دراسات موجزة في الخيارات والشروط

الشيخ جعفر السبحاني

دراسات موجزة في الخيارات والشروط

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ١
ISBN: 964-7741-18-9
الصفحات: ٢٠٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

المقصد الأوّل

في الخيارات العامّة : ما لا يختصّ بالبيع

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : في خيار الشرط

الفصل الثاني : خيار تخلّف الشرط

الفصل الثالث : خيار الغبن

الفصل الرابع : خيار العيب

الفصل الخامس : خيار تبعّض الصفقة

الفصل السادس : خيار الرؤية

٢١
 &

دراسات موجزة في الخيارات والشروط لجعفر السبحاني

٢٢
 &

الفصل الأوّل

خيار الشرط

خيار الشرط هو الخيار الثابت بسبب اشتراطه في العقد ، مثلاً إذا اشترط المتعاقدان أو أحدهما في العقد أن يكون لهما فيه الخيار ما شاءا من الزمان ثلاثاً أو شهراً أو أكثر ، فيسمّى هذا النوع من الخيار بخيار الشرط ( والأولى أن يسمّى شرط الخيار ) ، فينعقد العقد ويكون لهما خيار في تلك المدّة إلّا أن يسقطاه .

والفرق بين هذا الخيار وخيار المجلس أو الحيوان ، هو انّ الخيار في الثاني أثر نفس العقد شرعاً بخلاف المقام ، فإنّ الخيار فُرض على العقد من جانب المتبايعين أو أحدهما .

ويدلّ على صحّة هذا الشرط الأُمور التالية :

١ . سيرة العقلاء

أطبق العقلاء على هذا النوع من الشرط في معاملاتهم مع عدم ردع من الشارع ، وهذا كاف في إثبات الصحّة من غير فرق بين أن تكون المدّة قليلة أو كثيرة ، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال : لا تتجاوز المدّة عن ثلاث ، وعند مالك ما تدعو الحاجة إليه . (١)

__________________

١ . الخلاف : ٣ ، كتاب البيوع ، المسألة ٧ .

٢٣
 &

٢ . الأخبار العامّة

دلّت طائفة من الأخبار على صحّة اشتراط كلّ شرط في العقد إلّا ما خالف كتاب الله وسنّة رسوله ، كقوله : « المسلمون عند شروطهم ، إلّا كلّ شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ » . (١) وليس شرط الخيار في مدّة مضبوطة ممّا خالف كتاب الله وسنّة رسوله .

٣ . الأخبار الخاصّة

هناك أخبار وردت في صحّة خصوص هذا الخيار .

أ : ما روي عن عبد الله بن سنان بسند معتبر عند المشهور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « وإن كان بينهما شرط أيّاماً معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الوقت فهو من مال البائع » . (٢) والمراد من الشرط في الرواية هو شرط الخيار ، وكون التلف في الرواية من مال البائع ومحسوباً عليه لقاعدة خاصة في باب الخيار ستوافيك في موردها . (٣)

ب : ما روي عن السكوني بسند معتبر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في رجل اشترى ثوباً بشرط إلى نصف النهار ، فعرض له ربح فأراد بيعه ، قال : « ليُشهد انّه قد رضيه فاستوجبه ، ثمّ لِيبعْه إن شاء ، فإن أقامه في السوق ولم يبع ، فقد وجب عليه » . (٤)

__________________

١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديث ٢ ؛ ولاحظ سائر أحاديث الباب .

٢ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٨ من أبواب الخيار ، الحديث ٢ .

٣ . كلّ مبيع قد تلف في زمن الخيار فهو ممّن لا خيار له ، والمفروض في الرواية انّ المشتري وحده يملك حقّ الخيار دون البائع .

٤ . الوسائل : ١٢ ، الباب ١٢ من أبواب الخيار ، الحديث ١ .

٢٤
 &

فإن قلت : إنّ الشرط إنّما يجوز إذا لم يخالف كتاب الله وسنّة رسوله وهذا النوع من الشرط يخالف قوله ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) حيث إنّ الخيار بمعنى عدم وجوب الوفاء في المدّة المضروبة ، يخالف مفاد الآية الدالّة على وجوبه .

كما يخالف السنّة حيث قال : « فإذا افترقا وجب البيع » فانّ جعل الخيار أيّاً ما ، يستلزم عدم لزومه بعد الافتراق وهو يخالف قوله : « فإذا افترقا وجب البيع » .

قلت : إنّ جعل الشرط ضمن البيع لا يخالف الكتاب ولا السنّة ؛ أمّا الأوّل فلأنّ مفاد قوله : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) هو وجوب الوفاء بما عقدوا عليه ، والمفروض انّ المعقود عليه ليس هو البيع على وجه الإطلاق بل البيع المقرون بالخيار إلى مدّة معيّنة ، فعندئذٍ يجب الوفاء بالبيع المقيد لا بالبيع المطلق ، فالقول بجواز البيع إلى مدّة معيّنة ولزومه بعد انقضائها ، هو نفس الوفاء بالعقد .

وأمّا الثاني فلأنّ مفاد قوله : « ما لم يفترقا » هو انّ الافتراق بما هوهو ما لم يقترن بشيء آخر ملزِم للعقد ، وهذا لا ينافي أن يكون هناك طارئ آخر موجب لبقاء البيع على الجواز ، نظير خيار العيب والغبن خصوصاً على القول بأنّ مبدأ الخيار في العيب هو العقد .

الخيار المتصل بالعقد والمنفصل

يجوز أن يكون زمان الخيار متّصلاً بالعقد أو منفصلاً عنه ؛ والأوّل كما إذا عقد واشترط الخيار من زمان العقد إلى ثلاثة أيام ، والثاني كما إذا عقد يوم الأربعاء واشترط الخيار في خصوص يوم الجمعة ، والدليل على صحّتهما إطلاق الدليل .

فإن قلت : إذا افترقا يوم الأربعاء يصير العقد لازماً ، فإذا جاء يوم الجمعة يلزم انقلاب العقد اللازم إلى العقد الجائز .

٢٥
 &

قلت : صيرورة العقد جائزاً بعد لزومه لا يكون مانعاً من صحّة الاشتراط بعد إطلاق الأدلّة خصوصاً بعد وجوده في الخيارات كخيار تأخير الثمن من جانب المشتري حيث يُحدِث خياراً للبائع بعد ثلاثة أيام من زمان العقد .

والمهمّ في المقام لزوم ضبط المدّة ، فلا يجوز أن يناط بما يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاجّ أو أوان الحصاد أو الدياس .

ويدلّ عليه لزوم اعتبار العلم بالعوضين في البيع بحيث يكون الجهل بهما أو بأحدهما مانعاً عن الصحّة وشرط الخيار إلى مدّة مجهولة ، يوجب الجهل بالثمن لتردد مدّة الخيار التي هي جزء من الثمن ، بين يوم وعام ، فلا يدرى انّ الثمن هل هو دينار مع خيار يوم أو دينار مع خيار عام ؟ قال الشيخ الأعظم : فلو تراضيا على مدّة مجهولة كقدوم الحاج بطل بلا خلاف بل حكي الإجماع عليه لصيرورة المعاملة بذلك غررية ولا عبرة بمسامحة العرف في بعض المقامات . (١)

ثمّ إنّه لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدّة المجهولة كقدوم الحاج ، وعدم ذكر المدّة أصلاً كأن يقول : بعتك على أن يكون لي الخيار ، وبين ذكر المدّة المطلقة كأن يقول : بعتك على أن يكون لي الخيار مدّة ؛ لاستواء الكلّ في الجهل على ما قلناه ، إلّا أن يكون هناك قرينة عرفية لتعيين المدّة وهو خارج عن موضوع البحث .

وأمّا مبدأ هذا الخيار فهل هو حين العقد أو حين التفرّق ؟ فيه وجهان :

ذهب الشيخ الطوسي إلى كون المبدأ هو تفرّق الأبدان . (٢)

وذهب الشيخ الأعظم إلى أنّ المبدأ هو حين العقد ، مستدلاً بأنّه المتبادر من كلام المتبايعين .

__________________

١ . المتاجر ، قسم الخيارات ، ص ٢٢٨ .

٢ . الخلاف : ٣ ، كتاب البيوع ، المسألة ٤٤ .

٢٦
 &

والذي ينبغي أن يقال : انّه إذا كان هناك تبادر أو قرينة على أحد الأمرين فهو المتّبع وإلّا فإن كان نهاية خيار الشرط محدداً فيصحّ أيضاً ، كما إذا قال : بعتك بشرط أن يكون لي الخيار إلى غروب يوم الجمعة ، فلا يضرّ الجهل بمبدأ الخيار ، لكون المنتهى معلوماً وإلّا فيبطل كما إذا قال : بعتك بأن يكون لي الخيار ثلاثين ساعة ، فانّه إذا جهل المبدأ تسري الجهالة إلى المنتهى .

ثمّ إنّه كما يصحّ جعل الخيار لأحد المتبايعين يصحّ جعله للأجنبي بأن يبيع الولد ويجعل الخيار لوكيله .

بيع الخيار

من أفراد خيار الشرط ، الخيار الذي يضاف إليه البيع ، ويقال له : بيع الخيار أي البيع الذي فيه الخيار ، والمقصود منه في مصطلح الإمامية أن يشترط البائع على المشتري انّ له حقّ استرجاع المبيع بردّ الثمن في مدّة معيّنة .

قال الشيخ في الخلاف : يجوز عندنا البيع بشرط ، مثل أن يقول : بعتك إلى شهر فإن رددتَ عليّ الثمن وإلّا كان المبيع لي ، فإن ردّ عليه وجب عليه ردّ الملك ، وإن جازت المدّة ملك بالعقد الأوّل . (١)

ومن مصالح تشريع هذا النوع من البيع حدّ الناس عن أكل الربا ، حيث إنّه ربّما تمسّ الحاجة إلى المال ولا يتحصّل إلّا بالربا .

ولأجل الاحتراز عنه يبيع داره بثمنه الواقعي أو أقلّ منه كما هو الغالب حتى ينتفع هو بثمنها وينتفع المشتري بالإسكان فيها ، ولكنّه ربما لا يقطع البائع علقته بالمبيع تماماً ، فيشترط على المشتري أنّ له استرجاع المثمن بردّ الثمن في مدّة

__________________

١ . الخلاف : ٣ / ١٩٢ ، كتاب البيوع ، المسألة ٢٢ .

٢٧
 &

مضبوطة ، وهذا ما يسمّيه أهل السنّة ببيع الوفاء ، والشيعة ببيع الخيار وهو عندنا جائز إجماعاً وغير جائز عندهم كذلك .

ثمّ إنّ الداعي إلى عنوان هذا القسم من خيار الشرط مستقلاً لوجود الخلاف في صحّة هذا القسم وإلّا فهو من أقسام خيار الشرط .

ويدلّ على صحّة هذا البيع لفيف من الأخبار :

أ . صحيحة علي بن النعمان (١) عن سعيد بن يسار (٢) ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّا نخالط أُناساً من أهل السواد وغيرهم ، فنبيعهم ونربح عليهم للعشرة اثني عشر والعشرة ثلاثة عشر ، ونؤخّر ذلك فيما بيننا وبينهم السنة ونحوها ، ويكتب لنا الرجل على داره أو على أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منّا شراءً ، قد باع وقبض الثمن منه فنعده إن هو جاء بالمال إلى وقت بيننا وبينه أن نردّ عليه الشراء ، فإن جاء الوقت ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا ؛ فما ترى في الشراء ؟ فقال : « أرى أنّه لك إن لم يفعل ، وإن جاء بالمال للوقت فردّ عليه » . (٣)

والرواية وإن كانت مشتملة على لفظ الوعد لكن المراد منه هو الاشتراط بقرينة الجواب حيث قال : « أرى أنّه لك » .

ب . موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : حدّثني من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام وسأله رجل وأنا عنده ، فقال : رجل مسلم احتاج إلى بيع داره ، فجاء إلى أخيه ، فقال : أبيعك داري هذه ، وتكون لك أحبّ إليّ من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن

__________________

١ . الأعلم النخعي ، قال النجاشي : كان علي ثقة ، وجهاً ، ثبتاً ، صحيحاً ، واضح الطريقة . رجال النجاشي : ٢ / ١٠٩ برقم ٧١٧ .

٢ . الضبعي ، كوفي ثقة ، روى عنه محمد بن أبي حمزة . رجال النجاشي : ١ / ٤١٠ برقم ٤٧٦ .

٣ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٧ من أبواب الخيار ، الحديث ١ .

٢٨
 &

أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد عليّ ، فقال : « لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه » قلت : فانّها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة ، لمن تكون الغلة ؟

فقال : « الغلة للمشتري ، ألا ترى انّه لو احترقت لكانت من ماله » . (١)

ثمّ إنّ مورد الروايات وإن كان اشتراط البائع الفسخ بردّ الثمن ، لكن يجوز للمشتري نفس ذلك الشرط وهو فسخ البيع بردّ المثمن وأخذ الثمن ، لأنّ الشرط على وفاق القاعدة فلا مانع من كلا الشرطين .

غير انّ مقتضى اشتراط الفسخ من جانب البائع هو ردّ الثمن بعينه أو مثله ، لأنّ الغاية من البيع هو التصرّف في الثمن ، وهذه قرينة على أنّ المراد من الثمن هو الأعمّ من العين والمثل .

وهذا بخلاف ما إذا كان الشرط من جانب المشتري ، فمقتضى الإطلاق ردّ المبيع بعينه ، فلو تلف سقط الخيار لعدم التمكّن من الشرط ، ولا يكفي ردّ البدل ، لانصراف الإطلاق في مورد المبيع إلى ردّ نفسه .

نعم إذا كان المبيع من المنتوجات الصناعية التي لا يتميّز عين المبيع عن مثله كالأواني والألبسة ، فلا يبعد الاكتفاء بردّ البدل عند تلف العين .

إكمال

لا شكّ في صحّة شرط الخيار في البيع وما أشبهه من العقود اللازمة كالإجارة والمزارعة والمساقاة ، ولأجل ذلك قلنا : إنّه من الخيارات غير المختصة بالبيع .

__________________

١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٨ من أبواب الخيار ، الحديث ١ .

٢٩
 &

التحقيق

إنّ العقود بالنسبة إلى خيار الشرط على أقسام ثلاثة :

١ . ما لا يدخله اتّفاقاً .

٢ . ما يدخله اتّفاقاً .

٣ . ما اختلف فيه .

أُذكر مصاديق هذه الأقسام الثلاثة التي ذكرها الشيخ في كتاب المتاجر ، قسم الخيارات ، ص ٢٣٣ طبعة تبريز .

ثمّ إنّ من أقسام خيار الشرط ، شرط الاستيمار فأوضح لنا ما هو المراد من هذا الشرط المذكور ص ٢٢٩ من كتاب المتاجر ؟

٣٠
 &



الفصل الثاني

خيار تخلّف الشرط

يطلق الشرط ويراد به تارة المعنى الأُصولي ، وهو التعليق في مقابل التنجيز ، بأن يقصد المتعاقدان ، انعقاد المعاملة في صورة وجود ذلك الشيء لا في غيرها ، كما إذا قال : بعت الدار إن قدم الحجّاج اليوم ، أو قال الواقف : إذا جاء رأس الشهر فقد وقفته ، أو قال : خذ المال قرضا أو قراضاً إن أخذته من زيد ، فمن قال بشرطية التنجيز في صحّة العقود قال ببطلانه في هذه الموارد .

وقد يطلق ويراد به الشرط الفقهي ، وهو اشتراط عمل على المشروط عليه وطلب شيء منه من خياطة ثوب ، أو تعليم شيء أو غيره .

والمراد من الشرط في المقام هو هذا المعنى المسمّى بالشرط الفقهي ، أعني : جعل عمل على ذمّة أحد المتعاقدين ، لا الشرط الأُصولي الذي يراد به التعليق .

إذا علمت ذلك فنقول :

إذا شرط أحد المتعاقدين شيئاً على الآخر ، ولم يف المشروط عليه (١) ، فللمشروط له ، الخيار بين إمضاء العقد وفسخه ، كما إذا باع داره بشرط كون الثمن

__________________

١ . سيوافيك حكم تعذر العمل بالشرط في المقصد الرابع ، أحكام الشروط .

٣١
 &

نقداً كلّه ، أو أن يخيط له قميصاً ، أو نحو ذلك ؛ فإن وفى بالشرط فهو ، وإلّا فللمشروط له ، الخيار ، لانّ عدم الوفاء بالشرط يفوِّت غرض الشارط مطلقاً ، مالياً كان أو غيره ، لأنّ إلزامه بلزوم الوفاء بالعقد المجرّد عن الشرط ضرر منفيّ في الشرع ، مضافاً إلى أنّ الموجود ، غير ما عقد عليه ، حيث إنّ المعقود عليه ، تسليم الثمن نقداً أو تسليمه مع خياطة قميص ، والمفروض تخلّفه عمّا التزم به .

ثمّ إنّ الفرق بين خيار الشرط وخيار تخلّف الشرط واضح ، لأنّ الخيار الأوّل كما تقدّم في الفصل السابق نتيجة اشتراط المتعاقدين أو أحدهما الخيارَ في العقد وقد عُرِّف بالخيار الثابت بالاشتراط ضمن العقد . وقد عرفت أنّ من أقسامه ، شرط فسخ العقد بردّ الثمن ؛ وأمّا الخيار في الثاني فهو نتيجة تخلّف المشروط عليه من العمل بما التزم به ، من دون اشتراط في العقد .

ثمّ إنّه اتّفقت كلمة الفقهاء على صحّة الشرط الفقهي إذا كان الشرط جامعاً لشرائط الصحّة التي هي عبارة عن الشرائط التالية :

١ . أن يكون مقدوراً ، ٢ . أن يكون سائغاً في نفسه ، ٣ . أن يكون عقلائياً ، ٤ . أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنّة ، ٥ . أن لا يكون مخالفاً لمقتضى العقد ، ٦ . أن لا يكون مجهولاً ، ٧ . أن لا يكون مستلزماً للمحال ، ٨ . أن يكون مذكوراً في العقد ، ٩ . أن يكون العقد منجّزاً لا معلّقاً .

ولو قلنا بأنّ الشرط الثاني ـ كونه سائغاً في نفسه ـ يغني عن الرابع ، أعني : كونه مخالفاً للكتاب والسنة ، يرجع عدد شروط صحّة الشرط إلى ثمانية .

وسيوافيك البحث في هذه الشروط في المقصد الثالث .

ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري لم يذكر هذا النوع من الخيار مستقلاً استغناء عنه بما ذكره في خيار التدليس ، أو الرؤية ، أو خيار العيب ، إذ الجميع يشارك في عدم

٣٢
 &

الوفاء بما عقد عليه ، ولكنّه أفاض الكلام في شروط صحّة هذا النوع من الشرط على وجه يليق أن يعدّ رسالة خاصة في الموضوع .

وبما انّ رائدنا في هذه المباحث ، هو متاجر الشيخ ، فنحن نقتفيه ، فنبحث في شروط صحّة الشرط في مقصد خاص بعد الفراغ عن أقسام الخيار بعون الله سبحانه .

التحقيق

١ . ما هو الدليل على بطلان العقد المعلّق ؟

٢ . ما هو الفرق بين تعليق الانشاء وتعليق المنشأ ؟

٣ . وهل هناك فرق بين التعليق على الشرط الذي ليس العقد معلّقاً عليه في الواقع ـ كقدوم الحجاج ـ وبين التعليق على الشرط الذي هو معلّق عليه في الواقع وإن لم يذكر في العقد كالزوجية عند الطلاق ، والرقية عند التحرير ، فيقول إن كانت زوجتي فهي طالق ، أو إن كان عبداً فهو حرّ ، فلا يضر التعليق في القسم الأوّل دون الثاني .

لاحظ : متاجر الشيخ ، قسم البيع ، ص ٩٩ وتعليقة السيد الطباطبائي ، ص ٩١ .

٣٣
 &

الفصل الثالث

خيار الغبن

الغبن ـ بسكون الباء ـ أصله الخدعة ، والمراد به في المقام هو تمليك ماله ، بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر بما لا يتسامح به غالباً ، ولم يرد فيه نصّ بالخصوص كما ورد في خيار المجلس والحيوان ، ولذا لم يذكره الصدوق في « المقنع » ولا المفيد في « المقنعة » ولا الشيخ في « النهاية » من الكتب التي تقتبس فيها الفتاوى من لسان النصوص .

ومع ذلك كلّه فقد أوعز إليه لفيف من القدماء كالقاضي في « المهذّب » (١) ، وابن حمزة في « الوسيلة » (٢) وابن زهرة في « الغنية » . (٣) وذلك لأنّ في النصوص إشارات وتلويحات إليه ، مضافاً إلى أنّ الخيار فيه على وفق القواعد العامّة كما سيظهر .

قال ابن زهرة : السبب الخامس للخيار ظهور غبن لم تجر العادة بمثله ، ويحتج على المخالف بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا ضرر ولا ضرار » ـ ومن اشترى بمائة ما

__________________

١ . المهذّب : ١ / ٣٣١ .

٢ . الوسيلة : ٢٣٧ .

٣ . غنية النزوع : ٢ / ٢٢٤ .

٣٤
 &

يساوي عشرة كان غاية من الضرر ـ وبنهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تلقّي الركبان ، وقوله : « فإن تلقّى متلقّ فصاحب السلعة بالخيار إذا دخل السوق ، لأنّه إنّما جعل له الخيار لأجل الغبن » . (١)

ولأجل ذلك ذكر في الجواهر : أنّه لم يجد خلافاً في المسألة بين من تعرّض له عدا ما يحكى عن المحقّق في حلقة درسه ، واستظهره في « الدروس » من كلام الاسكافي ، ونسبه في « التذكرة » إلى علمائنا . (٢)

أدلّة خيار الغبن

استدلّ على خيار الغبن في العقود ـ التي يزيد الثمن أو ينقص عمّا هو المتعارف بكثير ـ بوجوه ، نذكر منها ما هو المهم .

١ . بناء العقلاء

إنّ المبتاع أو الموجر أو غيرهما ، إذا حاول الشراء ـ خصوصاً إذا كان المبيع ذا قيمة باهظة ـ لا يتفق مع البائع على المعاملة إلّا وفي ضميره أنّ ما يدفعه من السعر مساو للمبيع على وجه التقريب ، بحيث لو وقف على فقد هذا الوصف وانّ المساواة منتفية لما أقدم على البيع ، وهذا الالتزام وإن كان غير ملفوظ ولا مذكور في العقد لكنّه من القيود المفهومية التي تدلّ عليها القرائن اللفظية أو الحالية ، فانّ المماكسة في البيع أو السؤال من مراكز مختلفة ، أصدق شاهد على أنّه لا يشتري إلا بزعم المساواة والمقابلة ، وعلى ذلك فهي من القيود المفهومية التي لا تحتاج إلى التصريح ، وذلك كقيد وصف الصحّة الذي لا يلزم ذكره في متن العقد ، فلو ظهر

__________________

١ . الغنية : ٢ / ٢٢٤ .

٢ . الجواهر : ٢٣ / ٤١ .

٣٥
 &

معيباً يُحكم بجواز الردّ واسترداد الثمن ، وليس لأحد أن يعترض بأنّ وصف الصحّة غير مذكور ولا ملفوظ ، وذلك لأنّ القيود إنّما يلزم ذكرها فيما لا تكون مفهومة من اللفظ أو من القرينة ، وأمّا مثلها فتكفي فيه شهادة الحال أو المقال ، فإذا تخلَّف القيد وفقد المبيعُ الوصفَ الملحوظ ، فللمبتاع الردّ لأجل التخلّف .

وإلى ذلك الوجه يشير الشيخ الأنصاري عند توجيه كلام العلّامة بقوله :

إنّ رضا المغبون لكون ما يأخذه عوضاً عمّا يدفعه مبنيّ على عنوان مفقود وهو عدم نقصه عنه في المالية ، فكأنّه قال : اشتريت هذا الشيء الذي يساوي درهماً بدرهم ، فإذا تبيّن أنّه لا يساوي درهماً تبيَّن انّه لم يكن راضياً به .

فإن قلت : إنّ تبيّن الخلاف يستلزم بطلان المعاملة لا صحتها وجوازها .

قلت : قد أجاب عنه الشيخ بقوله :

لمّا كان المفقود صفة من صفات المبيع لم يكن تبيُّن فقده كاشفاً عن بطلان البيع ، بل كان كسائر الصفات المقصودة التي لا يوجب تبيّن فقدها إلّا الخيار فراراً عن استلزام لزوم المعاملة ، إلزامه بما لم يلتزم ولم يرض به . (١)

توضيحه : انّ التخلّف على قسمين :

تارة يكون المفقود وصف من أوصاف المبيع ، وأُخرى يكون عنوانَه وذاتَه ، فالأوّل كما إذا باع فرساً عربياً فبان خلافه ، فالمعقود عليه هو الفرس وهو موجود ، وإنّما التخلّف في وصفه لا في ذاته ، فلا يقال : « ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد » في نظر العرف .

وأمّا الثاني : كما إذا باع كومة بما أنّها حديد فبان قطناً ، فيحكم بالبطلان .

وبذلك يعلم أنّه لو كان التخلّف في المبيع المشخص على وجه التباين

__________________

١ . المتاجر : قسم الخيارات ، ص ٢٣٤ .

٣٦
 &

عرفاً ، يبطل فيه العقد ، وإن كان من قبيل تخلّف الوصف ، ففيه الخيار .

وقد تقدّم أنّ عدم ذكر المساواة في متن العقد غير ضائر ، لأنّه إنّما يلزم ذكر شيء مقصود إذا لم يفهم من قرينة حال أو مقال ، بخلاف ما إذا فُهم من أحدهما كوصف الصحّة ، فالأوصاف التي لها تأثير في الرغبة ولا يغفل عنها الإنسان لا يلزم ذكرها في متن العقد .

نعم الأوصاف الكمالية ككون العبد كاتباً ، والأمة خيّاطة ، يجب ذكرها في متن العقد ، وإلّا لا يكون التخلّف دليلاً على الخيار .

وما ذكرنا من الدليل هو أقوى الأدلة في المقام .

٢ . قاعدة لا ضرر

قد وصف الشيخ الاستدلال بقاعدة لا ضرر من أقوى الأدلة في المقام ، وقال ما هذا نصّه :

« إنّ لزوم مثل هذا البيع وعدم تسلّط المغبون على فسخه ، ضرر عليه وإضرار به فيكون منفيّاً ، فحاصل الرواية أنّ الشارع لم يحكم بحكم يكون فيه الضرر ، ولم يسوّغ إضرار المسلمين بعضهم بعضاً ، ولم يُمض لهم من التصرّفات ما فيه ضرر على الممضىٰ عليه .

ومنه تظهر صحّة التمسّك بها لتزلزل كلّ عقد يكون لزومه ضرراً على الممضى عليه ، سواء أكان من جهة الغبن أم لا ، وسواء أكان في المبيع أم في غيره ، كالصلح غير المبني على المسامحة ، والإجارة وغيرها من المعاوضات » . (١)

فإن قلت : إنّ غاية ما تثبته قاعدة « لا ضرر » هو نفي اللزوم ، فوزانها وزان

__________________

١ . المتاجر : قسم الخيارات ، ص ٢٣٥ .

٣٧
 &

حديث الرفع ، فهو حديث رفع لا حديث وضع ، وعلى ذلك فغاية ما تثبته القاعدة هو نفي اللزوم لا إثبات الخيار بين الفسخ والإمضاء .

قلت : يكفي في إثبات الخيار نفي اللزوم ، فانّ نفيه عبارة أُخرى عن كون المعاملة جائزة ، وجواز المعاملة يساوق كون الخيار بيد المشتري فله الإمضاء كما له الفسخ .

٣ . النهي عن أكل المال بالباطل

استدلّ على ثبوت الخيار في العقود الغبنيّة بقوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ) . (١)

استدلّ الشيخ بهذه الآية على الخيار وقال : إنّ أكل المال على وجه الخدع ببيع ما يسوي درهماً بعشرة ، مع عدم تسلّط المخدوع بعد تبيّن خدعه على ردّ المعاملة وعدم نفوذ ردّه ، أكل المال بالباطل .

نعم ، مع رضاه بعد التبيّن بذلك لا يعدّ أكلاً بالباطل .

أقول : قد استدلّ الشيخ بهذه الآية في غير موضع من كتاب البيع والخيارات ، ولكن الدلالة في المقام غير تامة .

وذلك لأنّ فساد المعاملة وحرمتها تارة يرجع إلى المسبّب ـ أي نفس المعاملة ـ مع كون السبب ( كالبيع ) جائزاً عارياً من الإشكال ، كما في بيع الملاهي والخمور والتماثيل والدماء وغير ذلك ، وأُخرى يرجع إلى نفس السبب مع كون المسبّب عارياً عن الإشكال ؛ وهذا كما في أكل المال بالرشاء والقمار واليمين الكاذبة وغيره ، فالآية ناظرة إلى القسم الثاني بشهادة لفظ « الباء » في ( بِالْبَاطِلِ )

__________________

١ . النساء : ٢٩ .

٣٨
 &

الدالة على السببية ، فالآية تدلّ على حرمة الأكل بالأسباب الباطلة في مقابل أكل المال بالأسباب الصحيحة كالتجارة مع الرضا .

ومنه يظهر عدم صحّة الاستدلال بالآية على المقام ، لأنّ الفساد في المقام يرجع إلى المسبّب ( المعاملة الغبنية ) لا السبب ( البيع ) والآية ناظرة إلى الفساد المترشّح من السبب ، والفساد في المقام مترشّح عن نفس المسبّب ( المعاملة ) .

يقول الطبرسي في تفسير الآية :

« لا يأكل بعضكم مال بعض بالغصب والظلم والوجوه التي لا تحل ، وقيل معناه : لا تأكلوا أموالكم باللهو واللعب مثل ما يؤخذ في القمار والملاهي ، لأنّ كلّ ذلك من الباطل ، وروي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه يعنى بالباطل : اليمين الكاذبة ، يقتطع به الأموال . وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كانت قريش تقامر الرجل في أهله وماله فنهاهم الله » والأولى حمله على الجميع ، لأنّ الآية تحتمل الكل » . (١) والفساد في الكلّ يرجع إلى فساد السبب لا المسبّب .

٤ . الاستدلال بالروايات

قد عرفت أنّه لم يرد نصّ بالخصوص في خيار الغبن ، ولكن وردت فيها إلماعات إلى خيار الغبن .

أمّا أهل السنّة فقد رووا الروايتين التاليتين :

١ . روى أبو هريرة : « أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن تلقّي الجلب ، فإن تلقّى متلقّ فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق » . (٢)

__________________

١ . مجمع البيان : ١ / ٢٨٢ .

٢ . سنن أبي داود : ٣ / ٢٩٩ ، الحديث ٣٤٣٧ ؛ سنن الترمذي : ٣ / ٥٢٤ ، الحديث ١٣٢١ ؛ ونقله الشيخ في الخلاف : ٣ / ١٧٣ ، المسألة ٢٨٢ من كتاب البيوع .

٣٩
 &

٢ . أخرج البيهقي : « لا تلقوا الجلب ، فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار » . (١)

وأمّا من طرقنا :

١ . روى إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « غبن المسترسل سحت » . (٢) والاسترسال : الاستئناس إلى الإنسان والثقة بما يحدّثه .

٢ . روى ميسر عنه قال : « غبن المؤمن حرام » . (٣)

٣ . قال الصدوق : قال الصادق عليه‌السلام : « غبن المسترسل سحت ، وغبن المؤمن حرام » . (٤)

٤ . حديث تلقّي الركبان ، فقد ورد فيه انّ صاحب السلعة بالخيار وقد تقدّم .

لكن الاستدلال بما ورد من طرقنا على صحّة البيع مع الخيار غير تامّ ، لأنّ الغبن إمّا يراد منه المعنى المصدري ، أو الزيادة الحاصلة بالبيع الغبني ؛ فعلى الأوّل تدلّ على حرمة نفس العمل ، وعلى الثاني تدلّ على حرمة الزيادة ، وعلى كلّ تقدير لا تدلّ على صحّة المعاملة وجوازها .

شرائط خيار الغبن

يشترط في خيار الغبن أمران :

الأوّل : عدم علم المغبون بالقيمة

إنّ المغبون إمّا أن يكون جاهلاً بالقيمة ، أو غافلاً عنها ، أو عالماً بغبنه ، أو

__________________

١ . سنن البيهقي : ٥ / ٣٤٨ .

٢ و ٣ . الوسائل : ١٢ ، الباب ١٧ من أبواب الخيار ، الحديث ١ و ٢ .

٤ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٩ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٤ .

٤٠