أصول الفقه - ج ٢

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٢

الأفعال أو أنه العنوان المتولد منها كما أفاده قدس‌سره فيما حررناه فيما تقدم (١) نقله ، ولعل الثاني هو المتعين كما يشهد بذلك ما لو كان متوضئا لغاية سابقة وحضر وقت الصلاة ، إذ لو كان الشرط هو نفس الأفعال لاحتاج إلى تجديدها.

نعم ، يبقى في البين إشكال آخر وهو أن الشرط الشرعي من قبيل دخول التقييد وخروج القيد ، وحينئذ يكون نفس الشرط الذي هو الأفعال الوضوئية أو العنوان المتولد منها خارجا عن حيّز الأمر النفسي ، ويكون نفس القيد مقدمة عقلية.

اللهم إلاّ أن يقال : إن القيد وإن كان خارجا وكان الداخل تحت الطلب هو التقيد به إلاّ أن التقيد يكون متولدا عن فعل القيد نفسه ، فيكون حاله من هذه الجهة حال نسبة الأفعال الوضوئية إلى ما يتولد منها أعني الطهارة وارتفاع الحدث في أنه لا فرق بين كون متعلق الأمر النفسي الضمني هو نفس الفعل أو ما يتولد منه ، فتأمل. فانه يمكن أن يقال : إن الأفعال الوضوئية بالنسبة إلى التقيد ليست من قبيل الأسباب التوليدية ، بل هي من المقدمات الاعدادية لتوسط الاختيار بينهما ولو كان هو اختيار الفاعل نفسه أعني بذلك اختياره إيجاد الصلاة بعد أن فعل الطهارة ، وفي الحقيقة أن الذي هو من الأسباب التوليدية بالنسبة إلى التقيد المذكور هو إيجاد الصلاة بعد فعله الطهارة ، وحينئذ لا تكون الأفعال الوضوئية بالنسبة إلى ما ورد عليه الوجوب الشرطي الضمني إلاّ من قبيل المقدمات الاعدادية ، وبعد الفراغ عن كونها عبادية تكون عباديتها ناشئة عن الاتيان بها بداعي الأمر المتعلق بذيها ، فإن الأمر المتعلق بذي المقدمة يدعو إلى جميع ما يتوقف عليه ،

__________________

(١) في صفحة : ١٩٩.

٢٠١

غايته أن بعض تلك المقدمات لا يعتبر فيها الاتيان بها بداعي ذلك الأمر وبعضها يعتبر فيها العبادية ، فلا بدّ من الاتيان بها بداعي ذلك الأمر المتعلق بذيها وإن لم يكن هو متعلقا بها ، فان الأمر يحرّك المكلف إلى كل ما يتوقف عليه متعلقه. أو يؤتى بها بداعي الجهة الاستحبابية ، فتأمل.

وقد يقال : إن هذا التوجيه لعبادية الطهارات لا يلتئم مع ما عليه عمل الناس ، فانهم لا يشعرون بذلك الأمر الشرعي الشرطي كي يأتوا بها بداعي امتثاله ، وإنما يتحركون عن الأمر الغيري.

وفيه : ما لا يخفى ، فان حاصل ذلك التوجيه هو أن المصحح لعبادية الوضوء مثلا هو الاتيان به بداعي الأمر المتعلق بما هو مشروط به ، وهو عين ما يقع من عامة الناس ، فانهم لا يقصدون بالوضوء إلاّ التوصل به إلى ما هو مشروط به ، وهو عين الاتيان به بداعي ذلك الأمر الشرطي ، لا أنهم يأتون به بداعي الأمر الغيري المتولد من الأمر النفسي ، لأنهم غافلون عن ذلك الأمر الغيري ، ولا يلتفتون إلاّ إلى الأمر النفسي المتعلق بما هو مشروط بالوضوء وإلى الأمر النفسي الشرطي المتعلق بذلك الشرط ، فتأمل.

نعم ، إن هذا التوجيه إنما يتم فيما يكون من الطهارات مقدمة لعبادة مثل الوضوء للصلاة ، دون ما يكون لمجرد الكون على الطهارة أو الجهات الأخر مثل مس المصحف ومثل وضوء الحائض والوضوء للنوم والوضوء الرافع لكراهة الجنابة على الجنابة ، وهكذا الحال في الأغسال المستحبة ، فلا بدّ في جميع ذلك من الالتزام بأن المصحح للعبادية هو الأمر الاستحبابي النفسي ، سواء كان رافعا للحدث كما في مثل الوضوء لمسّ المصحف ، أو لم يكن رافعا له كما في وضوء الحائض ووضوء الجنب ، بل الوضوء

٢٠٢

التجديدي فيما لو لم يصادف الحدث في الواقع ، باخراج صورة ما لو توضأ تجديدا وكان وضوء السابق فاسدا مثلا.

ثم إن استحباب الوضوء نفسيا وإن كان قابلا للانكار لعدم الدليل القاطع على ذلك ، فان أغلب ما ذكر له من الأدلة لا تدل على الاستحباب النفسي كما لا يخفى على من راجع الكتب الفقهية. نعم الظاهر أن دلالة جملة منها على استحباب الكون على الطهارة غير قابلة للانكار (١) ، وحينئذ فلا يكون النزاع في الاستحباب النفسي إلاّ شبيها بالنزاع اللفظي ، فان نفس أفعال الوضوء بالنسبة إلى الكون على الطهارة من الأسباب التوليدية ، وقد حقق قدس‌سره (٢) أنه لا فرق فيها بين تعلق الأمر بنفس الأفعال وتعلقه بما يتولد منها ، وحينئذ يكون عدّ الكون على الطهارة من غايات الوضوء باعتبار تولده منه ، لا باعتبار كون الوضوء مقدمة له مثل مقدميته لجواز مس

__________________

(١) [ منها : ] ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) [ البقرة ٢ : ٢٢٢ ] ، ( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) [ التوبة ٩ : ١٠٨ ] ، وقول علي عليه‌السلام : « الوضوء على الطهور عشر حسنات فتطهروا » [ وسائل الشيعة ١ : ٣٧٧ / أبواب الوضوء ب ٨ ح ١٠ ( مع اختلاف يسير ) ] فان ظاهر الأمر الاستحباب ، ولا اختصاص له بمورده من وضوء التجديد.

[ وفي ] الحديث القدسي : « من أحدث فما توضأ فقد جفاني ، ومن توضأ ولم يصل ركعتين فقد جفاني ، ومن توضأ وصلى ركعتين ودعاني ولم اجبه فيما سأله من أمر دينه ودنياه فقد جفوته ، ولست برب جاف » [ وسائل الشيعة ١ : ٣٨٢ / أبواب الوضوء ب ١١ ح ٢ ( مع اختلاف عمّا في المصدر ) ] ، وعن الأمالي من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا أنس أكثر من الطهور يزد الله في عمرك ، وإن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل ، فانك إذا متّ على طهارة متّ شهيدا » [ وسائل الشيعة ١ : ٣٨٣ / أبواب الوضوء ب ١١ ح ٣ ، أمالي المفيد : ٦٠ / ٥ ]. وعن النوادر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا بالوا توضئوا أو تيمموا مخافة أن تدركهم الساعة ] » [ بحار الأنوار ٨٠ : ٣١٢ / ٢٨ ، النوادر ( للراوندي ) : ١٨٩ / ٣٣٩ منه قدس‌سره ].

(٢) راجع أجود التقريرات ١ : ٥٦ ـ ٥٧.

٢٠٣

المصحف أو لصحة الصلاة.

ولا يخفى أن ذلك أعني عدّ الكون على الطهارة من الغايات لا يخلو من تسامح. وينبغي مراجعة ما أفاده قدس‌سره في الوسيلة (١) من المسائل السبع التي ذكرها في البحث الثاني فيما يجب أو يستحب له الوضوء سيما المسألة الاولى والسادسة والسابعة ، ومن ملاحظة ما أفاده قدس‌سره في المسألة الاولى يتضح الوجه فيما أفاده في حواشي العروة (٢) من الاحتياط بقصد الكون على الطهارة ، ولكن مع ذلك كله لا يخلو الاحتياط المذكور عن الضعف ، ولعل مبنى الاحتياط المذكور هو كون الكون على الطهارة من العناوين التي يتوقف حصولها على القصد بعد الفراغ عن كونه من العناوين التوليدية ، فراجع وتأمل.

قوله : مع أن الأمر النفسي الاستحبابي ينعدم بعروض الوجوب ... الخ (٣).

مراده من الوجوب الذي ينعدم الاستحباب بعروضه هو الوجوب النفسي الشرطي الضمني لا الوجوب الغيري ، لما سيأتي (٤) إن شاء الله من أن الوجوب الغيري لا يوجب اندكاك الأمر الاستحبابي النفسي لاختلاف متعلقهما ، بخلاف الوجوب الضمني الشرطي لوحدة المتعلق فيهما ، فينعدم الاستحباب بعروضه ، لكن جهة الاستحباب تبقى ، فيصح الاتيان بالوضوء بداعي الجهة الاستحبابية مع فرض طروّ الوجوب النفسي الضمني الشرطي

__________________

(١) وسيلة النجاة : لد ـ م [ لا يخفى أنّ الصفحات الاولى منها رمز لها بالحروف دون الأرقام ].

(٢) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدة من الفقهاء ) ١ : ٣٥٠ ، ٣٦٠.

(٣) أجود التقريرات ١ : ٢٥٤.

(٤) أجود التقريرات ١ : ٢٥٨ ـ ٢٦٠.

٢٠٤

وزوال الاستحباب بحدّه كما سيأتي صفحة ١٥٠ (١) إن شاء الله وأشار إليه في حواشي العروة (٢).

قال قدس‌سره فيما حررته عنه ما حاصله : أن المتحصل مما أفاده الشيخ قدس‌سره في كتاب الطهارة (٣) في بيان الاشكال على عبادية الطهارات الثلاث هو أن عباديتها إن كانت من ناحية الأمر الغيري كان مستلزما للدور ، لتوقف الأمر الغيري على كونها مقدمة ، وكونها كذلك متوقف على كونها عبادة ، وكونها عبادة متوقف على ذلك الأمر الغيري.

وإن كانت عبادية هذه الطهارة من ناحية الاستحباب النفسي المتعلق بتلك الأفعال من جهة حسنها الذاتي ، ففيه أوّلا : أن هذا لا يتم في التيمم لعدم استحبابه ذاتا. وثانيا : أن الاستحباب النفسي ينعدم عند طروّ الوجوب الغيري عليها. وإن أجاب هو عن هذا الأخير بالمنع من انعدام الاستحباب النفسي عند طروّ الوجوب الغيري.

ثم بعد أن أفاد أن الأمر الاستحبابي لا ينفع لعدم كونه مقصودا في مرحلة الداعي كما سيأتي نقله قال : وأما ما أفاده الشيخ قدس‌سره (٤) من عدم انعدام الاستحباب النفسي عند طروّ الوجوب الغيري ، فقد تقدم منا على الاجمال أن ذلك من باب اندكاك إحدى الجهتين بالاخرى وأخذ كل من الطلبين من الآخر ما هو فاقد له ، وأن الاستحباب النفسي يندك بالوجوب الغيري ويتحد معه ، ويكون الطلبان طلبا واحدا وجوبيا نفسيا عباديا ، وقد

__________________

(١) حسب الطبعة القديمة غير المحشاة ، راجع أجود التقريرات ١ : ٢٦١ من الطبعة الحديثة ، وراجع أيضا صفحة : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ من هذا المجلّد.

(٢) كما سيأتي في صفحة : ٢٢٢.

(٣) كتاب الطهارة ٢ : ٥٤.

(٤) كتاب الطهارة ٢ : ٥٥.

٢٠٥

أفتى المشهور بصحة الوضوء أو الغسل بقصد الجهة الاستحبابية وإن اندك ما اقتضته من الطلب الاستحبابي في الوجوب الغيري.

إلاّ أنا لا نعني من الطلب الغيري في ذلك هو الطلب الصوري الذي هو في الحقيقة لا واقعية له ، أعني المتولد من تعلق الأمر النفسي بما يتوقف على تلك الطهارات من العبادات ، فان ذلك لا يعقل أن يندك فيه الطلب الاستحبابي كما سيأتي شرحه إن شاء الله تعالى.

بل المراد به هو ذلك الوجوب النفسي المتعلق بهذه المقدمات أعني ما نالها من الوجوب النفسي المتعلق بما يتوقف عليها ، الذي ذكرنا أنه هو المصحح لعبادية تلك المقدمات وهو المنشأ في ترتب الثواب عليها ، ولنصطلح على هذا الطلب بالطلب الشرطي النفسي وقد عبرنا عن هذا الطلب بأنه غيري كما لم نزل نعبّر عن الأمر المتعلق بالجزء وعن النهي المتعلق بالمانع بأنه طلب غيري ، فليس مرادنا بالغيرية هو ذلك المعنى أعني ما يكون متولدا عن تعلق الأمر النفسي بالمركب والمشروط ، بل المراد بها في قبال النفسية الاستقلالية ، ونعني بذلك أن الطلب المتعلق بهذه الامور ليس هو بطلب استقلالي على وجه تكون مطلوبة بنفسها مستقلا كسائر المطلوبات ، بل إنّها إنما تعلق بها ذلك الطلب لتنشأ عنه الجزئية فيما يكون جزءا والشرطية فيما يكون شرطا والمانعية فيما يكون مانعا ، وإلاّ فان ذلك الطلب نفسي لا غيري بالمعنى السابق.

وبالجملة : أن مرادنا من الوجوب الغيري فيما تقدم من قولنا إن الطلب الاستحبابي يندك به ويتحد معه هو ذلك الوجوب النفسي الضمني المتعلق بالشرط أعني المقدمات المذكورة ، ولنعبّر عنه بالوجوب النفسي الشرطي. وينبغي أن يعلم أنه لا أثر لاندكاك الاستحباب النفسي في هذا

٢٠٦

الطلب الوجوبي الشرطي النفسي إلاّ صيرورتهما طلبا واحدا وجوبيا ، فيكون الأول مكتسبا من الثاني صفة الوجوب ، أما النفسية والعبادية فكل منهما واجد لها ، فلا يكون أحدهما مكتسبا لها من الآخر ... إلخ.

قوله : مع أنه يصح الاتيان بجميع الطهارات بقصد الأمر النفسي المتعلق بذيها من دون التفات إلى الأمر النفسي المتعلق بها ثالثا ، فليس حالها حال صلاة الظهر والصوم ... الخ (١).

أفاد قدس‌سره فيما حررته عنه : أن عبادية الفعل بالقياس إلى أمر إنما تتحقق إذا كان هو الداعي على الاتيان بذلك الفعل ، ولا يكون داعيا إلاّ إذا كان معلوما وملتفتا إليه بنفسه مقصودا بذاته ليكون باعثا ومحرّكا على الاتيان بذلك الفعل ، فكيف يعقل أن يكون ذلك الأمر الاستحبابي النفسي باعثا ومحرّكا على الاتيان بتلك الأفعال مع كونه غير معلوم بنفسه وغير مقصود بذاته وإنما يقصد إجمالا. مضافا إلى أنه غالبا يكون مغفولا عنه بالمرّة وغير ملتفت إليه بتاتا ... الخ.

قلت : بل يمكن أن يقال : إن ذلك الأمر النفسي المتعلق بالوضوء مثلا لو كان معلوما وملتفتا إليه لكن المكلف أتى بالوضوء بداعي أمره الغيري ، لم يكن ذلك الأمر النفسي مصححا لعبادية الوضوء ، لأن المكلف وإن كان عالما وملتفتا إلى أن الوضوء مستحب نفسا إلاّ أنه لم يأت به بداعي استحبابه النفسي ، وإنما أتى به بداعي أمره الغيري ، فأقصى ما فيه أنه أتى بذلك الوضوء الموصوف عنده بكونه مستحبا نفسيا بداعي أمره الغيري ، فلم يكن المحرك والداعي هو أمره الاستحبابي النفسي ، بل كان الداعي هو

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

٢٠٧

أمره الغيري فلا تصح عباديته.

والحاصل : أنها لو كانت عباديتها من جهة أمرها النفسي الاستحبابي توقف ذلك على كونه هو الباعث والمحرّك على إيجادها ، والقصد الاجمالي للأمر الاستحبابي بقصد الأمر الغيري لا يكفي ، لأن ذلك إنما يتم لو كان اعتبار قصد الأمر في العبادية هو قصده وصفا لا قصده داعيا. والخلاصة هي أن الأوصاف يدخلها القصد الإجمالي في قبال القصد التفصيلي ، أما دعوة الأمر وتحريكه المكلف نحو الفعل فلا يتصف بالاجمال والتفصيل بل بالوجود والعدم ، فلاحظ.

قوله : وحاصله أن الأمر النفسي المتعلق بالصلاة مثلا كما أنّ له تعلّقا بأجزائها ـ إلى قوله : ـ فكذلك له تعلق بالشرائط المأخوذة فيها ، فلها أيضا حصة من الأمر النفسي ... إلخ (١).

اورد عليه كما في تقرير درس الاستاذ العراقي قدس‌سره (٢) وكما في الحاشية [ على ] صفحة ١٧٥ (٣) بما حاصله : أن ذلك خلاف ما هو المعروف من كون الشروط خارجة عن حيّز الأمر النفسي المتعلق بالمشروط ، وليس حالها في ذلك حال الأجزاء ، بل إن الأجزاء من باب دخول كل من القيد والتقييد ، بخلاف الشروط فانها من باب أن التقييد داخل والقيد خارج ... إلخ.

ولا يخفى أن هذا الفرق بين الأجزاء والشرائط كثيرا ما يقع في كلمات شيخنا قدس‌سره خصوصا في هذه المقامات وفي باب المقدمة (٤) عند

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ [ مع اختلاف يسير عما في النسخة المحشاة ].

(٢) بدائع الأفكار ( للمحقق الآملي قدس‌سره ) : ٣٨٠.

(٣) حسب الطبعة القديمة المحشاة ، راجع أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٢٥٥.

(٤) أجود التقريرات ١ : ٣١٣.

٢٠٨

تقسيمها إلى داخلية وخارجية وعادية وعقلية ، فإنه صرح هناك بأن المراد من الداخلية هي الأجزاء والخارجية هي الشرائط ، لكون الشرط نفسه خارجا عن تحت الأمر وإنما الداخل هو التقيد به لكونه من باب أن التقييد داخل والقيد خارج ، فراجع كلماته هناك.

وتوضيح مرامه قدس‌سره هو أن يقال : إن كلا من الأجزاء والشرائط له حظ من الوجوب النفسي الضمني ، بخلاف المقدمة العادية والعقلية ، ولكن الأجزاء لها الحظ من الوجوب النفسي الضمني الجزئي ، والشرائط لها حظّها من الوجوب النفسي الضمني أيضا ، لكنه وجوب شرطي لا جزئي ، فتلك واجبة بالوجوب النفسي الضمني الجزئي ، وهذه واجبة بالوجوب النفسي الضمني الشرطي.

والحجر الأساس في الفرق هو كون ذلك جزئيا وكون هذا شرطيا. وبيان ذلك هو أن المركب المأمور به أعني الصلاة مثلا لمّا كان مقيدا بالطهارة مثلا كان الذي تحت ذلك الأمر النفسي هو أجزاءها وتقيدها بالطهارة ، وأما نفس الطهارة فهي خارجة عن حيّز ذلك الأمر النفسي المتعلق بالصلاة المقيدة بالطهارة. نعم إن التقيد بالطهارة داخل تحت ذلك الأمر النفسي فيكون واجبا ضمنيا كالأجزاء ، لكن هذا الواجب الذي هو التقيد ليس هو في عرض الأجزاء وإلاّ لكان جزءا ، بل هو كيفية لها. وإن شئت [ قلت ](١) إنهما من قبيل المادة والصورة ، فلا يكون وجوبه على نسق وجوبها ، بل يكون على نسق وجوده ، وهذا هو الوجوب النفسي الضمني الشرطي في قبال الوجوب النفسي الضمني الجزئي.

__________________

(١) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

٢٠٩

ثم إن هذا التقيد لمّا كان مسببا توليديا عن إيجاد القيد عند إيجاد الصلاة ، كان فعلا توليديا لذلك القيد ، وكان تعلق ذلك الأمر النفسي الضمني الشرطي بالتقيد عبارة اخرى عن تعلقه بسببه التوليدي الذي هو نفس القيد ، أعني ما يعبّر عنه بذات الشرط ، فصح لشيخنا قدس‌سره أن يقول : إن الشرط أعني ذات القيد الذي هو نفس أفعال الوضوء مثلا أو لبس الساتر خارج عن تحت الأمر النفسي ، وأنه ليس بواجب بالوجوب النفسي الضمني الجزئي وإن كان هو واجبا بالوجوب النفسي الضمني الشرطي الذي كان تعلّقه به بعين تعلقه بمسببه التوليدي الذي هو التقييد.

ولا فرق في ذلك بين أن نقول إن الشرط والقيد هو نفس الأفعال الوضوئية ، أو أن نقول إن الشرط والقيد هو المسبب والمتولد عن تلك الأفعال ، أعني ذلك المعنى النفساني من ارتفاع الحدث. أما الأول فواضح كما عرفت. وأما على الثاني فلأن الأفعال الوضوئية سبب لذلك الشرط ، وهو أعني الشرط سبب للتقيد ، فيكون الأمر المنصبّ على ذلك التقيد منصبا على نفس الأفعال ، لكون التقيد مسببا توليديا عن القيد الذي هو الطهارة ، وهي مسبب توليدي عن الأفعال الوضوئية ، فحال الأفعال الوضوئية بالنسبة إلى الطهارة المتولدة منها التي تكون مولدة لما هو الواجب الشرطي أعني تقيد الصلاة ، حال القيام المولد للتعظيم الموجب لاستمالة زيد لو كانت الاستمالة واجبة.

وهذه الطريقة جارية في لبس الثوب المولد للتستر الموجب لحصول الواجب الشرطي أعني تقيد الصلاة بالتستر ، ولا فرق بينهما إلاّ في أن أفعال الوضوء لا يترتب عليها مسببها الأول أعني الطهارة إلاّ إذا كانت عبادة ، بخلاف لبس الثوب فانه يترتب عليه مسببه الأول أعني كون الشخص

٢١٠

متسترا من دون توقف على كون اللبس عباديا ، هذا حال الشروط.

وأما الأجزاء فهي بأنفسها واجبة بالوجوب النفسي الضمني الجزئي ، ولها أيضا وجوب نفسي ضمني شرطي ، وهو الناشئ عن كون كل واحد من الأجزاء قيدا في البواقي كما هو شأن الارتباطية ، إلاّ أن هذا الوجوب النفسي الضمني الشرطي قد اندكّ في وجوبه النفسي الضمني الجزئي.

ثم نعود إلى ذلك الوجوب النفسي الضمني الشرطي الذي تعلق بالوضوء ونقول : إن حاله حال الوجوب النفسي الضمني الشرطي المتعلق بالتستر ، لكن دل الدليل على اعتبار العبادية في الأول ، فكان حاله حال العبادات في كيفية العبادية فيه. وهل يمكن القول بأن متعلق الأمر مقيد بالاتيان بداعيه ، أو أن الحاكم هو العقل على مسلك صاحب الكفاية (١) ، أو أنه لا بد في ذلك من أمر ثان يتعلق بالاتيان به بداعي الأمر الأول وهو مسلك الشيخ قدس‌سره (٢) ، أو غير ذلك من المسالك التي عرفتها في مباحث التعبدي ، وليس للطهارات خصوصية زائدة في البحث عن هذه الجهة حينئذ ، هذا كله لو تمّ ما شرحناه في مسلك شيخنا قدس‌سره من الأمر النفسي الضمني الشرطي.

ولو أنكرناه وقلنا إنه ليس في البين إلاّ كون الصلاة الواجبة هي المقيدة بالطهارة ، فلا تكون أفعال الطهارة إلاّ من قبيل المقدمة العقلية أو العادية التي يتوقف عليها الواجب عقلا أو عادة ، فلو قلنا بأن المقدمة واجبة غيريا وجوبا شرعيا ، كان لنا أن نقول إنه بعد أن دل الدليل على عبادية الوضوء كان اللازم هو الاتيان به بداعي أمره الغيري المذكور بأحد المسالك

__________________

(١) كفاية الاصول : ٧٢.

(٢) مطارح الأنظار ١ : ٣٠٣.

٢١١

المشار إليها ، أعني التقييد الشرعي أو العقلي أو تعدد الأمر أو غير ذلك من مسالك التعبدي. وأما الاشكال بالدور فليس هو إلاّ عين الاشكال المذكور في مبحث التعبدي (١) ، فلم يبق إلاّ القول بأن الأمر الغيري لا يحقق العبادية لأنه توصلي ، وهو غريب لأن التوصلية أو العبادية إنما هي من طوارئ متعلق الأمر ، ولو قلنا إنها من أطوار نفس الأمر فذلك فيما إذا لم يقم الدليل على اعتبار العبادية في متعلقه.

نعم ، إن هناك جهة اخرى وهي أنه لا واقعية للأمر الغيري وأنه صوري وأنه ليس بمجعول شرعي ، وأن الأمر الحقيقي إنما هو الأمر المتعلق بذي المقدمة ، إلاّ أن هذا إنكار لأصل الوجوب الغيري لا إنكار لقابلية التعبد به لو فرضنا وجوده وأنه أمر حقيقي شرعي ، بل قد نقول إن المقدمة لو فرضنا عدم تعلق الأمر الغيري الشرعي بها كان من اللازم علينا القول بأن هذه المقدمة واجبة شرعا وجوبا غيريا ، فان الشارع بعد اطلاعه على توقف المأمور به الأصلي أعني الصلاة على الاتيان بهذه المقدمة أعني الوضوء بعنوان العبادية المتوقفة على الأمر ، كان لزاما على الشارع أن يأمر بنفسها أوّلا ، وثانيا بالاتيان بها بداعي الأمر الأول ، غايته أنه يمكننا القول بأن هذا الأمر في هذه الحالة ليس بغيري صرف ، بل نفسي بالغير على حذو المقدمات المفوّتة قبل الوقت ، فلاحظ.

والخلاصة : هي أنه ليس الاشكال في عبادية الطهارات إلاّ ذلك الاشكال الوارد في باب التعبدي وليس هو إشكالا آخر ، فلاحظ وتدبر.

قال شيخنا قدس‌سره فيما حررته عنه : الأمر الثاني مما ينبغي التنبيه عليه أن

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٦٠ ـ ١٦٢.

٢١٢

الشيخ قدس‌سره في كتاب الطهارة (١) وفيما نقله عنه في التقريرات (٢) استشكل في عبادية بعض المقدمات كالطهارات الثلاث ، وقد استعظم هذا الاشكال واهتم به غاية الاهتمام ، ونحن لا نراه إلاّ عين الاشكال السابق في باب التعبدي والتوصلي ، وكان المرحوم العلاّمة المحقق السيد محمد الاصفهاني مصرّا على أن هذا الاشكال هو غير الاشكال السابق في التعبدي ، إلاّ أنه قدس‌سره لم يأت بشيء يوجب المغايرة بين الاشكالين.

قلت : الظاهر أنه إن قرر الاشكال فيما نحن فيه بطريق الدور كما أفاده الشيخ قدس‌سره في كتاب الطهارة كان عين الاشكال السابق ، وإن قرر كما في التقريرات من أن الأمر الغيري غير صالح للعبادية كان هذا الاشكال أجنبيا عن الاشكال السابق ، لكونه راجعا إلى وجود الأمر المصحح للعبادية لا إلى كيفية كونه عباديا بعد وجوده.

وعلى كل حال ، أنه لا يرد على مسلك شيخنا قدس‌سره بعد ما عرفت من شرحه ، ما أورده عليه في التقريرات المشار إليها من أنه لا يترتب عليه دفع الاشكال ، إذ انبساط الأمر النفسي على الشرائط ليس لملاك نفسي فيها كما اعترف بذلك هو قدس‌سره ، وإنما ذلك من جهة التخلص عن عدم إمكان تعلق الأمر بالتقيد ، فلا محالة يلتزم بتعلقه بأصل القيد الذي هو منشأ انتزاعه ، وعليه فلا يترتب على تعلق مثل هذا الأمر بها كونها عبادة (٣).

وفيه ما لا يخفى ، فان نفس التقيد مشتمل على الملاك ، وهو عين نفس القيد على ما عرفت من كونه مسببا توليديا عنه ، وأن جعل نفس القيد

__________________

(١) كتاب الطهارة ٢ : ٥٤.

(٢) مطارح الأنظار ١ : ٣٤٩ وما بعدها.

(٣) بدائع الأفكار ( للمحقّق الآملي قدس‌سره ) : ٣٨١.

٢١٣

متعلقا للأمر ليس باختيار أحد وإنما هو قهري ، حيث إن المسبب التوليدي عين السبب ، فلاحظ وتدبر.

نعم ، ربما توجه الاشكال بأنه لا فرق بين هذا الشرط وبين غيره من الشروط في أنه يناله حظه من الوجوب النفسي الشرطي العبادي ، فكيف صار مثل الطهارة عباديا ولم يكن التستر عباديا.

وما أفاده قدس‌سره (١) من إمكان التفكيك حتى في الأجزاء مما لا يمكن الالتزام به ، إذ لا يمكن أن يتبعض الأمر الواحد في العبادية والتوصلية.

كما أنه ربما قيل إن هذه الطريقة أعني الاتيان بالطهارة بداعي الأمر النفسي الضمني الشرطي لعلها لا تنطبق على عمل النوع ، وأنها لا تتأتى فيما يكون منها مقدمة لما هو غير عبادي ، كما في الوضوء لمسّ المصحف وتيمم الجنب في المسجد ليخرج به ونحو ذلك.

فالأولى بل المتعين هو الالتزام بأن المصحح للعبادية هو الأمر الغيري ، ولا يرد عليه سوى ما عرفت (٢) من كونه صوريا وطريقيا وأنه لا حقيقة له ، ولكن نلتزم في خصوص باب الطهارة بكون الأمر الغيري اللاحق لها ذا خصوصية توجب النظر الاستقلالي ، نظير الأمر بالمقدمات المفوّتة ، لعدم حصول الغرض والملاك الأصلي إلاّ بذلك النحو من الأمر وهو المسمى بالأمر النفسي بالغير ولزوم صدوره من الحكيم من باب متمم الجعل ، وكذلك الحال فيما نحن فيه فانه لمّا رأى ملاك الصلاة لا يستوفى إلاّ مع الطهارة ، وأن الطهارة لا تكون إلاّ عبادة ، وعباديتها لا تكون إلاّ بالأمر بها لأجل الحصول على قيد الصلاة ، كان من اللازم على ذلك الحكيم

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٥٧.

(٢) في صفحة : ٢١٢.

٢١٤

إصدار ذلك الأمر بها ، وقد صدر كما تضمنته الآية الشريفة ( إِذا قُمْتُمْ ... )(١).

لا يقال : إن التقيد بالشرط ـ أيّ شرط كان ـ إن دخل تحت الأمر النفسي وناله حظه منه الذي سميناه بالوجوب النفسي الضمني الشرطي تمّ ما أفاده شيخنا قدس‌سره من كون الأمر بالتقيد عين الأمر بنفس القيد ، وإن لم يكن التقيد داخلا تحت الأمر امتنع جريان حديث الرفع (٢) في الشك في الشرطية.

لأنا نقول : قد حقق في محله (٣) جريانها في مسألة الشك في الشرطية ولو لأنها ترفع ذلك التضييق والكلفة الزائدة في ذلك على المكلف.

لا يقال : إن الوجوب الغيري لا يوجب الثواب ، ومن المعلوم ترتب الثواب على نفس الطهارات.

لأنا نقول : تقدم (٤) الوجه في ترتب الثواب عليها ، ولكن هل هو نفس الثواب على ذي المقدمة ، أو أن ثوابه يزيد بواسطتها ، أو أن لها في حدّ نفسها ثوابا غير ثواب ذيها. وإنما يتوجه الاشكال على تقدير هذا الأخير فقط ، ونحن بعد التزامنا بكون هذا الأمر نفسيا بالغير فلا مانع من ترتب الثواب عليه ، فلاحظ.

وأما الاشكال على الأمر الغيري بالدور فليس هو إلاّ عين الاشكال في كيفية كون الأمر عباديا الذي تصدوا لدفعه بالطرق المذكورة في باب التعبدي ، التي كان منها الالتزام بتعدد الأمر وكون الأمر الثاني من قبيل متمم

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ / أبواب جهاد النفس ب ٥٦ ح ١.

(٣) فوائد الاصول ٤ : ١٨٩ ، راجع أيضا الحاشية على فوائد الاصول ٤ : ١٦٢ ـ ١٦٣ في المجلد الثامن.

(٤) راجع صفحة : ١٩٧ وما بعدها.

٢١٥

الجعل ، غاية الأمر أنّا نلتزم بكون الأمرين من باب متمم الجعل ، فان الأمر الغيري بما أنه صوري وطريقي لا ينفع ، وفي الحقيقة ليس هو بأمر حقيقي ، فلا بدّ للآمر أن يتصدى لجعل الأمر الغيري تكميلا للأمر المتعلق بالصلاة المقيدة بالطهارة العبادية ، ثم بعد جعل هذا الأمر الذي نسميه بالأمر النفسي للغير يتصدى للأمر بالاتيان بمتعلقه أعني الطهارة بداعيه لا بداع آخر ، فالأمر الثاني المتعلق بالطهارة يكون متمما لجعل الأمر الأول المتعلق بالصلاة المقيدة بالطهارة التي هي عبادة ، والأمر الثالث يكون متمما لجعل الأمر الثاني ، فلاحظ وتأمل.

قوله : فان قلت : ما الفرق بين الطهارات الثلاث وبين بقية الشروط في أن الأمر النفسي ... إلخ (١).

إذ لا ريب في أن من توجه إلى القبلة غفلة عن أصل اشتراط الصلاة بذلك أو جاهلا به لكنه صادفها تصح صلاته ، وهكذا لو كان جاهلا بشرطية ستر العورة لكنه اتفاقا ستر عورته وصلى ، وهذا المعنى وإن تأتى نظيره في الطهارة كالغسل من الجنابة أو الوضوء مثلا لمن كان جاهلا بكونه شرطا في صحة الصلاة لكنه أتى به بداع آخر مصحح له ، إلاّ أن الفرق بينهما أنه فيما لم يأت به بداع آخر مصحح بأن فعل أفعال الوضوء أو الغسل غفلة فانها لا تصح ، بخلاف ما لو تستر أو صلى إلى القبلة غفلة فانها تصح.

وبالجملة : أن الشرطية كما حقق في محله (٢) ليست هي مجعولة ابتداء وإنما هي منتزعة من التكليف ، وذلك التكليف الذي هي منتزعة عنه

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

(٢) فوائد الاصول ٤ : ٣٩٢ ـ ٣٩٣ ، وتأتي حواشي المصنّف قدس‌سره عليه في المجلّد التاسع.

٢١٦

ليس هو الأمر بالشرط استقلالا ، بل إنما هي منتزعة من الأمر بالشرط في ضمن الأمر بالمشروط ، وبعبارة اخرى هي منتزعة من تعلق الأمر بالمشروط ، فإن الأمر بالشرط يتحقق في ضمن الأمر بالمشروط ، وعن ذلك الأمر الضمني المتعلق بالشرط تنتزع الشرطية ، ولا ريب في وحدة ذلك الأمر وعدم تعدده ، إذ ليس لنا إلاّ الأمر بالصلاة مع الطهارة والساتر مثلا ، وهذا الأمر بمجموعه عبادي ، فكيف صار الأمر الشرطي بالطهارة الذي هو في ضمنه عباديا دون الأمر بالساتر.

والجواب : هو أن الشرط هو كون الصلاة مقرونة بالطهارة ومقرونة بانستار العورة على نحو كون القيد خارجا والتقييد داخلا ، والعبادي هو مجموع الصلاة المتصفة بمقارنة الطهارة ومقارنة الساتر ، وإلى هذا الحد لا فرق بين انستار العورة والطهارة.

لكن الفرق بينهما من ناحية اخرى وهي أن حصول انستار العورة يحصل قهرا من لبس الساتر وإن لم يكن اللبس بعنوان العبادة والتقرب ، بخلاف الطهارة فانها لا تحصل من الأفعال المحصّلة لها أعني أفعال الوضوء إلاّ إذا كانت تلك الأفعال عبادية وقربية ، ففي صورة الاتيان بتلك الأفعال للغايات الآخر تكون عباديتها ناشئة عن الأمر النفسي إن قلنا إنها مستحبة نفسيا ، أو عن الأمر الشرطي الاستحبابي فيما لو كانت لغاية عبادية مستحبة كما في الوضوء لصلاة النافلة ، وفي صورة الاتيان بها لغاية الصلاة الواجبة تكون عباديتها ناشئة عن ذلك الأمر الشرطي الوجوبي.

والحاصل : أن الشرط هو نفس ارتفاع الحدث والطهارة ، ولكن علمنا من الخارج أن هذا الشرط أعني ارتفاع الحدث لا يحصل من تلك

٢١٧

الأفعال ولا يتولد منها إلاّ إذا كانت قربية عبادية ، وهذا بخلاف باقي الشروط مثل انستار العورة فان ترتبه على الفعل المتولد منه أعني لبس (١) الساتر لا يتوقف على عبادية ذلك الفعل.

فقد تلخص لك : أنه لا فرق بين الشروط في كون بعضها عباديا وبعضها غير عبادي مع فرض كونها جميعا قيودا لواجب عبادي على نحو كون القيد خارجا والتقييد داخلا ، وإنما الفرق هو ما عرفته من اختلاف الأفعال التي يتولد عنها تلك القيود.

قوله : وتوضيح ذلك أن في الوضوء والغسل بعد الوقت جهات ثلاثة ... إلخ (٢).

وقد يتأمل في ذلك فان الأمر الشرطي لم يتعلق إلاّ بما يكون من الطهارات عبادة ، لأنّها هي التي يتوقف عليها المشروط ، لأن المفروض أن الشرط هو ما يكون من هذه الأفعال عبادة ، أعني ما يؤتى به بقصد الأمر فالأمر النفسي الشرطي لا يتعلق إلاّ بامتثال ذلك الأمر الاستحبابي النفسي المتعلق بالطهارة ، وحينئذ يختلف متعلقهما ، وكما أن تعلق الأمر الشرطي في صلاة الظهر بامتثال أمرها أوجب اختلاف متعلق الأمرين فلا يعقل اندكاك أحدهما بالآخر فكذلك ما نحن فيه.

وبالجملة : أن الأمر النفسي الشرطي في كلا البابين غير متحد مع متعلق الأمر النفسي ، ومخالف له في الرتبة لكونه واقعا في طوله في كلا البابين ، فلا يعقل اندكاكه فيه في كل منهما. ومنه يظهر الحال في باب النذر

__________________

(١) [ في الأصل : لباس الساتر ، والصحيح ما أثبتناه ].

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٥٨ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

٢١٨

فانه إنما يتم الاندكاك فيه إذا كان النذر متعلقا بنفس النافلة ، أما إذا كان متعلقا بامتثال أمرها الندبي ويعبّر عن ذلك بالتعبد بالنافلة ، فلا ريب في اختلاف المتعلقين حينئذ فلا يعقل الاندكاك فيه ، هذا ما كنت حررته.

وأجاب قدس‌سره ـ فيما حررته عنه ـ عن هذا الأخير : بأن النذر لا يمكن تعلّقه بامتثال الأمر المندوب بعنوان كونه مندوبا ، لأنه غير مقدور بعد النذر كما هو المعتبر فيه.

وفيه تأمل ، إذ لا مانع من كون الامتثال لازما بتكليف آخر ، مع أن التكليف الممتثل ليس إلزاميا مثل أمر السيد عبده بامتثال المستحبات ، وإنما يسلم بطلان مثل هذا النذر لما أفاده قدس‌سره من أن متعلقه وهو امتثال الأمر الندبي غير مقدور بعد تعلق النذر ، ولا ريب أن ذلك إنما لا يكون مقدورا لأجل عدم بقاء ذلك الأمر على صفة الندب ، وعدم بقائه إنما ينشأ عن الانقلاب والاندكاك وهو غير مسلّم ، بل لا يمكن جريانه في هذه الصورة من جهة اختلاف المتعلق فكيف يمكن جعله علة للبطلان.

ثم لا يخفى أنا لو سلّمنا الاندكاك فلا نسلّم أن ذلك موجب لانقلاب الأمر النذري عباديا على وجه لا يسقط الأمر النذري إلاّ بالاتيان بمتعلقه عبادة ، بل يمكن القول بسقوطه بدون قصد التعبد وإن لم يسقط بذلك الأمر الاستحبابي العبادي ، وقد تعرضنا لذلك في بحث استحباب الاحتياط من تنبيهات البراءة فراجع (١) وراجع ما علّقناه على ص ٣٤٢ (٢) من هذا التحرير في مسألة التداخل.

__________________

(١) حاشية المصنّف قدس‌سره على فوائد الاصول ٣ : ٤٠٣ في المجلّد السابع.

(٢) من الطبعة القديمة غير المحشاة ، راجع الحاشية في صفحة : ٤٩ وما بعدها من المجلّد الخامس.

٢١٩

ولو قيل إن الأمر الشرطي المتعلق بالطهارة كان متعلقا بنفس ما تعلق به أمرها النفسي الاستحبابي ، لقلنا إن الأمر الشرطي المتعلق بصلاة الظهر أيضا متعلق بنفس ما تعلق به أمرها الوجوبي النفسي ، فينبغي الاندكاك في البابين. نعم لمّا كان كل من الأمرين في صلاة الظهر نفسيا عباديا وجوبيا لم يكن لاندكاك أحدهما بالآخر أثر ، بخلاف الأمرين في باب الطهارة فان الأول منهما وإن كان نفسيا عباديا كالثاني ، إلاّ أنّه لمّا كان الأول منهما استحبابيا والثاني وجوبيا كان لاندكاك الأول منهما بالثاني أثر عملي.

ولكن هذا الفرق غير نافع ، فان للاندكاك في باب صلاة الظهر أيضا أثرا عمليا ، لأن الطلبين المتعلقين بها وإن كانا مشتركين في الجهات المذكورة إلاّ أنهما مختلفان في جهة اخرى ، وهي أن الأول منهما لمّا كان نفسيا استقلاليا كان اللازم الاتيان بمتعلقه لنفسه ، والثاني منهما لمّا كان نفسيا شرطيا كان اللازم الاتيان بمتعلقه بقصد التوصل إلى ما هو شرط له.

وقد أجاب قدس‌سره (١) عن ذلك بأن الطلب الثاني في باب صلاة الظهر لم يتعلق بنفسها بل تعلق بامتثال أمرها النفسي ، فان الشرط في صلاة العصر إنما هو تفريغ الذمة من صلاة الظهر نظرا إلى الترتيب بينهما ، فلا يكون الشرط في العصر إلاّ امتثال الأمر بالظهر ، فلم يتحد المتعلقان فيه ، فلا يندك فيها أحد الطلبين بالآخر ، بخلاف الطلب الثاني في باب الطهارة فانه متعلق بعين ما تعلق به أمرها النفسي الاستحبابي ، فيندك معه لاتحاد متعلقهما ، وذلك فان ما هو مشروط بالطهارة إنما يتوقف على نفس الطهارة لا على امتثال أمرها النفسي الاستحبابي ، نعم المتوقف عليه هو الطهارة العبادية ،

__________________

(١) راجع أجود التقريرات ١ : ٢٦٠.

٢٢٠