تقريرات آية الله المجدّد الشيرازي - ج ٤

المولى علي الروزدري

تقريرات آية الله المجدّد الشيرازي - ج ٤

المؤلف:

المولى علي الروزدري


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-003-X
الصفحات: ٣٧١

الاحتياط وعدمه فالقاعدة تنفي العقاب عن التكليف بالاحتياط مع احتماله ، وتثبت البراءة ما لم يثبت وجوب الاحتياط بأدلته ، فإذا وجب ارتفع موضوعها عن الاحتياط لمعلومية حكمه حينئذ ، فتنتفى أصالة البراءة الثابتة بها.

قوله ـ قدس سره ـ : ( بل هو من المقارنات حيث إن عدم المنع ... إلخ ) (١).

قال ـ دام ظلّه ـ : نعم الإذن الشرعي ليس لازما شرعيا للمستصحبات المذكورة كلّها حتى عدم المنع ، إلا أنّه يمكن استصحاب نفس عدم المنع السابق من غير حاجة إلى ثبوت أثر شرعي له ، وهو الإذن ، وذلك لأن عدم المنع السابق الأزلي وإن لم يكن من المجعولات الشرعية ومن أحكامه ، إلاّ أن استمراره واقعا أو ظاهرا إنما هو بيد الشارع ، لقدرته على قطعه.

وبالجملة : كلّ عدم يكون انقطاعه بيد الشارع بحيث لو شاء لقطعه بإثبات حكم وجودي في محلّه ، فيكون استمراره ـ أيضا ـ كذلك واقعا أو ظاهرا ، بمعنى أنّ له أن يحكم باستمراره واقعا ، وأن يحكم به ظاهرا وإن كان المنع موجودا منه في الواقع ، فعلى هذا فيمكن دخوله في أخبار الاستصحاب ، ويكون الاستصحاب فيه نظير الاستصحاب في نفس الأحكام الشرعية الوجودية ، كاستصحاب الوجوب والحرمة وغيرهما من حيث كون معنى الاستصحاب فيها هو الحكم باستمرار تلك الأحكام في مرحلة الظاهر ، وإحداث خطاب مماثل للخطاب الواقعي ، ولا حاجة فيها إلى إحراز أثر شرعي لها. نعم هو معتبر فيما إذا كان المستصحب من الموضوعات ، لا الأحكام.

والحاصل : أن للشارع أن يحكم باستمرار عدم المنع واقعا ، وأن يحكم به في مرحلة الظاهر ، ويكون حكمه هذا خطابا مماثلا للخطاب الواقعي المبيّن

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٣٧.

٦١

لاستمرار عدم المنع واقعا ، كيف ولو لم يبن علي هذا لوجب طرح جميع الاستصحابات العدمية الجارية في نفي نفس الأحكام كاستصحاب عدم الحرمة وعدم الوجوب وغيرهما ، إذ لا فرق بينها وبين عدم المنع من جهة أن الأولى منها ـ أيضا ـ ليس بيد الشارع حتى يحكم به ، ويكون استمرارها بيده ، وأن عدم الحرمة أو الوجوب مع الإذن في الفعل أو في الترك من قبيل الضدين ، فلو لم ينفع هذا التوجيه في المقام لما تم ثمة أيضا ، وبعده لا وجه للاستصحاب فيها ، مع أن شيخنا الأستاذ ـ قدس سره ـ يقول بجريان الاستصحاب فيها ، كما هو الحق عندنا بلا إشكال.

وخلاصة المرام : أن المصحح للاستصحاب لا ينحصر في ثبوت أثر شرعي للمستصحب ، وإلا لم يجر في مجاري الشك في الأحكام الشرعية ، لا من حيث الوجود ، ولا من حيث العدم ، بل المصحح أحد الأمرين على سبيل منع الخلو : أحدهما ما ذكر ، وثانيهما كون نفس المستصحب من الأمور المنوط استمرارها بيد الشارع.

قوله ـ قدس سره ـ : ( فتأمل ) (١).

لعله إشارة إلى أن إحراز الموضوع في موارد الاستصحاب ـ بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الإخبار ـ إنما هو موكول إلى نظر العرف ، وهم لا يجعلون مثل ذلك التغاير منشأ لتبدل الموضوع ، بل مع ذلك يحكمون بأن هذا هو الّذي كان قبل ، ويتسامحون في ذلك التغاير ، فلا يبنون على مغايرة المجنون ـ إذا أفاق ـ له حال الجنون ، بل يقولون : إنه ـ حينئذ ـ هو ، وكذا لا يبنون ولا يحكمون بمغايرة الصبي ـ إذا بلغ ـ له حال الصغر ، بل يحكمون باتحاد الموضوع بالنسبة إلى تينك الحالتين ، فافهم.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٣٨.

٦٢

قوله ـ قدس سره ـ : ( ومنها : أن الاحتياط عسر منفي ) (١).

حاصل ما يتجه على هذا الوجه وما بعده : أن المطلوب في مسألة البراءة نفي الاحتياط كلية عن موارد الشبهة التحريمية ، وهذا ـ كما بعده ـ لا ينهض لإثبات ذلك ، وإنما يوجب ـ كما بعده ـ بطلان الاحتياط في بعض الموارد فقط ، فيكون أخص من المدعى.

قوله ـ قدس سره ـ : ( بالأدلة الثلاثة ) (٢).

المراد بها غير الإجماع من الأدلة الأربعة المعروفة.

قال دام ظله : ظاهر قوله ـ قدس سره ـ : ( بالأدلة الثلاثة ) أن الأدلة الثلاثة الآتية معهودة من هذا اللفظ ، ككون الأربعة معهودة من لفظ الأدلة الأربعة ، وليس كذلك ، فكان الأولى التعبير عنها بقول : وجوه ثلاثة ، أو بأسماء تلك الأدلة الآتية ، ولو لا تفصيل الأدلة فيما بعد لم يفهم أن المراد بلفظ الثلاثة أي الثلاثة من الأدلة الأربعة المعروفة ، فإنه يمكن تصوير الثلاثة منها على وجوه واعتبارات ، كما لا يخفى.

ولو قيل : إنه لما كان الغرض الاستدلال بها في هذه المسألة الخلافية ، فذلك قرينة على كون المراد بها غير الإجماع لاتجه عليه أنه كثيرا ما يستدل في المسائل الخلافية بالإجماع.

قوله ـ قدس سره ـ : ( وهي قوله تعالى : ( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) ) (٣)(٤).

وجه الاستدلال به : أن حق التقاة أن يجتنب العبد عن جميع ما يحتمل

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٣٨.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٣٩.

(٣) آل عمران : ١٠٢.

(٤) فرائد الأصول ١ : ٣٣٩.

٦٣

كونه حراما ، فيثبت به المطلوب ، فإنه لو لم يجتنب بعض ما يحتمل كونه كذلك لما كان متقيا حقيقة مع أنه تعالى أمر بالتقاة.

قوله ـ قدس سره ـ : ( وقوله تعالى : ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) ) (١)(٢).

لا يخفى أن مساق هذه الآية مساوق لغيرها من الآيات الناهية عن القول بغير العلم ، فإن ظاهر التنازع هو الاختلاف في حكم شيء المتنازع فيه ، فيكون معنى الرد هو رد حكمه إلى الله والرسول ، لا التوقف في العمل ، فلا يدل على المطلوب.

قوله ـ قدس سره ـ : ( مضافا إلى النقض بشبهة الوجوب والشبهة في الموضوع ... ) (٣).

توضيح النقض : أنه لو دلت تلك الآيات على وجوب التوقف فهي عامة بالنسبة إلى الشبهة الوجوبية والشبهة الموضوعية التحريمية أو الوجوبية ، مع أن المستدلين بها لا يقولون به فيهما ، ولو ادعوا خروجهما بالإجماع فهو مدفوع بكونه مستلزما لتخصيص الأكثر ، لكون الخارج أكثر من الداخل ، فلا بد ـ حينئذ ـ [ من ] صرفها إلى معنى آخر غير ما زعموا.

قوله ـ قدس سره ـ : ( وزاد فيها « إن على كل حق حقيقة ، وكل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه » (٤) ... إلى آخره ) (٥).

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٣٩.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٣٩.

(٤) الكافي ١ : ٦٩ ـ ١ باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، وسائل الشيعة ١٨ : ٧٨ ـ ١٠ باب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٥) فرائد الأصول ١ : ٣٤٠ لكن فيه العبارة هكذا : ونحو صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام : « إن لكل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا .. ».

٦٤

جعله عليه السلام ما ذكر تمهيدا لوجوب الأخذ بما وافق الكتاب تنبيه على أن ما وافق كتاب الله حق وصواب ، وأن عليه حقيقة ونورا.

قوله ـ قدس سره ـ : ( فمساقه مساق قول القائل : أترك الأكل يوما خير من أن أمنع منه سنة ... ) (١).

اعلم أنه ذهب بعض النحاة إلى أن لفظة ( أفعل ) في مثل هذه الموارد ـ مما لم يكن المفضل عليه متصفا بالمبدإ أصلا ـ وصفي ، لا تفضيلي (٢).

لكن لا يخفى فساده ، نظرا إلى أنه إذا كان للوصف لا يجوز استعماله مع لفظة ( من ) باتفاق جميع أهل العربية ـ مع أنه مستعمل معها في تلك الموارد ـ فالحق أنه للتفضيل الفرضي ، فإن التفضيل قد يكون حقيقيا ، وهو فيما إذا كان المفضل عليه متصفا بالمبدإ ، وقد يكون فرضيا (٣) ، وذلك فيما لم يكن هو متصفا به ، لكن يفرض اتصافه به ، فيفضل غيره عليه على تقدير الاتصاف ، فيكون معنى هذا التفضيل أن هذا أفضل من ذاك على تقدير اتصاف ذلك بالمبدإ ، فمعنى ترك الأكل يوما خير من أن أمنع سنة : أنه على تقدير كون المنع من الأكل سنة مشتملا على صلاح وخير يكون ترك الأكل يوما خيرا منه ، ومعنى قوله ـ عليه السلام ـ : « الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة » (٤) أن الاقتحام في الهلكة لو فرض كونه حسنا يكون الوقوف عند الشبهة خيرا منه.

بل قد يكون اتصاف المفضل بالمبدإ ـ أيضا ـ فرضيا ، كما في قول القائل :

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٤١.

(٢) راجع شرح التصريح على التوضيح ٢ : ١٠٥ ، وشرح ابن عقيل ٢ : ١٨٢ ـ ١٨٣.

(٣) سبقه إلى هذا المعنى الشيخ الرضي الأسترآبادي ( ره ) في شرح الكافية ٢ : ٢١٥.

(٤) الوسائل ١٨ : ١١٤ و ١٢٦ ـ ٩ و ٥٠ باب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، بتفاوت يسير.

٦٥

( الخضخضة (١) خير من الزنا ) (٢) ، وكذا في المثال الأول المتقدم ، وهو قول القائل : أترك الأكل يوما خير من أن أمنع منه سنة ، فإنه لا حسن في الخضخضة وترك الأكل يوما أصلا ، كما لا حسن فيما فضلا عليه ، ويكون الغرض في التعبير باسم التفضيل في تلك الموارد إفادة أن ارتكاب هذا أحسن وخير من ارتكاب ذلك على كل تقدير ، يعني لا يختص رجحانه عليه بما إذا فرض خلوه عن الحسن بالمرة ، بل راجح عليه لو فرض اتصافه به أو اتصاف كليهما به.

قوله ـ قدس سره ـ : ( وفي كلا الجوابين (٣) ما لا يخفى على من راجع تلك الأخبار ) (٤).

فإنها لكثرتها يحصل العلم منها بتواتر وجوب التوقف معنى ، بل بتواتر لفظ بعضها إجمالا ، فلا حاجة فيها إلى تصحيح السند بوجه ، مع أنه يمكن ذلك في بعضها ، فظهر فساد الجواب الأول (٥).

وأما الثاني (٥) : ففساده يظهر بما ذكره ـ قدس سره ـ من أن المراد

__________________

(١) الخضخضة (أ) : الجلق (ب). لمحرره عفا الله عنه.

(٢) عن ابن عباس أنه سئل عن الخضخضة ، فقال : ( هو خير من الزنا. ونكاح الأمة خير منه ). تاج العروس ٥ : ٢٦ ـ مادة ( خضض ) من فصل الخاء مع الضاد.

(٣) وهما : ـ ١ ـ ضعف سند أخبار التوقف. ـ ٢ ـ وأنها في مقام المنع عن العمل بالقياس ، وهما الجواب الثاني والثالث بحسب ما جاء في فرائد الأصول.

(٤) فرائد الأصول ١ : ٣٤٥.

(٥) وهو الجواب الثاني بحسب ما جاء في فرائد الأصول.

(٦) وهو الجواب الثالث بحسب ما جاء في فرائد الأصول.

__________________

(أ) والخضخضة المنهي عنها في الحديث هو الاستمناء باليد ، أي استنزال المني في غير الفرج. تاج العروس ٥ : ٢٦ ـ مادة ( خضض ) من فصل الخاء مع الضاد.

(ب) لم أعثر على هذه الكلمة في كتب اللغة ، ولعلها فارسية ، فقد جاء في قاموس الفارسية للدكتور عبد النعيم محمد حسنين ـ ص : ١٨٣ ـ : جلق زدن : الاستمناء ).

٦٦

بالتوقف في تلك الأخبار إنما هو التوقف في العمل في مقابل المضي فيه ، كما يشهد به سياقها وموارد أكثرها ، لا التوقف في الحكم والفتوى اعتمادا على القياس أو على كل ما لم يعلم وصوله من الشارع ، كما هو مفاد الجواب الأول من تلك الأجوبة (١).

ولا يخفى أن هذا الجواب أفسد من الجواب الأول ، فإنه على تقدير كون المراد بالتوقف هو التوقف في الحكم والفتوى ، فسياق تلك الأخبار آب عن تخصيصها بخصوص القياس.

قوله ـ قدس سره ـ : ( وهي جميع آيات الكتاب ... ) (٢).

لا يخفى أن آيتين منها لا دلالة لهما على نفي استحقاق العقاب على مخالفة التكليف المجهول ، وهما قوله تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ ... ) إلخ (٣) ، وقوله تعالى ( وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) إلخ (٤) ، فالتعبير بلفظ الجمع غير جيد ، اللهم [ إلا ] أن يكون مراده الآيات الدالة على المطلوب ، فإن الآيتين المذكورتين ـ كما مر سابقا ـ ليستا من الآيات الدالة عليه ، فتدبر.

قوله ـ قدس سره ـ : ( على ما هو المفروض ... ) (٥).

فإن المجيب رد الاستدلال بأخبار التوقف بمعارضتها لأخبار البراءة ، ولا ريب أن المعارضة لا تكون إلا بعد استجماعها لشرائط الدليليّة ، بحيث لا يكون مانع عن وجوب العمل بها إلا معارضتها للأدلة الاخر الدالة على البراءة ، فهو معترف بتمامية تلك الأخبار.

__________________

(١) التي ذكرت في فرائد الأصول.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٤٥.

(٣) الأنعام : ١٤٥.

(٤) الأنعام : ١١٩.

(٥) فرائد الأصول ١ : ٣٤٥.

٦٧

قوله ـ قدس سره ـ ( فتلك الأدلة بالنسبة إلى هذه الأخبار من قبيل الأصل بالنسبة إلى الدليل ... ) (١).

لا يخفى أن هذا لا يتم في آيتين من الآيات المستدل بها على البراءة على تقدير تماميتهما ، وهما قوله تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ... )(٢) الآية ، ( وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ )(٣) ، فإن الظاهر من الموصول ـ في قوله : ( ما أُوحِيَ ) و ( ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ) ـ هو الحكم الواقعي ، فتدلان على عدم استحقاق العقاب على ما لم يعلم حكمه الواقعي ـ سواء لم يعلم حكمه الظاهري أيضا أو علم ـ فهما نظيرا قوله عليه السلام : « كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي » (٤). اللهم. [ إلا ] أن يكون مراده ـ قدس سره ـ عدهما من الأدلة الغير الدالة على المطلوب أصلا.

قوله ـ قدس سره ـ : ( فيوجد في أدلة التوقف ما لا يكون أعم منه ... إلى آخره ) (٥).

مراده ـ قدس سره ـ مما لا يكون أعم منه هو الإجماع المركب على استلزام التوقف في صورة تعارض النصين ـ الدال أحدهما على الحرمة ، والآخر على الإباحة ـ للتوقف في الشبهة التحريمية فيما لا نصّ فيه ، فإنه بعد ثبوت وجوب التوقف في الشق الأول ـ بأخبار التوقف لدخوله فيها ، مع سلامتها عن معارضة الخبر المذكور ـ فالإجماع المذكور دليل على وجوب التوقف فيما نحن فيه ، فيكون من أدلة التوقف فيما نحن فيه ، ولا يكون أعم من الخبر المذكور ،

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٤٥.

(٢) الأنعام : ١٤٥.

(٣) الأنعام : ١١٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٨ ـ ٢٢ باب ٤٥ في وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها ، وسائل الشيعة ١٨ : ١٢٧ ـ ١٢٨ ـ ٦٠ باب ١٢ من أبواب صفات القاضي.

(٥) فرائد الأصول ١ : ٣٤٦.

٦٨

فإن ما يدل على وجوب التوقف فيه إنما هي الشبهة التحريمية فيما لا نصّ فيه التي هي موضوع الخبر المذكور فحسب ، فإن وجوب التوقف في صورة تعارض النصين يثبت بأخبار التوقف ، لا به.

قوله ـ قدس سره ـ : ( فإن ما ورد فيه نهي معارض بما دل على الإباحة غير داخل في هذا الخبر ... ) (١).

هذا بناء على أن المراد بقوله عليه السلام : « حتى يرد فيه ... » هو ورود ما دل على النهي ، فمتى حصل تلك الغاية يرتفع الإباحة المستفادة من الرواية ، بل تدل الرواية على نفي إباحته حينئذ ، بناء على اعتبار مفهوم الغاية ، فالصورة المذكورة وإن كانت من صور الشبهة الحكمية التحريمية إلا أنها ورد فيها ما دل على الحرمة والنهي ، فتخرج عن مورد الخبر المذكور ، وتشمله أخبار التوقف ، فيثبت مطلوب الأخباريين بالتقريب الّذي ذكره ـ قدس سره ـ.

قال ـ دام ظله ـ : على تقدير كون الغاية في الرواية هي مجرد ورود ما دل على النهي ، فالرواية بنفسها نافية للإباحة والترخيص الظاهري في الصورة المذكورة بمقتضى مفهوم الغاية الّذي ذهب ـ قدس سره ـ إلى اعتباره أيضا ، فلا حاجة ـ حينئذ ـ إلى الالتجاء إلى أخبار التوقف ، فكان عليه ـ قدس سره ـ أن يقول : إن الصورة المذكورة خارجة عما قبل الغاية في الرواية ، وداخلة فيما بعدها ، فتدل الرواية على نفي الرخصة فيها ووجوب الاحتياط ، فيثبت فيما لا نصّ فيه بالإجماع المركب.

قوله ـ قدس سره ـ : ( فتأمل ) (٢).

لعله إشارة إلى منع الإجماع المذكور لوجود المفصل بين المقامين بالتوقف ثمة والبراءة فيما نحن فيه ، كما سيأتي في مسألة تعارض النصين ، فانتظر.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٤٦.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٤٦.

٦٩

ويمكن أن يكون وجهه أنه بعد ثبوت الإجماع المذكور فالخبر المزبور يعارض أخبار التوقف في صورة تعارض النصين أيضا ، وينفيها بالالتزام ، [ فإنه ](١) بعد ثبوت التلازم ـ بين البراءة فيما نحن فيه وبينها ثمة ـ فهو يدل عليها فيما نحن فيه بالمطابقة ، وفي ثمة بالالتزام ، فحينئذ لا يسلم أخبار التوقف ثمة عن المعارض ، حتى يثبت التوقف فيه ، فيثبت فيما نحن [ فيه ] بالإجماع المذكور.

ويمكن ان يكون الغرض الإشارة إلى كلا هذين الوجهين.

هذا ، لكن الظاهر أن وجهه منع كون الغاية في الرواية المذكورة هو مجرد ورود ما دل على النهي ، بل المراد بورود النهي إنما هو ثبوت الحرمة ، فالغاية هذا لا ذاك ، ولا ريب أن هذا غير حاصل في الصورة المذكورة ، فيدخل في مورد الرواية وما قبل الغاية ، فتعارض هي أخبار التوقف في تلك الصورة أيضا ، فلم يسلم تلك من المعارض ، حتى يتم المطلوب بالإجماع المركب.

قوله ـ قدس سره ـ : ( مع أن جميع موارد الشبهة ... إلى آخره ) (٢).

يعني أن الخبر المذكور يشمل جميع موارد أخبار التوقف ، إذ لا مورد منها لم يكن فيه شيء محتمل التحريم ولو كان حكما أو اعتقادا ، فليس هو أخص من تلك ، حتى يقدم عليها ويخصصها.

قوله ـ قدس سره ـ : ( فتأمل ) (٣).

لعله إشارة إلى أن قوله عليه السلام « كل شيء مطلق » (٤) ظاهر في العمل فقط ، وليس جميع موارد الشبهة بحيث يشتمل على عمل محتمل الحرمة ، فيكون هو أخص منها ، فيخصصها.

__________________

(١) في الأصل : فإن ..

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٤٦.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٤٦.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٨ ـ ٢٢. الوسائل ١٨ : ١٢٧ ـ ١٢٨ ـ ٦٠.

٧٠

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( والجواب : أما عن الصحيحة فبعدم الدلالة ، لأن المشار إليه ... إلى آخره ) (١).

وحاصل الجواب : أنّ المشار إليه بقوله عليه السلام : « إذا أصبتم بمثل هذا » (٢). إما نفس واقعة الصيد ، فيكون المراد : إذا أصبتم بمثل واقعة الصيد فعليكم بالاحتياط ، وإما السؤال عن حكم واقعة الصيد المفهوم من قول الراوي : سألني عن ذلك ، فلم أدر ما عليه ، فيكون المراد إذا أصبتم بمثل السؤال عن واقعة الصيد فعليكم بالاحتياط ، والمراد بالاحتياط على الأول هو الاحتياط في العمل ، وعلى الثاني هو الاحتياط من حيث الفتوى : أمّا بكون المراد لزوم الفتوى بالاحتياط في مثل هذا السؤال أو الاحتياط في الفتوى ولو بالاحتياط إلى أن يسأل من أهل الذّكر عليهم السلام ، وعلى التقديرين لا يدخل ما نحن [ فيه ] ـ وهي الشبهة التحريمية البدوية ـ في موضوع الرواية ، لعدم كونه مثلا لواقعة الصيد أو للسؤال عن حكمها لما قرّره ـ قدّس سرّه ـ من أنّ واقعة الصيد : إما من قبيل الشكّ في الأقلّ والأكثر الاستقلاليين الّذي يرجع فيه إلى البراءة بالاتفاق ، لكون الشبهة وجوبية فيهما ، أو من قبيل الأقل والأكثر الارتباطيين اللذين مرجعهما إلى المتباينين على مذاق بعض من أوجب الاحتياط فيهما ، فأصل التكليف على التقديرين في الجملة محرز ، وما نحن فيه لم يحرز فيه تكليف أصلا ، مع أنّ الشبهة في واقعة الصيد وجوبية ، وفيما نحن [ فيه ] تحريمية.

أقول : هذا مضافا إلى أنه لو كان المشار إليه هو السؤال عن حكم واقعة الصيد ، فتصير (٣) الرواية ـ حينئذ ـ أبعد عمّا نحن فيه منها على تقدير كون المشار إليه هو نفس واقعة الصيد ، لأن الكلام فيما نحن [ فيه ] ليس في وجوب

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٤٧.

(٢) وسائل الشيعة ٩ : ٢١٠ ـ ٦ باب ١٨ من أبواب كفّارات الصيد.

(٣) الصحيح : لصارت.

٧١

الإفتاء بالاحتياط ، أو في حرمة الإفتاء ولو بالاحتياط.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( ومنه يظهر أنه لو كان المشار إليه بهذا هو السؤال عن حكم الواقعة ... ) (١).

يعني مما ذكره ـ من أن مورد الرواية : إما من قبيل الأقل والأكثر الاستقلاليين ، وإما من قبيل الأقلّ والأكثر الارتباطيين ـ يظهر أنه على هذا التقدير أيضا لا يدخل ما نحن فيه في موضوع الرواية ، لعدم كونه مثلا لمورد الرواية ، كما ذكر في توضيح الجواب في كلامه ـ قدّس سرّه ـ المتقدّم.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( والظاهر أنّ مراده الاحتياط من حيث الشبهة الموضوعية ) (٢).

قوله : ( والظاهر ) مقام قول : ( والإنصاف ) من جهة كون المراد به الإعراض عمّا تقدّم وإبداء مطلب آخر ، لأنّ مراده ـ قدّس سرّه ـ إثبات وجوب الاحتياط من الجهة المذكورة ، فيكون ذلك إعراضا عن قوله : ( فبأنّ ظاهرها الاستحباب ) (٣).

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( وكون الحمرة غير الحمرة المشرقية ... ) (٤).

حمل الحمرة على غير المشرقية ـ حينئذ ـ لأجل أنه لا يصلح الحمرة المشرقية ـ حينئذ ـ لكونها منشأ للشكّ في استتار القرص الّذي هو محقّق للمغرب على هذا القول ، لأنها لا تشتبه بشعاع الشمس ، بخلاف الحمرة الغير المشرقية ، فإنّها قد تشتبه بشعاعها.

ثمّ إنه قال سيّدنا الأستاذ ـ دام ظلّه ـ : حمل الأمر بالاحتياط على هذا

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٤٨.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٤٨.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٤٨.

(٤) فرائد الأصول ١ : ٣٤٨.

٧٢

التقدير على الوجوب مبني على عدم اعتبار الظن بدخول الوقت ، وإلاّ فلا بدّ من حمله على الاستحباب ، لأن المفروض في مورد الرواية الظن بدخول الوقت ، فإن تواري القرص وإقبال الليل وزيادة الليل ارتفاعا واستتار الشمس عن النّظر وارتفاع الحمرة فوق الجبل ـ المفروضة في السؤال ـ أمارات مفيدة للظنّ بالدخول. انتهى.

أقول : لا يتوهّم : أنه إذا كان الظنّ بالدخول حجة ، فيكون قائما مقام القطع ، فلا وجه للاحتياط حينئذ ، ولا فائدة فيه ، فلا يجوز الأمر به استحبابا أيضا.

لأنه مدفوع : بأنّ غاية ما يترتّب على حجّية الظنّ جواز الإفطار إن كان صائما ، وجواز الدخول في الصلاة إن أرادها ، لكنه لا يترتّب عليه سقوط القضاء والإعادة بعد انكشاف الخلاف على المختار من أن الأمر الظاهري لا يفيد الإجزاء ، ففائدة الاحتياط ـ حينئذ ـ رفع كلفة القضاء والإعادة على تقدير انكشاف الخلاف فيما بعد ، فيكون تلك الفائدة حكمة مقتضية لأمر الشارع به استحبابا.

ثمّ إنه لا يختصّ جواز الأمر بالاحتياط استحبابا بموارد الظنون المعتبرة ، بل يجري في موارد القطع أيضا ، فإن القاطع وإن لم يحتمل انكشاف الخلاف ، لكن الشارع يحتمله ، فيأمر بالاحتياط استحبابا لحكمة رفع كلفة الإعادة أو القضاء عن المكلّف على تقدير انكشاف الخلاف ، فإنّ القطع ـ كالظنون المعتبرة ـ لا يفيد الإجزاء.

فإن قيل : إنّ حكمة الاستحباب ثابتة في حق القاطع الّذي قطع من أسباب لا ينبغي القطع بسببها ، فإنه الّذي يمكن في حقّه انكشاف الخلاف فيما بعد بالتفاته إلى مستند قطعه ، وهو تلك الأسباب ، وأما القاطع بأسباب موجبة للقطع عادة فلا ، فلا وجه للأمر بالاستحباب بالنسبة إلى عامة المكلفين ،

٧٣

لاختلاف أسباب قطعهم ، حيث إن بعضهم من قبيل الأول ، وبعضهم من قبيل الثاني.

قلنا : أولا ـ إن الأسباب العادية أيضا يمكن زوال القطع الحاصل منها وانكشاف خلافها ، إلاّ أنّ انكشاف الخلاف فيها أقلّ من غيرها.

وثانيا ـ إن الحكمة لا يلزم ان تكون مطردة ، بل يكفي ثبوتها لكثير من الناس في إثبات الحكم بالنسبة إلى نوع المكلفين.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( ويحتمل بعيدا أن يراد من الحرمة الحمرة المشرقية ... ) (١)

هذا بناء على أن المغرب ـ شرعا ـ لا يدخل إلا بزوال الحمرة المشرقية عن سمت الرّأس ، وأن الإمام عليه السلام لم يبيّن للسائل الحكم الواقعي للواقعة المسئول عنها بأن يقول له : إن مجرد ارتفاع الحمرة المشرقية لا يكفي في تحقّق المغرب ، بل لا بدّ من ارتفاع إلى حيث تزول عن سمت الرّأس لأجل التقيّة ، وإنما أمره بالانتظار جمعا بين الحقّين.

أحدهما : أن يقع إفطاره وصلواته في وقت المغرب الشرعي.

وثانيهما : التقية حيث إن الأمر بالانتظار معللا بالاحتياط يوهم موافقته عليه السلام للمخالفين ، فيتحقّق به التقية.

ووجه إيهامه لذلك : أنّ تعليله بالاحتياط يشعر بأنه لأجل تحصيل الجزم باستتار القرص الّذي هو كاف عند المخالفين.

وبالجملة على هذا التقدير يكون فرض سؤال السائل في الشبهة الحكمية ، لكن الإمام عليه السلام أجابه بصورة الشبهة الموضوعية الموهمة لكفاية استتار القرص في المغرب ، وأنّ التأخير في الإفطار والصلاة لأجل تحصيل الجزم باستتاره للتقية.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٤٨.

٧٤

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( لا أن (١) المغرب لا يدخل مع تحقّق الاستتار ... ) (٢).

يعني لئلا يوهم هذا المعنى الّذي هو حكمه الواقعي حتى يؤخذ برقبته.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( كما أنّ قوله عليه السلام : « أرى لك » يستشمّ منه رائحة الاستحباب ... ) (٣).

يعني أنّ الإمام عليه السلام أجاب بلفظ « أرى » المشعر بالاستحباب ، وهذا يشهد بأنه عليه السلام كان في مقام التقيّة ، نظرا إلى أنه لو أمر بالاحتياط على سبيل الوجوب لكان موهما لمخالفته للمخالفين ، فعدل عنه إلى هذا التعبير الموهم لموافقته لهم.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( فتحمل على الإرشاد ... ) (٤).

[ أي ] على الطلب الإرشادي المشترك بين الإلزاميّ وغيره بقرينة قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( لأن تأكّد الطلب الإرشادي وعدمه بحسب المصلحة الموجودة في الفعل ... إلخ ) (٥) ، فإنه دفع لسؤال مقدّر وارد على تقدير حمله على الطلب الإرشادي ، وتقريره :

أنه إذا حمل ذلك عليه فموارد الإرشاد أيضا مختلفة : بعضها يقتضي لزوم الاحتياط ، وبعضها رجحانه ، فأجاب عنه ـ قدّس سرّه ـ بذلك ، وحاصل مراده ، أنّ المراد حينئذ الطلب الإرشادي المشترك بين الإلزاميّ وغيره إلى آخر ما ذكره ، لا الإلزاميّ فقط ، حتى يلزم إخراج موارد رجحانه الغير المانع من

__________________

(١) في طبعة المصدر المعتمدة ( لأنّ ) والصحيح المثبت.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٤٨.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٤٩.

(٤) فرائد الأصول ١ : ٣٤٩.

(٥) فرائد الأصول ١ : ٣٤٩.

٧٥

الارتكاب ، ولا الغير الإلزاميّ فقط ، حتى يلزم خروج موارد لزومه.

هذا ، لكن كان عليه ـ قدّس سرّه ـ ذكر هذا التعليل بعد قوله : ( فتحمل على الإرشاد ) ، ثم ذكر قوله : ( أو على الطلب المشترك بين الوجوب والندب ) (١).

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( ففي مقبولة عمر بن حنظلة (٢) ـ إلى قوله : ـ وترك الشاذّ النادر معللا بقوله (٣) : « فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » قال (٤) : « إنما الأمور ثلاثة ... » ). إلى قوله عليه السلام : « قال رسول الله ... » (٥) إلى آخر الحديث.

وجه الاستدلال : أنه أوجب طرح الشاذّ [ معلّلا ] بأنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، والمراد بالمجمع عليه هو المشهور ، ولا ريب أنه ليس الشهرة مما يجعل الشاذّ ممّا لا ريب في بطلانه ، ويجعل موردها مما لا ريب فيه حجّيته ، وإلاّ لم يكن معنى لتأخير الترجيح بها عن الترجيح بالأعدلية وأخواتها : إذ حينئذ يكون المشهور مقطوع الصدور ، فلا يعقل طرحه والرجوع إلى غيره ، ولا لفرض الراوي الشهرة في كلا الخبرين ، لامتناع صدور الخبرين المتنافيين من الأئمة ـ عليهم السلام ـ إلا على وجه التقية ، وهو بعيد ، ولتثليث (٦) الأمور ، إذ ـ حينئذ ـ يكون الأمور على قسمين : بين الرشد ، وبين الغي من غير واسطة بينهما ، ولا لاستشهاده عليه السلام بتثليث النبي صلّى الله عليه وآله لما ذكر ، فيعلم من ذلك كلّه أنّ الشاذّ فيه ريب منفيّ عن المشهور ، فيجب طرحه ، ولا ريب أنّ الاستشهاد

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٤٩.

(٢) الوسائل ١٨ : ٧٥ ـ باب ٩ من أبواب صفات القاضي ـ حديث ١.

(٣) في المصدر : بقوله عليه السلام.

(٤) في فرائد الأصول : ( وقوله ... ) ، وهو الصواب.

(٥) فرائد الأصول ١ : ٣٥٠.

(٦) في المستنسخة ( تثليث ) والصحيح ما أثبتناه.

٧٦

لوجوب طرح الشاذ الّذي فيه الريب بتثليث النبي صلّى الله عليه وآله لا يستقيم إلاّ أن يكون لإفادة أنه داخل في الشبهات الواردة في كلام النبي ـ صلّى الله عليه وآله وأنه يجب التحرّز عنها والاحتياط فيها ، لأنّ وجوب طرحه ـ حينئذ ـ لأجل دخوله في تلك الشبهات ، وهو لا يكون إلاّ بوجوب الاحتياط فيها ، فإذا ظهر من ذلك أنّ المراد وجوب ترك الشبهات بين الحلال والحرام والاحتياط فيها ، فيثبت المطلوب ، وهو وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( ودون هذا النبويّ في الظهور النبويّ المرويّ عن أبي عبد الله عليه السلام ) (١).

وهو قوله صلّى الله عليه وآله : « لا تجامعوا في النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة » إلى قوله : « فإنّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة » (٢).

وجه كون دلالة ذلك أدون من دلالة هذا : أنّ هذا مشتمل على بعض القرائن المنتفية في ذلك ، وهي قوله صلّى الله عليه وآله : « نجا من المحرّمات » ، وقوله : « وقع في المحرّمات ، وهلك من حيث لا يعلم » ، وهكذا الكلام في مرسلة الصدوق الآتية عن أمير المؤمنين عليه السلام وقد تقدّم ذكرها (٣) أيضا في الأخبار المتقدّمة ، لكن لا بعنوان كونها مرسلة الصدوق ، بل بعنوان إسناده إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( فقد تكون المضرّة عقابا ) (٤) ، كما في موارد الشكّ في المكلّف به.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٥٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ١٩٣ ـ ٢ باب ١٥٧ من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه.

(٣) تقدّم ذكرها في فرائد الأصول ١ : ٣٤٢ ، لكن مع سقوط صدرها.

(٤) فرائد الأصول ١ : ٣٥٠.

٧٧

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( وقد تكون مضرّة أخرى ) (١) ، كما في موارد الشكّ في التكليف.

وحاصل الجواب : أنّ الأمر بترك الشبهات في النبوي للطلب الإرشادي المشترك بين الإلزاميّ وغيره ، فيعمّ جميع صور الشبهة ، ويختلف بحسب اختلاف الموارد من جهة وجود المقتضي للتحرّز حتما وعدمه.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( من غير الطرق المنصوبة من الشارع ، فتأمّل ) (٢).

الأمر بالتأمّل لعلّه إشارة إلى أنّ حاصل ما ذكر في توجيه مناسبة الاستشهاد أنه عليه السلام أمر بطرح الشاذّ من باب الاحتياط ، لاحتمال عدم كونه حجّة شرعا ، فيكون الآخذ به آخذا بغير الحجّة ، فلا يكون معذورا إذا أدّى العمل به إلى مخالفة التكليف الواقعي ، وهذا بعيد عن منصبه ـ عليه السلام ـ ، فإنّ شأنه رفع الجهل عن الجاهل ، لا تقريره عليه بأمره بالاحتياط ، فاللازم عليه بيان أنّ الخبر الشاذ ليس بحجّة ، لا أنه يحتمل عدم كونه حجّة ، فيجب طرحه لذلك. هذا.

أقول : الّذي يهوّن الأمر في النبويّ ، ويخرجه عن الدلالة على وجوب الاحتياط ، ويوجب حمله على الإرشاد هو ما ذكره ـ قدّس سرّه ـ من الوجوه الثلاثة الشاهدة على ذلك ، ومعها فليس علينا معرفة وجه استشهاد الإمام ـ عليه السلام ـ به.

ومما يعيّن حمله على الإرشاد : أنه شامل لصور الشكّ في المكلّف به بعد ثبوت التكليف ، بل هي مرادة منه يقينا وباعتراف الأخباريين ، ولا ريب أنّ الضرر المحتمل فيها هو العقاب على مخالفة التكليف المعلوم ، وأن الأمر

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٥٠.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٥١.

٧٨

بالاحتياط فيها إنما هو لأجل التحرّز عن ذلك الضرر ، وهذا لا يعقل أن يكون غير الإرشادي فإذا ثبت كونه فيها للإرشاد ، فيكون له بالنسبة إلى غيرها أيضا وإلاّ يلزم استعمال اللفظ في معنيين ، كما لا يخفى.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( وهي أنّ الإشراف على الوقوع في الحرام ... ) إلى قوله : ( محرّم من دون سبق علم به أصلا ) (١).

يمكن الخدشة فيه : بأنّ الإشراف لا يصدق إلاّ على ما كان موردا لخوف الوقوع في مفسدة الحرام ، فحينئذ وإن لم نقل بحرمة الإشراف نقول بوجوب تحصيل الأمن من تلك المفسدة عقلا ، فيجب الاحتياط من تلك الجهة ، ولا ريب أنّ وجوب الاحتياط في صور الشكّ في المكلّف [ به ] أيضا انما هو لأجل ذلك ، كما اعترف به هو ـ قدّس سرّه ـ في غير واحد من كلماته.

اللهم إلا أن يقال : إنّ المفسدة التي يتوقّع الابتلاء بها : إن كانت هي العقاب فالعقل مستقلّ بنفيه في صور الشكّ في التكليف التي منها الشبهات التحريمية التي هي محلّ النزاع ، وإن كانت غيره فالعقل لا يستقلّ بلزوم التحرّز عنه حتى يحكم بلزوم الاحتياط من جهته.

والحاصل : أنّ المفسدة غير العقاب إن كان هو الضرر البدني ، فهو مع كونه مقطوع العدم في ارتكاب المحرّمات ـ مضافا إلى وجود النّفع البدني فيه ، كما في شرب الخمر والزنا وغيرهما كما لا يخفى ـ لا يستقلّ العقل بدفعه على تقدير احتماله ، لأنه ليس بحيث يترتب على الحرام كائنا ما كان كترتّب المعلول على علته ، بل ارتكاب الحرام مقتض له وإن كان غيره ـ مثل كون ارتكاب الحرام منشأ لقساوة القلب الموجبة للتجرّي على ترك الواجبات وارتكاب المحرّمات ـ فنمنع أيضا استقلاله بلزوم دفعه لعدم كون ارتكاب الحرام علّة تامّة

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٥١.

٧٩

له ، بل هو مقتض له على تقديره.

نعم لأحد أن يقول : إنا سلّمنا انتفاء احتمال العقاب على ارتكاب المحرّمات الواقعية ، كيف! والأخباريون أيضا لا يقولون بالعقاب على مخالفة النواهي الواقعية المجهولة ، بل يقولون به على مخالفة التكليف الاحتياطي الّذي هو التكليف الظاهري ، لكن بعد تسليم احتمال مفسدة أخرى غير العقاب نقول : إنه وإن لم يستقل العقل بلزوم التخلص عنه في مورد الشكّ ، نظرا إلى عدم كون ارتكاب الحرام علّة تامّة له ، أو نظرا إلى عدم كون ذلك علّة تامّة لترك الواجبات أو ارتكاب المحرّمات إذا كان هو من قبيل قساوة القلب ، لكن لا نمنع أن يكون علّة لوجوب الاحتياط شرعا ، بأن يكون تلك المفسدة حكمة في إيجاب الشارع الاحتياط في موارد احتمال الحرمة ، فإنّ المفسدة التي لا يستقلّ العقل بلزوم دفعها قد تكون علّة تامّة للنهي بمقتضى قاعدة اللطف ، فنقول ـ حينئذ ـ :

إنّ أخبار الاحتياط ظاهرها وجوب الاحتياط شرعا عن محتمل الحرمة ، ومع إمكان ما ذكر فيمكن إرادة هذا الظاهر ، منها ولا صارف عن ظاهرها ، فيجب الأخذ بمقتضاها ، فيثبت مطلوب الأخباريين.

هذا ، لكنّه مردود بما ورد على أخبار الاحتياط بالنسبة إلى كلّ طائفة منها ، ومعه ليس لها هذا الظهور ، حتى يقال بما ذكره.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( يجب ـ بمقتضى قوله تعالى : ( وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )(١) ونحوه ـ الخروج عن عهدة تركها ) (٢).

قال ـ دام ظلّه ـ : إنّ الآية لا تنهض لإفادة وجوب الخروج عن عهدة ترك تلك المحرّمات المعلومة إجمالا إلاّ على بعض الوجوه ، فإنّ قوله تعالى :

__________________

(١) الحشر : ٧.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٥٣.

٨٠