دراسات موجزة في الخيارات والشروط

الشيخ جعفر السبحاني

دراسات موجزة في الخيارات والشروط

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ١
ISBN: 964-7741-18-9
الصفحات: ٢٠٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &



الشرط وأقسامه

ينقسم الشرط في باب المعاملات إلى أقسام :

١ . شرط الفعل

ما يتعلّق بفعل من أفعال المكلّفين ، كما إذا باع وشرط على المشتري أن يخيط له قميصاً أو يعلّمه القرآن ؛ ويمكن تصوير ذلك في البيع الكلّي أيضاً ، كما إذا اشترى حنطة سلماً ، واشترط على البائع أن يدفع من صنف خاص ، فهو أيضاً من قبيل شرط الفعل .

٢ . شرط الوصف

ما يتعلّق بوصف من صفات المبيع الشخصي ، ككون الدابّة حاملاً ، والسجادة مصبوغة بصبغ خاص ، وكون الفرس أصيلاً ، إلى غير ذلك من الأوصاف المطلوبة في المبيع .

٣ . شرط النتيجة

ما يتعلّق الغرض بما هو من قبيل الغاية للفعل ، كما إذا باع داره بثمن وشرط

١٢١
 &

أن تكون ثمرة الشجرة ملكاً له ، أو أُخته زوجة له ، أو كونه وصيّاً له ، أو عبده معتقاً ؛ فالشرط في هذا القسم عبارة عن الغاية الحاصلة من الفعل ، فانّ الغاية الحاصلة من قوله : ملّكت أو زوّجت أو وصّيتك أو اعتقتُ عبدي هو كون الثمرة ملكاً ، والأُخت زوجة ، والمشتري وصيّاً ، والعبد معتقاً ، فهو يشترط حصول تلك الغايات بلا حاجة إلى عقد آخر ، وهذا ما يطلق عليه شرط النتيجة .

ثمّ إنّ شرط النتيجة على أقسام :

١ . ما دلّ الدليل الشرعي على عدم تحقّق تلك الغاية إلّا بأسبابها الشرعية كالزوجية ، والعتق ، ولا يكفي اشتراطها في نفس العقد .

٢ . ما دلّ الدليل على عدم توقّفه على سبب خاص ، بل يكفي شرطه في العقد كالوكالة والوصاية ، ككون الثمرة على الشجرة ملكاً للبائع .

٣ . ما جهل نوعه ، كاشتراط أن يكون مال خاص غير تابع لأحد العوضين ملكاً لأحدهما ، أو صدقة للفقراء .

أمّا القسم الأوّل : أي ما يحتاج في تحقّقها إلى سبب خاص ، فيكون الشرط المذكور في العقد شرطاً فاسداً ، كاشتراط زوجية الأُخت وانعتاق العبد ، ويجري فيه ما سنذكره في الشرط الفاسد من انّه فاسد ومفسد أو فاسد وليس بمفسد ؟

وأمّا القسم الثاني : أي ما لا يحتاج في تحقّقه إلى سبب خاص ، كالوكالة ، والوصاية ، وكون ثمرة الشجرة ملكاً للبائع ، فهو شرط صحيح يجب ترتيب الأثر عليه .

وأمّا القسم الثالث أعني : ما إذا تردّد بين القسمين ثبوتاً ولم يعلم أنّه هل

١٢٢
 &

يتوقّف على سبب خاص أو يكفي في تحقّقه اشتراطه في العقد ، فهل يجب الوفاء به أو لا ؟ قولان :

الأوّل : عدم وجوب الوفاء به ، لأنّ قوله سبحانه : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) أو قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » مخصّص خرج عن تحته الشرط الذي تحقّقه رهن سبب خاص والمفروض أنّ ما بأيدينا من الشرط مردّد بين ما هو باق تحت العام أو خارج عنه وداخل تحت المخصّص ، ومن المعلوم عدم جواز التمسّك بالعام عند الشكّ في الشبهة المصداقية .

الثاني : وجوب الوفاء به ، لأنّ المشهور عند الأُصوليّين وإن كان عدم صحّة التمسّك بالعام ، لكن الشبهة المصداقية على قسمين :

قسم يتوقّف التعرّف عليه على بيان الشارع .

وقسم يتمكّن المكلّف من تحصيل معرفته من الطرق المألوفة .

فما لا يجوز التمسّك فيه بالعام إنّما هو في القسم الثاني دون القسم الأوّل ، لأنّ المفروض أنّ التعرّف رهن بيان الشارع ، فإذا لم يكن هناك بيان خاص ، فذلك يكشف عن بقائه تحت العام .

توضيح القسمين : إذا قال المولى : أكرم العلماء ، ثمّ قال : لا تكرم فسّاق العلماء ، ودار أمر زيد العالم بين بقائه تحت العام إذا كان عادلاً أو خروجه عنه إذا كان فاسقاً ، ففي هذا المورد لا يمكن التمسّك بعموم العام ، لأنّ المفروض أنّ التعرّف على حال المورد ، أمر ممكن للمكلّف من دون حاجة إلى بيان الشارع .

وأمّا إذا باع البائع داره بثمن وشرط في ضمن العقد أن تكون الشاة

١٢٣
 &

الموجودة في داره له ، وشككنا في أنّ وجوب الوفاء بهذا النوع من الشروط ( ما لا يعدّ تابعاً للمبيع ) هل هو رهن سبب خاص أو لا ؟ فبيانه على عاتق الشارع ، فيكفي في جواز التمسّك بالعام ، الفحص والتتبع في الكتاب والسنّة وعدم العثور على كونه رهن سبب خاص ، إذ لو كان لظهر وبان .

ما هي الضابطة لتمييز القسمين ؟

قد عرفت أنّ الشرط على قسمين :

ما يحتاج إلى سبب خاص كالزوجية .

وما لا يحتاج إلى سبب خاص بل يكفي الاشتراط ، كالوصية والوكالة .

فيقع الكلام في تمييز القسم الأوّل عن الثاني وما هي الضابطة في ذلك ؟

أقول : إنّ هناك ضابطتين نشير إليهما :

الأُولى : ما أفاده السيد الإمام الخميني قدس‌سره وقال :

كلّ عنوان يصحّ جعله مستقلاً وابتداءً ، يصحّ جعله بالشرط أيضاً ذلك كالوكالة والوصاية والأمانة والوديعة والرهن والقرض فكلّها يصحّ جعلها مستقلاً ، بأن يقول : أنت وليّي ووصيي ، وهذه أمانة أو وديعة ، فمثله يصحّ جعله بالشرط أيضاً بأن يشترط هذه العناوين في ضمن عقد .

وأمّا ما لا يمكن جعله مستقلاً كالمبيعية والثمنية للمبيع والثمن فهذا لا يصحّ شرطه ، بل يجب أن يتطرّق إلى حصولها من طريق ثالث .

الثانية : الظاهر أنّ كلّ أمر اعتباري ، يهتمّ به العرف والشرع من حيث اللفظ

١٢٤
 &

والصيغة ، ولا يقوم به إلّا بتشريفات خاصّة ، فهذا ممّا لا يحصل بنفس الاشتراط كالنكاح والطلاق ، ولعلّ منه الوقف والنذر ، وأمّا ما لا يهتمّ به ، مثل ما سبق ، فيكفي فيه نفس الاشتراط .

التحقيق

بيّن لنا معنى « الشبهة المصداقية » فهل الشبهة والشكّ في صدق عنوان العام على المورد ، أو انّ صدق عنوان العام محرز ، وإنّما الشكّ في صدق عنوان الخاص عليه ؟

لماذا لا يجوز التمسّك في الشبهة المصداقية بالعام ، وما هو دليل المانعين ـ المذكور في علم الأُصول ، باب العام والخاص ـ ؟

١٢٥
 &

دراسات موجزة في الخيارات والشروط لجعفر السبحاني

١٢٦
 &

المقصد الرابع

شروط صحّة الشرط

قد عرفت أنّ الشرط يُطلق ويراد به الشرط الأُصولي وهو تعليق المنشأ على شيء ، وقد يطلق ويراد به الشرط الفقهي ـ أعني به : جعل شيء على ذمّة أحد المتعاقدين ـ فإن وفى بالشرط لزم العقد ، وإن تخلّف يثبت للمشروط له الخيار .

هذا ما تقدّم تفصيله في الفصل الثاني من المقصد الأوّل من الخيارات العامّة ، وبما انّ الشرط بهذا المعنى ينقسم إلى صحيح وفاسد ، عنون الفقهاء باباً باسم شروط صحّة الشرط ، وممّن خاض في هذا البحث شيخنا الأنصاري بعد الفراغ عن بيان أقسام الخيار ، وقد ناهز عدد الشروط عنده التسعة هي :

١ . أن يكون الشرط مقدوراً عليه .

٢ . أن يكون الشرط سائغاً .

٣ . أن يكون عُقلائياً .

٤ . أن لا يخالف الكتاب والسنّة .

٥ . أن لا يخالف مقتضى العقد .

٦ . أن لا يكون مجهولاً جهالة توجب الغرر .

٧ . أن لا يكون مستلزماً للمحال .

٨ . أن يلتزم بالشرط في متن العقد .

٩ . أن يكون منجّزاً لا معلّقاً .

وإليك دراسة هذه الشروط بنحو موجز في ضمن فصول :

١٢٧
 &

دراسات موجزة في الخيارات والشروط لجعفر السبحاني

١٢٨
 &



الفصل الأوّل

القدرة على إنجاز الشرط

يشترط في صحّة الشرط قدرة المشروط عليه على إنجازه بأن يكون داخلاً تحت قدرته ؛ قال المحقّق : لا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره ، كبيع الزرع على أن يجعله سنبلاً ، والرطب على أن يجعله تمراً . (١)

وقال في « الحدائق » : يبطل الشرط باشتراط غير المقدور للمشروط عليه ، كاشتراط حمل الدابّة فيما بعد ، أو انّ الزرع يبلغ السنبل ، سواء شرط عليه أن يبلغ ذلك بفعله أو بفعل الله تعالى ، لاشتراكهما في عدم المقدورية . (٢)

أقول : الظاهر انّ المراد من كون الشرط داخلاً تحت القدرة في بادئ النظر هو التحرّز عن أمرين :

الأوّل : اشتراط ما هو مُحال عقلاً ، كالجمع بين الضدّين أو عادة كالطيران في الهواء بلا سبب .

الثاني : اشتراط فعل الغير ، الخارج عن اختيار فعل المتعاقدين المحتمل

__________________

١ . الشرائع : ٢ / ٢٨٨ ، النظر الخامس في الشروط .

٢ . الحدائق : ١٩ / ٦٧ .

١٢٩
 &

وقوعه في المستقبل .

فالأوّل ـ أي الممتنع بالذات ـ ممّا لا يشترطه العقلاء حتّى يحترز عنه ، بخلاف الثاني فانّه أمر مطلوب للعقلاء وهو أولى من الشرط بالوصف الحالي المجهول تحقّقه ككون الحيوان حاملاً فعلاً . وعلى ذلك يكون المراد من اشتراط القدرة ، هو إخراج شرط فعل الغير ، الخارج عن اختيار المشروط عليه .

ثمّ إنّهم استدلّوا على فساد شرط فعل الغير بأنّه يستلزم أحد الأمرين :

١ . الغرر بمعنى الخطر .

٢ . عدم القدرة على التسليم .

يلاحظ عليه : أنّ تعليل بطلان هذا النوع من الاشتراط بالأوّل ( استلزامه الغرر ) يستلزم دخوله في الشرط السادس الذي سيوافيك وهو أن لا يكون مجهولاً جهالة توجب الغرر ، فلا وجه لذكره مستقلاً .

وأمّا تعليله بعدم القدرة على التسليم فهو قابل للنقاش ، وذلك لأنّه لو شرط فعل الغير ولكن كان هناك مظنّة للتسليم ، كما إذا كان الغير عبداً أو أمة له أو ولداً أو أخاً أو صديقاً يلبُّون دعوته ، ويقضون طلبه بلا تروٍّ وتردّد ، فلا مانع من اشتراطه ، لأنّ الميزان لصحّة الشرط هو الاطمئنان بتحصيله ، فإذا كان هناك اطمئنان بتحصيل فعل الغير حسب الموازين العرفية ـ لأجل العلقة التي تجمعهما ـ فلا مانع من اشتراطه .

وبذلك تبيّن أنّه لا وجه لهذا الشرط بمحتملاته الثلاثة :

١ . ما هو ممتنع عقلاً أو عادة .

٢ . شرط فعل الغير إذا كان مستلزماً للغرر ، كما إذا لم يكن هناك اطمئنان

١٣٠
 &

بتحصيله ، إذ يُستغنى عنه بالشرط السادس .

٣ . شرط فعل الغير إذا كان هناك اطمئنان بتحصيله ، وهو أمر عقلائي .

التحقيق

ما هي الموارد التي رتّبها الفقهاء على هذا الشرط ؟ لاحظ : الجواهر : ٢٣ / ٢٠٥ ؛ المختار في أحكام الخيار ، ص ٤٤٧ ـ ٤٤٨ .

١٣١
 &

الفصل الثاني

كون الشرط سائغاً في نفسه

لا يجوز اشتراط جعل العنب خمراً ونحوه لعدم نفوذ الالتزام بالمحرّمات .

ففي رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه أنّ علي بن أبي طالب كان يقول : « من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به ، فانّ المسلمين عند شروطهم ، إلّا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً » . (١)

يلاحظ عليه : بأنّ مرجع هذا الشرط إلى الشرط الرابع ، أعني : ما لا يكون مخالفاً للكتاب والسنّة ، وربّما حاول بعضهم التفريق بين هذا الشرط والشرط الرابع بوجوه :

١ . إنّ المحرّم في المقام هو نفس الالتزام والتعهد ، وقد قيل : إنّ الشرط إذا كان محرّماً كان اشتراطه والالتزام به إحلالاً للحرام (٢) ، وهذا بخلاف الشرط الرابع فإنّ المحرّم فيه نفس الملتزم كشرب الخمر .

يلاحظ عليه : بأنّ حرمة الالتزام تابعة لحرمة الملتزم ، فلو كان الملتزم محرّماً كجعل العنب خمراً فالالتزام والتعهد به يكون كذلك وإلّا فلا ، فاشتراط كون الملتزم سائغاً غير مخالف للكتاب والسنّة يغني عن الآخر للتلازم بينهما .

__________________

١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديث ٥ .

٢ . المتاجر : قسم الخيارات ، ٢٧٦ .

١٣٢
 &

٢ . تخصيص الشرط الثاني بالحلّية التكليفية كالمثال المزبور ، وحمل الشرط الرابع على الحلّية الوضعية حذراً عن رقيّة الحرّ ، وكون الأجنبي وارثاً .

يلاحظ عليه : أنّ مورد الشرط الرابع أعمّ من التكليفية والوضعيّة في لسان الروايات وكلمات الفقهاء كما سيوافيك .

٣ . تخصيص الشرط الثاني بعدم المخالفة مع السنّة ، والرابع بعدم المخالفة مع الكتاب .

يلاحظ عليه : أنّ مورد الرابع أعمّ ، فالحقّ الاستغناء عن هذا الشرط كالشرط الأوّل .

١٣٣
 &

الفصل الثالث

كون الشرط عقلائياً

يشترط في صحّة الاشتراط أن يكون عقلائياً ويتعلّق به الغرض ولا يعدّ لغواً ، فخرج مثل اشتراط الكيل بمكيال أو الوزن بميزان معيّنين مع مساواتهما لسائر المكاييل والموازين الدقيقة .

والدليل على ذلك ، عدم شمول أدلّة الإمضاء ، أعني : « المسلمون عند شروطهم » ، إلّا للشرط العقلائي لا الخارج عن إطار أعمالهم ، وبذلك يعلم أنّ اشتراط المعاملة بعُمْلة ورقية خاصّة مع مساواتها لسائر العملات الورقية شرط غير عقلائي .

ويترتب على ذلك أنّه لو اشترى بنيّة دفع عملة معيّنة في كيسه تكون النيّة لغواً ، لأنّ قصد هذا الورق من العملة دون ذاك ، قصد باطل لا طائل تحته . (١)

ثمّ إنّ الشيخ علّل عدم صحّة هذا الشرط بأنّه لا يعدّ حقّاً للمشروط له حتّى يتضرّر بتعذّره فيثبت له الخيار ، أو يعتني به الشارع فيوجب الوفاء به ويكونَ تركه ظلماً فهو نظير عدم إمضاء الشارع لبذل المال على ما فيه منفعة لا يعتدّ بها عند العقلاء .

__________________

١ . ويترتّب على ذلك بعض المسائل الفقهية التي لا تخفى على الفقيه . منها شراء متاع ناوياً دفع ثمنه بالثمن المغصوب أو الاستحمام في حمّام الغير ناوياً دفع الأُجرة من العُملة المغصوبة فلاحظ .

١٣٤
 &

يلاحظ عليه : بأنّ موضوع الوفاء هو الشرط لا الشرط الذي يوجد حقّاً ويعدّ تركه ظلماً ، ولعلّ هذه العناوين تنتزع من أدلّة لزوم الوفاء بعد شمولها للشرط الوارد في كلام المتبايعين ، فلا يصحّ أخذ ما هو متأخّر عن تطبيق الدليل في لسانه ، فلا يصحّ أخذ « ما يتضرّر بتعذّره المشروط له » في لسان « المؤمنون عند شروطهم » وإنّما المأخوذ فيه هو ذات الشرط بما هو هو .

والأولى الاستدلال بما ذكرناه من عدم شمول أدلّة الإمضاء له .

١٣٥
 &

الفصل الرابع

عدم كونه مخالفاً للكتاب والسنّة

من شرائط صحّة الشرط أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنّة ، كما إذا اشترط كون الطلاق بيد الزوجة ، أو رقّيّة حرّ ، أو توريث أجنبي ، فلا يكون نافذاً ، وتحقيق هذا الشرط يتوقّف على سرد روايات المقام وهي على أصناف ، ونحن نذكر هنا من كلّ صنف رواية واحدة ونشير في الهامش إلى ما لم نذكر من روايات ذلك الصنف ، ومن حاول أن يقف على جميع روايات الباب فليرجع إلى محالّها التي أشرنا إليها في الهامش .

الأوّل : أن لا يكون مخالفاً لكتاب الله

عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه » . (١)

الثاني : أن يكون موافقاً لكتاب الله

فعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ،

__________________

١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديث ١ ؛ ولاحظ ـ أيضاً ـ : الحديث ٢ و ٣ و ٤ من ذلك الباب ؛ والجزء ١٥ ، الباب ٤١ من أبواب مقدمات الطلاق ، الحديث ٦ .

١٣٦
 &

والمسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب الله عزّ وجلّ » . (١)

ومحل الاستشهاد هو ذيل الحديث .

الثالث : أن لا يكون مخالفاً للسنّة

عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قضى علي عليه‌السلام في رجل تزوّج امرأة وأصدقها ، واشترطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق ؟ قال : « خالفت السنّة ووليت حقّاً ليست بأهله ، قال : فقضى علي عليه‌السلام أنّ عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق وتلك السنّة » . (٢)

الرابع : أن لا يكون مخالفاً لشرط الله

عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قضى علي عليه‌السلام في رجل تزوّج امرأة وشرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو اتّخذ عليها سريّة فهي طالق ، فقضى في ذلك : انّ شرط الله قبل شرطكم ، فإن شاء وفى لها بالشرط ، وإن شاء أمسكها واتّخذ عليها ونكح عليها » . (٣)

الخامس : أن لا يكون محرّماً لحلال أو محلّلاً لحرام

روى إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه عليه‌السلام : « أنّ علي بن أبي طالب كان يقول : « من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به ، فانّ المسلمين عند شروطهم ، إلّا

__________________

١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديث ١ ؛ وج ١٥ ، الباب ١٣ من أبواب مقدّمات الطلاق ، الحديث ١ ؛ صحيح البخاري : ٣ / ١٩٢ ، باب الشروط في الولاء ، الحديث ١ ؛ المستدرك : ١٥ ، الباب ٣٠ من كتاب العتق ، الحديث ٢ .

٢ . الفقيه : ٣ / ٢٦٩ برقم ١٢٧٦ .

٣ . الوسائل : ١٥ ، الباب ١٣ من أبواب مقدّمات الطلاق ، الحديث ٢ ؛ ولاحظ ـ أيضاً ـ الجزء نفسه ، الباب ٣٨ من أبواب المهور ، الحديث ١ ، والباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٦ .

١٣٧
 &

شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً » . (١)

السادس : عدم منع الكتاب والسنّة عنه

روى أبو المكارم في « الغنية » : « الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنّة » . (٢)

وقبل الخوض في تفسير الموافق والمخالف للكتاب والسنّة نشير إلى عدّة أُمور :

الأوّل : المراد من كتاب الله هو القرآن المجيد لا مطلق ما كتب الله على عباده من أحكام الدين وبيّنه على لسان رسوله وذلك ، لأنّ المتبادر من الكتاب ما ذكرنا .

نعم ذهب الشيخ الأنصاري إلى أنّ المراد هو الثاني بشهادة أنّ اشتراط ولاء المملوك لبائعه إنّما جُعل في النبويّ مخالفاً لكتاب الله مع كون الكتاب العزيز خالياً منه ، فلا بدّ من تفسير الكتاب بما كتب الله على عباده . (٣)

أقول : مقصوده من النبوي ما رواه صاحب دعائم الإسلام بقوله : « ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله يبيع أحدهم الرقبة ويشترط الولاء ، والولاء لمن اعتق وشرط الله له ، كلّ شرط خالف كتاب الله فهو ردّ » . (٤)

يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره صحيح لو كانت الرواية على نحو ما رواه صاحب

__________________

١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديث ٥ .

٢ . الغنية : ٢ / ٥٨٧ في فصل باب الخيار ومسقطاته .

٣ . المتاجر ، قسم الخيارات ، ص ٢٧٧ .

٤ . المستدرك : ١٥ ، الباب ٣٠ من كتاب العتق ، الحديث ٢ .

١٣٨
 &

الدعائم ، لكنّها مروية في صحيح البخاري بصورة أُخرى ، قال : « ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق ، وإنّما الولاء لمن أعتق » . (١)

فالموضوع هو ما « ليس في كتاب الله » وهو صادق على كون الولاء لبائعه ، لخلو القرآن المجيد منه ، فلا ضرورة لتفسير الكتاب بمطلق ما كُتب .

على أنّ صدر النبوي جعل الشرط ما ليس في كتاب الله وإن جعله في الذيل ما كان مخالفاً لكتاب الله .

نعم العمل بالنبوي على كلا النقلين لا يخلو من إشكال .

أمّا الأوّل : فقد جعل الضابطة مخالفة الكتاب وهي ضابطة تامّة لكن عدّ الولاء لغير المعتق من مصاديقها ليس بصحيح وأمّا الثاني فقد جعل الضابطة ما ليس في كتاب الله وهو غير تامّ لاستلزامه كون الملاك في صحّة الشرط وجوده في كتاب الله مع أنّ أغلب الشروط السائغة غير موجودة فيه .

الثاني : هل الشرط عدم المخالفة للكتاب كما هو مفاد الصنف الأوّل من الروايات أو الشرط الموافق له ؟

والظاهر هو الأوّل ، وذلك لأنّ دأب القرآن وديدنه هو بيان المحرّمات ، لا المحلّلات وضعاً وتكليفاً ، فمجرّد كونه غير مخالف للكتاب يكفي في الحلّيّة والنفوذ خصوصاً أنّ الشروط بين المتعاقدين متوفرة نوعاً وصنفاً ، فترقب ورودها بأنواعها وأصنافها فضلاً عن أشخاصها في الكتاب في غير موضعه ، فتكون النتيجة مانعية المخالفة ، لا شرطية الموافقة ، فالناظر في الروايات يقدّم مانعية

__________________

١ . صحيح البخاري : ٣ / ١٩٢ ، باب الشروط في الولاء ، الحديث ١ ؛ ورواه البيهقي في سننه : ١٠ / ٢٩٥ .

١٣٩
 &

المخالفة على شرطية الموافقة .

هذا كلّه إذا أُريد من الكتاب ، القرآنُ ، وأمّا إذا أُريد منه الدين وأنّ الكتاب رمز للشريعة الإسلامية الغرّاء ، فبما أنّ لكلّ موضوع حكماً شرعياً في الشريعة ، فلا واسطة بين عدم المخالفة والموافقة ، فإذا لم يكن مخالفاً يكون طبعاً موافقاً قطعاً .

الثالث : هل المراد من السنّة الواردة في الصنف الثالث هو الحكم الوارد في لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقابل وروده في الكتاب ، أو المراد منه هو الطريقة والشريعة الإلهية سواء ورد في لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو في القرآن المجيد ؟

والظاهر هو الثاني ، لما ورد في الصنف الثالث من صحيحة محمد بن قيس (١) ، عن أبي جعفر عليه‌السلام حيث وصف مَن جَعَلَ الجماع والطلاق بيد الزوجة بأنّ الشارط خالف السنّة ، والمراد من السنّة هو قوله سبحانه : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) . (٢)

والشاهد على أنّ المراد من السنّة في رواية ابن قيس هو الكتاب ، خبر إبراهيم بن محرز ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده ، فقال : رجل قال لامرأته : أمرك بيدك ؟ قال : « أنّى يكون هذا ، والله يقول : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) ليس هذا بشيء » . (٣)

الرابع : انّ اشتراط فعل أيّ شيء أو تركه ، يوجد ضيقاً على المشروط عليه بعد ما كان هو مخيّراً فيه ، وهذا ما يسمّى بالإيجاب والتحريم الشرطيّين ، فلو باع وشرط على المشتري أن يخيط له قميصاً ، أو يعلّمه القرآن أو يطلّق زوجته ، فقد شرط عليه شيئاً كان له فيه التخيير بين الفعل والترك قبل الاشتراط ، حيث إنّ

__________________

١ . الفقيه : ٣ / ٢٦٩ برقم ١٢٧٦ .

٢ . النساء : ٣٤ .

٣ . الوسائل : ١٥ ، الباب ٤١ من أبواب مقدّمات الطلاق ، الحديث ٦ .

١٤٠