بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أحدهما معلوم أنه لم يرده لبطلانه في نفسه كالمعتق (١) والمالك والجار والصهر والخلف والامام إذا عدا من أقسام المولى ، والآخر أنه لم يرده من حيث لم يكن فيه فائدة وكان ظاهرا شائعا وهو ابن العم ، والقسم الثالث الذي يعلم بالدليل أنه لم يرده هو ولاية الدين والنصرة فيه والمحبة أو ولاء العتق ، والدليل على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرد ذلك أن كل أحد يعلم من دينه وجوب تولي المؤمنين ونصرتهم ، وقد نطق الكتاب به (٢) ، وليس يحسن أن يجمعهم على الصورة التي حكيت في تلك الحال ويعلمهم ما هم مضطرون إليه من دينه ، وكذلك هم يعلمون أن ولاء العتق لبني العم قبل الشريعة وبعدها (٣) ، وقول ابن الخطاب في الحال ـ على ما تظاهرت به الرواية ـ لامير المؤمنين عليه‌السلام « أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن » يبطل أن يكون المراد ولاء العتق ، وبمثل ما ذكرناه في إبطال أن يكون المراد بالخبر ولاء العتق أو إيجاب النصرة في الدين استبعد أن يكون أراد به (٤) قسم ابن العم ، لاشتراك خلو الكلام عن الفائدة بينهما ، فلم يبق إلا القسم الرابع الذي كان حاصلا له ويجب أن يريده ، وهو الاولى بتدبير الامر وأمرهم ونهيهم انتهى (٥).

أقول : أكثر المخالفين لجؤوا في دفع الاستدلال به إلى تجويز كون المراد الناصر

____________________

(١) على صيغة الفاعل ، واما وجه البطلان فانا نعلم بالضرورة ان رسول الله صلى الله عليه وآله لو كان معتقا لاحد فلا يصح أن يكون أمير المؤمنين عليه‌السلام أيضا معتقا له ، وكذا سائر الموارد وإن لا يخلو بعضها عن تأمل.

(٢) حيث قال عز من قائل « والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض » سورة التوبة : ٧١.

(٣) اعلم أن المباشر للعتق لو كان رجلا فالولاء ثابت له ما دام حيا فيرث ممن أنعم عليه ، فاذا مات المنعم فولاء مولاه يجرى مجرى النسب ويرثه من يرث من ذوى الانساب على حد واحد إلا الاخوة والاخوات من الام أو من يتقرب بها من الجد والجدة والخال والخالة وأولادهما وفى أصحابنا من قال : ان النساء لا يرثن من الولاء شيئا وانما يرثه الذكور من الاولاد والعصبة ، وأما إذا كان المباشر للعتق امرأة فالولاء ثابت لها ما دامت حية ، وإذا ماتت ورث ولاء مواليها عصبتها من الرجال دون اولادها مطلقا. فقوله قدس‌سره « ان ولاء العتق لبنى العم » أى ثابت لهم إذا لم يكن للميت وارث اقرب منهم لا انه ثابت لهم دون غيرهم كما يوهمه ظاهر العبارة.

(٤) في المصدر : استبعد أن يريد اه ، والمراد من قسم ابن العم القسم الثانى من القسم الثانى.

(٥) الشافى : ١٣٦.

٢٤١

والمحب ، ولا يخفى على عاقل أنه ما كان يتوقف بيان ذلك على اجتماع الناس لذلك في شدة الحر ، بل كان هذا أمرا يجب أن يوصي به عليا عليه‌السلام بأن ينصر من كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ينصره ويحب من كان يحبه ، ولا يتصور في إخبار الناس بذلك فائدة يعتد بها ، إلا إذا اريد بذلك نوع من النصرة والمحبة يكون للامراء بالنسبة إلى رعاياهم ، أو اريد به جلب محبتهم بالنسبة إليه ووجوب متابعتهم له حيث ينصرهم في جميع المواطن ويحبهم على الدين ، وبهذا أيضا يتم المدعى.

وأيضا نقول : على تقدير أن يراد به المحب والناصر أيضا يدل على إمامته عليه‌السلام عند ذوي العقول المستقيمة والفطرة القويمة بقرائن الحال ، فإنا لو فرضنا أن أحدا من الملوك جمع عند قرب وفاته جميع عسكره وأخذ بيد رجل هو أقرب أقاربه وأخص الخلق به وقال : من كنت محبه وناصره فهذه محبه وناصره ثم دعا لمن نصره ووالاه ولعن من خذله ولم يواله ثم لم يقل هذا لاحد غيره ولم يعين لخلافته رجلا سواه فهل يفهم أحد من رعيته ومن حضر ذلك المجلس إلا أنه يريد بذلك استخلافه وتطميع الناس في نصره ومحبته وحث الناس على إطاعته وقبول أمره ونصرته على عدوه؟ وبوجه آخر نقول : ظاهر قوله : من كنت ناصره فعلي ناصره ، يتمشى (١) منه النصرة لكل أحد كما كان يتأتى من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يكون ذلك إلا بالرئاسة العامة ، إذ لا يخفى على منصف أنه لا يحسن من أمير قوي الاركان كثير الاعوان أن يقول في شأن بعض آحاد الرعايا من كنت ناصره فهذا ناصره ، فأما إذا استخلفه وأمره على الناس فهذا في غاية الحسن ، لانه جعله بحيث يمكن أن يكون ناصر من نصره.

المسلك الثالث : ما سبق في كلام الصدوق من وجود القرينة في الكلام على أن المراد بالمولى : الاولى ، وبه يثبت أنه الامام ، وهو العمدة في هذا المقام ، ولا ينكره إلا جاهل بأساليب الكلام أو متجاهل لعصبيته عما تتسارع إليه الافهام ، قال السيد في الشافي :

فأما الدلالة على أن المراد بلفظة مولى في خبر الغدير الاولى فهو أن عادة

____________________

(١) في ( م ) : هو أنه يتمشى اه.

٢٤٢

أهل اللسان في خطابهم إذا أوردوا جملة مصرحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم التصريح به ولغيره لم يجز أن يريدوا بالمحتمل إلا المعنى الاول (١) ، يبين صحة ما ذكرناه أن أحدهم إذا قال مقبلا على جماعة مفهما وله عدة عبيد : « ألستم عارفين بعبدي فلان؟ » ثم قال عاطفا على كلامه : « فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله » لم يجز أن يريد بقوله : « عبدي » بعد أن قدم ما قدمه إلا العبد الذي سماه في أول كلامه دون غيره من سائر عبيده ، ومتى أراد سواه كان عندهم لغوا خارجا من طريق البيان.

ثم اعترض بأن ما ذكرتم من المثال إنما يقبح أن يريد غير ما مهده سابقا من العبيد (٢) لانه حينئذ تكون المقدمة لغوا لا فائدة فيها ، وليس الامر في خبر الغدير كذلك ، لانه يمكن أن يكون المعنى : إذا كنت أولى بكم وكانت طاعتي واجبة عليكم فافعلوا كذا وكذا ، فإنه من جملة ما آمركم فيه بطاعتي ، وهذه عادة الحكماء فيما يلزمونه من يجب عليه طاعتهم ، فافترق الامران ، ثم أجاب بأنه لو كان الامر على ما ذكرت لوجب أن يكون متى حصل في المثال الذي أوردناه فائدة لمقدمته وإن قلت أن يحسن ما حكمناه بقبحه ووافقتنا عليه ، ونحن نعلم أن القائل إذا أقبل على جماعة فقال : « ألستم تعرفون صديقي زيدا الذي كنت ابتعت منه عبدي فلانا الذي صفته كذا وكذا وأشهدناكم على أنفسنا بالمبايعة؟ فاشهدوا أني قد وهبت له عبدي أو قد رددت إليه عبدي » لم يجز أن يريد بالكلام الثاني إلا لعبد الذي سماه وعينه في صلب الكلام (٣)

____________________

(١) المصرح به.

(٢) متعلق بقوله « يريد » وقد ذكر في المصدر قبل هذا الاعتراض اعتراضا آخر ، وحاصله أن لفظة « أولى » لم تتكرر في الحديث كما تكررت لفظة « عبد » في المثال ، نعم لو قال في الحديث ايضا ثانيا « فمن كنت أولى به من نفسه فهذا أولى به من نفسه » لتم الاستدلال ، ولكن قال فيه « فمن كنت مولاه فهذا مولاه » فيمكن أن يريد به غير ما أراد من الجملة الاولى ، بخلاف المثال فانه لا يمكن فيه ذلك لتكرر اللفظ بعينه ، فافترق الامران. واجاب عن هذا الاعتراض بما حاصله أن الفرق غير حاصل بين الامرين ، فان في المثال ايضا قد ذكرت لفظة « عبد » أولا موصولة بقوله « فلان » وموصوفة بصفة لم تذكر هذه الصفة ثانية ، فصارت كأنها لفظة اخرى يحتمل ما تقدم ويحتمل غيره ، وجرت مجرى لفظة « مولى » من خبر الغدير في احتمالها لما تقدم ولغيره ، فلا فرق بين الامرين.

(٣) في المصدر : في صدر الكلام.

٢٤٣

وإن كان متى لم يرد ذلك يصح أن يحصل فيما قدمه فائدة ، لانه لا يمتنع أن يريد بما قدمه من ذكر العبد تعريف الصديق ويكون وجه التعلق بين الكلامين أنكم إذا كنتم قد شهدتم بكذا وعرفتموه فاشهدوا أيضا بكذا ، وهو لو صرح بما قدمناه حتى يقول بعد المقدمة : فاشهدوا أني قد وهبت له أو رددت إليه عبدي فلانا الذي كنت ملكته منه ـ ويذكر من عبيده غير من تقدم ذكره ـ يحسن وكان وجه حسنه ما ذكرناه (١) ، انتهى كلامه نور الله ضريحه.

أقول : فإذا ثبت أن المراد بالمولى ههنا الاولى الذي تقدم ذكره والاولى في الكلام المتقدم غير مقيد بشئ من الاشياء وحال من الاحوال فلو لم يكن المراد العموم لزم الالغاز في الكلام المتقدم ، ومن قواعدهم المقررة أن حذف المتعلق من غير قرينة دالة على خصوص أمر من الامور يدل على العموم ، لا سيما وقد انضم إليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أنفسكم » فإن للمرء أن يتصرف في نفسه ما يشاء ويتولى من أمره ما يشاء ، فإذا حكم بأنه أولى بهم من أنفسهم يدل على أن له أن يأمرهم بما يشاء ويدبر فيهم ما يشاء في أمر الدين والدنيا ، وأنه لا اختيار لهم معه ، وهل هذا إلا معنى الامامة والرئاسة العامة؟

وأيضا لا يخفى على عاقل أن ما قررهم صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) إنما أشار به إلى ما أثبت الله تعالى له في كتابه العزيز حيث قال « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم (٣) » وقد

____________________

(١) الشافى : ١٣٤ و ١٣٥. وحاصل ما ذكره اخيرا في رد الاعتراض أن ملاك الحسن والقبح ليس وجود الفائدة وعدمها حتى تدعون أن في المثال لو لم يكن المراد من لفظة « عبدى » ثانيا ما تقدم اولا لما كانت لذكرها أولا فائدة وهذا قبيح من المتكلم العاقل ، بخلاف الحديث فانه لو كان المراد من لفظة « مولى » غير ما ذكر أولا لا يخلو عن فائدة فلا يكون قبيحا ، فان الملاك لو كان ما ذكر لجاز عند وجود فائدة وإن قلت أن يكون المراد من لفظة « عبدى » ثانيا غير ما ذكر أولا ، والفائدة موجودة في المقام ومع ذلك لا يجوز ، فنستكشف أن الملاك غير ما ذكر بل فهم العرف وعامة الناس ، وهم لا يفرقون بين الامرين ، ويفهمون من الكلمة الثانية عين ما فهموه من الاولى ، فتدبر.

(٢) قرره بالامر : جعله يعترف به. وفى ( م ) : ان ما قررهم عليه اه.

(٣) سورة الاحزاب : ٦.

٢٤٤

أجمع المفسرون على أن المراد به ما ذكرناه ، قال الزمخشري في كتاب الكشاف : النبي أولى بالمؤمنين في كل شئ من امور الدين والدنيا من أنفسهم ، ولهذا اطلق ولم يقيد ، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم ، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها ، وحقه آثر لديهم من حقوقها ، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها ، وأن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه إذا أعضل خطب (١) ، ووقاءه إذا لحقت حرب ، وأن لا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم ولا ما تصرفهم عنه ، ويتبعوا كل ما دعاهم إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصرفهم عنه ، إلى آخر كلامه (٢) ونحوه قال البيضاوي (٣) وغيره من المفسرين.

وقال السيد : فأما الدليل على أن لفظة أولى يفيد معنى الامامة فهو أنا نجد أهل اللغة لا يضعون هذا اللفظ إلا فيمن كان يملك ما وصف بأنه أولى به ، وينفذ فيه أمره ونهيه ، ألا تراهم يقولون : السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعية ، وولد الميت أولى بميراثه من كثير من أقاربه ، ومرادهم في جميع ذلك ما ذكرناه ، ولا خلاف بين المفسرين في أن قوله تعالى : « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم » المراد به أنه أولث بتدبيرهم والقيام بأمرهم حيث وجبت طاعته عليهم ، ونحن نعلم أنه لا يكون أولى بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كل أحد إلا من كان إماما لهم مفترض الطاعة عليهم.

فإن قال : سلمنا أن المراد بالمولى في الخبر ما تقدم من معنى الاولى ، من أين لكم أنه أراد كونه أولى بهم في تدبيرهم وأمرهم ، ونهيهم؟ دون أن يكون أراد به أولى بأن يوالوه ويحبوه ويعظموه ويفضلوه؟ قيل له : سؤالك يبطل من وجهين : أحدهما أن الظاهر من قول القائل : فلان أولى بفلان أنه أولى بتدبيره وأحق بأمره ونهيه ، فإذا انضاف إلى ذلك القول أولى به من نفسه زالت الشبهة في أن المراد ما ذكرناه ، ألا تراهم يستعملون هذه اللفظة مطلقة في كل موضع حصل فيه محض التدبير والاختصاص بالامر والنهي كاستعمالهم لها في السلطان ورعيته والوالد وولده والسيد وعبده؟ وإن جاز أن

____________________

(١) اعضل الامر : اشتد واستغلق. والخطب : الامر العظيم.

(٢) الكشاف ٢ : ٤٢٤.

(٣) راجع تفسيره ٢ : ١٠٧.

٢٤٥

يستعملوها مقيدة في غير هذا الموضع إذا قالوا : فلان أولى بمحبة فلان أو بنصرته أو بكذا وكذا منه ، إلا أن مع الاطلاق لا يعقل عنهم إلا المعنى الاول.

والوجه الآخر أنه إذا ثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أراد بما قدمه من كونه أولى بالخلق من نفوسهم أنه أولى بتدبيرهم وتصريفهم من حيث وجبت طاعته عليهم بلا خلاف ، وجب أن يكون ما أوجبه لامير المؤمنين عليه‌السلام في الكلام الثاني جاريا ذلك المجرى ، يشهد بصحة ما قلناه أن القائل من أهل اللسان إذا قال : « فلان وفلان ـ وذكر جماعة ـ شركائي في المتاع الذي من صفته كذا وكذا » ثم قال عاطفا على كلامه : « من كنت شريكه فعبدالله شريكه » اقتضى ظاهر لفظه أن عبدالله شريكه في المتاع الذي قدم ذكره وأخبر أن الجماعة شركاؤه فيه ، ومتى أراد أن عبدالله شريكه في غير الامر الاول كان سفيها عابثا ملغزا.

فإن قيل : إذا نسلم لكم انه عليه‌السلام أولى بهم بمعنى التدبير ووجوب الطاعة من أين لكم عموم وجوب الطاعة في جميع الامور التي تقوم بها الائمة؟ ولعله أراد به أولى بأن يطيعوه في بعض الاشياء دون بعض ، قيل له : الوجه الثاني الذي ذكرناه (١) في جواب سؤالك المتقدم يسقط هذا السؤال ، ومما يبطله أيضا أنه إذا ثبت أنه عليه‌السلام مفترض الطاعة على جميع الخلق في بعض الامور دون بعض وجبت إمامته وعموم فرض طاعته وامتثال تدبيره ، فلا يكون إلا الامام لان الامة مجمعة على أن من هذه صفته هو الامام.

ولان كل من أوجب لامير المؤمنين عليه‌السلام من خبر الغدير فرض الطاعة على الخلق أوجبها عامة في الامور كلها على الوجه الذي يجب للائمة ولم يخص شيئا دون شئ ، وبمثل هذا الوجه نجيب من قال : كيف علمتم عموم القوم لجميع الخلق مضافا إلى عموم إيجاب الطاعة لسائر الامور ولستم ممن يثبت للعموم صيغة في اللغة فتتعلقون بلفظة « من » وعمومها؟ وما الذي يمنع على اصولكم من أن يكون أوجب طاعته على واحد من الناس أو جماعة من الامة قليلة العدد؟ لانه لاخلاف في عموم طاعة النبي

____________________

(١) وملخصه أن كل ما ثبت للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله من كونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثابت له عليه‌السلام من دون استثناء.

٢٤٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله وعموم قوله من بعد : « فمن كنت مولاه » وإلا لم يكن العموم للعموم صورة ، وقد بينا أن الذي أوجبه ثانيا يجب مطابقته لما قدمه في وجهه وعمومه في الامور ، وكذا يجب عمومه في المخاطبين بتلك الطريقة ، لان كل من أوجب من الخبر فرض الطاعة وما يرجع إلى معنى الامامة ذهب إلى عمومه لجميع المكلفين كما ذهب إلى عمومه في جميع الافعال ، انتهى (١).

وأما ما زعم بعضهم من أن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهم وال من والاه » قرينة على أن المراد بالمولى الموالي والناصر فلا يخفى وهنه ، إذ لم يكن استدلالنا بمحض تقدم ذكر الاولى حتى يعارضونا بذلك ، بل إنما استدللنا بسياق الكلام وتمهيد المقدمة والتفريع عليها وما يحكم به عرف أرباب اللسان في ذلك ، وأما الدعاء بموالاة من والاه فليس بتلك المثابة ، وإنما يتم هذا لو ادعى أحد أن اللفظ بعد ما اطلق على أحد معانيه لا يناسب أن يطلق ما يناسبه ويدانيه في الاشتقاق على معنى آخر ، وكيف يدعي ذلك عاقل مع أن ذلك مما يعد من المحسنات البديعية؟ بل نقول تعقيبه بهذا ، يؤيد ما ذكرناه ويقوي ما أسسناه بوجوه :

الاول أنه لما أثبت صلى‌الله‌عليه‌وآله له الرئاسة العامة والامامة الكبرى وهي مما يحتاج إلى الجنود والاعوان وإثبات مثل ذلك لواحد من بين جماعة مما يفضي إلى هيجان الحسد المورث لترك النصرة والخذلان لا سيما أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان عالما بما في صدور المنافقين الحاضرين من عدواته وما انطوى عليه جنوبهم من السعي في غصب خلافته عليه‌السلام أكد (٢) ذلك بالدعاء لاعوانه واللعن على من قصر في شأنه ، ولو كان الغرض محض كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناصرا لهم أو ثبوت الموالاة بينه وبينهم كسائر المؤمنين لم يكن يحتاج إلى مثل تلك المبالغات والدعاء له بما يدعي للامراء وأصحاب الولايات.

والثاني أنه يدل على عصمته اللازمة لامامته عليه‌السلام لانه لو كان يصدر منه المعصية لكان يجب على من يعلم ذلك منه منعه وزجره وترك موالاته وإبداء معاداته

____________________

(١) الشافى : ١٣٥ و ١٣٦.

(٢) جواب لما.

٢٤٧

لذلك (١) ، ودعاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لكل من يواليه وينصره ولعنه على كل من يعاديه ويخذله يسلتزم عدم كونه أبدا على حال يستحق عليها ترك الموالاة والنصرة.

والثالث أنه إذا كان المراد بالمولى الاولى ـ كما نقوله ـ كان المقصود منه طلب موالاته ومتابعته ونصرته من القوم ، وإن كان المراد الناصر والمحب كان المقصود بيان كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله ناصرا ومحبا لهم ، فالدعاء لمن يواليه وينصره واللعن على من يتركهما في الاول أهم وبه أنسب من الثاني ، إلا أن يؤول الثاني بما يرجع إلى الاول في المآل كما أومأنا إليه سابقا (٢).

المسلك الرابع أن الاخبار المروية من طرق الخاصة والعامة الدالة على أن قوله تعالى : « اليوم أكملت لكم دينكم » نزلت في يوم الغدير تدل على أن المراد بالمولى ما يرجع إلى الامامة الكبرى ، إذ ما يكون سببا لكمال الدين وتمام النعمة على المسلمين لا يكون إلا ما يكون من اصول الدين بل من أعظمها ، وهي الامامة التي بها يتم نظام الدنيا والدين ، وبالاعتقاد بها تقبل أعمال المسلمين ، وقال الشيخ جلال الدين السيوطي ـ وهو من أكابر متأخري المخالفين ـ في كتاب الاتقان : أخرج أبوعبيدة عن محمد بن كعب قال : نزلت سورة المائدة في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة ، ومنها « اليوم أكملت لكم دينكم » وفي الصحيح عن عمر أنها نزلت عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع (٣) ، لكن أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت يوم غدير خم ، وأخرج مثله من حديث أبي هريرة انتهى. (٤). وروى السيوطي أيضا في الدر المنثور بأسانيد أن اليهود قالوا : لو علينا نزلت هذه الآية لاتخذنا يومها عيدا (٥).

وروى الشيخ الطبرسي في مجمع البيان ، عن مهدي بن نزار الحسيني ، عن

____________________

(١) اى لاجل صدور المعصية.

(٢) من أنه على فرض التسليم ايضا يدل على امامته عليه‌السلام عند ذوى العقول المستقيمة.

راجع المسلك الثانى.

(٣) في المصدر بعد ذلك : وله طرق كثيرة.

(٤) الاتقان ١ : ١٩.

(٥) الدر المنثور ٢ : ٢٥٨.

٢٤٨

عبدالله الحسكاني (١) ، عن أبي عبدالله الشيرازي ، عن أبي بكر الجرجاني ، عن أبي أحمد الانصاري البصري ، عن أحمد بن عمار بن خالد ، عن يحيى بن عبدالحميد الحماني عن قيس بن الربيع ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما نزلت هذه الآية قال : الله أكبر الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. قال : وقال الربيع بن أنس : نزل في المسير حجة الوداع ، انتهى (٢). وقد مر سائر الاخبار في ذلك.

المسلك الخامس : أن الاخبار المتقدمة الدالة على نزول قوله تعالى : « يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالتي والله يعصمك من الناس » مما يعين أن المراد بالمولى الاولى والخليفة والامام ، لان التهديد بأنه إن لم يبلغه فكأنه لم يبلغ شيئا من رسالاته وضمان العصمة له يجب أن يكون في إبلاغ حكم يكون بإبلاغه إصلاح الدين والدنيا لكافة الانام ، وبه يتبين الناس الحلال والحرام إلى يوم القيامة ، ويكون قبوله صعبا على الاقوام ، وليس ما ذكروه من الاحتمالات في لفظ المولى مما يظن فيه أمثال ذلك إلا خلافته وإمامته عليه‌السلام ، إذ بها يبقى ما بلغه صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحكام الدين ، وبها ينتظم امور المسلمين ، ولضغائن الناس لامير المؤمنين كان مظنة إثاره الفتن من المنافقين ، فلذا ضمن الله له العصمة من شرهم.

قال الرازي في تفسيره الكبير في بيان محتملات نزول تلك الآية : العاشر : نزلت هذه الآية في فضل علي عليه‌السلام ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فلقيه عمر فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصحبت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي (٣).

وقال الطبرسي رحمه‌الله : روى العياشي في تفسيره بإسناده عن ابن أبي عمير ،

____________________

(١) في المصدر : عن عبيدالله بن عبدالله الحسكانى.

(٢) مجمع البيان ٣ : ١٥٩.

(٣) مفاتيح الغيب ٣ : ٤٣٣.

٢٤٩

عن ابن اذينة ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس وجابر بن عبدالله قال : أمر الله تعالى (١) أن ينصب عليا للناس فيخبرهم بولايته ، فتخوف رسول الله صلى عليه وآله وسلم أن يقولوا : حابى ابن عمه (٢) ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله إليه الآية (٣) ، فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله بولايته يوم غدير خم. وهذا الخبر بعينه حدثناه (٤) السيد أبوالحمد عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن أبي عمير في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التأويل (٥) ، وفيه أيضا بالاسناد المرفوع إلى حيان بن علي العنزي (٦) ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في علي عليه‌السلام فأخذ رسول الله صلى الله وآله وسلم بيده فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وقد أورد هذا الخبر (٧) أبوإسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في تفسيره بإسناده مرفوعا إلى ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في علي عليه‌السلام امر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبلغ (٨) فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي عليه‌السلام فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وقد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام أن الله أوحى إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستخلف عليا عليه‌السلام فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره بأدائه ، والمعنى : إن تركت تبليغ ما انزل إليك وكتمته كنت كأنك لم تبلغ شيئا من رسالات ربك في استحقاق العقوبة (٩).

المسلك السادس هو أن الاخبار الخاصية والعامية المشتملة على صريح النص في تلك الواقعة إن لم ندع تواترها معنى مع أنها كذلك فهي تصلح لكونها قرينة

____________________

(١) كذا في النسخ ، وفى المصدر و ( ت ) : قالا أمر الله تعالى محمدا اه.

(٢) حابى الرجل : نصره. اختصه دون سواء.

(٣) في المصدر : هذه الاية.

(٤) في المصدر : قد حدثناه.

(٥) في المصدر : لقواعد التفضيل والتأويل.

(٦) في المصدر : حيان بن على الغنوى.

(٧) في المصدر : هذا الخبر بعينه.

(٨) في المصدر : أن يبلغ فيه.

(٩) مجمع البيان ٣ : ٢٢٣.

٢٥٠

لكون المراد بالمولى ما يفيد الامامة الكبرى والخلافة العظمى ، لاسيما مع انضمام ما جرت به عادة الانبياء عليهم‌السلام والسلاطين والامراء من استخلافهم عند قرب وفاتهم ، وهل يريب عاقل في أن نزول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمان ومكان لم يكن نزول المسافر متعارفا فيهما ـ حيث كان الهواء على ما روي في غاية الحرارة حتى كان الرجل يستظل بدابته ويضع الرداء تحت قدميه من شدة الرمضاء (١) ، والمكان مملوءا من الاشواك ـ ثم صعوده على الاقتاب والدعاء لامير المؤمنين علي عليه‌السلام على وجه يناسب شأن الملوك والخلفاء وولاة العهد لم يكن (٢) إلا لنزول الوحي الايجابي الفوري في ذلك الوقت لاستدراك أمر عظيم الشأن جليل القدر وهو استخلافه والامر بوجوب طاعته؟.

المسلك السابع نقول : يكفي في القرينة على إرادة الامامة من المولى فهم من حضر ذلك المكان وسمع هذا الكلام ، هذا المعنى (٣) ، كحسان حيث نظمه في أشعاره المتواترة ، وغيره من شعراء الصحابة والتابعين وغيرهم (٤) ، وكالحارث بن النعمان الفهري كما مر عن الثعلبي وغيره أنه هكذا فهم الخطاب حيث سمعه ، وغيرهم من الصحابة والتابعين على ما مر بيانه في ضمن الاخبار ، ولنعم ما قال الغزالي في كتاب سر العالمين في مقالته الرابعة التي وضعها لتحقيق أمر الخلافة بعد عدة من الابحاث وذكر الاختلاف : لكن أسفرت الحجة وجهها (٥) وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه » فقال عمر : « بخ بخ لك يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة » فهذا تسليم ورضى وتحكيم ،

____________________

(١) الرمضاء : شدة الحر.

(٢) خبر أن

(٣) مفعول فهم.

(٤) وعليك بكتاب « الغدير » فقد أتى فيه مؤلفه المعظم بكل شعر قيل في هذا المعنى مع ترجمة قائله ، مع علمنا بأن ما قيل أقل قليل مما لم يقل إما لكتمان الاحباء خوفا وفزعا وإما لانكار الاعداء حسدا وطمعا ، ومع علمنا ايضا بأن ما وصل بأيدينا أقل قليل مما لم يصل للحوادث الواقعة كاحراق المكتبات وغيره.

(٥) أسفر : كشف عن وجهه.

٢٥١

ثم بعد هذا غلب الهوى بحب الرئاسة (١) وحمل عمود الخلافة وعقود البنود (٢) وخفقان الهواء في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الامصار سقاهم كأس الهوى ، فعادوا إلى الخلاف الاول ، فنبذوا الحق وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يتشرون! انتهى (٣).

أقول : لا يخفى على من شم رائحة الانصاف أن تلك الوجوه التي نقلناها عن القوم مع تتميمات ألحقناها بها ونكات تفردنا بإيرادها لو كان كل منها مما يمكن لمباهت ومعاند أن يناقش فيها فبعد اجتماعها وتعاضد بعضها ببعض لا يبقى لاحد مجال الريب فيها ، والعجب من هؤلاء المخالفين مع ادعائهم غاية الفضل والكمال كيف طاوعتهم أنفسهم أن يبدوا في مقابلة تلك الدلائل والبراهين احتمالات يحكم كل عقل باستحالتها؟! ولو كان مجرد التمسك بذيل الجهالات والالتجاء بمحض الاحتمالات مما يكفي لدفع الاستدلالات لم يبق شئ من الدلائل إلا ولمباهب فيه مجال ، ولا شئ من البراهين إلا ولجاهل فيه مقال ، فيكف يثبتون الصانع ويقيمون البراهين فيه على الملحدين؟ وكيف يتكلمون في إثبات النبوات وغيره من مقاصد الدين؟ أعاذنا الله وإياهم من العصبية والعناد ، ووفقنا جميعا لما يهدي إلى الرشاد.

تذييل : قال أبو الصلاح الحلبي في كتاب تقريب المعارف وقد لخصه من الشافي : فإن قيل : فطرقكم من هذا الخبر يوجب كون علي عليه‌السلام إمام في الحال والاجماع بخلاف ذلك (٤) ، قلنا : هذا يسقط من وجوه :

أحدها أنه جرى في استخلافه عليها ـ صلوات الله عليهما ـ على عادة المستخلفين الذين يطلقون إيجاب الاستخلاف في الحال ومرادهم بعد الوفاة ، ولا يفتقرون إلى بيان لعلم السامعين بهذا العرف المستقر.

____________________

(١) في المصدر : لحب الرئاسة.

(٢) جمع البند : العلم الكبير. الحيلة.

(٣) سر العالمين : ١٦ و ١٧.

(٤) فان الاجماع قائم من الخاصة والعامة بأن أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يكن خليفة وإماما في حياة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢٥٢

وثانيها أن الخبر إذا أفاد فرض طاعته وإمامته عليه‌السلام على العموم وخرج حال الحياة بإجماع بقي ماعداه ، وليس لاحد أن يقول على هذا الوجه : فألحقوا بحال حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أحوال المتقدمين على أمير المؤمنين عليه‌السلام لانا إنما أخرجنا حال الحياة من عموم الاحوال للدليل ، ولا دليل على إمامة المتقدمين ، ولان كل قائل بالنص قائل بإيجاب إمامته عليه‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ، فإذا كان الخبر دالا على النص بما أوضحنا سقط السؤال.

وثالثها أنا نقول بموجبه (١) من كونه عليه‌السلام مفترض الطاعة على كل مكلف وفي كل أمر وحال منذ نطق به إلى أن قبضه الله تعالى إليه وإلى الآن ، وموسوما بذلك ، ولا يمنع منه إجماع ، لاختصاصه بالمنع من وجود وإمامين وليس ، هو في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك ، لكونه عليه‌السلام مرعيا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتحت يده وإن كان مفترض الطاعة على امته كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لانه لم يكن الامام إماما من حيث فرض الطاعة فقط ، لثبوته للامراء ، وإنما كان كذلك لانه لا يد فوق يده ، وهذا لم يحصل إلا بعد وفاته صلوات الله عليه وآله ، انتهى (٢).

أقول : من أراد الاحاطة على الاعتراضات الموردة في هذا المقام وأجوبتها الشافية فليرجع إلى كتاب الشافي ، وفيما ذكرناه كفاية لاتمام الحجة ووضوح المحجة (٣) « والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ».

____________________

(١) أى بموجب النص.

(٢) كتاب التقريب لم يطبع إلى الان ولم نظفر بنسخته ، إلا أنه تلخيص الشافى كما صرح به المصنف وقد اورد السيد فيه هذا البحث مفصلا راجع ص ١٣٩ و ١٤٠.

(٣) المحجة : جادة الطريق اى وسطه.

٢٥٣

٥٣

(باب )

* ( أخبار المنزلة والاستدلال بها على امامته صلوات الله وسلامه عليه ) *

١ ـ لى : الطالقاني ، عن أحمد الهمداني ، عن أحمد بن صالح ، عن حكيم بن عبدالرحمان ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام : يا علي أنت مني بمنزلة هبة الله من آدم ، وبمنزلة سام من نوح ، وبمنزلة إسحاق من إبراهيم ، وبمنزلة هارون من موسى ، وبمنزلة شمعون من عيسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ، يا علي أنت وصيي وخليفتي ، فمن جحد وصيتك وخلافتك فليس مني ولست منه ، وأنا خصمه يوم القيامة ، يا علي أنت أفضل امتي فضلا ، وأقدمهم سلما ، وأكثرهم علما ، وأوفرهم حلما ، وأشجعهم قلبا ، وأسخاهم كفا ، يا علي أنت الامام بعدي والامير ، وأنت الصاحب بعدي والوزير ، ومالك في امتي من نظير ، يا علي أنت قسيم الجنة والنار ، بمحبتك يعرف الابرار من الفجار ، ويميز بين الاشرار والاخيار ، وبين المؤمنين والكفار (١).

٢ ـ ن : بإسناد التميمي عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم‌السلام قال : قال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى (٢).

٣ ـ ما : المفيد ، عن محمد بن عمران المرزباني ، عن أحمد بن محمد بن عيسى المكي عن عبدالله بن أحمد بن حنبل ، عن يحيى بن عيسى الرملي ، عن الاعمش ، عن عباية الاسدي ، عن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لام سلمة : يا ام سلمة علي مني وأنا من علي ، لحمه لحمي ودمه دمي ، وهو مني بمنزلة

____________________

(١) امالى الصدوق : ٢٩.

(٢) لم نجده في المصدر المطبوع.

٢٥٤

هارون من موسى ، يا ام سلمة اسمعي واشهدي هذا علي سيد المسلمين (١).

٤ ـ ما : أبوعمرو ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن يحيى بن زكريا ، عن إسماعيل ابن أبان ، عن أبي مريم عن أبي إسحاق ، عن حبشي بن جنادة السلولي قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي عليه‌السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا بني بعدي (٢).

٥ ـ ما : بالاسناد المتقدم عن إسماعيل ، عن أبي عبدالله المعلى ، عن سماك ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي عليه‌السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (٣).

٦ ـ ما : أبوعمرو ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن يحيى ، عن عبدالرحمان بن شريك عن أبيه ، عن الاعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام في غزوة تبوك : اخلفني في أهلي ، فقال علي عليه‌السلام : يا رسول الله إني أكره أن تقول العرب : خذل ابن عمه وتخلف عنه ، فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ قال : بلى ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاخلفني (٤).

٧ ـ ما : محمد بن أحمد بن أبي الفوارس ، عن أحمد بن محمد الصائغ ، عن محمد بن إسحاق عن قتيبة بن سعيد ، عن حاتم ، عن بكير بن يسار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي عليه‌السلام وخلفه في بعض مغازيه (٥) فقال عليه‌السلام : يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي (٦).

[ ٨ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن مزيد بن محمود بن أبي الازهر

____________________

(١) امالى الشيخ : ٣١.

(٢ و ٣) امالى الشيخ : ١٥٩.

(٤) امالى الشيخ : ١٦٤.

(٥) في المصدر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلى ثلاثا فلان تكون لى واحدة منهن احب إلى من حمر النعم ، سمعت رسول الله يقول لعلى عليه‌السلام وخلفه في بعض مغازيه اه.

(٦) امالى الشيخ : ١٩٣. وللحديث ذيل قد ذكر فيه قصة إعطاء اللواء يوم خيبر والمباهلة.

٢٥٥

النحوي (١) عن أبي كريب محمد بن العلى ، عن إسماعيل بن صبيح اليشكري ، عن أبي اويس ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : ألا ترضى أن تكون مني كهارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي من بعدي ، ولو كان لكنته ، قال أبوالمفضل : وما كتبت هذا الحديث إلا عن ابن أبي الازهر (٢).

٩ ـ كنز الكراجكى : عن محمد بن أحمد بن شاذان ، عن المعافا بن زكريا ، عن محمد بن مزيد ، عن أبي كريب مثله. وروى بأسانيد عن سعيد بن المسيب : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي عليه‌السلام حين خرج إلى غزاة تبوك : إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ قال : نعم ، وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي عليه‌السلام هذه المقالة في غزاته هذه غير مرة (٣) ].

١٠ ـ ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن علي بن محمد بن علي ، عن جعفر بن محمد بن عيسى ، عن عبدالله بن علي ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : خلف رسول الله (ص) عليا في غزوة تبوك فقال : يا رسول الله تخلفني بعدك؟ قال : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا بني بعدي؟ (٤).

١١ ـ ما : بإسناد المجاشعي ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين عليهم‌السلام قال : حدثني عمر وسلمة ابنا أبي سلمة ربيبا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنهما سمعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في حجته (٥) : علي يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين ، علي أخي ومولى المؤمنين من بعدي ، وهو مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أن الله تعالى ختم النبوة بي فلا نبي بعدي ، وهو الخليفة في الاهل والمؤمنين بعدي (٦).

١٢ ـ ما : المفيد عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن يحيى ، عن جده يحيى بن الحسين ،

____________________

(١) راجع جامع الرواة ٢ : ١٩٢.

(٢) امالى ابن الشيخ : ٢٨.

(٣) كنز الكراجكى : ٢٨٢ و ٢٨٣. والرواية من مختصات ( ك ) فقط.

(٤) امالى الشيخ : ٢١٨.

(٥) في المصدر : في حجته حجة الوداع.

(٦) امالى الشيخ : ٣٣١.

٢٥٦

عن أبي مصعب يحيى بن أحمد ، عن يوسف بن الماجشون ، عن محمد بن المنكدر قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : سألت سعد بن أبي وقاص : أسمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي عليه‌السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس معي نبي؟ قال : نعم ، فقلت : أنت سمعته؟ قال : فأدخل ، إصبعيه في اذنيه وقال : نعم وإلا فاستكتا (١).

بيان : قال الجزري الاستكاك الصمم وذهاب السمع (٢).

١٣ ـ شف : أحمد بن مردويه ، عن عبدالله بن محمد بن جعفر ، عن جعفر بن محمد العلوي عن محمد بن الحسين المعلكي ، عن أحمد بن موسى الخراز ، عن بليد بن سليمان ، عن جابر الجعفي ، عن محمد بن علي ، عن أنس بن مالك قال : بينما أنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال : يطلع الآن ، قلت : فداك أبي وامي من ذا؟ قال : سيد المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين وأولى الناس بالنبيين ، قال : فطلع علي عليه‌السلام ثم قال لعلي : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى (٣).

١٤ ـ شف : الحافظ أبونعيم أحمد بن عبدالله الاصفهاني ، عن أحمد بن جعفر النسائي عن محمد بن حريز ، عن عبدالله بن داهر ، عن أبي داهر بن يحيى الاحمري ، عن الاعمش ، عن عباية ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي ، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله يا ام سلمة اشهدي واسمعي هذا علي أمير المؤمنين وسيد المسلمين وعيبة علمي وبابي الذي اوتى منه ، والوصي على امتي من أهل بيتي ، أخي في الدنيا وخديني في الآخرة ، و معي في السنام الاعلى (٤).

بيان : الخدين : الصديق.

١٥ ـ يج : روي أن يهوديا جاء إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقال له : سجت الفارسي (٥) فقال :

____________________

(١) امالى الشيخ : ١٤٢.

(٢) النهاية ٢ : ١٧٢.

(٣) اليقين : ١٤.

(٤) اليقين : ٢٩ و ٣٠.

(٥) في المصدر : سحت الفارسى.

٢٥٧

أسألك عن ربك يا محمد إن أجبتني أتبعك (١) ـ وكان رجلا من ملوك فارس وكان ذربا (٢) ـ فقال : أين الله؟ قال : هو في كل مكان ولا يوصف بمكان ولا يزول بل لم يزل بلا مكان ولا يزال ، فقال : يا محمد إنك لتصف ربا عظيما بلا كيف فكيف لي اعلم (٣) أنه أرسلك؟ قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر ولا مدر إلا قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن (٤) محمدا عبده ورسوله ، وقلت أيضا : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله ، فأسلم سجت (٥) وسماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عبدالله ، فقال : يا رسول الله من هذا (٦)؟ قال : هذا خير أهلي وأقرب الخلق مني وهو الوزير في حياتي والخليفة بعد وفاتي كما كان هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، فاسمع له وأطعه فإنه على الحق (٧).

١٦ ـ شف : من تفسير الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي بإسناده رفعه قال : أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله (ص) (٨) فقال يا محمد : هذا الامر لنا من بعدك أم لمن قال : يا صخر الامر من بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى ، فأنزل الله تعالى « عم يتساءلون » يعني يسألك أهل مكة عن خلافة علي بن أبي طالب « عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون » منهم المصدق بولايته وخلافته « كلا » ردع ورد عليهم « سيعلمون » سيعرفون خلافته بعدك أنها حق يكون « ثم كلا سيعلمون » سيعرفون خلافته وولايته إذ يسألون عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميت في شرق ولا في غرب ولا في بر ولا في بحر إ ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين (٩) بعد الموت ، يقولان للميت : من ربك؟

____________________

(١) في المصدر : اتبعتك.

(٢) أى فصيحا.

(٣) في المصدر : فكيف لى أن أعلم.

(٤) في المصدر : وأشهد أن اه.

(٥) في المصدر : فأسلم سحت.

(٦) في المصدر و ( م ) : فقال : يا محمد من هذا؟

(٧) الخرائج والجرائح : ٧٥.

(٨) في المصدر : إلى جنب رسول الله.

(٩) في المصدر : عن ولاية على أمير المؤمنين.

٢٥٨

وما دينك؟ ومن نبيك؟ ومن إمامك (١).

١٧ ـ قب : وأما الخبر « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » فقد أخرجه الشيخان في صحيحهما (٢) والنظنزي في الخصائص أنه سئل رجل شافعي عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله (ص) : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة.

وصنف أحمد بن محمد بن سعيد كتابا في طرقه قد تلقته الامة بالقبول إجماعا ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ذلك مرارا ، منها لما خلفه في غزاة تبوك على المدينة والحرم فريدا ، لان تبوك بعيدة منها (٣) فلم يأمن أن يصيروا إليها ، وأنه قد علم أنه لا يكون هناك قتال ، و خرج في جيش أربعين ألف رجل وخلف جيشا وهو علي وحده ، وقد قال الله تعالى في غيره « رضوا بأن يكونوا مع الخوالف (٤) » الآية ، فما ظنك بالمدينة ليس فيها إلا منافق أو امرأة (٥) قال أبوسعيد الخدري : فلما وصل النبي إلى الجرف (٦) أتاه علي عليه‌السلام فقال : يا نبي الله زعم المنافقون أنك لما خلفتني أنك استثقلتني وتخففت مني ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله كذبوا ، إنما خلفتك لما وراي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي ، فرجع علي عليه‌السلام. وفي روايات كثيرة : إلا أنه لا بني بعدي ولو كان لكنته. رواه الخطيب في التاريخ وعبدالملك العكبري في الفضائل وأبوبكر بن مالك وابن الثلاج وعلي بن الجعد في أحاديثهم. وابن فياض في

____________________

(١) اليقين : ١٥١.

(٢) في المصدر : في صحيحيهما.

(٣) تبوك قرية بين وادى القرى والشام ، بها عين ماء ونخل وكان لها حصن خرب ، وإليها انتهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوته المنسوبة إليها ، كان قد بلغه أنه تجمع إليها الروم و لخم وجذام ، فوجدهم قد تفرقوا ولم يلق كيدا ، وأقام بها ثلاثة ايام ( مراصد الاطلاع ١ : ٢٥٣ ).

(٤) سورة التوبة : ٨٧ و ٩٣.

(٥) أى إن تخليف رسول الله عليا قد يوهم أنه استثقله وتخفف منه ، كيف لا وقد عاتب الله سبحانه في غير هذا المورد القاعدين عن الجهاد.

(٦) الجرف ـ بالضم ثم السكون ـ موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام ، بها كانت أموال لعمر بن الخطاب ولاهل المدينة ( مراصد الاطلاع ١ : ٣٢٦ ).

٢٥٩

شرح الاخبار عن عمار بن مالك عن سعيد عن أبيه (١).

١٨ ـ كشف : من مناقب الخوارزمي عن جابر بن عبدالله أنه قال : جاءنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن مضطجعون في المسجد وفي يده عسيب رطب فقال : ترقدون في المسجد؟ قلنا قد أجفلنا وأجفل علي معنا (٢) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعالى يا علي إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي ، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟ و الذي نفسي بيده إنك لذائد عن حوضي يوم القيامة : تذود عنه رجالا كما يذاد البعير الضال عن الماء بعصا لك من عوسج ، كأني أنظر إلى مقامك من حوضي (٣).

١٩ ـ بشا : محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده عبدالصمد ، عن محمد بن القاسم الفارسي ، عن محمد بن الفضل المذكر ، عن عبدالعزيز بن عبدالله ، عن أبي سعيد العدوي عن سلمة بن شبيب (٤) ، عن عبدالرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن عباس قال رأيت حسان بن ثابت واقفا بمنى والنبي (ص) وأصحابه مجتمعين ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : معاشر المسلمين هذا علي بن أبي طالب سيد العرب والوصي الاكبر ، منزلته مني منزلة هارون من موسى إلا أنه لا بني بعدي ، لا تقبل التوبة من تائب إلا بحبه ، يا حسان قل فيه شيئا ، فأنشأ حسان بن ثابت يقول :

لا تقبل التوبة من تائب

إلا بحب ابن أبي طالب

أخي رسول الله بل صهره

والصهر لا يعدل بالصاحب

ومن يكن مثل علي وقد

ردت له الشمس من المغرب

ردت عليه الشمس في ضوئها

بيضا كأن الشمس لم تغرب (٥).

____________________

(١) مناقب آل أبى طالب ١ : ٥٢٢.

(٢) العسيب : جريدة من النخل كشط خوصها. رقد الرجل : نام. وفى النهاية ( ١ : ١٦٨ ) : فيه « فنعس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على راحلته حتى كاد ينجفل عنها » هو مطاوع جفله إذا طرحه وألقاه ، أى ينقلب عنها ويسقط ، يقال ضربه فجفله أى ألقاه على الارض.

(٣) كشف الغمة : ٤٤.

(٤) في المصدر : عن سلمة بن شعيب.

(٥) بشارة المصطفى : ١٨٠.

٢٦٠