دراسات موجزة في الخيارات والشروط

الشيخ جعفر السبحاني

دراسات موجزة في الخيارات والشروط

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ١
ISBN: 964-7741-18-9
الصفحات: ٢٠٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

خيار الرؤية فوري أو لا ؟

يظهر من العلّامة عدم الخلاف بين المسلمين في كون خيار الرؤية فورياً إلّا أحمد بن حنبل حيث جعله ممتدّاً بامتداد المجلس الذي وقعت فيه الرؤية ، وأمّا حسب الأدلّة فإن قلنا بأنّ صحيحة جميل بن درّاج في مقام البيان ، أي بيان أصل الخيار وكيفيّته من الفور والتراخي ، فسكوته عن الفورية يدلّ على بقاء الخيار حتى بعد انفضاض المجلس .

وأمّا لو قلنا بعدم كونها في مقام البيان فقد عرفت أنّ الأصل في العقود هو اللزوم خرج عنه زمان الرؤية ، وأمّا بعدها فهو باق تحت الضابطة .

ثمّ إنّه إذا كان المشتري جاهلاً بالحكم أو بفوريته أو نسيهما ، فهل يعد الجهل عذراً أو لا ؟ الظاهر من الأصحاب عدم كون الجهل عذراً .

اللهمّ إلّا إذا كان وجوب الوفاء ضررياً لا يتسامح فيه ، ولعلّ الجهل عذر في هذه الموارد حسب روح الشريعة الإسلامية السمحة .

٨١
 &

مسقطات خيار الرؤية

يسقط هذا الخيار بأُمور :

١ . التسامح في الإعمال على القول بالفورية .

٢ . الإسقاط القولي بعد الرؤية .

٣ . التصرف بعد الرؤية .

أمّا الأوّلان فواضح ، وأمّا الثالث فوجه السقوط انّ التصرّف يعدّ عرفاً التزاماً بالبيع وإسقاطاً فعلياً للخيار ، ولعلّ ما في صحيحة علي بن رئاب في خيار الحيوان إشارة إلى انّ سقوط الخيار بالتصرّف ضابطة كليّة في عامة الخيارات .

قال فيه : « فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيام ، فذلك رضا منه فلا شرط » . (١) أي رضا منه في نظر العرف ، فلو كان أمارة للرضا بشراء الحيوان ، يكون كذلك في سائر الموارد .

نعم التصرّف قبل الرؤية لا يعدّ إسقاطاً فعلياً ، إذ ليس كاشفاً عند العقلاء عن الرضا خلافاً للتصرّف بعد الرؤية .

كما أنّه لو كان المتصرّف عالماً بالحال قبل الرؤية وتصرّف ، يكون تصرّفه هذا مسقطاً للخيار .

٤ . إسقاطه باللفظ بعد العقد قبل الرؤية

إذا قال : أسقطت خيار الرؤية لو بان الخلاف ، يسقط خياره وليس هناك

__________________

١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديث ١ .

٨٢
 &

مانع من صحّة الإسقاط إلّا كونه من قبيل إسقاط ما لم يجب ، وقد عرفت أنّه يكفي في صحّته ـ مضافاً إلى كونه أمراً عقلائياً ـ وجود المقتضي وهو العقد ، من غير فرق بين جعل الرؤية كاشفاً عن وجود الخيار في زمان العقد أو سبباً محدثاً ، وإن كان الإسقاط على الكشف أوضح .

ثمّ إنّ الخيار يسقط في هذه الموارد ـ بعد انعقاد العقد صحيحاً عارياً عن الغرر ـ والعقد كان عند انعقاده حائزاً لشرائط الصحّة التي منها عدم كونه غرريّاً خلافاً للشقّ الآتي .

٥ . إسقاطه في متن العقد

اختلفت كلمتهم في صحّة إسقاطه في العقد إلى أقوال ، فمن قائل بفساد الشرط وإفساده ، وهو خيرة العلّامة والشيخ الأعظم (١) ، إلى قائل آخر بصحّة الشرط والمشروط ، إلى ثالث مفصّل بين فساد الشرط وصحّة العقد ، وانّ الأوّل فاسد دون الثاني .

والحقّ هو القول الأوّل ، وذلك لأنّ ابتياع الشيء الغائب جاهلاً بأوصافه المطلوبة غرر لا بدّ من رفعه ، والذي يتصور أن يكون رافعاً أحد الأُمور التالية :

١ . جعل الخيار ؛

يلاحظ عليه : أنّ الخيار حكم شرعي مترتب على صحّة العقد فلا بدّ من تحقّق الصحّة قبل الخيار حتّى يترتّب عليه الخيار ، فكيف يمكن أن تكون صحّة العقد معلّقة على جعل الخيار ؟ !

أضف إلى ذلك انّه لو كان جعل الخيار رافعاً للغرر (٢) لزم تصحيح بيع

__________________

١ . المتاجر ، قسم الخيارات ، ص ٢٥١ .

٢ . والمراد من الغرر في المقام هو الخطر وليست الجهالة من معانيه .

٨٣
 &

كلّ مجهول مشروط بالخيار .

٢ . الوصف ؛ بيانه انّ البيع الغرري عبارة عن بيع شيء على أيّ نحو ، دون البيع موصوفاً بصفات معيّنة .

يلاحظ عليه : أنّ الوصف بما هو هو ليس رافعاً للغرر ، لأنّه إخبار ولا نعلم أنّه صادق في إخباره أو كاذب ومن المحتمل أن يكون المبيع فاقداً له ، ومعه كيف يخرج البيع عن كونه غرريّاً ؟ ! فالإقدام على ابتياع شيء هذا حاله وشأنه ، خطر كله .

٣ . العلم بصدق البائع والوثوق بقوله وإخباره بأنّ المبيع كذا وكذا .

ولا شكّ انّ العلم بصدق البائع رافع للغرر لكنّه عزيز الوجود .

٤ . التزام البائع ضمن الإنشاء بتسليم المبيع بالصفات التي توافقا عليها على نحو لو لم يف بالتزامه يكون مأخوذاً بالقانون ومحكوماً بما يقتضيه الشرع ، وهذا النوع من العقد هو الرافع للغرر حتماً لا غيره لكن بشرط بقائه إلى الفراغ عن العقد حتّى يترتّب عليه الأثر .

فإن قلت : ما الفرق بين وصف البائع بالمبيع وبين التزامه بالوصف في ضمن العقد حيث إنّ الأوّل غير رافع للغرر ، بخلاف الثاني .

قلت : الفرق واضح حيث إنّ القيود والأوصاف المذكورة خارج الإنشاء لا يلزم الوفاء بها عند مشهور الفقهاء ، وهذا بخلاف الأوصاف والشروط الواقعة تحت الإنشاء حيث يجب الوفاء بها .

ثمّ إنّ الأثر الشرعي المترتب على هذا النوع من التعهد أحد الأمرين :

١ . إلزام الحاكم بأداء العين موصوفة بالصفة .

٢ . جواز فسخ العقد .

والأوّل غير ممكن ، لأنّ المفروض انّ المبيع فاقد للوصف وبما انّه مبيع

٨٤
 &

مشخص لا يقبل التعويض والتبديل .

والثاني غير باق ، لأنّ المفروض إسقاط الخيار في متن العقد ، فيصبح هذا النوع من التعهد ، والإلتزام بلا أثر شرعي ولا قانوني فيصبح البيع غررياً باطلاً ، لأنّ المفروض انّ تعهده وعدمه سواسية .

فالحقّ انّ الإسقاط في متن العقد باطل ومبطل لاستلزامه كون العقد غرريّاً بخلاف إسقاطه بعد العقد قبل الرؤية .

خيار الرؤية من الخيارات العامة

إنّ خيار الرؤية يعمّ كلّ عقد واقع على عين شخصية موصوفة كالصلح والإجارة ، وقد عرفت أنّ هذا النوع من العقد أمر رائج بين العقلاء ، من غير فرق بين وقوع العقد على المبيع أو تمليك المنفعة أو غير ذلك ، فلو آجر داراً معّينة بصفات خاصة ثمّ بان خلافها عند الرؤية فللمستأجر خيار الرؤية .

التحقيق

ما الفرق بين إسقاط خيار الرؤية في متن العقد ، ومسألة تبرّئ البائع من العيوب ، حيث قالوا بصحة العقد فيه مع أنّه عندئذ يصبح الإلتزام بصحّة المبيع بلا أثر شرعي وقانوني لتبرّئه من العيب ، فيكون البيع غررياً ، مع أنّ المشهور قالوا بصحّة العقد والتبرّئ ، غاية الأمر انّ للمشتري الخيار .

لاحظ : كتاب المختار في أحكام الخيار ، ص ٣١٣ .

٨٥
 &

دراسات موجزة في الخيارات والشروط لجعفر السبحاني

٨٦
 &

المقصد الثاني

في الخيارات الخاصّة بالبيع

وفيه فصول :

١ . خيار المجلس

٢ . خيار الحيوان

٣ . خيار التأخير

٨٧
 &

دراسات موجزة في الخيارات والشروط لجعفر السبحاني

٨٨
 &



الفصل الأوّل

خيار المجلس

قد ركّزنا في هذا المبحث على بيان الخيارات المختصّة بالبيع التي منها خيار المجلس وإليك توضيحه :

إنّ تسلّط كلّ من المتبايعين على فسخ البيع ما لم يتفرّقا عن مجلسه ، هو المسمّى بخيار المجلس ؛ وإضافته إلى المجلس إمّا من باب إضافة الحالِّ إلى المحل ، والمراد من المجلس مطلق مكان العقد وإن كانا قائمين فيه ، أو من باب إضافة المسبّب إلى السبب لكون المجلس سبباً للخيار ، كخيار الغبن والعيب لكونهما سببين له .

وهذا الخيار من ضروريات فقه الإمامية ، ووافقهم في ذلك لفيف من الصحابة ، منهم : عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وأبو برزة الأسلمي ، ومن التابعين : الحسن البصري وسعيد بن مسيّب والزهري وعطاء ، ومن الفقهاء : الأوزاعي وأحمد بن حنبل والشافعي . نعم ، خالفهم من الفقهاء : مالك وأبو حنيفة وأصحابه .

٨٩
 &

وقد تضافرت الروايات من طرقنا على ثبوته ، نذكر منها ما يلي :

١ . روى محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « البيّعان بالخيار حتّى يفترقا ، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام » . (١)

٢ . روىٰ أيضاً ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « بايعت رجلاً فلمّا بايعته قمت فمشيت خُطاً ثمّ رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا » . (٢)

٣ . روى زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سمعته يقول : « البيّعان بالخيار حتّى يفترقا ، وصاحب الحيوان ثلاث . . . » ( يريد ثلاثة أيّام ) . (٣)

وعن طرق أهل السنّة ، روى نافع عن ابن عمر ، أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا إلّا بيع الخيار » . (٤)

ثبوته للوكيل

وهل يثبت للوكيل كثبوته للأصل كما عليه المحدّث البحراني (٥) ، أو يختصّ بالعاقد من المالكين كما عليه المحقّق الثاني (٦) ، أو يُفصَّل بين الوكيل الذي له السلطة على التصرّف في العوض المنتقل إليه حتّى يمكنه نقله إلى الطرف المقابل بالفسخ فيثبت ، وبين من يكون وكيلاً في مجرّد إجراء الصيغة فلا يثبت كما عليه

__________________

١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ١ من أبواب بالخيار ، الحديث ١ .

٢ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٢ من أبواب الخيار ، الحديث ٣ .

٣ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٣ من أبواب الخيار ، الحديث ٦ .

٤ . سنن ابن ماجة : ٢ / ٧٣٦ ، حديث ٢١٨٢ ؛ مسند أحمد : ٢ / ٩ ؛ سنن الترمذي : ٣ / ٥٤٧ ، الحديث ١٢٤٥ . وقد مرّ تفسير « بيع الخيار » في « خيار الشرط » .

٥ . الحدائق : ٩ / ٧ .

٦ . جامع المقاصد : ٤ / ٢٨٦ .

٩٠
 &

شيخنا الأنصاري ؟ (١)

وهناك تفصيل رابع قوّيناه في محاضراتنا ، وهو أنّ ثبوت الخيار للوكيل لا يتوقّف على كونه وكيلاً في التصرّف فيما انتقل إليه من العوض ـ كما عليه شيخنا الأنصاري ـ بل يكفي أدون من ذلك وهو ثبوت السلطنة له على نفس العقد إيجاداً وحلّاً بعد الانعقاد ، في مقابل ما يكون وكيلاً في إيجاد العقد فقط ، وعندئذٍ يكون له الخيار ، لأنّ كونه وكيلاً بهذا المعنى أنّ زمام العقد بيده ، فسخاً وإبقاءً .

وعلى ضوء ذلك ففي كلّ مورد تجوز له الإقالة يثبت له الخيار . (٢)

ثبوته للموكل

وهل يثبت خيار المجلس للموكّل نظراً إلى أنّ ثبوته للنائب يستلزم ثبوته للمنوب عنه بوجه أولى ، أو لا يثبت له مطلقاً لأنّ الموضوع هو البيّع وهو موضوع لمن صدر منه البيع وليس هو إلّا الوكيل ، أو يفصّل بين ما ثبت للوكيل ، فلا يثبت للموكل ، وما إذا لم يثبت له ، فيثبت للموكّل ، نظراً إلى أنّ خيار المجلس من لوازم البيع غير المنفكة عنه ، فإذا كان الوكيل فاقداً للخيار كان الخيار للموكّل قهراً .

والأظهر هو الوجه الأوّل ، وذلك لأنّ البيّع وإن كان موضوعاً لمن صدر منه البيع لكن الصدور أعمّ من المباشرة والتسبيب وليس المراد من « البيع » في قوله : « من صدر عنه البيع » ، العقدُ اللفظي حتى يكون قائماً بالوكيل فقط ، بل

__________________

١ . المتاجر ، قسم الخيارات ، ص ٢١٧ .

٢ . المختار في أحكام الخيار : ٤٠ .

٩١
 &

المراد البيع الاعتباري الذي يصلح لأن يُنتسب إلى كلّ من الوكيل والموكّل .

وإن شئت قلت : إنّ مَثَلُ البيع في المقام نظير التوفّي في الذكر الحكيم فإنّه فعل الملائكة لقوله سبحانه : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ) (١) وفي الوقت نفسه هو فعل الله سبحانه لقوله : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) (٢) ، وعلى ذلك فلا مانع من أن يكون كلّ من الملك وخالقه متوفياً بنسبتين مختلفتين بالمباشرة والتسبيب ، ومثله « البيّع » حرفاً بحرف .

لو كان العاقد واحداً

ربّما يتّحد العاقد ويعقد عن الطرفين ولاية أو وكالة ، أو أصالة من جانب نفسه ، وولاية أو وكالة من غيره ، فهل يثبت الخيار للعاقد الواحد أو لا ؟

ربما يرجّح الثاني بأنّ الموضوع في لسان الدليل هو « البيّعان » وهو لا يصدق على العاقد الواحد .

يلاحظ عليه بأنّ الغرض من التثنية هو التنبيه على ثبوت الحكم لكلّ من البائع والمشتري ، وأنّه لا يختصّ بالبائع مثلاً ، لا إخراج العاقد الواحد ، ولأجل ذلك يقول المحقّق : « لو كان العاقد واحداً عن اثنين كالأب والجدّ كان الخيار ثابتاً ، وأمّا ما هو المسقط عندئذٍ ـ بعد عدم تصوّر الافتراق الذي هو غاية الخيار ، فالظاهر بقاء العقد خيارياً ما لم يشترط العاقد سقوطه في متن العقد ، فيبقى العقد خيارياً حتى يسقط بسائر الأُمور المسقطة .

__________________

١ . النحل : ٣٢ .

٢ . الزمر : ٤٢ .

٩٢
 &

خيار المجلس وسائر العقود اللازمة

الظاهر اختصاص خيار المجلس بالبيع ، لأنّ موضوعه في لسان الدليل هو البيَّع وهو غير صادق على الموجر والمتصالح ، ومنه تظهر حال العقود الجائزة كالعارية والوكالة والقراض والجعالة ، لعدم صدق الموضوع ( البيع أوّلاً ) ولغوية دخوله فيها ، لأنّها في عامة الأوقات جائزة ولا حاجة للتوقيت .

خيار المجلس وبيع الصرف والسلم

هل مبدأ الخيار في بيع الصرف والسلم من حين العقد مثل غيرهما أو المبدأ هو بعد التقابض في الصرف ، والإقباض في السلم ؟ ، الظاهر هو الثاني ، ويعلم وجهه بعد الإحاطة بالفرق بين القبض في الصرف والسلم ، والقبض في غيرهما وهو انّ القبض في الأوّلين مكمّل للعقد وجزء منه ولولاه لكان العقد ناقصاً ، فلو تفرّقا قبله بطل العقد ، بخلافه في غيرهما فإنّ العقد أو البيع عندئذٍ كامل والقبض عمل بالتعهد وخروج من عهدة الواجب الذي فرضه عليهما العقد ولذلك لو تفرّقا يصير العقد لازماً .

ثمّ إنّ في كون مبدأ الخيار هو العقد ، أو التقابض في الصرف والإقباض في السلم ، وجهين : من ظهور النصّ في أنّ الخيار يتعلّق بالعقد الصحيح التام ، والعقد قبلهما غير تام أو غير صحيح فلا موضوع للخيار فيه ، ومن كون الموضوع هو البيّعان وهو صادق عليهما قبل القبض أو التقابض .

٩٣
 &

مسقطات خيار المجلس

يسقط خيار المجلس بأُمور أَربعة :

الأوّل : اشتراط سقوطه في نفس العقد

يسقط خيار المجلس باشتراطه في متن العقد لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المؤمنون عند شروطهم إلّا ما حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً » (١) والمفروض انّ الشرط أمر جائز في نفسه فلا يشمله قوله : « إلّا ما حرّم حلالاً ، أو أحلّ حراماً » .

وبعبارة أُخرى : انّ معنى قوله : « البيّعان بالخيار » انّ البيع بما هو هو مع قطع النظر عن الطوارئ والعوارض مقتض للخيار ، وهذا لا يمنع من عروض عنوان ، يمنع عن تأثير المقتضي كما هو الحال في أكثر العناوين الثانوية بالنسبة إلى العناوين الأوّلية ، فالوضوء بما هو هو واجب ولكنّه غير مانع من عدم وجوبه لأجل الضرر والحرج .

الثاني : الإسقاط بعد العقد

وهذا هو المسقط الثاني الذي وصفه الشيخ بالمسقط الحقيقي ، لأنّ إسقاطه في أثناء العقد من قبيل الدفع وهذا من قبيل الرفع ، والفرق بينهما واضح ، وغنيّ عن البيان .

والدليل على صحته هو انّ المشرّع لخيار المجلس وإن كان هو الشرع ولم يكن بين العقلاء فيه عين ولا أثر ، لكنّه لا يكون سبباً لأن تختلف ماهيته مع سائر

__________________

١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديث ١ و ٢ ، ٥ .

٩٤
 &

الخيارات ، فخيار المجلس كسائر الخيارات التي شُرِّع لصالح صاحبه ويعدّ حقّاً له فله أن يتقلّب فيه كيفما شاء ما لم يدلّ دليل على أنّه من الحقوق غير القابلة للإسقاط كحقّ الحضانة والولاية ، والمفروض عدم دليل على أنّ خيار المجلس من الحقوق غير القابلة للإسقاط .

نعم لو قيل بأنّ خيار المجلس من قبيل الأحكام فلا مجال للاسقاط بعد العقد ، لعدم تعلّقه بالحكم الشرعي .

الثالث : الافتراق

قد تضافرت الروايات على سقوط خيار المجلس بالافتراق ، لكونه كاشفاً عن الرضا بالبيع غالباً (١) ، نعم لا يشترط إحراز كون الافتراق عن رضا ، بل يكفي كونه كاشفاً عنه غالباً ، لإطلاق الدليل .

وأمّا ما هو المحقّق للافتراق فالظاهر انّه يرجع فيه إلى العرف والعادة ، لأنّه من المفاهيم العرفية فيرجع فيه إليه ومن المعلوم انّه لا يصدق على الخطوة والخطوتين (٢) فضلاً عن انفصال السفينتين بأقلّ من خطوة ، خصوصاً إذا كان الافتراق لغرض عقلائي من دون أن ينوي المفارقة عن مكان التعامل ، كما إذا كان المكان ضيّقا أو حاراً أو بارداً فيمشي خطوة أو خطوتين لتلك الغاية من دون قصد المفارقة وترك مجلس البيع .

نعم يشترط أن يكون الافتراق عن اختيار ، فلو أكره المتعاقدان بالافتراق لم يسقط خيارهما ، سواء تمكّنا من الفسخ والإمضاء أو مُنعا حتى من التخاير . أمّا الصورة الثانية فواضحة ، وأمّا الصورة الأُولى ، أعني : إذا أكرها على الافتراق مع

__________________

١ . وفي حديث فضل إشارة إليه ، لاحظ الوسائل : ١٢ ، ، الباب ١ من أبواب الخيار ، الحديث ٣ .

٢ . وقد مرّ حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام انّه مشى خُطاً ولعلّها كانت خُطاً كثيرة .

٩٥
 &

تمكّنهما من الفسخ والإمضاء ، فلأجل انّ المتعاقدين وإن كانا متمكّنين من الإمضاء والفسخ ، ولكن ربما لا يكونان جازمين بأحد الطرفين ويتوقف الجزم على التروّي في مجلس البيع ، وقد أكرها على التفرّق .

الرابع : التصرّف في المثمن أو الثمن

إنّ كون التصرّف مسقطاً لخيار المجلس على وجه يأتي في خيار الحيوان مما لم يظهر بين الفقهاء خلاف فيه ، وقد ورد في الروايات انّ التصرّف في الحيوان آية رضاه بالبيع قال عليه‌السلام : « . . . فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيّام فذلك رضا منه فلا شرط » . (١) فكأنّ التصرّف المعبّر عنه بإحداث الحدث دليل عرفي على رضاه بالبيع ، وسقوط خياره مطلقاً ، سواء كان الخيار خيار حيوان ، أو خيار مجلس أو غيرهما .

التحقيق

ربّما استثني من ثبوت خيار المجلس موارد أربعة ذكرها الشيخ الأنصاري وهي :

١ . من ينعتق على أحد المتبايعين ، ٢ . العبد المسلم المشترى من الكافر ، ٣ . شراء العبد نفسه ، ٤ . المبيع غير القابل للبقاء كالجمد في الجو الحار .

اذكر ما هو الدليل على استثناء هذه الموارد عن إطلاق الدليل ، أعني : البيّعان بالخيار ؟ وما هو المحذور الشرعي للقول بثبوته فيها ؟

لاحظ : المتاجر ، قسم الخيارات ، ص ٢١٨ .

__________________

١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديث ١ .

٩٦
 &



الفصل الثاني

خيار الحيوان

خيار الحيوان ممّا انفردت به الإمامية ولم يقل به غيرهم ، ويظهر من الشيخ في خلافه (١) أنّ خيار الحيوان هو نفس خيار المجلس ، غاية الأمر أنّه ينقضي في غير الحيوان بالافتراق ، وفيه بانقضاء ثلاثة أيّام ، وفي بعض الروايات إلماع إلى ذلك وسيوافيك تفصيله .

وبما أنّ الموضوع هو الحيوان فيشمل بيع كلّ ذي حياة له قيمة حتّى النحل ودود القز ، والعلق .

نعم هو منصرف عمّا يباع لا بما أنّه حيوان بل بما انّه لحم ، كالسمك المخرج من الماء ، والجراد المحرز ، والصيد المشرف على الموت .

كما أنّه منصرف عن الحيوان الكلّي إذا باع سلفاً ، فانّه ليس حيواناً إلّا بالحمل الأوّلي لا بالحمل الشائع ، ولولا النصّ على شمول خيار الحيوان لبيع الرقّ لقلنا بنفس هذا الانصراف فيه ، لأنّه ليس بحيوان عرفاً وإن كان كذلك عقلاً .

__________________

١ . الخلاف : ٣ ، كتاب البيوع ، المسألة ٨ .

٩٧
 &

وكيف كان فيقع الكلام في المواضع الثلاثة :

١ . اختصاص خيار الحيوان بالمشتري وعدمه .

٢ . مبدأ الخيار ومنتهاه .

٣ . مسقطاته .

الموضع الأوّل : في اختصاصه بالمشتري وعدمه

هنا أقوال ثلاثة :

١ . اختصاص الخيار بالمشتري ؛ قال العلّامة في « المختلف » (١) : « خيار الحيوان ثلاثة أيّام يثبت في العقد سواء شرطاه أو لا للمشتري خاصّة ، ذهب إليه الشيخان وابن الجنيد وسلّار والصدوق وابن البراج وابن إدريس » .

٢ . عمومية الخيار للبائع والمشتري ؛ وهو خيرة السيد المرتضى (٢) ، وحكي عن ابن طاووس ، وقوّاه الشهيد الثاني في « المسالك » . (٣)

٣ . ثبوته لصاحب الحيوان بائعاً كان أو مشترياً ، مثمناً كان أو ثمناً ؛ ذكره العلّامة في « المختلف » (٤) بصورة الاحتمال ، فتكون الأقوال أو الاحتمالات ثلاثة .

دليل القول باختصاصه بالمشتري

استفاضت الروايات على ثبوت الخيار للمشتري ، نذكر منها ما يلي :

__________________

١ . المختلف : ٥ / ٦٥ .

٢ . الانتصار : ٢٠٧ .

٣ . المسالك : ٣ / ٢٠٠ .

٤ . المختلف : ٥ / ٦٥ .

٩٨
 &

١ . صحيحة فضيل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : ما الشرط في الحيوان ؟ قال : « ثلاثة أيّام للمشتري » .

قلت : ما الشرط في غير الحيوان ؟ قال : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما » . (١) ودلالة الحديث على اختصاصه بالمشتري واضحة .

وذلك لأنّه عبّر في خيار الحيوان بلفظ « للمشتري » وفي خيار المجلس بقوله : « البيّعان » ، مضافاً إلى أنّ القيد ( للمشتري ) في مقام التحديد يدلّ على المفهوم بمعنى عدم ثبوته لغيره .

٢ . صحيحة علي بن رئاب : « الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري ، اشترط أم لم يشترط » . (٢)

ودلالة الحديث على الاختصاص ، لأجل كون القيد في مقام التحديد دالّاً على المفهوم .

وهناك روايات أُخرى جاء فيها الجمل التالية ، الظاهرة في الاختصاص :

أ : الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة . (٣)

ب : الخيار لمن اشترى . (٤)

ج : في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيّام للمشتري . (٥)

د : الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري . (٦)

__________________

١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٣ من أبواب الخيار ، الحديث ٥ ؛ والباب ١ منه ، الحديث ٣ وقد جزّأ صاحب الوسائل الحديث على البابين كعادته في الكتاب .

٢ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديث ١ .

٣ ، ٤ ، ٥ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٣ من أبواب الخيار ، الحديث ٩ و ١ ؛ والباب ٤ ، الحديث ٣ .

٦ . الوسائل : ١٢ ، الباب ١ من أبواب الخيار ، الحديث ٥ .

٩٩
 &

والإمعان في هذه العبارات يشرف الفقيه باختصاصه للمشتري أخذاً بالمفهوم ، لكون القيد ( للمشتري ) وارداً في مقام التحديد .

وهو أيضاً مقتضى الحكمة ، لأنّ الحكمة في الخيار للمشتري منتفية في حقّ البائع ، فلا يكون الخيار مطلوباً في حقّه ؛ لانتفاء حكمته .

وبيانه : أنّ عيب الحيوان قد يخفى ولا يظهر كظهوره في غير الحيوان ، والمالك أعرف به من المشتري ، فضرب الشارع للمشتري مدّة ثلاثة أيّام ؛ لإمكان ظهور عيب فيه خفي عنه ، بخلاف البائع المطّلع على عيوبه .

حجّة القول الثاني

احتجّ للقول الثاني ـ أعني : ثبوته للمتبايعين ، من غير فرق بين كون الثمن نقداً أو متاعاً غير الحيوان ، أو حيواناً ـ بوجهين :

١ . انّه أحد المتبايعين فكان له الخيار كالآخر ، كخيار المجلس ، بناءً على أنّ خيار الحيوان ، امتداد لخيار المجلس فيعمّ المتبايعين .

٢ . ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان ، وفيما سوىٰ ذلك من بيع حتّى يفترقا » . (١)

يلاحظ عليه أوّلاً : بأنّ الدليلين يرجعان إلى دليل واحد ، وهو كون الموضوع في صحيح ابن مسلم هو المتبايعان وهو يعمّ البائع والمشتري ، إنّما الكلام في ثبوت رواية ابن مسلم بهذا اللفظ ، لأنّها رويت بصورة أُخرى ، فجاء فيها مكان : « المتبايعان » لفظ « صاحب الحيوان » .

فقد روى أيضاً محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : قال رسول الله

__________________

١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٣ من أبواب الخيار ، الحديث ٣ .

١٠٠