أصول الفقه - ج ٢

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٢

كان كل منهم ممتثلا ، ولم يكن من قبيل الاقتران بالمسقط ولا من قبيل الاقتران بما يوجب عدم حدوث التكليف ، لما عرفت من أن المسقط أو ما يكون عدمه شرطا في حدوث التكليف هو سبق أحدهم إلى الفعل ، لا مجرد الاتيان به ولو مقارنا لفعل الآخرين ، هذا كله في صورة تعدد الملاك.

وأما لو فرضنا الملاك واحدا فالذي ينبغي فيه أيضا هو القول بالوجوب على كل منهم مع السقوط بسبق أحدهم ، غير أنه عند الاتيان به منهم دفعة واحدة يكون من قبيل الامتثال الواحد من الجميع لا امتثالات متعددة ، لأن وحدة الملاك توجب كون المطلوب هو القدر الجامع بين الأفعال وهو صرف الطبيعة ، وقد حصل ذلك أعني صرف الطبيعة في ضمن الأفراد المتعددة دفعة واحدة. وفي الحقيقة يكون المكلف به هو صرف الطبيعة ، ويكون المكلف بذلك هو كل واحد من المكلفين.

ولا يخفى أنه لمّا كان المنظور إليه هو حال مسابقتهم إلى حيازة الماء كان وجوب الوضوء على كل منهم مشروطا بأن يكون هو السابق إلى حيازته ، أو بأن لا يسبقه غيره إلى ذلك. وفي هذه المرحلة تكون الحيازة مقدمة للوضوء ، فيكون وجوبها أيضا من هذه الناحية مشروطا بذلك كنفس ذي المقدمة الذي هو الوضوء ، ولكن مع ذلك تكون الحيازة واجبة على كل واحد منهم ، وهذا الوجوب هو الذي يبعث كل واحد منهم إلى المسابقة إلى الحيازة ، فلا بدّ أن نقول إنه وجوب مستقل من باب حرمة تفويت المقدمة.

وإنما نقول إن هذا الوجوب الاستقلالي للحيازة مشروط بعدم سبق الغير لأنه لو سبقه الغير ارتفع موضوع المسابقة ، فيكون سبق الغير حينئذ

٣٠١

مسقطا عن الباقين لبقائه بلا موضوع. ولكن مع ذلك كله لا يكون الانتقاض في هذه الصورة مطلقا ، بل إن الانتقاض في هذه الحالة أعني حالة المسابقة أيضا مشروط بأن يكون هو السابق ، أو أن لا يسبقه غيره بحيث إنه تسنح الفرصة لكل منهم في الحيازة وتوانى فيها.

٣٠٢

[ الواجب الموسع والمضيّق ]

قوله : ثم إن مقتضى القاعدة ... الخ (١).

قلت : توضيح هذا البحث أو تلخيصه أوّلا : أنه قد يقال : كيف يمكن أن يكون الزمان قيدا في الفعل المأمور به مع أنه غير مقدور؟ والجواب : أنه يمكن ذلك بأحد وجوه :

أحدها : ما تقدم (٢) من أن أخذ الزمان في الوجوب يوجب أخذه في الواجب ، وأن ما هو شرط للوجوب يكون شرطا للواجب ، فان جميع القيود راجعة إلى المادة ، غير أنه إذا كان المقيد هو نفس المادة كان الوجوب مطلقا وكان القيد واجب التحصيل. وإن كان المقيد هو المادة بلحاظ طروّ الطلب عليها كان الوجوب مشروطا وكان القيد غير واجب التحصيل ، وتقييد الفعل الواجب بالزمان يكون من هذا القبيل.

ثانيها : أن يقال إنا لو سلّمنا أن ما هو قيد الوجوب لا يلزم منه كونه قيدا للواجب ، نقول إذا قيل إذا زالت الشمس فصلّ كان دخول الزوال شرطا في وجوب الصلاة ، ولكن تبقى مطلقة بحيث إنه لو لا الفورية لجاز فعلها بعد الغروب ، فلو دل الدليل على انحصار وقتها بما بين الزوال والغروب

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٧٦ [ وسيأتي منه قدس‌سره تعليقة اخرى على هذه العبارة في صفحة : ٣٠٩ ].

(٢) راجع ما تقدم في صفحة : ٤٣ ، وقد تقدم شرح مسلك الشيخ قدس‌سره من رجوع القيود إلى المادة في الصفحة : ١٩ وما بعدها.

٣٠٣

كان ذلك الوقت قيدا لنفس الواجب ، ولا يلزم منه التكليف بغير المقدور ، فان المفروض أن التكليف قد توجه إليه عند الزوال ، فلو كان المكلف به هو ايقاع الصلاة في هذا الوقت إلى ما قبل الغروب لم يكن ذلك تكليفا بغير المقدور أعني الفعل المقيد بالزمان ، إذ المفروض أن التكليف به قد توجه إليه عند تحقق ذلك الزمان ، وإنما يكون غير مقدور لو كان التكليف بذلك الفعل المقيد بذلك الزمان قد توجه إليه قبل تحقق ذلك الزمان ، بأن يكلف عند الصبح بالصلاة المقيدة بالزوال مثلا.

ثالثها : أن لا نلتزم بهذا ولا بذاك ، بل نقول إن التكليف قد تعلق ابتداء بالصلاة المقيدة بكونها واقعة بما بين الزوال إلى غروب الشمس كما هو مفاد الآية الشريفة ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (١) بناء على رجوع هذا القيد إلى نفس الصلاة لا إلى وجوبها المستفاد [ من ] ( أَقِمِ ). لكن لمّا كان هذا القيد غير داخل تحت قدرة المكلف كان العقل حاكما بأن وجوب الصلاة المذكورة مقيد بالقدرة عليها ، وينحصر ذلك بتحقق الزوال ، وهذا معنى ما تكرر من الاستاذ قدس‌سره (٢) من أنّ شرطية الزمان في الوجوب قد تكون من جهة القدرة ، فيكون الزمان شرطا في الوجوب خطابا لا ملاكا.

ثم نقول ثانيا : إنه بعد أن ثبت كون الزمان قيدا في الفعل الواجب بأحد الأنحاء الثلاثة المذكورة يقع الكلام في أنه لو انقضى الزمان المذكور ولم يتحقق فيه الاتيان بالفعل المذكور ، فهل يلزم الاتيان به في خارجه أو لا يجب ذلك إلاّ بدليل؟ والأوّل مبني على كون القضاء بالأمر السابق ،

__________________

(١) الاسراء ١٧ : ٧٨.

(٢) راجع أجود التقريرات ١ : ٢٠٩ ، وراجع أيضا صفحة : ٤١ ـ ٤٢ من هذا المجلد.

٣٠٤

والثاني مبني على كونه بالأمر الجديد. ولو شك في وجوب القضاء كان المرجع على الأوّل أصالة الاشتغال ، وعلى الثاني أصالة البراءة.

والأوّل أعني كون القضاء بالأمر السابق لا يتم إلاّ بالالتزام بأحد وجهين :

أولهما : أن يكون التقييد بالزمان من باب تعدد المطلوب ، ولازم هذا المعنى ـ أعني كون التقييد من باب تعدد المطلوب ـ أنه لو تعمد في ترك القيد وجاء بالفعل مجردا عن القيد يكون ذلك الفعل مسقطا للأمر المتعلق به ، غايته أنه يكون مطيعا في ذلك وعاصيا في ترك القيد الذي هو الواجب الآخر. وهذا اللازم لا ريب في بطلانه في مثل قيدية الساتر والجهر والاخفات ونحو ذلك من القيود ، إلاّ أنه يمكن الالتزام به في قيدية الوقت ، بأن نقول لو ترك الصلاة في وقتها عمدا وجاء بها في خارج الوقت كان مطيعا في أصل الفعل عاصيا في ترك القيد الذي هو الزمان.

ولكن مع ذلك فان حمل التقييد ولو بمثل الزمان على تعدد المطلوب خلاف ما يقتضيه طبع التقييد من وحدة المطلوب ، سواء كان التقييد لبيا أو كان لفظيا ، متصلا كان أو منفصلا ، كان له إطلاق أو لم يكن ، من دون فرق في ذلك بين كون دليل الواجب مطلقا أو كونه لا إطلاق له.

وبالجملة : أن هذا الوجه أعني حمل التقييد على تعدد المطلوب ينفيه نفس التقييد ، فلا يمكن الالتزام به لتصحيح كون القضاء بالأمر السابق.

الوجه الثاني : أن يقال إن الزمان وإن كان قيدا للواجب ، ومقتضى قيديته كونه على نحو وحدة المطلوب ، إلاّ أنه يمكن حمل التقييد به على القيدية الخاصة ، أعني أنه يكون قيدا عند التمكن من القيد ، وعند التعذر يكون القيد ساقطا ، كما هو الشأن في القيود غير الركنية مثل الساتر ونحوه.

٣٠٥

وهذا المعنى أعني الحمل على القيدية الخاصة أعني القيدية عند التمكن من القيد ، يلزمه أنه لو انقضى الزمان ولم يأت بالفعل فيه يلزمه الاتيان به في خارجه لتعذر القيد حينئذ ، سواء كان الترك في الوقت اختياريا أو كان اضطراريا.

وفي كون الحمل على هذه القيدية منافيا لطبع التقييد أو كونه منافيا لاطلاقه محل تأمل وإشكال ، ولكنا في غنى عن التمسك للحكم بنفي هذا الاحتمال بطبع التقييد أو باطلاقه ، وذلك لامكان الحكم بنفي هذا الاحتمال فيما نحن فيه بطريق آخر ، وهو أن حمل القيد على القيدية الخاصة أعني كون التقييد مختصا بحال التمكن من القيد وإن كان ممكنا في مثل الساتر ونحوه ، إلاّ أنه فيما نحن فيه من قيدية الزمان غير ممكن ، لأن التمكن من تحصيل القيد المذكور منحصر بوجود الزمان ، فيرجع القول بكون الزمان الخاص قيدا في الصلاة في خصوص حال التمكن منه إلى القول بكون الصلاة مقيدة به في حال كونها مقيدة به ، ويكون ذلك من تحصيل الحاصل ، فلا يكون لتقييد الصلاة بالزمان المذكور أثر أصلا. ولا يرد هذا الاشكال لو قلنا إن القيدية المذكورة مطلقة ، لما هو واضح من تحقق الأثر للقيدية المطلقة وهو سقوط الأمر بها عند انقضاء الزمان.

ولو منع من هذا الاطلاق من جهة عدم إمكان التقييد لقلنا يكفي كونه من باب نتيجة الاطلاق وإن لم يكن من الاطلاق اللحاظي.

وعلى أيّ حال فقد ظهر لك أنه لا معنى للتمسك بالاطلاق بناء على مسلك وحدة المطلوب وتعدده ، وإنما يجري ذلك بناء على مسلك اختصاص التقييد وإطلاقه ، لكن هذا المسلك لا يتأتى في قيدية الوقت ، لما قد عرفت من عدم إمكان اختصاص القيدية فيه.

٣٠٦

ومنه يظهر الاشكال فيما أفاده في الكفاية (١) من التمسك باطلاق الأمر على إثبات كون التقييد بنحو تعدد المطلوب.

وبالجملة : إن أراد من التمسك باطلاق الأمر نفي احتمال وحدة المطلوب فقد عرفت أن مسألة وحدة المطلوب وتعدده لا تنحل بالاطلاق من ناحية الأمر ، ولا بالاطلاق من ناحية التقيد. وإن أراد بذلك نفي احتمال إطلاق القيدية ، ففيه ما عرفت من أن قيدية الزمان لا يحتمل فيها الاختصاص كي ينفي ذلك باطلاق القيدية أو يثبت باطلاق الأمر ، فتأمل. ويكون محصّل التقييد حينئذ هو لزوم الاتيان بالصلاة في وقتها ولا يجوز الاتيان بها في خارج الوقت.

وحيث قد تحقق بطلان هذين الاحتمالين يظهر لك سقوط القول بكون القضاء بالأمر السابق ، ويتعين كونه بالأمر الجديد ، لكن لا يلزم منه أن يكون ذلك لمصلحة جديدة كي يكون القضاء من قبيل الكفارة وسجود السهو ونحوهما ، كي يقال إن ذلك خلاف ظاهر أدلة القضاء ، بل يمكن أن يكون لمصلحة ضعيفة باقية من المصلحة الاولى ، وهذه المرتبة الباقية من المصلحة تكون مقتضية للأمر بالفعل في خارج الوقت ، ويكون ما يظهر من أدلة القضاء من كونه إتيانا لما وجب سابقا محمولا على ذلك ، أعني أنه بمرتبة ضعيفة من المصلحة السابقة. هذا حاصل البرهان على ما أفاده قدس‌سره من كون القضاء بالأمر الجديد.

وأما ما في التقريرات المطبوعة (٢) من تأييده بالزمان الفاصل مثل الليل بالنسبة إلى قضاء الصوم فلا يخفى ما فيه ، فان أصل الوجوب متعلق

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٤٤.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٧٨.

٣٠٧

بالصوم نهارا ، والقيد هو كون ذلك الصوم النهاري واقعا في يوم الجمعة مثلا ، فإذا مضى ذلك اليوم كان الوجوب الباقي هو الصوم في نهار آخر ، فلا يلزم القول بكونه بالأمر السابق ثبوت القضاء ليلا. وهكذا الحال في الزمان الباقي الذي لا يسع إلاّ نصف ركعة ، فانه يمكن أن يقال إن ذلك المقدار الباقي من الوقت هو وقت القضاء ، إذ ليس هو مختصا بخروج الوقت بتمامه ، بل المدار فيه على خروج الوقت الذي يمكن إيقاع الصلاة فيه ولو بمقدار ركعة ، فراجع التقريرات المذكورة وتأمل.

ثم لا يخفى أن أقصى ما يمكن للقائل بأن القضاء بالأمر السابق هو أن يدعي أن التوقيت وإن كان ظاهره وحدة المطلوب ، وأنه لا يجب الاتيان بالفعل خارج الوقت لو لم يؤت به في الوقت ، إلاّ أن دليل القضاء لمّا كان ظاهرا في كونه بالأمر السابق وجب الخروج عن مقتضى ظاهر التوقيت من وحدة المطلوب ، والحكم بأنه من قبيل تعدد المطلوب بأحد النحوين السابقين ، وقد عرفت ما فيه بما محصله أنه لا ظهور للقضاء بكونه بالأمر السابق ، وأنّ اللازم هو كونه بالأمر الجديد ، إلاّ أن ذلك لو سلّمناه فانما نسلّمه لو ثبت القضاء بدليله.

أما إذا شككنا في لزوم القضاء ، فلا ريب في أن دليل التوقيت محكّم فيما هو ظاهر فيه من كونه على نحو وحدة المطلوب ، الذي يكون مقتضاه عدم الوجوب في خارج الوقت ، ومعه كيف يمكن الرجوع في الشك المزبور إلى الاشتغال كما فرّعوا ذلك على القول بكون القضاء بالأمر السابق. نعم لو كان دليل التوقيت ساقطا في حدّ نفسه لكان المرجع بعد سقوطه هو أصالة الاشتغال لو قلنا إن القضاء بالأمر السابق ، دون ما لو قلنا بأنه بالأمر الجديد فان المرجع عليه هو البراءة ، لكن أنّى لنا بذلك ، وكيف

٣٠٨

يمكننا القول بأنّ دليل التوقيت ساقط في حد نفسه ، سيما إذا قلنا إن دليل التوقيت بنفسه يقتضي وحدة المطلوب وإن لم يكن لنا إطلاق في القيدية المطلقة.

على أنا لو سلّمنا ذلك فلا يمكننا الرجوع إلى أصالة الاشتغال إلاّ إذا كان الترك في الوقت اختياريا دون ما لو كان غير اختياري ، للشك حينئذ في عروض الوجوب عليه بعد خروج الوقت وارتفاع العذر في ترك الفعل ، إذ لا يكون التكليف متوجها إليه بعد ارتفاع العذر وبعد خروج الوقت ، إلاّ إذا كان أصل التكليف على نحو تعدد المطلوب ، دون ما لو كان على نحو وحدته ، فانه بناء عليه لا يكون التكليف متوجها لا قبل خروج الوقت لكونه معذورا فيه ، ولا بعده لكونه غير مكلف بعد خروج الوقت (١).

قوله : ثم إن مقتضى القاعدة هل هو وجوب الاتيان بالموقت في خارج وقته ... إلخ (٢).

لا يخفى أنهم في هذا المقام وفي مبحث الأوامر الاضطرارية وفي

__________________

(١) ينبغي أن يصدّر هذا المبحث بأمر وهو أن التقييد بالوقت الموسّع هل يلزمه كون التخيير بين الأفراد الطولية تخييرا شرعيا لكونه ناشئا عن الحكم الشرعي الذي هو التقيد بالوقت الموسّع ، أو أن هذا التقييد لا يكون [ إلاّ ] من قبيل التقييد باخراج بعض الأفراد العرضية ، مثل تقييد الصلاة بالطهور المخرج للفاقدة له في أنه لا يوجب أن يكون التخيير فيما بقي من الأفراد العرضية تخييرا شرعيا ، وحينئذ لا يكون لتحديد الصلاة بما بين الحدين من الوقت أثر إلاّ إخراج ما هو خارج عن الحدين المذكورين من دون أن يكون موجبا للتخيير الشرعي بين الأفراد الطولية الواقعة فيما بين الحدين. وبقيت أبحاث أخر في الواجب المضيق والموسّع حررناها فيما علّقناه على تحريراتنا في الدرس فراجعها ، إذ لم يسع الوقت لنقلها إلى هذه التعليقة [ منه قدس‌سره ].

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٧٦ [ تقدم منه قدس‌سره تعليقة اخرى على هذه العبارة في صفحة : ٣٠٣ ].

٣٠٩

بعض مباحث الأقل والأكثر فيما لو تعذر بعض الأجزاء والشرائط قد يقولون إن التقييد على نحو وحدة المطلوب ، فلا يجب القضاء ولا يجب الاتيان بفاقد القيد بعد تعذر قيده ، أو أنه على نحو تعدد المطلوب فيكون ذلك أعني القضاء وفاقد القيد واجبا ، وقد يرتبون ذلك أعني الوجوب المذكور وعدمه على كون القيدية مطلقة شاملة لحال التعذر ، فلا يجب القضاء ولا الفاقد للقيد بعد تعذر القيد إن كانت القيدية مطلقة ، ويكون كل من القضاء والفاقد واجبا إن كانت القيدية مختصة بحال التمكن.

وهذه المباني تحتاج إلى شرح وتوضيح ، ولنصطلح على المبنى الأوّل بأن الوحدة في قبال التعدد العرضي ، وعلى المبنى الثاني بأن الوحدة في قبال التعدد الطولي ، فنقول بعونه تعالى : إن كان المراد بتعدد المطلوب في هذا المقام هو المبنى الأوّل أعني التعدد العرضي ، بأن يكون أصل الصلاة مطلوبة وكونها مع الساتر أو كونها مقيدة به مطلوبا آخر في عرض المطلوب الأوّل ، فيكون ذلك من قبيل الواجب في ضمن واجب كما هو الظاهر من شيخنا قدس‌سره (١) ، لم يتجه ما في الكفاية (٢) من التمسك باطلاق الأمر على كونه من قبيل التعدد ، إذ هذه المسألة أعني كون التقييد من قبيل الواجب في ضمن واجب أو من قبيل الواجب الواحد المقيد لا يكون المرجع فيها هو إطلاق الأمر أو إطلاق التقييد ، إذ لا يترتب على شيء منهما شيء من هذين الوجهين ، بل إن نفس التقييد ولو كان بدليل لبي كالاجماع ونحوه يكون مثبتا للوحدة ونافيا للتعدد.

ثم لا يخفى أن حمل التقييد على ذلك المعنى من التعدد أعني كونه

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٧٧.

(٢) كفاية الاصول : ١٤٤.

٣١٠

واجبا في ضمن واجب لا يتأتى في مثل الساتر ونحوه ، لأن لازمه هو أنه لو تعمد تركه صحت صلاته ، غايته أنه يكون عاصيا في ترك الواجب الآخر وهو التستر في الصلاة ، هذا. مضافا إلى ما عرفت (١) من أن طبع التقييد يقتضي الوحدة ونفي التعدد.

نعم ، في التقييد بالزمان يمكن أن يتأتى التعدد بالمعنى المذكور ، بأن يكون أصل الصلاة واجبة وكونها في الوقت واجبا آخر ، إذ لا يرد عليه الاشكال السابق ، لأنه ما دام في الوقت لا يمكنه إيقاع الصلاة مجردة عن الوقت ، نعم لو تعمد تركها في الوقت فهو يمكنه إيقاعها مجردة منه خارج الوقت ، فيمكن الحكم بصحتها حينئذ ، ويكون ذلك نظير ما لو تعمد ترك الصلاة ما دام الساتر موجودا عنده ثم لمّا فقده صلّى عاريا ، فلا يكون داخلا في الاجماع المذكور.

نعم ، يرد على القول بكون التقييد بالزمان من هذا القبيل أعني تعدد المطلوب العرضي وكونه واجبا في ضمن واجب ، ما تقدم من أنه خلاف ما يقتضيه طبع التقييد من الوحدة.

أما المبنى الثاني ، وهو أنه بعد الفراغ عن الوحدة وأن المأمور به هو الصلاة المقيدة ، هل إن التقييد مختص بحال التمكن من القيد أو أنه مطلق شامل لصورة عدم التمكن؟ ومقتضى الاختصاص هو وجوب الفاقد بعد تعذر القيد ، ومقتضى الاطلاق هو عدم وجوبه ، فهو وإن تأتى في مثل الساتر ونحوه وكان لاطلاق الوجوب وإطلاق دليل التقييد أثر في ذلك ، ويتصور من ذلك صور أربع : إطلاق كل منهما ، إهمال كل منهما ، إطلاق

__________________

(١) في صفحة : ٣٠٥.

٣١١

الأول وإهمال الثاني ، وإهمال الأوّل وإطلاق الثاني ، ويترتب الأثر على هذه الصور ، إلاّ أن ذلك أعني مبنى اختصاص التقييد وإطلاقه لا يتأتى في التقييد بالزمان ، إذ لا يتصور فيه أن تكون قيدية الزمان مختصة بحال التمكن منه ، لأن حال التمكن من الزمان عبارة عن كونه موجودا في الزمان ، فيكون جعل القيدية في ذلك لغوا لكونها من تحصيل الحاصل.

وحينئذ لا بد أن تكون قيدية الزمان مطلقة غير مقيدة بما دام الزمان موجودا ، والمفروض هو عدم كونه من قبيل الواجب في ضمن واجب ، فلا بدّ أن يكون التقييد بالزمان موجبا لسقوط الأمر عند انتهائه ، وأنه لا يعقل أن يكون القضاء بالأمر السابق إلاّ إذا أخرجناه عن التقييد وجعلناه من قبيل الواجب في ضمن واجب ، فلو دل الدليل على لزوم القضاء لزمنا حمله على كونه أمرا جديدا ، وإن لم نحمله على الأمر الجديد وحملناه على الأمر السابق كان المتعين تخريج التقييد بالزمان على الواجب في ضمن الواجب ، ولا يمكننا تخريجه على القيدية الخاصة لما عرفت من أن ذلك من قبيل تحصيل الحاصل.

ومنه يتضح لك التأمل فيما افيد عن شيخنا قدس‌سره من قوله : وإن كان يمكن تصوير كل من الوجهين الأوّلين في مقام الثبوت ... الخ (١) لما عرفت من أنه لا يمكن في مقام الثبوت تصوير كون قيدية الزمان مقيدة بحال التمكن منه ، لأنه إن كان المراد أنه قيد ما دام متمكنا منه لزم تحصيل الحاصل ، وإن كان المراد هو أن التمكن يوجب بقاء القيدية وإن ارتفع التمكن ، كانت النتيجة هي عدم وجوب القضاء فيما لو كان متمكنا في

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٧٧ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٣١٢

الوقت ، وانحصار وجوب القضاء فيما إذا لم يتمكن من الصلاة في الوقت وهو خلاف المفروض.

ويمكن أن يقال : إن صاحب الكفاية قدس‌سره ليس مراده من تعدد المطلوب في المقام هو ما تقدم من الواجب في ضمن الواجب ، كي يتوجه عليه ما ذكرتم من أن ذلك لا معنى للتمسك فيه بالاطلاق ، بل مراده من التعدد هو ذلك المعنى الآخر الذي هو التعدد الطولي ، فيكون محصّله أن إطلاق الأمر كاشف عن أن نفس الصلاة مطلوبة بقول مطلق ، سواء تمكن من الساتر أو لا ، وأن دليل التقييد حيث كان مهملا لا إطلاق له من ناحية التقييد كان المحكّم فيما بعد الوقت أو بعد تعذر القيد هو إطلاق الأمر ، فيكون ذلك راجعا إلى دعوى كون القيدية مختصة بحال التمكن من القيد ، لأن ذلك هو القدر المتيقن من دليل التقييد الذي فرض إهماله من هذه الجهة.

وحينئذ لا يتجه عليه ما ذكرتموه (١) ولا ما ذكره شيخنا قدس‌سره (٢) من أن طبع التقييد يقتضي وحدة المطلوب ، وأنه لا خصوصية للزمان في ذلك من بين سائر القيود ، لأن ذلك كله إنما يتجه عليه لو كان مراده بذلك الاطلاق هو نفي الوحدة وإثبات التعدد العرضي ، أما لو أراد به نفي إطلاق التقييد وأن إطلاق الأمر لحال تعذر القيد يكشف عن أن التقييد مختص بحال التمكن من القيد ، لأن ذلك هو القدر المتيقن منه ، وتبقى صورة عدم التمكن من القيد مشمولة لاطلاق الأمر ، فلا يرد ذلك عليه.

نعم ، يرد عليه ما قدّمناه من أنه لا يمكن ادعاء كون القيدية في الزمان

__________________

(١) في صفحة : ٣١١ ، ٣٠٥ ، وقد تعرض أيضا لكلام صاحب الكفاية قدس‌سره في صفحة : ٣٠٧.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٧٧.

٣١٣

مختصة بحال التمكن ، مضافا إلى ما أورده عليه شيخنا قدس‌سره (١) من أنه خلاف ظاهر دليل القضاء.

ومن ذلك كله يظهر لك أن ما أفاده في الكفاية إن كان مبنيا على التعدد العرضي كان في غاية السقوط ، وإن كان مبنيا على التعدد الطولي كان راجعا إلى اختصاص القيدية بحال التمكن ، الذي عرفت أنها لا يمكن الالتزام [ بها ](٢) في خصوص قيدية الزمان.

وعلى أيّ حال لا وجه لما في الحاشية (٣) من أن ما في الكفاية في غاية المتانة ، بل هو على العرضية في غاية الضعف ، وعلى الطولية يرد عليه ما أفاده شيخنا قدس‌سره من منافاته لدليل القضاء ، مضافا إلى ما عرفت من لزوم تحصيل الحاصل ، فراجع وتأمل.

فالذي تلخص : أن طبع التقييد يقتضي الوحدة وينفي كونه من قبيل التعدد العرضي ، فلم يبق عندنا إلاّ احتمال كون التقييد بالزمان مختصا بحال التمكن ، وحيث إن هذا الاحتمال لا يمكن أن يتأتى في قيدية الزمان ، لما عرفت من لزوم تحصيل الحاصل ، فلا بدّ من الحكم بكون قيدية الزمان من باب وحدة المطلوب وأنها قيدية مطلقة نظير الطهور ، ومقتضى ذلك هو أنه لو انقضى الوقت ولم يصلّ لم يجب عليه القضاء ، كما لا يبعد استفادة ذلك من حديث لا تعاد (٤) حيث جعل الوقت أحد الامور الخمسة المستثناة ـ على وجه لو صلى قبل الوقت وجبت عليه الاعادة في الوقت ـ فلو ورد

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٧٧.

(٢) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

(٣) أجود التقريرات ١ ( الهامش ٢ ) : ٢٧٦.

(٤) وسائل الشيعة ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

٣١٤

دليل يدل على القضاء لم يكن لنا بدّ من حمله على كونه أمرا جديدا ، لأن حمله على الأمر السابق يوجب الالتزام بأحد وجهين :

الأوّل : كون التقييد بالوقت مختصا بحال التمكن. وقد عرفت أنه غير ممكن.

الثاني : كون التقييد من باب التعدد العرضي. وهو وإن كان ممكنا في خصوص الزمان إلاّ أنه خلاف ما يقتضيه طبع التقييد من الوحدة ، هذا.

مضافا إلى أن التقييد بالزمان كالتقييد بالساتر ، وقد عرفت أن التقييد بالساتر لا يمكن أن ينزّل على التعدد العرضي ، لما عرفت من أن لازمه صحة الصلاة مع تعمد ترك الساتر ، فالتقييد بالوقت كالتقييد بالساتر ينبغي أن لا ينزّل على التعدد العرضي ، وغاية الفرق بينهما أن التقييد بالساتر المفروض فيه الوحدة وعدم التعدد يمكن أن يكون مختصا بحال التمكن ، ولازمه أنه عند تعذره يكون اللازم هو الاتيان بالفاقد ، والقاعدة وإن اقتضت إطلاق القيدية إلاّ أنه بعد أن دل الدليل على وجوب الباقي ينزّل ذلك على القيدية الخاصة ، وهذا بخلاف التقييد بالزمان فانه لا يمكن فيه القيدية الخاصة ، فبعد فرض ثبوت كونه على نحو وحدة المطلوب كما هو الشأن في جميع القيود وكما يقتضيه طبع التقييد ، ينحصر الأمر في دليل القضاء بالحمل على الأمر الجديد لا الأمر السابق ، فلاحظ وتأمل.

والحاصل : أن طريقة التعدد العرضي راجعة إلى جعل المسألة من قبيل الواجب في ضمن واجب ، بخلاف التعدد الطولي فانه راجع إلى وحدة الواجب ، لكنه يتقيد بحال خاصة كالتمكن ونحوه.

وهاتان الطريقتان يتعاكسان تقريرا وتحريرا ، فتقرير الاولى هي كون الواجب أوّلا هو ذات الصلاة والواجب الثانوي هو تقييدها بالساتر مثلا ،

٣١٥

بخلاف تقرير الثانية فانه يكون الواجب الأوّلي هو الصلاة المقيدة بالساتر ، وعند عدمه يكون الواجب الثانوي هو ذات الصلاة.

وهاتان الطريقتان كما يختلفان تقريرا فكذلك يختلفان موردا ، ففي مثل الساتر والاستقبال ونحوهما لم يتوهم أحد كون ذلك من قبيل الواجب في واجب.

نعم ، ربما خرّجوا مسألة الجهر والاخفات على ذلك ، فيقال إنه إذا فعل أحدهما في مورد الآخر نسيانا لم تجب عليه الاعادة وإن تذكّر وهو في أثناء القراءة ، واحتاط البعض فقال : الأحوط الاعادة بقصد القربة المطلقة ، وفي بعض العبائر ما لا يعجبني وهو الأحوط الاعادة بقصد القرآنية ، إذ أنّ قصد القرآنية لعلها لا تسدّ الجزئية لو كانت هي المطلوبة.

وعلى كل حال أن هذه الطريقة أعني الواجب في ضمن الواجب إنما يمكن القول بها في مثل الجهر والاخفات ، دون مثل الساتر والاستقبال. نعم يمكن أن تأتي في مثل الوقت ، بأن يكون الواجب الأوّلي هو ذات الصلاة ، وكونها في الوقت واجب آخر ، نظير المسارعة والفورية ونحوهما.

أما الطريقة الثانية وهي التعدد الطولي فيمكن الالتزام بها في كثير من قيود الصلاة مثل الساتر ونحوه ، فان الواجب الأوّلي هو الصلاة مع الساتر بمعنى أن تقييد الصلاة بالساتر واجب ، ولكن ذلك يختص بحال التمكن من الساتر ، بخلاف مثل أصل الطهور ، بل جعل بعضهم بعض القيود ذكريا مثل الطهارة من الخبث وسمّوه شرطا ذكريا ، إلى غير ذلك من موارد الاختصاص لبعض القيود.

لكن هذه الطريقة لا تأتي في مثل الزمان ، فان ما دل على تقييد الصلاة بالزمان الكذائي لا يمكن تقييده بصورة التمكن من ذلك القيد أعني

٣١٦

نفس الزمان ، فان ذلك عبارة اخرى عن أنه يجب على المكلف أن يقيد صلاته بالزمان الخاص عند تمكنه من ذلك الزمان الخاص ، أعني عند وجود ذلك الزمان الخاص ، فيكون انحصار هذا التقييد بصورة التمكن من هذا القيد من قبيل تحصيل الحاصل.

وتوضيح ذلك : أن تقييد الصلاة بالساتر مثلا إنما يكون لطرد فاقد القيد وهو الصلاة عاريا ، وحينئذ يمكننا أن نقول إن طرد الفاقد تارة يكون مطلقا سواء كان متمكنا من التستر أو كان غير متمكن منه ، ولازمه سقوط الصلاة عند عدم التمكن منه ، واخرى يكون طرد ذلك الفاقد أعني الصلاة عاريا مختصا بما إذا كان متمكنا من الساتر ، أما لو كان غير متمكن منه فلا يكون الفاقد للساتر أعني الصلاة عاريا مطرودا في ذلك الحال.

وإذا أجرينا هذه العملية في الزمان الخاص كما بين الطلوعين في صلاة الصبح ، فكانت الصلاة الواجبة مقيدة بذلك الزمان ، وكانت الصلاة الخارجة عن ذلك الزمان كالصلاة بعد طلوع الشمس مطرودة عن هذا الأمر ، فان كان التقييد مطلقا شاملا لحال وجود الزمان ولحال انقضائه صحت القضية ، وكان لازمها هو عدم صحة الصلاة في الخارج عن ذلك الزمان ، وهو معنى الركنية الذي يكون لازمه أن القضاء لو ثبت كان بالأمر الجديد. وإن كان ذلك التقييد مقيدا بحال التمكن الذي هو حال وجود الزمان ، كان طرده للفاقد الذي هو الصلاة في خارج الوقت مختصا بحال وجود الزمان ، ومحصله أنك في حال وجود الزمان لا تصلّ في خارجه ، ومن الواضح أنّ هذه الصلاة الفاقدة للزمان لا يمكن إيجادها في ذلك الزمان ، فيكون طردها في ذلك الحال تحصيلا للحاصل.

والفرق بين كون القيدية مطلقة وكونها مقيدة بحال التمكن ، أن

٣١٧

الخارج عن ذلك الزمان في حال وجود ذلك الزمان وإن كان منطردا بنفسه لكن بعد خروج الزمان يكون منطردا بواسطة إطلاق التقييد ، وهذا بخلاف ما لو كانت القيدية مختصة بحال التمكن أعني حال وجود الزمان الذي هو بين الطلوعين ، فان أثر القيدية ينحصر حينئذ بحال وجود الزمان ، إذ لا قيدية في حال خروجه ، ومن الواضح أن أثر القيدية هو طرد الخالي ، والمفروض أن الخالي في ذلك الزمان منطرد بنفسه ، فلا تكون القيدية المنحصرة في ذلك الحال إلاّ من قبيل تحصيل الحاصل.

لا يقال : إذا ورد الأمر بالصلاة مطلقا ثم ورد الأمر بالصلاة في الوقت واحتملنا في هذا الأمر الثاني أنه أمر مستقل ليكونا من قبيل التعدد العرضي ، أو أنه قيد في الأوّل لكن على نحو القيدية المختصة بحال التمكن ، أو أنه قيد فيه على نحو القيدية المطلقة ، كان إطلاق الأمر الأوّل وشموله للوقت ولما بعد الوقت كاشفا عن نفي الاحتمال الثالث ، ويبقى الاحتمالان الأوّلان ، ولعل ذلك هو مراد الكفاية (١). وبعد إبطالكم الاحتمال الثاني في خصوص التقيد بالزمان يتعين الاحتمال الأوّل.

لأنا نقول : قد عرفت فيما مضى (٢) أن هذا الاحتمال منفي بنفس التقييد ، وأن التقييد بالزمان كالتقييد بغيره يعطي الوحدة في قبال التعدد العرضي.

ثم لا يخفى أن التعدد الطولي لو سلّمناه في الزمان وأغضينا النظر عن الاشكال فيه من جهة لزوم تحصيل الحاصل ، لا يكون منتجا لكون القضاء بالأمر السابق إلاّ على القول بجعل القيدية ، أما على القول بالانتزاع وأنه

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٤٤.

(٢) في صفحة : ٣٠٥ ، ٣١٠ ـ ٣١١ ، ٣١٤ ـ ٣١٥.

٣١٨

ليس في البين إلاّ الأمر المتعلق بالمقيد ، فأقصى ما في البين حينئذ هو كون ذلك الأمر المتعلق بالمقيد يكون مشروطا بالتمكن من القيد ، وأنه عند تعذر القيد يكون الأمر متعلقا بفاقد القيد ، فلا يكون هذا الأمر المتعلق بالفاقد المتوجه عند تعذر القيد إلاّ أمرا جديدا ، وليس هو ذلك الأمر السابق ، إلاّ بأن نقول إن المتوجه أوّلا هو الأمر بطبيعة الصلاة وأن المقيد هو الأمر بالقيد عند التمكن منه ، وعند سقوط هذا الأمر الثاني يبقى الأمر الأوّل بحاله ، وهذا إما راجع إلى التعدد العرضي ، أو هو مبني على جعل القيدية ابتداء أو بالأمر بالقيد ، والأوّل قد عرفت الحال فيه وأنه خلاف مقتضى التقييد ، والثاني خلاف ما هو المفروض من عدم جعل القيدية أو جعل الأمر بالقيد على حدة.

والحاصل : أن التمكن من هذا القيد أعني الزمان إن جعلناه قيدا في الوجوب الوارد على الصلاة المقيدة بالزمان ، وأنه عند عدم التمكن يكون الواجب هو الصلاة الفاقدة ، كان ذلك عبارة أخرى عن كون القضاء بأمر جديد. وإن جعلنا التمكن من هذا القيد قيدا في تقييد الصلاة بهذا القيد أعني الزمان ، كان لازمه تحصيل الحاصل ، لأن التمكن من هذا القيد مساوق لوجوده ، فيكون الحاصل أنه عند وجود هذا القيد يكون قيدا.

مضافا إلى أن نفس التقييد لا يقبل التقييد في نفسه ، سواء قلنا إنه عبارة عن نفس هذه الجهة الوضعية أعني التقييد ، أو قلنا بأنه عبارة عن الأمر بالقيد ، لما حقق في محله من أنه لا واقعية لكل منهما ، وأن الواقع إنما هو تعلق الأمر بالمركب والمقيد ، وعنه ينتزع الجزئية أو الأمر بالجزئية والقيدية أو الأمر بالقيد.

لا يقال : قد حقق في محله أنّ كلا من الجزء أو الشرط يكون مأمورا

٣١٩

به أمرا ضمنيا ، فهذا الأمر الضمني يكون هو مورد التقييد بالتمكن.

لأنا نقول : نعم إن كلا منهما يكون مأمورا به أمرا ضمنيا ، ولكن هذا الأمر الضمني تحليلي ، فليس هو بمستقل كي يكون في حد نفسه قابلا للتقييد بالتمكن.

والخلاصة : هي أن قيد التمكن إن رجع إلى الأمر المتعلق بالصلاة المقيدة بالزمان كانت النتيجة هي كون القضاء بأمر جديد ، وإن رجع إلى الوجوب الاستقلالي المتعلق بقيدية الزمان كان من قبيل التعدد العرضي وقد عرفت الحال فيه.

قوله : ويؤيده ثبوت القضاء في الحج والصوم المنذورين ... الخ (١).

هذه المسألة تراجع في الفقه. وفي الجواهر في مبحث نذر الحج ( لو نذر الحج ماشيا فحج راكبا ) تعرّض لذلك ، ويظهر منه المنع من شمول القضاء ، نعم ربما يظهر منه الفرق بين كون المنذور هو حج هذه السنة وكون المنذور هو الحج فيها ، قال قدس‌سره : وفرق واضح بينهما ، لعدم تصور قضاء الأوّل وتداركه لفواته بفوات السنة ، بخلاف الثاني الذي هو ظرف للفعل ، فانه يمكن قضاؤه بعموم « من فاتته » (٢) إلاّ أنه قد يقال بعدمه في خصوص النذر من حيث ظهور الأدلة بانحلاله بالمخالفة ، وهو مقتض لعدم الخطاب حينئذ ولو قضاء (٣). ولكنه في مسألة ما لو نذر صوم يوم معيّن فصادف يوم العيد تعرض (٤) لذلك أيضا ، ويظهر منه مسلّمية القضاء في

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٧٨ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) عوالي اللئالي ٢ : ٥٤ / ١٤٣.

(٣) جواهر الكلام ٣٥ : ٣٨٥ ، ١٧ : ٣٥٢.

(٤) جواهر الكلام ٣٥ : ٣٩٧ ـ ٣٩٩.

٣٢٠