أصول الفقه - ج ٢

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٢

وثالثا : أن لازم ذلك هو عدم الاعادة على من توضأ أو اغتسل بماء مشكوك الطهارة ثم بعد الفراغ تبين نجاسته.

ورابعا : أن ما هو الشرط في الصلاة إن كان هو خصوص الطهارة الثابتة للشيء بعنوانه الأولي ، لم يكن الاعتماد على قاعدة الطهارة نافعا في جواز الدخول في الصلاة. وإن كان الشرط هو الأعم فلازمه وإن كان هو الاجزاء ، إلاّ أن ذلك التعميم لا دليل عليه ، ومجرد قاعدة الطهارة بناء على هذا الوجه لا توجب التعميم المذكور ، كما أن حلية الاضطرار لا توجبه فيما لا يؤكل.

وخامسا : أن لازم ذلك هو كون الملاقي لما هو مشكوك الطهارة طاهرا واقعا وإن انكشف بعد ذلك كون الملاقى ـ بالفتح ـ بولا ، وذلك من جهة أن الملاقى ـ بالفتح ـ لم يكن نجسا حين الملاقاة ، لكونه في ذلك الحال مشكوكا ، وأقصى ما في البين أن العلم بنجاسته يوجب كونه نجسا من حين العلم لا من حين الملاقاة ، فتأمل.

ويمكن أن يقال : إن ما أفاده قدس‌سره لا يبتني على كون مفاد قاعدة الطهارة هي الطهارة الواقعية ، بل إنه مبني على أنها من الاصول التنزيلية ، وأنها لا تتكفل إلاّ الطهارة الظاهرية ، لكن هذه الطهارة بالنسبة إلى ما يشترط فيه الطهارة مثل الصلاة تكون مؤثرة أثرا واقعيا وهو صحة الصلاة ، لكونها واجدة لما هو الشرط فيها الذي هو الأعم من الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية ، فتكون قاعدة الطهارة محققة لما هو الشرط واقعا ، وبواسطة تكفلها لتنزيل ما هو مشكوك الطهارة منزلة الطاهر الواقعي في ترتيب أثره عليه الذي هو صحة الصلاة معه ، تكون موجبة لتعميم دائرة الشرط وأنه الأعم من الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية ، وبواسطة أن الحكم الواقعي

٣٨١

وهو وجدان الشرط يكون تابعا لوجود ذلك الحكم الظاهري ، وأنه عند تبين النجاسة ينقطع الحكم الظاهري فيتبدل الشرط من الوجود إلى العدم ، لا أنه ينكشف عدم وجوده من أوّل الأمر ، وبذلك يتم ما أفاده من المطالب الثلاثة ، أعني كون القاعدة محققة لما هو الشرط ، وموجبة لتعميم دليل الشرط ، وأنه عند العلم بالنجاسة يكون بالنسبة إلى وجدان الشرط من قبيل تبدل الموضوع.

ولكن لا يخفى ما فيه ، فان كون الشرط في لباس المصلي هو الأعم من الطهارة الواقعية والظاهرية لا دليل عليه ، ومجرد تنزيل ما هو مشكوك الطهارة منزلة الطاهر الواقعي لا يدل على هذا التعميم ، بل أقصى ما فيه أن يكون هذا الدليل مصححا لترتيب أثر الطاهر الواقعي على ما هو المشكوك ، وهو أعني هذا الترتيب حكم ظاهري لا واقعي ، فلا تكون محققا للشرط تحقيقا واقعيا ، بل أقصى ما فيه أنه يحققه تحقيقا ظاهريا ويكون تلك الصلاة صحيحة ظاهرا.

والحاصل : أن ملخص ما في الكفاية هو أن مثل قوله عليه‌السلام المشكوك طاهر ، لا ريب في كونه حكما ظاهريا ، إلاّ أن هذا الدليل له نسبتان : إحداهما نسبته إلى ما دل على الحكم الواقعي في مورده مثل قوله : البول نجس ، والاخرى نسبته إلى ما دل على اعتبار الطهارة في لباس المصلي ، ولا ريب أن تقدمه على الدليل الأوّل لا يكون إلاّ تقدما ظاهريا ، ولا تكون حكومته عليه إلاّ حكومة ظاهرية ، لكن نسبته إلى الدليل الآخر وتقدمه عليه لا يكون إلاّ تقدما واقعيا ، لأن الشرط هو الأعم من الطهارة الواقعية والظاهرية ، فتكون حكومته عليه حكومة واقعية.

وملخص الجواب عنه : أنه لو كان لنا دليل خارج عن هذين

٣٨٢

الدليلين يدل على أن الشرط هو الأعم من الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية ، لكان دليل قاعدة الطهارة محققا لأحد فردي الشرط تحقيقا واقعيا وتكون حكومته حينئذ عليه حكومة واقعية ، لكن المفروض أنه ليس لنا إلاّ ذلك الدليل أعني دليل قاعدة الطهارة ، وهو بنفسه لا يدل على هذه التوسعة الواقعية في دليل الشرط ، وإنما أقصى ما فيه هو اقتضاء قاعدة الطهارة لأن هذا المكلف واجد ظاهرا لما هو الشرط الواقعي وهو الطهارة الواقعية ، فلا تكون نسبته إلى دليل الشرط إلاّ كنسبته إلى دليل نجاسة البول في كون تقدمه عليه تقدما ظاهريا ، وكون حكومة ظاهرية.

وبالجملة : أن دليل التنزيل لا يدل على أزيد من كون هذا المشكوك بمنزلة الطاهر الواقعي في ترتيب آثار الطاهر عليه ، التي من جملتها وجدان شرط الصلاة الذي يكون لازمه جواز الدخول معه بالصلاة ، وأنها حينئذ تكون صحيحة ، لكن حيث كانت تلك الطهارة التنزيلية طهارة ظاهرية لا واقعية لا يكون وجدان الشرط وصحة الصلاة المترتبان عليها إلاّ وجدانا وصحة ظاهريين ، فلا تكون الحكومة إلاّ حكومة ظاهرية ، وكما أن حكومته على دليل نجاسة البول التي تكون نتيجتها التخصيص لا تكون إلاّ حكومة ظاهرية ، فكذلك حكومته على دليل الشرط التي تكون نتيجتها التعميم لا تكون إلاّ حكومة ظاهرية. وبعبارة اخرى أن نسبة هذا الدليل إلى أدلة آثار النجاسة تخصيص بطريق الحكومة الظاهرية ، فكذلك نسبته إلى أدلة آثار الطهارة تعميم بطريق الحكومة الظاهرية ، هذا.

مضافا إلى النقض بباب الغسل والوضوء في كونه مشروطا بطهارة الماء ، وأنه لو أقدم عليه معتمدا على قاعدة الطهارة ثم تبين نجاسة ذلك الماء لكان مقتضى ذلك هو عدم إعادته ، والظاهر أنه قدس‌سره لا يلتزم به. وهذا النقض

٣٨٣

هو الاشكال الثالث (١) من الاشكالات السابقة المتوجهة على التوجيه السابق.

أما الاشكال الرابع : فلا يتوجه عليه ، لإمكان أن يقال : إنا نلتزم أن الشرط هو الطاهر الواقعي ، ولكن دليل قاعدة الطهارة حيث نزّل المشكوك منزلة الطاهر الواقعي فأوجب ترتيب آثار الطاهر الواقعي عليه ، التي من جملتها كونه شرطا في صحة الصلاة ، كان ذلك مسوّغا للمكلف للدخول بالصلاة اعتمادا عليه ، ولازمه الحكم عليه بأنك واجد للشرط ، فيكون بذلك حاكما على دليل الشرط وموسّعا له.

نعم يرد عليه : أنه لمّا كان أصل الحكم المذكور أعني تنزيله منزلة الطاهر الواقعي حكما ظاهريا لكونه منوطا بالجهل ، لم يكن لحوق هذه اللوازم له إلاّ لحوقا ظاهريا ، فلا يكون وجدانه الشرط ولا جواز الدخول بالصلاة ولا الحكم بصحتها ولا توسعة دليل الشرط إلاّ آثارا ظاهرية ، وأن هذه الآثار ترتفع من أصلها عند انكشاف الخلاف. ولو لم ينكشف الخلاف إلى أن مات كان مقتضى القاعدة هو كون ذلك العمل فاسدا ، غايته أنه معذور في ذلك ، وعلى وارثه قضاؤه لو اطلع على الحال.

وهكذا الحال في الاشكال الخامس وهو الاشكال بالملاقي قبل انكشاف الخلاف ، فانه بناء على هذا التوجيه لا يكون الحكم بطهارته بعد انكشاف الخلاف لازما لهذا القول ، لأنّ حكم هذه الملاقاة متفرع على حكومة هذه القاعدة على دليل النجاسة ، وقد عرفت أنه بناء على هذا التوجيه لا تكون إلاّ حكومة ظاهرية ، فلا توجب قلب ذلك الملاقى ـ بالفتح ـ من النجاسة الواقعية إلى الطهارة الواقعية ، كي لا يمكن الحكم

__________________

(١) المتقدم في صفحة : ٣٨١.

٣٨٤

على ملاقيه بأنه نجس بعد انكشاف نجاسته واقعا ، وإن كانت الملاقاة واقعة في حال الحكم الظاهري عليه بالطهارة ، لأن ذلك الحكم الظاهري لا يغير ما هو عليه واقعا من النجاسة التي لازمها نجاسة ملاقيه ، ومن ذلك يظهر لك عدم توجه الاشكال الأوّل والثاني.

وبالجملة : أنه بناء على هذا التوجيه لا يرد شيء من الاشكالات السابقة على التوجيه السابق إلاّ إشكال النقض بالوضوء والغسل.

نعم ، يرد على هذا التوجيه إشكال آخر غير تلك الخمسة ، وهو أن تعميم الشرط لا يكون تعميما واقعيا بل يكون تعميما ظاهريا ، فلا يكون موجبا للاجزاء.

قوله : فتكون لا محالة حاكمة على الأدلة الدالة على اشتراط الصلاة مثلا بالطهارة ، فتكون معمّمة للشرط وأنه الأعم من الواقعي والظاهري ... الخ (١).

وبعين كونها معممة لدليل الشرط المذكور تكون مخصصة لما دل على آثار نجاسة البول مثلا ، ولكن كل من هذا التعميم وذلك التخصيص لا يكون إلاّ ظاهريا ، فلا أثر له بعد انكشاف الخلاف.

قوله : ويرد عليه أوّلا : أنّ الحكومة عند هذا القائل لا بدّ وأن تكون بمثل كلمة « أعني » ... إلخ (٢).

هذا إشكال وارد على أصل تفسيره (٣) الحكومة بالشارحية ، وأنه لا ينطبق على ما لدينا من حكومات بعض الأدلة على بعض.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٨٧ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٨٧.

(٣) راجع كفاية الاصول : ٤٣٨ ، ٤٢٩.

٣٨٥

وبالجملة : أن هذا اشكال مستقل في تفسيره الحكومة بما ذكره من الشارحية ، ولا خصوصية للمقام في ذلك. مضافا إلى إمكان أن يكون مراده بالحكومة هنا هي حكومة ما دل على حكم الشيء بعنوانه الثانوي على ما دل على حكمه بعنوانه الأولي ، فان الطهارة في قاعدتها وإن كانت ظاهرية إلاّ أنها لمّا كانت واردة على عنوان الشك الذي هو عنوان ثانوي بالنسبة إلى العناوين الأولية ، التي هي مورد الحكم بنجاسة مثل البول وشرطية طهارة الثوب ، كانت حاكمة عليها من هذه الجهة ، وإن لم تكن شارحة ومفسّرة لها ولا رافعة لموضوعها.

قوله : وثانيا : أنّ وجود الحكم الظاهري لا بدّ وأن يكون مفروغا عنه حين الحكم بأعمية الشرط ... إلخ (١).

المراد أن الدليل المتكفل لجعل الطهارة الظاهرية لا يكفي في تعميم دليل الشرط ، بل لا بدّ أن يكون تعميم ذلك الدليل إلى الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية مستفادا من دليل آخر ، ولا بد أن تكون مرتبة ذلك الدليل الآخر بعد جعل تلك الطهارة الظاهرية. وبعبارة اخرى أن تعميم الشرط إلى الطهارة الظاهرية لا بدّ أن يكون بعد الفراغ عن جعل الطهارة الظاهرية ، فلا يعقل أن يكون دليل جعلها وافيا بذلك التعميم.

ولا يخفى أن هذا الاشكال إنما يكون متوجها لو كان التعميم واقعيا ، وهو من فروع كون الحكومة واقعية لا ظاهرية. أما لو كان التعميم المذكور تعميما ظاهريا وكانت الحكومة أيضا حكومة ظاهرية ، فلا يتوجه هذا الاشكال ، لأن الدليل المتكفل لتنزيل المشكوك منزلة الطاهر الواقعي في

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٨٨.

٣٨٦

ترتيب أثره وهو الشرطية كاف في توسعة ذلك الشرط ، غايته أنها توسعة ظاهرية ، ومرادنا من التوسعة هو ما عرفت من أن لازم التنزيل هو جواز الدخول في الصلاة وصحتها ظاهرا الذي هو عبارة عن كونها واجدة للشرط ظاهرا ، والمفروض أنه لم تكن واجدة إلاّ للطهارة الظاهرية ، فكان الشرط حينئذ هو الطهارة الظاهرية ، وهذا هو المراد من توسعة الشرط. والحاصل أن المراد من توسعة الشرط هنا هو توسعته ظاهرا إلى ما ليس بطاهر واقعا ، لا توسعته واقعا إلى الطهارة الظاهرية.

لا يقال : يمكن أن يجعل الشارع الطهارة للأشياء طهارة واقعية ، ثم يجعل الطهارة الظاهرية لما هو المشكوك منها ، ثم يقول جعلت الأعم منهما شرطا في لباس المصلي ، فتكون الحكومة حينئذ واقعية ، ولازم ذلك عدم لزوم الاعادة.

لأنّا نقول : إن ذلك خلاف الفرض ، فان المفروض أن المجعول شرطا هو الطهارة الواقعية ، وأن التعميم إنما جاء من ناحية دليل قاعدة الطهارة ، لا أن الشرط هو الأعم وأن دليل قاعدة الطهارة محقق لأحد فردي الشرط.

ثم لا يخفى فساد هذه الطريقة ، لأن الطهارة الظاهرية إنما تجعل في طول آثارها ، فلا يتأتى جعلها إلاّ بعد جعل آثار الطهارة التي من جملتها الشرطية في الصلاة.

قوله : وقسم آخر يكون الشك في المحكوم مأخوذا في الدليل الحاكم ، فلا محالة لا يكون الدليل الحاكم في مرتبة المحكوم ، لتأخر موضوعه ـ وهو الشك في المحكوم ـ عنه ، فيستحيل كونه معمما أو

٣٨٧

مخصصا له في الواقع ... إلخ (١).

لا يخفى أن هذا التأخر الرتبي في قاعدة الطهارة إنما هو عن الدليل الدال على حكم ما جرت فيه القاعدة من نجاسة أو طهارة ، لا عن دليل اشتراط الطهارة في لباس المصلي.

ثم الظاهر أن ميزان كون الحكومة ظاهرية ليس هو مجرد التقدم الرتبي ، بل إن ميزانه هو كون ما يتضمنه الحاكم حكما ظاهريا لا واقعيا ، فان قاعدة الطهارة وإن لم تكن متأخرة رتبة عن اشتراط الطهارة في اللباس ، إلاّ أنها لمّا كانت متضمنة للحكم الظاهري كان تقدمها عليه من قبيل الحكومة الظاهرية لا الواقعية ، كما أنه لا بدّ في كون الحكومة واقعية من عدم كون الشك في المحكوم مأخوذا في الدليل الحاكم ، أما كون الحاكم في رتبة الدليل المحكوم فعلى الظاهر أنه لا يعتبر فيها ، بل لا بدّ في الحكومة الواقعية من تأخر الحاكم رتبة باعتبار كون الحكم فيه متفرعا عن أصل الحكم في المحكوم ، إذ لو لم يكن حكم الشك هو البناء على الأكثر لم يتوجه نفي الشك عن كثير الشك بمعنى نفي حكمه عنه ، فتأمل وراجع ما افيد في ضابط الحكومة في باب التعادل والتراجيح (٢).

قوله : ورابعا أن الحكومة المدعاة في المقام ليست إلاّ من باب جعل الحكم الظاهري ... الخ (٣).

يمكن الجواب عن هذا الاشكال : بأن التعميم لدليل الشرط إنما يكون مستفادا من دليل التنزيل. فان كان لسان دليل الحكم الظاهري متكفلا

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٨٨ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) فوائد الاصول ٤ : ٧١٠ ، وتأتي حواشي المصنّف قدس‌سره عليه في المجلّد الثاني عشر.

(٣) أجود التقريرات ١ : ٢٨٩.

٣٨٨

للتنزيل ترتب عليه تعميم الشرط ، أما إذا لم يكن مفاده إلاّ الحكم باحراز الواقع فلا يترتب عليه التعميم المذكور ، ولا يكون دخوله في الصلاة من باب الحكم عليه بأنه طاهر تنزيلا ، كي يكون بذلك واجدا لأحد فردي الشرط الذي هو الطهارة الظاهرية ، بل إنما يكون جواز دخوله فيها من باب كونه محرزا للشرط وتنزيله منزلة العالم به ، وذلك لا يلزمه وجدان الشرط ، بل لا يكون حاله إلاّ كحال العالم بالشرط.

وبالجملة : فرق بين الحكم عليه بأنه محرز للواقع الذي هو الطهارة وتنزيل ذلك الاحراز الذي تكفله الأصل الاحرازي أو الأمارة منزلة العلم الوجداني ، وبين الحكم على ذلك المشكوك بأنه طاهر ، وأنه منزّل منزلة الطاهر الواقعي في ترتيب أثره عليه الذي يكون من جملته هو تحقق الشرط. فانّ الأول لا يوجب تعميم الشرط بخلاف الثاني فانه يوجبه. نعم يرد عليه ما تقدم مرارا من أنّ هذا التعميم لا يكون تعميما واقعيا ، بل لا يكون إلاّ ظاهريا ، فلا يكون موجبا للاجزاء.

وبالجملة : أن هذا التوجيه لا يرد عليه إلاّ النقض بالوضوء والغسل ، وإلاّ ما تقدم مرارا من الحل ، وهو أن التعميم وهذه الحكومة على دليل الشرط لا يكون إلاّ تعميما وحكومة ظاهرية تابعة للحكومة على دليل النجاسة ، التي تكون نتيجتها التخصيص الظاهري ، التي عرفت أنها لا تكون إلاّ حكومة ظاهرية.

ثم إنا قد نقحنا في مبحث الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية (١) أن طريقة التنزيل لا تخلو من الالتزام بالحكومة الواقعية ، وأن الأولى في

__________________

(١) في المجلّد السادس في الحاشية فوائد الاصول ٣ : ١١٨ قوله : والسرّ في ذلك ...

٣٨٩

مفاد مثل قاعدة الطهارة هو الالتزام بجعل احتمال الطهارة حجة شرعية للمكلف من حيث المعذرية ليس إلاّ ، فتكون نظير الاحتياط الشرعي في كونه ناشئا عن جعل حجية الاحتمال على المكلف من حيث المنجزية ، وحينئذ لا يكون الاعتماد على مثل قاعدة الطهارة موجبا للاجزاء ، وأقصى ما فيه أنه مسوّغ للدخول فيما يشترط فيه الطهارة.

والخلاصة : هي أنه بعد أن عرفت (١) أن صاحب الكفاية لا يريد أن يجعل قاعدة الطهارة مثلا من قبيل جعل الحكم الواقعي في مقام الشك ، لما عرفت من أن لازمه انحصار النجاسة في مقام الثبوت بمعلوم النجاسة ، وهو موجب لسقوط الشك في الطهارة ، بل إن مراد صاحب الكفاية هو جعل قاعدة الطهارة متضمنة للحكم الظاهري في مورد الشك في الطهارة ، فتكون من قبيل الأصول المتضمنة للتنزيل. وحينئذ تكون لنا أدلة ثلاثة : دليل نجاسة النجاسات العشر ونجاسة ملاقيها ، ودليل قاعدة الطهارة ، ودليل اشتراط الطهارة في لباس المصلي ، ونحن لو التزمنا بأن موضوع هذا هو الأعم من الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية ، كان لدليل قاعدة الطهارة نسبتان :

إحداهما : نسبته إلى الدليل الأوّل القائل إن البول نجس ، وهذه النسبة نسبة الاخراج بطريق الحكومة الظاهرية.

والنسبة الاخرى : هي نسبته إلى الدليل الثالث ، وهي من قبيل الادخال بطريق الورود ، حيث إن موضوع الدليل الثالث هو الأعم من الطهارة الواقعية والظاهرية ، ودليل قاعدة الطهارة بواسطة التعبد الشرعي

__________________

(١) في الصفحة : ٣٧٩ وما بعدها.

٣٩٠

بالطهارة الظاهرية ينقح لنا أحد فردي ذلك الموضوع في الدليل الثالث ، وحينئذ لك أن تسمي ذلك حكومة واقعية.

ولازم ذلك أنه عند انكشاف الخلاف بعد الصلاة يكون المطلب من قبيل التبدل من حينه ، لأن الحكم الظاهري لا ينكشف عدم وجوده فيما سبق ، وإنما ينكشف عدم مطابقته للواقع كما عرفته فيما تقدم (١) ، ويكون المكلف فيما سبق على ذلك الانكشاف واجدا للشرط حقيقة ، ولازم ذلك هو الاجزاء.

ولكن العمدة في إمكان كون الدليل الثالث شاملا للطهارتين ، وغاية ما يمكن أن يقال في تقريبه إنه يمكن ذلك بأن يجعل أوّلا الطهارة الواقعية ثم الطهارة الظاهرية ، ثم يقول قد جعلت الشرط في لباس المصلي الطهارة الشاملة للاثنين ، أو لا يحتاج إلى التقدم ، بل يكفي أن يجعل الشرط هو كل ما يكون طاهرا باحدى الطهارتين على نحو القضية الحقيقية ، ليكون الموضوع هو كل ما لو وجد وكان طاهرا وإن لم يكن في مقام جعل الشرطية طهارة ظاهرية أصلا ، وغاية ما يلزم من ذلك هو الجمع بين الفردين الطوليين.

ولكن لا يخفى أن الأمر ليس بمقصور على الشمول للأفراد الطولية ، بل إنّ المسألة داخلة في جعل الحكم موضوعا لنفسه ، فان الأمر لو كان مقصورا على هذا الأثر كما هو المفروض ، وهذا الأثر هو شرطية الصلاة وموضوعه هو الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية ، والمفروض أن الطهارة الظاهرية لا تنوجد إلاّ بتنزيل المشكوك منزلة الطاهر الواقعي في أثره الذي

__________________

(١) في صفحة : ٣٧٦ ـ ٣٧٧.

٣٩١

هو الاشتراط المذكور ، فيكون الحاصل هو توقف الطهارة الظاهرية على أثرها الذي هو الاشتراط ، فيكون ذلك الأثر الواحد وهو الاشتراط بالنسبة إلى الطهارة الظاهرية منقحا لموضوع نفسه وهو الطهارة الظاهرية. وليس لنا اشتراطان كي يكون المنقح لموضوع الثاني هو الأوّل منهما ، فلاحظ ، هذا كله.

مضافا إلى أن ذلك لو سلّمنا إمكانه فلا دليل عليه في مقام الاثبات ، حيث إن الظاهر من دليل الاشتراط هو كون الشرط هي الطهارة الواقعية ، وكونها الأعم منها ومن الظاهرية يحتاج إلى دليل. ومجرد جعل الطهارة الظاهرية لا يكشف عن أن المراد بالشرط هو الأعم ، وأقصى ما فيها أنها توجب إلحاق النجس المشكوك بالطاهر الواقعي إلحاقا ظاهريا ، وهو ما ذكرناه من الحكومة الظاهرية.

وعلى كل حال أن صاحب الكفاية قدس‌سره لم يعتمد على هذه الطريقة ، بل إنه يجعل المعمّم لدليل الشرط هو نفس قاعدة الطهارة ، ولا ريب أن التعميم حينئذ لا يكون إلاّ ظاهريا ، فلا تكون الحكومة إلاّ حكومة ظاهرية.

ومن ذلك يظهر لك التأمل في الحاشية ، وذلك قوله : الحكم بكون الشرط أعم من الواقع والظاهر ـ إلى قوله ـ وأما عموم الشرط فهو من لوازم جعل الطهارة ظاهرا ، فلا محذور من هذه الجهة في دعوى كون الشرط أعم من الواقع والظاهر (١) فان التعميم اللازم لجعل الطهارة إنما هو تعميم ظاهري وهو ممّا لا ينكر ، إلاّ أنه لا ينفعه ولا ينفع صاحب الكفاية ، فان المطلوب هو التعميم الواقعي ليكون من قبيل التبدل لا من قبيل الانكشاف.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٢٨٨.

٣٩٢

والعمدة في النزاع مع صاحب الكفاية هو هذه الجهة ، وهي أن الحكومة واقعية والتعميم واقعي.

وحينئذ يتوجه عليه إيراد شيخنا قدس‌سره :

أوّلا : أن هذا التعميم الواقعي لا تحدثه قاعدة الطهارة ، بل لا بدّ أن يكون الدليل الثالث عاما في نفسه للطهارة الظاهرية ، فيلزمه أن يكون وجود الحكم الظاهري مفروغا عنه (١) في مرتبة جعل الشرط. ولا جواب لهذا الاشكال إلاّ بما تقدم من أخذه على نحو القضية الحقيقية ، الذي عرفت الاشكال [ فيه ](٢) من جهة لزوم تقدم الموضوع على حكم نفسه.

وثانيا : أن هذه الحكومة حكومة ظاهرية لا واقعية.

وثالثا : أن مجرد الحكم الظاهري الموجب للتوسعة الظاهرية لو كان موجبا للحكومة الواقعية والتوسعة الواقعية ، لجرى في الأمارة القائمة على الطهارة كما يجري في قاعدة الطهارة ، إذ لا فرق بينهما من هذه الجهة أعني الاقتصار على التوسعة الظاهرية ، ومجرد كون مفاد قاعدة الطهارة الحكم الشرعي بالطهارة الظاهرية كما في الحاشية (٣) لا ينفع ، بعد فرض كون الحكم المذكور حكما ظاهريا ، بل لو جعلناه حكما واقعيا بناء على كونه من قبيل الجعل في مورد الشك ، لما أمكن جعله موسعا لموضوع دليل الشرط كما عرفت تفصيله (٤).

__________________

(١) [ في الأصل : « موجودا » بدل مفروغا عنه ، والصحيح ما أثبتناه ].

(٢) [ لم يكن في الأصل ، والصحيح ما أثبتناه ].

(٣) أجود التقريرات ١ ( الهامش ١ ) : ٢٨٩.

(٤) [ الظاهر أنه قدس‌سره يشير إلى الإشكال الرابع على مبنى جعل الطهارة الواقعية للمشكوك المتقدم في صفحة : ٣٨١ ].

٣٩٣

ورابعا (١) : النقض بالوضوء من الماء المشكوك الطهارة أو غسل النجاسة به ثم انكشاف كونه نجسا ، فانه لا فرق بين الدليل الدال على اشتراط الطهارة في لباس المصلي والدليل الدال على اشتراط الطهارة في ماء الوضوء أو في الماء الرافع للخبث ، وأما تبديله بالنقض بنجاسة الملاقي فعلى الظاهر أنه لا يرد على ما في الكفاية ، إذ ليس في البين دليل شرطية كي يدعى توسعته بقاعدة الطهارة. نعم لو كان مبنى صاحب الكفاية هو الجعل في مورد الشك لتوجه عليه النقض المذكور. اللهم [ إلاّ ](٢) أن يجعل الدليل الثالث هو كون ملاقي الطاهر طاهرا أو كون ملاقي النجس نجسا ، لتكون قاعدة الطهارة حاكمة على الأوّل حكومة توسعة أو على الثاني حكومة تضييق.

__________________

(١) [ في الأصل : وثالثا ، والصحيح ما أثبتناه ].

(٢) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

٣٩٤

[ استدراك (١)]

وعمدة الاشكال الذي أفاده شيخنا قدس‌سره (٢) على الكفاية (٣) في الصورة الثالثة هو عدم اجتماع تشريع الأمر الاضطراري مع لزوم الاعادة أو القضاء ، وتوضيح ذلك : أن نفرض الكلام تارة في القضاء ، واخرى في الاعادة.

أما القضاء فتفصيل الكلام : هو أن القيد المتعذر إن كان على نحو وحدة المطلوب فقد عرفت أنه عند تعذره لا يكون الأمر بفاقده مشروعا ، لتوقف مصلحة ذات الواجب على ذلك القيد بقول مطلق حتى عند تعذر القيد ، ولازمه أنه لا مصلحة في الفعل الخالي منه.

وإن كان على نحو تعدد المطلوب العرضي بأن يكون من قبيل الواجب في واجب ، فقد عرفت أن الأمر بالخالي حاصل وساقط به حتى في صورة عدم تعذره ، ومع سقوط الأمر الأولي وحصول امتثاله لا مجال للواجب الثاني.

وإن كان على نحو التعدد الطولي فقد عرفت أن حاصله هو توقف المصلحة في الصلاة على كونها مع الساتر مثلا ، ولكن هذا التوقف عند التمكن من الساتر ، أما مع عدم التمكن منه فلا توقف ، وحينئذ يحصل

__________________

(١) ١٤ / ذي القعدة / ١٣٨٢ ه‍ ق ، بالتاريخ المذكور وصل الدرس إلى هذه المقامات فحدثت زيادات في إحدى عشرة ورقة [ منه قدس‌سره. لا يخفى أن الزيادة تنتهي بقوله في ص ٤١٦ : عند الاختلاف في الطهارة والنجاسة ].

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٨٣ ـ ٢٨٥.

(٣) كفاية الاصول : ٨٥.

٣٩٥

امتثال الأمر بالصلاة إن صلاها عاريا مع عدم تمكنه من الساتر ، وبعد ذلك لا مجال للاعادة والقضاء ، فان التستر في الصلاة وإن كان في حد نفسه ذا مصلحة إلاّ أن مصلحته في حال امتثال الأمر بالصلاة ، ومع حصول امتثال الأمر لا مجال بعده للاتيان بالتستر في امتثال الأمر بالصلاة ، ويكون حاله من هذه الجهة حال التعدد العرضي أعني الواجب في واجب ، وتكون هذه المصلحة أعني مصلحة التستر في حال امتثال الأمر بالصلاة هي الفارقة بين ما نحن فيه ، وبين تبدل الموضوع كما في مسألة السفر والحضر ، في أن إخراج المكلف نفسه من موضوع الحاضر إلى المسافر لا حرج عليه فيه ، بخلاف ما نحن فيه فانه لا يجوز للمكلف أن يخرج نفسه بسوء اختياره من موضوع المتمكن من الساتر إلى العاجز عنه ، بأن يعدم الساتر الموجود عنده.

وأما الاعادة ، فان المكلف إن كان واجدا للساتر من أوّل الوقت إلى آخره فلا إشكال في كونه مخيرا بين أفراد الصلاة الطولية كأفرادها العرضية ، وهكذا الحال لو كان غير متمكن من الساتر من أوّل الوقت إلى آخره ، ولو صلى وارتفع العذر بعد خروج الوقت دخلت المسألة فيما تقدم من القضاء.

وإنما الكلام فيما لو كان في أوّل الوقت غير متمكن منه لكنه يتمكن منه في آخره ، وفي هذه الصورة يكون الفرد الأوّل خارجا ، ويكون التخيير العقلي فيما بعده. نعم لو اعتمد على الاستصحاب أو اليأس أو القطع بعدم ارتفاع العذر دخلت المسألة في إجزاء الحكم الظاهري عند انكشاف الخلاف فيه. ولو قلنا بأنه يسوغ البدار بمجرد طروّ التعذر وأنه لا يجب عليه الانتظار وقد أقدم على الصلاة عاريا ثم ارتفع العذر ، كان محصل ذلك هو أن مصلحة الصلاة لا تتوقف على التستر عند كونه غير قادر عليه ، ففي

٣٩٦

حال كونه غير قادر عليه لا تكون الصلاة مقيدة بالتستر ، فيحصل الامتثال ولا مجال للاعادة ، إذ لا موضوع للتستر حينئذ كما عرفته فيما تقدم.

وأما ما تضمنته الكفاية (١) في الصورة الثانية من أن المسوّغ للبدار فيها هو المزاحمة بمصلحة الوقت ، فذلك بحث واسع ذو عرض عريض تعرض له شيخنا قدس‌سره (٢) في مبحث التزاحم من مسألة الترتب ، وذلك هو مزاحمة الأجزاء بعضها مع بعض والقيود بعضها مع بعض.

والذي يتعلق بذلك فيما نحن فيه هو مزاحمة الوقت لبعض القيود كالساتر ونحوه. أما لو كان القيد مشروطا بالقدرة الشرعية كالطهارة المائية فلا إشكال في تقدم الوقت عليها وسقوطها ولزوم الانتقال إلى التيمم.

أما ما لم يكن مشروطا بالقدرة الشرعية مثل الساتر والاستقبال ومثل كلي الطهور ، أما الأخير فالذي يظهر منهم تقدمه على الوقت ، فلا تشرع الصلاة في الوقت فاقدة له. وأما البواقي فظاهرهم تقدم الوقت عليها ، بل إن ما يدل على مشروعية فاقد هذه القيود يدل بالملازمة على سقوطها في قبال الوقت ، وإلاّ لكان اللازم تأخير الصلاة إلى أن يتمكن ولو بعد الوقت. وحيث كان الوقت هو المقدم كان محصله هو سقوط قيدية الساتر عند تعذره ، وكان موجبا لانسداد باب التلافي بعد الامتثال كما عرفت التفصيل في ذلك.

ولا يخفى أن فتح باب التزاحم بين الوقت وبقية القيود كالساتر والاستقبال لا يكاد يتجه على الطريقة التي سلكها شيخنا قدس‌سره ، فان التقييد بالساتر إن كان على نحو وحدة المطلوب ، على وجه لا يكون في الصلاة

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٤ ، ٨٥.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٩ ـ ٥١.

٣٩٧

الفاقدة له مصلحة ولو في حال تعذره ، فلا تكون الصلاة حينئذ مأمورا بها في الوقت كي يدخلها التزاحم. وإن كان التقييد بالساتر على نحو تعدد المطلوب الطولي ، ففي صورة تعذره يكون المأمور به هو الصلاة عاريا فلا تزاحم التقييد بالوقت.

وإنما ينفتح باب التزاحم لو قلنا إن مصلحة الصلاة مع الساتر بثلاثين درجة ، ولكن عند تعذره يحصل المكلف بالصلاة عاريا على عشرين درجة ، فتفوته من أصل المصلحة عشر درجات على وجه لا يمكنه بعد ذلك الحصول عليها ، ولنفرض أنها أعني تلك العشرة الفائتة مصلحة مهمة لازمة ، ومقتضاه أن لا يشرع له الأمر بالفاقد ، بل يكون اللازم عليه هو الانتظار إلى ما بعد ارتفاع العذر ولو بعد الوقت ، فيصلي في خارج الوقت مع الساتر لكن تفوته مصلحة الوقت ، وهنا ينفتح باب التزاحم باعتبار أن تفويت الوقت يوجب تفويت أغلب المصلحة ، فيتعين الصلاة عاريا في الوقت ، ولا يجب عليه الاعادة والقضاء ، لأن المفروض عدم إمكان التدارك لما فات من المصلحة ، ولو أمكن التدارك وجب الفعل في الوقت قضاء لحقه ، والاعادة في خارجه أداء لحق الساترية إن كان ذلك الفائت لازم الاستيفاء ، وإن كان مستحبا تعيّن عليه الصلاة عاريا في الوقت واستحب له إعادتها بعد الوقت متسترا.

ويمكننا فتح باب المزاحمة بين الوقت وبين القيد الفائت على طريقة شيخنا قدس‌سره ، وذلك بأن نقول إن مصلحة أصل الصلاة بثلاثين مثلا ، وهذه المصلحة تتوقف على التستر عند التمكن منه ، وفيه ـ أعني نفس التستر ـ مصلحة خاصة به بمقدار عشر درجات على نحو الواجب في واجب ، وحينئذ عند تعذر التستر والصلاة عاريا لم يفته شيء من الثلاثين ، لأن

٣٩٨

توقفها على التستر منحصر بالتمكن منه ، أما مع عدم التمكن منه فلا تتوقف الثلاثون عليه بل تحصل بالصلاة عاريا ، لكن فاته العشر درجات الخاصة بنفس التستر في الصلاة ، فيمكن أن يؤمر بالتأجيل إلى ارتفاع العذر ليحصل على العشرة المذكورة وعلى الثلاثين ، فكانت العلة في التأجيل هي تلك العشرة ، ولكن بعد فرض أنه بالتأجيل تفوته مصلحة الوقت وهي أكثر من العشرة ، فتقع المزاحمة بين مصلحة التستر وهي عشرة ومصلحة الوقت وهي عشرون مثلا. وهذا التزاحم آمري ، فالشارع يوجب عليه التعجيل لأجل نيل مصلحة الوقت ، وهي أهم عنده من مصلحة التستر في الصلاة.

والظاهر جريان هذه الطريقة حتى لو قلنا بأن التزاحم مأموري ، وأن العقل هو الحاكم من جهة أنه فعلا لا يمكنه تحصيل مصلحة الساتر لعدم تمكنه منه ، لكن يمكنه تحصيل مصلحة الوقت ، فيحكم العقل بلزوم تحصيلها بالصلاة في الوقت عاريا.

وإن شئت فقل : إنه يوجّه إليه فعلا تكليفان لا يمكنه الجمع بينهما وهما « تستّر في صلاتك » و « اجعل صلاتك في الوقت » ، وكل منهما يكون امتثاله موجبا لعدم نيله الثاني إلى آخر الدهر ، ولمّا كان الأوّل منهما غير متمكن منه فعلا ألزمه العقل بالثاني ، ويكون ذلك من قبيل المتزاحمين اللذين يكون أحدهما مقدما زمانا على الآخر في تقديم ما هو المقدم زمانا إن لم يكن المتأخر أقوى ملاكا ، والفرض فيما نحن فيه أن المقدم زمانا وهو الوقت هو الأقوى ملاكا.

وهذا بخلاف مزاحمة كلي الطهور مع الوقت ، حيث إنه أعني كلي الطهور أهم من الوقت ، بل لا مصلحة في الصلاة الفاقدة للطهور وان كانت في الوقت ، ويتعين حينئذ بحكم العقل تأخير الصلاة إلى ما بعد الوقت ،

٣٩٩

فيكون المقدم هو الطهور ويسقط الوقت عن مزاحمته له.

والحاصل : أن طريقة التعدد العرضي راجعة إلى جعل المسألة من قبيل الواجب في ضمن واجب ، بخلاف التعدد الطولي فانه راجع إلى وحدة الواجب لكنه يتقيد بحالة خاصة كالتمكن ونحوه.

وهاتان الطريقتان يتعاكسان تقريرا وتحريرا. فتقرير الاولى هي كون الواجب أوّلا هو ذات الصلاة والواجب الثانوي هو تقييده بالساتر مثلا ، بخلاف تقرير الثانية فانه يكون الواجب الأولي هو الصلاة المقيدة بالساتر وعند عدمه يكون الواجب الثانوي هو ذات الصلاة.

وهاتان الطريقتان كما يختلفان تقريرا فكذلك يختلفان موردا ، ففي مثل الساتر والاستقبال ونحوهما لم يتوهم أحد كون ذلك من قبيل الواجب في واجب. نعم ربما خرّجوا مسألة الجهر والاخفات على ذلك ، فيقال إنه إذا فعل أحدهما في مورد الآخر نسيانا لم تجب عليه الاعادة للقراءة وان تذكر وهو في أثناء القراءة. نعم قد احتاط البعض فقال الأحوط الاعادة بقصد القربة المطلقة. وفي بعض العبائر ما لا يعجبني وهو أنّ الاحوط الاعادة بقصد القرآنية ، فان قصد القرآنية لعلها لا تسدّ الجزئية لو كانت هي المطلوبة.

وعلى كل حال ، أن هذه الطريقة أعني الواجب في واجب إنما يمكن القول بها في مثل الجهر والاخفات ، دون مثل الساتر والاستقبال ونحوهما. نعم يمكن أن تأتي في مثل الوقت ، بأن يكون الواجب الأولي هو ذات الصلاة ، وكونها في الوقت واجب آخر ، نظير المسارعة والفورية ونحوهما.

أما الطريقة الثانية وهي التعدد الطولي ، فيمكن الالتزام بها في كثير من قيود الصلاة مثل الساتر ونحوه ، فان الواجب الأولي هو الصلاة مع الساتر ،

٤٠٠