أصول الفقه - ج ٢

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٢

نذر الصوم المعيّن من جهة الروايات.

وفي العروة في مسائل الحج بالنذر قال : والقول بعدم وجوبه بدعوى أن القضاء بفرض جديد ضعيف لما يأتي (١) ، فراجع.

وعلى كل حال فلو قلنا بثبوت القضاء في باب نذر الحج والصوم ، وأنه لا بدّ فيه من كونه بأمر جديد لعدم التعدد في قصد الناذر ، لم يكن ذلك دليلا على أن كل قضاء يكون بأمر جديد ، نعم يصلح مؤيدا من باب كونه نظيرا أو أحد أفراد محل البحث ، ويبعد اختصاصه بخصوصه بذلك فلاحظ.

قوله : [ ومنشأ الاشكال هو أن الفوت الذي علّق عليه وجوب القضاء في الأدلة ... الخ ](٢).

بعض أدلة القضاء في باب الصلاة مشتمل على ذكر الفوت (٣) ، وبعضه مشتمل على ذكر الترك (٤) ، وعلى كل حال بعد أن كان المرجع في باب الصلاة هو قاعدة الحيلولة كان هذا البحث فيها ساقطا ، ويبقى الباقي من العبادات مما ثبت له القضاء ، فينبغي النظر في كل واحد من الأدلة.

وهاهنا أبحاث في كيفية استصحاب الوجوب بعد انقضاء الوقت تعرضنا لها فيما علّقناه على التنبيه الرابع من تنبيهات الاستصحاب (٥) المعقود لبيان الاستصحاب في الزمان والزمانيات ، فراجعها.

__________________

(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ٤ : ٤٩٨ مسألة ٨.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٧٨ [ لا يخفى أنه قدس‌سره لم يذكر هذا المتن في الأصل لكنّا أضفناه للمناسبة ].

(٣) وسائل الشيعة ٨ : ٢٦٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ٦ وغيره.

(٤) وسائل الشيعة ٨ : ٢٦٤ / أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ٢٥ ، ب ٤ ح ١.

(٥) فوائد الاصول ٤ : ٤٣٤ ، وستأتي حواشي المصنّف قدس‌سره عليه في المجلّد التاسع.

٣٢١

ولا يخفى أن الاستصحاب الذي تعرضت له الكفاية (١) هو الجاري في الشبهة الحكمية ، بمعنى الشك في أصل وجوب القضاء وهو الراجع إلى التنبيه الرابع ، أما الاستصحاب الذي تعرض له شيخنا قدس‌سره فهو الجاري في الشبهة الموضوعية بعد فرض ثبوت وجوب القضاء ، بأن يحصل الشك بعد الوقت بالاتيان بالصلاة في الوقت ، والاشكال فيه راجع إلى الأصل المثبت فلاحظ.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٤٤.

٣٢٢

[ مبحث المرة والتكرار ]

قوله : المبحث الثامن في المرة والتكرار ... إلخ (١).

ربما استدل القائل بالمرة بأنه لو لا ذلك لكان اللازم تكرار الحج في كل عام ، وربما استدل القائل بالتكرار بأنه لو لاه لما وجب تكرار الصلاة عند كل وقت من أوقاتها ، ولما تكرر الصوم في كل عام.

ولا يخفى سخافة كل من الدليلين ، ولأجل ذلك أفاد شيخنا ما حاصله : أن هذا ليس من باب التكرار ، بل من باب وجود الحكم وتكرار وجوده بتكرار وجود موضوعه.

والذي ينبغي في تحرير هذا البحث بيان امور :

الأوّل : ما عرفت من سقوط هذا النزاع وأنه غير مبني على أساس علمي ، وأن الحق هو تعلق الأمر بصرف الطبيعة غير مقيدة بمرة ولا تكرار.

الثاني : ما أفاده في الفصول (٢) من كون النزاع إنما هو في الصيغة لا في المادة ، لاتفاقهم على أن المصدر

المجرد موضوع لصرف الطبيعة وهو مادة الأفعال ، فكيف يمكن النزاع في مادة فعل الأمر أنها هل مقيدة بالمرة أو بالتكرار.

وأجاب عنه في الكفاية (٣) بأن المصدر ليس هو المادة ، وحينئذ يجوز أن تكون مادة الفعل مشوبة بالمرة والتكرار فيكون النزاع راجعا إلى

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٧٩.

(٢) الفصول الغروية : ٧١.

(٣) كفاية الاصول : ٧٧ ـ ٧٨.

٣٢٣

المادة.

وفيه : ما لا يخفى ، لأن هذه المادة سارية في كل المشتقات ، ومن الواضح أن الموجود منها في اسم الفاعل مثلا لا مرة فيه ولا تكرار.

ثم إنه بعد أن تحقق أن نفس المصدر لا مرّة فيه ولا تكرار كيف يعقل لحوقهما للمادة السارية في جميع المشتقات سريان الهيولى في الصور ، لما عرفت في محله من كون تلك المادة أشد بساطة من المصدر ، فانك قد عرفت في محله أن مادة جميع المشتقات حتى المصدر واسم المصدر ملحوظة لا بشرط ، وهو في اسم المصدر ملحوظ بشرط لا ، وفي باقي المشتقات ملحوظ بشرط شيء وهو الانتساب ، حتى المصدر نفسه فان الحدث فيه ملحوظ به الانتساب ، غاية الأمر أن هيئته الحرفية لم تكن هي الموضوعة لتلك النسبة كما في سائر المشتقات ، بل هي ضابطة لحروفه ليس إلاّ ، وأن المدلول به على النسبة هو هيئة تركبه مع باقي المفردات من فاعله ومفعوله ونحو ذلك. وينبغي ملاحظة ما تقدم (١) من هذه الجهات في باب المشتق وفيما علّقناه على الكفاية ، فراجع.

الأمر الثالث : أن المراد بالمرة والتكرار هو الفرد والأفراد أو الدفعة والدفعات؟ أفاد في الكفاية (٢) أن كلا منهما محتمل.

الأمر الرابع : أن القائل بالأفراد أو القائل بالدفعات هل يريد بذلك أنها على نحو الارتباط ، فلازمه أنه لو تخلل زمان ولم يفعل فيه يسقط الواجب ولا يمكن التلافي لانحلال الارتباطية ، أو أنه يريد بذلك الوجوب الانحلالي ، فتكون تلك الأفراد أو الدفعات واجبات استقلالية لكل إطاعة

__________________

(١) في صفحة : ٢٦٩ وما بعدها من المجلّد الأول من هذا الكتاب.

(٢) كفاية الاصول : ٧٨.

٣٢٤

وعصيان على حدة ، لكن كل واحد من تلك الوجوبات لا يتجدد فيه النزاع المذكور من كونه للمرة أو التكرار ، لأن الفرد أو الدفعة لا تتكرر.

أما القائل بالمرة أو الدفعة فهل يعني ذلك بشرط لا ، فلازمه أنه لو ألحقه بفرد آخر أبطله ، ولا يمكن التلافي ، بل كل ما زيد عليه يكون منافيا لشرط لا ، وليس ذلك من قبيل تكبيرة الاحرام لأنها فاتحة الصلاة ، فلو أبطلها بثانية كانت الثانية أيضا باطلة لكونها منهيا عنها وبها يخرج من الصلاة ، فيفتحها حينئذ بتكبيرة ثالثة ، فتكون الثانية باطلة والثالثة صحيحة وهكذا ، وهذا بخلاف الفرد بشرط لا ، فانه كلما زيد عليه فرد آخر زاد إبطالا ، هذا إن اريد من المرة بشرط لا.

وإن اريد به الفرد لا بشرط وقد أتى بأفراد دفعة فما ذا يكون المأمور به وكلها فرد لا بشرط ، اللهم إلاّ أن يقال إنه ما يختاره المولى ، ثم لو أتى بالفرد وأراد الاتيان بفرد آخر كان ذلك من قبيل الامتثال عقيب الامتثال.

أما على القول بالطبيعة فان كانت مطلقة في مقام البيان كان الحال فيه حال هذا الأخير في أنه يحصل الامتثال بالمرة ، لأنه وجود للطبيعة ويكون ما زاد من قبيل الامتثال عقيب الامتثال ، ولو جاء بأفراد دفعة واحدة كانت كلها امتثالا واحدا لكونها وجودا من الطبيعة ، أما لو كانت الطبيعة مهملة من هذه الناحية بمعنى احتملنا أن يكون المراد هو التكرار أو الفرد بشرط لا أو الفرد لا بشرط ، كان اللازم هو الاتيان بفرد لكونه واجبا قطعيا ، أما الآخر الباقي فيدور الأمر فيه بين الوجوب الارتباطي أو الانحلالي إن قلنا بالتكرار ، والحرمة إن قلنا بالفرد بشرط لا ، والاباحة إن قلنا بالفرد لا بشرط ، فتجري أصالة البراءة في كل من وجوبه وحرمته ، وحينئذ تكون النتيجة موافقة للقول بالمرة لا بشرط.

٣٢٥

[ مبحث الفور والتراخي ]

قوله : ومعنى كون الواجب فوريا هو تضيقه ، كما أن معنى جواز التراخي هو التوسعة ... الخ (١).

ليس المراد من التضييق والتوسعة هو ما تقدم (٢) من قسمي الوقت ، بل المراد من التضييق هو مجرد التعجيل وأن لا رخصة في التأخير ، فان القائلين بالفور لا يقولون بكون الواجب مضيّقا ، بمعنى كونه موقتا بأول أزمنة الامكان ، بحيث إنه لو لم يفعله في أوّل أزمنته يكون فعله بعد ذلك قضاء ، ولأجل ذلك لا يكون الحج في الأعوام المتأخرة عن عام الاستطاعة قضاء بل لا يكون إلاّ أداء. وبالجملة : أن الفورية عبارة عن لزوم التعجيل في الامتثال ، وذلك غير كون الواجب موقتا بأول أزمنة الامكان.

وتوضيح النزاع في هذه المسألة هو أن يقال : إنه بعد فرض أنه لم يقل أحد بوجوب التراخي يكون محصّل القول بالتراخي هو جواز التأخير في قبال وجوب الفور ، وحينئذ يقع الكلام في أن هذا الوجوب هل هو وجوب شرطي أو أنه وجوب نفسي مستقل ، وتنقيح ذلك يتوقف على ما يستفاد من أدلة أرباب هذا القول أعني الفورية ، وهي ثلاثة : الأوّل : التمسك بالاطلاق. الثاني : التمسك بالأدلة السمعية مثل آية الاستباق (٣) وآية

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٧٩ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) راجع أجود التقريرات ١ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥.

(٣) البقرة ٢ : ١٤٨ ، المائدة ٥ : ٤٨.

٣٢٦

المسارعة (١). الثالث : حكم العقل خوفا من عدم التمكن فيما بعد.

أما الاطلاق فعلى تقدير تماميته يكون مفاده التقييد ، إذ لا يعقل أن يكون الأمر بالصلاة مثلا متكفلا لأمر نفسي يتعلق بالتعجيل فيها. لكن التقييد ممنوع ، لأنه إن كان من ناحية المادة فلا ريب في منعه ، لكونها صالحة للانطباق على الأفراد المتأخرة كما هي صالحة للانطباق على الأفراد المتقدمة. وأما الهيئة فكذلك ، إذ لا دلالة لها على أزيد من البعث نحو المادة وأن هذا البعث فعلي ، لكن ذلك لا يستلزم خروج الأفراد المتأخرة عن حيّز ذلك البعث ، على وجه يكون انقضاء أوّل أزمنة الامكان موجبا لسقوط ذلك الطلب وتبدله إلى طلب القضاء.

والحاصل : أن هذا القيد إن كان راجعا لنفس الهيئة كان مفاده اشتراط الوجوب به ، وهو ضروري البطلان فيما نحن فيه ، وإن كان راجعا إلى المادة فلا ريب أن المادة بنفسها لم تكن مقيدة بأوّل أزمنة الامكان ، وإن كان المدعى هو أن المادة بنفسها وإن لم تكن مقيدة بذلك إلاّ أنها يطرأ عليها التقييد المزبور بواسطة طروّ الطلب عليها ، ففيه أن طروّ الطلب لا يقتضي أزيد من البعث إليها ، وذلك لا يوجب تقييد المبعوث إليه بكونه واقعا في أوّل أزمنة الامكان على وجه يكون انقضاؤه موجبا لسقوط الطلب أو لتوجه الأمر بالقضاء. أما كون البعث فعليا في أوّل أزمنة الامكان فهو مسلّم إلاّ أنه لا يوجب التقييد ، حيث إن تحقق الطلب والبعث في ذلك الآن لم يكن على نحو التقييد ، وإنما أقصى ما في البين هو كون ذلك الآن ظرفا للطلب كسائر الآنات المتأخرة.

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٣٣.

٣٢٧

أما الأدلة السمعية فهي على تقدير تماميتها صالحة لكل من النفسية والشرطية ، نظير قوله تطهّر في الصلاة ، إلاّ أن الكلام في تماميتها ، إذ ليس مفادها إلاّ الارشاد إلى حسن المسارعة للطاعة ، ولو سلّم فلا أقل من منع دلالتها على الوجوب ، وأقصى ما في البين هو الدلالة على الاستحباب.

وأما حكم العقل فهو مسلّم في مورد عدم المؤمّن ، لكن المؤمّن موجود وهو الاعتماد على استصحاب بقاء القدرة والتمكن إلى ما بعد ، لكن لو لم يكن ذلك المؤمّن موجودا لم يكن ذلك الحكم العقلي موجبا للتقييد بل ولا يوجب التكليف النفسي ، وإنما أقصى ما في البين هو حكم العقل بالمسارعة من باب لزوم الاطاعة والتحذير من المعصية ، ولا أثر لهذا المقدار لو خولف إلاّ الوقوع في المعصية لو اتفق عدم القدرة فيما بعد ، أو التجري لو اتفق استمرار القدرة وحصول الامتثال فيما بعد.

ومن ذلك يظهر لك أنه لا وجه للتقابل بين التراخي والقول بأن متعلق الأمر هو الطبيعة من دون دلالة على الفور ولا على التراخي ، فانه قد ظهر لك أن الأمر لا دلالة فيه على وجوب التراخي ولا على جوازه ، إذ الظاهر أنه لم يقل أحد بذلك أعني دلالة الأمر على وجوب التراخي أو على جوازه ، فلا يكون المقابل للفور إلاّ القول بصرف الطبيعة.

وأما جواز التراخي في الموسعات فانما هو لدليل التوسعة ، وحيث إن ذلك الدليل أعني التوسعة مفقود في المقام ، فيمكن أن يقال : إن مقتضى إطلاق الطلب هو فعلية البعث بمجرد توجهه ، ومقتضى فعلية البعث هو الانبعاث الفعلي ، فلا ترخيص في التأخير ، ومقتضاه لزوم الفور والتعجيل ، غايته أنه لا بنحو التوقيت ، بل من مجرد لزوم التعجيل بمعنى لزوم الانبعاث على وجه لو عصى وقصّر يلزمه التعجيل أيضا ، نظير التعجيل في إزالة

٣٢٨

النجاسة عن المسجد ، فلم يبق في قبال إطلاق الطلب إلاّ إطلاق المادة وشمولها للأفراد الطولية ، فان قدّمنا إطلاق المادة على إطلاق الطلب كان نتيجة ذلك هو جواز التراخي ، وإلاّ كان المرجع هو ما يقتضي إطلاق الطلب من البعث الفعلي وكون التأخير عصيانا.

بل يمكن القول بأنه لا منافاة بين ما يقتضيه إطلاق الطلب من فعلية البعث وعدم الترخيص في التأخير ، وما يقتضيه إطلاق المادة من الشمول للأفراد الطولية ، على وجه لو أخّر ولو عصيانا يكون المأمور به منطبقا على ذلك الفرد الواقع في ثاني أزمنة الامكان ، فتأمل. هذا كله مع قطع النظر عن الدليل الخارج.

أما بالنظر إليه فان دل على الفورية والمسارعة فهو على وفق إطلاق الأمر ، وإن دل على التوسعة وجواز التأخير كان مقتضاه هو الحكم الشرعي بجواز التأخير ، وهل يكون ذلك راجعا إلى التخيير الشرعي؟ الظاهر نعم ، وحينئذ ينسدّ باب التخيير العقلي في الأفراد الطولية.

وعلى كل حال ، أن مورد حكم العقل بلزوم المبادرة حذرا من طروّ عدم القدرة إلاّ مع استصحاب بقاء القدرة إنما هو ذلك ، أعني مع دليل التوسعة شرعا القاضي بجواز التأخير إلى البدل الآتي ، ومع قطع النظر عن هذا الدليل لا مورد لتلك الحكومة العقلية أعني لزوم المبادرة إلاّ مع استصحاب بقاء القدرة ، إذ مع قطع النظر عن الدليل المذكور لا يجوز التأخير حتى مع العلم ببقاء القدرة ، كما أنه مع لزوم الفور والمبادرة لا محصل للتخيير العقلي بين الأفراد الطولية.

والخلاصة : هي أنه مع قطع النظر عن دليل التوسعة ، وبقينا نحن والأمر بالفعل القاضي بلزوم الانبعاث فعلا الذي هو عبارة عن الفورية ، لم

٣٢٩

يبق مورد للتخيير العقلي بين الأفراد الطولية ، كما أنه لم يبق مورد للقول بحكم العقل بالمبادرة إلاّ مع الاعتماد على استصحاب بقاء القدرة ، بل إن التأخير لا يجوز عقلا حتى مع العلم ببقاء القدرة ، لأن التأخير عصيان للفورية. نعم لو دل الدليل الشرعي على التوسعة كما في الموقتات الموسعة يكون جواز التأخير منوطا باحراز بقاء القدرة ولو بواسطة الاستصحاب.

ثم إنا لو قلنا بأن مفاد دليل التوسعة هو التخيير الشرعي بين الأفراد الطولية لم يبق فيه مورد للتخيير العقلي بين الأفراد الطولية. نعم لو قلنا إن ذلك الدليل لا يوجب التخيير الشرعي كان التخيير العقلي فيه مجال ، فلاحظ وتأمل.

لا يقال : إن الأمر وإن كان مقتضيا للانبعاث إلاّ أن ذلك لا يقتضي الفورية ، لأن البعث تابع للفعل المبعوث إليه ، فإذا كان المبعوث إليه هو الطبيعة المطلقة لم تكن قضيته إلاّ لزوم الاتيان بالطبيعة المطلقة ، ويستوفي ذلك جميع أفرادها الطولية.

لأنا نقول : لو كان المراد من إطلاق الطبيعة هو شمولها لجميع أفرادها الطولية ، بحيث يكون محصّل الأمر بطبيعة الصلاة هو أنّ كلا من أفرادها الطولية داخل تحت الأمر ، لكان ذلك الاطلاق البدلي دليلا على التوسعة ، فيكون خارجا عمّا نحن فيه من فرض كون متعلق الأمر هو صرف الطبيعة لا جميع أفرادها على البدل ، ومن الواضح أن محصل الأمر بصرف الطبيعة هو البعث إلى صرف الطبيعة ، ففي الآن الأوّل يكون البعث إلى صرف الطبيعة متحققا فيكون الانبعاث إلى صرف الطبيعة في ذلك الآن لازما ، فما هو المسوّغ للتأخير عن ذلك الآن مع فرض تحقق البعث فيه وإن كان المبعوث إليه في ذلك الآن هو صرف الطبيعة ، لأن ذلك وهو

٣٣٠

صرف الطبيعة مقدور له في ذلك الآن ، وقد فرضنا تعلق البعث به ، فما هو العذر المسوّغ للتأخير.

وبالجملة : أن جواز التأخير يتوقف على التوسعة في ذلك البعث ولو بواسطة كون متعلقه هو الطبيعة المطلقة إطلاقا بدليا شاملا شمولا بدليا للأفراد الطولية ، والمفروض هو عدم ذلك الاطلاق ، وليس بأيدينا إلاّ الطبيعة لا بشرط الذي عرفت أن مقتضاه كون الطلب متعلقا بصرف الطبيعة.

قال في الكفاية : نعم قضية إطلاقها جواز التراخي ، والدليل عليه تبادر طلب إيجاد الطبيعة منها بلا دلالة على تقييدها بأحدهما ، فلا بدّ في التقييد من دلالة أخرى ... إلخ (١).

جعل إطلاق المادة دليلا على عدم التقييد بالفورية ، فكأن القائل بالفورية يدعي تقييد المادة المأمور بها بالفورية ، ولازم ذلك سقوط الأمر عصيانا لو لم يبادر ، إلاّ أن يحمل التقييد بالفورية على نحو تعدد المطلوب العرضي بأن يكون من قبيل الواجب في واجب ، أو على التعدد الطولي بأن يكون الواجب أوّلا هو الطبيعة الفورية ، فان لم يحصل ذلك ولو لأجل العصيان يكون الواجب هو نفس الطبيعة بلا فور أو مع الفور ثانيا. ولكن التعدد الطولي والعرضي كل منهما خلاف ظاهر التقييد ، بل مقتضى التقييد هو وحدة المطلوب ، الموجب لسقوط الطلب عند عدم حصول القيد ولو عصيانا.

ومن ذلك كله يظهر لك الاشكال فيما أفاده بقوله : تتمة ... الخ ، ما ظاهره أنه عند عدم الفورية لا يسقط الأمر ، بل يبقى الأمر بالطبيعة لكنه

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٠.

٣٣١

مردد بين الفورية ثانيا وعدمها فلاحظ ، هذا.

ولكنك قد عرفت أن القول بالفورية ليس من قبيل تقييد المادة ، بل إنما هو بقضية نفس الأمر القاضي بالبعث الفعلي الموجب للانبعاث الفعلي ، فلو عصى كان الأمر بحاله متعلقا بالطبيعة فورا ، فهو على وتيرة ما لو قام دليل بالخصوص على وجوب الفورية مثل قضية الحج ، في أن العصيان في أول أزمنة الامكان لا يوجب سقوط الأمر بالطبيعة ولا سقوط لزوم الفور ، والنتيجة هي وجوب الطبيعة فورا ففورا ، فلاحظ.

ثم إن الفورية قد تكون مأخوذة من الحرمة ، كما في فورية إزالة النجاسة عن المسجد أو عن المصحف أو إخراجه من المحل غير المناسب له ، فان الأصل في ذلك ونحوه هو حرمة إبقاء النجاسة فيكون التأخير عصيانا ، ولعل الأمر كذلك في وجوب التوبة لكونها تخليصا للنفس من دنس الذنوب ، أو لكونه موجبا للخروج عن الاصرار عليها وهو في حدّ نفسه حرام.

أما في مثل قضاء صوم اليوم الفائت من شهر رمضان فان العقل يحكم بالمسارعة فيه خوفا من الفوت بالموت أو بالمرض ، إلاّ أن يستند في ذلك إلى استصحاب الحياة وعدم المرض ، فلو أخّر طمعا في أن يصوم في يوم الغدير مثلا اعتمادا على الأصل المزبور بأن قلنا بصحة الاعتماد عليه واتفق أنه مات قبله ، لم يكن مستحقا للعقاب وإن بقيت ذمته مشغولة به وكان اللازم أن يقضى عنه ذلك اليوم بعد وفاته ، وهكذا الحال في قضاء الصلوات اليومية.

وإن لم يكن في تأخيره معتمدا على الأصل واتفق أنه أدركه ، لم يكن في البين إلاّ مجرد التجري ، لكن لو اتفق موته قبله كان بذلك التأخير

٣٣٢

مستحقا للعقاب ، لكن هو على ترك الواجب الذي هو قضاء اليوم.

وهل يستحق العقاب على نفس التأخير؟ محل تأمل وإشكال. ويمكن القول بالاستحقاق ، فان متعلق الأمر وإن كان هو ذات الطبيعة إلاّ أنه لمّا تعلق بها البعث الفعلي كان البعث مقتضيا للانبعاث ، فلو لم ينبعث فعلا وأدّاه فيما بعد كان عاصيا ، لأن عدم انبعاثه مع فعلية البعث لا يكون إلاّ عصيانا.

ويمكن المنع عن ذلك من جهة أن العصيان المدعى إنما هو عصيان الأمر بالطبيعة ، وهذا إنما يتم لو استمر على الترك إلى أن مات ، أما لو اتفق أنه فعله بعد ذلك انكشف انه لم يكن في ذلك الترك عاصيا للأمر بالطبيعة.

ولعل هذه المضايقات إنما جاءت من النظر إلى البعث والتحريك ، أما لو نظرنا إلى الواقع فليس في البين إلاّ مجرد الوجوب الذي هو من سنخ الحكم الوضعي ، فلا بعث إلاّ في مقام الاثبات ، وهو ليس من الأحكام الشرعية كي يقال كيف تأخر الانبعاث عن البعث.

٣٣٣

[ مبحث الاجزاء ]

قوله : وبعبارة أخرى إذا بنينا على التكرار ولو ما دام العمر فلا إشكال في أن الأمر ينحل باعتبار تعدد متعلقه في الخارج ، فيقع النزاع في أن الفعل الأوّل المتعلق للأمر الأوّل هل يجزي عن التعبد به ثانيا أو لا (١).

لا يخفى أن هذا الأمر الانحلالي أيضا أمر فيقتضي التكرار ، ولا تكرار إذ لا يتكرر الفرد ، ولو قلنا بعدم الاجزاء كيف يعيد والمطلوب منه في كل آن التكرار لأصل الطبيعة. وكأن جميع هذه التكلفات في قبال قول صاحب الكفاية قدس‌سره : نعم كان التكرار عملا موافقا لعدم الاجزاء لكنه لا بملاكه (٢) والذي يهوّن الخطب هو بطلان كل من التكرار وعدم الاجزاء ، فلاحظ.

قوله : نعم يمكن تبديل الامتثال بامتثال آخر في مقام الثبوت (٣).

إن ما ورد من تبديل الامتثال يمكن تنزيله على المراعاة والشرط المتأخر ، بمعنى أن هذا الفرد الأوّل يكون امتثالا إن لم يلحقه بالفرد الآخر وإلاّ كان الامتثال بالفرد الآخر. ويمكن تنزيله على إعطاء المكلف حق الفسخ والاستقالة والاقالة عند إرادته التبديل ، ولعل الوجه الأوّل متوقف على الوجه الثاني ، وعلى كل حال يكون المأتي به ثانيا من باب امتثال الأمر الوجوبي ، لا أنه امتثال للأمر الاستحبابي بالاعادة كما ربما يظهر ذلك في

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٨١ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) كفاية الاصول : ٨٢.

(٣) أجود التقريرات ١ : ٢٨٢ [ وسيأتي التعليق عليها أيضا في الصفحة : ٣٣٧ ].

٣٣٤

مسألة تكرار صلاة الآيات ما دامت الآية موجودة ، فانه أجنبي عن تبديل الامتثال الذي ورد فيه أنه تعالى يختار أحبّهما إليه (١). ومن ذلك يظهر لك التأمل فيما تضمنته الحاشية (٢).

ولا يبعد أن يقال : إن المتعين في التبديل هو الطريقة الاولى ، أما الثانية فهي لا تخلو عن إشكال ، ولعلنا يمكننا تنزيل تكرار صلاة الآيات على بقاء الأمر الأول ، فانه لا يمتثل بالمكرر إلاّ نفس الواجب ، لا أنه نافلة مستحبة وإلاّ لم تجز فيه الجماعة وكان قطعها جائزا.

وأما الفرق الذي تعرضه في الكفاية (٣) بين هذه المسألة ومسألة تبعية القضاء للأداء فهو في غاية الغرابة ، فان موضوع هذه المسألة هو الاتيان بالمأمور به ، وموضوع تلك المسألة هو عدم الاتيان به في وقته. نعم المأمور به بالأمر الاضطراري مثلا بالنسبة إلى المأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي لعله يكون من باب عدم الاتيان ، لكن النظر في مسألتنا إلى جعله إتيانا وفي تلك المسألة إلى فرض عدم الاتيان ، فلاحظ.

قوله : ولذا نسبه المتأخرون من المحققين إلى الاتيان دون الأمر خلافا للمتقدمين حيث نسبوه إلى نفس الأمر (٤).

الظاهر أنّ ما صنعه المتقدمون أوجه ليكون الاقتضاء بمعنى الدلالة ، ويكون النزاع في المأمور به بالأمر الاضطراري والأمر الظاهري ، وأنّ الأمر في ذلك هل يدل على أنّ المأمور به مجز عن الواقع أو أنّه لا يجزي عنه ، إذ

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٤٠٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ١٠.

(٢) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٢٨٢.

(٣) كفاية الاصول : ٨٢.

(٤) أجود التقريرات ١ : ٢٨١.

٣٣٥

لا نزاع على الظاهر في أنّ الاتيان بالمأمور به يجزي عن أمر نفسه ، وإنما النزاع في إجزائه عن أمر غيره. مضافا إلى أنّ التعبير بالإجزاء يعطي فرض المغايرة ولو في الجملة ، ولو كان المراد هو الإجزاء عن أمر نفسه لكان التعبير بالاسقاط أنسب.

وأما ما تكلفه في الكفاية (١) من جعل النزاع في الأمر الاضطراري والظاهري بالنسبة إلى الأمر الواقعي صغرويا ، فهو تكلّف لا داعي إلى ارتكابه بعد ما عرفت أنّ حقيقة النزاع فيهما ، لا في متعلق كل أمر بالنسبة إلى أمر نفسه ، فانّه على الظاهر أنه لا ينبغي النزاع كما اعترف به بقوله : لو كان هناك نزاع.

قوله : الثاني أنّ المراد من لفظ « على وجهه » هو إتيان المأمور به بكل ما يعتبر فيه عقلا أو شرعا ... إلخ (٢).

لا يخفى أنّ الأجزاء والشرائط الشرعية داخلة في المأمور به ، فلا يكون ذكر اعتبارها إلاّ توضيحا ، بخلاف الشرائط العقلية ، فالأنسب أن يكون المراد بالوجه هو خصوص العقلية ، لكن مدخلية قصد القربة في العبادات لا تكون عقلية على رأيه قدس‌سره ، فينحصر الوجه العقلي بمثل الجزم بالنية والاطاعة التفصيلية ، في قبال الاحتمالية والاجمالية بناء على أنّ العقل لا يراها إطاعة في مورد التمكن من الجزم والاطاعة التفصيلية ، ويكون التقييد بها منحصرا في مورد اعتبارها من العبادات التي يتمكن المكلف من تحصيل الجزم بالنية فيها.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٢.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٨١ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٣٣٦

قوله : نعم يمكن تبديل الامتثال بامتثال آخر في مقام الثبوت ... إلخ (١).

لا يخفى أنّه في مورد إعادة الامام صلاته إماما ثانيا في خصوص ما لو كانت الجماعة الثانية مساوية للاولى أو كانت أقل منها ، لا يبعد كونه من قبيل استحباب التكرار ، إذ لا مزية للثانية على الاولى كي يكون من قبيل التبديل بالأحسن.

ثم لا يخفى أنّه في موارد جواز التبديل لا بدّ من الالتزام بأن حصول الامتثال بالفرد الأوّل وسقوط الأمر به كان مراعى بعدم التبديل ، وإلاّ فلو كان حصول الامتثال به منجزا لكان الثاني لغوا.

والذي يظهر منه قدس‌سره بل الذي صرح به بعد الدرس هو كون السقوط بالأوّل وحصول الامتثال به منجّزا لا معلقا على عدم الاتيان بالفرد الآخر ، ولا ينافي ذلك جواز التبديل الذي دل عليه الدليل ، لأنّه حينئذ من قبيل تبديل ما حصل به الامتثال لا من قبيل تبديل الامتثال.

ولا يخفى أنّه مع ذلك يمكن أن يقال : إنه بعد الاتيان بالثاني لا مجال للقول بأن الامتثال وسقوط الأمر كان حاصلا بهما ، كما أنه لا مجال للقول بأن الامتثال والسقوط كان حاصلا بالأوّل ليكون الثاني لغوا صرفا ، أو يكون مستحبا صرفا بأمر آخر استحبابي غير الأمر الأوّل ، وإذا لم يمكن الالتزام بذلك كما هو واضح تعين كون الامتثال والسقوط حاصلا بالثاني ، وأن الامتثال والسقوط بالأوّل معلّق ومشروط بعدم الاتيان بالثاني ، بحيث يكون حصول الامتثال بالأوّل مراعى بعدم الاتيان بالثاني.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٨٢ [ تقدم التعليق عليها في صفحة : ٣٣٤ ].

٣٣٧

وكما يمكن تصوير تبديل الامتثال بما عرفت من التعليق ، فكذلك يمكن تصويره بجعل الشارع الخيار للمكلف نظير حق الفسخ والاقالة ، ولكن ذلك مشروط باتمام الثاني صحيحا.

ويمكن أن يقال : إن الثاني لا يكون على صفة الوجوب وإن كان موصوفا بأنه بداعي الأمر الأوّل السابق ، وذلك بناء على ما تقدم (١) من وحدة الأمر الوجوبي مع الأمر الاستحبابي ، غايته أن الدليل على الثاني ما دل على جواز الترك ، ويكون حاله حال التكرار في صلاة الآيات ، ويكون محصّل ذلك هو تعلق الأمر بها مكررة ، لكن الدليل على جواز ترك ما عدا الفرد الأوّل يكون موجبا لكون ما عدا الفرد الأوّل مستحبا ، وإن كان الأمر المتعلق بالجميع واحدا ، فتأمل.

قوله قدس‌سره في الكفاية في تصوير الأوامر الاضطرارية : وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه أو يكون بمقدار يستحب ... إلخ (٢).

لا يخفى أن هذين القسمين يمكن إجراؤهما في صورة عدم إمكان استيفاء الباقي ، فانه يمكن أن يكون ذلك الباقي من المصلحة الذي لا يمكنه استيفاؤه واجبا ، كما يمكن أن يكون مستحبا ، بمعنى أن ذلك الباقي الذي لا يمكنه استيفاؤه تارة يكون مصلحة مهمة للشارع يلزم المحافظة عليها ، واخرى لا تكون بتلك الدرجة من الأهمية بل لا يبقى إلاّ خصوصية مستحبة ، فتكون الصور حينئذ خمسا.

لكن الصورة الثانية أعني ما لو كان الباقي الذي لا يمكن استيفاؤه

__________________

(١) راجع صفحة : ٣٥٠ وما بعدها من المجلّد الأول من هذا الكتاب.

(٢) كفاية الاصول : ٨٤.

٣٣٨

مستحبا داخلة في الصورة الاولى ، أعني ما يكون وافيا بتمام المصلحة ، بأن يكون وفاؤه بتمام المصلحة حتى الجهات الاستحبابية ، أو يبقى جهة استحبابية لا يمكن استيفاؤها ، فيكون حاصل التقسيم هو أنّ الفعل الاضطراري الفاقد لبعض الأجزاء أو الشرائط إمّا أن يكون وافيا بمصلحة الواجد بتمام واجباتها ومستحباتها ، أو وافيا بالجهات الوجوبية وتبقى جهة استحبابية لا يمكن استيفاؤها بعد ذلك ، وذلك هو الصورة الاولى. وإمّا أن يكون وافيا ببعض المصلحة الوجوبية ويبقى منها ما يكون واجبا أيضا لكن لا يمكن استيفاؤه وذلك هو الصورة الثانية. وإما أن يبقى من مصلحة الوجوب شيء يمكن استيفاؤه ، وذلك هو الصورة الثالثة. وإما أن لا يبقى من مصلحة الوجوب شيء ، لكن يبقى من المصلحة جهة استحبابية يمكنه استيفاؤها بعد ذلك وذلك هو الصورة الرابعة ، فهذه الصورة الرابعة تشترك مع الشق الثاني من الصورة الاولى في الوفاء بتمام مصلحة الوجوب وأن الباقي جهة استحبابية ، لكن تنفرد عنه بأن الجهة المستحبة في الصورة الرابعة مما يمكن استيفاؤها بخلاف الجهة المستحبة الباقية في الشق الثاني من الصورة الاولى فانها لا يمكن استيفاؤها.

قوله قدس‌سره : ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة (١).

يعني ما لو كان الباقي من الجهة اللازمة من المصلحة لا يمكن استيفاؤه ، فانّ البدار حينئذ مفوّت لذلك الباقي من المصلحة اللازمة فلا يسوغ له البدار ، بل يلزمه الانتظار إلى أن يتضيق الوقت أو يكون مأيوسا من زوال العذر إلى آخر الوقت.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٤.

٣٣٩

والظاهر أنه يسوغ له الاعتماد على استصحاب بقاء العذر إلى آخر الوقت ، فيصح له البدار اعتمادا على الاستصحاب المذكور ، كما صح الاعتماد في تحصيل الجزم بنية إتمام العمل على استصحاب بقاء القدرة إلى الفراغ منه.

ولو أخطأ الاستصحاب أو اليأس بعد إقدامه على العمل بأن ارتفع العذر بعد ذلك فلا شيء عليه ، إذ الفرض عدم التمكن من استيفاء الباقي ، إلاّ إذا كان وفاؤه ببعض المصلحة على وجه لا يمكنه استيفاء الباقي مشروطا بكون العذر مستوعبا لتمام [ الوقت ](١) فانّه حينئذ ينكشف الخطأ لو ارتفع العذر في الأثناء فيلزمه الاعادة.

قوله قدس‌سره : إلاّ لمصلحة كانت فيه ( أي في التعجيل في أوّل الوقت تحصيلا لفضيلة أول الوقت ) لما فيه ( أي في البدار ) من نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة ( المفروض كونها لازمة ) لو لا مراعاة ما هو فيه من الأهم ، فافهم (٢).

لا يخفى أن مصلحة التعجيل مصلحة استحبابية ، وهي مهما بلغت لا تقاوم مصلحة الواجب من الجزء أو الشرط. وبالجملة أن فرض الكلام منحصر فيما لو كان يعلم بارتفاع العذر في آخر الوقت بناء على صحة الاعتماد على استصحاب بقاء العذر ، أو فيه وفيما يحتمل ارتفاع العذر في آخر الوقت بناء على عدم صحة الاعتماد على الاستصحاب المذكور ، ففي مثل ذلك نقول إنه لا يسوغ له البدار ، ومن الواضح أنه في ذلك لا يمكن

__________________

(١) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

(٢) كفاية الاصول : ٨٤.

٣٤٠