أصول الفقه - ج ٢

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٢

الكفاية وحاصله : أن الارادة الشرعية والارادة التكوينية بالنسبة إلى قيد ذلك الفعل أعني الزمان المتأخر إن كانت مقيدة بذلك الزمان كانت الارادة مشروطة به ، وإن كانت مطلقة كان مقتضاه وقوع ذلك القيد أعني الزمان تحت الطلب فلازمه جرّ الزمان وهو غير مقدور ، فراجع ذلك كله في تحريراتنا (١) من صفحة ١٧٢ إلى صفحة ١٧٨.

ولا يخفى أن ذلك أعني عدم دخول ذلك الزمان تحت الطلب مسلّم عند كل من صاحب الفصول وصاحب الكفاية قدس‌سره ، فانهما يلتزمان بأخذه مفروض الوجود ، ولكنهما مع ذلك يدعيان تحقق الوجوب المطلق قبل مجيء ذلك الزمان ، وطريقة صاحب الكفاية في ذلك هي الالتزام بالشرط المتأخر وأنّ ذلك الزمان الآتي يكون مؤثرا فعلا في الوجوب ، وتكون النتيجة أن الوجوب حالي وهو فعلي قبل ذلك الزمان ومتعلقه أعني الفعل الواجب استقبالي. وطريقة صاحب الفصول في ذلك هي الالتزام بأنّ الشرط هو العنوان المنتزع من الزمان المتأخر ، فيكون الوجوب أيضا فعليا حاليا ويكون الواجب استقباليا.

وعلى كل من الطريقتين لا يكون نفس الزمان داخلا تحت الطلب ، وحينئذ فالذي ينبغي هو حصر الاشكال عليهما من ناحية شيخنا قدس‌سره بعدم تعقل كون الوجوب حاليا مع كون الواجب استقباليا ، حيث إن الوجوب عبارة عن البعث والتحريك ، ومع فرض كون الواجب استقباليا لا بعث ولا تحريك. وهذا هو ما تعرض له قدس‌سره (٢) من عدم معقولية فعلية الارادة مع

__________________

(١) من صفحة ١٧٢ إلى صفحة ١٧٨ [ منه قدس‌سره. ولا يخفى أنها مخطوطة لم تطبع بعد ].

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٠٤.

٦١

كون المراد استقباليا.

نعم ، له قدس‌سره معهما مناقشات أخر مبنائية وهي محالية الشرط المتأخر أو عدم معقولية كون الشرط هو العنوان المنتزع من ذلك المتأخر ، فهذه كلها خارجة.

إلاّ أن الذي ينبغي في المقام أن يقال : إنا لو سلّمنا صحة كون الشرط هو العنوان المنتزع من المتأخر أو سلّمنا صحة كون المتأخر بنفسه شرطا مؤثرا في المتقدم ، فانما يكون ذلك فيما لو كان الفعل الواجب حاليا ، أما مع فرض كون الفعل الواجب المشروط وجوبه بذلك المتأخر نفسه أو بذلك العنوان المنتزع استقباليا كما فيما نحن فيه فلا يصح فيه ذلك ، لأن الوجوب الحالي المشتمل على البعث والتحريك لا يعقل تعلقه بأمر استقبالي.

إلاّ أن يدعى عدم كون الوجوب عبارة عن البعث والتحريك بل هو اعتباري صرف ، وهو كون الفعل في ذمة المكلف وعلى عاتقه ، فالظاهر أنه لا مانع منه من هذه الجهة ، وحينئذ ينحصر النزاع مع صاحب الكفاية ومع صاحب الفصول في المبنى ، وهو الشرط المتأخر أو كون الشرط هو العنوان المنتزع.

أما الأول : فيأتي في محله (١) إن شاء الله.

وأما الثاني : فتفصيل الكلام فيه ، هو أن صاحب الفصول قدس‌سره (٢) يدعي أن الوجوب في الواجب المعلق مشروط بالعنوان المنتزع من وجود الزمان المتأخر ، ويكون بلوغ الشخص إلى ذلك الزمان كاشفا عن كون الوجوب متحققا قبله ، وحينئذ نقول إن نفس ذلك الزمان المتأخر لا يمكن أن يكون

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٣٢١ وما بعدها ، وقد علّق المؤلف قدس‌سره عدّة تعليقات على البحث المشار إليه ، فراجع صفحة ١٢ وما بعدها من المجلّد الثالث من هذا الكتاب.

(٢) الفصول الغروية : ٨٠.

٦٢

شرطا في ذلك الوجوب ، لأن المفروض أن العنوان السابق المنتزع من وجوده يكون هو الشرط ، وأن الوجوب حاصل قبل نفس ذلك الزمان المتأخر فكيف يعقل أن يكون بنفسه شرطا.

وحينئذ لا بدّ لنا من الالتزام بأن ذلك الوجوب مطلق من حيث نفس ذلك الزمان ، بمعنى أن الوجوب يكون موجودا بلا توقف على وجود ذلك الزمان ، لا بمعنى أن الوجوب يكون موجودا وان لم ينوجد ذلك الزمان أصلا ، لأن ذلك خلف لما تقدم من كون الوجوب مشروطا بالعنوان المنتزع ، بل بمعنى أن الوجوب يحصل قبل حصول ذلك الزمان.

والحاصل : أنا بعد أن أخذنا العنوان المنتزع شرطا في الوجوب ، فان شئت فقل ، إن ذلك الوجوب بالنسبة إلى نفس وجود ذلك الزمان لا يكون مطلقا كما لا يكون مقيدا ، وإن شئت فقل إنه يكون بالنسبة إليه مطلقا لكن لا بقول مطلق بحيث يكون ذلك الوجوب موجودا وإن لم يحصل ذلك الزمان في ظرفه ، بل بالمعنى المذكور أعني أن وجوده لا يكون متوقفا على مقارنته له أو تقدمه عليه وإن كان لا بدّ من تأخره عنه ، إلاّ أنّ هذه اللابدية قهرية ناشئة من أخذ العنوان المنتزع منه شرطا في ذلك الوجوب ، فلا يلزمها أن يكون ذلك الوجوب مشروطا شرعا بنفس ذلك الزمان المتأخر.

نعم ، إن نفس ذلك الزمان المتأخر يكون سابقا في اللحاظ والرتبة على نفس ذلك الوجوب المتقدم ، لأن رتبته سابقة على العنوان المنتزع منه ، وهو سابق في اللحاظ والرتبة على ذلك الوجوب لكونه شرطا فيه ، وحينئذ فمع قطع النظر عن كونه غير مقدور لا يعقل تعلق ذلك الوجوب به ، كما أنه لا يعقل أن يكون نفس ذلك الزمان المتأخر قيدا في الفعل

٦٣

الواجب ، لأن مرتبة الفعل الواجب متأخرة عن الوجوب ، فلا يعقل أخذه قيدا في الفعل الواجب وإن لم نقل بوجوب ذلك القيد لكونه غير مقدور.

والحاصل : أن نفس ذلك الزمان المتأخر بعد أخذ العنوان المنتزع منه شرطا في الوجوب لا يعقل أخذه قيدا في متعلق ذلك الوجوب ، سواء قلنا بوجوبه على تقدير كونه قيدا في الواجب أو قلنا بعدم وجوبه لكونه غير مقدور ، كما أنه لا يعقل دخوله تحت ذلك الوجوب سواء قلنا بأنه قيد في المتعلق أو لم نقل. وحينئذ فالجمع بين كون العنوان المنتزع من نفس ذلك الزمان المتأخر قيدا وشرطا في الوجوب ، وبين كون الفعل الواجب مقيدا بنفس ذلك الزمان من قبيل الجمع بين المتناقضين ، فان مقتضى الأول هو تقدم ذلك الزمان رتبة على ذلك الوجوب ، ومقتضى الثاني هو تأخره عنه رتبة. ولو أغضي النظر عن ذلك لكان التناقض من ناحية اخرى ، وهي أن مقتضى الأول هو خروج ذلك القيد عن حيز الوجوب بمعنى أنه يقتضي عدم وجوب ذلك القيد بل استحالة إيجابه ، ومقتضى الثاني هو دخوله في حيز الوجوب بمعنى استحالة عدم دخوله تحت الايجاب. ومن ذلك يعلم أنه لا يعقل كون الشرط الراجع إلى أصل الوجوب راجعا أيضا إلى الواجب بحيث يكون كل منهما مشروطا به لحاظا وإن كان لازم الأول قهرا تقيد الثاني كما سيأتي إن شاء الله تعالى (١).

وملخص البحث : أن أخذ عنوان منتزع من أمر متأخر ، فعلا اختياريا كان ذلك المتأخر أو زمانا ، في وجوب شيء يوجب خروج ذلك المتأخر عن كونه بنفسه شرطا في ذلك الوجوب وعن كونه غير شرط فيه ، بمعنى

__________________

(١) [ لعل المراد به ما سيأتي في الخاتمة ، فراجع صفحة : ١٤٢ وما بعدها ].

٦٤

أن ذلك الوجوب المشروط بالعنوان المنتزع عن ذلك المتأخر لا يكون بالنسبة إلى نفس ذلك المتأخر مطلقا ولا يكون مشروطا ، كما أن ذلك الوجوب لا يكون مستدعيا لايجاب نفس ذلك المتأخر ، وحينئذ فقد يقال إنه لا يتوجه عليه ما أفاده شيخنا قدس‌سره (١) من أن ذلك الوجوب بالقياس إلى نفس الزمان المتأخر إن كان مشروطا لم يكن الوجوب المذكور حاصلا قبله ، وإن كان بالنسبة إليه مطلقا كان مقتضى إطلاق ذلك الوجوب بضميمة كون نفس ذلك الزمان قيدا في الفعل الواجب هو جرّ الزمان المذكور.

إلاّ أنه يرد عليه ، أي على الواجب المعلّق :

أوّلا : أنه يستحيل كون ذلك المتأخر قيدا في الفعل الواجب ، لما عرفت من أن ذلك المتأخر يكون سابقا في الرتبة على العنوان المنتزع منه ، وهو أعني ذلك العنوان المنتزع سابق في الرتبة على ذلك الوجوب لكونه شرطا فيه ، ويستحيل أخذ ما هو سابق في الرتبة على الوجوب قيدا في متعلق ذلك الوجوب.

وثانيا : أن عدم توجه ما أورده شيخنا قدس‌سره ممنوع أشد المنع ، فإن أخذ ذلك المتأخر قيدا في الفعل الواجب يكون مستلزما لايجابه ، فإن ذلك الوجوب وان لم يكن مطلقا بالقياس إليه بقول مطلق إلاّ أنك قد عرفت كما اعترف به صاحب الفصول (٢) أنه مطلق بالقياس إليه ، بمعنى أن تحقق الوجوب فعلا لا يكون متوقفا على وجوده فعلا وإن توقف على حصوله فيما بعد ، وحينئذ يكون الوجوب فعليا ومتعلقه وهو الفعل الواجب يكون

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، راجع أيضا ما نقله عن شيخه قدس‌سرهما صفحة ٦٠ ـ ٦١ من هذا المجلّد.

(٢) تقدم نقل كلامه في صفحة : ٥٤.

٦٥

مقيدا بنفس ذلك المتأخر ، وحيث تعلق الايجاب الفعلي بذلك الفعل المقيد بذلك القيد كان مقتضاه إيجاب ذلك القيد فعلا.

وثالثا : أنّك قد عرفت في محله (١) أن أخذ العنوان المنتزع عن المتأخر شرطا في الوجوب المتقدم لا يخرج المسألة عن إشكال الشرط المتأخر ، حيث إن العنوان المنتزع عن المتأخر معلول لذلك المتأخر ، ويستحيل تقدّم المعلول على علته.

ورابعا : أن دعوى كون العنوان المنتزع شرطا في ذلك الوجوب لا دليل عليها ، وكأن صاحب الفصول قدس‌سره (٢) إنما ادعاه إصلاحا للمسألة حيث إنه أورد على نفسه بما حاصله : أن ذلك الزمان المتأخر المأخوذ قيدا في الفعل الواجب إن كان شرطا في الوجوب كما أنه قيد في الواجب لم يكن الوجوب ثابتا قبله ، وإن لم يكن شرطا في الوجوب بل كان قيدا في الواجب كان تعلق الايجاب الفعلي بالفعل المقيد بالزمان المتأخر من قبيل التكليف بالمحال ، لأن مقتضاه وقوع ذلك القيد الذي هو الزمان تحت ذلك الطلب الفعلي ، ولازم ذلك هو أنه يجب على ذلك المكلف فعلا إيجاد ذلك الفعل المقيد بالزمان المتأخر ، وهو محال لاستدعائه كما أفاده شيخنا قدس‌سره جرّ الزمان ، فأراد صاحب الفصول قدس‌سره التخلص من هذه الورطة فجعل ذلك الوجوب بالقياس إلى نفس ذلك الزمان المتأخر مطلقا.

وأجاب عن إشكال المحالية بأن الايجاب الفعلي المتعلق بالفعل المقيد بالزمان المتأخر لا يستدعي لزوم إيجاد ذلك الفعل المقيد بالزمان

__________________

(١) راجع صفحة : ٥٨ ـ ٥٩.

(٢) الفصول الغروية : ٨٠.

٦٦

المتأخر قبل حصول ذلك الزمان ، بل إنما يقتضي إيجاده في زمانه المتأخر وهو في ذلك الزمان المتأخر مقدور له ، وحينئذ تكون القدرة عليه في زمانه شرطا في توجه إيجابه إليه قبل ذلك الزمان ، فيكون من قبيل الشرط المتأخر كما أفاده في الكفاية (١).

فصاحب الفصول لأجل الفرار عن محالية الشرط المتأخر جعل الشرط هو العنوان المنتزع من ذلك المتأخر ، وعبّر عن هذا العنوان المنتزع بكون المكلف ممّن يبلغ إلى ذلك الزمان المتأخر ، فوقع في محذور آخر وهو ما تقدمت الاشارة إليه (٢) من أخذ ما هو سابق في الرتبة على الوجوب في متعلق ذلك الوجوب ، ولم يتخلص عن إشكال عدم القدرة على الفعل الواجب وجوبا فعليا كما عرفت فيما أفاده شيخنا قدس‌سره فراجع وتأمّل.

والحاصل : أن نفس الزمان المتأخر الذي فرضنا كون العنوان المنتزع منه شرطا في تعلق الوجوب بالفعل المفروض كونه مقيدا بالوقوع فيه ليس من الأمور التي لا يتصور فيها إطلاق التكليف واشتراطه بالنسبة إليها ، غاية الأمر أن لازم أخذ العنوان المنتزع من نفس ذلك الزمان هو أن لا يكون نفس ذلك الزمان شرطا في ذلك التكليف ، وذلك لا ينفي كونه مطلقا بالقياس إليه بمعنى أن الوجوب يتحقق قبل تحقق ذلك الزمان ، ومقتضى تعلق الوجوب الفعلي بالفعل المقيد بالزمان المتأخر هو دخول ذلك القيد تحت ذلك الوجوب ، فلازمه وجوب جرّ ذلك الزمان ، وهو ما أفاده شيخنا قدس‌سره.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٣.

(٢) في صفحة : ٦٥.

٦٧

ودعوى خروج ذلك الزمان عن تحت الطلب استنادا إلى أن أخذ العنوان المنتزع منه شرطا في ذلك الوجوب يوجب خروجه عن حيز الطلب ، مسلّمة إلاّ أنها لا تنافي إيجابه من ناحية كون نفسه قيدا في ذلك الفعل الواجب ، فان ذلك أعني كون العنوان المنتزع منه شرطا في الوجوب لا يكون إلاّ من قبيل عدم المقتضي لايجاب نفس ذلك الزمان ، فلا ينافي ما يقتضي إيجابه وهو كونه بنفسه قيدا في الواجب الفعلي كما لو كان ذلك الزمان بنفسه شرطا في الوجوب ، فإنّ ذلك لا يكون إلاّ من باب أن كونه شرطا لا يكون مقتضيا لايجابه لا أنه يكون مقتضيا لعدم إيجابه.

والحاصل : أن ذلك الزمان قد اجتمعت فيه جهتان : الاولى مقتضية لايجابه وهي كونه قيدا في الفعل الواجب الذي تعلق به الايجاب الفعلي. والثانية أقصى ما فيها أنّها من باب عدم المقتضي لايجابه ، وهي كون العنوان المنتزع منه شرطا في ذلك الوجوب ، فهذه الجهة لا تدفع الاشكال عليه بأن مقتضى تعلق الايجاب الفعلي بالواجب المقيد بذلك الزمان هو جرّ ذلك الزمان ، هذا مضافا إلى أن هذه الجهة الثانية لو كانت مقتضية لعدم إيجاب ذلك القيد لا أنّها من باب عدم المقتضي ، لكان في المقام إشكال آخر ، وهو التناقض بين أخذ نفس الزمان قيدا في الفعل الواجب وأخذ العنوان المنتزع منه شرطا في وجوب ذلك الفعل المقيد بالزمان ، لأنّ لازم الاولى هو إيجابه ولازم الثانية هو عدم إيجابه.

وبالجملة : أن لازم كون الزمان بنفسه أو بالعنوان المنتزع من وجوده شرطا في الايجاب هو خروج نفس ذلك الزمان عن حيّز ذلك الايجاب ، ولازم كون ذلك الزمان قيدا في متعلق ذلك الايجاب هو دخول نفس ذلك

٦٨

الزمان في حيز الايجاب المذكور ، فمع قطع النظر عمّا أفاده شيخنا قدس‌سره من أن لازمه جرّ الزمان يتوجه عليه إشكال التناقض والتدافع بين هذين التقييدين للتدافع بين لازميهما ، لما عرفت من أن لازم الأول هو خروج نفس ذلك الزمان عن حيز ذلك الايجاب ، ولازم الثاني هو دخوله تحت الايجاب المذكور ، هذا.

مضافا إلى ما عرفت من استحالة أخذ ما هو سابق في الرتبة على الوجوب قيدا في متعلق ذلك الوجوب.

وبالجملة : أن ما أفاده شيخنا قدس‌سره متوجه على أخذ الزمان المتأخر قيدا في الفعل الواجب مع فرض فعلية الوجوب قبل ذلك الزمان ، وهذه الجهات التي ذكرناها من التدافع بين التقييدين متوجهة على أخذ العنوان المنتزع من ذلك الزمان المتأخر شرطا في ذلك الوجوب المتعلق بالفعل المقيد بنفس ذلك الزمان المتأخر (١).

بقي في المقام شيء : وهو أن صاحب الكفاية قدس‌سره قد وسّع الواجب المعلّق فقال : ثم لا وجه لتخصيص المعلّق بما يتوقف حصوله على أمر غير مقدور ، بل ينبغي تعميمه إلى أمر مقدور متأخر ، اخذ على نحو يكون موردا للتكليف ويترشح عليه الوجوب من الواجب ، أو لا ... الخ (٢).

__________________

(١) لا يخفى أن أغلب ما في هذه الحاشية على طولها اختصرناه وأوضحناه فيما تقدم [ صفحة : ٥٢ ] من الحاشية على قوله « وأما إذا كان مقيدا بقيد غير اختياري » وكان ينبغي الضرب عليها ، لكن أبقيناها بحالها لأن جملة ممّا فيها لم تشتمل عليه الحاشية السابقة ، وإن كان البعض منها قد ظهر فساده ممّا ذكرناه في الحاشية المشار إليها ، كما أنّه ينبغي مراجعة ما ذكرناه [ صفحة : ٤٩ ] قبل هذه الحاشية بقولنا : وخلاصة البحث. [ منه قدس‌سره ].

(٢) كفاية الاصول : ١٠٣.

٦٩

وبذلك تكون أقسام الواجب المعلّق ثلاثة.

الأوّل : ما يكون حصوله متوقفا على أمر غير مقدور كالزمان.

والثاني : ما يكون حصوله متوقفا على فعل اختياري ويكون ذلك الفعل الاختياري متأخرا وداخلا تحت الطلب ، مثل : تصدّق على أول فقير تراه في طريقك عند سفرك بعد الزوال ، فإنّ هذا الواجب وهو التصدق مقيد بالسفر بعد الزوال ، وهو ـ أعني السفر ـ اختياري وداخل تحت الطلب فيما لو كان المطلوب هو السفر.

الثالث : ما يكون كذلك لكن يكون خارجا عن حيّز الطلب ، مثل : إن استطعت في المستقبل فحج ، أو مثل : إذا أفطرت غدا فكفّر.

ولا يخفى أن الفعل الواجب إذا كان حصوله متوقفا على فعل اختياري ، وكان ذلك الفعل الاختياري مقيدا بزمان يأتي ، كان ذلك الفعل الواجب مقيدا بالزمان الآتي ، فيرجع الثاني إلى الأول ، بل يرجع الثالث إليه لاشتراك الجميع في التوقف على الزمان الآتي.

وبناء على ما شرحناه (١) في مسلك صاحب الفصول قدس‌سره من كون الشرط هو العنوان المنتزع من الزمان الآتي يمكن القول بدخول ذلك القيد تحت الطلب كما يمكن القول بخروجه عنه ، فكما يمكن أن تكون هذه الجملة وهي قولك : إذا كنت ينطبق عليك عنوان السفر في غد فتصدق عند سفرك على أول فقير تراه في سفرك ، واردة في مقام كون السفر واجبا ولو مقدمة للصدقة ، فكذلك يمكن أن تكون واردة في مقام كون الصدقة مأمورا بها لو فرض اتفاق السفر لا بنحو الواجب المشروط ، بل بنحو أخذ السفر

__________________

(١) في صفحة : ٦٢.

٧٠

مفروض الحصول.

ولعله لاجل الاشكال في كون الفعل المأخوذ منه العنوان المنتزع داخلا في التكليف ، غيرت النسخة فزيد لفظ « لا » النافية بين « نحو » و « يكون ». وشدّد الواو من قوله « أولا » ونوّنت اللام ، أو حذفت هذه الكلمة أعني قوله « أولا » ليكون الحاصل هو الصورة الثالثة. وحينئذ يكون قوله « ويترشح » عطفا على المنفي أو يكون معطوفا على الخبر أعني قوله « موردا للتكليف » ، هذا.

ولكن صاحب الكفاية قدس‌سره لم ينظر إلى الواجب المعلق الذي ابتكره صاحب الفصول قدس‌سره بنظر كونه مشروطا بالعنوان المنتزع من الأمر المتأخر ، بل نظر إليه بنظر كونه واجبا مطلقا من جميع الجهات ، وأن وجوبه الفعلي الحالي مطلق من جميع الجهات سوى أن متعلقه كان استقباليا لكونه مقيدا بالزمان المستقبل ، ولأجله قال فيما سبق : نعم ، يمكن أن يقال إنه لا وقع لهذا التقسيم ، لأنه بكلا قسميه من المطلق المقابل للمشروط ، وخصوصية كونه حاليّا أو استقباليا لا توجبه ما لم توجب الاختلاف في المهم ، وإلاّ لكثر تقسيماته لكثرة الخصوصيات ، ولا اختلاف فيه ، فان ما رتّبه عليه من وجوب المقدمة فعلا ـ كما يأتي ـ إنما هو من أثر إطلاق وجوبه وحاليّته لا من استقبالية الواجب ، فافهم (١).

وقال هنا بعد العبارة السابقة : لعدم تفاوت فيما يهمه من وجوب تحصيل المقدمات التي لا يكاد يقدر عليها في زمان الواجب المعلّق ، دون المشروط ، لثبوت الوجوب الحالي فيه ، فيترشح منه الوجوب على المقدمة

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠١ ـ ١٠٢.

٧١

بناء على الملازمة ، دونه لعدم ثبوته فيه إلاّ بعد الشرط. نعم ، لو كان الشرط على نحو الشرط المتأخر وفرض وجوده كان الوجوب المشروط به حاليّا أيضا ، فيكون وجوب سائر المقدمات الوجودية للواجب أيضا حاليّا ، وليس الفرق بينه وبين المعلّق حينئذ إلاّ كونه مرتبطا بالشرط بخلافه وإن ارتبط به الواجب (١).

وكأنه لأجل هذا النظر وسّع الواجب المعلّق إلى هذه التوسعة ، فالواجب المعلّق عند صاحب الكفاية ما كان مقصورا على كون الوجوب مطلقا حاليا وكون الواجب استقباليا ، أما كون الوجوب مطلقا وحاليا فلعدم كونه مشروطا بشيء ، وأما كون الواجب استقباليا فتارة يكون لأجل أن الواجب مقيد بالزمان المستقبل. واخرى يكون لأجل أنه مقيد بأمر مستقبل غير اختياري ، مثل أن تقول : ستحدث الزلزلة في آخر الشهر فصلّ الآيات عند حدوثها ، وثالثة يكون لأجل أن الواجب مقيد بأمر مستقبل اختياري ، مثل أن تقول : لمخاطبك : إنّك ستذهب غدا إلى زيد فأبلغه عني السلام. ورابعة هي هذه الصورة الثالثة ولكن يكون هذا الأمر الاختياري داخلا تحت الطلب مثل أن تقول : أبلغ زيدا عني السلام عند ذهابك إليه غدا ، على وجه يكون المطلوب هو إبلاغ السلام ويكون الذهاب واجبا من باب المقدمية لابلاغ السلام. وبناء على هذا النظر فالتوسعة في محلها ، ولا ينبغي الضرب على بعض العبارة أو زيادة شيء فيها.

ولكنك قد عرفت أن المعلّق بنظر صاحب الفصول من قبيل الواجب المشروط غايته أن الشرط ليس هو نفس المتأخر ، بل العنوان المنتزع من

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٣ ـ ١٠٤.

٧٢

وجود اللاحق هو الشرط في الوجوب ، ويكون ذلك الوجود اللاحق غير داخل في حيّز الوجوب ، إمّا لكونه غير مقدور كالزمان ، أو لأجل كونه فعلا محرما كركوب الدابة المغصوبة. وهذا ـ أعني إدخال المقدمة المحرمة ـ هو أقصى توسعة صاحب الفصول. ولم تدخل فيه المقدمة الاختيارية غير المحرمة سواء كانت واجبة أو كانت غير واجبة ، فلاحظ وتأمل.

وربما يقال : إن هذه التوسعة التي أفادها في الكفاية بمنزلة الايراد على صاحب الفصول ، قد تعرض لها صاحب الفصول أيضا ، فإنّه قال : واعلم أنه كما يصح أن يكون وجوب الواجب على تقدير حصول أمر غير مقدور وقد عرفت بيانه ، كذلك يصح أن يكون وجوبه على تقدير حصول أمر مقدور ، فيكون بحيث لا يجب على تقدير عدم حصوله وعلى تقدير حصوله يكون واجبا قبل حصوله ، وذلك كما لو توقف الحج المنذور على ركوب الدابة المغصوبة. فالتحقيق : أن وجوب الواجب حينئذ ثابت على تقدير حصول تلك المقدمة ، وليس مشروطا بحصولها كما سبق إلى كثير من الأنظار. والفرق أن الوجوب على التقدير الأول يثبت قبل حصولها ، وعلى الثاني إنّما يثبت بعد تحققها لامتناع المشروط بدون الشرط. وبعبارة اخرى حصول المقدمة على الأول كاشف عن سبق الوجوب وعلى الثاني مثبت له كما مر (١).

وهذا الذي أفاده في الفصول ـ أعني ما لو توقف فعل الواجب على أمر مقدور وهو ركوب الدابة المغصوبة ، وكان ذلك المقدور خارجا عن حيّز الطلب لكونه محرما ـ ليس هو عين القسم الثالث الذي أشار إليه في الكفاية

__________________

(١) الفصول الغروية : ٨٠.

٧٣

أعني ما لو كان القيد فعلا اختياريا استقباليا الذي عرفت أنه راجع إلى الأول ، فإن عبارة صاحب الفصول وإن كانت مجملة إلاّ أنه يمكن الجزم بأن مراده بهذه التوسعة هو أنه لو كان القيد غير مقدور شرعا كما في ركوب الدابة المغصوبة ، كان حاله حال ما لو كان غير مقدور عقلا كالزمان ونحوه وكنا مجبورين فيه على جعل الوجوب في ذلك مشروطا بالعنوان المنتزع من وجوده المتأخر ، فيكون الوجوب فيه حاليا والواجب استقباليا.

ولكن لم يتضح الوجه في تخصيص الحج الواجب بالحج النذري دون حجة الاسلام ، لأن الانحصار بركوب الدابة المغصوبة لو كان حاصلا حين الوجوب ، فكما يكون مانعا من تحقق الاستطاعة فكذلك يكون مانعا من انعقاد النذر ، إذ لا يصح نذر الحج مع فرض توقفه على ركوب الدابة المغصوبة. ولو كان الانحصار طارئا بأن استطاع أو نذر ولم يحج في السنة الاولى وأخّر إلى السنة الثانية واتفق الانحصار فيها ، جرى ما ذكره من التعليق في الحج الاستطاعتي كما يجري في الحج النذري.

ثم إنه قد أجرى هذه الطريقة في الطهارة الحدثية مع الاغتراف من الآنية المغصوبة مع الانحصار كما يأتي (١) في كلماته ، وقد حقق شيخنا قدس‌سره في محله (٢) أن اشتراط الوجدان كاشتراط الاستطاعة في كون التكليف في المقامين مشروطا بالقدرة الشرعية ، وأن الترتب لا يجري في مثل ذلك ، من دون فرق في ذلك بين أخذ العصيان شرطا متقدما أو شرطا متأخرا ، أو أخذ العنوان المنتزع من تأخره شرطا. نعم يجري ذلك فيما يكون مشروطا بالقدرة العقلية ، كما لو توقف إزالة النجاسة عن المسجد على سلوك الأرض

__________________

(١) المصدر المتقدم

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٢٧ ـ ٢٨.

٧٤

المغصوبة.

وقوله قدس‌سره : وليس مشروطا بحصولها كما سبق إلى كثير من الأنظار ... الخ (١).

المتحصل : أن في مسألة ركوب الدابة المغصوبة أو سلوك الأرض المغصوبة للتوصل إلى أداء واجب ، إن كان المقدم هو وجوب الواجب سقط التحريم ووجبت المقدمة ، وحينئذ لو تصوّرنا الترتب فانما هو في جانب الواجب بأن يقال : إن لم تفعل الواجب فلا تفعل المقدمة ، إما بنحو الشرط المتأخر أو بنحو العنوان المنتزع ، ولا يتأتى فيه الاشتراط بنفس عصيان الواجب بنحو الشرط المقارن أو المتقدم. وإن كان المقدم هو حرمة المقدمة وسقط وجوب الواجب كان الترتب في جانب المحرم بأن يقال : لو عصيت وارتكبت المقدمة فافعل الواجب ، إما بنحو العنوان المنتزع من العصيان الآتي وهي طريقة صاحب الفصول (٢) ، وإما بنحو الشرط المتأخر وهي طريقة الكفاية (٣) ، ويشتركان في تحقق الوجوب قبل العصيان ، وإما بنحو الشرط المتقدم ولازمها أن لا وجوب قبل العصيان ، وإنما يكون الوجوب بعد تحقق العصيان ، وهذه هي الطريقة التي أشار إليها بقوله : وليس مشروطا بحصولها كما سبق إلى كثير من الأنظار ، هذا.

ولكنك قد عرفت أن هذه الطرق إنما تجري فيما لم يكن مشروطا بالقدرة الشرعية ، بل كان مشروطا بالقدرة العقلية كما عرفت مثاله ، وهو ما لو توقف إزالة النجاسة عن المسجد على سلوك الأرض المغصوبة ، وقلنا بتقدم

__________________

(١) الفصول الغروية : ٨٠.

(٢) المصدر المتقدم.

(٣) كفاية الاصول : ١٠٣.

٧٥

التحريم في ذلك على الوجوب ، فيصح أن يؤمر بالازالة على تقدير عصيان النهي ، لكن إذا كان بنحو الشرط المتأخر كما هو طريقة صاحب الكفاية قدس‌سره فهو وإن كان موجبا لتحقق الوجوب حالا قبل سلوك الأرض المغصوبة ، إلاّ أن فيه إشكال الشرط المتأخر ، وحيث قد قلنا ببطلان الشرط المتأخر فلا بد لنا من الالتزام بكون ذلك من قبيل الشرط المتقدم أو المقارن كما هي طريقة شيخنا قدس‌سره ، فلا يتحقق الوجوب إلاّ بعد العصيان وسلوك الأرض المغصوبة.

أما جعل الشرط هو العنوان المنتزع من العصيان المتأخر كما هو طريقة صاحب الفصول ليكون الوجوب حاليا والواجب استقباليا وهو الازالة بعد العصيان ، ففيه إشكال اجتماع الوجوب والتحريم في سلوك الأرض المغصوبة. أمّا الثاني أعني التحريم فواضح ، وأمّا الأول فلأن نفس السلوك لا يكون هو الشرط بنفسه كي يكون ذلك موجبا لخروجه عن حيّز الطلب كما هو على طريقة صاحب الكفاية وعلى طريقة شيخنا قدس‌سرهما ، فان الشرط حينئذ لا يكون إلاّ نفس العنوان المنتزع من السلوك أعني كونه يتعقبه السلوك ، أما السلوك نفسه فهو خارج عن دائرة الشرط ، وحيث قد تعلق الوجوب الحالي بالازالة المفروض توقفها على السلوك كان ذلك مقتضيا لوجوب السلوك لكونه مقدمة للواجب ، كما عرفت ذلك فيما لو كان الواجب متوقفا على الزمان الآتي ، وأن مقتضى كون الشرط هو العنوان المنتزع هو لزوم جرّ الزمان.

ولا مدفع للاشكال المذكور إلاّ بأن يقال : إن الوجوب متوقف على العنوان المنتزع ، وذلك العنوان متوقف على تحقق ما ينتزع منه ، وبالأخرة يكون الوجوب متوقفا على تحقق ما ينتزع منه ذلك العنوان ، فلا يكون

٧٦

الوجوب حاليا إلاّ إذا كان ذلك من قبيل الشرط المتأخر الذي قد فرّ منه صاحب الفصول إلى العنوان المنتزع.

وبالجملة : أن الالتزام بفعلية الوجوب حالا مع إخراج القيد المتأخر أعني السلوك في الأرض المغصوبة عن حيز الوجوب لا يتم إلاّ بالالتزام بالشرط المتأخر.

تكملة :

قال في الكفاية : إن المناط في فعلية وجوب المقدمة الوجودية ، وكونه في الحال بحيث يجب على المكلف تحصيلها ، هو فعلية وجوب ذيها ، ولو كان أمرا استقباليا كالصوم في الغد والمناسك في الموسم ، كان وجوبه مشروطا بشرط موجود اخذ فيه ولو متأخرا أو مطلقا ، منجّزا كان أو معلّقا فيما إذا لم تكن مقدمة للوجوب أيضا ، أو مأخوذة في الواجب على نحو يستحيل أن تكون موردا للتكليف ، كما إذا أخذ عنوانا للمكلف كالمسافر والحاضر والمستطيع إلى غير ذلك ، أو جعل الفعل المقيد باتفاق حصوله وتقدير وجوده بلا اختيار أو باختياره موردا للتكليف ، ضرورة أنّه لو كان مقدمة الوجوب أيضا ، لا يكاد يكون هناك وجوب إلاّ بعد حصوله ، وبعد الحصول يكون وجوبه طلب الحاصل ، كما أنّه إذا اخذ على أحد النحوين يكون كذلك. فلو لم يحصل لما كان الفعل موردا للتكليف ، ومع حصوله لا يكاد يصح تعلقه به فافهم (١).

إن هذه الامور الأربعة ـ أعني كون وجوب ذي المقدمة مشروطا بشرط مقارن موجود ، أو مشروطا بشرط متأخر ينوجد فيما بعد ، وكونه مطلقا منجزا أو كونه مطلقا لكنه معلّق لكون متعلقه استقباليا ـ كلها تشترك

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٤.

٧٧

في كون وجوب ذي المقدمة فعليا وأنّ فعلية وجوبه قاضية بفعلية وجوب المقدمة الوجودية.

وقد استثنى من هذه المقدمة الوجودية التي يكون وجوب ذيها فعليا صورا ثلاثا ، الاولى : أن تكون المقدمة الوجودية التي يكون وجوب ذيها فعليا مقدمة للوجوب أيضا ، مثل قوله : حج إن استطعت ، فالاستطاعة مع كونها مقدمة وجودية هي مقدمة للوجوب أيضا ، فهذه المقدمة لا تجب.

الثانية : أن تكون عنوانا مأخوذا في المكلف بأن يقول : يجب الحج على المستطيع.

الثالثة : أن يكون الفعل الواجب الذي هو ذو المقدمة مقيدا باتفاق حصول تلك المقدمة باختيار من المكلف أو بلا اختيار ، مثل أن يقول : يجب عليك الحج الذي اتفق فيه حصول الاستطاعة ، سواء كان باختيارك أو كان بلا اختيارك ، فهذا النحو من المقدمة الوجودية لا يكون واجبا.

ولا يخفى أن المقدمة في هذه الصور الثلاث وإن كانت مقدمة وجودية ، إلاّ أن ذا المقدمة لا يكون قبل حصولها واجبا فعليا ، فلا يحسن استثناؤها من المقدمة الوجودية التي يكون وجوب ذيها فعليا قبل حصولها. ولعل قوله قدس‌سره « فافهم » إشارة إلى ذلك ، أو أنّه إشارة إلى مطلب آخر وهو أن ما يكون مأخوذا عنوانا للمكلف مثل قوله : يجب الحج على المستطيع ، يكون راجعا إلى مقدمة الوجوب ، لرجوع مثل هذا العنوان إلى كون الاستطاعة شرطا في الوجوب ، إذ لا فرق بين قوله : « حج إن استطعت » وقوله « يجب الحج على المستطيع » في كون الاستطاعة شرطا في وجوب الحج ، فتكون الصورة الثانية راجعة إلى الصورة الاولى.

وكذلك الحال في الصورة الثالثة ، وهي ما اخذ اتفاق حصوله باختيار

٧٨

المكلف أو بلا اختياره قيدا في الفعل الواجب ، مثل قوله : « يجب عليك الحج الذي اتفق فيه حصول الاستطاعة » فإنّه إن رجع إلى اشتراط الوجوب بالاستطاعة ولو بالنحو الذي ذكره الشيخ قدس‌سره (١) من كونه تقييدا للمادة أعني الحج في حال عروض الوجوب عليها الموجب لتقيد الوجوب بذلك قهرا ، كان من قبيل الصورة الاولى وهي ما يكون شرطا للوجوب ، وإن لم يرجع إلى اشتراط الوجوب بالاستطاعة واقتصرنا في ذلك على تقييد الحج باتفاق حصول الاستطاعة كان الوجوب مطلقا ، وكان مقتضاه وجوب تحصيل ذلك القيد ، ويكون إقحام لفظة « اتفاق الحصول » في قوله « يجب عليك الحج المقيد باتفاق حصول الاستطاعة » لغوا صرفا لا يخرج عن لقلقة اللسان ، لأنّ الحج حينئذ لا يكون إلاّ مقيدا بنفس الاستطاعة لا باتفاق حصولها.

ثم قال في الكفاية : فانقدح بذلك أنه لا ينحصر التفصّي عن هذه العويصة بالتعلق بالتعليق ، أو بما يرجع إليه من جعل الشرط من قيود المادة في المشروط ... الخ (٢).

ولا يخفى أن الواجب المعلّق الذي ادعاه في الفصول (٣) عبارة عن كون الوجوب مشروطا بالعنوان المنتزع من الزمان المتأخر ، وحينئذ يكون الوجوب فعليا قبل مجيء ذلك الزمان كما لو قلنا بمقالة المصنّف قدس‌سره (٤) من أن الشرط هو نفس الزمان الآتي وأنّه من قبيل الشرط المتأخر ، فإنّ وجوب ذي المقدمة يكون حاليا فتجب مقدمته الوجودية وإن كان الواجب

__________________

(١) كما تقدم استظهاره في صفحة : ١٩ وما بعدها.

(٢) كفاية الاصول : ١٠٤.

(٣) الفصول الغروية : ٧٩ ـ ٨٠.

(٤) كفاية الاصول : ١٠٣.

٧٩

استقباليا.

أمّا لو قلنا بمقالة الشيخ قدس‌سره في الواجب المشروط من كون القيود في الواجب المشروط راجعة إلى المادة ، فقد عرفت أنّها توجب تقيد الوجوب قهرا ، لأن التقييد الطارئ على المادة لو كان طارئا عليها بلحاظ تعلق الوجوب بها كان ذلك موجبا لتقيد الوجوب قهرا. وإذا تقيد الوجوب ولو قهرا كان اللازم هو عدم حصول الوجوب قبل حصول ذلك القيد الذي هو الزمان المتأخر ، فينبغي أن لا تجب المقدمات الوجودية لذلك الواجب قبل حصول ذلك الزمان.

لكن المصنّف قدس‌سره (١) يرتئي أن مسلك الشيخ قدس‌سره في الواجب المشروط هو راجع إلى مسلك صاحب الفصول قدس‌سره في الواجب المعلّق ، ولأجل ذلك أفاد أنه راجع إليه ، لكنك قد عرفت أن مسلك الشيخ قدس‌سره في الواجب المشروط من كون القيد راجعا إلى المادة ليس براجع إلى مسلك الفصول في الواجب المعلّق.

وبالجملة : أن الشيخ قدس‌سره لا يلتزم بتحقق الوجوب قبل حصول الشرط وإن التزم بارجاعه إلى المادة ، ومنشؤه ما عرفت من أن الشيخ قدس‌سره يرى أن تقييد المادة بلحاظ طروّ الوجوب عليها يوجب تقيد الوجوب قهرا.

وبناء على ذلك فهذه العويصة أعني وجوب المقدمة كالغسل ليلا لمن يجب عليه الصوم نهارا باقية على مسلك الشيخ بحالها ، لأنه من وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها ، فلاحظ وتأمل.

وينبغي ملاحظة كلماته قدس‌سره في مبحث المقدمات المفوّتة (٢) فإن ظاهر

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠١.

(٢) مطارح الأنظار ١ : ٢٦٨ وما بعدها.

٨٠