بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

عزوجل لجبرئيل وميكائيل : إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر أخاه (١)؟ فاختار كل منهما الحياة ، فأوحى الله إليهما : ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين ممد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إليه فاحفظاه من عدوه ، فنزلا إليه فحفظاه : جبرئيل عليه‌السلام عند رأسه وميكائيل عليه‌السلام عند رجليه ، وجبرئيل يقول : بخ بخ (٢) يا ابن أبي طالب ، من مثلك وقد باهى الله بك الملائكة (٣)؟

يف ، مد : عن الثعلبي مثله (٤).

٣ ـ فر : عبيد بن كثير ، عن هشام بن يونس ، عن محمد بن فضيل ، عن الكلبى ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله تعالى : « ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله » قال : نزل في علي بن أبي طالب عليه‌السلام حين بات (٥) على فراش رسول الله (ص) حيث طلبه المشركون (٦).

أقول : روى ابن بطريق في المستدرك عن أبي نعيم بإسناده عن عبدالله بن معبد ، عن أبيه ، عن ابن عباس مثله.

٤ ـ يف : أحمد في مسنده في حديث طويل يرويه عن عمر بن ميمون في قوله : « ومن الناس من يشري » الآية قال : وشرى علي نفسه (٧) لبس ثوب رسول الله ، ثم نام مكانه ، قال : وكان المشركون يتوهمون أنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال فيه : وجعل علي يرمى بالحجارة كما يرمى نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يتضور ، قد لف رأسه بالثوب لا يخرجه حتى أصبح ، ثم كشف رأسه فقالوا : لما كان صاحبك كلما نرميه بالحجارة فلا يتضور قد

____________________

(١) في المصدر : يؤثر اخاه بالبقاء.

(٢) بخ اسم فعل للمدح واظهار الرضى بالشئ ، ويكرر للمبالغة.

(٣) كشف الغمة : ٩١ ، ونقله عن ابن مردويه في ص ٩٥.

(٤) الطرائف : ١١ و ١٢. العمدة : ١٢٤.

(٥) في المصدر : ليلة بات.

(٦) تفسير فرات : ٦.

(٧) في المصدر بعد ذلك : ابتغاء مرضاة الله.

٤١

استنكرنا ذلك (١).

مد : بإسناده عن عبدالله بن أحمد ، عن أبيه ، عن يحيى بن حماد ، عن أبي عوانة ، عن أبي بلح عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس مثله (٢).

بيان : قال الجزري : فيه : أنه دخل على امرأة وهي تتضور من شدة الحمى أي تتلوى وتصيح (٢) وتنقلب ظهر البطن ، وقيل : تتضور : تظهر الضور بمعنى الضر ، يقال : ضارة بضورة ويضيره (٤).

٥ ـ مد : بإسناده عن الثعلبي ، عن محمد بن عبدالله بن محمد القايني ، عن محمد بن عثمان النصيبي ، عن محمد بن الحسين بن صالح السبيعي ، عن أحمد بن محمد بن سعيد ، عن محمد بن منصور ، عن أحمد بن عبدالرحمان ، عن الحسن بن محمد بن فرقد ، عن الحكم بن ظهير ، عن السدي في قوله عزوجل : « ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله » قال : قال ابن عباس : نزلت في علي بن أبي طالب حين هرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من المشركين إلى الغار مع أبي بكر ، ونام علي على فراشه (٥).

٦ ـ قب : نزل قوله تعالى : « ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله » في علي عليه‌السلام حين بات على فراش رسول الله. رواه إبراهيم الثقفي والفلكي الطوسي بالاسناد عن الحكم عن السدي ، وعن أبي مالك ، عن ابن عباس. ورواه أبوالمفضل الشيباني بإسناده عن زيد العابدين عليه‌السلام ، وعن الحسن البصري عن أنس ، وعن أبي زيد الانصاري ، عن أبي عمرو بن العلاء ، ورواه الثعلبي عن ابن عباس والسدي ومعبد أنها نزلت في علي بين مكة والمدينة لما بات علي على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فضائل الصحابة عن عبدالملك العكبري ، وعن أبي المظفر السمعاني بإسنادهما عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : أول من شرى نفسه لله علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان

____________________

الطرائف : ١١.

(٢) العمدة : ١٢٣.

(٣) في المصدر : وتضج.

النهاية ٣ : ٢٨.

(٥) العمدة : ١٢٤.

٤٢

المشركون يطلبون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقام من فراشه وانطلق هو وأبوبكر ، واضطجع علي عليه‌السلام على فراش رسول الله (ص) فجاء المشركون فوجدوا عليا عليه‌السلام ولم يجدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الثعلبي في تفسير ، وابن عقب في ملحمته ، وأبوالسعادات في فضائل العشرة ، والغزالي في الاحياء وفي كيمياء السعادة أيضا برواياتهم عن أبي اليقظان ، وجماعة من أصحابنا ومن ينتمي إلينا نحو ابن بابويه وابن شاذان والكليني والطوسي وابن عقدة والبرقي وابن فياض والعبدلي والصفواني والثقفى بأسانيدهم عن ابن عباس ، وأبي رافع وهند بن أبي هالة أنه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل : أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه ، فأيكما يؤثر أخاه؟ فكلاهما كرها الموت ، فأوحى الله إليهما : ألا كنتما مثل وليي علي بن أبي طالب؟ آخيت بينه و بين محمد نبيي فآثره بالحياة على نفسه ، ثم ظل أورقد (١) على فراشه يقيه بمهجته ، اهبطا إلى الارض جميعا فاحفظاه من عدوه ، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجعل جبرئيل يقول : بخ بخ من مثل يا ابن أبي طالب والله يباهي بك الملائكة؟ فأنزل الله : « ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله » (٢).

٧ ـ [ الخصايص للسيد الرضي ـ رضي‌الله‌عنه ـ بإسناده رفعه قال : قال ابن الكواء لامير المؤمنين عليه‌السلام : أين كنت حيث ذكر الله نبيه وأبا بكر « ثاني اثنين إذهما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا »؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ويلك يا ابن الكواء كنت على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد طرح علي بردة ، فأقبلت قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكها (٣) ، فلم يبصروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث خرج ، فأقبلوا علي يضربوني بما في أيديهم ، فتنفط جسدي وصار مثل البيض (٤) ، ثم انطلقوا يريدون قتلي ، فقال بعضهم :

____________________

(١) رقد : نام. وفى المصدر : ثم ظل اؤرقه. اى اسهره.

(٢) مناقب آل ابى طالب ١ : ٢٨٢ و ٢٨٣.

(٣) الهراوة : العصا الضخمة كهراوة الفاس والمعول. الشوك : ما يخرج من البنات شبيها بالابرة.

(٤) أى قرحت وتجمعت بين الجلد واللحم ماء مثل البيض ( ب ).

٤٣

لا تقتلوه الليلة ولكن أخروه واطلبوا محمدا ، قال : فأوثقوني بالحديد (١) وجعلوني في بيت ، واستوثقوا مني ومن الباب بقفل (٢) ، فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتا من جانب البيت يقول : يا علي! فسكن الوجع الذي كنت أجده ، وذهب الورم الذي كان في جسدي ، ثم سمعت صوتا آخر يقول يا علي! فإذا الذي في رجلي قد تقطع ، ثم سمعت صوتا آخر يقول : يا علي! فاذا الباب قد تساقط ما عليه وفتح ، فقمت وخرجت وقد كانوا جاؤوا بعجوز كمهاء (٣) لا تبصر ولا تنام تحرس الباب ، فخرجت عليها وهي لا تعقل من النوم ] بيان : قد مرت الاخبار في نزول تلك الآية في أمير المؤمنين عليه‌السلام في باب الهجرة ، وسيأتي في باب سبق هجرته عليه‌السلام أيضا ،

وروى العلامة في كشف الحق (٤) مثل ما رواه صاحب الانصاف عن الثعلبي ، ووجدته في أصل تفسيره أيضا ، وروى الشيخ الطبرسي (٥) عن السدي عن ابن عباس مثله. وروى الفخر الرازي (٦) ونظام الدين النيسابوري (٧) أنها نزلت في علي عليه‌السلام. وقال الطبرسي رحمه‌الله : وقال عكرمة : نزلت في أبي ذر الغفاري وصهيب بن سنان ، لان أهل أبي ذر أخذوا أبا ذر فأنفلت (٨) منهم فقدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأما صهيب فإنه أخذه المشركون من أهله ، فافتدى منهم بماله ثم خرج مهاجرا ، وروى الفخر ، والنيسابوري (٩) عن سعيد بن المسيب نزوله في صهيب أيضا.

ولا يخفى على المنصف أن بعد نقل أعاظم المفسرين والمحدثين من الامامية و

____________________

(١) أى شدونى بالحديد.

(٢) استوثق من الاموال : شدد في التحفظ عليها.

(٣) كمه : عمى. والمرأة الكمهاء : التى زال عقلها.

(٤) ص : ٨٩.

(٥) مجمع البيان ٢ : ٣٠١.

(٦) مفاتيح الغيب ٢ : ١٩٨.

(٧) غرائب القرآن ١ : ٢٢٠.

(٨) أى تخلص.

(٩) راجع ما ذكر من أرقام تفاسيرهم.

٤٤

المخالفين أنها نزلت في علي عليه‌السلام لا عبرة بإخفاء حثالة (١) من متعصبي المتأخرين كالزمخشري والبيضاوي ( ٢٩ ، واقتصارهم على رواية نزولها في صهيب وتركهم أبا ذر أيضا لحبه لامير المؤمنين عليه‌السلام! مع أنهم فسروا الشراء بالبيع وإعطاء المال فدية ليس بيعا للنفس بل اشتراء لها ، والشراء بمعنى البيع أكثر استعمالا لا سيما في القرآن ، بل لم يرد فيه إلا بهذا المعنى كقوله تعالى : « وشروه بثمن بخس دارهم معدودة (٣) » وقوله تعالى : « لبئس ما شروا به أنفسهم (٤) » وقوله عزوجل : « فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة (٥) ، وأيضا الانسب بمقام المدح بيع النفس وبذلها في طلب رضى الله تعالى لا اشتراؤها واستنقاذها واستخلاصها ، فإن ذلك يفعله كل أحد ، مع أن راويها عكرمة وهو من الخوارج ، وسعيد بن المسيب وكان منحرفا عن أهل البيت عليهم‌السلام حتى أنه لم يصل على علي بن الحسين عليهما‌السلام كما سيأتي ، فلا عبرة بروايتهما سيما فيما إذا عارضت الاخبار الكثيرة المعتبرة.

ثم إنه استدل بها على إمامته عليه‌السلام لان هذه الخلة الحميدة فضيلة جزيلة عظيمة لا يساويها فضل ، لان بذل النفس في رضى الله تعالى أعلى درجات الكمال ، وقد مدح الله تعالى ذبيحه بتسلمه للقتل بيد خليله عليه‌السلام ، وهذا علي قد استسلم للقتل تحت مائة سيف من سيوف الاعادي ، وليس لسائر الصحابة مثل تلك الفضيلة ، فهو أحق بالامامة ، لان تفضيل المفضول قبيح عقلا ، وأيضا يدل عليها قول جبرئيل عليه‌السلام له : من مثلك ، لان يدل على انتفاء مثل له في العالم ولا أقل في أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا ثبت فضله عليهم ثبتت إمامته بما مر من التقرير.

فائدة : قال الشيخ المفيد ـ قدس الله روحه في كتاب الفصول : لما أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الاختفاء من قريش والهرب منهم إلى الشعب لخوفه على نفسه استشار أبا طالب

____________________

(١) حثالة الناس رذالتهم.

(٢) راجع تفسير البيضاوى ١. ٥٣ : ، والكشاف : ١ : ٢٥٨.

(٣) يوسف : ٢٠.

(٤) البقرة : ١٠٢.

(٥) النساء : ٧٤.

٤٥

رحمه‌الله (١) فأشار به عليه ، ثم تقدم أبوطالب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يضطجع على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليوقيه (٢) بنفسه ، فأجابه إلى ذلك ، فلما نامت العيون جاء أبوطالب ومعه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم واضطجع أمير المؤمنين عليه‌السلام مكانه فقال أمير المؤمنين :

يا أبتاه إني مقتول ، فقال أبوطالب :

اصبرن يا بني فالصبر أحجى

كل حي مصيره لشعوب

قد بذلناك والبلاء شديد

لفداء النجيب وابن النجيب

لفداء الاعز (٣) ذي الحسب الثا

قب والباع والفناء الرحيب (٤)

إن تصبك المنون فالنبل تترى (٥)

فمصيب منها وغير مصيب

كل حي وإن تملى بعيش (٦)

آخذ من سهامها بنصيب

قال : فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

أتأمرني بالصبر في نصر أحمد

فوالله ما قلت الذي قلت جازعا

ولكنني أحببت أن تر نصرتي (٧)

وتعلم أني لم أزل لك طائعا

وسعيي لوجه الله في نصر أحمد

نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا (٨)

وقال أمير وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعد تسليمه ذلك :

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله الخلق إذ مكروا به

فنجاه ذو الطول الكريم من المكر

وبت اراعيهم وهم يثبتونني

وقد صبرت نفسي على القتل والاسر

وبات رسول الله في الشعب آمنا

وذلك في حفظ الاله وفي ستر

____________________

(١) في المصدر استشار ابا طالب رحمه‌الله في ذلك.

(٢) في المصدر « ليقيه ».

(٣) في المصدر : لفداء الاغر.

(٤) الباع : قدر مد اليدين. ويقال : طويل الباع ورحب الباع أى كريم مقتدر.

(٥) في المصدر : ان يصبك المنون فالنبل يبرى.

(٦) أى طال عيشه واستمتع به.

(٧) في المصدر : اظهار نصرتى.

(٨) يفع الغلام : ترعرع وناهز البلوغ.

٤٦

أردت به نصر الاله تبتلا (١)

وأضمرته حتى اوسد في قبري

ثم قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : وأكثر الاخبار جاءت بمبيت أمير المؤمنين عليه‌السلام على فراش رسول الله في ليلة مضى رسول الله إلى الغار ، وهذا الخبر وجدته في ليلة مضيه إلى الشعب ، ويمكن أن يكون قد بات عليه‌السلام مرتين على فراش الرسول ، وفي مبيته عليه‌السلام حجج على أهل الخلاف من وجوه شتى :

أحدها قولهم : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام آمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابن خمس سنين أو سبع سنين أو تسع سنين ، ليبطلوا بذلك فضيلة إيمانه ويقولوا : إنه وقع منه على سبيل التلقين دون المعرفة واليقين ، إذا كانت سنه عند دعوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما ذكروا له لم يكن أمره يلتبس عند مبيته على الفراش ويشتبه برسول الله حتى يتوهم القوم أنه هو يترصدونه إلى وقت السحر ، لان جسم الطفل لا يلتبس بجسم الرجل الكامل ، فلما التبس على قريش الامر في ذلك حتى ظنوا أن عليا عليه‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بائتا على حاله في مكانه وكان هذا أول الدعوة وابتداؤها وعند مضيه إلى الشعب دل على أن أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام كان عند إجابته للرسول بالغا كاملا في صورة الرجال ومثلهم في الجسم أو يقاربهم (٢) ، وإن كانت الحجج على صحة إيمانه وفضيلته وأنه لم يقع إلا بالمعرفة لا يفتقر إلى ذكر هذا ، وإنما أوردناه استظهارا.

ومنها أن الله تعالى قص علينا في محكم كتابه قصة إسماعيل عليه‌السلام في تعبده بالصبر على ذبح أبيه إبراهيم عليه‌السلام ثم مدحه بذلك وعظمه وقال : « إن هذا لهو البلاء المبين (٣) « وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في افتخاره بآبائه : « أنا ابن الذبيحين » يعني إسماعيل وعبدالله ، ولعبدالله في الذبح قصة مشهورة يطول شرحهما ، يعرفها أهل السير ، وإن أباه عبدالمطلب فداه بمائة ناقة حمراء ، وإذا كان ما خبر الله (٤) به من محنة إسماعيل بالذبح يدل على أجل

____________________

(١) التبتل : الانقطاع عن الدنيا إلى الله.

(٢) في المصدر : ومقاربهم.

(٣) الصافات : ١٠٦.

(٤) في المصدر و ( ت ) : ما أخبر الله.

٤٧

فضيلة وأفخر منقبة ، احتجنا أن ننظر في حال مبيت أمير المؤمنين عليه‌السلام على الفراش ، وهل يقارب ذلك أو يساويه؟ فوجدناه يزيد في الظاهر عليه ، وذلك أن إبراهيم عليه‌السلام قال لابنه إسماعيل : « إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين (١) » فاستسلم لهذه المحنة مع علمه بإشفاق الوالد على الولد ورأفته به ورحمته له ، وأن هذا الفعل لا يكاد يقع من الوالد بولده بل لم يقع فيما مضى (٢) ولم يتوهم فيما يستقبل ، وكان هذا الامر (٣) يقوي في ظن إسماعيل أن المقال من أبيه خرج مخرج الامتحان له في الطاعة دون تحقيق العزم (٤) على إيقاع الفعل فيزول كثير من الخوف معه وترجى السلامة عنهد ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام دعاه أبوطالب إلى المبيت على فراش الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وفداءه بنفسه ، وليس له من الطاعة عليه ما للانبياء عليهم‌السلام على البشر ، ولم يأمره بذلك عن وحي من الله عزوجل كما أمر إبراهيم عليه‌السلام ابنه وأسند أمره إلى الوحي.

ومع علم أمير المؤمنين عليه‌السلام أن قريشا أغلظ الناس على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقساهم قلبا ، وما يعرفه كل ما عاقل من الفرق بين الاستسلام للعدو المناصب والمبغض المعاند الذي يريد أن يشفي نفسه ولا يبلغ الغاية في شفائها إلا بنهاية التنكيل وغاية الاذى بضروب الآلام وبين الاستسلام للولي المحب والوالد المشفق الذي يغلب في الظن أن إشفاقه يحول بينه وبين إيقاعه الضرر بولده ، إما مع الطاعة لله عزوجل بالمسألة المراجعة أ بارتكاب المعصية ممن يجوز عليه ارتكاب المعاصي ، أو يحمل ذلك منه على ما قدمناه من الاختبار والتورية في الكلام ليصح له مطلوبه من الامتحان ، وإذا كان محنة أمير المؤمنين عليه‌السلام أعظم من محنة إسماعيل بما كشفناه ثبت أن الفضيلة التي حصل بها أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥)

____________________

(١) الصافات : ١٠٢.

(٢) في المصدر : فيما سلف.

(٣) اى عدم وقوع ذبح الوالد الولد.

(٤) في المصدر : دون تحقق العزم.

(٥) في المصدر : أن الفضل بالذى حصل به لامير المؤمنين عليه‌السلام.

٤٨

ترجح على كل فضيلة لاحد من الصحابة (١) وأهل البيت عليهم‌السلام ، وبطل قول من رام (٢) المفاضلة بينه وبين أبي بكر من العامة والمعتزلة الناصبة له عليه‌السلام ، إذ قد حصل له عليه‌السلام فضل يزيد على الفضل الحاصل للانبياء عليهم‌السلام.

ولعل قائلا يقول عند سماع هذا : فكيف يسوغ لكم ما ادعيتموه في هذه المحنة وهو تعظيمها على محنة إسماعيل عليه‌السلام وذاك نبي وهذا عندكم وصي (٣)؟ وليس يجوز أن يكون من ليس بنبي أفضل من أحد من الانبياء عليهم‌السلام ، فإنه يقال له : ليس في تفضيلنا هذه المحنة على محنة إسماعيل عليهم‌السلام تفضيل لامير المؤمنين عليه‌السلام على أحد من الانبياء ، وذلك عليا وإن حصل له فضل لم يحزه نبي فيما مضى فإن الذي حاز به الانبياء عليهم‌السلام من الفضل الذي لم يحصل منه شئ لامير المؤمنين عليهم‌السلام يوجب فضلهم عليه ، ويمنع من المساواة بينه وبينهم أو تفضيله عليهم كما بيناه ، وبعد فإن الحجة إذا قامت على فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام على بني من الانبياء ولاح (٤) على ذلك البرهان وجب علينا القول به وترك الخلاف فيه ولم يوحشنا منه خلاف العامة الجهال (٥) ، وليس في تفضيل سيد الوصيين وإمام المتقين وأخي رسول رب العالمين سيد المرسلين ونفسه بحكم التنزيل وناصره في الدين و أبي ذريته الائمة الراشدين الميامين على بعض الانبياء المتقدمين أمر يحيله العقل ، ولا يمنع منه السنة ، ولا يرده القياس ولا يبطل الاجماع ، إذا عليه جمهور شيعته ، وقدنقلوا ذلك عن الائمة من ذريته ، وإذا لم يكن فيه إلا خلاف الناصبة له أو المستضعفين ممن يتولاه لم يمنع من القول به.

فإن قال قائل : إن محنة إسماعيل أجل قدرا من محنة أمير المؤمنين عليه‌السلام وذلك أن أمير المؤمنين قد كان عالما بأن قريشا إنما تريد غيره وليس غرضها قتله ، وإنما قصدها

____________________

(١) في المصدر : حصلت لاحد من الصحابة.

(٢) اى اراد.

(٣) في المصدر : وصى نبى.

(٤) أى بدا وظهر.

(٥) في المصدر : العامة الجهلاء.

٤٩

لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دونه ، فكان على ثقة من السلامة ، وإسماعيل عليه‌السلام كان متحققا لحلول الذبح به من حيث امتثل الامر بالذي نزل به الوحي ، فشتان بين الامرين! قيل له : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام وإن كان عالما بأن قريشا إنما تقصد رسول الله دونه فقد كان يعلم ـ بظاهل الحال وما يوجب غالب الظن من العادة الجارية بشدة غيظ قريش على من فوتهم غرضهم في مطلبهم ، ومن حال بينهم وبين مرادهم من عدوهم ، ومن لبس عليهم الامر حتى ضلت حيلتهم ، وخابت آمالهم ، أنهم يعاملونه بأضعاف ما كان في أنفسهم أن يعاملوا به صاحبه لتزايد حنقهم (١) وحقدهم ، واعتراء الغضب لهم ، فكان الخوف منهم عند هذه الحال أشد من خوف الرسول الله (ص) ، واليأس من رجوعهم عن إيقال الضرر به أقوى من يأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا هو المعروف الذي لا يختلف فيه اثنان ، لانه قد كان يجوز منهم عند ظفرهم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تلين قلوبهم له ، ويتعطفوا بالنسب والرحم التي بينهم وبينه ويلحقهم من الرقة عليه ما يلحق الظافر بالمظفور به ، فتبرد قلوبهم ويقل غيظهم و تسكن نفوسهم ، وإذا فقدوا المأمول من الظفر به وعرفوا وجه الحيلة عليهم في فوتهم غرضهم وعلموا أنه بعلي عليه‌السلام تم ذلك ، ازدادت الدواعي لهم إلى الاضرار به ، وتوفرت عليه ، فكانت البلية أعظم على ما شرحناه.

وعلى أن إسماعيل عليه‌السلام قد كان يعلم أن قتل الوالد لولده لم تجربه عادة من الانبياء والصالحين ، ولا وردت به فيما مضى عبادة ، فكان يقوى في نفسه أنه على ما قدمناه من الاختبار ، ولو لم يقع له ذلك لجوز نسخه لغرض توجبه الحكمة أو كان يجوز أن يكون في باطن الكلام خلاف ما في ظاهره ، أو يكون تفسير المنام بضد حقيقته ، أو يحول الله تعالى بين أبيه وبين مراده بالاخترام ، أو شغل يعوقه عنه ، ولا محالة أنه قد خطر بباله ما فعله الله تعالى من فدائه وإعفائه من الذبح ، ولو لم يخطر ذلك بباله لكان مجوزا عنده ، إذ لو لم يجز في عقله لما وقع من الحكيم سبحانه (٢).

____________________

(١) الحنق ـ بفتح النون وكسره ـ شدة الاغتياظ.

(٢) أى الاعفاء من الذبح لو لم يكن جائزا عقلا لما وقع من الله تعالى أيضا.

٥٠

وعلى أنه (١) متى تيقن تيقنه من مشفق رحيم وإذا تيقنه أمير المؤمنين عليه‌السلام تيقنه من عدو قاس حقود ، فكان الفصل بين الامرين لاخفاء به على ذوي العقول (٢).

٣٣

(باب )

* ( قوله تعالى : « قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن ) *

* ( اتبعنى * وقوله : « ومن اتبعك من المؤمنين * » وقوله ) *

* ( تعالى : « هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين * » ) *

١ ـ فس : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر صلوات الله عليه في قوله : « قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن أتبعني » يعني نفسه ، ومن تبعه علي بن أبي طالب وآل محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين. قال علي بن إبراهيم : حدثني أبي ، عن علي ابن أسباط قال : قلت لابى جعفر الثاني عليهم‌السلام : يا سيدي إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك ، قال : وما ينكرون [ علي ] من ذلك فوالله لقد قال الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني » [ يعني نفسه ] فما اتبعه غير علي عليه‌السلام وكان ابن تسع سنين وأنا ابن تسع سنين (٣).

٢ ـ قب : أبوحمزة وزرارة بن أعين أن أبا جعفر عليه‌السلام قال : « قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني » قال : علي بن أبي طالب عليه‌السلام وفي رواية : وآل محمد عليهم‌السلام (٤).

٣ ـ كشف : مما أخرجه العز المحدث الحنبلي قوله تعالى : « يا أيها النبي

____________________

(١) هذا جواب ثالث عن الاشكال ، ومرجع الضمير اسماعيل عليه‌السلام.

(٢) الفصول المختارة : ٣١ ـ ٣٦.

* يوسف : ١٠٨. الانفال : ٦٣ و ٦٤.

(٣) تفسير القمى : ٣٣٤ و ٣٣٥.

(٤) مناقب آل أبى طالب ١ : ٥٥٩.

٥١

حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين » قال : هو علي بن أبي طالب ، وهو رأس المؤمنين.

وعن ابن مردويه في قوله تعالى : « أنا ومن اتبعني » قال : علي. وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : علي وآله محمد عليهم‌السلام (١).

٤ ـ شى : عن إسماعيل الجعفي قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : « قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني » قال : فقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام خاصة ، وإلا فلا أصابني شفاعة محمد عليه وآله السلام. وعن سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه‌السلام قوله : « قل هذه سبيلي » الآية قال : علي عليه‌السلام وزاد : قال : قال رسول الله (ص) : علي والاوصياء من بعده (٢).

٥ ـ فر : سعيد بن الحسن بن مالك معنعنا عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لم ينلني شفاعة جدي إن لم تكن هذه الآية نزلت في علي خاصة « قل هذه سبيلي أدعو » الآية (٣).

فر : الحسن بن علي بن بزيع معنعنا عنه عليه‌السلام مثله (٤).

٦ ـ فر : جعفر الفزاري معنعنا عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله تعالى : « قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني » قال : من اتبعني علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٥).

٧ ـ كنز : قوله تعالى : « يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين » روى أبونعيم بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : نزلت في علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٦).

أقول : روى ابن بطريق في المستدرك عن أبي نعيم مثله ثم قال : قوله تعالى : « هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين » الحافظ أبونعيم بإسناده إلى أبي هريرة قال : مكتوب

____________________

(١) كشف الغمة : ٩٢ و ٩٣.

(٢) مخطوط.

(٣) تفسير فرات : ٧٠.

(٤) لم نجده في المصدر المطبوع.

(٥) تفسير فرات : ٧٠ ، وفيه : حدثنا اسماعيل ابن ابراهيم معنعنا اه.

(٦) مخطوط.

٥٢

على العرش : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، محمد عبدي ورسولي ، أيدته بعلي بن أبي طالب.

٨ ـ كنز : أبونعيم في حلية الاولياء بإسناده إلى محمد بن السائب ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله وزاد في آخر : وذلك قوله : « هو الذي أيدك بنصره » يعني علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

ويؤيده ما رواه الشيخ أبوجعفر الطوسي ، عن أبي نصر محمد بن محمد بن علي ، بإسناده عن الثمالي ، عن ابن جبير ، عن أبي الحمراء خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لما اسري بي إلى السماء رأيت على ساق العرش : لا إله إلا الله محمد رسولي وصفيي من خلقي ، أيدته بعلي ونصرته به (١).

[ أقول : روى الثعلبي في تفسيره الخبر الاخير عن ابن جبير عن أبي الحمراء مثله سواء ].

بيان : رواه العلامة أيضا في كشف الحق (٢) عن أبي هريرة ، وروى السيوطي في الدر المنثور عن ابن عساكر بإسناده عن أبي هريرة وقال مكتوب على العرش : لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي ، محمد عبدي ورسولي ، أيدته بعلي. وذلك قوله : « هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين » انتهى (٣).

أقول : هذه الاخبار تدل على فضل عظيم له حيث كتب اسمه على العرش في أول الخلق ، ووصف بأن الله تعالى جعله مؤيدا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتدل على أنه كان أكثر تأييدا وإعانة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من جميع المسلمين ، حيث خص بذلك ، وكل هذه ينافي تقديم غيره عليه في الامامة كما لا يخفى على من كشف عن عيينه غطاء العصبية والغباوة ، وأما قوله تعالى : « يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين » فقال العلامة ـ قدس الله روحه ـ : روى الجمهور أنها نزلت في علي عليه‌السلام (٤). فالمراد بالمتابعة التامة في جميع الاشياء

____________________

(١) مخطوط.

(٢) ص ٩٢.

(٣) الدر المنثور ٣ : ١٩٩.

(٤) راجع كشف الحق ١ : ٩٢.

٥٣

وظاهر أنه لم يتبعه أحد كذلك إلا علي عليه‌السلام فإنه تبعه قبل كل أحد وأكثر من جميع الصحابة باتفاق الكل.

وقد ظهرت آثار ما أخبر الله تعالى به في غزواته ، فإنه كان في جميعها الظفر على يديه كما سيأتي بيانه ، وكفى بهذا شرفا وللمخالفين مرغما ، حيث عادله الله بنفسه في نصرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإعانته ، وأنهما حسبه ، وكيف يتأمر أحد على من هذا شأنه؟ وكيف يتقدم أحد على من بسيفه قام الدين وثبتت أركانه وكذا قوله تعالى : « ومن اتبعني » يدل على أن المتابعة الكاملة مختصة به عليه‌السلام وأنه الداعي إلى سبيل الرسول على بصيرة والمستحق لذلك دون غيره ، وهذا أدل على إمامته مما سبق.

* [ ٩ ـ كتاب منقبة المطهرين للحافظ أبي نعيم ، عن محمد بن عمر ، عن علي بن الوليد ، عن علي بن حفص ، عن محمد بن الحسين بن زيد ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عليهما‌السلام في قوله تعالى : « يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين » قال : نزلت في علي عليه‌السلام ، وعن محمد بن عمر ، عن القاسم وعبدالله ابني الحسين بن زيد ، عن أبيهما ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام مثله.

وبإسناده عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : مكتوب على العرش لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، محمد عبدي ورسولي ، أيدته بعلي بن أبي طالب. وذلك قوله في كتابه : « هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين » علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

١٠ ـ يب : بإسناده عن الصادق عليه‌السلام في الدعاء بعد صلاة الغدير : ربنا آمنا و اتبعنا مولانا وولينا وهادينا وداعينا وداعي الانام وصراطك المستقيم السوي وحجتك و سبيلك الداعي إليك ، على بصيرة هو ومن اتبعه ، وسبحان الله عما يشركون بولايته ، وبما يلحدون باتخاذ الولائج دونه ، إلى آخر الدعاء (٢).

بيان : لعل الضمير المنصوب في قوله : « ومن اتبعه » راجع إلى الموصول (٣) والمستتر

____________________

(*) من هنا إلى الباب الاتى ذكر في هامش ( ك ) فقط.

(١) مخطوط.

(٢) التهذيب : ١ : ٣٠٢.

(٣) فيكون المعنى على ذلك أن أمير المؤمنين ـ وهو مرجع ضمير هو ـ ومن اتبعه أمير المؤمنين ـ وهو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ على بصيرة.

٥٤

المرفوع ، إلى السبيل ، أو الداعي ، فيوافق الاخبار السابقة ، ويمكن أن يكون المراد من « [ من ] اتبعه » سائر الائمة عليهم‌السلام فلا يكون منطبقا على لفظ الآية بتمامها ، أو يكون المراد بقوله : مولانا وولينا : الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لكنهما بعيدان. ]

( ٣٤ باب )

* ( أنه عليه‌السلام كلمة الله وأنه نزل فيه « لقد رضى الله * » ) *

١ ـ كنز : محمد بن العباس ، عن محمد بن أحمد الواسطي ، عن زكريا بن يحيى.

عن إسماعيل بن عثمان ، عن عمار الدهني ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت : قوله الله : « لقد رضي الله » الآية كم كانوا؟ قال ألفا ومائتين ، قلت : هل كان فيهم علي عليه‌السلام؟ قال : نعم علي سيدهم وشريفهم.

وروى الحسن بن أبي الحسن الديلمي بإسناده عن رجاله ، عن مالك بن عبدالله قال : قلت لمولاي الرضا عليه‌السلام قوله : « لقد رضي الله (١). وألزمهم كلمة التقوى » (٢) ، قال : هي ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام فالمعنى : أن الملزمين بها شيعته « كانوا أحق بها أهلها » (٣).

٢ ـ ما : المفيد ، عن المظفر بن محمد البلخي ، عن محمد بن جبير ، عن عيسى ، عن مخول بن إبراهيم ، عن عبدالرحمان بن الاسود ، عن محمد بن عبيدالله ، عن عمر بن علي ، عن أبي جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنا الله عهد إلي عهدا ، فقلت : رب بينه لي ، قال : اسمع ، قلت : سمعت ، قال : يا محمد إن عليا راية الهدى بعدك ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمها الله تعالى المتقين ، فمن أحبه فقد

____________________

(١) الفتح : ١٨.

(٢) الفتح : ٢٥.

(٣) كنز جامع الفوائد مخطوط.

٥٥

أحبني ، ومن أبغضه فقد أبغضني : فبشره بذلك (١).

أقول : روى ابن بطريق في المستدرك من الجزء الاول من كتاب حلية الاولياء لابي نعيم بالاسناد عن سلام الجعفي ، عن أبي بردة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله عهد إلي في علي عهدا ، فقلت : يا رب بينه لي ، فقال : اسمع ، فقلت : سمعت ، فقال : إن عليا راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، من أحبه أحبني ، ومن أبغضه [ فقد ] أبغضني ، فبشره بذلك ، فجاء علي فبشره بذلك ، فقال : يا رسول الله أنا عبدالله وفي قبضته ، فإن يعذبني فبذنبي ، وإن يتم الذي بشرني به فالله أولى بي ، قال : قلت : اللهم اجل قلبه (٢) واجعل ربيعه الايمان ، فقال الله تعالى : قد فعلت به ذلك ، ثم إنه رفع إلي أنه سيخصه من البلاء بشئ لم يخص به أحدا من أصحابي ، فقلت : يا رب أخي وصاحبي ، فقال تعالى : إن هذا شئ قد سبق ، إنه مبتلى ومبتلى به.

٣ ـ مد : بإسناده عن ابن المغازلي ، عن أحمد بن محمد بن عبدالوهاب ، عن محمد بن عثمان ، عن محمد بن سليمان ، عن محمد بن علي بن خلف ، عن الحسين الاشقر ، عن عثمان بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ، قال : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا ماتبت علي ، فتاب عليه (٣).

أقول : قد سبق كثير من الاخبار في ذلك في باب أنهم كلمات الله عليهم‌السلام.

____________________

(١) امالى الشيخ : ١٥٤.

(٢) من الجلاء. وفى ( ت ) و ( د ) : اللهم اجعل قلبه. وهو مصحف. والربيع ما ينبت في الارض من الكلاء. أى اجعل ما ينبت في قلبه الايمان.

(٣) العمدة : ١٩٧. وقد رواه العلامة من كشف الحق ١ : ٩٠ بأدنى اختلاف.

٥٦

٣٥

(باب )

* ( قوله تعالى : « وجعلنا لهم لسان صدق عليا » وقوله تعالى : ) *

* ( « واجعل لى لسان صدق في الاخرين » وقوله : ) *

* ( « وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق * » ) *

١ ـ فس : « وجعلنا لهم لسان صدق عليا » يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام حدثني بذلك أبي عن الامام الحسن العسكري عليه‌السلام (١).

٢ ـ فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : واجعل لي لسان صدق في الآخرين » قال : هو أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

٣ ـ كنز : محمد بن العباس ، عن السياري ، عن يونس بن عبدالرحمان ، قال : قلت لابي الحسن الرضا عليه‌السلام : إن قوما طالبوني باسم أمير المؤمنين عليه‌السلام في كتاب الله عزوجل ، فقلت لهم من قوله تعالى : « وجعلنا لهم لسان صدق عليا » فقال : صدقت هو هكذا قال مؤلفه : ومعنى قوله : « لسان صدق » أي جعلنا لهم ولدا ذالسان أي قول صدق ، وكل ذي قول صدق فهو صادق معصوم ، وهو علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٣).

٤ ـ كشف : ابن مردويه في قوله : « واجعل لي لسان صدق في الآخرين » عن أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام عرضت ولايته على إبراهيم

____________________

* مريم : ٥٠ الشعراء : ٨٤. يونس : ٢.

(١) تفسير القمى : ٤١١.

(٢) تفسير القمى ٤٧٣.

(٣) مخطوط. أقول : بل المراد أنه قد حكى الله عزوجل عن إبراهيم دعاءه : « واجعل لى لسان صدق في الاخرين » أى في المتاخرين من أولادى ، فأجاب الله له ذلك ثم حكى ذلك لنا بقوله : « وجعلنا لهم » أى لابراهيم وآله « لسان صدق » الذى تمناه منى « عليا » ( ب )

٥٧

عليه‌السلام. فقال : اللهم اجعله من ذريتي ، ففعل الله ذلك (١).

بيان : رواه العلامة من طريقهم أيضا (٢) ، وحمله أكثر المفسرين على الذكر الجميل ، وقال النيسابوري وغيره : وقيل : سأل ربه أن يجعل من ذريته في آخر الزمان داعيا إلى ملته ، وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

أقول : فعلى هذا لا استبعاد في حمله على علي عليه‌السلام فإنه سبب لشرفه وذكره بالجميل ، ولا يخفى ما فيه من الفضل والشرف الجليل ، والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.

٥ ـ كشف : ابن مردويه قوله تعالى : « وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق » عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : نزلت في ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٤).

بيان : رواه العلامة أيضا من طرقهم (٥) ، وروى الكليني. أيضا أنه الولاية (٦) ، والظاهر أن معناه أن المراد بالايمان التصديق بالولاية أو الايمان الكامل المشتمل عليها ، ويحتمل أن يكون المعنى : أن قول : « قدم صدق » هو الولاية ، أي مذخور هذا عند ربهم ينفعهم في القيامة.

وقال الطبرسي ـ قدس‌سره ـ : لما كان السعي والسبق بالقدم سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدما كما سميت النعمة يدا وباعا ، وإضافته إلى صدق دليل على زيادة فضل ، وأنه من السوابق العظيمة (٧). ثم قال في بيان معناه : أي أجرا حسنا ومنزلة رفيعة بما قدموا من أعمالهم ، وقيل : السعادة في الذكر الاول ، وقيل : إن معنى « قدم صدق » شفاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة ، عن أبي سعيد الخدري وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام (٨).

____________________

(١) كشف الغمة : ٩٤.

(٢) راجع كشف الحق ٩٦١ ، وكشف اليقين ١٢٤.

(٣) غرائب القرآن ٣. ١٢٣ ، وفيه : من يكون داعيا إلى ملته.

(٤) كشف الغمة : ٩٥.

(٥) راجع كشف الحق ٩٧١ ، وكشف اليقين : ١٢٧.

(٦) راجع اصول الكافى ١ : ٤٢٢.

(٧) جامع الجوامع ص. نقلا من الكشاف ( في ٣ مجلدات ) ج ٢ ص ٦٦.

(٨) مجمع ال بيان : ٨٩.

٥٨

٦ ـ شى : عن يونس ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله : « وبشر الذين آمنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم » قال : الولاية (١).

٧ ـ شى : عن إبراهيم بن عمر ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله : « وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم » قال : هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

٨ ـ [ بيان التنزيل لابن شهرآشوب : أبوبصير ، عن الصادق عليه‌السلام « وجعلنا لهم لسان صدق عليا » يعني عليا أمير المؤمنين عليه‌السلام ].

٣٦

( باب )

* ( ما نزل فيه عليه‌السلام للانفاق والايثار ) *

١ ـ كنز : محمد بن العباس ، عن سهل بن محمد العطار ، عن أحمد بن عمرو الدهقان عن محمد بن كثير ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : إن رجلا جاء إلى النبي (ص) فشكا إليه الجوع ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيوت أزواجه فقلن : ما عندنا إلا الماء ، فقال (ص) : من لهذا الرجل الليلة؟ فقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : أنا يا رسول الله ، فأتى فاطمة عليها‌السلام فأعلمها ، فقالت : ما عندنا إلا قوت الصبية ولكنا نؤثر به ضيفنا ، فقال عليه‌السلام : نومي الصبية واطفئي السراج ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزل قوله تعالى : « ويؤثرون على أنفسهم » الآية (٣).

٢ ـ وروى أيضا عن أحمد بن إدريس ، عن ابن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن كليب بن معاوية ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله تعالى : « ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة » قال : بينما علي عليه‌السلام عند فاطمة عليها‌السلام إذ قالت له : يا علي

____________________

(١ و ٢) تفسير العياشى مخطوط.

(٣) كنز جامع الفوائد مخطوط ، والاية في سورة الحشر : ٩.

٥٩

اذهب إلى أبي فابغنا (١) منه شيئا ، فقال : نعم ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأعطاه دينارا وقال له : يا علي اذهب فابتع به لاهلك طعاما ، فخرج من عنده فلقيه المقداد بن الاسود ، فقاما ماشاء الله أن يقوما ، وذكر له حاجته ، فأعطاه الدينار وانطلق إلى المسجد ، فوضع رأسه فنام ، فانتظره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يأت ، ثم انتظره فلم يأت ، فخرج يدور في المسجد فإذا هو بعلي عليه‌السلام نائم في المسجد ، فحركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقعد ، فقال : يا علي ما صنعت؟ فقال : يا رسول الله خرجت من عندك فلقيت المقداد بن الاسود ، فذكر لي ماشاء الله أن يذكر ، فأعطيته الدينار ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إن جبرئيل قد أنبأني بذلك ، وقد أنزل الله فيك كتابا : « ويؤثرون على أنفسهم » الآية (٢).

[ ٣ ـ كنز : محمد بن العباس ، عن محمد بن أحمد بن ثابت ، عن القاسم بن إسماعيل ، عن محمد بن سنان ، عن سماعة بن مهران ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : اتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمال وحلل وأصحابه حوله جلوس ، فقسمه عليهم حتى لم تبق منه حلة ولا دينار ، فلما فرغ منه جاء رجل من فقراء المهاجرين وكان غائبا ، فلما رآه رسول الله (ص) قال : أيكم يعطي هذا نصيبه ويؤثره على نفسه؟ فسمعه علي عليه‌السلام فقال : نصيبي فأعطاه إياه فأخذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأعطاه الرجل ، ثم قال : يا علي إن الله جعلك سباقا للخير سخاء بنفسك عن المال ، أنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة ، والظلمة هم الذين يحسدونك ويبغون عليك ويمنعونك حقك بعدي (٣).

٤ ـ وبالاسناد عن القاسم بن إسماعيل ، عن إسماعيل بن أبان ، عن ابن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا ذات يوم وأصحابه جلوس حلوه فجاء علي عليه‌السلام وعليه سمل ثوب منخرق عن بعض جسده ، فجلس قريبا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنظر إليه ساعة ثم قرأ « يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفحلون (٤) ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : أما إنك رأس

____________________

(١) بغى الشئ : طلبه.

(٢ و ٣) مخطوط.

(٤) الحشر : ٩.

٦٠