيث إن قيديته مطلقة وقيدية غيره مقيدة بحال التمكن كما هو مفاد « الصلاة لا تسقط بحال » فيكون دوران الأمر بين حفظ قيديته وحفظ قيدية غيره راجعا إلى الدوران بين فعل الصلاة وتركها.

قلت : لكن يشكل الأمر فيما لو دار الأمر بينه وبين الوقت فانه حينئذ يدور الأمر بين المحافظة على الطهور فلا يصلي في الوقت ، والمحافظة على الوقت فيصلي في الوقت من دون طهور ، والأوّل راجع إلى ترك

__________________

(١) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٣٣٥.

(٢) في درس ليلة الأربعاء ٢٤ / ذي الحجة / ١٣٤٦ [ منه قدس‌سره ].

٢٨٠