أصول الفقه - ج ٢

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٢

لكن لم تكن عباديتها من قبل أمرها النفسي الاستحبابي كي يكون المطلوب بهذا الطلب الثاني هو امتثال أمرها النفسي ، بل عباديتها في ذلك الحال إنما هي من قبل هذا الطلب الثاني فلا يكون متعلقه إلاّ نفسها.

تنبيه :

لا يخفى أن الطلب في حدّ نفسه لا يقبل الشدة والضعف فلا يكون الاندكاك إلاّ عبارة عن ارتفاع الاثنينية ، ومعنى التأكد هو عبارة عن تعدد الملاك ، كما أنك قد عرفت (١) في أول الأوامر أن الفرق بين الوجوب والاستحباب ليس بشدة الطلب وضعفه ، بل إن الوجوب طلب مجرد لا ترخيص معه في الترك ، بخلاف الاستحباب فانه ينضم فيه إلى الطلب الترخيص في الترك ، وحينئذ عند اجتماعهما واندكاك أحدهما بالآخر لا يكون الاستحباب آخذا شيئا من الوجوب ، بل يكون الاستحباب فاقدا للجهة الزائدة فيه على الوجوب وهي الترخيص في الترك ، لكن الذي يظهر منه قدس‌سره أن الطلب قابل للشدة ، ولأجله قال : وأما ذات الطلب فهي باقية عند الاشتداد والتبدل إلى مرتبة أكيدة ... الخ (٢).

ثم لا يخفى أنه إذا امتنع الترخيص وبقي الطلب وحده كان ذلك الطلب وجوبيا لأنّه طلب مع فرض أنه لم يلحقه الترخيص في الترك ، إلاّ أن يقال إن الترخيص في الترك باق إلاّ أنّه من ناحية جهة الاستحباب ، ولا ينافيه انعدام الترخيص من ناحية جهة الوجوب ، وعلى ذلك يجتمع الوجوب والاستحباب من دون التزام بالاندكاك.

__________________

(١) راجع صفحة : ٣٥٠ وما بعدها من المجلّد الأوّل من هذا الكتاب.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٥٨.

٢٢١

ولا يخفى أيضا أنه بعد الوقت قد ينضم إلى ذلك الوجوب النفسي الضمني الشرطي استحباب شرطي أيضا كما في الوضوء للصلاة الواجبة والوضوء لصلاة الزيارة مثلا ، بل ربما يجتمع الوجوبان الشرطيان مثل الطواف الواجب والصلاة الواجبة ، وربما اجتمع الاستحبابان الشرطيان وربما اجتمع الجميع.

قال في العروة في المسألة ٦ : وإذا اجتمعت الغايات الواجبة والمستحبة أيضا يجوز قصد الكل ويثاب عليها ، وقصد البعض دون البعض ولو كان ما قصده هو الغاية المندوبة ، ويصح معه إتيان جميع الغايات ، ولا يضر في ذلك كون الوضوء عملا واحدا لا يتصف بالوجوب والاستحباب معا ومع وجود الغاية الواجبة لا يكون إلاّ واجبا ، لأنه على فرض صحته لا ينافي جواز قصد الأمر الندبي وإن كان متصفا بالوجوب ، فالوجوب الوصفي لا ينافي الندب الغائي ، لكن التحقيق صحة اتصافه فعلا بالوجوب والاستحباب من جهتين (١).

وعلّق شيخنا قدس‌سره على قوله « فرض صحته » : هذا هو الصحيح (٢) والذي لا ينافيه ذلك هو قصد الغاية المندوبة وجهة مطلوبيته دون أمره الندبي. وعلى قوله « من جهتين » : جواز اجتماع الحكمين من الجهتين وإن كان في مورده هو التحقيق ، لكن المقام أجنبي عنه.

ولم يتضح المراد من جهة الندب هنا بعد فرض اندكاك الندب

__________________

(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ١ : ٣٦٦ ـ ٣٦٨.

(٢) يعني أنه مع وجود الغاية الواجبة لا يكون الوضوء إلاّ واجبا هو الصحيح ، ولكن الذي لا ينافيه ذلك ـ أعني اجتماع التكليفين ـ هو قصد الغاية المندوبة وجهة مطلوبيته دون أمره الندبي. [ منه قدس‌سره ].

٢٢٢

بالوجوب ، فان كان المراد بها ملاك الندب فالظاهر أنه قدس‌سره لا يلتزم به ، لأنّه لا يرتب أثرا على الملاك ما لم يكن في البين تكليف شرعي على طبقه ، وإن كان المراد به هو الجهة التعليلية للندب أعني كونه شرطا في صحة الصلاة المندوبة ، فهو أيضا لا يؤثر في صحة التعبد بالعمل بعد فرض اندكاك الأمر الندبي.

ولكن الذي يظهر من قوله في هذا التقرير : لأن ذات الطلب الاستحبابي موجود بعد عروض الوجوب النفسي ، غاية الأمر أن مرتبته الاستحبابية زالت وتبدلت بالمرتبة الوجوبية ، لا أن أصل الطلب الاستحبابي وذاته ينعدم بعد عروض الوجوب ... إلخ (١) أن نفس الطلب الاستحبابي باق ، غايته أن الذي ينعدم هو الجهة التي امتاز بها عن الطلب الوجوبي وهي جهة الترخيص في الترك كما شرحناه. ولكن لازم ذلك هو بقاء كل من الطلبين بحاله ، فلا يصح لنا أن نقول إنه قد اندك أحد الطلبين بالآخر بل يكون كل منهما باقيا بذاته ، فلو كان أحدهما وجوبيا لم يسقط الطلب الوجوبي إلاّ بقصده ، ولو كانا معا وجوبيين لم يسقط كل منها إلاّ بقصده ، فلو قصد أحدهما دون الآخر كان بالنسبة إلى ذلك الآخر عاصيا ، لكن في خصوص المقام أعني باب الطهارة يكون الآخر ساقطا ، بمعنى أنه لو أراد امتثال الغاية الواجبة كانت تلك الطهارة التي حصل عليها بفعل الوضوء بداعي الغاية المستحبة كافية في صحة الغاية الواجبة ، بل إن هذه الجهة أعني عدم سقوط الوجوب إلاّ بقصده ، وأنه لو كان كل من الجهتين وجوبيا لا بدّ من قصدهما معا وإلاّ لكان عاصيا بالنسبة إلى ما لم يقصده ، لازمة حتى

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٦١ ـ ٢٦٢ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٢٢٣

لو قلنا بالأول أعني كون الباقي هو جهة الطلب لا نفسه.

وبالجملة : أنه لا مانع من اجتماع الوجوبين أو الوجوب والاستحباب في فعل واحد ، ودعوى الاندكاك والاشتداد قابلة للمنع ، لأن الطلب بما أنه طلب لا يقبل الشدة والضعف ، نعم إن الذي يقبل ذلك هو ملاكه ، فتأمل فان اجتماع المثلين كالبياضين في شيء واحد غير معقول كاجتماع الضدين ، فلا بدّ من الالتزام بسقوط الخطابين وتولد خطاب جديد (١).

والأولى الالتزام بتعدد المتعلق ويكون الاكتفاء بفعل واحد من باب التداخل ، ويسهل الأمر لو أنكرنا الوجوب النفسي الضمني الشرطي وحصرنا المسألة بالوجوب الغيري ، لأن الوجوب حينئذ واحد وعلله متعددة.

وينبغي مراجعة مسألة ٧ ومسألة ٩ ومسألة ١٠ ومسألة ١١ من مبحث النية من كتاب الصوم من العروة (٢) فان بعضها يظهر منه خلاف هذا الذي ذكرناه ، فراجع وتأمل.

قوله في العروة : فالوجوب الوصفي لا ينافي الندب الغائي (٣) فيه تأمل آخر ، وهو أنه بعد فرض الاندكاك وعدم إمكان اجتماع الوجوب مع الندب لا بد من قصد الوجوب غاية ، وأخذه وصفا غير نافع ، بل لا بد من أخذه

__________________

(١) وربما يقال في دفع غائلة اجتماع المثلين : بأنه يندفع بما إذا قيّد متعلق أحد الأمرين بالآخر ، مثل أن يقول اذكر في الركوع ذكرا واحدا ويقول أيضا اذكر فيه ذكرا آخر ، وحينئذ لا يكون مركب الأمرين واحدا.

وفيه : أن التقييد بالآخر لا يرفع غائلة الاجتماع ، لأن كل واحد من أفراد الطبيعة هو آخر بالقياس إلى غيره من الأفراد ، ولأجل ذلك لا يندفع محذور الاجتماع فيما لو تعلق الأمر بأحد الفعلين والنهي بآخر بأن يقول اضرب ولا تضرب ضربا آخر. [ منه قدس‌سره ].

(٢) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ٣ : ٥٣١ ـ ٥٣٣.

(٣) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ١ : ٣٦٧.

٢٢٤

داعيا وغاية. ثم أنه لو سلّمنا أنّ أخذ الوجوب وصفا كاف في صحة الفعل نقول إنّه يمكن أخذ الندب غاية ، والمفروض انتفاء الندب واندكاكه بالوجوب.

قوله : مثال الأوّل تعلق النذر بفعل مستحب ـ إلى قوله ـ فتكون النتيجة وجوبا واحدا نفسيا ... إلخ (١).

فلو أتى به بداعي الجهة الاستحبابية صح بناء على ما هو المشهور في باب الوضوء ، وفي كفايته وإسقاطه النذر إشكال ينشأ من كون الوفاء بالنذر توصليا فينبغي سقوطه بذلك ، ومن كون سقوطه متوقفا على قصد الوفاء فينبغي القول بعدم سقوطه ، ولعل الأوجه هو الثاني. وينبغي مراجعة المسألة ٧ و ٩ و ١٠ و ١١ من مبحث النية من كتاب الصوم من العروة (٢).

وينبغي مراجعة حواشي مسألة ٣١ من مسائل شرائط الوضوء من العروة (٣).

وينبغي مراجعة ما أفاده في مباحث الوضوء في الوسيلة فانه قدس‌سره أفاد هناك ما هذا لفظه : ولو اجتمعت غايات وجوبية مع اخرى ندبية فالغاية الوجوبية تقتضي وجوبه ، ويضمحل الطلب الندبي في ضمن الوجوب اضمحلال كل ضعيف في الشديد من سنخه ، فليس الوضوء حينئذ إلاّ واجبا ولا الطلب به إلاّ وجوبيا ، ولكن جهة الندب محفوظة في ضمنه ، فلو كان المكلف قاصدا للغايات الوجوبية بعضا أو كلا صح قصد الوجوب وصفا وغاية كما فيما تقدم ، ولو لم يكن قاصدا سوى الغاية الندبية أو الكون على الطهارة فالوجوب الوصفي وإن جاز قصده لكنه لا يجدي في

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٥٩ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) تقدم ذكر المصدر آنفا.

(٣) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ١ : ٤٣٧.

٢٢٥

العبادية ، ولا يجوز قصد الأمر الوجوبي إذ ليس ناويا امتثاله ولا الندبي لانتفائه ، وإنما يصح له قصد جهة الندب والمطلوبية الموجودة من هذه الجهة في ضمن الوجوب وهي المعبّر عنها بالقربة المطلقة ، فلو أراد من عليه فريضة حاضرة أو فائتة لا يريد الاتيان بها بهذا الوضوء أن يتوضأ لغاية مندوبة أو قبل الوقت للكون على الطهارة في أوله أو لكونه شاكا في دخول الوقت ونحو ذلك صح وضوءه في جميع ذلك إذا نوى به القربة المطلقة (١).

والغرض من نقل ذلك هو بيان أن مراده من قصد الجهة هو قصد ذات الطلب الندبي المحفوظ في ضمن الطلب الوجوبي (٢) ، فليس مراده من الاندكاك هو ارتفاع كل من الأمرين وتولد أمر ثالث. لكن تصريحه قدس‌سره بأنه لا يجوز قصد الأمر الندبي لانتفائه ... الخ ، لعله لا يلائم دعوى بقائه بذاته ، كما أنه بعد البناء على انتفاء الأمر الندبي وبعد فرض أنه ليس في البين إلاّ الطلب الوجوبي وأن المكلف لم يكن قاصدا امتثاله فأيّ معنى حينئذ لقصده القربة المطلقة.

قال في العروة في مبحث النية من كتاب الصوم مسألة ٧ : إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزئه نية الصوم بدون تعيين أنه للنذر ولو إجمالا كما مرّ (٣). ولو نوى غيره فان كان مع الغفلة عن النذر صح ، وإن كان مع العلم والعمد ففي صحته إشكال (٤).

وقال شيخنا قدس‌سره في الحاشية على قوله « إشكال » ما نصه : والأظهر

__________________

(١) وسيلة النجاة : م [ لا يخفى أن الصفحات الاولى منها رمز لها بالحروف دون الأرقام ].

(٢) [ في الأصل : الطلب الندبي ، والصحيح ما أثبتناه ].

(٣) يعني في أول مبحث النية [ منه قدس‌سره ].

(٤) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ٣ : ٥٣١.

٢٢٦

البطلان (١).

أما الوجه في قوله : لا تجزئه نية الصوم بدون تعيين أنه للنذر ، فلأن الوفاء بالنذر يتوقف على القصد وإن لم يكن الوفاء تعبديا. لكن الاشكال في التفصيل في الحكم بصحة الغير بين صورة الجهل والغفلة عن النذر وصورة العمد والالتفات ، فان النذر المعيّن إن كان يوجب عدم صحة غيره فيه مثل رمضان فلا وجه للفرق المذكور ، لأن رمضان لا يصح غيره فيه مطلقا. وإن كانت المسألة من باب الترتب كما هو غير بعيد كان مقتضاه هو صحة ذلك الغير سواء كان مستحبا أو كان واجبا موسعا ، من دون فرق في ذلك بين العمد وغيره. نعم لو كان ذلك الغير واقعا نيابة عن شخص آخر كان باطلا ، لأن النذر أوجب سلب سلطنته على جعل صوم ذلك اليوم لغيره.

اللهم إلاّ أن يقال : إن النذر كما يوجب سلب سلطنته على جعل صوم ذلك اليوم لغيره فكذلك يوجب سلب سلطنته على جعله عن نفسه امتثالا لأمر مستحب أو امتثالا لواجب موسع ، وكأنه لأجل هذه الجهة حكم في المسألة العاشرة فيما لو كان اليوم المعيّن نذر صومه مصادفا لأيام البيض ، بأنه لا يجوز له أن يقصد به أيام البيض دون وفاء النذر ، وإن كان لو قصدهما اثيب عليهما لأنه حينئذ من قبيل التداخل ، فيكون محصّل الحكم بأنه لا يجوز قصد أيام البيض دون وفاء النذر ، هو عدم صحته عن أيام البيض. وإن أمكن أن يقال : إن نظره في عدم الجواز إلى ترك نية النذر مع فرض كون الاتيان به بقصد أيام البيض صحيحا للترتب. لكن يبقى

__________________

(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ٣ : ٥٣١.

٢٢٧

إشكال الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة التي اقتصر فيها على مجرد الاشكال ولم يفت بصحة ولا فساد ، فتأمّل.

قوله ـ في المسألة التاسعة ـ : إذا نذر صوم يوم خميس معيّن ونذر صوم يوم معيّن من شهر معيّن فاتفق في ذلك الخميس المعيّن ، يكفيه صومه ويسقط النذران ، فان قصدهما اثيب عليهما وإن قصد أحدهما اثيب عليه وسقط عنه الآخر (١).

الظاهر أنه إذا نذر صوم غد مثلا ثم نذره ثانيا لا يكون النذر الثاني صحيحا ، لأن النذر الأوّل سلب سلطنته على صوم الغد ، وبناء على ذلك يكون الصحيح فيما ذكره من المثال هو السابق من النذرين ويبطل الثاني. ثم لو صححناهما أو كانا قد وقعا في رتبة واحدة يعني في نذر واحد بأن نذر أن يصوم أول خميس من هذا الشهر واليوم الثاني منه بنذر واحد واتفق اتحادهما ، فالذي ينبغي أن يقال إنه يلزمه أن يقصدهما ، وأنه لو قصد أحدهما دون الآخر كان عليه الكفارة.

ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما أفاده في المسألة الحادية عشرة : إذا تعدد في يوم واحد جهات من الوجوب أو جهات من الاستحباب أو من الأمرين فقصد الجميع اثيب على الجميع ، وإن قصد البعض دون البعض اثيب على المنوي وسقط الأمر بالنسبة إلى البقية (٢) ، فان ذلك اليوم لو اجتمع فيه جهات من الوجوب كان اللازم هو قصدها أجمع ، ولو قصد بعضها دون البعض كان عاصيا بالنسبة إلى ما لم يقصده ، سواء قلنا باندكاك أحد الطلبين بالآخر وتولد طلب واحد منهما ، أو قلنا بعدم الاندكاك وأنه

__________________

(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ٣ : ٥٣٢.

(٢) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ٣ : ٥٣٣.

٢٢٨

يبقى كل من الطلبين بذاته. والظاهر أنه لو ترك صوم ذلك اليوم أو أنه صامه بداعي جهة اخرى كان مستحقا للعقاب على كل منها. والظاهر أن الوجه في سقوط ما لم ينوه في هذه المسألة وفي سابقتها أعني المسألة التاسعة هو كونه من الموقتات التي تسقط بفوات وقتها.

قوله : مع أن الجهة التعليلية في المقام أيضا واحدة ، ضرورة أن الداعي إلى طلبه هو رفع الحدث وهو واحد لا تعدد فيه ، فما نحن فيه أجنبي عن باب تعدد الدواعي أيضا (١).

لا يخفى أنه إذا أخرجنا ما نحن فيه عن كونه من قبيل تعدد الجهات التقييدية وأخرجناه أيضا عن تعدد الجهات التعليلية ، لم يبق لنا ما يوجب الطلبين حتى نقول إنه يندك أحدهما بالآخر وتبقى جهة الندب محفوظة. وبالجملة أن رفع الحدث وإن كان واحدا إلاّ أنه هو المطلوب لا أنه علة للطلب ، وهذا المطلوب قد اجتمعت فيه جهتان ، إحداهما جهة طلبه الندبي وهي كونه شرطا في صحة الصلاة المندوبة التي يريد المكلف الاتيان بها ، والاخرى جهة طلبه الوجوبي وهي كونه شرطا في صحة الصلاة الواجبة ، وهاتان الجهتان من الجهات التقييدية لا التعليلية ، وإنما أخرجناه من باب الاجتماع لأن اجتماع هذه الجهات ليس من قبيل التركب الانضمامي ، بل هو من قبيل التركب الاتحادي.

قوله في الكفاية : وأما ما ربما قيل (٢) في تصحيح اعتبار قصد الاطاعة في العبادات من الالتزام بأمرين ـ إلى قوله : ـ لا يكاد يجزي في تصحيح اعتبارها في الطهارات ، إذ لو لم تكن بنفسها مقدمة لغاياتها

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسخة المحشاة ].

(٢) مطارح الأنظار ١ : ٣٥١ ـ ٣٥٢.

٢٢٩

لا يكاد يتعلق بها أمر من قبل الأمر بالغايات ، فمن أين يجيء طلب آخر من سنخ الطلب الغيري متعلق بذاتها ليتمكن به من المقدمة في الخارج ، هذا مع أنّ في هذا الالتزام ... الخ (١).

لا يخفى أنا لو قلنا بأنّ الأمر الغيري غير قابل للتعبد به لم يكن تعدده مصحّحا للعبادية ، وإن قلنا بأنه قابل للتعبد به كانت المقدمة حالها حال الواجبات النفسية العبادية في كفاية تعدد الأمر في تصحيح عباديتها ، واندفاع الدور السابق الآتي في العبادات النفسية ، فكما أن مثل الصلاة التي هي واجبة نفسيا نقول إن تعلق الأمر بها يتوقف على الصلاح فيها ، وهو موقوف على كونها عبادة ، وكونها كذلك موقوف على الأمر بذاتها ، ويندفع ذلك بتعدد الأمر ، فكذلك المقدمة العبادية نقول إن تعلق الأمر الغيري بها يتوقف على كونها مقدمة ، وكونها مقدمة بحيث يتوقف عليها الواجب النفسي متوقف على عباديتها ، وعباديتها متوقفة على تعلق ذلك الأمر الغيري بها ، ويندفع ذلك بتعدد الأمر بأن نقول إن الشارع لمّا رأى توقف الصلاة على الوضوء العبادي لزمه الأمر بذلك الوضوء العبادي أمرا غيريا ، وذلك الامر الغيري لا يكفي فيه الجعل الواحد ، بل يحتاج إلى جعلين أحدهما يتعلق بذات الوضوء والثاني يتعلق بالاتيان به بداعي الأوّل ، وكل منهما غيري ناشئ عن ملاك واحد وهو توقف الصلاة على ذلك الوضوء العبادي.

وأما ما يقال من الفرق بين المقدمات والواجبات النفسية ، من أن الأمر الغيري ليس داخلا تحت اختيار الآمر حتى يلتزم فيه بتعدد الأمر ، بل

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١٢.

٢٣٠

إنه تابع لملاكه ، فان كان ملاكه وهو التوقف موجودا في الأفعال الوضوئية بنفسها تعلق بها الأمر الغيري ، وإلاّ لم يعقل تعلق الأمر الغيري بها.

ففيه : أن الأوامر النفسية أيضا كذلك ، فانّ ملاكها وهو الصلاح في الأفعال إن كان موجودا تعلق بها ، وإلاّ لم يعقل تعلق الأمر النفسي بها كي يلحقه بأمر آخر يتعلق بالاتيان به بداعي ذلك الأمر. وكما أنا نقول في الجواب عن ذلك بأن في البين ملاكا واحدا لا يمكن استيفاؤه إلاّ بأمرين ، فكذلك نقول فيما نحن فيه إن في البين ملاكا واحدا وهو توقف الصلاة على الوضوء العبادي ، فلا بدّ من الالتزام بذلك الوضوء العبادي ، وذلك أعني الالتزام بذلك الوضوء العبادي لا يمكن استيفاؤه إلاّ بجعل أمرين غيريين ، يتعلق أحدهما بنفس الأفعال والآخر بالاتيان بها بداعي الأوّل فتأمّل.

قوله في الكفاية : بل في الحقيقة يكون هو الملاك لوقوع المقدمة عبادة ولو لم يقصد أمرها ، بل ولو لم نقل بتعلق الطلب بها أصلا ... الخ (١).

لا يخفى أن قصد التوصل بالمقدمة إلى ذيها مع قطع النظر عن أمر في البين يكون متعلقا بها لا يوجب عباديتها ما لم تكن واقعة بداعي الأمر الشرعي ، فلا بدّ حينئذ في عبادية المقدمة من قصد ذلك الأمر الغيري. فالقول بأنه لا حاجة إلى قصده ممنوع.

نعم لو كان الغرض من قصد التوصل بها إلى ذيها هو الاتيان بها بداعي الأمر النفسي المتعلق بذيها أو بداعي الأمر النفسي الشرطي الذي

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١٣.

٢٣١

تعلق بها في [ ضمن ](١) الأمر النفسي المتعلق بذيها ، لكان ذلك صحيحا وكان راجعا إلى ما أفاده شيخنا قدس‌سره (٢) من أن المصحّح لعباديتها هو قصد الأمر النفسي الضمني الشرطي ، أو قصد الأمر النفسي المتعلق بذيها بحيث يكون الباعث والمحرك على الاتيان بالمقدمة هو الأمر المتعلق بذيها ، ويكون ذلك الأمر المتعلق بذيها داعيا إلى ما يتوقف عليه ذوها كما يكون داعيا إلى نفس ذيها على ما مرّ (٣) شرحه في إمكان تصحيح العبادية في المقدمات العادية ، فراجع وتأمل. أو على ما يأتي (٤) شرحه في توجيه اعتبار قصد التوسل بها إلى ذيها بأنّ المصحّح للعبادية هو الأمر الشرطي النفسي الضمني ، لكن دعوة هذا الأمر الضمني لمّا كانت في ضمن دعوة الأمر المتعلق بالمجموع ، كان الاتيان بها بداعي الأمر بالمجموع عبارة أخرى عن الاتيان بها بقصد التوسل بها إلى المجموع فراجع وتأمل.

قوله : فتحصل من جميع ما ذكرناه في الطهارات الثلاث أنّ أوامرها الغيرية لا توجب عباديتها وترتب الثواب عليها إلاّ إذا كان الاتيان بها بقصد التوسل بها إلى غاياتها ... إلخ (٥).

لا يخفى أن الذي تقدم كان مفاده هو أنّ عبادية الطهارة إنما جاءت من قبل الأمر الشرطي النفسي الضمني ، وأن الأمر الغيري أجنبي عن عباديتها ، وحينئذ نقول إنّ هذه المقدمة لو كان المصحّح لعباديتها هو ذلك الأمر الغيري كانت عباديتها موقوفة على قصد التوسل بها إلى الغير ، أما لو

__________________

(١) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٥٥ وما بعدها.

(٣) في صفحة : ١٩٩.

(٤) في صفحة : ٢٣٤.

(٥) أجود التقريرات ١ : ٢٦١ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٢٣٢

كان المصحّح لها هو أمرها الشرطي الضمني نظير عبادية الجزء كالركوع الذي تكون عباديته من ناحية الأمر الجزئي النفسي الضمني ، فكما أنّ عبادية ذلك الجزء لا تتوقف على قصد التوسل به إلى المجموع فكذلك عبادية الشرط لا تتوقف على قصد التوسل به إلى المجموع ، بل ينبغي أن نقول إنه لو قصد التوسل به إلى المجموع وجاء به بداعي ذلك الأمر الغيري لا يكون عبادة ، كما لا يكون مثل قطع المسافة عبادة لو قصد به التوسل إلى الحج مثلا مع الاتيان به بداعي ذلك الأمر الغيري.

نعم ، هناك مطلب آخر ربما يظهر من بعض كلماته قدس‌سره وهو أنّ الاتيان بالمقدمة ولو عادية غير الطهارات الثلاث بداعي الأمر المتعلق بذيها بحيث يكون المحرك على الاتيان بالمقدمة هو الأمر المتعلق بذيها يكفي في عباديتها ، كما يظهر ذلك من قوله : فالاتيان بها في هذا الفرض ( يعني فرض قصد التوسل ثم بدا له فلم يتوسل ) بتحريك الأمر الصلاتي مثلا وإطاعة له حين الفعل ، ولا يعتبر في العبادة أزيد من كونها بداعي الأمر وبتحريكه وهو موجود حين الفعل ... الخ (١) وكما يظهر ذلك من كلماته في تصحيح الثواب على المقدمة لو أتى بها بداعي التوسل بها إلى ذيها فراجع العبارات في ص ١٤٥ و ١٤٦ (٢).

وحينئذ يكون المراد من الاتيان بها بداعي الأمر النفسي المتعلق بذيها هو الاتيان بها بداعي الأمر الشرطي الحاصل في ضمن الأمر النفسي المتعلق بذيها.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٦٣ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) حسب الطبعة القديمة غير المحشاة ، راجع أجود التقريرات ١ : ٢٥١ وما بعدها من الطبعة الحديثة.

٢٣٣

وإن شئت فقل : إن الأمر الشرطي الضمني كما أنه لا يكون إلاّ في ضمن المجموع ، فكذلك تحريكه المكلف نحو متعلقه لا يكون إلاّ في ضمن تحريك الأمر بالمجموع إلى المجموع ، فلا بدّ له حينئذ من قصد التوصل بذلك الشرط إلى حصول المجموع ، ويكون قصد التوصل به إلى المجموع عبارة أخرى عن الاتيان بذلك الشرط بداعي الأمر بالمجموع ، فيصح لنا أن نقول إن الأمر الغيري لا يوجب عباديتها ، وإنما الموجب لعباديتها هو الاتيان بها بقصد التوسل إلى المجموع الذي هو غاياتها المشروطة بها ، وقصد التوسل إلى المجموع عبارة اخرى عن الاتيان بها بداعي الأمر بالمجموع المفروض كون دعوة الأمر الشرطي في ضمنه. وحينئذ لا يكون ذلك منافيا لما تقدم من كون المصحّح للعبادية هو الأمر النفسي الشرطي الضمني ، وذلك لأن قصد الأمر بالمجموع قصد للأمر الضمني الشرطي ، لما عرفت من أن دعوة الأمر الشرطي الضمني إنما هي في ضمن دعوة الأمر المتعلق بالمجموع إلى المجموع.

قوله : بقي في المقام شيء ، وهو أن المكلف إذا أتى بالطهارات الثلاث بداعي التوسل بها إلى غاياتها ولكنه بدا له بعد الفعل ، فهل عدم التوسل بها خارجا يمنع عن حصول الاطاعة بها وامتثال الأمر بها ... الخ (١).

لا يخفى أنّ ترتيب ما حررته عنه قدس‌سره هو أنه قدس‌سره بعد الفراغ من تقسيم الواجب إلى النفسي والغيري وبيان حقيقة كل منهما ، قال : ينبغي التنبيه على أمور :

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٦٣ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٢٣٤

الأوّل : هو ما يتعلق بأن الأمر الغيري لا يترتب عليه الثواب ولا على مخالفته العقاب. وذكر توجيه الثواب في بعض المقدمات مثل الطهارات الثلاث.

الأمر الثاني : فيما يتعلق بتوجيه عبادية الطهارات الثلاث وأنه الأمر النفسي الشرطي الضمني ، لا الأمر الغيري ولا الأمر الاستحبابي النفسي المتعلق بها مع قطع النظر عن كونها مقدمة لواجب كالصلاة.

الأمر الثالث : فيما يتعلق بأن عباديتها وامتثال الأمر بها منوط بالإتيان بها بقصد التوسل ، وأنّ هذا المعنى أعني قصد التوصل بها إلى المشروط بها ليس من قبيل الجهات التعليلية بل هو من الجهات التقييدية.

الأمر الرابع : فيما يتعلق بأنه بعد الوقت هل يصح الاتيان بها بداعي الجهة الاستحبابية ، والبحث في ذلك مع صاحب العروة قدس‌سره.

الأمر الخامس : هو هذا الذي اشير إليه هنا بقوله « بقي في المقام شيء » فالأولى نقل نص ما حررته عنه قدس‌سره في هذا الأمر الخامس ، وهذا نصه : الأمر الخامس ممّا ينبغي التنبيه عليه : هو أنه لو توضأ بداعي امتثال الأمر النفسي المتعلق بالصلاة الواجبة المشروطة بالوضوء ، وكان من قصده التوصل بذلك الوضوء إليها ، ولكن بعد الفراغ عن الوضوء بدا له فلم يأت بالصلاة ، فهل يكون وضوءه المذكور صحيحا على وجه له أن يصلي به صلاة أخرى مستحبة أم لا؟

ربما يتوهم الثاني من جهة تخيل أنّ صحة وضوئه منوطة بامتثال الأمر المتعلق بذلك الواجب المشروط به ، لأنه إنما صحّ عباديا لأجل أنه يؤتى به بداعي ذلك الأمر المتعلق بما هو مشروط به ، لما ذكرناه من أن كون ذلك الأمر داعيا على الاتيان بالوضوء إنما كان داعيا إلى الاتيان بما هو

٢٣٥

مشروط به ومتوقف عليه ، فيكون الصحيح منه هو ما يتوصل به إلى ذلك المشروط به ، دون ما لم يتوصل به إليه وإن كان حين وقوعه مقصودا به التوصل.

ولا يخفى ما فيه ، فإنّ هذا كله لا يقتضي أزيد من لزوم الاتيان به بقصد التوصل ، ولا يكون موجبا لاعتبار التوصل الفعلي على وجه لو لم يتوصل به إليه لكان باطلا.

وقد يتوهم الثاني أيضا من جهة أخرى ، وهي أن ذلك الأمر الوجوبي الوارد على الوضوء من جهة كونه شرطا لما هو الواجب ارتباطي ، ولأجل ذلك لا يسقط وجوبه مع بقاء وجوب بقية الأجزاء والشرائط فيما لو لم يأت إلاّ بهذا الشرط واستمر عاصيا إلى أن نقض وضوءه أو خرج الوقت ، بل يكون ذلك موجبا لعدم امتثال الجميع حتى الأمر المتعلق بهذا الشرط الذي أتى به. وإذا كان هذا الوجوب المتعلق بالوضوء ارتباطيا كانت صحته منوطة بالاتيان بباقي الأجزاء والشرائط ، وما لم يأت بها كان ذلك الوضوء باطلا. فتكون صحة ذلك الوضوء مراعاة بلحوق ما هو مشروط به ، فان لم يتحقق ذلك إلى أن نقض وضوءه أو خرج الوقت ، انكشف أنه كان باطلا من أوّل الأمر كما هو الشأن في سائر الواجبات الارتباطية ، ويتفرع على ذلك أنه لو صلى بذلك الوضوء صلاة أخرى غير التي قصدها ثم بعد ذلك أحدث قبل أن يصلي الصلاة التي قصدها ، كانت الصلاة التي صلاها فاسدة.

وفيه : ما لا يخفى ، فان هذه الارتباطية بالنسبة إلى هذا الشرط ممّا لا دليل عليها ، وما ذكرناه في برهان اعتبار قصد التوصل أجنبي عن هذه الارتباطية. وحينئذ لا مانع من صحة هذا الوضوء وسقوط أمره الشرطي النفسي وإن لم يأت بعد ذلك بما هو المشروط به.

٢٣٦

قلت : ويمكن أن يقال إن الذي إن الذي يتعلق به الوجوب الشرطي الضمني إنما هو تقيد الصلاة بالوضوء على وجه يكون القيد خارجا والتقيد داخلا. وانما صحّ كون نفس الوضوء عبادة لا للأمر الوارد على نفس ذلك الشرط أعني الوضوء كالأمر الوارد على الجزء ، بل للأمر الوارد على المشروط فانه يدعو إلى الاتيان بكل ما يتوقف عليه حتى المقدمات الاعدادية. ففي الحقيقة أن الشرط هو التقيد ، ولم يحصل في مسألتنا هذه كي يكون موجبا لسقوط أمره ، والذي حصل هو نفس الأفعال الوضوئية ، وليست هي بنفسها شرطا كي يقال إنها لا تصح إلاّ بلحوق المشروط ، فتكون نسبتها إلى الفعل المقيد كنسبة مقدماته الاعدادية إليه ، غاية الأمر أنها من بينها لا بدّ أن تكون عبادية ، بخلاف غيرها فانه يمكن الاتيان بها بداعي أمر ذيها فتكون عبادية ويمكن الاتيان بها لا بداعيه فلا تكون عبادية.

لكن هذا وان رفع إشكال الارتباطية بالنسبة إلى نفس الوضوء ، إلاّ أنه يفتح علينا إشكالا آخر ، وهو أن لا يكون الواجب الشرطي هو نفس الوضوء بل يكون الواجب الشرطي هو تقيد الصلاة به ، فيختلف متعلق الوجوب الشرطي مع متعلق الاستحباب النفسي فلا يندك أحدهما بالآخر.

اللهم إلاّ أن يقال : إن الذي لا يندك في أمرها الاستحبابي النفسي هو الوجوب المتعلق بنفس الشرط الذي هو نفس التقيد ، وليس ذلك الأمر هو المصحّح لعباديتها ، وإنما المصحّح لعباديتها هو الأمر الذي نالها بما أنها مقدمة إعدادية لذيها وذلك الأمر متعلق بها بنفسها. هذا ما حررته سابقا.

ولكن قد تقدم (١) في بعض المباحث السابقة توجيه تعلق الأمر

__________________

(١) في صفحة : ٢٠٩ وما بعدها.

٢٣٧

الشرطي بنفس تلك الأفعال أو ما يتولد منها وإن كان القيد خارجا ، نظرا إلى أن التقيد متولد من وجود القيد فهو عنوان ثانوي له ، وأنه لا فرق في ذلك بين كون الأمر متعلقا بالعنوان الأولي أو متعلقا بالعنوان الثانوي.

وحينئذ فالأولى في هذه المسألة أن يقال : إن الذي انكشف بطلانه وعدم إطاعة أمره هو الشرط لتلك الصلاة التي لم يأت بها ، بمعنى أن الأمر الشرطي في تلك الصلاة الوارد ضمنا على الوضوء لم يحصل امتثاله ، وهذا لا ينافي كون تلك الأفعال الوضوئية التي أتى بها بذلك الداعي مؤثرة في ارتفاع الحدث وحصول الطهارة النفسانية. وهذا المعنى أعني ارتفاع الحدث وحصول الطهارة كاف في صحة الصلاة الاخرى الاستحبابية. وإن شئت قلت : إن الذي قد انكشف هو عدم صحته شرطا للصلاة التي لم يأت بها لا عدم تأثيره في ارتفاع الحدث وحصول الطهارة ، فتأمل.

والحاصل : أن هذا النزاع لو كان راجعا إلى أنه بعد أن بدا له ولم يأت بذلك الفعل الذي قصد بالوضوء التوصل إليه ، يستكشف أنّ وضوءه السابق لم يكن واجدا لشرائط الواجب الشرطي التي هي انضمامه إلى بقية الأجزاء والشرائط ، فلا يكون مسقطا لأمره الشرطي ، فذلك ممّا لا بدّ منه لما عرفت من أنّ ذلك هو مقتضى الارتباطية ، من دون فرق في ذلك بين القول بالمقدمة الموصلة وعدمه.

أما على الأوّل فواضح ، وأما على الثاني فلأنا وإن لم نعتبر الايصال في وقوع المقدمة على صفة الوجوب الغيري ولا في عباديتها ، إلاّ أن خصوص هذه المقدمة التي هي شرط شرعي ينبسط عليها الوجوب النفسي في ضمن تعلقه بالمجموع لا تكون مسقطة لذلك الوجوب الشرطي ، كما

٢٣٨

أن الجزء لو لم يلحقه باقي الأجزاء ينكشف عدم وقوعه على صفة الوجوب ، لكن ذلك أعني عدم وقوع ذلك الشرط على صفة الوجوب الشرطي لا يستلزم بطلانه على وجه لا يكون مؤثرا في رفع الحدث وحصول الطهارة بحيث لا يسوغ معه الدخول في صلاة اخرى ، فانّ هذا المعنى أعني كونه بحيث لا يترتب عليه رفع الحدث ممّا لا يمكن الالتزام به سواء قلنا بالمقدمة الموصلة أو لم نقل ، فلا يمكن أن يكون هذا النزاع راجعا إلى صحته وبطلانه بمعنى عدم مؤثريته في ارتفاع الحدث.

وإن شئت قلت : إنّ لهذه الأفعال الوضوئية أثرين : أحدهما رفع الحدث ، والآخر سقوط الأمر الشرطي. والارتباطية إنما توجب عدم ترتيب الأثر الثاني أعني إسقاط الأمر الشرطي ، ولا توجب عدم ترتيب الأثر الأوّل أعني ارتفاع الحدث. ولعل مراده من عدم الدليل على الارتباطية في هذا المقام هو عدم الدليل عليها من الناحية الاولى أعني رفع الحدث ، لا من الناحية الثانية أعني سقوط الأمر الشرطي ، فتأمل فان المسألة لا تخلو من غموض ، فانّ هذه الأفعال الوضوئية وإن كانت هي عين ما يتولد منها أعني رفع الحدث ، إلاّ أنّ تحقق رافعية الحدث يتوقف على كون تلك الأفعال امتثالا للأمر الشرطي ، والمفروض أنها لم يكن محققة لذلك الامتثال.

فالأولى حينئذ هو ما أفاده قدس‌سره من أنه لا دليل على كون سقوط الأمر بالشرط متوقفا على سقوط الأمر بالمشروط ، وإن كان سقوط الأمر بالمشروط متوقفا على سقوط الأمر بالشرط ، وذلك حاصل ما أفاده قدس‌سره من أنه لا دليل على هذه الارتباطية ، وإلاّ لكانت كافة الأجزاء شرطا في صحة

٢٣٩

الشرط فتنقلب الجزئية إلى الشرطية. أو يقال بما تقدم (١) في توجيه العبادية أعني أن الوجوب إنما يتعلق بالتقيد وأن الأفعال الوضوئية بالنسبة إلى ذلك التقيد من قبيل المقدمة الاعدادية ، وأن المصحح لعباديتها هو الاتيان بها بداعي الأمر المتعلق بذيها أعني مجموع الصلاة المقيدة بالطهارة ، فلو أتى بها المكلف بذلك الداعي صحت وترتب عليها الأثر أعني ارتفاع الحدث وإن لم يحصل بذلك امتثال الأمر الشرطي الوارد على نفس التقيد الذي لا يحصل إلاّ بالاتيان بتلك الصلاة بعد حصول الطهارة ، فتأمل.

ثم لا يخفى أن قوله : أما على القول بالمقدمة الموصلة ، فلا إشكال في أنّ عدم الايصال الخارجي يكشف عن عدم تعلق الوجوب بها من أول الأمر ، وكان تعلق الأمر بها تخيّلا من الفاعل ، الخ (٢) ظاهر في أنّ هذه المقدمة التي بدا له فيها لا يكون الوجوب متعلقا بها بحيث إنها وقعت في مورد عدم الوجوب. ولكن ذلك غير مراد قطعا ، لأن القول بالمقدمة الموصلة لا يكون راجعا إلى اشتراط الوجوب بالايصال ، بل إنما هو راجع إلى اشتراط الواجب ، وحينئذ فيكون المراد هو أن اتفاق عدم الايصال الخارجي يكشف عن عدم صحة تلك المقدمة لعدم اشتمالها على شرط صحة الواجب وهو تحقق الايصال بها ، ويكون الحاصل حينئذ هو استكشاف فساد تلك المقدمة على كل من القول باعتبار الايصال في المقدمة والقول بعدم اعتباره.

أما الأوّل فواضح ، وأما الثاني فلأن الايصال وإن لم يكن معتبرا في

__________________

(١) في صفحة : ٢٣٧ وأيضا في صفحة : ٢٠٠ ـ ٢٠١.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٦٣.

٢٤٠