تقريرات آية الله المجدّد الشيرازي - ج ٤

المولى علي الروزدري

تقريرات آية الله المجدّد الشيرازي - ج ٤

المؤلف:

المولى علي الروزدري


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-003-X
الصفحات: ٣٧١

قوله [ قدّس سرّه ] : ( فتأمّل ) (١).

لعلّه إشارة إلى منع كون الإباحة هو الترخيص المعلوم ، بل هي عبارة عن نفس الترخيص الواقعي ، وهو قد يكون معلوما ، وقد يكون مجهولا ، كما فيما نحن فيه ، وهذا هو الّذي ارتضاه السيّد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ أيضا.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( لأنّ من شرائطها قابلية المحلّ ، وهي مشكوكة ، فيحكم بعدمها ) (٢).

لأحد أن يقول : إنّ قابلية المحل ليست إلاّ حلّية الحيوان ذاتا ، فبأصالة الحلّ تحرز تلك الحلّيّة ، فيحرز بها مورد تأثير التذكية وشرطها ، والمفروض إحراز نفس التذكية ، فيكون الحيوان المذكّى حلالا.

وبعبارة [ أخرى ] : إنا نعلم أنّ الشارع جعل التذكية سببا تاما للحلّية فيما يكون حلالا ذاتا ، فإذا ذكّينا ما شككنا في حلّيته الذاتيّة فنحرز بأصالة الحلّ حلّيته الذاتيّة ، فنحكم بحلّيته ، إذ لا قصور في السبب أصلا ، ولو كان فهو من جهة المحلّ ، لاحتمال عدم كونه حلالا ذاتا ، وقد أحرزنا تماميته أيضا ، فعلى هذا لا حاجة لنا إلى عموم يدلّ على جواز تذكية كلّ حيوان.

والحاصل : أنّ المتصوّر في كلّ حيوان من جهة الحرمة حيثيتان ، إحداهما حيثية ذات الشيء بما هو ، وثانيتهما : حيثية كونه ميتة ، والتذكية قد جعلها الشارع سببا تامّا لرفع الحرمة من الحيثية الثانية ، وإذا أحرزت الحلّية من حيث الذات فأصل التذكية محرز بالحسّ ، وشرطه ـ وهو كون المحلّ حلالا ذاتا ـ بأصالة الحلّ ـ كما مرّ ـ فالتذكية الشرعية ـ التي هي سبب ( فعلي ) لجواز أكل لحم الحيوان ـ محرزة ، فلا معنى لأصالة عدمها ، لعدم الشكّ فيها ولو بحكم الأصل المحرز

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٦١.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٦٢ ، لكن في المصدر : ( فيحكم بحرمتها ... ) ، والصحيح نسخة المتن.

١٠١

لشرطها ، فأصالة الحلّ والإباحة مثبتة محرزة لشرط التذكية الشرعية الموجبة لجواز الأكل ، لا أنّ أصالة عدم التذكية حاكمة عليها.

ونظير ذلك ما إذا شككنا في حلّية وطئ امرأة قد عقدنا عليها من جهة الشكّ في حلّية وطئها ذاتا بسبب الشكّ في أنّ النسب الفلاني أو الرضاع الفلاني المتحقّقين بين المرء وبينها موجبان للحرمة الدائمية ، أو لا.

فنقول : قد جعل الشارع العقد سببا تامّا لجواز الوطء في المحلّلات الذاتيّة ، وهو محرز بالفرض ، وأمّا الحليّة الذاتيّة فبأصالة الحلّ والإباحة ، وهذا يجري في الشبهات الموضوعية ـ أيضا ـ مثل ما إذا ذبحنا حيوانا في الظلمة ، وشككنا في أنه كلب أو شاة ، أو عقدنا على امرأة ، وشككنا في أنها من المحارم أو أجنبية ، فشككنا في حلّية الأكل وجواز الوطء لذلك ، فعلى ما ذكره ـ قدّس سرّه ـ لا يجوز الأكل والوطء لعدم إحراز شرط التذكية والعقد ، وهو قابلية المحلّ ، فيستصحب عدم التذكية وعدم تأثير العقد ، وعلى ما ذكرنا يجوز كلّ منهما ، لإحراز السبب التامّ في نفسه ، وبأصالة الحلية الذاتيّة يحرز الشرط ، فإنّ قوله عليه السلام : « كل شيء لك حلال حتّى تعرف أنه حرام » (١) يقضي بحلية المشتبه ، فإذا حلّ أثّر السبب أثره.

هذا ، لكن يتّجه عليه : أنّ أصالة الحلّ ليست من قبيل الاستصحاب تحرز بها الشروط ، بل إنّما هي حكم ظاهري لمشتبه الحلّية الذاتيّة ، بمعنى أنها حكم من الشارع على حلّية ما شكّ في أنه حرام ذاتا أو حلال كذلك ، وهذا الحكم ثابت للمشتبه بعنوان الاشتباه ، ولا يصلح لإحراز الإباحة الذاتيّة فإنّ الشارع لم يحكم في مورد الاشتباه بالبناء على الحلّية من حيث ذات الشيء ، بل حكم به بعنوان [ أنه مشتبه ](٢).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣١٣ ـ ٤٠. المحاسن : ٤٩٧ ـ ٦٠١.

(٢) ما بين المعقوفتين أثبتناه من النسخة المستنسخة لموافقته للسياق ، وفي الأصل هكذا : ( بل حكم به

١٠٢

هذا ، بخلاف موارد الاستصحاب إذا كان مقتضاه الحلّية ـ مثلا ـ فإنه حكم بها بعنوان كونه هو الواقع ، فعلى هذا فالشروط مشكوك فيه ، فيستصحب عدم التذكية وعدم تأثير العقد.

ويمكن أن يقال : إن قابلية المحلّ ليس معناها حلّية الحيوان أو حلّية وطئ المرأة بعد الذبح أو العقد ، وهي محرزة بأصالة الحلّ والإباحة ، ولا فرق بين الشكّ في حلية شرب التتن وبين حلّية حيوان يشكّ في قبوله التذكية أو جواز وطئ امرأة يشكّ في تأثير العقد فيها ، إلاّ من حيث إنّ الشكّ في الأول في الحلّية مطلقا ـ وعلى جميع التقادير ـ وفي الأخيرين على تقدير وجود السبب المحلّ المؤثّر فيه على تقدير قابلية المحلّ ، فإنّ الحرمة فيهما ثابتة ومعلومة بالنسبة إلى سائر التقادير ، وإنّما الشكّ في الحلّية مختصّ بذلك التقدير الخاصّ ، وهذا لا يصلح لكونه فارقا للموردين ، فإنّ مناط الحكم بالحلّية في الأول هو الشكّ فيها ، وهو موجود في الأخيرين على بعض التقادير.

لكن يدفع ذلك أيضا : أنه فرق بين الشكّ في حلّية شيء عن سبب وبين الشكّ في حلّيته مطلقا ، فإنّ المحلّل على الأول هو السبب مع اجتماعه مع الشرائط الشرعية المعتبرة في تأثيره ، فإذا شكّ في شرط من شروطه يكون (١) الأصل عدم تحقّق السبب الشرعي ، فيكون هذا حاكما على أصالة الحلّ.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( كما ادّعاه بعض ) (٢).

العموم المدّعى الظاهر أنه ما يأتي من الآية والرواية :

أما الآية فهي قوله تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ ... )(٣) إلى آخره ، وأما الرواية

__________________

بعنوان هذا ) ..

(١) في الأصل : فيكون.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٦٢.

(٣) الأنعام : ١٤٥.

١٠٣

فهي قوله عليه السلام : « ليس الحرام إلاّ ما حرّم الله ... » (١) ، ومورد السؤال فيها إنّما هو جواز أكل بعض أصناف السمك ، والظاهر منها أنه ليس الحرام إلاّ ما حرّم الله في الكتاب ، فيكون مفادها مفاد الآية ، فكلّ شيء لم يكن مما حرّم الله في الكتاب يحكم بحلّيته واقعا بمقتضي العموم ، فيحرز به الإباحة الواقعية التي هي شرط تأثير التذكية.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( وحينئذ فيحكم الجاهل بما يحكم به عقله ) (٢).

أي حين لم يفت المجتهد بشيء من الاحتياط والبراءة ـ حتى يكون هو المستند للجاهل المقلّد ـ فيكون حال الجاهل مثل فاقد المجتهد في الدنيا ، فيعمل ـ حينئذ ـ بما يحكم عقله ، فإنّ قول الأخباري بأنّ العقل يحكم بكذا ، أو قول المجتهدين بأنه يحكم بكذا ـ حينئذ ـ إخبار عن حكم العقل ، والجاهل ـ أيضا ـ من أهل العقل ، فالمعتمد عقل نفسه ، لا عقل غيره ، وأمر الأخباري إيّاه بالاحتياط من باب الإرشاد لا يلزمه عليه (٣) ، إذ الأمر الإرشادي لا يكون حجّة عليه شرعا ، وإنّما الحجّة هو فتواه واعتقاده القائم بنفسه ، والمفروض عدمه.

نعم يمكن أن يكون قول الأخباريين أو المجتهدين معينا لعقله وإدراكه ، كما في المعلّم بالنسبة إلى المتعلّم فإنّ المتعلّم لا يقلّد المعلّم في المطالب ، إلاّ أنه يستعين من المعلّم (٤) فيها ، وكثيرا يكون قول المعلّم معينا له على إدراك مطلب.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( وربما يتوهّم : أنّ الإجمال إذا كان في متعلّق الحكم ـ إلى قوله ـ : كان داخلا في الشبهة في طريق الحكم ، وهو

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٢ و ٣ ـ ٢ و ٤ ، ونصّ الأول منهما : « وإنّما الحرام ما حرّم الله في القرآن » ، والثاني منهما : « انه ليس الحرام إلاّ ما حرّم الله في كتابه ».

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٦٤.

(٣) الظاهر زيادة كلمة ( عليه ).

(٤) كذا في الأصل ، والصحيح : يستعين بالمعلّم.

١٠٤

فاسد ) (١).

منشأ التوهّم المذكور : أنه إذا كان الإجمال في متعلّق الحكم كان منشأ الشكّ هو الجهل بوضع اللفظ ، وبأنه هل وضع لمعنى يشمل مورد الشكّ ، أو لا؟

وهذا الجهل ممّا يرتفع بالسؤال عن العالمين (٢) بالوضع ، وليس من شأن الشارع رفعه ، فيكون داخلا في الشبهة الموضوعية ، فيجري فيه ما يجري فيها من جواز الرجوع إلى أصالة البراءة وعدم وجوب الفحص.

وبالجملة : الشكّ في الحكم ناشئ عن الشكّ في الوضع ، فالشكّ حقيقة في الوضع ، ورفعه من شأن العالم به.

وأما وجه الفساد : أنّ معيار الشبهة الحكمية أن يكون رفع الشبهة من شأن الشارع كما أنّ معيار الموضوعية أن يكون رفعها من غيره ، كما يعترف به المتوهّم ، ولا ريب أنه إذا شكّ في الحكم بواسطة الشكّ في متعلّقه ، ولم يتمكّن من السؤال عن وضع اللفظ ، فعليه أن يسأل الشارع عن مراده : بأني لم أفهمه ، ولا ريب أنّ بيان مراد الشارع من شأن الشارع.

وبالجملة : الشكّ وإن كان مسبّبا عن الشكّ في وضع اللفظ ، لكنه شكّ في مراد الشارع ، وشأنه رفعه. نعم السؤال عن الوضع (٣) مع تمكّنه يكفي عن السؤال من الشارع.

والحاصل : أنّ مناط الشبهة الحكمية أن يكون الشكّ في مراد الشارع ، وهو حاصل في المقام.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( وإن حكم أصحابنا بالتخيير أو

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٦٥.

(٢) كذا في الأصل ، والصحيح : بالسؤال من العالمين.

(٣) الأصحّ في العبارة هكذا : السؤال من الواضع.

١٠٥

الاحتياط ... إلى آخره ) (١).

هذا دفع للإشكال الثاني وهو مخالفة عملهم لقولهم في المسألتين.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( لا لمقتضى نفس مدلولي الخبرين ) (٢).

يعني لا لمقتضى الأصل الأوّلي بالنظر إلى نفس مدلولي الخبرين ، بل بالنظر إلى الأصل الثانوي المستفاد من الأخبار ، وهو التخيير على قول الأكثر أو غيره على حسب اختلاف الأقوال.

قال ـ دام ظلّه ـ : يشكل الجمع بين حكمهم بالتخيير ـ ولو من جهة الأخبار ـ وبين حكمهم بتقديم المخالف للأصل من الخبرين ولو بالنظر إلى الأصل الأوّلي ، فإنه إذا كان مخالفة الأصل من المرجّحات لأحدهما فلا يدخل المورد في اعتبار التخيير ، فإنّ موردها صورة فقد المرجّحات رأسا.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( قد يأباه مقتضى أدلّتهم ) (٣).

لأنّهم علّلوا تقديم الناقل على المقرّر ـ في مسألة الناقل والمقرّر ـ بأنّ الغالب فيما يصدر من الشارع الحكم بما يحتاج إلى البيان ، ولا يستغني عنه بحكم العقل ، وهذا التعليل عامّ شامل لصورة كون مقتضى الأصل البراءة من الوجوب ، فالتفصيل المذكور في التوجيه ينافي ذلك ، والمشار إليه بقوله : ( وهذا الوجه ) (٤) إنما هو الوجه الأول لدفع الإشكال الأوّل ، لكن ظاهر العبارة موهم لأنّ المشار إليه هو الوجه الثاني لدفع الإشكال الثاني ، مع أنه ليس بمراد قطعا.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( إلاّ أنّ الأمثلة المذكورة فيها ليس الحلّ فيها مستندا إلى أصالة الحلّية ... إلى آخره ) (٥).

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٦٧.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٦٧.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٦٧.

(٤) فرائد الأصول ١ : ٣٦٧ ، في المصدر : ( لكن هذا الوجه ) ..

(٥) فرائد الأصول ١ : ٣٦٨.

١٠٦

(١) توضيح المقال وتحقيق الحال على نحو الإجمال : أما في مثال الثوب والعبد فلأنهما إن لوحظا باعتبار اليد عليهما فهما محكومان بالحلّ ، لكنه ليس مستندا إلى أصالة الحلّ ، بل إلى اليد التي [ هي ] من الأمارات الشرعية ، وإن لوحظا مع قطع النّظر عنها فهما محكومان بحرمة التصرّف فيهما ـ حينئذ ـ بمقتضى استصحاب بقاء تلك الغير في الأول ، وبمقتضى أصالة الحرية الثابتة بقوله عليه السلام : « الناس كلّهم أحرار إلاّ من أقرّ على نفسه بالرقّ » (١) في الثاني ، فإنهما حاكمان على أصالة الحلّ في موردهما لإخراجهما موردهما عن تحتها ، وقد مرّ أنه إذا كان على المورد أصل موضوعي لا يجري فيه أصالة الحلّ والإباحة ، فلا يكون شيء من المثالين مندرجا (٢) في صدر الرواية المثبتة لأصالة الحلّ.

نعم المثال الأول ـ على بعض الوجوه ـ يمكن إدخاله (٣) في صدر الرواية ، فإنّ الشكّ في كون الثوب ماله أو مال الغير قد سرق منه له صورتان :

إحداهما : صورة العلم بكونه ـ سابقا ـ مال ذلك الغير الّذي يحتمل الآن كونه ماله ، ففي هذه الصورة الحلّية مستندة إلى اليد كما مرّ ، ومع قطع النّظر فالحكم الحرمة لما مرّ.

وثانيتهما : صورة الشك في أنه مال الغير في السابق باحتمال أن يكون الثوب مصنوعا من مال نفسه ، فحينئذ :

إن قلنا : إنّ موضوع الحلّية في الأموال هو كون الشيء مالا للإنسان ، وموضوع الحرمة فيها هو ما لم يكن مالا له.

فالحلّية ـ حينئذ أيضا ـ مستندة إلى اليد ، ومع قطع النّظر عنها فالحكم الحرمة بمقتضى أصالة عدم كونه ماله ، فبه يحرز موضوع الحرمة لكونه عدميا ، ويترتّب عليه الحرمة ، ولا يعارضه استصحاب عدم كونه مال الغير ، فإن ذلك

__________________

(١) الكافي ٨ : ٦٩ ـ ٢٦ ، وفيه : « ... الناس كلّهم أحرار ، ولكن الله خوّل بعضكم بعضا ... ».

(٢) أي : لا يصحّ أن يكون شيء منهما مندرجا.

(٣) أي : يصحّ دخوله.

١٠٧

يصلح للمعارضة.

وإن قلنا : بالعكس ، وهو أن موضوع [ الحرمة ] أمر وجودي ، وهو كون الشيء مالا للغير ، وموضوع الحلّ عدمي ، وهو ما لم يكن مالا للغير.

فحينئذ وإن كان الحكم ـ مع قطع النّظر عن اليد أيضا ـ الحلّية لإحراز موضوع الحلّ بالاستصحاب ، لكنها مستندة إلى الاستصحاب ، لا إلى أصالة الحلّ ، ولا يعارضه استصحاب عدم كونه مال نفسه ، لأنه لا حكم له.

وإن قلنا : إنّ موضوع كلّ منهما أمر وجودي يتعارض (١) استصحاب عدم المالية من الجانبين ، ويتساقطان.

فيكون المورد مجرى لأصالة الحلّ والإباحة ، فالحلّية ثابتة ـ مع قطع النّظر عن اليد والاستصحاب ـ بمقتضى أصالة الإباحة ، فإنها جارية في هذه الصورة : لعدم أصل موضوعي حاكم عليها حينئذ ، فمورد جريانها هي هذه الصورة لا غير.

قال ـ دام ظلّه ـ : الظاهر أنّ موضوع كلّ من الحل والحرمة في الأموال [ أمر ] وجودي ، كما يستفاد من الأدلّة الشرعية ، ويظهر للمتتبع فيها.

ومثل ما ذكرنا في الأموال يجري في الحيازات ـ أيضا ـ فإنّ من حاز شيئا ، ثمّ شكّ في سبق يد عليه أصلا ، أو سبق يد مسلم مع العلم بسبق اليد في الجملة ، فإن قطع النّظر عن اليد فالحلّية مستندة إلى استصحاب عدم يد المسلم لا إلى أصالة الإباحة ، فيحرز بذلك مورد الحيازة المملّكة ، وهو ما لم يسبق إليه أحد من المسلمين ، كما يستفاد من قوله عليه السلام : « من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد من المسلمين فهو له » (٢).

وأما مثال الزوجة المحتملة لكونها أختا أو رضيعة ، فإنّ جهة الحلّية فيها

__________________

(١) في الأصل : فيتعارض.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ١٤٢ ، وفيه : « من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له ».

١٠٨

منحصرة في استصحاب عدم تحقّق النسب والرضاع ، وإلاّ فمع قطع النّظر عنه تكون محكومة بالحرمة جدّاً ، لحكومة أصالة عدم تأثير العقد على قاعدة الحلّ حينئذ.

قال ـ دام ظلّه ـ : الحكم بالحلية في هذا المثال ـ فيما إذا كان منشأ الشبهة احتمال كون الزوجة أختا له أو غير الأخت من المحارم ـ من جهة الاستصحاب أيضا مشكل غاية الإشكال ، فإنه لو فرض عدم علمه إجمالا بأخت له مردّدة بين نساء ، فحينئذ وإن كان يجري استصحاب عدم تحقق النسب الكلّي ، حيث إنه مسبوق بالعدم ، لكن لا يثبت ذلك جواز النكاح على (١) تلك المرأة إلاّ بناء على الأصل المثبت الّذي لا يقول هو ـ قدّس سرّه ـ به ، وأما استصحاب عدم تحقّق النسب بالنسبة إلى تلك المرأة فلا يجري أصلا : لعدم الحالة السابقة له : لأنها على تقدير كونها من إحدى الأنساب ، فهي منها من أول وجودها ، وعلى تقدير عدم كونها منها ، فهي ليست منها كذلك ، فلا يتعقّل فيها أن تكون هي موجودة في زمان خالية عن النسب ، وإن فرض علمه إجمالا بما ذكر فينحصر الاستصحاب في الثاني ، وقد عرفت حاله.

وكيف كان ، فلا تنطبق الأمثلة على صدر الرواية.

قال ـ دام ظلّه ـ : فيدور الأمر بين أن يجعل تلك الأمثلة قرينة على إرادة غير ما يظهر من الصدر ، وبين جعل الصدر قرينة على إرادة معنى آخر من تلك الأمثلة.

ويمكن أن يقال : إنه يمكن أن يراد من الصدر ما يعمّ أصالة الحلّ بحيث لا ينافي تلك الأمثلة ، فيكون المدّعى ـ وهو ثبوت قاعدة الحلّ ـ داخل فيه.

قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( وتوهّم عدم جريان قبح التكليف بلا

__________________

(١) كذا في الأصل ، والصحيح : ( جواز النكاح من تلك المرأة ) .. نعم يصح ما في المتن على تضمين النكاح معنى العقد ، أي جواز العقد على تلك المرأة.

١٠٩

بيان ... إلخ ) (١)

منشأ توهّم ذلك المتوهّم أنه تخيل أن المراد بالبيان في تلك القاعدة هو بيان الشارع ، فلذا زعم أنها مختصة بالشبهة الحكمية.

لكنه مدفوع بما مر سابقا : من أن المراد به إنما هو الحجة القاطعة للعذر ، فما لم يتم الحجة لم يكن عقاب ، فيقبح العقاب ، والحجة في الشبهات الموضوعية هو العلم بالحرام تفصيلا أو إجمالا ، وأما فيما فقد العلم بأحد الوجهين ـ كما هو المفروض في المقام ـ فلم يتم فيه الحجة ، فيقبح المؤاخذة على تقدير مصادفته للحرام الواقعي بلا شبهة تعتريه.

قوله ـ قدس سره ـ : ( ويمكن عدمه ، لأن الحلية في الأملاك ... إلخ ) (٢). قال ـ دام ظله ـ : كان عليه ـ قدس سره ـ : أن يقول ـ بدل الأملاك ـ : الأموال ، بأن يقول : لأن الحلية في الأموال ... إلى آخر ما ذكره ، إذ الملكية إنما هي علقة حاصلة بين الشخص والمال ، بخلاف المالية ، فإنها صفة أصلية ثابتة للشيء في الواقع ، مع قطع النّظر عن الشخص ، فإن معناه كون الشيء مما يقوم.

فعلى هذا فقوله : ( في الأملاك ) يعطي بظاهره أن الأشياء التي هي أموال للإنسان فعلا لا يجوز له التصرف فيها إلا بسبب آخر ، وهو كما ترى ، لأن الملكية ـ بعد إحرازها ـ من الأسباب المبيحة للتصرف ، بل من أقواها.

قوله ـ قدس سره ـ : ( ولقوله ـ عليه السلام (٣) ـ : « لا يحل مال إلا من حيث أحله الله » ) (٤).

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٦٩.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٧١.

(٣) الكافي ١ : ٥٨٤ ـ ٢٥ ، وفيه : « لا يحل مال إلا من وجه أحله الله ».

(٤) فرائد الأصول ١ : ٣٧١.

١١٠

قال ـ دام ظله ـ : الظاهر أن المراد إلا من حيث أحله الله في الكتاب. ثم إن الاستدلال به مبني على أن يكون هو في مقام إنشاء الحلية ، فيقال ـ حينئذ ـ : إنه علق الحل على أمر وجودي ، وهو السبب الّذي جعله الله سببا للحل في القرآن ، فإذا لم يحرز سبب الحل فالشيء محكوم بالحرمة لأصالة عدم تحقق سبب الحل.

لكن الظاهر أنه تأكيد للخطابات الخاصة ، لا تأسيس ، ومعناه نظير قوله عليه السلام : « إنما الحرام ما حرم الله » (١) يعني الحرام منحصر فيما حرم الله في الواقع ، فيكون إخبارا لا إنشاء ، فيسقط عن الاستدلال.

ثم قال : إن بنينا أن موضوع كل من الحرمة والحل أمر وجودي ، فيتعارض استصحاب عدم موضوع كل منهما مع استصحاب عدم موضوع الآخر ، فيجري أصالة الحل ـ حينئذ ـ لعدم أصل موضوعي حاكم عليها.

وكذا نحكم بالحل ـ أيضا ـ إن قلنا بأن موضوع الحرمة أمر وجودي ، دون موضوع الحل ، بأن يقال : إن موضوعها مال الغير ، وموضوعه ما لم يكن مالا للغير ، فحينئذ نحكم ـ بمقتضى أصالة عدم كونها مالا للغير ـ بحليته ، وإن قلنا بعكس ذلك فنحكم بالحرمة ، لأصالة عدم تحقق موضوع الحل ، فيحرز به موضوع الحرمة ، ولعل المتأمل في الأدلة يجد أن موضوع كل منهما وجودي ، فيجري أصالة الحل والإباحة.

ثم قال : ويمكن أن يقال ـ أيضا ـ : إنه قد يثبت في بعض الموارد حلية التصرف الملكي الّذي هو أقوى التصرفات المالية من غير توقف على سبب ، كما في باب الحيازات واللقطة ، وإذا ثبت ذلك ثبت حلية سائر التصرفات بالأولى.

لكن الإنصاف اندفاعه : بمنع الأولوية لما ترى من جواز التملك في

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٢ ـ ٢ ، وفيه : « وإنما الحرام ما حرم الله في القرآن ».

١١١

اللقطة ابتداء مع عدم جواز التصرف فيها قبل التملك ، بل يتوقف على السبب وهو التملك ، فافهم.

قوله ـ قدس سره ـ : ( ولو في الأمور العدمية ... ) (١).

وجه الترقي : أن الأمور العدمية مما ادعي الإجماع على اعتبار الاستصحاب فيها ، فتكون هي أقوى موارد الاستصحاب.

قوله ـ قدس سره ـ : ( والدليل عليه استثناء ( ما ذَكَّيْتُمْ )(٢) ... إلى آخره ) (٣).

قال ـ دام ظله ـ : استفادة كون موضوع الحل هو الأمر الوجوديّ ، وكونه موضوع الحرمة هو الأمر العدمي ، وهو ما لم يقع عليه التذكية الشرعية من ذلك الاستثناء موقوف على أن يكون مفاد الاستثناء كون موضوع الحكم في المستثنى منه أمرا متفصلا بعدم المستثنى ، فيكون عدميا باعتبار فصله ، فإذا أحرز ذاته بالحس ـ مثلا ـ كما [ إذا ] أحرزنا بالحس أن الشيء مما أكله السبع أو نطيحة أو متردية ، وشككنا في أنه مذكى ـ أيضا ـ فيجري أصالة عدم التذكية ، ويحرز بها فصله ، فيحرز بها موضوع الحرمة بتمامه ، وأما لو قلنا بأن مفاده التنويع ـ وأن معناه كون موضوع الحكم في المستثنى منه هو الّذي (٤) غير المستثنى (٥) الّذي هو الأمر الوجوديّ ـ فلا ، بل يكون الأصل الموضوعي في كل من موضوعيهما معارضا بمثله في الآخر ، فيجري أصالة الحل.

وكيف كان ، فلا بد من التأمل في أن مفاده ما ذا؟ والمراد بقولنا : ( مفاده )

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٧١.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٧٢.

(٤) كذا في الأصل ، والظاهر زيادة كلمة ( الّذي ).

(٥) أي : هو غير الموضوع في المستثنى ..

١١٢

أعم من العرفي ، شامل للعقلي أيضا ، فافهم.

قوله ـ قدس سره ـ : ( وقسم متردد ) (١).

أقول : لا تردد في ذلك القسم ، بل هو داخل في الشبهة الحكمية ، فإن الشبهة فيه إنما هي لإجمال (٢) موضوع الحكم ، وهو الغناء والخبائث ، بأنهما مفادهما ما يشمل الأفراد المشكوكة ، أو لا ، وقد مر أن الشبهة من هذه الجهة ـ أيضا ـ داخلة في الحكمية ، وإن تخيل بعض دخولها في الموضوعية.

قوله ـ قدس سره ـ : ( لم يصدق عليها أن فيها حلالا وحراما ) (٣).

غرضه أن الخبر المذكور وأشباهه غير صادقة على الشبهة التحريمية الحكمية ، فإذا لم يصدق يكون (٤) الاحتياط واجبا فيها لأخبار الشبهة الشاملة لها.

والحاصل : أن أخبار وجوب التوقف في مطلق الشبهة إنما ثبت تخصيصها في الشبهة الموضوعية بالخبر المذكور وأشباهه ، وأما في أزيد من هذا فلا.

قوله ـ قدس سره ـ : ( كأن مطلبه ... إلخ ) (٥).

مراده : أنه كأن مطلب المحدث المذكور (٦) ما مر من أن مقتضى ما دل على وجوب التوقف في مطلق الشبهة وجوبه مطلقا ، لكن ثبت خروج الشبهة الموضوعية ، وأما خروج الشبهة الحكمية فلا.

لكن لا يخفى ما في عبارته ـ قدس سره ـ من القصور في إفادة المراد ، وكان عليه أن يقول : كأن مطلبه أن هذه الروايات وأمثالها إنما هي مخصصة لعموم

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٧٢.

(٢) في الأصل : ( إنما هو لإجمال. ) .. والصحيح ما أثبتناه.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٧٢. وفي المصدر : ولا حراما.

(٤) في الأصل : فيكون.

(٥) فرائد الأصول ١ : ٣٧٢.

(٦) وهو الشيخ الحر العاملي في الفوائد الطوسية : ٥١٨.

١١٣

ما دل على وجوب التوقف في مطلق الشبهة بالنسبة إلى الشبهة الموضوعية لا غير.

قوله ـ قدس سره ـ : ( وإلا فجريان أصالة الإباحة ... إلخ ) (١).

يعني أنه لو لم يكن مراده ذلك ـ وكان مراده أنه يجب الاحتياط في الشبهة الحكمية لعدم شمول تلك الأخبار المذكورة لها مع قطع النّظر عن عموم ما دل على وجوب التوقف في مطلق الشبهة ـ لما كان له وجه أصلا ، فإن ثبوت الإباحة والرخصة في الشبهة الموضوعية لا ينفي ثبوتها في الشبهة الحكمية ـ أيضا ـ ولو لدليل آخر ، فلم يكن هذا بمجرده مع قطع النّظر عن عموم ما دل على وجوب التوقف في مطلق الشبهة صالحا لإثبات وجوب التوقف في الشبهة الحكمية.

قوله ـ قدس سره ـ : ( إلا أن الإنصاف أن دلالتها على الإباحة والرخصة أظهر ) (٢).

قال ـ دام ظله ـ : وجه الأظهرية كون أخبار التوسعة والتخيير أقل أفرادا من أخبار الشبهة ، فإنه إذا كان أحد العامين من وجه عند التعارض أقل أفرادا من الآخر ، فهو بالنسبة إلى مورد التعارض كالنص ، والعام بمنزلة الظاهر.

وأما بيان كون التعارض بينهما من تعارض العامين من وجه : فلكونهما معا صادقين على الشبهة التحريمية ـ لأجل تعارض النصين ـ التي هي مورد تعارضهما ، وصدق أخبار الشبهة على الشبهة التحريمية ـ لفقد النص أو إجماله ـ بدون صدق أخبار التخيير عليها ، وصدق أخبار التخيير على الشبهة الوجوبية والتحريمية ـ لتعارض النصين ـ بدون صدق تلك عليها ، لأنها تدل على لزوم الاحتياط فيما أمكن فيه الاحتياط ، وتلك الصورة لا يمكن فيها الاحتياط.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٧٣.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٧٣.

١١٤

وأما أقلية أفراد أخبار التخيير من أفراد أخبار التوقف ، فلأن الثانية شاملة للشبهة التحريمية مع فقد النص ولإجماله ولتعارضه ، والأولى للصورة الثالثة فقط ولصورة دوران الأمر بين الوجوب والترحيم لتعارض النصين ، فللثانية ثلاثة أنواع ، وللأولى نوعان.

قوله ـ قدس سره ـ : ( أن الشبهة في نفس الحكم يسأل عنها الإمام ـ عليه السلام ... ) (١).

يعني يجب أن يسأل عنها الإمام عليه السلام لأجل العمل ، فإذا وجب السؤال عنها للعمل فنقول : إنه لا ريب [ أن ] العمل بالاحتياط لا حاجة فيه إلى السؤال بالضرورة ، فيكون وجوب السؤال لأجل العمل بالبراءة والسلوك على مقتضاها.

والحاصل : أن الشبهة في طريق الحكم لا يجب السؤال فيها لأجل العمل مطلقا أصلا ، بل يجب السؤال في الشبهة الحكمية لأجل العمل ، وهو مختص بصورة العمل بالبراءة ، فيتوقف العمل بها (٢) على السؤال.

قوله ـ قدس سره ـ : ( فإن طريق الحكم لا يجب الفحص عنه وإزالة الشبهة فيه ) (٣).

يعني أن وجوب السؤال على تقديره ليس لأجل خصوصية السؤال ، بل من باب أنه من أفراد الفحص ، فيكون وجوبه من جهة وجوب الفحص ، والشبهة الموضوعية لما لم يجب فيها الفحص أصلا ، فلم يجب فيها السؤال أيضا.

وأما الشبهة الحكمية فهي وإن كانت وجب فيها الفحص ـ والقائل بالبراءة أيضا يلتزم به ، وإنما يعمل بها بعد الفحص ، لكن لا يلزم من وجوب

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٧٤.

(٢) المراد من ( العمل بها ) : العمل على خلاف الاحتياط. لمحرره عفا الله عنه.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٧٤.

١١٥

الفحص وجوب خصوص السؤال إذا كان المفروض أن وجوبه من جهة أنه من أفراد الفحص.

نعم يجب السؤال ـ عند التمكن منه ـ من جهة أنه أقوى مراتب الفحص ، وتحصيل أقوى مراتب الفحص لازم عند إمكانه ، وأما مع عدم التمكن منه فلم تجب هذه المرتبة ، بل يقتصر على أدون منها مما هو بطاقة المكلف.

قوله ـ قدس سره ـ : ( على وجه لا يعذر الجاهل المتمكن من العلم ) (١).

وهذا يختص بصورة المتمكن من السؤال ، وأما بدونه فلا يتعلق التكليف بالواقع على هذا الوجه.

قوله ـ قدس سره ـ : ( نعم يمكن أن يقال ... ) (٢).

قال ـ دام ظله ـ : لا يخفى ما في هذه العبارة ، فإنه في مقام التعليل ، لأن الدليل المذكور أولى بالدلالة على وجوب التوقف والاحتياط في الشبهات الموضوعية ، فكان عليه ـ قدس سره ـ أن يقول ـ مكان قوله : نعم ـ : لأنه ، إذ ليس المقام مقام الاستدراك ، كما لا يخفى.

قوله ـ قدس سره ـ : ( لاختلال النظام ... ) (٣).

يعني نظام نوع العباد ، فإنه إذا أمر الشارع عامة المكلفين بالاحتياط يلزم (٤) من بنائهم على العمل به اختلال أمورهم ، لكونه شاغلا لهم عن أكثر ما يتوقف عليه نظام أمورهم من التجارات والصنائع إن لم نقل بكونه شاغلا عن جميعها.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٧٤.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٧٥.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٧٥.

(٤) في الأصل : فيلزم.

١١٦

قوله ـ قدس سره ـ : ( بل يلزم أزيد مما ذكره ... ) (١).

فإنه ربما يؤدي إلى اختلال النظام الشخصي بالنسبة إلى كل واحد واحد من المكلفين كما لا يخفى ، بل إلى مفاسد أخر غير الاختلال ، فإنه من موارد الاحتياط الأموال والفروج أيضا ، ولا ريب أنه لو يبنى عليه فيهما يلزم الوقوع (٢) في المحرم ، وهو التفتيش عن عيوب الناس الّذي هو مبغوض عند الشارع ، ومخالف لغرضه ، بل ربما يؤدي إلى العداوة والبغضاء بين الناس المخالفة لغرضه ، بل ربما يؤدي إلى تلف النفوس والأعراض كما لا يخفى ، فإنه إذا أراد أحد تفتيش حال آخر فلا ريب أنه يكون موجبا لبغضه له ، فربما يحمله هذا على هتك (٣) عرض المفتش أو قتله.

قوله ـ قدس سره ـ : ( لأن تحديده في غاية العسر ) (٤).

قال ـ دام ظله ـ : بل لا يمكن ، فإنه مما لا يعلم إلا بعد وقوعه.

وأما تحديده بالظن فقال ـ دام ظله ـ : هو أيضا كذلك ، فإنه في غاية التعسر ، فلا يمكن تحديد الاختلال علما أو ظنا بحسب الموارد.

قوله ـ قدس سره ـ : ( فيحتمل التبعيض بحسب الاحتمالات ) (٥).

قال ـ دام ظله ـ : هذا التبعيض جيد إلا أنه قد يصادف المظنونات بعض الموارد التي يلزم الاختلال من العمل بالاحتياط فيها مع الاقتصار عليها أيضا ،

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٧٥.

(٢) قال ـ دام ظله ـ : لا حسن للاحتياط ـ حينئذ ـ لا عقلا ولا شرعا ، بل الاحتياط تركه ، ففي الحقيقة إذا عارضته جهة أقوى منه يخرج (أ) هو عن موضوع الاحتياط ، ولا يتحقق له موضوع أصلا.

(٣) في الأصل : ( هتك ذلك عرض ... ) ، ولا يخفى زيادة كلمة ( ذلك ) هنا.

(٤) فرائد الأصول ١ : ٣٧٥.

(٥) فرائد الأصول ١ : ٣٧٥.

__________________

(أ) في الأصل : فيخرج.

١١٧

كما في الأموال والفروج ، ولذا عللوا اعتبار سوق المسلم ويده بأنه لو لا [ ه ] لما بقي للمسلمين سوق ، هذا مضافا إلى محاذير أخر تلزم في تلك الموارد من العمل بالاحتياط ، كما أشرنا إليها.

ومن هنا ينقدح الإشكال في التبعيض بحسب المحتملات أيضا ، فإن الفروج وحقوق الناس وأموالهم هي مادة الإشكال المتقدم.

قوله ـ قدس سره ـ : ( وفيه : أن مساقها التسهيل ... ) (١).

قال ـ دام ظله ـ : يمكن منع ذلك بناء على حرمة التفتيش عن عيوب الناس ، ولعله الظاهر ، وأن غرض الشارع تعلق بسترها ، والاحتياط في مثل حرمة المعقودة مستلزم للتفتيش عن عيوب الناس ، بل هو عينه ، فيكون الاحتياط بترك الاحتياط ، ويكون التوبيخ في محله.

قوله ـ قدس سره ـ : ( فهو إنما يقدح في وجوب الاحتياط ، لا في حسنه ... ) (٢).

قال ـ دام ظله ـ : هذا مبني على أن الاختلال كالعسر إنما هو مانع عن وجوب الاحتياط ، لا عن حسنه ، وذلك يتم على القول بعدم كون الاختلال مبغوضا ذاتيا للشارع ، بحيث يكون غرضه متعلقا بعدمه ، وإلا فمع فرض كونه كذلك ـ كما لعله الظاهر ـ فلا يتحقق في مورده موضوع الاحتياط ، فضلا عن حسنه ، كما أشرنا إليه.

قوله ـ قدس سره ـ : ( لكنه ـ قدس سره ـ في مسألة وجوب الاحتياط قال ... إلى آخره ) (٣).

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٧٦.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٧٦.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٧٨.

١١٨

قال ـ دام ظله ـ : يستفاد مخالفة المحدث المذكور ـ قدس سره ـ في المقام من موضعين من كلامه :

أحدهما : تمثيله لصورة إجمال النص ـ التي أوجب الاحتياط فيها ـ بتردد بين الوجوب والاستحباب. فإن ذلك ظاهر في الاحتياط الواجب فيما لا نصّ فيه ـ أيضا ـ أعم من الشبهة التحريمية ، شامل للشبهة الوجوبية أيضا.

وثانيهما : قوله : ( ومن هذا القسم ما لم يرد فيه نصّ من الأحكام التي لا يعم به البلوى ) (١) ، فإن ذلك ظاهر بعمومه للمقام ، لكن كلماته الاخر لا تنافي أصالة البراءة في المقام.

وكيف كان ، فيكفي في الدلالة على مخالفته تمثيله المذكور.

ثم إنه ـ دام ظله ـ قال : قول المحدث ـ قدس سره ـ : ( ومن هذا القسم ما لم يرد فيه نصّ ... إلى آخره ) لا يلائم ما قبله ، فإنه ليس مثالا لما لا نصّ فيه ، بل هو عينه.

ثم قال : ولعل العبارة المذكورة فيها سقط ، فلا بد من مراجعتها في الدرر النجفية (٢).

قوله ـ قدس سره ـ : ( للحسن والقبح الذاتيين ) (٣).

قال ـ دام ظله ـ : ليس المراد بالذاتي هنا ما لا يتخلف عن الشيء ، بل المراد به الثابت للشيء قبل الشرع.

وبعبارة أخرى : إن المراد [ به ] الحسن والقبح الواقعيان الثابتان للشيء مع قطع النّظر عن أمر الشارع ونهيه ، ويقال لهما : العقليان ، كما عبر بهما شيخنا الأستاذ ـ قدس سره ـ في كلامه الآتي.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٧٨.

(٢) الدرر النجفية : ١١٥.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٧٩.

١١٩

وجه توصيفهما بذلك : أنّهما مقابلان لما يقول به الأشاعرة ـ المنكرين لهما ـ من الحسن والقبح الشرعيين : أي الحاصلين بأمر الشارع ونهيه ، فإنّهم يقولون : إن الشيء لا حسن فيه إلا بأمره ، ولا قبح فيه إلا بنهيه ، فالأمر والنهي جاعلان للحسن والقبح ، لا كاشفان عنهما.

قوله (قدس سره) : ( وكذا عند من يقول بها ولا يقول بالحرمة والوجوب الذاتيين ) (١).

المراد بكون الحرمة والوجوب ذاتيين أن كل ما هو واجب أو حرام عقلا (٢) فهو كذلك شرعا بمعنى الملازمة بين حكم العقل والشرع ، فالمراد بمن يقول بالحسن والقبح العقليين ولا يقول بالحرمة والوجوب الذاتيين هو المنكر للتلازم بين العقل والشرع فيجوز بمقتضى مذهبه كون القبيح الذاتي مباحا بل واجبا وكذا كون الحسن الذاتي منهيا عنه ولا يلتزم بذلك ذو مسكة ، ويمكن أن يكون مراده مجرد نفي التلازم لكن نقول بأن الشارع إذا أوجب شيئا فلا بد من حسنه الذاتي أو حرمة فلا بد من قبحه كذلك فافهم.

قوله (قدس سره) : ( وأوجبوا الاحتياط في بعض صوره ) (٣).

أي في بعض صور التوقف هذا لما مر (٤) من أن التوقف أعم موردا من الاحتياط.

قوله (قدس سره) : ( لكن يعرف مذهبهم من أكثر المسائل ) (٥).

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٧٩.

(٢) المراد بالوجوب العقلي هو حكم العقل بلزوم العمل بالنظر إلى ما في الفعل من المصلحة وبالحرمة العقلية هو حكمه بترك العمل لما في الفعل من المفسدة. لمحرره عفا الله عنه.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٧٩.

(٤) في بيان نسبة المحقق البهائي إلى الأخباريين مذاهب أربعة في المسألة الأولى من المسائل الأربعة فيما لا نصت فيه فراجع. لمحرره عفا الله عنه.

(٥) فرائد الأصول ١ : ٣٨٠.

١٢٠