بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

[ قال ] فاستسقيت أنا فأبيا علي ، فأتيت النبي أسأله ، فقال : لاتسقوه فإن في جوارك رجلا يلعن عليا فلم تمنعه ، فدفع إلي سكينا وقال : اذهب فاذبحه ، قال : فخرجت وذبحته ودفعت السكين إليه ، فقال : ياحسين اسقه ، فسقاني وأخذت الكأس بيدي ولاأدري أشربت أم لا ، فانتبهت وإذا أنا بولولة ويقولون : فلان ذبح على فراشه ، وأخذ الشرط (١) الجيران ، فقمت إلى الامير فقلت : أصلحك الله هذا أنا فعلته والقوم برآء ، وقصصت عليه الرؤيا ، فقال : اذهب جزاك الله خيرا.

عبدالله بن السائب وكثير بن الصلت قالا : جمع زياد بن أبيه أشراف الكوفة في مسجد الرحبة ليحملهم على سب أمير المؤمنين والبراءة منه ، فأغفيت فإذا أنا بشخص طويل العنق أهدل أهدب قد سد مابين السماء والارض ، فقلت له : من أنت؟ فقال : أنا النقاد ذو الرقبة طاعون بعثت إلى زياد ، فانتبهت فزعا وسمعنا الواعية عليه ، و أنشأت أقول :

قد جشم الناس أمرا ضاق ذرعهم

يحملهم حين أداهم إلى الرحبة

يدعو على ناصر الاسلام دام له

على المشركين الطول والغلبة (٢)

ما كان منتهيا عما أراد به

حتى تناوله النقاد ذو الرقبة

فأسقط الشق منه ضربة عجبا

كما تناول ظلما صاحب الرحبة (٣)

أقول : قال ابن أبي الحديد : روى أبوالفرج عبدالرحمن بن علي الجوزي في كتاب المنتظم أن زيادا لما حصبه (٤) أهل الكوفة وهو يخطب على المنبر قطع أيدي ثمانين منهم وهم أن يخرب دورهم ويجمر نخلهم ، فجمعهم حتى ملا بهم المسجد والرحبة ليعرضهم على البراءة من علي عليه‌السلام وعلم أنهم سيمتنعون فيحتج بذلك على استئصالهم وإخراب بلدهم ، قال عبدالرحمن بن السائب الانصاري : فإني لمع

____________________

(١) جمع الشرطى.

(٢) الظرف متعلق بقوله : دام. والطول فاعله.

(٣) مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٧٩ و ٤٨٠.

(٤) حصبه : رماه بالحصباء.

٣٢١

نفر من قومي والناس يومئذ في أمر عظيم إذ هومت تهويمة ، فرأيت شيئا أقبل طويل العنق مثل عنق البعير أهدر أهدل ، فقلت : ماأنت؟ فقال : أنا النقاد ذو الرقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر ، فاستيقظت فزعا فقلت لاصحابي : هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا : لا فأخبرتهم ، وخرج علينا خارج من القصر فقال : انصرفوا فإن الامير يقول لكم : إني عنكم اليوم مشغول ، وإذا الطاعون قد ضربه فكان يقول : إني لاجد في النصف من جسدي حر النار. حتى مات ، فقال عبدالرحمن بن السائب :

ما كان منتهيا عما أراد بنا

حتى تناوله النقاد ذو الرقبة

فأثبت الشق منه ضربة عظمت

كما تناول ظلما صاحب الرحبة (١)

انتهى.

بيان : في النهاية : التهويم : أول النوم وهو دون النوم الشديد (٢). وقال : أهدب الاشفار أي طويل شعر الاجفان ، ومنه حديث زياد : طويل العنق أهدب (٣).

وقال : الاهدل : المسترخى الشفة السفلى الغليظها ، ومنه حديث زياد : أهدب أهدل (٤) والاهدر كأنه من هدير البعير وهو ترديد صوته في حنجرته.

وأقول سيأتي أمثالها في باب ما ظهر من معجزاته صلوات الله عليه في المنام.

٢١ ـ شى : عن معمر بن يحيى بن سالم قال : قلت لابي جعفر عليه‌السلام : إن أهل الكوفة يروون عن علي عليه‌السلام أنه قال : ستدعون إلى سبي والبراءة مني ، فإن دعيتم إلى سبي فسبوني وإن دعيتم إلى البراءة مني فلا تتبرؤوا مني فإني على دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقال أبوجعفر : ما أكثر ما يكذبون على علي عليه‌السلام! إنما قال : « إنكم ستدعون إلى سبي والبراءة مني ، فإن دعيتم إلى سبي فسبوني وإن دعيتم إلى البراءة مني فإني على دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله » ولم يقل : « فلا تتبرؤوا مني » قال :

____________________

(١) شرح النهج ١ : ٣٦٣.

(٢) النهاية ٤ : ٢٥٨.

(٣) النهاية ٤ : ٢٤١.

(٤) النهاية ٤ : ٢٤٢.

٣٢٢

قلت : جعلت فداك فإن أراد رجل يمضي على القتل ولايتبرأ؟ فقال : لا والله إلا على الذي مضى عليه عمار ، إن الله يقول : « إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان (١) ».

أقول : قد أوردنا نحوه بأسانيد في باب التقية.

٢٢ ـ قب : الاصل في سبه عليه‌السلام ماصح عند أهل العلم أن معاوية أمر بلعنه على المنابر ، فتكلم فيه ابن عباس فقال : هيهات هذا أمر دين ليس إلى تركه سبيل! أليس الغاش لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الشتام لابي بكر المعير عمر الخاذل عثمان؟ قال : أتسبه على المنابر وهو بناها بسيفه؟ قال : لا أدع ذلك حتى يموت عليه الكبير (٢) و يشب عليه الصغير! فبقي ذلك إلى أن ولى عمر بن عبدالعزيز فجعل بدل اللعنة في الخطبة قوله تعالى : « إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى (٣) » فقال عمرو بن شعيب : ويل للامة رفعت الجمعة وتركت اللعنة وذهبت السنة!. (٤) ٢٣ جا : المرزباني ، عن محمد بن الحسين ، عن هارون بن عبيد الله ، عن عثمان ابن سعيد ، عن أبي يحيى التميمي ، عن كبير ، عن أبي مريم الخولاني ، عن مالك ابن ضمرة قال : سمعت عليا أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : أما إنكم تعرضون على لعني ودعائي كذابا ، فمن لعنني كارها مكرها يعلم الله أنه كان مكرها وردت أنا وهو على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله معا ، ومن أمسك لسانه فلم يلعني سبقني كرمية سهم أو لمحة بالبصر ، ومن لعنني منشرحا صدره بلعنتي فلا حجاب بينه وبين الله ولا حجة له عند محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ألا إن محمدا أخذ بيدي يوما فقال : من بايع هؤلاء الخمس ثم مات وهو يحبك فقد قضى نحبه ، ومن مات وهو يبغضك مات ميتة جاهلية يحاسب بما عمل في الاسلام (٥).

بيان : قوله : « فلا حجاب بينه وبين الله » أي لا يحجبه شئ عن عذاب الله.

____________________

(١) تفسير العياشي مخطوط ، وأورده في البرهان ٢ : ٣٨٥. والاية في سورة النحل : ١٠٦.

(٢) في المصدر : حتى يموت فيه الكبير.

(٣) سورة النحل : ٨٩.

(٤) مناقب آل ابي طالب ٢ : ١٩.

(٥) أمالي المفيد : ٧٠.

٣٢٣

وهؤلاء الخمس إشارة إلى أصابعه صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي بعض النسخ بالتاء المثناة (١) فالمراد الصلوات الخمس.

٢٤ ـ كش : روى يعقوب بن شيبة ، عن خالد بن أبي يزيد ، عن ابن شهاب عن الاعمش قال : رأيت عبدالرحمن بن أبي ليلى وقد ضربه الحجاج حتى اسود كتفاه ، ثم أقامه للناس على سب علي والجلاوزة (٢) معه يقولون : سب الكذابين فجعل يقول : ألعن الكذابين علي والزبير (٣) والمختار. قال ابن شهاب : يقول أصحاب العربية : سمعك يعلم مايقول ، لقوله « علي » أي هو ابتداء الكلام (٤).

٢٥ ـ كش : يعقوب ، عن ابن عيينة ، عن طاوس ، عن أبيه قال : أنبأنا حجر ابن عدي قال : قال لي علي عليه‌السلام : كيف تصنع أنت إذا ضربت وأمرت بلعنتي؟ قلت له : كيف أصنع؟ قال : العني ولا تبرأ مني فإني على دين الله. قال : ولقد ضربه محمد بن يوسف وأمره أن يلعن عليا وأقامه على باب مسجد صنعاء ، قال : فقال : إن الامير أمرني أن ألعن عليا فالعنوه لعنه الله ، فرأيت مجوزا من الناس إلا رجلا فهمها وسلم (٥).

٢٦ ـ كنز الكراجكي : عن أسد بن إبراهيم السلمي ، عن عمر بن علي العتكي عن محمد بن الحسين الهمداني ، عن محمود بن متويه الواسطي ، عن القاسم بن عيسى عن رحمة بن مصعب ، عن قرة بن خالد ، عن أبي رجاء العطاردي قال : لاتسبوا هذا

____________________

(١) الظاهر أن المراد كلمة « بايع » وعلى ذلك فاللازم ان يقال : بالتاء المثناة والباء الموحدة ، فتكون الكلمة « تابع ».

(٢) جمع الجلواز : الشرطى.

(٣) في المصدر : وابن الزبير.

(٤) معرفة أخبار الرجال : ٦٧.

(٥) معرفة أخبار الرجال : ٦٧. ولم نفهم المراد من قوله « فرأيت مجوزا » وفي المصدر « محواذا » ولعله من « الاحوذى » اي الحاذق السريع ، والمعنى على ذلك واضح. وفي المصدر إلا رجلا واحدا اه.

٣٢٤

الرجل يعني عليا عليه‌السلام فإن رجلا سبه فرماه الله عزوجل بكوكبين (١) في عينيه.

وعن السلمي ، عن العتكي ، عن محمد بن صالح الرازي ، عن أبي زرعة الرازي عن عبدالرحمن بن عبد الملك ، عن ابن أبي فديك ، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي نعيم عن عبدالله بن الفضل الهاشمي قال : كنت مستندا إلى المقصورة وخالد بن عبدالملك على المنبر يخطب وهو يؤذي عليا في خطبته ، فذهب بي النوم (٢) فرأيت القبر قد انفرج فأطلع منه مطلع فقال : آذيت رسول الله لعنك الله [ آذيت رسول الله لعنك الله (٣) ].

٢٧ ـ نهج : من كلام له عليه‌السلام لاصحابه : أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم ، مندحق البطق ، يأكل مايجد ويطلب ما لايجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني ، فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة ، وأما البراءة فلا تبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الايمان والهجرة (٤).

أقول : قال ابن أبي الحديد : مندحق البطن : بارزها ، والدحوق من النوق التي يخرج رحمها بعد الولادة. وسيظهر : سيغلب. ورحب البلعوم : واسعه. وكثير من الناس يذهب إلى أنه عليه‌السلام عنى زيادا ، وكثير منهم يقول : إنه عنى الحجاج وقال قوم : إنه عنى المغيره بن شعبة ، والاشبه عندي أنه عنى معاوية لانه كان موصوفا بالنهم وكثرة الاكل وكان بطنا (٥).

ثم قال : وروى صاحب كتاب الغارات عن يوسف بن كليب المسعودي ، عن

____________________

(١) الكوكب : نقطة بيضاء تحدث في العين.

(٢) في المصدر : فذهب بي النعاس.

(٣) كنز الكراجكي : ٦٢. والروايتان توجدان في ( ك ) و ( د ) فقط.

(٤) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) ١ : ١١٤ و ١١٥.

(٥) شرح النهج ١ : ٤٦٢.

٣٢٥

يحيى بن سليمان العدوي ، (١) عن أبي مريم الانصاري ، عن محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام قال : خطب علي عليه‌السلام على منبر الكوفة فقال : « سيعرض عليكم سبي وستذبحون عليه ، فإن عرض عليكم سبي فسبوني وإن عرض عليكم البراءة مني فإني على دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله » ولم يقل « فلا تبرؤوا مني ».

وقال أيضا : حدثني أحمد بن المفضل ، عن الحسن بن صالح ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : قال علي عليه‌السلام : ليذبحن (٢) على سبي وأشار بيده إلى حلقه ثم قال : فإن أمروكم بسبي فسبوني وإن أمروكم أن تتبرؤوا (٣) مني فإني على دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم ينههم عن إظهار البراءة. ثم قال : إنه أباح لهم سبه عند الاكراه لان الله تعالى قد أباح عند الاكراه التلفظ بكلمة الكفر فقال : « إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان (٤) » وأما قوله : « فإنه لي زكاة ولكم نجاة » فمعناه أنكم تنجون من القتل إذا أظهرتم ذلك ، ومعنى الزكاة يحتمل أمرين : أحدهما ماورد في الاخبار النبوية أن سب المؤمن زكاة له وزيادة في حسناته ، الثاني أن يريد أن سبهم لي لاينقص في الدنيا من قدري بل أزيد به شرفا وعلو قدر وشياع ذكر ، فالزكاة بمعنى النماء والزيادة.

فإن قيل فأي فرق بين السب والبراءة وكيف أجاز لهم السب ومنعهم من التبري (٥) والسب أفحش من التبري؟ فالجواب أما الذي يقوله أصحابنا في ذلك فإنه لافرق عندهم بين السب والتبري منه في أن كلا منهما فسق وحرام وكبيرة وأن المكره عليهما يجوز له فعلهما عند خوفه على نفسه كما يجوز له إظهار كلمة الكفر عند الخوف ، ويجوز أن لايفعلهما وإن قتل إذا قصد بذلك إعزاز الدين كما

____________________

(١) في المصدر : العبدي.

(٢) في المصدر : والله لتذبحن.

(٣) في المصدر : أن تبرؤوا.

(٤) سورة النحل : ١٠٦.

(٥) في المصدر : عن التبري.

٣٢٦

يجوز له أن يسلم نفسه للقتل ولا يظهر كلمة الكفر إعزازا للدين ، وإنما استفحش عليه‌السلام البراءة لان هذه اللفظة ما وردت في القرآن العزيز إلا من المشركين ألا ترى إلى قوله تعالى : « براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين (١) » وقال الله تعالى : « أن الله برئ من المشركين ورسوله (٢) » فقد صارت بحكم العرف الشرعي مطلقة على المشركين خاصة ، فإذن يحمل هذا النهي على ترجيح تحريم لفظ البراءة على تحريم لفظ السب وإن كان حكمهما واحدا ، ألا ترى أن إلقاء المصحف في العذرة (٣) أفحش من إلقائه في دن الشراب وإن كانا جميعا محرمين وكان حكمهما واحدا ، فأما الامامية فتروي عنه أنه قال : « إذا عرضتم على البراءة منا فمدوا الاعناق » ويقولون : إنه لايجوز التبري عنه وإن كان الحالف صادقا وأن عليه الكفارة ويقولون : إن للبراءة من الله ومن الرسول ومن إحدى الائمة حكما واحدا ويقولون : الاكراه على السب يبيح إظهاره ولا يجوز الاستسلام للقتل ويجوز أن يظهر التبري (٤) ، والاولى أن يستسلم للقتل.

فإن قيل : كيف علل نهيه لهم من البراءة منه بقوله : « فإني ولدت على الفطرة » فإن هذا التعليل لا يختص به لان كل ولد يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه؟ والجواب أنه علل نهيه لهم عن البراءة منه بمجموع أمور وهو كونه ولد على الفطرة وسبق إلى الايمان والهجرة ، ولم يعلل بآحاد هذا المجموع ومراده هنا بالولادة على الفطرة أنه لم يولد في الجاهلية لانه ولد لثلاثين عاما مضت من عام الفيل ، والنبي أرسل لاربعين مضت من عام الفيل ، وقد جاء في الاخبار الصحيحة أنه مكث قبل الرسالة سنين عشرا يسمع الصوت ويرى الضوء ولا يخاطبه أحد ، وكان ذلك إرهاصا لرسالته (٥) فحكم تلك السنين العشر حكم أيام رسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) سورة التوبة : ١.

(٢) سورة التوبة : ٣.

(٣) في المصدر : في القذر.

(٤) في المصدر : وأما الاكراه على البراءة فانه يجوز معه الاستسلام للقتل ويجوز أن يظهر التبري.

(٥) أرهص الحائط : بنى رهصه. وهو أول من الطين الذي يبنى عليه.

٣٢٧

فالمولود فيها إذا كان في حجره وهو المتولي لتربيته مولود في أيام كأيام النبوة وليس بمولود في جاهلية محضة ، ففارقت حاله حال من يدعى له من الصحابة مماثلته في الفضل ، وقد روي أن السنة التي ولد فيها هذه السنة التي بدئ فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأسمع الهتاف من الاحجار والاشجار وكشف عن بصره ، فشاهد أنوارا وأشخاصا ولم يخاطب منها (١) بشئ ، وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتل والانقطاع والعزلة في جبل حراء ، فلم يزل به حتى كوشف بالرسالة وأنزل عليه الوحي ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتيمن بتلك السنة وبولادة علي عليه‌السلام فيها ، ويسميها سنة الخير وسنة البركة ، وقال لاهله ليلة ولادته وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الالهية ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئا : « لقد ولد لنا (٢) مولود يفتح الله علينا به أبوابا كثيرة من النعمة والرحمة » وكان كما قال صلوات الله عليه ، فإنه كان ناصره والمحامي عنه وكاشف الغم عن وجهه ، وبسيفه ثبت دين الاسلام ورست (٣) دعائمه وتمهدت قواعده.

وفي المسألة تفصيل آخر وهو أن يعني بقوله : « فإني ولدت على الفطرة » التي لم تتغير ولم تحل ، وذلك أن معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كل مولود يولد على الفطرة » أن كل مولود فإن الله تعالى قد هيأه بالعقل الذي خلقه فيه وبصحة الحواس والمشاعر لان يتعلم التوحيد والعدل ، ولم يجعل فيه مانعا يمنعه من ذلك ولكن التربية والعقيدة في الوالدين والالف لاعتقادهما وحسن الظن فيهما يصده عما فطر عليه ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام دون غيره ولد على الفطرة التي لم تحل ولم يصد عن مقتضاها مانع لامن جانب الابوين ولامن جهة غيرهما ، وغيره ولد على الفطرة ولكنه حال عن مقتضاها وزال عن موجبها.

____________________

(١) في المصدر : ولم يخاطب فيها.

(٢) في المصدر : لقد ولد لنا الليلة.

(٣) رسا الشئ وأرسى : ثبت ورسخ.

٣٢٨

ويمكن أن يفسر أنه أراد بالفطرة العصمة ، وأنه منذ ولد لم يواقع قبيحا ولا كان كافرا طرفة عين ، ولا مخطئا ولا غالطا في شئ من الاشياء المتعلقة بالدين وهذا تفسير الامامية. انتهى كلامه (١).

وأقول : الاخبار في البراءة من طرق الخاصة والعامة مختلفة ، والاظهر في الجمع بينها أن يقال : بجواز التكلم بها عند الضرورة الشديدة وجواز الامتناع عنه وتحمل ما تترتب عليه ، وأما أن أيهما أولى ففيه إشكال ، بل لايبعد القول بذلك في السب أيضا ، وذهب إلى ماذكرناه في البراءة جماعة من علمائنا ، وأما ما نسبه ابن أبي الحديد إليهم جميعا من تحريم القول بالبراءة فلعله اشتبه عليه ما ذكروه من تحريم الحلف بالبراءة اختيارا ، فإنهم قطعوا بتحريم ذلك وإن كان صادقا ، ولا تعلق له بأحكام المضطر.

وقال الشيخ الشهيد في قواعده : التقية تنقسم بانقسام الاحكام الخمسة ، فالواجب إذا علم أو ظن نزول الضرر بتركها به أو ببعض المؤمنين ، والمستحب إذا كان لايخاف ضررا عاجلا ويتوهم ضررا آجلا أو ضررا سهلا ، أو كان تقية في المستحب كالترتيب في تسبيح الزهراء عليها‌السلام وترك بعض فصول الاذان ، والمكروه التقية في المستحب حيث لاضرر عاجلا ولا آجلا ، ويخاف منه الالتباس على عوام المذهب ، والحرام التقية حيث يؤمن الضرر عاجلا وآجلا أو في قتل مسلم ، قال أبوجعفر عليه‌السلام « إنما جعلت التقية ليحقن بها الدماء فإذا بلغ الدم فلا تقية » والمباح التقية في بعض المباحات التي رجحها العامة (٢) ولايصل بتركها ضرر (٣).

ثم قال رحمه‌الله : التقية يبيح كل شئ حتى إظهار كلمة الكفر ، ولو تركها حينئذ أثم إلا في هذا المقام ومقام التبري من أهل البيت عليهم‌السلام فإنه لايأثم بتركها بل صبره إما مباح أو مستحب ، وخصوصا إذا كان ممن يقتدى به (٤).

____________________

(١) شرح النهج ١ : ٤٨٧ ٤٩٢.

(٢) في المصدر : يرجحها العامة وفي ( م ) و ( د ) : ريجها العامة.

(٣) في المصدر : ولا يصير تركها ضررا.

(٤) القواعد والفوائد : ٢٦١.

٣٢٩

وقال الشيخ أمين الدين الطبرسي : قال أصحابنا : التقية جائزة في الاحوال كلها (١) عند الضرورة ، وربما وجب فيها لضرب من اللطف والاستصلاح ، وليس يجوز من الافعال في قتل المؤمن ولا فيما يعلم أو يغلب على الظن أنه استفساد في الدين.

قال المفيد رضي‌الله‌عنه : إنها قد تجب أحيانا وتكون فرضا ، وتجوز أحيانا من غير وجوب ، وتكون في وقت أفضل من تركها ، وقد يكون تركها أفضل وإن كان فاعلها معذورا ومعفوا عنه متفضلا عليه بترك اللوم عليها. وقال الشيخ أبوجعفر الطوسي رحمه‌الله : ظاهر الروايات يدل على أنها واجبة عند الخوف على النفس ، وقد روي رخصته في جواز الافصاح بالحق عنده ، انتهى (٢).

أقول : سيأتي تمام القول في ذلك في باب التقية إن شاء الله تعالى.

٨٩

( باب )

* ( كفر من آذاه أو حسده أو عانده وعقابهم ) *

١ ـ قب : الواحدي في أسباب النزول ومقاتل بين سليمان وأبوالقاسم القشيري في تفسيرهما (٣) أنه نزل قوله تعالى : « والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات (٤) » الآية في علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وذلك أن نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويسمعونه و يكذبون عليه. وفي رواية مقاتل : « والذين يؤذون المؤمنين » يعني عليا « والمؤمنات » يعني فاطمة « فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا » قال ابن عباس : وذلك أن الله تعالى أرسل عليهم الجرب في جهنم ، فلا يزالون يحتكون حتى تقطع أظفارهم ، ثم يحتكون حتى تنسلخ جلودهم ، ثم يحتكون حتى تبدو لحومهم ، ثم يحتكون

____________________

(١) في المصدر : في الاقوال كلها.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٤٣٠.

(٣) في المصدر : في تفسيريهما.

(٤) سورة الاحزاب : ٥٨.

٣٣٠

حتى تظهر عظامهم ، ويقولون : ماهذا العذاب الذي نزل بنا؟ فيقولون لهم : معاشر الاشقياء هذا عقوبة لكم ببغضكم أهل بيت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

تفسيري الضحاك ومقاتل : قال ابن عباس في قوله تعالى : « إن الذين يؤذون الله ورسوله (١) » وذلك حين قال المنافقون : إن محمدا مايريد منا إلا أن نعبد أهل بيت رسول الله بألسنتهم ، فقال : لعنهم الله في الدنيا والآخرة بالنار وأعد لهم عذابا مهينا في جهنم.

وفي تفاسير كثيرة أنه نزل في حقه : « لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لايجاورونك فيها إلا قليلا (٢) » يعني يهلكهم ، ثم قال : « ملعونين أينما ثقفوا » يعني بعدك يا محمد « أخذوا وقتلوا تقتيلا » فوالله لقد قتلهم أمير المؤمنين عليه‌السلام ثم قال : « سنة الله في الذين خلوا من قبل » الآية.

محمد بن هارون رفعه إليهم عليهم‌السلام : « لاتؤذوا رسول الله » في علي والائمة « كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا ».

كتاب ابن مردوية بالاسناد عن محمد بن عبدالله الانصاري وجابر الانصاري وفي الفضائل عن أبي المظفر بإسناده عن جابر الانصاري وفي الخصائص عن النطنزي بإسناده عن جابر كلهم عن عمر بن الخطاب قال : كنت أجفو عليا ، فلقيني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنك آذيتني يا عمر ، فقلت : أعوذ بالله من أذى رسوله ، قال : إنك قد آذيت عليا ومن آذى عليا فقد آذاني.

العكبري في الابانة : مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال : كنت أنا ورجلان في المسجد ، فنلنا من علي عليه‌السلام ، فأقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مغضبا فقال : مالكم ولي؟ من آذى عليا فقد آذاني [ من آذى عليا فقد آذاني ومن آذى عليا فقد آذاني ].

____________________

(١) سورة الاحزاب : ٥٧.

(٢) سورة الاحزاب : ٦٠.

٣٣١

الحاكم الحافظ في أماليه وأبوسعيد الواعظ في شرف المصطفى وأبوعبدالله النطنزي في الخصائص بأسانيدهم أنه حدث زيد بن علي وهو آخذ بشعره (١) ، قال : حدثني الحسين بن علي وهو آخذ بشعره ، قال : حدثني علي بن أبي طالب وهو آخذ بشعره ، قال : حدثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو آخذ بشعره فقال : من آذى أبا حسن فقد آذاني حقا ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فعليه لعنة الله وفي رواية : ومن آذى الله لعنه الله ملء السماوات وملء الارض.

الترمذي في الجامع وأبونعيم في الحلية والبخاري في الصحيح والموصلي في المسند وأحمد في الفضائل والخطيب في الاربعين عن عمران بن الحصين وابن عباس وبريدة أنه رغب علي عليه‌السلام من الغنائم في جارية ، فزايده حاطب بن أبي بلتعة وبريدة الاسلمي ، فلما بلغ قيمتها قيمة عدل في يومها أخذها بذلك ، فلما رجعوا وقف بريدة قدام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وشكا من علي ، فأعرض عنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم جاء عن يمينه وعن شماله ومن خلفه يشكو ، فأعرض عنه ، ثم قام إلى بين يديه فقالها ، فغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتغير لونه وتربد وجهه (٢) وانتفخت أوداجه وقال : مالك يابريدة ما آذيت رسول الله منذ اليوم؟ أما سمعت الله تعالى يقول : « إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا (٣) » أما علمت أن عليا مني وأنا منه وأن من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فحق على الله أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم؟ يا بريدة أنت أعلم أم الله أعلم؟ أم قراء اللوح المحفوظ أعلم؟ أنت أعلم أم ملك الارحام أعلم؟ أنت أعلم يابريدة أم حفظة علي بن أبي طالب؟ قال : بل حفظته ، قال : وهذا جبرئيل أخبرني عن حفظة علي أنهم ما كتبوا قط عليه خطيئة منذ ولد ، ثم حكى عن ملك الارحام وقراء اللوح المحفوظ (٤) وفيها ما تريدون من علي ، ثلاث مرات ،

____________________

(١) في المصدر بعد ذلك : قال : حدثني علي بن الحسين وهو آخذ بشعره اه.

(٢) تربد الرجل : تعبس. تربد اللون : تغير.

(٣) سورة الاحزاب : ٥٧.

(٤) أي حكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ملك الارحام وقراء اللوح المحفوظ أن عليا لم يعص الله قط منذ خلق. ويمكن أن يكون فاعل « حكى » جبرئيل عليه‌السلام.

٣٣٢

ثم قال : إن عليا مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي. وفي رواية أحمد : دعوا عليا (١).

٢ ـ قب : ابن سيرين عن أنس : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من حسد عليا فقد حسدني ومن حسدني فقد كفر. وفي خبر : ومن حسدني فقد دخل النار (٢).

٣ ـ فض : بإسناده إلى عبدالله بن عباس أنه قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبل علي بن أبي طالب وهو مغضب ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما بك يا أبا الحسن قال : آذوني فيك يارسول الله ، فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مغضب وقال : أيها الناس من منكم آذى عليا؟ فإنه أولكم إيمانا وأوفاكم بعهد الله ، أيها الناس من آذى عليا بعثه الله يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا ، فقال جابر بن عبدالله الانصاري : يا رسول الله وإن شهد أن لا إله إلا الله؟ قال : نعم وإن شهد أن محمدا رسول الله يا جابر (٣).

٤ ـ يف : أحمد في مسنده وابن المغازلي في مناقبه من عدة طرق أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ياأيها الناس من آذى عليا فقد آذاني. وزاد فيه ابن المغازلي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أيها الناس من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا ، فقال جابر بن عبدالله الانصاري : يارسول الله وإن شهدوا أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله؟ فقال : ياجابر كلمة يحتجزون بها أن لاتسفك دماؤهم وتؤخذ أموالهم وأن لايعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

وروى أحمد في مسنده بإسناده عن عمرو بن شاس الاسلمي وكان من أصحاب الحديبية قال : كنت (٤) مع علي عليه‌السلام إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك حتى وجدت

____________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٠ ١٢.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٣.

(٣) الروضة : ١٢.

(٤) في المصدر : خرجت.

٣٣٣

عليه في نفسي ، فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فدخلت المسجد غداة غدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أناس من أصحابه ، فلما رآني حدد إلي النظر حتى إذا جلست قال : ياعمرو أما والله لقد آذيتني ، فقلت : أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله ، فقال : بلى من آذى عليا فقد آذاني (١).

٥ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن إسحاق بن محمد بن مروان ، عن أبيه ، عن مسيح بن حاتم ، عن سلام بن أبي عمرة الخراساني ، عن محمد بن سيرين ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من حسد عليا فقد حسدني ، ومن حسدني فقد كفر (٢).

ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن علي بن أحمد بن عمرو ، عن الحسن بن الحكم (٣) ، عن الحسن بن الحسين الانصاري ، عن الحسين بن سليمان ، عن أبي الجارود ، عن محمد بن سيرين ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من حسد عليا حسدني ، ومن حسدني دخل النار. وأنشدني العرني :

إني حسدت فزاد الله في حسدي

لاعاش من عاش يوما غير محسود

ما يحسد المرء إلا من فضائله

بالعلم والظفر أو بالبأس والجود (٤)

____________________

(١) الطرائف : ١٩.

(٢) أمالي ابن الشيخ : ٤٠.

(٣) الصحيح كما في المصدر : عن الحسين بن الحكم.

(٤) أمالي ابن الشيخ : ٤٠ و ٤١.

٣٣٤

٩٠

( باب )

* ( ما بين من مناقب نفسه القدسية ) *

١ ـ لى : ابن المتوكل ، عن سعد والحميري معا ، عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن محمد بن الفضيل ، عن غزوان الضبي ، عن عبدالرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : أنا حجة الله ، وأنا خليفة الله ، وأنا صراط الله ، وأنا باب الله ، وأنا خازن علم الله ، وأنا المؤتمن على سر الله ، وأنا إمام البرية بعد خير الخليقة محمد نبي الرحمة صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

٢ ـ لى : المكتب ، عن الاسدي ، عن سهل ، عن جعفر بن محمد بن بشار ، عن الدهقان ، عن درست ، عن عبدالحميد بن أبي العلى ، عن الثمالي ، عن ابن طريف عن ابن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام أنا خليفة رسول الله ووزيره ووارثه ، أنا أخو رسول الله ووصيه وحبيبه ، أنا صفي رسول الله وصاحبه ، أنا ابن عم رسول الله و زوج ابنته وأبوولده ، أنا سيد الوصيين ووصي سيد النبيين ، أنا الحجة العظمى والآية الكبرى والمثل الاعلى وباب النبي المصطفى ، أنا العروة الوثقى وكلمة التقوى وأمين الله تعالى ذكره على أهل الدنيا. (٢)

٣ ـ لى : محمد بن عمر الحافظ ، عن محمد بن الحسين بن حفص ، عن إبراهيم بن إسماعيل ، عن أبيه ، عن جده ، عن سلمة ، عن أبي صادق قال : قال علي عليه‌السلام : ديني دين النبي وحسبي حسب النبي ، فمن تناول ديني وحسبي فإنما يتناول رسول الله (٣).

٤ ـ لى : الطالقاني ، عن الهمداني ، عن المنذر بن محمد ، عن جعفر بن سليمان

____________________

(١) أمالي الصدوق : ٢٢.

(٢) أمالي الصدوق : ٢٤.

(٣) أمالي الصدوق : ٢٤٩.

٣٣٥

عن عبدالله بن الفضل ، عن سعد بن طريف ، عن الاصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في بعض خطبه : أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه عني فإن الفراق قريب ، أنا إمام البرية ، ووصي خير الخليقة ، وزوج سيدة نساء هذه الامة ، و أبوالعترة الطاهرة والائمة الهادية ، أنا أخو رسول الله ووصيه ووليه ووزيره و صاحبه وصفيه وحبيبه وخليله ، أنا أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين وسيد الوصيين ، حربي حرب الله ، وسلمي سلم الله ، وطاعتي طاعة الله ، وولايتي ولاية الله وشيعتي أولياء الله ، وأنصاري أنصار الله ، والذي خلقني ولم أك شيئا لقد علم المستحفظون من أصحاب رسول الله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الناكثين والقاسطين والمارقين ملعونون على لسان النبي الامي وقد خاب من افترى (١).

٥ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن إبراهيم وأحمد بن زكريا ، عن محمد بن نعيم ، عن يزداد بن إبراهيم ، عمن حدثه من أصحابنا عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : والله لقد أعطاني الله تبارك وتعالى تسعة أشياء لم يعطها أحدا قبلي ما خلا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد فتحت لي السبل ، وعلمت الانساب ، وأجري لي السحاب ، وعلمت المنايا والبلايا وفصل الخطاب ، ولقد نظرت في الملكوت بإذن ربي فما غاب عني ماكان قبلي [ ولايكون ما فاتني من بعدي (٢) ] وما يأتي بعدي ، وإن بولايتي أكمل الله لهذه الامة دينهم وأتم عليهم النعم ، ورضي [ لهم ] إسلامهم ، إذ يقول يوم الولاية لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا محمد أخبرهم أني أكملت لهم اليوم دينهم وأتممت عليهم نعمتي ورضيت لهم الاسلام دينا كل ذلك من من الله علي فله الحمد (٣).

ير : أحمد بن الحسين مثله (٤).

____________________

(١) أمالي الصدوق : ٣٦٠ و ٣٦١.

(٢) هذه الجملة التي من مختصات ( ك ) فقط توجد في البصائر وليست في الخصال.

(٣) الخصال ٢ : ٤٢ و ٤٣.

(٤) بصائر الدرجات : ٥٤.

٣٣٦

بيان : المراد بفتح السبل كشف طرق العلوم والمعارف أو سبل السماوات [ كما مر ] وإجراء السحاب معناه ما مر وسيأتي أنه تعالى سخر لهم السحاب يذهب بهم حيث يشاؤون.

وقال البيضاوي في قوله تعالى : « وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب (١) » أي فصل الخصام بتمييز الحق عن الباطل أو الكلام المخلص الذي ينبه المخاطب على المقصود من غير التباس يراعى فيه مظان الفصل والوصل والعطف والاستيناف والاضمار و الاظهار والحذف والتكرار ونحوها ، وإنما سمي به « أما بعد » لانه يفصل المقصود عما سبق مقدمة له من الحمد والصلاة ، وقيل : هو الخطاب القصد الذي ليس فيه اختصار مخل ولا إشباع ممل ، كما جاء في وصف كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : فصل لا نزر ولا هذر (٢).

٦ ـ ل : علي بن محمد المعروف بابن مقبرة ، عن محمد بن أحمد بن المؤمل ، عن محمد بن علي بن خلف ، عن نصر بن مزاحم ، عن عمر بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كان لي من رسول الله عشر [ خصال ] ما أحب أن يكون لي بإحداهن (٣) ما طلعت عليه الشمس : قال لي : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وأقرب الخلائق مني في الموقف وأنت الوزير والوصي والخليفة في الاهل والمال ، وأنت آخذ لوائي في الدنيا والآخرة ، وإنك وليي ووليي ولي الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله (٤).

٧ ـ ل : ماجيلويه ، عن عمه ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن نصر بن مزاحم عن أبي خالد ، عن زيد بن علي بن الحسين ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : كان لي عشر من رسول الله لم يعطهن أحد قبلي ولا يعطاهن أحد بعدي ، قال لي : ياعلي

____________________

(١) سورة ص : ٢٠.

(٢) تفسير البيضاوي ٢ : ١٣٩.

(٣) في المصدر : ما أحب أن لي باحداهن.

(٤) الخصال ٢ : ٥٠.

٣٣٧

أنت أخي في الدنيا [ وأخي ] في الآخرة ، وأنت أقرب الناس مني موقفا يوم القيامة ومنزلي ومنزلك في الجنة متواجهان كمنزل الاخوين ، وأنت الوصي وأنت الولي وأنت الوزير وعدوك عدوي وعدوي عدو الله ، ووليك وليي ووليي ولي الله (١).

لى : الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، عن جده يحيى بن الحسن ، عن إبراهيم بن علي والحسن بن يحيى معا عن نصر بن مزاحم مثله (٢).

ما : المفيد ، عن الحسن بن محمد بن يحيى ، عن جده ، عن إبراهيم والحسن بن يحيى ، جميعا عن نصر بن مزاحم ، عن أبي خالد الواسطي مثله (٣).

٨ ـ ل : أحمد بن محمد بن الصقر ، عن محمد بن العباس ، عن محمد بن خالد بن إبراهيم ، عن إسماعيل بن موسى ، عن عبدالله بن محمد ، عن أبيه ، عن عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد ، عن محمد بن علي الباقر ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : قال علي عليه‌السلام : كانت لي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشر خصال ما يسرني بإحداهن ماطلعت عليه الشمس وما غربت ، فقال (٤) بعض أصحابه : بينها لنا يا علي ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يا علي أنت الوصي وأنت الوزير وأنت الخليفة في الاهل و المال ، وليك وليي وعدوك عدوي ، وأنت سيد المسلمين من بعدي ، وأنت أخي و أنت أقرب الخلائق مني في الموقف ، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة (٥).

٩ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد الازدي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كان لي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشر ما يسرني بالواحدة منهن ماطلعت عليه الشمس : قال : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وأنت أقرب الناس مني موقفا يوم القيامة ، ومنزلك تجاه منزلي

____________________

(١) الخصال ٢ : ٥٠.

(٢) أمالي الصدوق : ٤٨.

(٣) أمالي الطوسي : ٨٥.

(٤) في المصدر : فقال له.

(٥) الخصال ٢ : ٥٠.

٣٣٨

في الجنة كما يتواجه الاخوان في الله ، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، و أنت وصيي ووارثي وخليفتي في الاهل والمال والمسلمين (١) في كل غيبة ، شفاعتك شفاعتي ، ووليك وليي ووليي ولي الله ، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله (٢).

١٠ ـ يد ، مع : ابن الوليد ، عن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر عن ابن سنان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبته : أنا الهادي أنا المهتدي وأنا أبواليتامى والمساكين وزوج الارامل ، وأنا ملجأ كل ضعيف ومأمن كل خائف ، وأنا قائد المؤمنين إلى الجنة ، وأنا حبل الله المتين ، وأنا عروة الله الوثقى وكلمة التقوى (٣) ، وأنا عين الله ولسانه الصادق ويده وأنا جنب الله الذي يقول : « أن تقول نفس ياحسرتى على مافرطت في جنب الله (٤) » وأنا يد الله المبسوطة على عباده بالرحمة والمغفرة ، وأنا باب حطة ، من عرفني وعرف حقي فقد عرف ربه ، لاني وصي نبيه في أرضه وحجته على خلقه ، لاينكر هذا إلا راد على الله وعلى رسوله (٥).

بيان : قوله عليه‌السلام : « أنا حبل الله » إشارة إلى قوله تعالى : « واعتصموا بحبل الله جميعا (٦) » وإنما شبه بالحبل لانه وسيلة الخلق ، إذ به وبولايته ومتابعته يصلون إلى قرب الله وحبه وكرامته وجنته ، فكأنه حبل ممدود بين الله وبين الخلق ، قال الجزري : فيه « هو حبل الله المتين » أي نور هداه ، وقيل : عهده وأمانه الذي يؤمن من العذاب ، والحبل : العهد والميثاق (٧). قوله عليه‌السلام : « وأنا عروة الله الوثقى »

____________________

(١) في المصدر و ( م ) و ( د ) : وللمسلمين.

(٢) الخصال ٢ : ٥٠ و ٥١.

(٣) في المعاني : وكلمة الله التقوى.

(٤) سورة الزمر : ٥٦.

(٥) التوحيد : ١٥٥ و ١٥٦. معاني الاخبار : ١٧ و ١٨.

(٦) سورة آل عمران : ١٠٣.

(٧) النهاية ١ : ١٩٧.

٣٣٩

إشارة إلى قوله تعالى : « فقد استمسك بالعروة الوثقى (١) » والعروة : مايتمسك به وكلمة التقوى إشارة إلى قوله تعالى : « وألزمهم كلمة التقوى (٢) » وقد مر بيانها قوله عليه‌السلام : « وأنا عين الله » أي شاهده على عباده من العين بمعنى الباصرة أو الجاسوس وقال الجزري : في حديث عمر : « أن رجلا كان ينظر في الطواف إلى حرم (٣) المسلمين ، فلطمه علي عليه‌السلام فاستعدى عليه (٤) ، فقال : ضربك بحق ، أصابته عين من عيون الله » أراد خاصة من خواص الله ووليا من أولياء الله (٥).

وشبه عليه‌السلام باللسان لان اللسان يعبر ويظهر ما يريد الرجل إظهاره ، وهو صلوات الله عليه يبين علومه تعالى وأسراره. واليد : النعمة والرحمة وهو مجاز شائع والمراد بالجنب إما الجانب والناحية وهو صلوات الله عليه الناحية التي أمر الله الخلق بالتوجه إليها ، أو هو كناية عن قربهم من جنابه تعالى وأن قربه تعالى لا يحصل إلا بالتقرب بهم ، كما أن من أراد أن يقرب من الملك يجلس بجنبه ومن يجلس بجنبه فهو أقرب الخلق إليه وأعزهم إليه.

قال الكفعمي : قال الباقر (٦) عليه‌السلام : معناه أنه ليس شئ أقرب إلى الله تعالى من رسوله ولا أقرب إلى رسوله من وصيه ، فهو في القرب كالجنب ، وقد بين الله تعالى ذلك في كتابه في قوله : « أن تقول نفس ياحسرتى على مافرطت في جنب الله (٧) » يعني في ولاية أوليائه. وقال الطبرسي في مجمعه : الجنب : القرب ، أي ياحسرتى على مافرطت في قرب الله وجواره ، وفلان في جنب فلان أي في قربه وجواره ، ومنه

____________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٦.

(٢) سورة الفتح : ٢٦.

(٣) بضم الاول وفتح الثاني جمع الحرمة ، حرم الرجل وأهله.

(٤) في المصدر : فاستعدى عليه عمر.

(٥) النهاية ٣ : ١٤٥. وفيه : ووليا من أوليائه.

(٦) في المصدر : قال الصادق عليه‌السلام.

(٧) سورة الزمر : ٥٦.

٣٤٠