أصول الفقه - ج ٣

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٣

يمكن أن يقال : إن ما له البدل لو أسقطناه نحصل على مصلحة بدله ، بخلاف ما ليس له البدل فانه يسقط بتاتا ، وبذلك يعلل لو كانا معا غير مشروطين شرعا بالقدرة ، كما لو زوحم القيام في الصلاة بازالة النجاسة عن المسجد ونحو ذلك مما يكون موجبا لعدم القدرة على ... (١).

وفيه : أن من الممكن أن تكون المصلحة الفائتة باسقاط ما له البدل أهم من المصلحة فيما ليس له البدل ، بأن تكون المصلحة في الطهارة المائية في الوضوء أهم من المصلحة في ذلك الواجب المزاحم لها الذي لا بدل له.

والخلاصة : هي أن ما له البدل الطولي ومزاحمه إن كان أحدهما مشروطا شرعا بالقدرة دون الآخر تقدم ما لم يكن مشروطا بذلك على ما هو مشروط بها ، سواء كان هو ما له البدل أو كان هو ما ليس له ، مثال الأوّل مزاحمة غسل البدن للطهارة المائية ، ومثال الثاني مزاحمة القيام في الصلاة لوجوب الحج. ولو كانا معا مشروطين شرعا بالقدرة كما في مزاحمة وجوب الحج للطهارة المائية ، أو كانا معا غير مشروطين بذلك كما في مزاحمة القيام في الصلاة لوجوب إزالة النجاسة ، لم تكن البدلية موجبة لتقديم ما لا بدل له ، بل كان المتبع هو مرجحات تزاحم المشروطين بالقدرة الشرعية أو مرجحات تزاحم المشروطين بالقدرة العقلية كما سيأتي (٢) إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام فيهما.

ومن ذلك يظهر لك التأمل فيما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره فانه قال :

__________________

(١) [ كذا في الأصل ].

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٦ و ٤٣. وتأتي تعليقات المصنف قدس‌سره على هذين المطلبين في صفحة : ٢١٩ وما بعدها ، و ٢٥١ وما بعدها.

١٨١

وحاصل البحث أنه متى عارض الطهارة المائية واجب آخر أرجح منها قدّم عليها كحفظ النفس ونحوه ، بل لعل منه كل واجب لا بدل له كازالة النجاسة عن البدن والساتر الذي ليس له غيره ، إذ هو وإن كان ظاهرا من تعارض الواجبين إلاّ أن مشروعية البدل لأحدهما تشعر برجحان غير ذي البدل عليه في نظر الشارع وأن الاهتمام بشأنه أكثر كما قيل ، أو يقال إن في ذلك جمعا في العمل بهما فهو أولى من غيره (١).

فلم يبق إلاّ دعوى كون الطهارة من الخبث مشروطة بالقدرة العقلية والطهارة المائية أعني الوضوء مشروطة بالقدرة الشرعية ، وقد حققنا في باب الاجزاء في الأمر الاضطراري (٢) أن هذه القيود المعتبرة في الصلاة ليست من قبيل الواجب في ضمن الواجب ، وإلاّ لكان لازمه عدم الاعادة في صورة تعمد الترك ، بل هي قيود معتبرة في صحة العمل ، فان كانت قيديتها مطلقة حتى في مورد تعذرها في تمام الوقت كان لازمه سقوط الأمر بالصلاة ، وإن كانت قيديتها مقيدة بحال التمكن منها ولو في آخر الوقت كانت قيديتها مشروطة شرعا بالقدرة عليها ، فيكون وجوبها أيضا كذلك ، ومن الواضح أن الطهارة من الخبث من القسم الثاني ، فيكون وجوبها مشروطا بالقدرة الشرعية ، كما أنّ الوضوء أيضا مشروط بذلك ، فلا يتم التقديم حينئذ من هذه الناحية.

ولعل هذا هو المراد لشيخنا قدس‌سره فيما أفاده في العبارة المشار إليها أعني قوله : وكلما دار الأمر بين سقوط خصوص الطهارة المائية وبين سقوط

__________________

(١) جواهر الكلام ٥ : ١١٦.

(٢) راجع المجلّد الثاني من هذا الكتاب ، صفحة : ٤٠٠.

١٨٢

قيد غيرها فيسقط الطهارة المائية ، والسر فيه أن أجزاء الصلاة وشرائطها وإن كانت مشروطة بالقدرة شرعا ، لما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال إلاّ أن خصوص الطهارة المائية ممتازة عن البقية بجعل البدل لها فتتأخر رتبتها عن الجميع (١).

فتكون جميع الأجزاء والقيود مقيدة بالقدرة الشرعية ، لأن منشأ قيديتها هو توقف مصلحة الصلاة عليها ، وحكم الشارع بسقوطها عند التعذر يكشف عن أن مصلحة الصلاة لا تتوقف عليها في حال تعذرها فيكون ملاك اعتبارها منوطا بالقدرة عليها ، وعند عدم القدرة عليها تسقط من دون جعل بدل لها ، كما تراه في طهارة البدن أو اللباس ، فانه عند تعذره يسقط اعتباره بلا بدل ، وهذا بخلاف أصل الطهور أعني القدر الجامع بين المائية والترابية ، فان مصلحة الصلاة تتوقف عليه ، فلو تعذر سقط أصل [ الصلاة ](٢) لا نفس القيد.

ويمكن الجواب عن ذلك : بأن مثل الطهارة من الخبث وكذلك القيام مثلا لا يتوقف عليه أصل المصلحة ، كي يكون لازمه سقوط الصلاة بتعذره لكونها حينئذ بلا مصلحة كما في أصل الطهور ، ولا أن مدخليته في أصل مصلحتها منوطة بالتمكن منه ليكون تقيدها به عند عدم التمكن منه خاليا من المصلحة ، ليكون وجوبه وتقيد الصلاة به مشروطا بالقدرة الشرعية ، بل إنه مما يزيد في مصلحة الصلاة ، وهذه المصلحة الزائدة الحاصلة بتقيد الصلاة به غير منوطة شرعا بالتمكن منه والقدرة عليه ليكون

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٩ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسخة المحشاة ].

(٢) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

١٨٣

خاليا من الملاك عند عدم القدرة عليه ، بل باق على ما هو عليه من تحصيل تلك المصلحة الزائدة ، غايته أن الساقط هو الخطاب به ، فتكون قيديته مشروطة عقلا بالقدرة ، ولازمه هو سقوط الخطاب به مع بقاء ملاكه ، ويكون اللازم هو الاتيان بالصلاة فاقدة له لأجل لزوم استيفاء أصل مصلحتها.

وحينئذ يتم ما ذكرناه من أن الواجب الأولي هو الصلاة مع القيد المذكور ، ومع تعذره يكون الواجب هو الصلاة الفاقدة لذلك القيد ، فيكون الواجب الأولي مما له بدل طولي مع كون الواجب الأولي أعني المبدل منه غير مشروط بالقدرة شرعا ، فيقدّم على الواجب الأولي في الطهارة المائية ، فانهما وإن اشتركا في كون كل منهما له بدل طولي ، إلاّ أنه لمّا كان الواجب الأولي في الطهارة المائية مشروطا بالقدرة الشرعية كان هذا الواجب الأولي مقدّما عليه في مقام التزاحم ، لأن ما هو مشروط عقلا بالقدرة مقدّم على ما هو مشروط بها شرعا.

والحاصل أوّلا : أنه لا وجه لاندحار ذي البدل الذي هو الطهارة المائية بعد أن كان ما لا بدل له مثله في كونهما مشروطين بالقدرة الشرعية.

وثانيا : أنه لا وجه لدعوى كون التقييد لا بدل له ، لأن الصلاة الفاقدة للقيد الذي هو الطهارة من الخبث مثلا بدل عن الصلاة الواجدة له.

وثالثا : ما عرفت من عدم ثبوت كون التقييد مشروطا شرعا بالقدرة لما عرفت من إمكان عدم مدخلية القدرة في ملاكه ، فلا يكون اعتبار القدرة فيه إلاّ عقليا ، وبذلك يتقدم على الوضوء كما تتقدم عليه إزالة النجاسة عن المسجد فيما لو لم يكن عنده من الماء إلاّ ما يكفي لأحدهما فقط.

لكن هذا الوجه الثالث لا يتخلص عن شبهة كون القيد حينئذ من قبيل

١٨٤

الواجب في واجب ، الذي يكون مقتضاه أنه لو تعمد تركه عصى وسقط الواجب الأولي بامتثاله.

إلاّ أن يتخلص من ذلك بنظير ما في الكفاية (١) في الأوامر الاضطرارية من بقاء شيء من المصلحة قابلة الاستيفاء ، ويكون استيفاؤها لازما بالاعادة فراجع.

ومن جميع ما تقدم يظهر لك التأمل فيما أفاده في العروة في المسوّغ السادس من مسوغات التيمم في مسألة تقديم الطهارة من الخبث على الوضوء ، من أن الوجه في التقديم هو كون الطهارة من الخبث لا بدل له والوضوء له البدل ـ ثم قال ـ مع أنه منصوص في بعض صوره (٢).

أما البدلية فقد عرفت حالها ، وأما النص فقد قال في الحدائق في الفرع الثاني عشر : إن المسألة لا نص فيها (٣) ، نعم قال في الجواهر بعد أن استدل للمسألة بالبدلية والاجماع ما هذا لفظه : وقد يشهد له مع ذلك أيضا ما في خبر أبي عبيدة « سئل الصادق عليه‌السلام عن المرأة ترى الطهر في السفر وليس معها ما يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة ، قال عليه‌السلام : إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي » الحديث (٤) لتقديمه إزالة النجاسة فيه على الوضوء لوجوبه عليها لولاه (٥).

وفي دلالتها تأمل ، لعدم تعرضها للوضوء وإلاّ لكان ينبغي الأمر

__________________

(١) كفاية الأصول : ٨٥.

(٢) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ٢ : ١٧٩.

(٣) الحدائق الناضرة ٤ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

(٤) وسائل الشيعة ٢ ٣١٢ / أبواب الحيض ب ٢١ ح ١ ( مع اختلاف يسير ).

(٥) جواهر الكلام ٥ : ١١٧.

١٨٥

بتيممين أحدهما بدل الغسل والآخر بدل الوضوء ، فاما أن نقول إن الرواية ساكتة عن الوضوء ، أو نقول هي من أدلة عدم وجوب الوضوء في غسل الحائض.

وعلى كل حال فالظاهر أنه لا خلاف في المسألة ، قال في المعتبر : ولو كان على جسده نجاسة ومعه ماء يكفيه لازالتها أو للوضوء ، أزالها به وتيمم بدلا من الوضوء ، ولا أعلم في هذه خلافا بين أهل العلم ، لأن للطهارة بدلا وهو التيمم ولا كذلك إزالة النجاسة (١).

وقال في المنتهى : لو كان على بدنه نجاسة ومعه من الماء ما يكفي أحدهما صرفه إلى الازالة لا إلى الطهارة ، لأن الطهارة واجب لها بدل بخلاف إزالة النجاسة ، ولا نعرف فيه خلافا. وكذا لو كانت النجاسة على ثوبه. وقال أحمد : يتوضأ ويدع الثوب لأنه واجد للماء (٢) ، وهو ضعيف إذ المراد بالوجدان التمكن من الاستعمال ، وهذا غير متمكن منه شرعا (٣).

وكأنه في هذا الأخير يومئ إلى أن الوضوء مشروط شرعا بالقدرة بخلاف إزالة النجاسة عن الثوب أو البدن ، وهذا هو العمدة في المسألة فلاحظ وتدبر.

وأما الفرع الثاني : فيمكن أن يوجّه فيه تقديم الوقت في بعض أجزاء الصلاة على الوضوء ، بأن ملاك الأمر بالوضوء هو المقدمية للصلاة بتمام شئونها وشروطها التي يكون الوقت منها ، فلو كان مفوّتا للوقت ولو في بعض أجزاء الصلاة كان خارجا عن ذلك الأمر خطابا وملاكا ، وحاصل ذلك

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٧١.

(٢) المغني ١ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ( بهامش المغني ) ١ : ٢٨٦.

(٣) منتهى المطلب ٣ : ١٣١.

١٨٦

أن الطهارة المائية شرط في صحة الصلاة في الوقت ، فتكون متأخرة في الرتبة عن نفس الصلاة بجميع شئونها ومنها الوقت.

ولا يخفى أنه ليس بأولى من القول بأن الوقت متأخر في الرتبة عن الطهارة المائية مع فرض التمكن منها ، كما هو كذلك بالنسبة إلى كلي الطهارة الأعم من المائية والترابية.

نعم ، يمكن أن يدعى دلالة صحيحة زرارة أو حسنته على تقديم الوقت ، وهي ما عن أحدهما عليهما‌السلام « قال عليه‌السلام : إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصلّ في آخر الوقت ، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل ... » (١).

ولا أثر فيما نحن بصدده لاختلاف النسخة في قوله عليه‌السلام : فليطلب أو فليمسك ، ولعل الثانية أدل على ما نحن فيه.

لا يقال : إنه لو صحت النسخة الثانية أعني قوله عليه‌السلام « فليمسك » لكانت الرواية أجنبية عما نحن فيه ، بل كان محصّلها هو عدم جواز البدار لمن ليس عنده الماء ، وأنه يلزمه الامساك عن التيمم والصلاة ، بل يؤخر ذلك إلى خوف فوت الوقت.

لأنا نقول : إنها وإن دلت على ذلك أعني عدم جواز البدار لذوي الأعذار ، إلاّ أنها تدل أيضا على تقدم الوقت على الطهارة المائية ، لأن المفروض أنه يتمكن من الوضوء بعد الوقت ومع ذلك امر بالتيمم والصلاة في الوقت ، بناء على أنها يستفاد من إطلاقها أن خوف [ فوت ](٢) الوقت مصحح للتيمم ولو في غير مورد عدم الماء ، سواء خاف فوت الوقت

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمم ب ١٤ ح ٣.

(٢) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة المعنى ].

١٨٧

بتمامه أو خاف فوت بعضه ، وهو غير بعيد.

وقد تعرض لهذه المسألة في الجواهر في آخر شرحه لعبارة المصنف قدس‌سره في السبب الأوّل : ولو أخلّ بالطلب حتى ضاق الوقت ـ إلى قوله ـ كمن أراق الماء في الوقت (١). ونقل عن المعتبر (٢) وجامع المقاصد (٣) وكشف اللثام (٤) والمدارك (٥) القول بلزوم الوضوء حتى لو وقعت الصلاة كلها في خارج الوقت ، فانه قدس‌سره بعد أن حكم بتقديم الوقت ووجوب التيمم وفاقا للمنتهى (٦) والتذكرة (٧) والمختلف (٨) والروضة (٩) وغيرها ، بل في الرياض أنه الأشهر (١٠) ، واستدل لذلك بما لا مزيد عليه ، قال : وخلافا للمعتبر وجامع المقاصد وكشف اللثام والمدارك ، لثبوت اشتراطها بالطهارة المائية مع عدم ثبوت مسوّغية ضيق الوقت للتيمم ، لتعليقه على عدم الوجدان الذي لا يتحقق صدقه بذلك ، فحينئذ يتطهر ويقضي ولذا يصدق اسم الواجد لغة وعرفا ، وبذلك يفرق بينه وبين من أخل بالطلب حتى ضاق الوقت (١١).

قال في مفتاح الكرامة : وفي المعتبر وجامع المقاصد أن واجد الماء

__________________

(١) جواهر الكلام ٥ : ٨٦ ـ ٨٨.

(٢) المعتبر ١ : ٣٦٦ / الفرع السادس.

(٣) جامع المقاصد ١ : ٤٦٧.

(٤) كشف اللثام ١ : ٤٣٦.

(٥) مدارك الأحكام ٢ : ١٨٥ / الأول من مسوغات التيمم.

(٦) منتهى المطلب ٣ : ٣٨ / السابع من مسوغات التيمم.

(٧) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٦١ ـ ١٦٢ / مسألة ٢٩١.

(٨) مختلف الشيعة ١ : ٢٨٥ / مسألة ٢١١.

(٩) الروضة البهية ١ : ١٧٣ / الفصل الثالث في التيمم.

(١٠) رياض المسائل ٢ : ٨.

(١١) جواهر الكلام ٥ : ٩١ ـ ٩٢.

١٨٨

المخل باستعماله حتى ضاق الوقت عن استعماله أنه يتطهر ويقضي. وفي المدارك أنه الأظهر. قلت : وهو لازم قول الشيخ (١) بطريق أولى ـ إلى أن قال : ـ لكن قيد الاخلال في كلامهم يؤذن بأنه لو لم يخلّ واتفق ضيق الوقت كما إذا كان نائما لكان الواجب عليه التيمم ، وفي الفرق بين الأمرين تأمل (٢).

ومراده من قول الشيخ قدس‌سره هو قوله بأن من قصّر في الطلب حتى ضاق الوقت يتيمم ويصلي وتجب عليه الاعادة. ووجه الأولوية هو أن ذلك القول في التقصير في الطلب الذي هو طريق لتحصيل الماء مع فرض عدم وجود الماء عنده حين أداء الصلاة ، بخلافه في هذه المسألة فانه في التقصير في استعمال الماء بعد فرض وجوده لديه وتمكنه من استعماله.

وبالجملة : أن الشيخ إنما حكم في صورة التقصير في الطلب بلزوم الاعادة ، لأن تكليفه الأصلي هو الطهارة المائية ، لكنه لمّا قصّر في تحصيلها لزمه التيمم لأنه تكليفه الفعلي ، والاعادة مع الوضوء عند التمكن من الماء لأنه تكليفه الأصلي وقد قصّر في عدم تحصيله ، ومن الواضح حينئذ أن تكليفه الفعلي الأصلي فيما نحن فيه هو الوضوء وإن كان عاصيا ومقصّرا في تفويت الوقت ، فتأمل.

وقال في الحدائق : التاسع اختلف الأصحاب فيما لو كان الماء موجودا عنده فأخلّ باستعماله حتى ضاق الوقت عن استعماله ، فهل ينتقل إلى التيمم ويؤدي أو يتطهر بالماء ويقضي؟ قولان اختار أوّلهما العلاّمة في

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣١ / التيمم وأحكامه ، النهاية : ٤٨ / التيمم وأحكامه.

(٢) مفتاح الكرامة ٢ : ٨٨٤ ـ ٨٨٥.

١٨٩

المنتهى ـ إلى أن قال ـ واختار ثانيهما المحقق في المعتبر (١) ، ثم نقل عبارة المعتبر ، وكأنه فهم منها التقييد بالاخلال بالعمدي كما فهمه صاحب مفتاح الكرامة.

وفي المستند في الثاني من المسوّغات بعد أن نقل القول بتقديم الطهارة المائية على الوقت ونسبه إلى المحقق في المعتبر قال ما هذا لفظه : وفرّق المحقق الشيخ علي في شرح القواعد بين من كان الماء موجودا عنده بحيث يخرج الوقت باستعماله ، وبين من كان بعيدا عنه بحيث يخرج بالسعي إليه ، فلم يجوّز التيمم وأوجب المائية في الأوّل دون الثاني ، استنادا إلى انتفاء صدق عدم الوجدان في الأوّل وصدقه في الثاني (٢). وهو الحق لا لما ذكره ، لما أورده عليه في الرياض (٣) من أن المراد بوجدان الماء في باب التيمم فعلا أو قوة ، فلا يتم الفرق لصدق الوجدان في الصورتين ، بل لقوله عليه‌السلام في مرسل العامري (٤) السابق « ولم ينته إلى الماء ... » فانه يشمل من علم وجود الماء ولم يمكنه الوصول إليه إلاّ بفوات الوقت. ثم إنه لا فرق في جميع ما ذكر بين ما إذا كان تأخير الطهارة بالماء إلى الضيق عمدا أو نسيانا أو اضطرارا كأن يكون نائما أو محبوسا أو نحو ذلك ، لجريان الدليل ، وإن احتاج في تعدي المرسلة إلى جميع الصور إلى ضم الاجماع

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٤ : ٢٥٨.

(٢) جامع المقاصد ١ : ٤٦٧ ( نقل بالمضمون ).

(٣) [ الظاهر أنه من سهو قلمه قدس‌سره والصحيح روض الجنان ١ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ].

(٤) « عن رجل أجنب فلم يقدر على الماء وحضرت الصلاة فتيمم بالصعيد ، ثم مرّ بالماء ولم يغتسل وانتظر ماء آخر وراء ذلك ، فدخل وقت الصلاة الاخرى ولم ينته إلى الماء وخاف فوت الصلاة ، قال : يتيمم ويصلي ... » [ منه قدس‌سره. وسائل الشيعة ٣ : ٣٧٧ / أبواب التيمم ب ١٩ ح ٢ ].

١٩٠

المركب ، وصرح في البيان (١) بالتيمم في الأخير مطلقا (٢).

والأولى نقل عبارة هؤلاء الجماعة المنقول عنهم. قال في المعتبر في تعداد الفروع التي عنونها بعد ذكر شروط التيمم ما هذا لفظه : ( و ) من كان الماء قريبا منه وتحصيله ممكن لكن مع فوات الوقت ، أو كان عنده وباستعماله يفوت ، لم يجز له التيمم وسعى إليه لأنه واجد (٣) وظاهرها عدم التقييد.

وقال في جامع المقاصد ـ بعد أن فرغ من مسألة الاخلال بالطلب ما هذا لفظه ـ : فعلى هذا لو كان الماء موجودا عنده فأخل باستعماله حتى ضاق الوقت ، فهل يتيمم ويؤدي أم يتطهر به ويقضي؟ ظاهر إطلاق الشيخ بطلان التيمم والصلاة قبل الطلب للفاقد ، يقتضي الثاني بطريق أولى ، وكلام المصنف يقتضي الأوّل ، وقد صرح به في المنتهى (٤). والذي يقتضيه النظر استعمال الماء ، لانتفاء شرط التيمم وهو عدم وجدان الماء ، ولم يثبت أن فوات الأداء سبب لمنع استعمال الماء ـ إلى أن قال : ـ نعم لو كان الماء بعيدا عنه بحيث لو سعى إليه لخرج الوقت فتيمم وصلّى مع الضيق ، فلا إعادة عليه لعدم صدق الوجدان (٥). وصدر العبارة وإن كان مختصا بصورة الاخلال إلاّ أن تعليله عام لما إذا لم يكن في البين إخلال.

ومثلها عبارة المدارك فانه قال : الثالث لو كان الماء موجودا عنده فأخل باستعماله حتى ضاق الوقت عن الطهارة المائية والأداء ، فهل يتطهر

__________________

(١) البيان : ٨٤ ، ٨٨.

(٢) مستند الشيعة ٣ : ٣٦٥ ـ ٣٦٦ / الثاني من مسوغات التيمم.

(٣) المعتبر ١ : ٣٦٦ / الفرع السادس.

(٤) منتهى المطلب ٣ : ٣٨ / السابع من مسوغات التيمم.

(٥) جامع المقاصد ١ : ٤٦٧.

١٩١

ويقضي أو يتيمم ويؤدي؟ فيه قولان أظهرهما الأوّل ، وهو خيرة المصنف في المعتبر (١) ، انتهى (٢) ثم علله بنحو ما في جامع المقاصد.

قال في كشف اللثام ـ بعد أن حكم بلزوم التيمم على من قصّر في الطلب حتى ضاق الوقت ، وأنه لا إعادة عليه ما هذا لفظه ـ : بخلاف واجد الماء إذا ضاق الوقت عن الوضوء ، إذ لا صلاة إلاّ بطهور ، ويجب الماء مع التمكن ، والضيق لا يرفعه ، مع احتمال المساواة (٣) وهي قريبة من عبارة المعتبر في ظهورها بعدم التقييد ، اللهم إلاّ أن يدعى دلالتها على التقييد من جهة السياق. لكن لا يظن بالمحقق قدس‌سره أنه يقول بتقديم الطهارة المائية على الوقت بقول مطلق ، فلا بدّ من حمل عبارته على صورة التقصير في استعماله.

ومما يؤيد ذلك : أن العلاّمة في المنتهى لم ينقل القول بتقديم الوقت بقول مطلق إلاّ عن العامة ، فانه قال : السابع ( أي من الأسباب المسوّغة للتيمم ) ضيق الوقت ، فلو كان الماء موجودا إلاّ أنه إن اشتغل بتحصيله فاته الوقت جاز له التيمم ، وهو قول الأوزاعي (٤) والثوري (٥) ، خلافا للشافعي (٦) وأبي ثور (٧) وأصحاب الرأي (٨) فانهم منعوا من جواز التيمم وأوجبوا عليه التحصيل وإن خرج الوقت (٩). ثم إنه بعد أن استدل

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٦٦ / الفرع السادس.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ١٨٥.

(٣) كشف اللثام ٢ : ٤٣٦.

(٤ و ٥) المغني ١ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ( بهامش المغني ) ١ : ٢٧٥ ، ٣١٢ ، المجموع ٢ : ٢٤٤.

(٦) المجموع ٢ : ٢٤٤ ، فتح العزيز ( بهامش المجموع ) ٢ : ٢١٩ ، المغني ١ : ٣٠١.

(٧ و ٨) المغني ١ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ( بهامش المغني ) ١ : ٢٧٥ ، ٣١٢.

(٩) منتهى المطلب ٣ : ٣٨.

١٩٢

على الجواز ذكر استدلال العامة القائلين بالمنع ، وهو عين هذه الاستدلالات المذكورة في جامع المقاصد وغيره ، وأبطله بما لا مزيد عليه ، ولم ينقل عن أحد من أصحابنا القول بعدم جواز التيمم ، وهذا مما يؤيد التقييد في عبارة المعتبر بما لو كان قد قصّر في الاستعمال ، لأنه خبير بأقوال المحقق فكيف لا ينسب هذا الاطلاق إليه.

وعن المنتهى أنه : لو كان بقرب المكلف ماء وتمكن من استعماله وأهمل حتى ضاق الوقت ، فصار بحيث لو مشى إليه خرج الوقت فانه يتيمم وفي الاعادة وجهان أقربهما الوجوب (١).

وكيف كان ، أن عمدة الرد على هذا القول امور :

الأوّل : ما يستفاد من مذاق الشارع في الوقت وأهميته بالنسبة إلى غالب الأجزاء والشرائط التي حكم الشارع بسقوطها ، ولو لا أهمية الوقت لحكم بالانتظار إلى خروج الوقت وارتفاع [ العذر ](٢) والصلاة قضاء ، هذا. مضافا إلى ما يستشم من كثير من أخبار التيمم مثل قولهم عليهم‌السلام : « إنه أحد الطهورين » (٣) و « أنه نصف الطهارة » (٤) و « إن ربّ الماء هو ربّ التراب » (٥) ونحو ذلك من مساهلة الشارع في الطهارة المائية.

الثاني : ملاحظة مذاق الشارع في خصوص الطهارة المائية وأن الوقت مقدّم عليها ، وإلاّ لم يكن التيمم مشروعا عند عدم وجود الماء ، بل

__________________

(١) منتهى المطلب ٣ : ١٢٣.

(٢) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة المعنى ].

(٣) وسائل الشيعة ٣ : ٣٨١ / أبواب التيمم ب ٢١ ح ١ ( وفيه : التيمم أحد الطهورين ).

(٤) وسائل الشيعة ٣ : ٣٨٧ / أبواب التيمم ب ٢٤ ح ٣ ( نقل بالمضمون ).

(٥) وسائل الشيعة ٣ : ٣٧٠ / أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٣.

١٩٣

كان اللازم هو الانتظار إلى وجدان الماء ولو في خارج [ الوقت ](١) والصلاة قضاء مع الطهارة المائية ، ولازم ذلك هو انحصار مشروعية التيمم لفقد الماء بما إذا لم يجد الماء في تمام عمره.

اللهم إلاّ أن يفرّقوا بين صورة عدم وجدان الماء في تمام الوقت فانه يقدّم فيها الصلاة في الوقت مع التيمم على الصلاة في خارجه مع الوضوء ، وبين صورة وجود الماء وعدم التمكن من الجمع بين الوضوء مع الصلاة في الوقت ، لا مكان الالتزام في هذه الصورة بتقدم الوضوء على الوقت ، فلا يلزم من تقديم الوقت في الصورة الاولى تقديمه في الصورة الثانية ، لأن الاولى لا يصدق عليها التمكن من الماء في الوقت ، بخلاف الصورة الثانية فانه يصدق فيها أنه متمكن من الماء في الوقت ، وحاصله الفرق بين عدم وجدان الماء في تمام الوقت ، وبين وجدانه وعدم سعة الوقت لاستعماله مع الصلاة فيه.

وفيه : ما لا يخفى ، فان التمكن من الماء في الوقت لا أثر له إلاّ من جهة كونه موجبا للتمكن من الصلاة في الوقت مع الطهارة المائية ، وحيث إنه لا يتمكن من الصلاة مع الوضوء في الوقت يصدق عليه أنه غير واجد للماء الوضوئي للصلاة في الوقت.

والحاصل : أنه لا فرق في عدم التمكن من الصلاة مع الطهارة المائية الذي هو المسوّغ للانتقال إلى التيمم بين كونه ناشئا من عدم وجدان الماء في الوقت مع فرض وجدانه في خارج الوقت ، وبين وجدانه في الوقت لكن كان الوقت غير واسع له مع الصلاة في الوقت ، في أن كلا منهما

__________________

(١) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة المعنى ].

١٩٤

يصدق عليه أنه غير متمكن من الوضوء للصلاة في الوقت ، فيكون التيمم لازما في كل من الصورتين.

وهذا مأخوذ مما أفاده في المنتهى ، فانه ذكر الاستدلال لهذا القول بأن شرط التيمم هو الفقدان وهو منتف هنا ، وبأنه قادر على الماء. وأجاب عن الأوّل بأنا لا نسلّم أنه واجد ، إذ المراد به التمكن من الاستعمال ، وهذا غير متمكن منه مع تعين الصلاة عليه. وعن الثاني بذلك أيضا ، فانكم إن عنيتم بقدرة تحصيل الطهارة القدرة على تحصيل طهارة هذه الصلاة فهو ممنوع ، إذ البحث فيما إذا خاف فوت الوقت ، وإن عنيتم القدرة على تحصيل الطهارة للصلاة الآتية غير هذه فذلك غير محل النزاع انتهى (١).

الثالث : ما تقدم من صحيحة زرارة أو حسنته (٢). ويؤيدها تقييد بعض أخبار الطلب سؤالا أو جوابا بما دام في الوقت (٣).

ثم بعد ثبوت تقدم الوقت على الطهارة المائية نقول : إنه لا فرق بين الوقت بتمامه أو في بعض أجزاء الصلاة ، ولا أقل من الاستناد في ذلك إلى إطلاق صحيحة زرارة المذكورة.

وقد يقال : إن الوجه في تقديم الوقت على الطهارة المائية أنهما وإن اشتركا في كون كل منهما له البدل ، فبدل الطهارة المائية هو الطهارة الترابية وبدل الصلاة في الوقت الصلاة في خارج الوقت ، إلاّ أن دليل البدلية في الأوّل حاكم على دليل البدلية في الثاني ، حيث إن لسان البدلية في الأوّل

__________________

(١) منتهى المطلب ٣ : ٣٩ / السابع من مسوغات التيمم.

(٢) وسائل الشيعة ٣ : ٣٦٦ / أبواب التيمم ب ١٤ ح ٣ [ وقد تقدمت في صفحة : ١٨٧ ].

(٣) منها ما ورد في وسائل الشيعة ٣ : ٣٤٢ / أبواب التيمم ب ٢ ح ١.

١٩٥

لسان التنزيل وأن الطهارة الترابية (١) طهارة ، بخلاف الثاني فانه لا يتضمن أزيد من وجوب الصلاة في خارج الوقت.

وفيه : أن محصله إنكار البدلية في الثاني لكونه من باب محض سقوط اعتبار الوقت.

تتمة وتكميل لا بأس به : وهو أن المنقول عنه قدس‌سره في بعض ما حرره عنه المرحوم الشيخ أبو الفضل قدس‌سره ما هذا لفظه : أن المستظهر من مجموع أدلة باب الصلاة هو لزوم مراعاة الوقت وأهميته بالنسبة إلى الوضوء ، فان القدر المشترك من الصلاة المنقسم إلى الطهارة المائية وغيرها هو الصلاة في مجموع الوقت ولا عكس كما لا يخفى ، انتهى.

وتوضيحه : أن الوقت قيد لكل من الصلاة مع الطهارة الترابية والطهارة المائية ، فيكون المطلوب هو إيقاع تمام الصلاة في الوقت على كلا تقديري الطهارة ، وإذا كان الوقت معتبرا في كلا حالتي الصلاة من الطهارة الترابية والطهارة المائية يكون التدرج من الطهارة المائية إلى الطهارة الترابية مقيدا بحفظ الوقت ، فلا يعقل أن تكون الطهارة المائية مقدمة على حفظ الوقت ، هذا.

ولعل قائلا يقول : إن هذا التقرير لا ينتج هذه النتيجة ، إذ ليس قولنا إن الوقت معتبر في كلا حالتي الطهارة بأولى من القول بأن الوضوء معتبر في الصلاة في كلا حالتي الاتيان بها في الوقت والاتيان بها في خارجه ، فالأولى أن يقال : إن المستفاد من قوله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ـ إلى قوله تعالى : ـ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) إلخ (٢) هو كون الوضوء قيدا للصلاة

__________________

(١) [ في الأصل : الطهارة المائية ، والصحيح ما أثبتناه ].

(٢) المائدة ٥ : ٦.

١٩٦

على ما هي عليه من شروط وأجزاء ، ومن جملة الشروط الوقت ، وهذه الصلاة المقيدة بالوقت لو لم يتمكن من الطهارة المائية لها ينتقل فيها إلى الطهارة الترابية ، فتكون النتيجة أن التدرج من المائية إلى الترابية إنما هو مع حفظ الوقت ، فلا يعقل أن تكون الطهارة المائية مقدمة على الوقت.

وربما يقال : إنه يستفاد من الوجوب المقدمي الذي دلت عليه الآية الشريفة أن وجوب الطهارة المائية مشروط شرعا بامكان الاتيان بتلك الصلاة في وقتها المضروب لها ، كما هو الشأن في جميع الواجبات الغيرية فمع عدم سعة الوقت للطهارة المائية والصلاة ينبغي القول بسقوط كل من المائية والصلاة ، إلاّ أنه دل الدليل على أن الصلاة لا تترك بحال (١) ، وحينئذ يلزم الانتقال إلى التيمم استنادا إلى ما تضمن أنه أحد الطهورين (٢). وفيه تأمل.

ولكن مع ذلك كله يمكن ادعاء بقاء الاشكال ، إذ كل ما يمكن أن يدعى في ناحية شرطية الطهارة المائية بالنسبة إلى الوقت يمكن إجراؤه في الوقت بالنسبة إلى الطهارة المائية ، إذ كما نقول إن هذه الصلاة المقيدة بالوقت عند التمكن منه لو لم يتمكن من الطهارة المائية لها ينتقل بها إلى الطهارة الترابية ، يمكننا أن نقول إن هذه الصلاة المقيدة بالوضوء عند التمكن منه لو لم يتمكن من الاتيان بها في الوقت ينتقل إلى الاتيان بها خارج الوقت.

ومن ذلك كله يظهر لك الاشكال فيما افيد في هذا التقرير (٣) من

__________________

(١) لعل المراد به ما ورد في وسائل الشيعة ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٢) وسائل الشيعة ٣ : ٣٨١ / أبواب التيمم ب ٢١ ح ١.

(٣) لعل مراده قدس‌سره ما ورد في أجود التقريرات ٢ : ٣٥.

١٩٧

إنكار بدلية الصلاة في خارج الوقت ، استنادا إلى أن ذلك مقيد بالعجز والمفروض أنه ليس بعاجز ، فان بدلية التيمم عن الوضوء أيضا كذلك.

نعم يمكن أن يقال : إن الصلاة في خارج الوقت ليست بدلا عن الصلاة فيه ، بل إن ذلك من مجرد سقوط قيد الوقت ، وهكذا الحال في صورة كون بعض الصلاة في خارج الوقت ، فانه أيضا من باب سقوط الوقت في ذلك الباقي من الأجزاء. لكن دليل من أدرك ظاهر في كونه منزّلا منزلة من أدرك الوقت كله ، فيكون من باب البدلية.

فيكون حاصل الاشكال على هذه العبارة أوّلا : أن مجرد البدلية في أحدهما لا توجب التقديم. وثانيا : أنهما مشتركان في كون كل منهما ذا بدل ، لأنّ الصلاة في بعض الوقت بدل عن الصلاة في تمام الوقت.

فالأولى أن يقال : إنا بعد الفراغ عن سقوط الطهارة المائية إذا كانت مفوّتة للوقت بتمامه من جهة ما تقدم من صحيحة زرارة أو حسنته ونحو ذلك من الأدلة ، يمكننا إثبات هذا الحكم فيما يكون مفوّتا لبعض الوقت استنادا إلى إطلاق تفويت الوقت كما عرفت فيما تقدم.

ثم إنه لو أقدم على الوضوء في المثال الأوّل كان وضوءه باطلا على جميع الوجوه المتقدمة ، أما على تقدير كون إزالة النجاسة مشروطة بالقدرة العقلية فواضح ، لأنّ وجوبها سالب للقدرة على الوضوء فيسقط الأمر به خطابا وملاكا ، فلا يصححه الملاك ولا الترتب ، بل وكذا لو قلنا بكونهما معا مشروطين بالقدرة الشرعية ، سواء قلنا إن إزالة النجاسة لها البدل وهو الصلاة عاريا أو مع النجس ، أو قلنا بأنها لا بدل لها ، فانه بعد أن ثبت إما من الرواية أو من الاجماع أو من مقتضى ثبوت البدلية في ناحية الوضوء

١٩٨

وعدمها في ناحية الازالة كما أفاده شيخنا قدس‌سره (١) أن المقدّم هو إزالة النجاسة يكون الوضوء ساقطا خطابا وملاكا ، فلا يمكن تصحيحه بالملاك ولا بالترتب ، كل ذلك بعد فرض كون الوضوء مشروطا بالقدرة الشرعية.

ومع قطع النظر عن هذه الجهة بأن قلنا إن الوضوء غير مشروط بالقدرة الشرعية لا يمكننا الجزم ببطلان الوضوء ، لا مكان تصحيحه حينئذ بالملاك أو بالترتب ، ولا ينفعنا في الحكم بفساده ما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره بقوله : ولعله لوجوب صرف الماء في إزالة النجاسة ، فهو غير واجد للماء فلا خطاب بالوضوء ولو ندبا ، ولانه مكلف بالتيمم حينئذ الخ (٢) ، فانا إن أتممنا ذلك بكون الوضوء مشروطا بالقدرة الشرعية فهو وإلاّ كان ذلك بمجرده غير نافع ، فان وجوب صرف الماء في إزالة النجاسة كما يكون موجبا للمنع عن التصرف في الماء إلاّ فيها ، فكذلك وجوب صرفه في الوضوء يكون موجبا للمنع عن التصرف في الماء إلاّ فيه ، ما لم يكن في البين أهمية كما في وجوب صرفه على النفس المحترمة ، هذا كله فيما لو خالف في الفرع الأوّل.

ومنه يظهر الكلام فيما لو خالف في الفرع الثاني ، لكن ذكروا أن البطلان منحصر بما لو كان قد توضأ لهذه الصلاة ، أما لو كان لغيرها فلم يلتزموا بالبطلان ، وحينئذ يتوجه السؤال عن الفرق ، فان الوضوء للصلاة الاخرى كالقضائية مثلا أيضا مشروط بالقدرة الشرعية ، فيكون وجوب التيمم لهذه الصلاة رافعا للقدرة على الوضوء للصلاة القضائية ، فينبغي الحكم ببطلانه أيضا.

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٥ و ٤٩.

(٢) جواهر الكلام ٥ : ١١٧.

١٩٩

وبالجملة : أنا كما حكمنا ببطلان الوضوء لهذه الصلاة لكون لزوم ملاحظة الوقت رافعا للقدرة على الوضوء لتلك الصلاة ، فكذلك ينبغي أن نحكم ببطلان الوضوء للصلاة الاخرى لكونه غير قادر عليه بواسطة الأمر بهذه الصلاة في الوقت ولو مع التيمم.

والتحقيق في الجواب أن يقال : إن اشتراط وجوب الطهارة المائية بالقدرة الشرعية إنما استفيد من جعل التيمم بدلا عنها عند عدم التمكن منها ، ولا ريب أن جعل هذا البدل أعني التيمم إنما هو في خصوص مورد التمكن منه ، وحينئذ يكون اشتراط الطهارة المائية بالقدرة الشرعية منحصرا بخصوص مورد التمكن من التيمم ، بحيث إنه إذا سقط الوضوء وجب التيمم ، أما عند عدم التمكن من التيمم فلا يكون وجوب الوضوء مشروطا شرعا بالقدرة ، بل أقصى ما فيه أن يكون حينئذ مشروطا عقلا بالقدرة (١) ، فعند المزاحمة بتكليف آخر يكون أهم منه ، لو فرض الاقدام على عصيان ذلك الأهم والاتيان بالوضوء ، يكون ذلك الوضوء صحيحا بالملاك أو بالترتب كما فيما نحن فيه ، لأن المفروض فيه هو عدم القدرة على التيمم للصلاة (٢) الاخرى غير الصلاة التي ضاق وقتها ، لأنه متمكن من الوضوء

__________________

(١) لانحصار مطلق الطهور به حينئذ ، فيكون ذلك المزاحم مفوّتا لمطلق الطهور ، ومن الواضح أن مطلق الطهور غير مشروط بالقدرة شرعا وإنما مشروط بها عقلا.

ولازم ذلك أنه لو بقي من الوقت مقدار أداء الصلاة مع الغسل أو أدائها مع التيمم بعد إزالة النجاسة عن المصحف مثلا ، أنه لا يشرع له الغسل ، وأنه لو عصى أمر الازالة يتيمم ويصلي ، نظير ما لو وجب صرف الماء على العطشان لكنه عصى ، فانه لا يشرع له الوضوء ويلزمه التيمم حينئذ وإن كان الماء موجودا عنده [ منه قدس‌سره ].

(٢) راجع العروة في مسائل ص ٢٢٢. [ منه قدس‌سره ] ، والظاهر أن مقصوده بذلك المسائل المذكورة في المسوّغ السابع من مسوّغات التيمم ، فراجع المسألة ٢٩ وما بعدها.

٢٠٠