الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٧
خلفه ، فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ـ ثلاث مرات ـ وأنا عند عتبة الباب ، فقلت : وأنا منهم؟ قال : إلى خير ، وما في البيت أحد غير هؤلاء وجبرئيل ، ثم أعذف خميصة كساء خيبري فجللهم به (١) وهو معهم ، ثم أتاهم جبرئيل بطبق فيه رمان وعنب ، فأكل النبي صلىاللهعليهوآله فسبح ، ثم آكل الحسن والحسين عليهماالسلام فتناولا منه فسبح العنب والرمان في أيديهما ، فدخل علي عليهالسلام فتناول منه فسبح أيضا ، ثم دخل رجل من أصحاب وأراد أن يتناول فلم يسبح ، فقال : جبرئيل : إنما يأكل من هذا نبي ووصي وولد نبي.
٤ ـ يج : روي عن عائشة أن رسول الله صلىاللهعليهوآله بعث عليا يوما في حاجة ، فانصرف إلى النبي صلىاللهعليهوآله وهو في حجرتي ، فلما دخل علي من باب الحجرة استقبله رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى وسط واسع من الحجرة ، فعانقه وأظلتهما غمامة سترتهما عني ، ثم زالت عنهما ، فرأيت في يد رسول الله صلىاللهعليهوآله عنقود عنب أبيض وهو يأكل ويطعم عليا ، فقلت : يا رسول الله تأكل وتطعم عليا ولا تطعمني؟ قال : إن هذا من ثمار الجنة لا يأكله إلا نبي أو وصي نبي في الدنيا.
٥ ـ يج : روي أن فاطمة عليهاالسلام قالت : يا رسول الله إن الحسن والحسين جائعان ، قال : ما لكما يا حبيبي؟ قالا : نشتهي طعاما ، فقال : اللهم أطعمهما طعاما ، قال سلمان : فنظرت فإذا بيد النبي صلىاللهعليهوآله سفرجلة مشبهة بالجرة الكبيرة (٢) ، أشد بياضا من اللبن ، ففركها (٣) بإبهامه فصيرها نصفين ، فدفع نصفها للحسن ونصفها للحسين ، فجعلت أنظر إليها وأنا أشتهي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : هذا طعام من الجنة لا يأكله رجل حتى ينجو من الحساب غيرنا وإنك على خير (٤).
اقول أوردنا بعض الاخبار في باب سخاء أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
٦ ـ قب : العلاني بإسناده إلى ابن عباس في خبر طويل أنه اجتمع النبي
____________________
(١) أغذف : أرسل. الخميصة : ثوب اسود مربع. جلل الشى : غطاه.
(٢) الجرة ـ يفتح الجيم ـ إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع.
(٣) فرك الجوز ونحوه : دلكه وحكه حتى ينقلع قشره. والمراد هنا الشق.
(٤) لم نجد الروايات الثلاث في المصدر المطبوع.
صلىاللهعليهوآله وعلي وجعفر عند فاطمة وهي في صلاتها ، فلما سلمت أبصرت عن يمينها رطبا على طبق ، وعلى يسارها سبعة أرغفة وسبع طيور مشويات ، وجام من لبن ، وطاس من عسل ، وكأس من شراب الجنة ، وكوز من ماء معين (١) ، فسجدت وحمدت وصلت على أبيها ، وقدمت الرطب ، فلما فرغوا من أكله قدمت المائدة ، فإذا بسائل ينادي من وراء الباب : أهل بيت الكرم هل لكم في إطعام المساكين (٢)؟ فمدت فاطمة يدها إلى رغيف ووضعت عليه طيرا وحملت بالجام وأرادت أن تدفع إلى السائل ، فتبسم رسول الله (٣) في وجهها وقال : إنها محرمة على هذا السائل ، ثم نبأها بأنه إبليس لعنه الله وأنه لو واسيناه لصار من أهل الجنة ، فلما فرغوا من الطعام خرج علي من الدار وواجه إبليس وبكته (٤) ووبخه وقال له : الحكم بيني وبينك السيف ، ألا تعلم بفناء من نزلت يالعين؟ شوشت ضيافة نور الله في أرضه ـ في كلام له ـ فقال النبي صلىاللهعليهوآله : كل أمره إلى ديان يوم الدين ، فقال إبليس : يا رسول الله اشتقت إلى رؤية علي فجئت آخذ منه الحظ الاوفر ، وايم الله إني من أودائه وإني لاواليه.
أبوصالح المؤذن في الاربعين بإسناده عن زينب بنت جحش في حديث دخول النبي صلىاللهعليهوآله على فاطمة وقوله لها : هاتي ذلك الطريان (٥) وكان من موائد الجنة فإذا سائل فقال : السلام عليكم يا أهل البيت أطعمونا مما رزقكم الله ، فرد النبي صلىاللهعليهوآله يطعمك الله يا عبدالله ، فجاء مرة اخرى فرده ، إلى آخر الخبر.
كتاب أبي إسحاق العدل الطبري ، عن عمر بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين عليهالسلام قال : دعانا رسول الله صلىاللهعليهوآله أنا [ وعلي * ] وفاطمة والحسن والحسين ، ثم نادى بالصفحة (٦) فيها طعام كهيئة السكنجبين وكهيئة الزبيب الطائفي الكبار ، فأكلنا منه ، فوقف سائل
____________________
(١) هو من قولهم « معن الماء » أى جرى.
(٢) في المصدر : المسكين.
(٣) في المصدر و ( م ) نبى الله.
(٤) بكته : ضربه بسيف أو عصا. غلبه بالحجة.
(٥) في المصدر : هاتى ذاك الطيرتان.
(*) كذا في النسخ لكنه زائد ( ب ).
(٦) الصحفة : قصة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة.
على الباب ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله ، اخسأ ، ثم قال : ارفع ما فضل فرفعه ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : يا رسول الله لقد رأيتك صنعت اليوم شيئا (١) ما كنت تفعله؟ ، سأل سائل فقلت : اخسأ ، ورفعت فضل الطعام ولم أرك رفعت طعاما قط ، فقال صلىاللهعليهوآله : إن طعام كان من طعام الجنة ، وإن السائل كان شيطانا (٢).
بيان : قال الجزري : فيه « إنه أكل قديدا على طريان » قال ابن السكيت : هو الذي يؤكل عليه (٣).
٧ ـ كشف : عن أبي سعيد الخدري قال : أصبح علي ذات يوم فقال : يا فاطمة عندك شئ تغذينيه؟ قالت : لا والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة (٤) عندي شئ اغديكه ، وما كان عندي شئ منذ يومين إلا شئ كنت اوثرك به على نفسي وعلى ابني هذين حسن وحسين ، فقال علي عليهالسلام : يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئا؟ فقالت : يا أبا الحسن إني لاستحيي من إلهي أن تكلف نفسك ما لا تقدر عليه ، فخرج علي عليهالسلام من عند فاطمة عليهاالسلام واثقا بالله حسن الظن به عزوجل ، فاستقرض دينارا فأخذه ليشتري لعياله ما يصلحهم ، فعرض له المقداد بن الاسود في يوم شديد الحر قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته ، فلما رآه علي عليهالسلام أنكر شأنه فقال : يا مقداد ما أزعجك (٥) هذه الساعة عن رحلك؟ فقال : يا أبا الحسن خل سبيلي ولا تسألني عما ورائي ، قال : يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك ، فقال : يا أبا الحسن رغبت إلى الله عزوجل وإليك أن تخلي سبيلي ولا تكشفني عن حالي ، فقال : يا أخي لا يسعك (٦) أن تكتمني حالك ، فقال : يا أبا الحسن أما إذا أبيت فوالذي أكرم محمدا بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أزعجني من رحلي إلا الجهد ،
____________________
(١) في المصدر : لقد رأيتك اليوم صنعت شيئا.
(٢) مناقب آل أبى طالب ١ : ٤١٢ و ٤١٣.
(٣) النهاية ٣ : ٣٧. والقديد : اللحم المقدد. وقدد اللحم : جعله قطعا وجففه.
(٤) في المصدر : اليوم خ ل.
(٥) زعجه وازعجه : اقلقه وقلعه من مكانه.
(٦) في المصدر : إنه لا يمسك.
وقد تركت عيالي جياعا ، فلما سمعت بكاءهم لم تحملني الارض ، فخرجت مهموما راكبا رأسي ، هذه حالتي (١) وقصتي ، فانهملت عينا علي عليهالسلام بالبكاء (٢) حتى بلت دموعه لحيته ، فقال : أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني إلا الذي أزعجك ، وقد اقترضت دينارا فهاكه ، فقد آثرك على نفسي.
فدفع الدينار إليه ورجع حتى دخل المسجد ، فصلى الظهر والعصر والمغرب ، فلما قضى رسول الله المغرب مر بعلي عليهالسلام وهو في الصف الاول ، فغمزه برجله ، فقام علي عليهالسلام فلحقه في باب المسجد ، فسلم عليه فرد رسول الله وقال : يا أبا الحسن هل عندك عشاء تعشيناه فنميل معك؟ فمكث مطرقا لا يحير جوابا حياء من رسول الله ، وقد عرف ما كان من أمر الدنيا ومن أين أخذ وأين وجهه بوحي من الله إلى نبيه ، وأمره أن يتعشى عند علي عليهالسلام تلك الليلة ، فلما نظر إلى سكوته قال : يا أبا الحسن مالك لا تقول لا فأنصرف أو نعم فأمضي معك؟ فقال حياء وتكرما : فاذهب بنا ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله بيد علي عليهالسلام فانطلقا حتى دخلا على فاطمة وهي في مصلاها قد قضت صلاتها وخلفها جفنة (٣) تفور دخانا ، فلما سمعت كلام رسول الله صلىاللهعليهوآله خرجت من مصلاها فسلمت عليه ، وكانت أعز الناس عليه ، فرد السلام ومسح بيديه على رأسها وقال لها : يا بنتاه كيف أمسيت رحمك الله؟ قالت : بخير ، قال : عشينا رحمك الله وقد فعل ، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلي فلما نظر علي إلى الطعام وشم ريحه رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا ، قالت له فاطمة : سبحان الله ما أشح نظرك وأشده! هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا استوجبت منك السخط (٤)؟ فقال : وأي ذنب أعظم من ذنب أصبته (٥) ، أليس عهدي بك اليوم الماضي وأنت تحلفين بالله مجتهدة ما طعمت طعاما منذ يومين ، قال : فنظرت إلى السماء وقالت : إلهي يعلم في سمائه
____________________
(١) في المصدر : هذه حالى.
(٢) انهملت عينه : فاضت وسالت.
(٣) الجفنة ـ بفتح الجيم ـ القصعة الكبيرة.
(٤) في المصدر : استوجبت به منك السخط.
(٥) في المصدر : اصببته.
وأرضه أني لم أقل إلا حقا ، فقال لها : يا فاطمة أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه ولم أشم مثل رائحته قط ولم آكل أطيب منه؟ قال : فوضع رسول الله صلىاللهعليهوآله كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي فغمزها ثم قال : يا علي هذا بدل عن دينارك ، هذا جزاء دينارك من عند الله « إن الله يرزق من يشاء بغير حساب » ثم استعبر النبي صلىاللهعليهوآله باكيا ثم قال : الحمد لله الذي أبى لكما أن تخرجا من الدنيا حتى يجريك يا علي مجرى زكريا عليهالسلام ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران عليهاالسلام.
قلت : حديث الطعام قد أورده الزمخشري في كشافه (١) عند تفسير قوله تعالى : « كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا » الآية (٢).
بيان : قال الجوهري : [ بغيتك الشئ : طلبته لك (٣). وقال : ] لوحته الشمس : غيرته وسفعت وجهه (٤). [ وفي المصباح : ركب الشخص رأسه : إذا مضى على وجهه بغير قصد (٥).
٨ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن عبدالرزاق بن سليمان ، عن الحسن بن علي الازدي ، عن عبدالوهاب بن همام الحميري ، عن جعفر بن سليمان ، عن أبي هارون العبدي ، عن ربيعة السعدي ، عن حذيفة بن اليمان قال : لما خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي صلىاللهعليهوآله قدم جعفر والنبي صلىاللهعليهوآله بأرض خيبر ، فأتاه بالفرع من الغالية (٦) والقطيفة ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : لادفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فمد أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله أعناقهم إليها ، فقال النبي (ص) : أين علي؟ فوثب عمار بن ياسر فدعا عليا عليهالسلام ، فلما جاء قال له النبي صلىاللهعليهوآله : يا علي خذ هذه القطيفة إليك ، فأخذها علي وأمهل (٧) حتى قدم المدينة ، فانطلق إلى البقيع
____________________
(١) ج ١ : ٣٠٣.
(٢) كشف الغمة : ١٤١ و ١٤٢. والاية في سورة آل عمران : ٣٧.
(٣) الصحاح ج : ٦ ص : ٢٢٨٢.
(٤) ج : ١ ص : ٤٠٢.
(٥) المصباح المنير ١ : ١٢٧.
(٦) في المصدر : من العالية.
(٧) أى صبر.
ـ وهو سوق المدينة ـ فأمر صائغا (١) ففصل القطيفة سلكا سلكا ، فباع الذهب وكان ألف مثقال ، ففرقه علي عليهالسلام في فقراء المهاجرين والانصار ، ثم رجع إلى منزله ولم يترك (٢) من الذهب قليلا ولا كثيرا ، فلقيه النبي صلىاللهعليهوآله من غد في نفر من أصحابه فيهم حذيفة وعمار ، فقال : يا علي إنك أخذت بالامس ألف مثقال فاجعل غذائي اليوم وأصحابي هؤلاء عندك ، ولم يكن علي عليهالسلام يرجع يومئذ إلى شئ من العروض (٣) ذهب أو فضة ، فقال : حياء منه وتكرما : نعم يا رسول الله وفي الرحب والسعة ، ادخل يا نبي الله أنت ومن معك ، قال : فدخل النبي صلىاللهعليهوآله ثم قال لنا : ادخلوا ، قال حذيفة : وكنا خمسة نفر أنا وعمار وسلمان وأبوذر والمقداد ـ رضي الله عنهم ـ فدخلنا ، ودخل علي على فاطمة يبتغي عندها شيئا من زاد ، فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور وعليها عراق كثير ، وكان رائحتها المسك ، فحلمها علي عليهالسلام حتى وضعها بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٤)
ومن حضر معه ، فأكلنا منها حتى تملانا ولا ينقص منها قليل ولا كثير ، قام النبي صلىاللهعليهوآله حتى دخل على فاطمة وقال : أنى لك هذا الطعام يا فاطمة؟ فرددت عليه ونحن نسمع قولهما فقالت : « هو من عندالله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب » فخرج النبي صلىاللهعليهوآله إلينا مستعبرا وهو يقول : الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت لابنتي ما رأى زكريا لمريم عليهاالسلام كان إذا دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا فيقول لها : يا مريم أنى لك هذا فتقول : « هو من عندالله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب » (٥).
بيان : « بالفرع من الغالية والقطيفة » أي بالنفيس العالي منهما. وفي بعض النسخ « والغالية » فالمراد بالفرد القوس. قال الفيروز آبادي : فرع كل شئ أعلاه ، والمال الطائل المعد ، والقوس علمت من طرف القضيب ، والقوس الغير المشقوقة أو الفرع من
____________________
الصائغ : من حرفته معالجة الفضة والذهب ونحوهما بأن يعمل منهما حلى وأوانى. وفى المصدر : فأمر صابغا.
(٢) في المصدر : ولم يترك له.
(٣) العرض : المتاع. حطام الدنيا. الغنيمة.
(٤) في المصدر : بين يدى النبى صلىاللهعليهوآله.
(٥) امالى ابن الشيخ : ٣٦.
خير القسي (١).
وفي الدر النظيم رواه عن حذيفة أيضا قال : لما خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي صلىاللهعليهوآله أرسل النجاشي من غالية وقطيفة منسوجة بالذهب هدية إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقدم جعفر والنبي صلىاللهعليهوآله بأرض خيبر ، فأتاه بالقدح من الغالية والقطيفة إلى آخر الخبر ].
____________________
(١) القاموس المحيط ٣ : ٦١ و ٦٢. والقسى جمع القوس.
( ابواب )
* ( النصوص الدالة على الخصوص على امامة أمير المؤمنين صلوات الله ) *
* ( وسلامة عليه من طريق الخاصة والعامة وبعض الدلائل التى اقيمت عليها ) *
٥٢
(باب )
* ( أخبار الغدير وما صدر في ذلك اليوم من النص الجلى على امامته ) *
* ( عليهالسلام وتفسير بعض الايات النازلة في تلك الواقعة ) *
[ أقول : روى الشيخ أحمد بن فهد في المهذب وغيره بأسانيدهم عن المعلى بن خنيس عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : يوم النيروز هو اليوم الذي أخذ فيه النبي صلىاللهعليهوآله لامير المؤمنين عليهالسلام العهد بغدير خم ، فأقروا له بالولاية فطوبى لمن ثبت عليها والويل لمن نكثها ].
١ ـ لى : الحسن بن محمد بن الحسن السكوني ، عن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، عن أبي جعفر بن السري ، وأبي نصر بن موسى الخلال معا ، عن علي بن سعيد ، عن ضمرة بن شوذب ، عن مطر ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة : قال : من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم لما أخذ رسول الله بيد علي بن أبي طالب عليهالسلام وقال : ألست أولى بالمؤمنين؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال له عمر : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ، فأنزل الله عزوجل « اليوم أكملت لكم دينكم » (١).
____________________
(١) امالى الصدوق ٢ و ٣.
يف : ابن المغازلي بإسناده إلى أبي هريرة مثله (١) ، ورواه الخطيب في تاريخ بغداد مثله.
٢ ـ لى : ابن السعيد الهاشمي ، عن فرات ، عن محمد بن ظهير ، عن عبدالله بن الفضل ، عن الصادق ، عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله (ص) وسلم : يوم غدير خم أفضل أعياد امتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لامتي ، يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين ، وأتم على امتي فيه النعمة ، ورضي لهم الاسلام دينا.
ثم قال صلىاللهعليهوآله : معاشر الناس إن عليا مني وأنا من علي ، خلق من طينتي ، وهو إمام الخلق بعدي ، يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي ، وهو أمير المؤمنين ، وقائد الغر المحجلين ، ويعسوب المؤمنين ، وخير الوصيين ، وزوج سيدة نساء العالمين ، وأبوالائمة المهديين ، معاشر الناس من أحب عليا أحببته ، ومن أبغض عليا أبغضته ، ومن وصل عليا وصلته ، ومن قطع عليا قطعته ، ومن جفا عليا جفوته ، ومن والى عليا واليته ، ومن عادى عليا عاديته ، معاشر الناس أنا مدينة الحكمة وعلي بن أبي طالب بابها ولن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب ، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا ، معاش الناس والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ما نصب عليا علما لامتي في الارض حتى نوه الله باسمه في سماواته ، وأوجب ولايته على ملائكته (٢).
ايضاح : قال الجزري : فيه « امتي الغر المحجلون » أي بيض مواضع الوضوء من الايدي والاقدام ، استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للانسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه (٣). وقال : اليعسوب السيد والرئيس والمقدم وأصله فحل النحل (٤). وقال : نوه به أي شهره وعرفه (٥).
٣ ـ لى : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن خلف بن حماد ، عن أبي الحسن
____________________
(١) الطرائف : ٣٥.
(٢) امالى الصدوق : ٧٦ و ٧٧.
(٣) النهاية ١ : ٢٠٤.
(٤) ٣ : ٩٤.
(٥) ٥ : ١٨٤.
العبدي ، عن الاعمش ، عن عباية بن ربعي ، عن عبدالله بن عباس قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما اسري به إلى السماء انتهى به جبرئيل إلى نهر يقال له النور ، وهو قول الله عزوجل : « خلق الظلمات والنور (١) » فلما انتهى به إلى ذلك النهر فقال له جبرئيل : يا محمد اعبر على بركة الله ، فقد نور الله لك بصرك ، ومدلك أمامك ، فإن هذا نهر لم يعبره أحد ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ، غير أن لي في كل يوم اغتماسة فيه ، ثم أخرج منه فأنفض أجنحتي فليس من قطرة تقطر من أجنحتي إلا خلق الله تبارك وتعالى منها ملكا قربا ، له عشرون ألف وجه ، وأربعون ألف لسان ، كل لسان يلفظ بلغة لا يفقهها اللسان الآخر ، فعبر رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى انتهى إلى الحجب ، والحجب خمس مائة حجاب ، من الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمس مائة عام ، ثم قال : تقدم يا محمد ، فقال له : يا جبرئيل ولم لا تكون معي؟ قال : ليس لي أن أجوز هذا المكان ، فتقدم رسول الله صلىاللهعليهوآله ماشاء الله أن يتقدم حتى سمع ما قال الرب تبارك وتعالى : أنا المحمود وأنت محمد ، شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلته ، ومن قطعك بتكته ، انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك ، وأني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا ، وأنك رسولي وأن عليا وزيرك ، فهبط رسول الله صلىاللهعليهوآله فكره أن يحدث الناس بشئ كراهية أن يتهموه ، لانهم كانوا حديثي العهد (٢) بالجاهلية ، حتى مضى لذلك ستة أيام ، فأنزل الله تبارك وتعالى « فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضاق به صدرك (٣) » فاحتمل رسول الله ذلك حتى كان يوم الثامن ، فأنزل الله تبارك وتعالى (٤) « يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس (٥) » وقال (٦) رسول الله صلىاللهعليهوآله : تهديد بعد وعيد ، لامضين أمر الله عزوجل ، فإن يتهموني
____________________
(١) هذا تفسير الاية ، وأصلها « وجعل الظلمات والنور » الانعام : ١.
(٢) في المصدر : حديثى عهد.
(٣) سورة هود : ١٢.
(٤) في المصدر : فأنزل الله تبارك وتعالى عليه.
(٥) سورة المائدة : ٦٧.
(٦) في المصدر : فقال.
ويكذبوني فهو أهون علي من أن تعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة.
قال : وسلم جبرئيل على علي بإمرة المؤمنين فقال علي عليهالسلام : يا رسول الله أسمع الكلام ولا أحس الرؤية ، فقال : يا علي هذا جبرئيل أتاني من قبل ربي بتصديق ما وعدني ، ثم أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله رجلا فرجلا من أصحابه حتى سلموا عليه بإمرة المؤمنين ، ثم قال : يا بلال ناد في الناس أن لا يبقي غدا أحد إلا عليل إلا خرج إلى غدير خم ، فلما كان من الغد خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله بجماعة أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن الله تبارك وتعالى أرسلني إليكم برسالة وإنى ضقت بها ذرعا (١) مخافة أن تتهموني وتكذبوني ، حتى أنز الله علي وعيدا بعد وعيد ، فكان تكذيبكم إياي أيسر علي من عقوبة الله إياي ، إن الله تبارك وتعالى أسرى بي وأسمعني وقال : يا محمد أنا المحمود وأنت محمد ، شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلته ومن قطعك بتكته انزل إلى عبادي (٢) فأخبرهم بكرامتي إياك وأني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا وأنك رسولي وأن عليا وزيرك ، ثم أخذ صلىاللهعليهوآله بيد علي بن أبي طالب فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض أبطيهما ولم ير قبل ذلك ، ثم قال صلىاللهعليهوآله أيها الناس إن الله تبارك وتعالى مولاي وأنا مولى المؤمنين ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله.
فلقال : الشكاك والمنافقون والذين في قلوبهم مرض وزيغ (٣) : نبرأ إلى الله من مقالة ليس بحتم ، ولا نرضى أن يكون عليا وزيره ، هذه منه عصبية ، فقال سلمان والمقداد وأبوذر وعمار بن ياسر رضي الله عنهم : والله ما برحنا العرصة حتى نزلت هذه الآية « اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا » (٤) فكرر رسول الله صلىاللهعليهوآله ذلك ثلاثا ثم قال : إن كمال الدين وتمام النعمة ورضى الرب بإرسالي إليكم بالولاية بعدي لعلي بن أبي طالب صلوات الله
____________________
ضقت بالامر ذرعا أى لم أقدر عليه.
(٢) في المصدر و ( م ) : انز على عبادي.
(٣) الزيغ : الميل عن الحق : الشك.
(٤) سورة المائدة : ٣.
وسلامه عليه (١).
بيان : قوله عليهالسلام : « ثم قال : تقدم » لعل هذا القول كان من وراء النهر كما دل عليه قوله فيما تقدم. والبتك : القطع.
٤ ـ لى : محمد بن عمر الحافظ ، عن محمد بن الحسين (٢) ، عن حفص ، عن محمد بن هارون ، عن قاسم بن الحسن ، عن يحيى بن عبدالحميد ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد قال : لما كان يوم غدير خم أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله مناديا فنادى : الصلاة جامعة ، فأخذ بيد علي عليهالسلام وقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فقال حسان بن ثابت : يا رسول الله أقول في علي عليهالسلام شعرا؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : افعل ، فقال :
يناديهم يوم الغدير نبيهم |
|
بخم وأكرم بالنبي مناديا |
يقول : فمن مولاكم ووليكم؟ |
|
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا |
إلهك مولانا وأنت ولينا |
|
ولن تجدن منالك اليوم عاصيا |
فقال له : قم يا علي فإنني |
|
رضيتك من بعدي إماما وهاديا (٣) |
وكان علي أرمد العين يبتغي |
|
لعينيه مما يشتكيه مداويا (٤) |
فداواه خير الناس منه بريقه |
|
فبورك مرقيا وبورك راقيا (٥) |
٥ ـ فس : أبي ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : آخر فريضة أنزلها الله تعالى الولاية ، ثم لم ينزل بعدها فريضة ، ثم نزل « اليوم أكملت لكم دينكم » بكراع الغميم ، (٦) فأقامها رسول الله بالجحفة ، فلم ينزل بعدها فريضة (٧).
____________________
(١) امالى الصدوق : ٢١٣ و ٢١٤.
(٢) في المصدر : عن محمد بن الحسين بن حفص.
(٣) في المصدر : اوصيك من بعد إماما وهاديا.
(٤) رمدت العين : هاجت.
(٥) امالى الصدوق : ٣٤٢ و ٣٤٣.
(٦) كراع الغميم : موضع بحجاز بين مكة والمدينة أمام عسفان بثمانية أميال ( مراصد الاطلاع ٣ : ١١٥٣ ).
(٧) تفسير القمى : ١٥٠.
٦ ـ فس : « يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك » قال : نزلت هذه الآية في علي (١) « وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس » قال : نزلت هذه الآية في منصرف رسول الله (ص) من حجة الوداع وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع لتماع عشر حجج من مقدمه المدينة ، وكان من قوله بمنى (٢) أن حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه عني ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، ثم قال : هل تعلمون أي يوم أعظم حرمة؟ قال الناس : هذا اليوم ن قال : فأي شهر؟ قال الناس : هذا ، قال صلىاللهعليهوآله : وأي بلد أعظم حرمة؟ قال الناس : بلدنا هذا (٣) ، قال صلىاللهعليهوآله : فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا هل بلغت أيها الناس؟ قالوا : نعم ، قال : الله اشهد.
ثم قال صلىاللهعليهوآله : ألا وكل مأثره أو بدع كانت في الجاهلية أودم أو مال فإنها (٤) تحت قدمي هاتين ، ليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى ، ألا هل بلغت؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد ، ثم قال : ألا وكل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع وأول موضوع منه ربا العباس بن عبدالمطلب ألا وكل دم كانت في الجاهلية فهو موضوع وأول موضوع منه دم ربيعة ، ألا هل بلغت؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد.
ثم قال : ألا وإن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه راض بما تحتقرون من أعمالكم ، ألا وإنه إذا اطيع فقد عبد ، ألا يا أيا الناس إن المسلم أخو المسلم حقا ، ولا يحل لامرئ مسلم دم امرئ مسلم وماله إلا ما أعطاه بطينة نفس منه ، وإني امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها فقد عصوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ، ألا هل بلغت بها الناس؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد.
____________________
(١) في المصدر : قال نزلت في على.
(٢) في المصدر : من قوله بمنى في خطبة ا ه.
(٣) في المصدر : قالوا : بلدنا هذا.
(٤) في المصدر : فهو.
ثم قال : أيها الناس احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي وافقهوه تنتعشوا به بعدي (١) ، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا ، فإن أنتم فعلتم ذلك ولتفعلن لتجدونني (٢) في كتبية بين جبرئيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف ، ثم التفت عن يمينه وسكت ساعة ثم قال : إن شاء الله أو علي بن أبي طالب.
ثم قال : ألا وإني قد تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا ومن خالفهما فقد هلك ، ألا هل بلغت؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد ، ثم قال : ألا وإنه سيرد علي الحوض منكم رجال فيدفعون عني ، فأقول : رب أصحابي! ، فيقال : يا محمد إنهم أحدثوا بعدك وغيروا سنتك ، فأقول : سحقا سحقا.
فلما كان آخر يوم من أيام التشريق أنزل الله تعالى « إذا جاء نصر الله والفتح » فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : نعيت إلي نفسي ، ثم نادى : الصلاة جامعة في مسجد الخيف ، فاجتمع الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال : نضر الله امرء سمع مقالتي فوعاها وبلغها لمن لم يسمعها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لايغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، والنصيحة لائمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعوتهم (٣) محيطة من ورائهم ، المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم ، يسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم ، أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ، قالوا : يا رسول الله وما الثقلان؟ فقال : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين ـ وجمع بين سبابتيه ـ ولا أقول كهاتين ـ وجمع بين سبابته والوسطى ـ فتفضل هذه على هذه.
فاجتمع قوم من أصحابه وقالو : يريد محمد صلىاللهعليهوآله أن يجعل الامامة في أهل بيته ، فخرج منهم أربعة نفر إلى مكة ودخلوا الكعبة وتعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتابا إن أمات الله محمدا أو قتله (٤) أن لا يردوا هذا الامر في أهل بيته أبدا ، فأنزل الله
____________________
(١) في المصدر : وافهموه تنعشوا.
(٢) في المصدر: لتجدونى.
(٣) في المصدر : فان دعوته.
(٤) في المصدر : إن مات محمد او قتل.
تعالى على نبيه في ذلك « أم أبرموا فإنا مبرمون أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون (١) » فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله من مكة يريد المدينة حتى نزل منزلا يقال له : غدير خم ، وقد علم الناس مناسكهم وأوعز إليهم وصيته إذا نزل عليه هذه الآية (٢) « يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم يفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس » فقام رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : تهديد ووعيد ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس هل تعلمون من وليكم؟ قالوا : نعم الله ورسوله ، قال : ألستم تعلمون أني أولى بكم منكم بأنفسكم (٣)؟ قالوا : بلى ، قال : اللهم اشهد ، فأعاد ذلك عليهم ثلاثا في كل ذلك يقول مثل قوله الاول ويقول الناس كذلك ويقول : اللهم اشهد ، ثم أخذ بيد أمير المؤمنين صلوات الله عليه فرفعها (٤) حتى بدا للناس بياض إبطيهما ، ثم قال صلىاللهعليهوآله : ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأحب من أحبه ، ثم قال : اللهم اشهد عليهم وأنا من الشاهدين.
فاستفهمه عمر بين أصحابه (٥) فقال : يا رسول الله هذا من الله أو من رسوله؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : نعم (٦) من الله ومن رسوله ، إنه أمير المؤمنين ، إمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين ، يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه الناء ، فقال أصحابه الذين ارتدوا بعده : قد قال محمد صلىاللهعليهوآله في المسجد الخيف ما قال وقال ههنا ما قال ، وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له ، فاجتمعوا أربعة عشر نفرا وتآمروا على قتل رسول الله صلى الله وآله وسلم وقعدوا له في العقبة ، وهي عقبة أرشى بين الجحفة والابواء (٧) ،
____________________
(١) سورة الزخرف. ٧٩ و ٨٠.
(٢) في المصدر : اذ نزل جبرئيل هذه الاية.
(٣) في المصدر : انى اولى بكم من انفسكم.
(٤) في المصدر : فرفعه.
(٥) في المصدر : فقام من بين اصحابه.
(٦) في المصدر : هذا من الله ومن رسوله؟ فقال : نعم اه.
(٧) في المصدر :
وبين الابواء. وهى قرية من اعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة
مما يلى المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. وبها قبر آمنة ام النبى صلىاللهعليهوآله ( مراصد الاطلاع ١
: ١٩ )
فقعدوا سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا ناقة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلما جن الليل تقدم رسول الله صلىاللهعليهوآله في تلك الليلة العسكر ، فأقبل ينعس (١) على ناقته ، فلما دنا من العقبة ناداه جبرئيل : يا محمد إن فلانا وفلانا وفلانا قد قعدوا لك ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من هذا خلفي؟ فقال خديفة بن اليمان : أنا حديفة بن اليمان يا رسول الله، قال : سمعت ما سمعت؟ قال : بلى ، قال : فاكتم ، ثم دنا رسول الله صلىاللهعليهوآله منهم فناداهم بأسمائهم ، فلما سمعوا نداء رسول الله فروا (٢) ودخلوا في غمار الناس (٣) ، وقد كانوا عقلوا رواحلهم فتركوها ، ولحق الناس برسول الله صلىاللهعليهوآله وطلبوهم ، وانتهى رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى رواحلهم فعرفها ، فلما نزل قال : ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة إن أمات الله محمدا أو قتله (٤) أن لايردوا هذا الامر في أهل بيته أبدا؟ فجاوؤا إلى رسول الله فحلفوا أنهم لم يقولوا من ذلك شيئا ولم يريدوه ولم يهموا بشئ من رسول الله صلىاللهعليهوآله! فأنزل الله « يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا » (٥) من قتل رسول الله صلىاللهعليهوآله « وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوايك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة ومالهم في الارض من ولي ولا نصير (٦) » فرجع رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى المدينة وبقي بها المحرم والنصف من صفر لا يشتكي شيئا ، ثم ابتدأ به الوجع الذي توفي فيه صلىاللهعليهوآله (٧).
توضيح : قال الجزري : في الحديث « ألا إن كل دم ومأثره كانت في الجاهلية فإنها تحت قدمي هاتين » مآثر العرب : مكارمها ومفاخرها التي تؤثر عنها أي تروى وتذكر ، (٨) أراد إخفاءها وإعدامها وإذلال أمر الجاهلية ونقض سنتها. وقال : فلا أنتعش
____________________
(١) نعس الرجل : اخذته فترة في حواسه فقارب النوم.
(٢) في المصدر : مروا.
(٣) الغمار ـ بضم الغين وفتحها ـ جماعة الناس ولفيفهم.
(٤) في المصدر : ان مات محمد او قتل.
(٥ و ٦) سورة التوبة : ٧٤.
(٧) تفسير القمى : ١٥٩ ـ ١٦٢.
(٨) النهاية ١ : ١٦.
أي فلا أرتفع ، وانتعش العاثر إذا نهض من عثرته (١). وقال : الكتيبة القطعة العظيمة من الجيش (٢).
قوله صلىاللهعليهوآله : « أو علي بن أبي طالب » عطف على الياء في قوله : ( لتجدوني ) وسكونه والتفاته كان لاستماع الوحي ، حيث اوحي إليه أنه يفعل ذلك علي عليهالسلام ، وقال الجزري : في حديث الحوض « فأقول : سحقا سحقا » أي بعدا بعدا (٣). قوله : « نعيت إلي نفسي » قال الطبرسي : اختلف في أنهم من أي وجه علموا ذلك وليس في ظاهره نعي (٤)؟ فقيل : لان التقدير : فسبح بحمد ربك فإنك حينئذ لاحق بالله وذائق الموت كما ذاق من قبل من الرسل ، وعند الكمال يرقب الزوال ، كما قيل :
إذا تم أمر دنا نقصه (٥) |
|
توقع زوالا إذا قيل تم |
وقيل : لانه سبحانه أمره بتجديد التوحيد واستدراك الفائت بالاستغفار ، وذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدار إلى دار الابرار (٦).
وقال الجزري : فيه « نضر الله امرء سمع مقالتي فوعاها » نضره ونضره وأنضره أي نعمه ، ويروى بالتخفيف والتشديد من النضارة ، وهي في الاصل حسن الوجه والبريق ، وإنما أراد : حسن خلقه وقدره (٧). وقال في قوله « يغل » : هو من الاغلال : الخيانة في كل شئ. ويروى يغل بفتح الياء من الغل وهو الحقد والشحناء ، أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق ، وروى يغل بالتخفيف من الوغول في الشر (٨) والمعنى أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب ، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر. و « عليهن » في موضع الحال ، تقديره : لا يغل كائنا عليهن قلب مؤمن (٩).
____________________
(١) النهاية ٤ : ١٥٧.
(٢) النهاية ٤ : ٧.
(٣) النهاية ٢ : ١٥٠.
(٤) نعى لنا فلانا : اخبرنا بوفاته.
(٥) في المصدر : بدا نقصه.
(٦) مجمع البيان : ١٠ : ٥٥٤.
(٧) النهاية : ٣ : ١٥٢.
(٨) في المصدر : من الوغول : الدخول في الشر.
(٩) النهاية ٣ : ١٦٨.
وقال : فيه « فإن دعوتهم تحيط من وراءهم » أي تحوطهم وتكفيهم وتحفظهم (١).
أقول : ويمكن أن يكون « من » على صيغة الموصول أو بالكسر حرف جر ، وعلى التقديرين يحتمل أن يكون المراد بالدعوة دعاء النبي إلى الاسلام أو دعاؤه وشفاعته لنجاتهم وسعاداتهم ، أو الاعم منه ومن دعاء المؤمنين بعضهم لبعض ، بأن يكون إضافة الدعوة إلى الفاعل ، وعلى التقدير الاول يحتمل أن يكون المعنى أن دعوة النبي صلىاللهعليهوآله ليست مختصة بالحاضرين ، بل تبليغه صلىاللهعليهوآله يشمل الغائبين ومن يأتي بعدهم من المعدومين. قوله : « تتكافأ دماؤهم » أي تتساوى في القصاص والديات. وقال الجزري : الذمة ك العهد والامان ، ومنه الحديث « يسعى بذمتهم أدناهم » أي إذا أعطى أحد لجيش العدو أمانا جاز ذلك على جميع المسلمين ، وليس لهم أن يخفروه ولا أن ينقضوا عليه عهده (٣).
أقول : لعل المعنى أن أدنى المسلمين يعسى في تحصيل الذمة لكافر على جميع المسلمين ، وهو كناية عن قبول أمانة فإنه لو لم يقبل أمانه لم يسع في ذلك ، ويمكن أن يقرأ يسعى على البناء للمجهول ويكون أدناهم بدلا عن الضمير في قوله : بذمتهم ، والاول أظهر. وقال الجزري : فيه « هم يد على من سواهم » أي هم مجتمعون على أعدائهم لا يسع التخاذل (٣) ، بل يعاون بعضهم بعضا على جميع الاديان والملل ، كأنه جعل أيديهم يدا واحدة وفعلهم فعلا واحدا (٤). وقال الجوهري : أو عزت إليه في كذا وكذا أي تقدمت (٥).
٧ ـ ب : السندي بن محمد ، عن صفوان الجمال قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام لما نزلت هذه الآية في الولاية أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله بالدوحات في غدير خم فقممن (٦) ،
____________________
(١) لم نجده في النهاية ، نعم ذكر في ( حوط ) مالفظه : ومنه الحديث « وتحيط دعوته من ورائهم » اى تحدق بهم من جميع جوانبهم. ( ١ : ٢٧١ ).
(٢) النهاية ٢ : ٥٠. وخفره : اخذ منه مالا ليجيره ويؤمنه.
(٣) في المصدر : لا يسعهم التخاذل.
(٤) النهاية ٤ : ٢٦٣.
(٥) الصحاح ج : ٢ ص : ٨٩٨.
(٦) الدوحة : الشجرة العظيمة المتصلة. قم البيت : كنسه.
ثم نودي : الصلاة جامعة ، ثم قال : أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه ، ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، رب وال من والاه ، وعاد من عاداه ، ثم أمر الناس يبايعون عليا ، فبايعه الناس لا يجئ أحد إلا بايعه ولا يتكلم منهم أحد ، ثم جاء زفر وحبتر فقال : صلىاللهعليهوآله له : يا زفر بايع عليا بالولاية ، فقال : من الله ومن رسوله (١)؟ قال : من الله ومن رسوله ، ثم جاء حبتر فقال صلىاللهعليهوآله : بايع عليا بالولاية ، فقال : من الله ومن رسوله (٢)؟ ثم ثنى عطفه ملتفتا فقال لزفر : لشد ما يرفع بضبع ابن عمه (٣).
بيان : قال الجزري : الضبع ـ سكون الباء ـ وسط العضد ، وقيل : هو ما تحت الابط (٤).
٨ ـ فس : أحمد بن الحسن التاجر ، عن الحسن بن علي الصوفي ، عن زكريا ابن محمد ، عن محمد بن علي ، عن جعفر بن محمد عليهماالسلام قال : لما أقام رسول الله (ص) أمير المؤمنين عليا يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين ، منهم أبوبكر وعمر وعبدالرحمان بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبوعبيدة وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة ، قال عمر : أما ترون عينيه كأنهما عينا مجنون؟ ـ يعني النبي صلىاللهعليهوآله ـ الساعة يقوم ويقول : قال لي ربي ، فلما قام قال : أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : الله ورسوله ، قال : اللهم فاشهد ، ثم قال : ألا من كنت مولاه فعلي مولاه ، وسلموا عليه بإمرة المؤمنين ، فأنزل جبرئيل عليهالسلام وأعلم رسول الله صلىاللهعليهوآله بمقالة القوم ، فدعاهم فسألهم فأنكروا وحلفوا ، فأنزل الله : « يحلفون بالله ما قالوا (٥) ».
٩ ـ فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : لما أمر الله نبيه أن ينصب أمير المؤمنين عليهالسلام للناس في قوله : « يا أيها الرسول بلغ ما
____________________
(١) في المصدر : من الله او من رسوله. وكذا فيما بعده.
(٢) كذا في النسخ ، وفى المصدر بعد ذلك : فقال من الله ومن رسوله.
(٣) قرب الاسناد : ٢٧.
(٤) النهاية ٣ : ١١.
(٥) تفسير القمى : ٢٧٧. والاية في سورة التوبة : ٧٤.
انزل إليك من ربك » في علي بغدير خم فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فجاءت الابالسة إلى إبليس الاكبر وحثوا التراب (١) على رؤوسهم ، فقال لهم إبليس : مالكم؟ فقالوا : إن هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شئ إلى يوم القيامة فقال لهم إبليس : كلا إن الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني ، فأنزل الله على رسوله « ولقد صدق عليهم إبليس ظنه » الآية.
١٠ ـ فس : أبي ، عن حسان (٣) ، عن أبي عبدالله عليهالسلام في قوله : « وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به روح الامين * على قلبك لتكون من المنذرين » قال : الولاية نزلت لامير المؤمنين عليهالسلام يوم الغدير (٤).
١١ ـ فس : أبي رفعه قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام لما نزلت الولاية وكان من قول رسول الله بغدير خم : سلموا على علي بإمرة المؤمنين فقالا : من الله ومن رسوله؟ فقال لهما : نعم حقا من الله ومن رسوله (٥) أنه أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة ويدخل أعداءه النار (٦) ، فأنزل الله عزوجل « ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتهم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون » يعني قول رسول الله : من الله ومن رسوله ، ثم ضرب لهم مثلا فقال : « ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم (٧) »
١٢ ـ ب : السندي بن محمد ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : سمعته يقول : لما نزلت الولاية لعلي عليهالسلام قام رجل من جانب الناس فقال : لقد عقد هذا الرسول لهذا الرجل عقدة لا يحلها بعده إلا كافر ، فجاءه الثاني فقال له : يا عبدالله
____________________
(١) حثا التراب : صبه.
(٢) تفسير القمى : ٥٣٨. والاية في سورة سبأ : ٢٠.
(٣) في المصدر : عن حنان.
(٤) تفسير القمى : ٤٧٤. والايات في سورة الشعراء : ١٩٢ و ١٩٤.
(٥) في المصدر : فقالوا أمن الله ومن رسوله؟ فقال لهم اه.
(٦) في المصدر : وأعداءه النار.
(٧) تفسير القمى : ٣٦٤. والايتان في سورة النحل : ٩١ و ٩٢.