دراسات موجزة في الخيارات والشروط

الشيخ جعفر السبحاني

دراسات موجزة في الخيارات والشروط

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ١
ISBN: 964-7741-18-9
الصفحات: ٢٠٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الأوّل مباح والثاني مستحبّ ، والثالث مكروه ، ويشترك الجميع في عدم إيجاب من الشارع على الفعل والترك ، لكنّه بعد الاشتراط يجب عليه القيام بما اشترط ، ولا يعدّ الإلزام على فعل المباح والمستحبّ أو المكروه مخالفاً للشريعة ، لأنّ الشارع لم يُلزم الأخذ بأحد الطرفين بل شرّع التخيير بين الفعل والترك ، من غير فرق بين ما يتساوى فيه الطرفان من حيث الرجحان ـ كما في المباح ـ أو يرجّح الفعل كما في المستحبّ ، أو يرجّح الترك ، كما في المكروه ، فإذا شرط عليه أحد الأُمور ، فقد أُلزم بالأخذ بأحد طرفي التخيير حسب الاتفاق . ولو كان الإلزام بأحد هذه الأُمور مخالفاً للكتاب والسنّة ، يلزم انحصار صحّة الشرط في فعل الواجب وترك الحرام ومن المعلوم بطلانه .

يقول المحقّق المراغي : لو كان الفعل والترك ممّا رُخّص فيه ـ كطلاق الزوجة ، وبيع الدار ، وأكل الرمان ، والقعود يوم الجمعة في الدار ، والسير إلى مكان ، و نحو ذلك ممّا لا أمر فيه للشارع ولا نهي ـ فيجوز اشتراط فعل وترك من دون إشكال وليس داخلاً في مخالف الكتاب والسنّة .

وبعبارة أُخرى : كلّ شرط ـ مع قطع النظر عن لزوم العمل بالشرط ـ لم يرد في الشرع ما يدلّ على الإلزام فيه بفعل أو ترك ، فلا مانع من اشتراطه . كما لا مانع من اشتراط ما أوجب الشرع فعله أو تركه ، فيكون اشتراط الواجب أو ترك الحرام على المكلّف عندئذٍ ، نظير النذر على فعل الواجب أو تركه . (١)

فإن قلت : إنّ اشتراط فعل المباح أو عديله ، تدخّل في سلطان الله في تشريعه حيث فرض على المشروط عليه ما أباحه الله وخيّره بين الفعل والترك . إذ لا يؤمَّن غرض الشارط إلّا أخذ المشروط عليه بواحد من الطرفين .

قلت : إنّ الشارط لا يتدخّل في سلطان الله في تشريعه بل يسلّم أنّه باق في

__________________

١ . العناوين : ٢ / ٢٩٦ ، العنوان ٤٦ .

١٤١
 &

الشريعة على ما كان من الحكم من الإباحة والاستحباب والكراهة ، غير أنّ غرض الشارط لمّا تعلّق بواحد من الطرفين لا كليهما ، يشترط عليه أن يأخذ في المباح مثلاً بجانب الفعل دون الترك ، فالتشريع قائم بحاله لا تمُسُّ كرامته ، والشرط يتعلّق بفعل المكلّف .

وليس الشرط بهذا المعنى نادراً في بابه وكم له من نظير ، فإذا أمر الوالد ، ونذر الناذر ، وحكم الحاكم بغير الواجبات والمحرّمات ، يجب على المكلّف الحركة على وفق النذر ، وأمر الوالد ، وحكم الحاكم ، وإن كان الفعل في ذاته غير واجب ولا محرّم .

إذا عرفت ذلك ، فلندخل في صلب الموضوع :

ما هو الميزان لتمييز المخالف عن الموافق ؟

المراد من عدم جواز اشتراط مخالف الكتاب والسنّة ، هو المنع عن اشتراط ما يطرده المصدران ، سواء أكان في مجال الأحكام الوضعية أم التكليفية ، فلو كان للشارع في واقعة حكم وضعي أو تكليفي إلزامي ، فلا يجوز اشتراط ما يخالف وضعه أو تكليفه المتمثّل بصورة الأمر والنهي غالباً ، وإليك بعض الأمثلة في كلا المجالين :

شرط ما يخالف الحكم الوضعي

التشريع الإسلامي يتضمّن أحكاماً وضعية في مجال العقود والإيقاعات والسياسات فهي أحكام ثابتة لا تمسّ كرامتُها مطلقاً لا قبل الشرط ولا بعده ، مثلاً :

١ . الولاء للمعتِق ، فجعله لغيره مخالف له .

١٤٢
 &

٢ . الطلاق والجماع بيد الزوج فجعلهما بيد الزوجة يخالفه .

٣ . التركة كلّها تورّث ، فاشتراط عدم موروثية الأمة عند البيع ، يخالفه . (١)

٤ . التركة كلّها للوارث ، وتسهيم الأجنبي وتوريثه يخالفه .

٥ . الزوج والزوجة يتوارثان على ضابطة خاصّة ، واشتراط ضابطة أُخرى في عقد النكاح يخالفها .

٦ . ولد الحرّ محكوم بالحرّية ، واشتراط رقّيّته عند تزويج الأمة إيّاه يخالفه .

وبذلك تبيّن حال جميع الأحكام الوضعية التي لا تقبل الخلاف والنقاش ، فكلّ شرط خالف بمدلوله العرفي الحكمَ الوضعي المجعول في الشرع ، فلا يجوز اشتراطه في العقد ، وإليك البحث في الشروط التكليفية .

شرط ما يخالف الحكم التكليفي

إنّ التشريع الإسلامي يتضمّن أحكاماً تكليفية إلزامية ، لا يجوز شرط ما يخالفها من غير فرق بين شرط فعل أو تركه ، وإليك بعض الأمثلة :

١ . إذا باع الخل ويشترط عليه أن يجعله خمراً .

٢ . إذا أجر عاملاً ويشترط عليه ترك الصوم ليقوم بالعمل .

٣ . إذا نكح المرأة ويشترط عليها أن لا تمنع من وطئها في المحيض ، إلى غير ذلك من الأمثلة .

فكلّ شرط خالف بمفهومه العرفي ، الحكم التكليفي المجعول في الشرع فلا يجوز اشتراطه في العقد .

__________________

١ . مرسلة ابن سنان ، عن أبي عبد الله عن الشرط في الاماء : لا تباع ولا توهب ، قال : « يجوز ذلك غير الميراث فإنّها تورث ، لأنّ كلّ شرط خالف الكتاب باطل » ، الوسائل : ١٢ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديث ٣ .

١٤٣
 &

والحاصل : انّ وزان النهي عن شرط ما خالف الكتاب والسنّة وزان قول القائل : « أطع أباك إلّا فيما خالف الشرع » ، أو قول الرجل لصديقه : « إنّي أُطيعك وأسمع قولك إلّا فيما خالف أمر الله » فإنّ معناه أنّ أمر الوالد ، والمولى أو الصديق من الملزِمات إمّا بأمر من الشارع كما في مورد المولى والأب ، أو بالتزام من المكلّف بنفسه كما في مورد الصديق ، ولكن لو كان للشرع أمر ونهي أو وضع فهو المتّبع لا أمر الوالد والمولى والصديق ، وإن لم يكن للشارع فيه أمر ولا نهي ولا جعل غاية الأمر امّا رخصة أو سكوت فالمتّبع أمرهم .

ونظير هذه الأُمور اشتراط شيء في العقد محكوم في الشرع بحكم وضعي أو تكليفي فلا يصحّ اشتراط ما يخالف أحد التكليفين .

حصيلة البحث

إنّ التشريع السماوي نزل لإسعاد البشر فلو عمل به لساقه إلى أعلى درجات الكمال ، وبما أنّ النبيّ الأكرم خاتم الأنبياء ، وكتابه خاتم الكتب ، ورسالته خاتمة الرسالات أضفى سبحانه على شريعته ، وصف الثبات والبقاء إلى يوم القيامة ، فحلاله وحرامه باقيان إلى يوم البعث .

ولكن البشر الجاهل ربّما يتلاعب بأحكامه سبحانه بطرق وحيل ، فيخالف ما سنّه وشرّعه ، لكن بصورة قانونية ، فيجمع ـ بزعمه ـ بين الهوى والشرع ، فأراد سبحانه أن يسدّ هذا الباب في وجهه ليصون بذلك أحكامه عن التلاعب فحكم أنّه :

١ . ليس لأحد المتعاملين اشتراط ما خالف كتاب الله وسنّة رسوله بحجّة قوله سبحانه : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) . (١)

__________________

١ . المائدة : ١ .

١٤٤
 &

٢ . لا يصحّ الحلف على ما حرّمه سبحانه ، لئلّا يعصيه بحجة : ( وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ) . (١)

٣ . ليس لأحد نذر أمر حرام لئلّا يرتكبه متمسّكاً بقوله : ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) . (٢)

ولأجل ذلك تضافرت عنهم عليهم‌السلام أنّه : لا نذر في معصية (٣) ، ولا يمين في قطيعة . (٤)

٤ . ليس لأحد أن يشترط ما خالف كتاب الله وسنّة نبيّه ، لغاية ارتكاب المعصية تحت غطاء الاشتراط .

فأحكامه سبحانه لها كرامتها الخاصة لا يصحّ التلاعب بها ، ولا مسّها بسوء ، أي بهذه العناوين ، بل نسخها وتخصيصها أو تحديدها إلى أمد كالضرر والحرج بيده سبحانه ، ليس لأحد سواه أيُّ تدخّل في شؤون التشريع .

فإذا كان الأمر كذلك فلا فرق بين الأحكام الوضعية والتكليفية الالزاميّة ، فلا يجوز إيجاد أيِّ خدش فيها ، بل تجب صيانتها عن أيّ تصرّف .

وبذلك تقدر على تمييز الموافق عن المخالف ، فإنّ كلّ ملتزم يعدّ مخالفاً لنفس التشريع بالدلالة المطابقية فهو شرط مخالف في كلا المجالين : الوضعية ، و التكليفية . وكلّ شرط لا يكون بالدلالة المطابقية مخالفاً لما شرّعه الشارع فلا يعدّ مخالفاً ، فلو شرط في العقد ، ترك الواجب أو فعل الحرام يعدّ شرطه مخالفاً للكتاب والسنّة بالدلالة المطابقية .

__________________

١ . المائدة : ٨٩ .

٢ . الحج : ٢٩ .

٣ و ٤ . الوسائل : ١٦ ، الباب ١١ من كتاب الأيمان ، الحديث ١ ؛ والباب ١٧ من كتاب النذر والعهد ، الحديث ٢ و ٣ .

١٤٥
 &

وأمّا لو شرط الأخذ بأحد طرفي المستحب أو المكروه أو المباح فلا يعدّ شرطه مخالفاً لهما مطلقاً ، لا بالمطابقية ولا بالالتزامية ، إذ لم يسبق من الشارع الزام بأحد الطرفين معيّناً ، حتّى يعدّ شرط الطرف الآخر مخالفاً لما ورد في كتابه وسنة نبيّه .

وفي الختام نؤكّد على أنّ تمييز الشرط الحلال عن الحرام أو عن ما فيه المعصية ، رهنُ دراسة مجموع ما ورد في هذا المجال في أبواب مختلفة ، كالصلح ، والشروط ، واليمين ، والنذر ، وغير ذلك حتّى يخرج بنتيجة واحدة ، وهي أنّ المقياس مخالفة نفس الشرط بالمدلول المطابقي ، لما دلّ عليه الكتاب والسنّة كذلك .

التحقيق

قد تقدّم أنّ روايات المقام على أصناف ستّة مبثوثة في أجزاء وأبواب مختلفة في كتاب الوسائل ، فعليك جمع الروايات من تلك الأبواب وتمييز الصحيح عن غيره بدراسة أسانيدها على ضوء الكتب الرجالية .

١٤٦
 &



الفصل الخامس

عدم كونه مخالفاً لمقتضى العقد

من شرائط صحّة الشرط المأخوذ في العقد ، أو المبنيُّ عليه العقد ، ـ بناءً على كفاية البناء من الأخذ في العقد ـ أن لا يكون مخالفاً لمقتضى العقد .

وتوضيح ذلك رهن بيان أقسام الشرط المخالف لمقتضى العقد .

ينقسم الشرط المخالف لمقتضى العقد إلى أقسام أربعة :

١ . أن يكون مخالفاً لماهيّة العقد .

٢ . أن يكون مخالفاً لمنشَئه .

٣ . أن يكون مخالفاً للازمه العرفي .

٤ . أن يكون مخالفاً لإطلاق العقد . (١)

وإليك دراسة الجميع واحداً تلو الآخر .

١ . ما يكون مخالفاً لماهيّة العقد

إنّ لكلّ عقد ماهيّة اعتبارية بها تتحقّق وبانتفائها تفوت الماهية ، وذلك

__________________

١ . الغرض بيان أقسام المخالفة لا بيان أحكامها وإلّا فسيوافيك أنّ المخالف لإطلاق العقد لا يستلزم الفساد .

١٤٧
 &

كالبيع والإجارة والصلح والجعالة والسبق والرماية ، فإنّ الجميع يقتضي بالذات المعاوضة والتمليك ، فالبيع بلا عوض والإجارة بلا تمليك المنفعة ، يخالف ماهيّة العقد وواقعه .

ونظير ما ذكرنا المضاربة ، فإنّها معاملة بحصّة من الربح ؛ والمزارعة ، فإنّها معاملة على الأرض بحصّة من النماء ؛ والمساقاة ، فإنّها معاملة على الأُصول بحصّة من الثمرة ، فالمضاربة بلا مشاركة في الربح ، أو المزارعة بلا مشاركة في النماء ، أو المساقاة بلا مشاركة في الثمرة ، تنفي ماهيّة هذه العقود وواقعها .

٢ . ما يكون مخالفاً لمنشئه

إذا قال : بعت هذا بهذا ، فقد أنشأ ملكية المثمن لمن خرج الثمن عن ملكه ، فإذا شرط وقال : يشترط أن يكون المثمن وقفاً للمسجد ، أو ملكاً لابنه ، فقد شرط ما ينافي المنشئ ، ولو صحّ يلزم الالتزام بشيئين متضادّين .

٣ . ما يكون مخالفاً لأثره العرفي

ربّما يكون للعقد أثر عرفي لا ينفك عنه عند العرف ، بحيث يساوي سلبُه سلبَ المعاملة عرفاً ، فيكون نظير اشتراط ما يخالف منشئه .

مثلاً إذا قال : بعت هذا بهذا بشرط عدم تسليم المبيع للبائع ، فالشرط وإن لم يكن منافياً لماهيّة العقد ولا مقتضاه ، فإنّ هناك تبادلاً بين المالين وإنشاءً لمالكية كلّ من المتبايعين المثمنَ والثمنَ ، ويكفي في صدق البيع وتحقّق ماهيته ، هذا المقدار من الإنشاء والالتزام لكن لما كانت الغاية من البيع هي السيطرة على المبيع ، فاشتراط عدمها في نظر العرف مساوق لعدم مالكيته ، فهي من اللوازم العرفية التي يساوق نفيها نفي مقتضي البيع وإن لم يكن في الواقع كذلك .

١٤٨
 &

ونظيره : ما إذا شرط عدم التصرّف في المبيع طيلة عمره لا خارجياً ولا اعتبارياً كأن يعتقه ، فيكون مساوقاً لعدم المالكية . نعم إذا شرط سلب بعض التصرّفات ككونه مسلوب المنفعة سنة ، أو شرط خصوص عدم بيعه أو إجارته ، أو شرط بيعه من شخص خاص ، مع عدم المنع عن سائر التصرّفات ، فلا يعدّ مخالفاً لمقتضى العقد إذا كانت هناك منافع سائغة يبذل بإزائها الثمن ويباع الشيء ويشترى لأجلها ، وليس ذلك بمنزلة سلب السلطنة بل تحديد لها عن إذن ورغبة .

والحاصل أنّ المنافي عبارة عن إنشاء معاملة عارية عن الأثر المطلوب منها عند العرف وليس المقام كذلك .

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ كلّ شرط يعدّ مخالفاً لمقتضى العقد ، امّا مخالفاً لماهيته ، أو منشَئه ، أو مخالفاً لأثره غير المنفك عنه عرفاً ، فالشرط فاسد غير نافذ .

وأمّا الأثر الشرعي اللازم لكون الطلاق بيد الزوج ، فلا يعدّ شرط كونه بيد الزوجة مخالفاً لمقتضى العقد ، لأنّ أسماء العقود أسماء للصحيحة عند العرف ، والمفروض أنّه ليس من الآثار اللازمة عند العرف ، فالعقد محقّق والشرط يخالف الكتاب والسنّة لا مقتضى العقد .

٤ . ما يكون مخالفاً لإطلاق العقد

إنّ هنا آثاراً وأحكاماً يقتضيها إطلاق العقد بحيث لو لم يقيّد بوصف أو وقت أو مكان ، يترتّب عليه الأثر ، وبعبارة أُخرى : ينصرف إليه اللفظ ، أو يحكم بأنّه المقصود ، ما لم يصرّح بخلافه ، فإذا صرّح بالخلاف يكون الثاني هو المتّبع دون إطلاق العقد .

١٤٩
 &

وإليك بعض ما يُعدّ من آثار إطلاق العقد ، ويكون معتبراً ما لم يصرّح بالخلاف .

١ . إذا أوصى أو وقف فلازم إطلاق الوقف والوصيّة التسوية بينهم وإن اختلفوا بالذكورية والأُنوثية .

٢ . إذا باع فلازم الإطلاق كون الثمن نقداً ما لم يشترط خلافه .

٣ . إذا باع المكيل أو الموزون فمقتضى إطلاق العقد هو الكيل والوزن المعتاد في البلد .

٤ . إذا زارع فمقتضى إطلاق العقد ، زرع ما شاءه العامل .

٥ . إذا باع أو صالح أو آجر فمقتضى إطلاق المعاوضة كون العوض والمعوّض حالّين ، فالمقتضيات متّبعة إلّا أن يشترط خلافه .

ما هو الدليل على بطلان الشرط المنافي ؟

استدلّ الشيخ على شرطية عدم منافاة الشرط لمقتضي العقد بوجهين :

أ : وقوع التنافي في العقد المقيّد بهذا الشرط ، بين مقتضاه الذي لا يتخلّف عنه ، وبين الشرط الملازم لعدم تحقّقه ، فيدور الأمر بين أُمور :

١ . الوفاء بالمشروط والشرط معاً ، وهو مستحيل للمطاردة بينهما .

٢ . الوفاء بالشرط دون المشروط ، وهو مثله لعدم إمكان الوفاء به من دون المشروط .

٣ . الوفاء بالمتبوع دون التابع .

٤ . أو الحكم بتساقطهما .

١٥٠
 &

وعلى كلّ تقدير يسقط العمل بالشرط .

ب : أنّ الشرط المنافي لمقتضى العقد ، مخالف للكتاب والسنّة الدالّين على عدم تخلّف العقد عن مقتضاه ، فاشتراط تخلّفه عنه ، مخالف للكتاب .

توضيحه : إنّ الكتاب والسنّة يأمران بالوفاء بالعقود ، يقول سبحانه : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ومعنى الوفاء بالعقود هو الأخذ بمقتضاها والشرط المنافي لمقتضى العقد إذا وجب الوفاء به يكون معناه ، يجب الوفاء على خلاف مقتضى العقد وهو مخالف لمضمون الآية .

يلاحظ عليه : أنّ مرجعه إلى الشرط الرابع ، مع أنّ المفروض كونه شرطاً مستقلاً .

التحقيق

إذا اشترط أحد الشريكين أن يكون سهيماً في الربح دون الخسران ، فهل يعدّ هذا مخالفاً لمقتضى العقد ؟

لاحظ : المتاجر ، قسم الخيارات ، ص ٢٨١ ؛ المختار في أحكام الخيار ، ص ٤٨٣ .

١٥١
 &

الفصل السادس

انتفاء الجهالة الموجبة للغرر

من شرائط صحّة العقد ، عدم الجهالة ، قال الشهيد في « اللمعة » : « ويصحّ اشتراط سائغ في العقد إذا لم يؤدّ إلى جهالة في أحد العوضين » . (١)

وقال المحقّق المراغي في ضمن بيان الشروط الخارجة عن القاعدة : الشرط المؤدّي إلى جهالة في أحد العوضين . (٢)

وقال الشيخ الأنصاري : أن لا يكون الشرط مجهولاً يوجب الغرر في البيع ، لأنّ الشرط في الحقيقة كالجزء في العوضين . (٣)

والظاهر من هذه العبارات أنّ بطلان الشرط المجهول لأجل سراية جهالة الشرط إلى جهالة العوضين ، وقد ثبت في محلّه ( باب شرائط العوضين ) أنّ الجهل بالعوض أو العوضين مبطل للبيع .

توضيحه : إنّ الشرط لما كان مرتبطاً بالعقد فيكون بمنزلة وصف مأخوذ في أحد العوضين من جهة المعاوضة ، وحكمه بمنزلة أصل العوضين ، فكما أنّ

__________________

١ . الروضة البهية : ٣ / ٥٠٥ ، قسم المتن .

٢ . العناوين : ٢ / ٢٨٨ ، العنوان ٤٦ .

٣ . المتاجر : قسم الخيارات ، ص ٢٨٢ ، ولعلّ مراد الشيخ من قوله : « يوجب الغرر في البيع » هو إيجابه الجهل بأحد العوضين .

١٥٢
 &

العوضين لو كانا أو أحدهما مجهولي الوصف تبطل المعاملة للزوم الغرر ، فكذلك الشرط إذا جهل بنفسه أو شرط على نحو يوجب تزلزلاً وتردّداً في العوض قابلاً للنقص والزيادة فيبطل ، لأنّ ذلك راجع إلى أصل العوض . (١)

مثلاً إذا باع وشرط على المشتري أن يخيط له ثوباً ما ، أو يبني جداراً ما ، فإنّ الجهالة في الموردين تسري إلى الجهالة في الثمن . وذلك لأنّ هناك ثوباً يخاط بدينار وثوباً يخاط بمائة دينار فإذا اشترط عليه الخياطة المجهولة يكون الثمن مجهولاً .

أقول : إذا كان وجه بطلان الشرط المجهول هو سرايته جهالة إلى العوضين يجب استثناء موردين :

الأوّل : إذا كان الشرط المجهول تابعاً غير مقصود بالأصالة ، كما إذا باع دجاجاً مع بيضه فلا يضرّ الجهل بحال البيض من حيث الصغر والكبر ، ومثل ما إذا باع حيواناً مع حمله ، ففي هذا المورد يصحّ العقد قطعاً ، لعدم استلزام الجهل بالشرط الجهلَ بالمعوض .

الثاني : إذا كان وجه البطلان سراية جهالة الشرط إلى جهالة أحد العوضين فلا بدّ من التفصيل بين عقد يداق فيه كالبيع والإجارة ونحو ذلك ، وعقد لا يداقّ فيه ويتحمّل فيه الجهالة كالصلح ، فإنّ أساسه على التسامح والتساهل ، كما أنّه لا بدّ من التفصيل في الصلح أيضاً بين المقدار الذي يُتحمّل فيه ، وما لا يتحمّل ، فيحكم بالبطلان في الثاني دون الأوّل .

وعلى كلّ تقدير فليس هذا الشرط ، أمراً مستقلاً بل يرجع إلى عدم مخالفته للكتاب والسنة ( الشرط الرابع ) لأنّ السنّة دلّت على شرطية معلومية العوضين ، فاشتراط الشرط المجهول ، كأنّه نفي لوجوب معلومية العوضين .

__________________

١ . العناوين : ١ / ٢٨٩ ، العنوان ٤٦ .

١٥٣
 &

ثمّ إنّه ربّما يستدلّ على بطلان الشرط المجهول بما رواه الفريقان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه نهى عن بيع الغرر . (١) والاستدلال إنّما يتم إذا كان الغرر بمعنى الجهل وهو بعد غير ثابت ، بل هو إمّا بمعنى الخدعة ، أو الخطر ، فلاحظ « المقاييس » لابن فارس ، و « النهاية » لابن الأثير و « اللسان » لابن منظور وكلا المعنيين غير صادقين في المقام .

التحقيق

هل ورد الحديث بلفظ آخر أيضاً أي « نهى النبي عن الغرر » مجرّداً عن لفظ البيع أو لم يرد ؟ فليلاحظ مصادر الحديث .

__________________

١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٣ ؛ السنن الكبرى للبيهقي : ٦ / ٣٣٨ ؛ المستدرك : ١٣ ، الباب ٣٣ من أبواب التجارة ، الحديث ١ .

١٥٤
 &

الفصل السابع

عدم استلزامه المحال

ربّما يكون الشرط محالاً بالذات كالجمع بين الضدّين ، وربّما يكون ممكناً بالذات ويكون وجوده رهن أسباب خاصّة كالنكاح والطلاق ، فإنّها من الأُمور الاعتبارية الممكنة المتحقّقة بأسبابها الخاصّة .

أمّا الأوّل : فهو خارج عن محطّ البحث ، لأنّه خارج عن قدرة المكلّف أوّلاً ومقاصد العقلاء ثانياً ، وقد أسلفنا الكلام في هذا النوع من الشرط ، في الشرط الأوّل فلاحظ .

أمّا الثاني : فهو محطّ البحث ، كما إذا باع أو آجر ، وشرط أن تكون بنتُه زوجة له بهذا الشرط ، أو زوجته مطلّقة بهذا الشرط من دون حاجة إلى عقد جديد ، وهذا ما يقال من استلزامه المحال ، لأنّ النكاح والطلاق لا يتحقّقان في عالم الاعتبار إلّا بصيغة خاصّة فشرط تحقّقهما بنفس الشرط دون تحقّق أسبابه يرجع إلى شرط ما يستلزم المحال ، لاستلزامه تحقّق المعلول بدون علّته .

هكذا ينبغي أن يوضح المقام غير انّ العلّامة أوضح حال هذا الشرط بوجه آخر وقال : إذا باعه شيئاً بشرط أن يبيعه إيّاه لم يصحّ سواء اتّحد الثمن قدراً أو جنساً ووصفاً أو لا ، لاستلزامه الدور ، لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيته له ، المتوقّفة

١٥٥
 &

على بيعه ( أي العمل بالشرط ) فيدور ، بخلاف ما لو شرط أن يبيعه من غيره فإنّه يصحّ عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب والسنّة ـ ثمّ قال : ـ لا يقال : ما التزموه من الدور آت هنا ، لأنّا نقول : الفرق ظاهر ، لجواز أن يكون جارياً على حدّ التوكيل أو العقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع من البائع . (١)

يلاحظ عليه : أوّلاً : الاشتراط لا يستلزم الدور ، لأنّ ملك المشتري متزلزلاً لا يتوقّف على العمل بالشرط ، بل يتوقّف على إنشاء البائع وقبوله وقد حصل . نعم لزومه يتوقّف على العمل بالشرط فلا دور ، وبيعه ثانياً من البائع يتوقّف على تلك الملكية الحاصلة ، غير المتوقّفة على العمل بالشرط .

وثانياً : لو سلّمنا الدور فلا فرق بين بيعه من البائع أو غيره ، لأنّ البيع الثاني مطلقاً متوقّف على ملكيته المتوقّفة على البيع الثاني ( العمل بالشرط ) .

واحتمال كون بيعه الثاني من باب التوكيل أو العقد الفضولي خلاف الفرض ، ولأجل ذلك يخرج المبيع عن ملك المشتري ويدخل الثمن في ملكه لا في ملك البائع الأوّل . (٢)

__________________

١ . التذكرة : ١٠ / ٢٥١ ، الفرع الأوّل .

٢ . لاحظ : المختار في أحكام الخيار ، ص ٤٩٤ .

١٥٦
 &



الفصل الثامن

الالتزام بالشرط في متن العقد

المشهور انّه يشترط في لزوم الوفاء بالشرط أن يُلتزم به في متن العقد فلو تواطآ عليه قبله لم يكف ذلك في التزام المشروط ، وقد ادّعى الشيخ الأعظم فيه عدم العلم بالخلاف عدا ما يتوهّم من ظاهر « الخلاف » للشيخ و « المختلف » للعلّامة .

أقول : الشروط غير المذكورة في العقد على أقسام ثلاثة ، والنزاع في القسم الثالث دون الأوّلين فهما خارجان عنه ، وهذه الأقسام عبارة عن :

١ . إذا أنشأ شرطاً على نفسه قبل العقد كالخياطة ، التزاماً ابتدائياً وبقي أثره في ذهنه إلى حين انعقاد البيع ، من دون تقييد أحدهما بالآخر لا لفظاً ولا قصداً .

٢ . إذا أنشأ التزاماً بشيء ووعد بإيقاع العقد مقيّداً به في عالم القصد فأخلف وعده ، ولم يوقعه مقيّداً .

٣ . تلك الصورة لكنّه وفى وقيّد العقد في ضميره بالشرط ، وهذا هو ما يقال الشرط المبنيّ عليه العقد .

ثمّ إنّ المشهور عدم الاعتداد بالشرط غير المذكور في العقد ، وهو خيرة

١٥٧
 &

الشيخ الأنصاري (١) ، وكان سيّد مشايخنا العلّامة السيّد محمد الكوهكمري من المصرّين على لزوم ذكر الشرط في العقد ، غير أنّ لفيفاً من المحقّقين أنكروا ذلك الأصل ، منهم : النراقي في عوائده (٢) ، والسيّد الطباطبائي في تعليقته على الخيارات (٣) ، والشهيدي في حاشيته . (٤)

وقد استدلّ الشيخ بوجوه :

١ . الإجماع .

يلاحظ عليه : أنّ الإجماع مدركي ، ولعلّ المجمعين استندوا إلى الوجوه الآتية .

٢ . الشرط من أركان العقد . (٥)

يلاحظ عليه : انّه مجرّد إدّعاء لا دليل عليه بل هو من توابع العقد كما هو الواضح من ذكر الشروط بعد العوضين .

٣ . إنّ الشرط كالجزء من العوضين ، فيجب ذكره في الايجاب والقبول كأجزاء العوضين . (٦)

يلاحظ عليه : بأنّه لو سلّمنا كونه جزءاً من العوضين ، لا دليل على ذكر كلّ ما يعدّ جزءاً منه ، كما في الشروط التابعة للمبيع كالثمرة على الشجر ، بل لا دليل على لزوم ذكر العوضين في العقد ، بل يكفي مجرّد قوله : بعت واشتريت إذا عيّن المثمن والثمن ، فما نقل عن الشهيد في « غاية المراد » من وجوب ذكر الثمن في

__________________

١ . المتاجر : قسم الخيارات ، ٢٨٢ .

٢ . العوائد : ٤٦ ، ذيل كلام الشهيد في القواعد .

٣ . تعليقة السيد الطباطبائي : ١١٨ .

٤ . حاشية الشهيدي على خيارات الشيخ : ٥٧٦ .

٥ و ٦ . المتاجر : قسم الخيارات ، ٢٨٣ .

٦ . المتاجر : قسم الخيارات ، ٢٨٣ .

١٥٨
 &

العقد وعدم الاستغناء عنه بذكره سابقاً ، غير واضح جدّاً .

٣ . ما يستفاد من كلام المحقّق المراغي من أنّ الشرط في العقد إنّما هو بمعنى الربط وإحداث العلاقة بين العقد والشرط ولا يطلق الشرط على الإلزام المستقل الذي لا ربط له بشيء آخر . (١) ولا يتحقّق الربط بمجرّد اتفاق الطرفين ما لم يقع تحت الإنشاء .

يلاحظ عليه : أنّه يكفي في الربط ، إنشاء الالتزام بالشرط قبل العقد وإيقاعه عليه ، مرتبطاً به في القصد والضمير ، والربط الاعتباريّ كما يحصل بذكره في متن العقد ، يحصل بإنشاء الشرط قبل العقد ، ثمّ إنشاء العقد مبنيّاً عليه .

وقد عرفت أنّ محلّ النزاع فيما إذا أُنشئ الشرط قبل العقد ، ثمّ عقدا بانين على الشرط المنشأ قبله .

٤ . يدلّ لفيف من الروايات أنّه لا عبرة بالشرط المتقدّم والمتأخّر .

أ : عن ابن بكير : قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا اشترطت على المرأة شروط المتعة ، فرضيت به وأوجبت التزويج ، فاردد عليها شرطك الأوّل بعد النكاح فإن أجازته فقد جاز ، وإن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من شرط قبل النكاح » . (٢)

ب : عن عبد الله بن بكير ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح ، وما كان بعد النكاح فهو جائز » . (٣)

ج : عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَة ) ؟ فقال : « ما تراضوا به من بعد النكاح فهو جائز ، وما كان قبل النكاح فلا يجوز إلّا برضاها وبشيء يعطيها

__________________

١ . العناوين : ٢ / ٢٧٤ ، العنوان ٤٥ .

٢ و ٣ . الوسائل : ١٤ ، الباب ١٩ من أبواب المتعة ، الحديث ١ و ٢ .

١٥٩
 &

فترضى به » . (١)

وجه الاستدلال : هو ظهور الروايات في أنّه لا عبرة بالشرط قبل النكاح وإنّما العبرة بالشرط المذكور بعد قوله « أنكحت » فيكون من أقسام الشروط المذكورة في متن العقد وهو المراد من قوله : « بعد النكاح » وإلّا فلو أُريد الشرط المتأخر عن العقد فيتوجّه السؤال إلى أنّه أيّ فرق بين المتقدّم والمتأخّر .

يلاحظ عليه : أنّ مورد الروايات هو عقد المتعة وقد ورد عنهم عليهم‌السلام بسند صحيح لا تكون متعة إلّا بأمرين : بأجل مسمّى وأجر مسمّى (٢) فدلّ على أنّ المائز بينها وبين الدائم هو ذكر أمرين : الأجل والأجر ، فذكرهما من أركان المتعة و ـ لذا ـ لو قصد المتعة وأخلّ بذكر الأجل فالمشهور انّه ينعقد دائماً ، لأنّ لفظ الإيجاب صالح لكلّ منها وإنّما يتمحض للمتعة بذكر الأجل ، والدوام بعدمه فإذا انتفى الأوّل ثبت الثاني .

وبذلك تبيّن اختصاص الروايات بباب المتعة ، لأنّ ذكر الأجل والأجر فيها من الأركان فلا عبرة للمتقدّم والمتأخّر ، ولا إطلاق فيها بالنسبة إلى غير موردها ممّا لا يعدّ الشرط من الأركان .

فإن قلت : إنّ رواية محمد بن مسلم مطلق يعمّ الدائم والمنقطع .

قلت : ليس كذلك ، فإنّ في السؤال قرينة على أنّ المراد هو العقد المنقطع ، وذلك لأنّ الراوي سأل عن قوله عز وجلّ : ( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) وهو جزء من آية المتعة ، لمجيئه بعد قوله سبحانه : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم . . . ) . (٣)

ومنه تعلم حال رواية ابن بكير .

__________________

١ . الوسائل : ١٤ ، الباب ١٩ من أبواب المتعة ، الحديث ٣ .

٢ . الوسائل : ١٤ ، الباب ١٧ من أبواب المتعة ، الحديث ١ .

٣ . النساء : ٢٤ .

١٦٠