أصول الفقه - ج ٢

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٢

التكليف. وهذه الصورة هي ما قلنا بأنها يحتمل أن يكون مراد السيد.

وكيف كان ، فقد يظهر من بعض المتأخرين أنه لا بدّ من التوقف ـ إلى أن قال : ـ وأما التمسك بأصالة الاطلاق في جانب الهيئة لأن تقييد المادة معلوم على الوجهين ، إذ تقييد الهيئة لا ينفك عن تقييد المادة بخلاف تقييد المادة فيبقى إطلاق الهيئة في محله ، فقد يجاب عنه بأن تقييد المادة غير معقول بما هو مقيد للهيئة ... إلخ. وحاصل الجواب : هو أن تقييد المادة بقيد يقضي بوجوب ذلك ، ولو قيّدت به الهيئة كان وجوب ذلك القيد متوقفا على وجوده.

إلى أن قال : فلا يصح اعتبار شيء واحد في المادة والهيئة معا ، نعم يصح التقييد ( يعني تقييد الهيئة ) بالنسبة إلى المقدمة الوجودية الواقعية ، لكن لا على وجه تكون تلك المقدمة معتبرة في المادة في نظر الآمر لما عرفت ـ إلى أن قال ـ نعم ذلك يتم بناء على ما احتملناه من رجوع المقدمة الشرعية المأخوذة في المأمور به إلى المقدمة العقلية المحضة على وجه لا يكون من قيود الفعل المأمور به ، فلا يجب إيجادها بما هو مفاد الأمر ، وحيث إنها من المقدمة العقلية الواقعية صح التقييد بها فلا يجب عند عدمها. كما هو كذلك بالنسبة إلى القدرة فان من شرائط وجود الفعل المأمور به في الواقع هو التمكن مع أنه من شرائط الوجوب أيضا ، ولكن ذلك خلاف ما يظهر منهم في الموارد كما لا يخفى. وكيف ما كان ، ففي هذه الصورة بناء على مذاق القوم لا بدّ من الأخذ بالاطلاق في جانب الهيئة والحكم بتقييد المادة بوجهين ... إلخ (١).

__________________

(١) مطارح الأنظار ١ : ٢٤٧ ـ ٢٥٢.

٢١

ومراده من قوله « على مذاق القوم » هو مقابل ما ذكره من محالية كون ما هو قيد المادة قيدا للهيئة ، لا مقابل ما تقدم منه (١) من أن تقييد الهيئة محال لكونها غير قابلة للتقييد لكون معناها حرفيا ، فان مراده من تقييد الهيئة هنا هو تقييد المادة بنحو يوجب تقيد الهيئة وهو ما عرفت تصريحه به في هذه العبائر التي نقلناها عنه. ويشهد بذلك قوله : وثانيهما أن تقييد الهيئة وإن لم يستلزم تقييد المادة لما عرفت من المحذور إلاّ أنه مع ذلك ... إلخ ، فان المحذور الذي أشار إليه هو ما تقدم من أن تقييد المادة بقيد يقضي بوجوب ذلك القيد ، والمفروض أن ذلك القيد بنفسه قد اخذ قيدا في الهيئة ، فتكون النتيجة أن وجوب ذلك القيد متوقف على وجوده.

قال : هداية ، يصح اشتراط الوجوب عقلا بفعل محرم مقدم عليه زمانا ، سواء كان من المقدمات الوجودية لذلك أم لا ، بل ذلك واقع في الشريعة.

فمن الأوّل الحج المشروط بطيّ المسافة على دابة مغصوبة ، فانه من مقدماته الوجودية ، ومع ذلك فعل محرم ويشترط وجوب الحج بوقوعه عند انحصاره في وجه محرم ، ولا ضير في ذلك ، إذ قبل وقوعه لا وجوب وبعده يجب ، والمحرم واقع عند ذلك فلا محذور.

ومن الثاني أنواع الكفارات المترتبة على الأفعال المحرمة من الافطار والاصطياد ... إلخ (٢).

وقال أيضا : هداية ، قد عرفت في تضاعيف ما قدّمنا القول فيه أن المقدمات الوجودية للواجبات المشروطة مما يتصف بالوجوب على نحو

__________________

(١) [ لعل المراد ما تقدم منه قدس‌سره في مطارح الأنظار ١ : ٢٣٦ ].

(٢) مطارح الأنظار ١ : ٢٨٣.

٢٢

اتصاف ذيها به ، وقضية ذلك عدم وجوب الاتيان بها قبل وجوب الاتيان بذيها ، إذ لا يعقل أن تكون المقدمة أعلى شأنا من ذيها. ثم ذكر الاشكال في حكمهم بوجوب الغسل قبل الصبح في ليالي رمضان ونقل الأجوبة عن ذلك وأطال الكلام فيه ، إلى أن قال : ولنا في المقام مسلك آخر لعله حاسم لمادة الشبهة بحذافيرها (١) ، وأطال الكلام في ذلك أيضا.

وأوائل كلامه يوهم تحقق الوجوب لذي المقدمة قبل الشرط ، إلاّ أنه بعد اعتراضات وأجوبة صرح بأن الحاكم هو العقل من باب تفويت القدرة وأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فراجعه.

وقبل هذه الجملة أعني قوله « ولنا في المقام ... » له كلمات صريحة في أنه لا فرق بين قوله : افعل كذا في وقت كذا ، وقوله : إذا جاء وقت كذا فافعل كذا ، وأن رجوع القيد إلى الطلب عين رجوعه إلى المادة ، وأنه لا يعقل أن يكون هناك قسم ثالث يكون القيد الزماني راجعا إلى نفس الطلب دون المطلوب.

وقال قبل هذه الهداية في مسألة إقامة الحدود ونصب الامام عليه‌السلام : ويحتمل أن لا يكونا واجبين لاحتمال إطلاق المادة وتقييد الهيئة على ما ستعرف المراد من تقييد الهيئة ، وإلا فعلى ما ذكرنا سابقا لا وجه للقول بتقييد الهيئة ، إذ لا يتصور في مفاد الهيئة إطلاق كما عرفت (٢).

وهذه العبارة الأخيرة ظاهرة كغيرها مما تقدم في أن مراده من رجوع القيد في الواجب المشروط إلى المادة هو رجوعها إليها على وجه يوجب تقييد مفاد الهيئة ويخرج ذلك القيد عن تحت الطلب ، وذلك بما عرفت من أخذ

__________________

(١) مطارح الأنظار ١ : ٢٥٩ ـ ٢٦٨.

(٢) مطارح الأنظار ١ : ٢٤٥.

٢٣

لحاظ طروّ الطلب عليها في مرتبة تقييدها بالقيد المزبور ، وهو المعبّر عنه بتقييد المادة المنتسبة إلى الفاعل بالنسبة الطلبية ، فلاحظ باقي عبائره قدس‌سره وتأمل.

قوله : فالمعلّق في الحقيقة هو المادة بعد الانتساب ، لا بمعنى البعدية الخارجية حتى يكون ملازما للنسخ ، بل بمعنى البعدية الرتبية ، فان اتصاف المادة بالوجوب فرع وقوع النسبة الطلبية عليها ، وتقييد الجملة الانشائية بأداة الشرط إنما هو بلحاظ هذا الاتصاف فقط ... الخ (١).

ولكن يكون الأمر بالعكس فان تعليق الاتصاف بالطلب على ما هو مدخول أداة الشرط يوجب تقدم مفاد الشرط رتبة على اتصاف المادة بالطلب ، ولو كان المنظور إليه هو أن اتصاف نفس المادة بالطلب يكون سابقا في الرتبة على تقييدها بالقيد ، ففيه أنه لا موجب لهذا التقدم الرتبي بل هو اعتباري للآمر ، فتارة يلاحظ المادة مطروّة للطلب فيورد القيد عليها بهذا اللحاظ ، واخرى يلاحظ المادة مطروّة للقيد فيورد الطلب عليها بهذا اللحاظ ، والأول هو محصّل الوجوب المشروط الذي لازمه عدم دخول القيد تحت الطلب ، والثاني هو محصل الوجوب المطلق الذي يكون لازمه دخول القيد تحت الطلب ، وفي الأول يكون التقييد بالطلب سابقا في الرتبة على التقييد بالقيد ، وفي الثاني يكون الأمر بالعكس بمعنى كون تقييد المادة بالقيد سابقا في الرتبة على تقيدها بالطلب ، فان هذين التقييدين الطارئين على المادة يكون كل واحد منهما قابلا لأن يكون موردا وموضوعا للآخر.

ولكن الحق أنهما طارئان معا على نفس المادة ، ويكون طروّ كل منهما في عرض طروّ الآخر عليها من دون تقدم رتبي لأحدهما على

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٩٥ [ المذكور هنا موافق مع النسخة القديمة غير المحشاة ].

٢٤

الآخر ، ولكن هذه القيود تعمل عملها ما دام الكلام متصلا وتكون النتيجة هي تعلق الطلب بالمادة المقيدة ، نظير تعلق الاخبار بالمجيء في قولك جاءني رجل عالم بالرجل المقيد بالعالم ، وتكون النتيجة فيما نحن فيه في مثل صلّ إلى القبلة أو مع الساتر أو عند الزوال ، هو تعلق الطلب بالصلاة المقيدة بالقيود المزبورة ، ولا يكون ذلك من قبيل النسخ ، لما عرفت من تواصل الكلام بعضه ببعض ، أما إذا أراد تقييد النسبة الطلبية الذي هو حاصل الجملة بقيد فلا يكون إلا بنحو آخر ، أعني الاناطة والتعليق الذي تفيده الجملة الشرطية على نحو ما شرحناه ، أو بنحو أخذ ذلك القيد في الموضوع أعني المكلف كأن يقول : يجب الحج على المستطيع ، أو يقول يجب الحج عند الاستطاعة ، ونحو ذلك مما يفيد تعليق الحكم على وجود ذلك القيد ولو بأخذه ظرفا للوجوب ، أو للنسبة الطلبية كأن يقول حج عند الاستطاعة ، وهذه امور لفظية استظهارية لا تدخل تحت ضابط.

وقد صرّح شيخنا قدس‌سره فيما حررته عنه : بأن البعدية ليست زمانية بل ليست برتبية ، لامكان القول بالاقتران زمانية (١) ، وإنما المقصود بالبعدية البعدية اللحاظية ، فيلاحظ المادة معروضة للنسبة الطلبية ويلحقها القيد ملحوظة بهذا اللحاظ وتكون النتيجة أن الوجوب مقيد بهذا القيد.

قوله : والجواب عن ذلك بأن المعاني الحرفية معان كلية لا جزئية ـ إلى قوله ـ فغير صحيح ، لأن المانع عن الاطلاق والتقييد ليس الجزئية كما توهمه المجيب قدس‌سره (٢) بل كون المعنى ملحوظا آليا ، وهذا

__________________

(١) [ هكذا في الأصل ولا يخلو من تأمل ].

(٢) المجيب هو صاحب الكفاية [ منه قدس‌سره ].

٢٥

لا يرتفع بكون المعنى كليا ... الخ (١).

لا يقال : إنا لو سلّمنا لصاحب الكفاية قدس‌سره (٢) مسلكه في المعاني الحرفية من عدم دخول اللحاظ الآلي في المستعمل فيه فيها ولا في الموضوع [ له ](٣) كان ذلك جوابا عن الاشكال من الجهتين ، أعني جهة كونه جزئيا غير قابل للتقييد وجهة كونه ملحوظا آليا غير قابل لوقوعه طرفا للنسبة التقييدية.

أما الأول فواضح ، وأما الثاني فلأن نفس المعنى المستعمل فيه اللفظ لم يكن آليا كي لا يمكن وقوعه طرفا للنسبة التقييدية.

لأنا نقول : إن وقوعه طرفا للنسبة التقييدية يتوقف على لحاظه مستقلا وذلك لا يجتمع مع لحاظه آليا ، ولو كان اللحاظ من أطوار الاستعمال ولم يكن داخلا في المستعمل فيه.

ولا محصل لدعوى لحاظه أوّلا في نفسه ومقيدا بقيد ثم في مقام الاستعمال يلاحظ آليا ، لأن القيود إنما تلحق المعاني في مقام الاستعمال ، ولا أثر لتصور المعنى مقيدا قبل الاستعمال مع فرض كونه في مقام الاستعمال غير مقيد ، مضافا إلى أن القيد موجود في الجملة اللفظية فكيف يرتبط بذلك المتصور الذي لم يدخل الألفاظ إلاّ مع امتناع تقييده. ولأجل ذلك لا يصح جعل المعنى الحرفي مسندا إليه أو موصوفا ، ولكن سيأتي إن شاء

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٩٤ ـ ١٩٥ [ المذكور هنا موافق مع النسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) كفاية الاصول : ١١ ـ ١٢ ، ٤١ ـ ٤٣.

(٣) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

٢٦

الله تعالى (١) أن ارتباط أداة الشرط بالنسبة الطلبية ليس من مقولة التقييد الذي هو راجع إلى الاسناد الناقص التقييدي ، ولا هو من قبيل تضييق مفهوم الطلب ، بل إن ذلك من مقولة الربط بمعنى أن أداة الشرط تربط حاصل الجزاء بحاصل الشرط على جهة الاناطة والتعليق ، كما أن الحروف العاطفة جملة على جملة اخرى تربط بينهما على جهة الترتيب والتراخي أو بلا تراخ ، فلا يكون ذلك تضييقا في مفهوم الطلب الذي أوجدته الصيغة سواء قلنا إنه جزئي أو كلي ، ولا توصيفا للطلب بصفة خاصة على نحو التركيب التقييدي ، وهذا جار حتى لو أبرزنا مفاد الصيغة بقالب اسمي كما في مثل إذا زالت الشمس فقد وجب الطهور والصلاة ، فان الوجوب وإن كان اسميا كليا قابلا للتقييد والتوصيف إلا أن قولك إذا زالت الشمس ليس مما يكون توصيفا للوجوب أو يكون موجبا لتضييق دائرته ، بل إن « إذا » رابطة بين حاصل الشرط الذي هو تحقق زوال الشمس وحاصل الجزاء الذي هو تعلق الوجوب بالطهور والصلاة ، ربط إناطة وتعليق للثاني على تحقق الأول.

قال العلامة الاصفهاني في حاشيته : بل التحقيق أن المعنى الانشائي وإن كان جزئيا حقيقيا إلا أنه يقبل التقييد بمعنى التعليق على أمر مقدر الوجود وإن لم يقبل التقييد بمعنى تضييق دائرة المعنى ، فالمراد من الاطلاق عدم تعليق الفرد الموجود على شيء ، ومن البديهي أن المعلّق عليه الطلب ليس من شئونه وأطواره كي يكون موجبا لتضييق دائرة مفهومه فافهم واستقم (٢).

__________________

(١) في صفحة : ٣٣ وما بعدها.

(٢) نهاية الدراية ٢ : ٦٠.

٢٧

ولا يخفى أن التعليق كما لا تمنعه الجزئية في المعنى الحرفي فكذلك لا تمنعه آلية المعنى الحرفي ، بل إن التعليق لا يكون إلا في عالم النسبة سواء كانت خبرية أو إنشائية ، ولا يعقل التعليق في نفس المعنى الاسمي.

وعلى هذا الاساس يمكننا القول بأن الحروف روابط الكلم أعني الأسماء ، وأول ربط هو ربط النسبة مثل هيئة خرج زيد في كونها رابطا بين الخروج وزيد على جهة الانتساب وطروّ الأول على الثاني ثم تلحقه بقولك وعمرو ، فكان الواو قد أوجد الربط بين زيد وعمرو ، ولكن (١) هذا الربط هو ربط اشتراك بينهما في الخروج ، ثم تلحقه بقولك من الدار ، فلفظ « من » يربط بين الدار وما تقدم من خروجهما ربط ابتداء ، وهكذا في كل ما يلحق هذه الجملة من أدوات وظروف وكيفيات ، ثم تقول جاء خالد إلى الدار ثم خرج زيد وعمرو من الدار ، فتجد أنك ربطت جملتك الأولى بجملتك الثانية ربط تعقب وترتيب بمهلة ، ولو أسقطت لفظة « ثم » وأبدلتها بلفظة « إن » في طليعة الجملتين فتقول إن جاء خالد إلى الدار خرج زيد وعمرو منها ، فتجد أنك قد ربطت بين الجملتين ربط إناطة وتعليق يكون موجبا لتوقف مفاد الثانية على تحقق مفاد الاولى ، فهل تجد هناك شيئا مطلقا وأنت قد قيّدته وضيّقت دائرته بلفظة « إن » أو أنك قد جعلته مسندا إليه ، لكونك قد قيّدته وتقييد الشيء إسناد إليه.

نعم ، ربما كان الربط الذي تحدثه بعض الحروف والأدوات ربط تقييد ، مثل هيئة التركيب الوصفي في قولك جاءني رجل عالم ، فان الهيئة

__________________

(١) [ في المصدر هنا زيادة « ما » والصحيح حذفه ].

٢٨

التركيبية بينهما تحدث ربط الرجل بالعلم وربط العالم بالرجل ربط تقييد وتضييق وإسناد ناقص.

قوله في الحاشية : التحقيق أن يقال ـ إلى قوله : ـ وليس في موارد الانشاء من إيجاد المعنى باللفظ عين ولا أثر ... الخ (١).

لو سلّمنا أن حقيقة الانشاء إبراز ما في النفس من اعتبار كون المادة على عاتق المكلف ليكون إخبارا عن ذلك الاعتبار النفساني ويخرج عن كونه إنشاء وإيجادا لتلك الاعتبارات في عالم الانشاء ، فهل يكون ذلك موجبا لتعين رجوع القيد إلى مفاد الهيئة دون المادة بلحاظ طروّ الطلب عليها.

وبالجملة : أن هذا البحث اللفظي وهو هل أن مثل الظرف أو الجار والمجرور في مثل حج عند الاستطاعة أو في زمان الاستطاعة ، هل يتعلق بمفاد الهيئة أو أنه يتعلق بنفس المادة بعد لحاظ طروّ مفاد الهيئة عليها ، لا دخل له بأن أدوات الانشاء إبراز لما في النفس ، وأنه لا إيجاد في المعاني الانشائية بايجاد أدوات الانشاء.

قوله : لا يستلزم عدم قبوله للتقييد المساوق للتعليق ... الخ (٢).

كان الأنسب جعل هذا أعني كون ما نحن فيه من قبيل التعليق لا التقييد جوابا عن كل من الاشكال بالجزئية والاشكال بالآلية. نعم إن المرحوم العلامة الاصفهاني قدس‌سره (٣) ذكره جوابا عن الأول من جهة أن الكفاية (٤) لم تتعرض إلا للاشكال الأول وأجابت عنه بانكار الجزئية.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١٩٢.

(٢) المصدر المتقدم.

(٣) نهاية الدراية ٢ : ٥٩.

(٤) كفاية الاصول : ٩٦ ، ٩٧.

٢٩

قوله : أوّلا ، أن كون المعنى الحرفي ملحوظا آليا إنما يمنع عن تقييده حال لحاظه كذلك ... الخ (١).

كأنه إشارة إلى ما فى الكفاية من قوله : مع أنه لو سلّم أنه فرد فانما يمنع من التقييد لو أنشئ أوّلا غير مقيد ، لا ما إذا أنشئ من الأول مقيدا غاية الأمر قد دل عليه بدالين ، وهو غير إنشائه أوّلا ثم تقييده ثانيا ، فافهم (٢). وسيأتي الكلام على هذه العبارة من الكفاية إن شاء الله تعالى ، وإلا فلا محصّل للحاظ المعنى الذي هو الطلب في حدّ نفسه مقيدا قبل الاستعمال ثم بعد تقييده قبل الاستعمال يلاحظه ذلك المقيد لحاظا آليا ، وحينئذ فلو كان التقييد قبل الاستعمال فلا تقييد في مرحلة الاستعمال ، فأين يتعلق القيد في قوله عند الاستطاعة الموجود في مقام الاستعمال.

قوله : وثانيا (٣).

هذا إشارة إلى جواب الكفاية أوّلا ، جعله ثانيا ، وجعل جواب الكفاية ثانيا بقوله « مع أنه لو سلّم » أوّلا.

قوله : الثالث : أن إيجاب المولى ـ إلى قوله : ـ وغير خفي أنّ أساس هذا الاشكال مبني على تخيّل أن الجمل الانشائية موجدة لمعانيها في نفس الأمر ، مع الغفلة عمّا حققناه من أنه لا يوجد بها شيء أصلا ، وإنما هي مبرزات للامور القائمة بالنفس الممكن تعلّقها بأمر متأخر (٤).

قد عرفت أن كون الظرف أو الجار والمجرور أو القيد لا بدّ له من

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١٩٢.

(٢) كفاية الاصول : ٩٧.

(٣) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١٩٣.

(٤) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١٩٣.

٣٠

متعلق في عالم الاستعمال ، وأن المتعلق هل هو مفاد الهيئة أو هو المادة بلحاظ مفاد الهيئة ، لا دخل له بكون أدوات الانشاء إخبارا أو إبرازا لما في النفس ، أو كونها إيجادا لمعانيها في صقع الانشاء. ومنه يظهر لك أن الايجاب عبارة عن إيجاد الوجوب لا إبراز الوجوب ، وقد ذكر صاحب الكفاية (١) وشيخنا قدس‌سره (٢) هذا الاشكال ، وأجابا عنه بما هو مبني على كون الايجاب بمعنى جعل الوجوب.

قوله : ولأجله ذكرنا في محله (٣) أن بطلان التعليق في العقود والايقاعات إنما هو من جهة الاجماع ... الخ (٤).

ذكر ذلك كل من تعرض لبطلان التعليق في العقود والايقاعات ، فراجع المكاسب (٥) وحواشيها (٦). وسيأتي في هذا التحرير عن شيخنا قدس‌سره قوله : وقيام الاجماع على بطلان تعليق المنشأ على غير الموت في الوصية ... إلخ (٧) فراجع.

قوله : وملخص ما ذكرناه ـ إلى قوله : ـ فهي لا بد وأن تكون رابطة بين الجملتين ـ إلى قوله : ـ فالمعلّق في الحقيقة هو المادة بعد الانتساب ... إلخ (٨).

لا يخفى أن إرجاع القيد إلى المادة ملحوظا فيها النسبة الطلبية بمعنى

__________________

(١) كفاية الاصول : ٩٧.

(٢) أجود التقريرات ١ : ١٩٠.

(٣) مصباح الفقاهة ٣ : ٧٠.

(٤) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١٩٣.

(٥) المكاسب ٣ : ١٦٣ ، ١٧٠ ، ١٧٢.

(٦) منها منية الطالب ١ : ٢٥٣ ، حاشية المكاسب ( للهمداني ) : ٤٥ ، غاية الآمال ٥ : ٢٥.

(٧) أجود التقريرات ١ : ٢١٣.

(٨) أجود التقريرات ١ : ١٩٥.

٣١

لحاظ المادة معروضة للطلب وإيراد القيد عليها ، بحيث يكون عروض الطلب عليها سابقا في اللحاظ على عروض القيد عليها ، لا أنه سابق زمانا بل ولا رتبة على ما شرحناه فيما علّقناه على ما حررناه عنه قدس‌سره على طوله ، لا يحصل به الفرار عن إشكال عدم استقلال المعنى الحرفي ، حيث إنه حينئذ يكون قيدا في المادة ويكون هو والمادة موردا للتقييد بالاستطاعة مثلا ، وحينئذ يتأتى الاشكال المزبور من ناحيتين : إحداهما أنه كيف أمكن أن يكون مفاد النسبة الطلبية قيدا في المادة بحيث يكون الملحوظ هو المادة المقيدة بعروض الطلب ، والاخرى أنه كيف أمكن أن يكون المقيد بالاستطاعة هو مجموع المادة والطلب بحيث يكون مفاد الهيئة جزءا من معروض القيد الذي هو الاستطاعة ، فراجع ما حررناه هناك (١).

ثم إن هذا لو تم لكان جاريا بعينه في قيد الواجب كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة ، فان تقييد الصلاة بكونها عن طهارة لا بد أن يكون بلحاظ الطلب ، لأن كل تقييد (٢) يطرأ على المطلق إنما هو بلحاظ الحكم الطارئ عليه ، ولا يعقل طروّ التقييد على الذات بدون لحاظ طروّ حكم عليها ، وحينئذ لا يحصل الفرق بين مثل الاستطاعة بالنسبة إلى الحج ومثل الطهارة بالنسبة إلى الصلاة. وما افيد هناك من أنه في مثل الاستطاعة يكون الملحوظ أوّلا هو طروّ الطلب على المادة والملحوظ أوّلا في مثل الطهارة هو تقيد الصلاة بالطهارة ثم عروض الطلب عليها غير نافع ، فانك قد عرفت أنه لا يمكن عروض التقييد للصلاة بمثل الطهارة إلا بملاحظة عروض

__________________

(١) في صفحة : ١٣.

(٢) [ في الأصل هنا زيادة « إنما » حذفناه لاستقامة العبارة ].

٣٢

الحكم عليها الذي هو الوجوب.

ثم لا يخفى أنه لا يمكن التخلص عن الاشكال بما حررناه (١) في المعنى الحرفي من أن مفاد الهيئة ليس إلا إيجاد النسبة وكونها طلبية من قبيل جهات تلك النسبة ، فيكون قيد الاستطاعة (٢) راجعا إلى جهة تلك النسبة التي أوجدناها بالهيئة وتلك الجهة هي الطلب ، فلا دخل له بالمادة كي يشكل عليه بأنه يكون حينئذ حاله حال مثل الطهارة التي تكون قيدا للمادة ، كما أنه لا دخل له بنفس مفاد الهيئة الذي هو إيجاد النسبة كي يشكل عليه بأنه معنى حرفي ، بل يكون هذا القيد أعني الاستطاعة راجعا إلى جهة تلك النسبة الذي هو الطلب ، ولا ضير فيه لأنه ليس بمفاد نفس الهيئة الذي هو معنى حرفي ، وبيان عدم إمكان التخلص أن جهة النسبة غير دخيلة بما هو مفاد الألفاظ حينئذ فكيف يصح إرجاع القيد إليه.

وهذه التمحلات كلها ناشئة عن تخيل أن مفاد إن الشرطية هو التقييد على وجه يكون هناك قيد ومقيد ونسبة تقييدية ، فيسأل عن أن المنسوب إليه في هذه النسبة التقييدية أعني المقيد بهذا القيد ما هو ، هل هو نفس المادة أو هو مفاد الهيئة ، ولكن ليس الأمر كذلك ، بل إن مفاد إن الشرطية ليس إلا إحداث الربط بين مفاد الجملتين ، فليست هي إلا أداة ربط بين الجملتين وحالها في هذه الجهة حال الحروف العاطفة جملة على جملة مثل ثم والفاء في كونها للربط بين الجملتين على جهة كون الثانية مترتبة على الأولى بفاصل أو بلا فاصل ، وحال إن الشرطية كذلك في كونها رابطة

__________________

(١) راجع الصفحة : ٥٥ من المجلّد الأول من هذا الكتاب.

(٢) [ في الأصل : المقيد بالاستطاعة ، والصحيح ما أثبتناه ].

٣٣

بين جملة الشرط وجملة الجزاء في كون الحكم في الثانية مترتبا على الحكم في الاولى.

ويمكن استفادة ذلك من كلمات شيخنا قدس‌سره في هذا المقام وذلك قوله قدس‌سره فيما حكاه عنه في التحرير : وملخص ما ذكرناه هو أن أداة الشرط بما أنها وضعت لجعل مدخولها واقعا موقع الفرض والتقدير ، فهي لا بد وأن تكون رابطة بين الجملتين ، فلا يعقل أن يكون مدخولها قيدا للمادة قبل النسبة ولا في رتبتها ، لأنها مفهوم إفرادي وأداة الشرط موضوعة لربط الجملتين ... الخ (١).

فان هذا الكلام صريح في عدم كون المقام من باب التقييد للمادة أو للنسبة الطلبية ، بل هو من باب التعليق القاضي بكون حاصل جملة الجزاء منوطا ومتوقفا على تحقق حاصل جملة الشرط ، من دون فرق في ذلك بين كون الطلب واقعا بالصيغة الذي هو معنى حرفي وكونه واقعا بلفظ الطلب أو الوجوب الذي هو معنى اسمي كأن يقول إذا زالت الشمس وجب الطهور والصلاة ، ولا دخل لهذه الاناطة والتعليق بأن مفاد النسبة الطلبية بصيغة افعل مفهوم حرفي وملحوظ آلي.

(٢) ثم إذا أضفنا إلى هذا الكلام الذي نقلنا عنه أن الشرط موضوع وأن الموضوع [ مقدّر الوجود ](٣) وأنه لا فرق فيما اخذ مقدّر الوجود في الحكم بين أن يؤخذ شرطا أو عنوانا أو موضوعا ، فان كلا من هذين يكون تقدير وجوده مأخوذا في الحكم ويكون الحكم مجعولا على تقدير وجوده ، هذه

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٩٥ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) [ في الأصل هنا زيادة « والحاصل أنه إذا كان » حذفناه لاستقامة العبارة ].

(٣) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

٣٤

كلماته وأمثالها كثيرة في كلامه ، فراجع ما حررته وحرره غيري عنه قدس‌سره.

وأنت بعد اطلاعك على ذلك كله تعرف أنه ليس المقام عنده من قبيل القيد والمقيد الاصطلاحي نظير تقييد الرقبة بالايمان ليلزمنا الفرار منه من جهة جزئية المعنى الحرفي وآليته المنحصر بما لو كان الطلب مستفادا من الصيغة دون ما لو كان من لفظ الطلب أو من لفظ الوجوب ، إذ ليس التقييد في مثل الجملة الشرطية من قبيل تضييق دائرة المفهوم لينحصر في المفاهيم الاسمية ويمتنع في المعاني الحرفية ، بل هو من قبيل تضييق دائرة الوجود وتقليل موارده بحيث يكون الموجود من الوجوب عند جعلك له على تقدير الزوال هو الوجوب عند الزوال فلا يكون الوجوب قبل الزوال موجودا ، لا أنك أحضرت مفهوم الوجوب في ذهن السامع وقيّدته بكونه خصوص الوجوب الزوالي.

والخلاصة : هي أنه إذا كان مفاد الجملة الأولى شرطا فيما هو مفاد الثانية يتم المطلوب من دون تكلف إرجاع إلى المادة أو إرجاع إلى الهيئة حتى في مثل إن جاء زيد فصه أو مه ، فان مفاد الجزاء هنا ليس مركبا من مادة وهيئة كي يتكلم في أن هذا الشرط راجع إلى المادة أو إلى الهيئة ، بل هو راجع إلى ما هو المتحصل من ذلك الموجود في طرف الجزاء وهو طلب السكوت ، هذا إذا كان الشرط مستفادا من مثل أداة الشرط مثل إن الشرطية وأخواتها.

وأما لو كان مستفادا من مثل الظرف كأن يقول حج عند الاستطاعة فالكلام فيه أوضح ، لأن هذا الظرف يكون ظرفا لنفس النسبة ، بمعنى أن المتكلم أوجد النسبة الطلبية في هذا الظرف ، وليس ذلك من قبيل المركب التقييدي الراجع إلى التوصيف والاسناد الناقص كي يقال كيف أمكن كون مفاد

٣٥

الهيئة طرفا في هذا التقييد ، هذا كله في القيود الراجعة إلى نفس الطلب.

وأما القيود الراجعة إلى نفس الواجب فهي لا تكون إلا من قبيل التوصيف للمادة ، مثل صلّ عن طهارة أو مع الطهارة ونحو ذلك مما يدل على توصيف الصلاة بأنها مع الطهارة ، حتى في مثل الظرف ونحوه على وجه يكون ذلك الظرف ظرفا للمادة لا ظرفا لمفاد الهيئة ، وبذلك يرتفع الاشكال بحذافيره.

وهذا كله اخذ من هذه الجملة أعني قوله قدس‌سره : إن أداة الشرط رابطة بين الجملتين (١) ، وهو مأخوذ من قولهم في تعريف القضية الشرطية بأنها ما حكم فيها بثبوت نسبة على تقدير نسبة اخرى ، سواء كان ذلك بلسان القضية الشرطية المشتملة على مقدّم وتال ، أو كان بلسان آخر يكون مرجعه إلى الملازمة بين الأمرين أعني الاستطاعة ووجوب الحج.

لا يقال : إن إيجاد الربط بين الجملتين يستدعي النظر إلى كل من المرتبطين ، فان كان المربوط هو مجموع الجملة بما اشتملت عليه من مادة وهيئة كان مفاد الهيئة جزء ذلك المنظور إليه ، وإن كان المربوط هو نفس مفاد الهيئة كان الاشكال أوضح. والحاصل : أن مفاد الهيئة لا يمكن أن يكون منظورا إليه سواء كان في ضمن الجملة أو كان منظورا بنفسه.

لأنا نقول : إن إحداث الربط بين الجملتين عبارة اخرى عن إيجادهما مربوطين ، وعلامة ذلك هو أداة الربط بينهما ، فليس في البين جملتان مستقلتان ثم بعد إيجادهما يحدث الربط بينهما كي نكون محتاجين إلى النظر إلى ما هو المربوط ، وما ذلك إلا من قبيل النسبة على نحو الحصر فان المتكلم يوجد النسبة محصورة وعلامته هو أداة الحصر مثل « إنما » لا أنه

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٩٥ ( نقل بالمضمون ).

٣٦

يوجد النسبة ثم يحصرها بـ « إنما » كي يكون محتاجا إلى النظر إلى نفس النسبة بعد إيجادها ، وبمثل ذلك نقول في صورة ذكر ظرف النسبة مثل حجّ عند الاستطاعة ، فانه لا يوجد النسبة أوّلا ثم يجعلها مظروفة لعند الاستطاعة كي يحتاج إلى النظر الثاني إلى النسبة ، بل هو محال لأن النسبة بعد إيجادها وتحققها في عالمها لا يعقل أن يطرأ عليها الربط ولا المظروفية.

والحاصل : أن مراد المتكلم هو جعل الوجوب المتعلق بالحج مربوطا بالاستطاعة ، وهذا المراد يحصل بايجاد النسبة الطلبية بواسطة الهيئة ، وبايجاد ربطها بالاستطاعة بواسطة أداة الشرط ، وبمجموع ذلك يحصل ما هو مراده وهو وجوب الحج على تقدير الاستطاعة. ولعل ذلك هو مراد صاحب الكفاية قدس‌سره (١) من أنه من قبيل تعدد الدال ووحدة المدلول.

وإن شئت قلت : إن المربوط ليس هو نفس الجملة بمجموعها من مادة وهيئة كي يتوجه عليه الاشكال المذكور ، أعني أن معنى النسبة لا يصح جعله جزءا من المربوط كما لا يصح جعلها بنفسها هي المربوطة ، بل المربوط إنما هو حاصل الجملة الطلبية في طرف الجزاء بحاصل الجملة في طرف الشرط ، ومن الواضح أن المتحصل من الجملتين قابل للربط والنظر إليه استقلالا فلا يتوجه الاشكال المزبور.

ولعل هذا هو مراد الشيخ قدس‌سره (٢) وشيخنا قدس‌سره من كون المقيد هو المادة بلحاظ الطلب ، كما يظهر ذلك مما أفاده شيخنا في مسألة أصالة كون الوجوب نفسيا في قبال كونه غيريا ، فراجع ما حررته عنه (٣) ، بل إنه صرّح

__________________

(١) كفاية الاصول : ٩٧.

(٢) كما تقدم استظهاره في صفحة : ١٩ وما بعدها.

(٣) في صفحة : ٢٢٢ [ منه قدس‌سره ويقصد به تحريراته المخطوطة ].

٣٧

بمثل ذلك فيما حررته عنه هنا (١) ، فراجع.

ولا يخفى أن هذا المعنى أعني كون المربوط والمشروط هو حاصل الجملة يتأتى في الجار والمجرور بأن تقول أسير من البصرة إلى الكوفة إن كان زيد فيها ، وإن لم يكن فيها فأسير إلى المدينة ، فان هذه الجملة الأخيرة أعني قولك وإن لم يكن فيها ... ، قرينة على أن الشرط في الاولى أعني قولك إن كان زيد فيها راجع إلى مفاد الجار والمجرور في قولك إلى الكوفة ، فان مفاده انتهاء السير إلى الكوفة ، وأن هذا المعنى أعني انتهاء السير إلى الكوفة مشروط بكون زيد فيها ، فان أصل السير واقع على كل حال وإنما كان المشروط هو انتهاءه إلى الكوفة.

تنبيه : قول صاحب الكفاية قدس‌سره : تذنيب : لا يخفى أن إطلاق الواجب على الواجب المشروط بلحاظ حال حصول الشرط على الحقيقة ... إلخ (٢) ، يمكن الاشكال عليه بأن الواجب المشروط عند حصول الشرط لا ينقلب عن الاشتراط إلى الاطلاق ، فالحج عند تحقق الاستطاعة لا يخرج عن كونه واجبا مشروطا بها وإن صار بذلك فعليا ، وحينئذ فلو قلنا إن الحج واجب ، فان أردنا بذلك أنه واجب مطلق كان مجازا ، سواء كان ذلك الحمل قبل حصول الاستطاعة أو كان بعدها ، وإن أردنا بذلك أنه مشروط بمعنى أنه واجب بشرط الاستطاعة كان ذلك الحمل حقيقة ، سواء كان قبل الاستطاعة أو كان بعدها. وهكذا الحال في صيغة الأمر من قولك حج فانه إن قرن بقوله إن استطعت ، كان حقيقة ، وإن لم يقرن به كان مجازا.

ودعوى الفرق بينهما بأنه عند ذكر القيد يكون من قبيل تعدد الدال

__________________

(١) في صفحة : ١٦٢ [ منه قدس‌سره ويقصد به تحريراته المخطوطة ].

(٢) كفاية الاصول : ١٠٠.

٣٨

مشكلة ، لأن قولك الحج واجب بشرط الاستطاعة أيضا يكون من قبيل تعدد الدال على مسلكه من أن كل مطلق اريد به المقيد مع ذكر قيده يكون من قبيل تعدد الدال حتى في مثل رقبة مؤمنة.

ومجرد كون معنى الهيئة حرفيا على مسلكه غير فارق ، لأنه يرى أن المعاني الحرفية قابلة للاطلاق والتقييد كالمعاني الاسمية ، فتأمل.

قوله : فمن اشتاق ... الخ (١).

أوضحنا في آخر مسألة اجتماع الأمر والنهي (٢) في البحث عن الخروج عن الدار المغصوبة أن سرّ الفرق بين القيد الذي هو الزمان وبين القيد الذي يكون فعلا اختياريا للمكلف وإن كان محتاجا إلى الزمان ، هو أن تقييد الواجب بالزمان مع فرض كون الوجوب حاليا غير مشروط بذلك الزمان يكون مستدعيا لجر الزمان وهو محال غير مقدور ، بخلاف ما لو كان القيد هو الأفعال السابقة على ذلك الواجب ، أو كانت مقدمته الوجودية فعلا سابقا عليه ، فان أقصى ما في الجمع بين كونها قيدا ومقدمة للفعل الواجب اللاحق وكون التكليف به غير مشروط بها ، هو لزوم الاتيان بها فعلا ، وذلك ممكن مقدور ، وهو بعينه مطلوب الآمر أيضا ، فراجع ما حررنا هناك وتأمل.

قوله : الامر الثالث : لا ريب في أن وجود الموضوع وصفاته الخارجة عن دائرة الاختيار ... إلخ (٣).

هذا المبحث حول أن القيد تارة يكون قيدا للوجوب واخرى يكون قيدا للواجب وثالثة يكون قيدا لهما ، وحيث إنا قائلون بتبعية الأحكام

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٠٣.

(٢) في المجلّد الرابع من هذا الكتاب ، الصفحة : ١٤٣.

(٣) أجود التقريرات ١ : ١٩٦.

٣٩

للمصالح في المتعلقات لم يكن لنا بدّ في توجيه كون التقييد ناشئا عن مصلحة ، من الالتزام بأنه تارة يكون دخيلا في المصلحة في الفعل على وجه يكون صلاح ذلك الفعل متوقفا على وجود ذلك القيد فيكون ذلك القيد قيدا في الوجوب ، واخرى يكون دخيلا فيها على وجه يكون وفاء الفعل بتلك المصلحة متوقفا على تقيده بذلك القيد ، فيكون ذلك القيد قيدا في الفعل الواجب. وعلى الاول يكون القيد خارجا عن تحت الطلب فلا يجب تحصيله بخلافه على الثاني.

وربما كان القيد واجدا لكلا الجهتين ، بمعنى أن الزوال مثلا كما يكون ممّا يتوقف عليه مصلحة الصلاة الباعثة على تعلق الوجوب بها فكذلك يكون ممّا يتوقف عليه وفاء الفعل بالمصلحة ، فتكون النتيجة هي أن وجوب الصلاة مشروط بالزوال كما أن الصلاة الواجبة تكون مقيدة بذلك القيد ، اعني وقوعها في ذلك الوقت على وجه لو فرض خروجها عن ذلك الوقت ولو محالا لم تكن وافية بالمصلحة.

وقد مثل قدس‌سره فيما حررته عنه للمصلحة الباعثة على الوجوب بالفتق وللمصلحة الباعثة على تقييد الواجب بالرتق ، فانخراق الثوب يحدث مصلحة في رتقه تكون تلك المصلحة باعثة على وجوب رتقه ، لكون رتقه بعد الفتق ذا مصلحة تقتضي وجوب الرتق. ثم إنّ قيام هذا الرتق بتلك المصلحة ربما كان متوقفا على أجزاء وقيود تكون دخيلة في قيامه بتلك المصلحة ، فيكون القيد الأول قيدا في أصل الوجوب ، وتكون القيود الأخر قيودا في الواجب.

وهكذا الحال في المرض فانه يحدث مصلحة في شرب الدواء تكون علة في ايجابه عند المرض ، ويكون المرض شرطا لوجوب شرب الدواء.

٤٠