أصول الفقه - ج ٢

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٢

ـ في التدريجيات أيضا (١).

لم يعلم المراد من قوله : مقيدا بايقاعه قبل الوقت ، هل أن هذا القيد قيد للوجوب أو أنّه قيد للواجب ، وظاهر العبارة هو الثاني. نعم تقدم (٢) أن تقييد الواجب بالزمان لكونه غير مقدور يكون موجبا لتقييد الوجوب. وقد حقق في محلّه في التدريجيات الفرق بين أخذ الزمان قيدا وبين كونه ظرفا نظير المعاملة الربوية المرددة بين الواقعة في أول الشهر والواقعة في وسطه.

وعلى أيّ حال أن هذه الصورة المفروضة خارجة عمّا أفاده شيخنا قدس‌سره في هذه الصورة الثانية ، فان الصورة ممحضة لكون الزمان الآتي قيدا في وجوب الواجب النفسي المعلوم أعني الصلاة ، دون وجوب الوضوء المردد بين النفسية والغيرية.

قوله : وأما إذا كان الوجوب النفسي على تقدير ثبوته متعلقا به غير مقيد بايقاعه قبل الوقت ، فلا معنى للرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوبه قبل الوقت أصلا ... الخ (٣).

لم يتضح الوجه في عدم جريان البراءة ، وليست هذه المسألة إلا عبارة عن تردد الوجوب بين المطلق وبين المشروط بشرط لم يحصل بعد في أن المرجع فيها هو أصالة البراءة قبل حصول ما هو محتمل الشرطية في وجوب ذلك الواجب ، وما ذلك إلا من قبيل ما لو توجه الأمر بالحج في حال عدم حصول الاستطاعة وحصل الشك في كون ذلك الأمر مشروطا بالاستطاعة ، إذ لا فرق بينهما إلا في أن ما هو محتمل الشرطية في هذا

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٢٤٨.

(٢) في صفحة : ٤١ ـ ٤٢.

(٣) أجود التقريرات ١ ( الهامش ٢ ) : ٢٤٨.

١٨١

المثال أعني الاستطاعة غير معلوم الحصول فيما بعد ، بخلاف ما هو محتمل الشرطية فيما نحن فيه أعني الزمان الآتي فانّه معلوم الحصول فيما بعد ، وهذا المقدار لا يوجب تنجز الوجوب قبل الوقت إلا على تخريج المسألة على الشرط المتأخر أو على الواجب المعلق ، فلاحظ.

وسيأتي من المحشي في الحاشية ١ / على صفحة : ١٧١ (١) ما ظاهره الالتزام بأنّه لا ريب في أنّ المرجع هو أصالة البراءة في نظير هذه الصورة بعد تنزيل كلام صاحب الكفاية قدس‌سره (٢) عليها ، فلاحظ.

ولعل المراد من عدم جريان البراءة هو كون المقام من التدريجيات ، لكنّك قد عرفت أنّ العلم الاجمالي فيها إنّما يكون منجزا فيما لم يكن الزمان قيدا في الواجب الآتي.

ولعل الوجه في عدم جريان البراءة فيما لو كان الشرط الآتي محقق الوقوع كالزمان هو أنّه يعلم أنّه يجب عليه الغسل إمّا موسعا من الآن إلى ما بعد ذلك الزمان ، أو أنه لا يجب عليه إلا عند ذلك الزمان ، فلا يكون الاحتمال الأول إلا احتمال توسعة الوجوب وهي لا محل فيها للبراءة ، بخلاف ما لو كان الشرط غير محقق الوقوع فانّه يوجب الشك في أصل وجوب الغسل فيرجع فيه إلى البراءة.

وفيه : ما لا يخفى ، فانّ وجوب الغسل على تقدير كونه نفسيا وإن كان موسعا إلى ما بعد الزمان الآتي ، لكن تحقق ذلك الوجوب الموسع من الآن إلى مجيء الزمان الآتي موجب للضيق على المكلف ، ولو باعتبار أنّه لو

__________________

(١) حسب الطبعة المحشاة القديمة ، راجع أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٢٤٩ من الطبعة الحديثة.

(٢) كفاية الاصول : ١١٠.

١٨٢

مات أو طرأه عدم القدرة عليه قبل الزمان الآتي لكان معاقبا على عدم الاتيان به قبل الزمان الآتي ، ونحن وإن جوزنا له التأخير استنادا إلى استصحاب بقاء الحياة والقدرة ، إلا أنّ خوف الفوت بالتأخير ولو مع الاعتماد على هذا الاستصحاب كاف في الركون إلى أصالة البراءة ولو في خصوص تلك القطعة التي هي من الآن إلى الزمان الآتي ، وهي حاكمة على الاستصحاب لكونها رافعة لموضوعه ، وفي الحقيقة هي جارية في رفع الموسع في تمام الزمان حتى في الزمان الآتي ، لكن أقصى ما في البين أنّه عند مجيء الزمان يلزمه الاتيان به ، للعلم بلزومه عليه حينئذ إمّا لنفسه أو لغيره ، وبه يرفع اليد عن مقتضاها فيما يأتي من الزمان.

ولا يخفى أنّ هذا الاشكال بعينه جار فيما لو توجه الخطاب بفعل هو واجب نفسي ولكن تردد وجوبه بين الاطلاق أو الاشتراط بالزمان الآتي ، فانه قبل الزمان الآتي يجوز له عدم الاتيان به قبل الزمان الآتي إما لكونه موسعا أو لكون وجوبه النفسي مشروطا بالزمان الآتي ، إلا أنّ ذلك لا يسد باب البراءة الشرعية والعقلية فيه في تلك القطعة من الزمان أعني ما قبل الزمان الآتي ، فلاحظ وتدبر. وإن شئت فقل : إنّه يكفي في جريان البراءة في ناحية الوجوب النفسي أنّه لو كان كذلك لكان لا يجوز له التأخير إلا مع إحراز التمكن منه فيما بعد ، وهذا المقدار من الضيق كاف لجريان البراءة العقلية والشرعية ، فلاحظ.

وقد مثل في تحريرات نجله سلمه الله تعالى للواجب النفسي المحتمل كون هذا الواجب مقدمة له وقيدا له بالحج المشروط بالاستطاعة في ظرف عدم حصولها.

١٨٣

قوله : وحينئذ إذا لم يتوضأ المكلف حتى دخل وقت الصلاة فلا بد له أن يتوضأ ويوقع الصلاة بعده ، لأنّه مقتضى العلم الاجمالي الموجب للاحتياط كما عرفت (١).

هذا أعني وجوب الوضوء عليه عند دخول الوقت مما لم ينكره أحد ، نعم إلزامه بتقديم الوضوء على الصلاة محل إشكال ، لما عرفت من أصالة البراءة من تقيد الصلاة بتأخرها عنه ، وأصالة البراءة من تقيد الوضوء بتقدمه عليها ، وهو محل البحث مع المحشي في الحاشية الاولى (٢).

قوله : وأما إذا توضّأ قبله فلا يجب عليه إعادة الوضوء بعد دخوله ، لأنّ تقييد الوضوء بوقوعه فيما بعد الوقت ولو على تقدير كون وجوبه غيريا مجهول ، فيرجع معه إلى البراءة (٣).

هذا الأصل منتج للنفسية ، وهو الذي تضمنته تحريرات الأقل عن الاستاذ قدس‌سره (٤) ، وتوافقه أصالة البراءة من تقيد الصلاة بتأخرها عنه ، وأصالة البراءة من تقيده بتقدمه عليها.

قوله : ومما ذكرناه يظهر الخلل فيما أفاده شيخنا الاستاذ قدس‌سره في المقام فلا تغفل (٥).

قد عرفت (٦) الخلل في تحريره سلمه الله تعالى عن الاستاذ قدس‌سره في بيان الأصل القاضي بالنفسية ، وأنّه أصالة البراءة من تقيد الغسل بالوقت كما

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ٢ ) : ٢٤٨.

(٢) [ تقدم الإشكال على الحاشية الاولى في صفحة : ١٦٥ وما بعدها ].

(٣) أجود التقريرات ١ ( الهامش ٢ ) : ٢٤٨.

(٤) والتي تقدمت في صفحة : ١٧٣ وما بعدها.

(٥) أجود التقريرات ١ ( الهامش ٢ ) : ٢٤٨.

(٦) في صفحة : ١٧٩.

١٨٤

حررته عنه قدس‌سره أو أصالة البراءة من تقيده بالتقدم على الصلاة ، أو أصالة البراءة من تقيد الصلاة بتأخرها عنه ، لا أصالة البراءة عن وجوبه عند الوقت فيما لو فعله قبل الوقت ، كما أنّه قد ظهر لك الخلل فيما تضمنته الحاشية المذكورة ، فلاحظ ولا تغفل.

قوله في الحاشية : وأن يكون مقدمة لواجب غير فعلي كما إذا علمت الحائض غير المكلّفة بالصلاة بوجوب الوضوء المردد بين أن يكون نفسيا وأن يكون غيريا ، ولا ريب أنّ المرجع في هذه الصورة هي أصالة البراءة ، للشك في الوجوب الفعلي (١).

إن كان عدم الفعلية لأجل عدم حصول الشرط فعلا كما في الصلاة قبل الوقت ومنه صلوات الحائض فيما بعد انقضاء الحيض ، كان هذا عين ما تقدم منه في الحاشية الذي قال فيها : فلا معنى للرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوبه قبل الوقت ... الخ (٢).

اللهم إلا أن يفرق بين المقامين ، ففي المقام الأول لمّا كان الشرط محقق الوقوع فيما يأتي رجع الأمر بالأخرة إلى القطع بوجوب الوضوء فيما سيأتي والشك في كونه موسعا من الآن ، بخلاف المقام الثاني بأن يفرض الشرط الآتي غير محقق الوقوع ، لكنك قد عرفت الاشكال في الفرق المذكور.

وإن كان عدم الفعلية لأجل أنه مجهول الوجوب وأنه في حد نفسه مرجع للبراءة كان هذا هو عين ما فسّر به الاستاذ قدس‌سره (٣) كلمات الكفاية ،

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٢٤٩.

(٢) أجود التقريرات ١ ( الهامش ٢ ) : ٢٤٨ ، وقد تقدمت هذه الحاشية والمناقشة فيها في صفحة : ١٨١ ـ ١٨٣.

(٣) أجود التقريرات ١ : ٢٤٩.

١٨٥

فلاحظ وتأمل.

قوله : واخرى لا يعلم إلا وجوب ما يدور أمره بين المقدمية والنفسية ، ويحتمل أن يكون هناك واجب آخر فعلي يكون هذا مقدمة له ، وحينئذ لا إشكال في وجوب الاتيان به على كل حال للعلم باستحقاق العقاب على تركه إما لنفسه أو لكونه مقدمة لواجب فعلي ، وأما ترك الواجب النفسي المحتمل من غير ناحيته فهو جائز لأصالة البراءة ... الخ (١).

لا يخفى أنه قدس‌سره في مسألة الأقل والأكثر بعد أن ذكر إشكال الكفاية (٢) على الانحلال من جهة أن تنجز الأقل متوقف على تنجز الأكثر ، قال كما في تقريرات المرحوم الشيخ محمد علي عن درسه قدس‌سره ما هذا لفظه : ولا يخفى ما فيه ، فانه يرد عليه أوّلا : أن ذلك مبني على أن يكون وجوب الأقل مقدميا على تقدير أن يكون متعلق التكليف هو الأكثر ، فيستقيم حينئذ ما أفاده من أن العلم التفصيلي بوجوب أحد طرفي المعلوم بالاجمال مع تردد وجوبه بين كونه نفسيا أو غيريا متولدا من وجوب الطرف الآخر ـ على تقدير أن يكون هو الواجب المعلوم بالاجمال ـ لا يوجب انحلال العلم الاجمالي ، ألا ترى أنه لو علم إجمالا بوجوب نصب السلّم أو الصعود على السطح وتردد وجوب نصب السلّم بين كونه نفسيا أو غيريا متولدا من وجوب الصعود على السطح من باب الملازمة بين وجوب المقدمة وذيها ، فان العلم التفصيلي بوجوب نصب السلّم لا يوجب انحلال العلم الاجمالي بوجوب النصب أو الصعود ، فان العلم التفصيلي بوجوبه يتوقف على

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٤٩ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) كفاية الاصول : ٣٦٤.

١٨٦

وجوب الصعود على السطح ، إذ مع عدم وجوب الصعود كما هو لازم الانحلال لا يعلم تفصيلا بوجوب النصب ، لاحتمال أن يكون وجوبه غيريا متولدا من وجوب الصعود ، وذلك كله واضح ، إلا أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، لما تقدم من أن وجوب الأقل لا يكون إلا نفسيا على كل تقدير ، سواء كان متعلق التكليف هو الأقل أو الأكثر ، فان الأجزاء إنما تجب بعين وجوب الكل ، ولا يمكن أن يجتمع في الأجزاء كل من الوجوب النفسي والغيري (١).

وقد حررت عنه قدس‌سره في ذلك المقام ما حاصله : أنّ العلم بوجوب النصب إما لنفسه أو لغيره لا يوجب انحلال العلم بالوجوب النفسي المردد بين الكون على السطح أو نصب السلّم ، فانه وإن احتمل انطباق الوجوب المعلوم بالاجمال عليه ، إلا أنّ العلم بوجوب نصب السلّم المردد بين النفسي والغيري لا يكون علما من سنخ ذلك الوجوب النفسي المعلوم بالاجمال المردد بينه وبين الكون على السطح ، انتهى.

قلت : وإن شئت قلت : إنّ العلم الاجمالي المردد بين وجوب نصب السلّم ووجوب الكون على السطح يكون سابقا في الرتبة على العلم الاجمالي المردد بين وجوب نصب السلّم نفسيا أو وجوبه غيريا ، فلا يكون العلم التفصيلي بلزوم نصب السلّم المتولد من هذا العلم الاجمالي الثاني موجبا لانحلال العلم الاجمالي الأول لتأخره عنه برتبتين ، وهذا بخلاف مسألة الأقل والأكثر ، لأنّ العلم التفصيلي بوجوب الأقل نفسيا إما وحده أو في ضمن الأكثر غير متأخر في الرتبة عن العلم الاجمالي المردد بين الأقل

__________________

(١) فوائد الاصول ٤ : ١٥٦ ـ ١٥٧.

١٨٧

والأكثر ، بل إنه عينه ، انتهى.

وتقريب كون الوضوء فيما نحن فيه أعني التردد بين وجوبه نفسيا ووجوبه غيريا بأن يكون المكلف مرددا بين وجوب الوضوء نفسيا وليس في البين واجب آخر غيره ، ووجوب الصلاة مقيدة بالوضوء ليكون الوضوء واجبا غيريا وليس في البين وجوب آخر متعلق بنفس الوضوء ، وفي الحقيقة يكون الأقل هو وجوب الوضوء وحده وهو المعبّر عنه بالوجوب النفسي ، والأكثر هو وجوبه مع الصلاة وهو المعبّر عنه بالوجوب الغيري ، فيكون القدر المتيقن وجوبه هو نفس الوضوء ، ويكون وجوب الصلاة بعده مشكوكا منفيا بأصالة البراءة ، فيكون ذلك نظير قولنا إن وجوب الأربعة قدر متيقن والزائد مشكوك منفي بأصالة البراءة ، فانّ الأربعة في ضمن الخمسة تكون قيدا في مجموع الخمسة ، ويكون وجوبها غيريا لوجوب الخمسة كوجوب الوضوء في ضمن وجوب الصلاة المقيدة بالوضوء يكون قدرا متيقنا ، والزائد وهو كونه في ضمن الصلاة المقيدة بالوضوء يكون مشكوكا منفيا بأصالة البراءة.

والغرض من نقل هذا المبحث على طوله هو دفع توهم أن ما نحن فيه من العلم التفصيلي بوجوب الغسل إما لنفسه أو لغيره وهو الصلاة لاحتمال وجوبها نفسيا ، لا ربط له بما ذكر في ذلك المبحث من العلم الاجمالي المردد بين كون الواجب النفسي هو الغسل أو أنه هو الصلاة المقيدة بالغسل ، بدعوى أنه يلزم من هذا العلم التفصيلي المتعلق بوجوب الغسل المردد بين كون الغسل واجبا لنفسه وكونه واجبا لغيره أعني الصلاة لاحتمال وجوبها ، انتهاء الأمر في هذا العلم التفصيلي إلى العلم الاجمالي المردد بين كون الواجب نفسيا هو الغسل أو كون الواجب النفسي هو الصلاة.

١٨٨

وبيان دفع هذا التوهم : هو أنّ العلم التفصيلي في تلك المسألة بوجوب الغسل إما لنفسه أو لغيره يكون معلولا للعلم الاجمالي المردد بين وجوب الغسل نفسيا ووجوب الصلاة ، فلا يكون موجبا لانحلاله لتأخره عنه رتبة ، بخلاف العلم التفصيلي فيما نحن فيه المتعلق بوجوب الغسل إما لنفسه أو لغيره فانه مقدم رتبة على العلم الاجمالي المردد بين كون الواجب النفسي هو الغسل وكونه هو الصلاة ، لكون هذا العلم الاجمالي معلولا للعلم التفصيلي بوجوب الغسل إما لنفسه أو لغيره ، فلا يكون هذا العلم الاجمالي الناشئ عن ذلك العلم التفصيلي مؤثرا في تنجز طرفيه.

وبيان المعلولية هنا هو أنا بعد أن علمنا بوجوب الغسل إما لنفسه أو لغيره نقول إنّه على تقدير كونه واجبا لغيره الذي هو الصلاة يكون الواجب النفسي هو الصلاة ، فيدور الأمر بالأخرة بين كون الواجب النفسي هو الغسل وكونه هو الصلاة ، وحيث إن هذا العلم الاجمالي وقع معلولا للعلم التفصيلي بوجوب الغسل إما لنفسه أو لغيره ، لا يكون ذلك العلم الاجمالي الناشئ عنه المردد بين وجوب الغسل نفسيا ووجوب الصلاة نفسيا مؤثرا في تنجز طرفيه المذكورين بعد أن تنجز الطرف الأول ، وهو وجوب الغسل بالعلم الأول المتعلق بوجوب الغسل إما لنفسه أو لغيره. فما أفاده شيخنا قدس‌سره من عدم انحلال العلم الاجمالي في تلك المسألة لا يلزمه القول بعدم انحلاله فيما نحن فيه.

نعم ، إن لازم ما أفاده صاحب الكفاية (١) في أصل مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين من عدم الانحلال لاستلزامه المحال كما شرحه هناك ، يلزمه

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٦٤.

١٨٩

القول فيما نحن فيه بعدم الانحلال ، إلا أن يكون ذلك في ناحية البراءة العقلية دون الشرعية كما صنعه هناك (١).

والخلاصة : هي أن واجبنا مردد بين الأقل وهو الوضوء وحده والأكثر وهو الوضوء والصلاة ، فالقدر الزائد هو الصلاة منفي بالبراءة ، ولا محصل للقول بالعلم الاجمالي المردد بين وجوب الوضوء ووجوب الصلاة. كما لا محصّل للقول في مسألة الأقل والأكثر التي يكون العلم فيها مرددا بين وجوب الأربعة ووجوب الخمسة أنا نعلم إجمالا إما بوجوب الأربعة وإما بوجوب الخامس ، ليس الخامس في قبال ... (٢) فكذا نقول فيما نحن فيه إن الثاني وهو وجوب الصلاة ليس في قبال وجوب الأول الذي هو الوضوء بل إن مقابل وجوب الوضوء وحده هو المجموع من الوضوء والصلاة فتأمل.

قوله : وأما ما في الكفاية من التمسك بالبراءة في المقام فغير سديد ـ إلى قوله : ـ للعلم التفصيلي باستحقاق العقاب على ترك معلوم الوجوب إما لنفسه أو لتوقف واجب فعلي عليه وكونه قيدا له وإن لم يكن ذاك الوجوب منجزا من جهات أخر ... الخ (٣).

قال في الكفاية : هذا إذا كان هناك إطلاق ، وأما إذا لم يكن فلا بد من الاتيان به فيما إذا كان التكليف بما احتمل كونه شرطا له فعليا ، للعلم بوجوبه فعلا وإن لم يعلم جهة وجوبه ، وإلا فلا ، لصيرورة الشك فيه بدويا

__________________

(١) ينبغي ملاحظة ما حررناه [ في المجلد السابع في الحاشية على فوائد الاصول ٤ : ١٥٨ ] في أوائل مباحث الأقل والأكثر عند التعرض لمطلب الكفاية [ منه قدس‌سره ].

(٢) [ في الأصل سقط هنا ولعله : إذ ليس الخامس في قبال الأربعة ].

(٣) أجود التقريرات ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

١٩٠

كما لا يخفى (١).

ومراده بالصورة الاولى هو ما ذكره شيخنا قدس‌سره من الصورة الاولى ، وهي ما إذا كان كل من وجوب الغسل والصلاة غير مشروط بشرط ، وتلحق به الصورة الثانية وهي ما لو كانا مشروطين بمثل الوقت وقد تحقق الشرط. ومراده بالصورة الثانية هو ما ذكره شيخنا قدس‌سره من الصورة الثانية ، وهي ما كان وجوب الغسل غير مشروط وكان وجوب الصلاة مشروطا بمثل الوقت ، وكان الكلام قبل تحقق الشرط المذكور ، فانه لا إشكال حينئذ في جريان البراءة من وجوب الغسل قبل تحقق ذلك الشرط ، إذ لم يكن وجوب الصلاة التي احتمل كون الغسل شرطا لها وجوبا فعليا حينئذ ، لأن الفرض هو عدم تحقق شرط وجوبها ، ويلحق به ما يكون فيه وجوب الصلاة مثلا غير فعلي لعدم كونها مقدورة مثلا.

أما الصورة الأخيرة التي أفادها شيخنا قدس‌سره وهي ما لو كان وجوب الصلاة غير منجّز لكونه في حدّ نفسه موردا للبراءة لكونه مجهولا ، فالظاهر أنّ عبارة الكفاية لم تتعرض لها ، خصوصا بعد الاطلاع على مصطلحة في الفعلية التي هي عبارة عن تحقق التكليف وإن لم يكن منجزا لكونه مجهولا.

والحاصل : أن فرض الكفاية في مورد جريان البراءة في وجوب الغسل المردد بين كونه نفسيا أو غيريا مقدمة للصلاة ، إنما هو فيما إذا لم يكن وجوب الصلاة فعليا ، ولا ريب أنه مع فرض عدم فعلية وجوب الصلاة لا يكون وجوب الغسل المردد بين النفسية والمقدمية للصلاة غير

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١٠.

١٩١

الفعلية إلا من قبيل المشكوك البدوي ، والمرجع فيه هو البراءة لعدم كونه من قبيل العلم بوجوب فعلي على كل تقدير.

ويحتمل أن يقال : إن مراد الكفاية بالفعلية هو ما يكون معلوم الوجوب ، بأن تكون الصلاة معلومة الوجوب ويكون الغسل معلوم الوجوب لكنه حصل التردد بين كونه لنفسه أو كونه مقدمة للصلاة المعلومة الوجوب ، ومراده بقوله « وإلا » هو ما لم تكن الصلاة معلومة الوجوب لكن حصل العلم بأن الغسل واجب إما لنفسه وإما مقدمة للصلاة ، فكانت الصلاة غير معلومة الوجوب بل كانت موردا للبراءة ومع ذلك يريد إجراء البراءة في وجوب الغسل لتردده بين الوجوب النفسي والوجوب الغيري للصلاة المحكومة بعدم الوجوب بالبراءة ، فلا يبقى إلا احتمال وجوب الغسل نفسيا والمرجع فيه البراءة ، إذ لا أثر لوجوبه الغيري المقدمي مع فرض جريان البراءة في ذي المقدمة ، وحينئذ يصح ما في هذا التحرير من النسبة إلى الكفاية ، ويتوجه عليه إيراد شيخنا قدس‌سره فلاحظ وتأمل.

بل يتوجه عليه أنه في مثل هذه المسألة قائل بأن العلم التفصيلي المردد بين النفسية والغيرية لا يوجب انحلال العلم الإجمالي المردد بين الوجوب النفسي للمقدمة والوجوب النفسي لذي المقدمة ، وقد التزم هنا بجريان البراءة في كل من الوجوبين النفسيين ، وذلك موجب للمخالفة القطعية لكل منهما.

ثم لا يخفى أن ظاهر شيخنا قدس‌سره هنا هو المفروغية عن الانحلال في مسألة الأقل والأكثر ، وقد منعه هناك (١) ، وإنما ينحل العلم الاجمالي عنده

__________________

(١) أجود التقريرات ٣ : ٤٩١ ، ٤٩٤.

١٩٢

هناك (١) بواسطة البراءة الشرعية. ولعل نظره قدس‌سره هنا في الانحلال إلى الانحلال الشرعي بواسطة البراءة الشرعية ، دون الانحلال العقلي بواسطة العلم التفصيلي بوجوب الأقل.

قوله في الحاشية : وثانيهما : قصد التوصل بها إلى الواجب ، فانّه أيضا كما عرفت موجب لوقوع المقدمة عبادة ولو لم نقل بوجوبها شرعا ... الخ (٢).

قصد التوصل بالمقدمة إلى ذي المقدمة وإن قلنا بأنّه موجب للثواب ، إلا أن في كونه موجبا لعباديتها إشكالا ، وإن وقع ما يظهر منه قدس‌سره الالتزام بكونه موجبا لعباديتها كما حكاه المحرر عنه من قوله : وفيه ما عرفت من أنّ المقدمة إذا اتي بها بداعي التوصل إلى ذي المقدمة وامتثالا لأمره ، فلا محالة يكون عبادة ويترتب عليه الثواب (٣). وقوله : إنّ الأوامر الغيرية المتعلّقة بالطهارات الثلاث لا توجب عباديتها وترتب الثواب عليها إلاّ إذا كان الاتيان بها بقصد التوصل بها إلى غاياتها (٤).

لكن ذلك في غاية الاشكال ، وقد شرحنا (٥) هذه العبائر وأوضحنا أن نسبة كون قصد التوصل كافيا في العبادية إليه قدس‌سره لعله كان اشتباها.

وعلى أي حال أن الاكتفاء به في غاية الاشكال أما أوّلا : فلأن قصد التوصل بالمقدمة إلى ذيها يتوقف على كونها مقدمة له ، وكونها مقدمة له يتوقف على كونها عبادة حسب الفرض ، وكونها عبادة يتوقف على قصد

__________________

(١) أجود التقريرات ٣ : ٤٩١ ، ٤٩٤.

(٢) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٢٥٦.

(٣) أجود التقريرات ١ : ٢٥٤.

(٤) أجود التقريرات ١ : ٢٦١ [ المنقول هنا مخالف للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٥) سيأتي في صفحة : ١٩٦ ـ ١٩٧ ، ٢٣١.

١٩٣

التوصل بها إلى ذيها ، وهو الدور الواضح ، نظير الدور الوارد على كون الأمر الغيري هو المصحح لعباديتها.

وأما ثانيا : فلأنّ قوام العبادية إنّما هو داعوية [ الأمر ](١) ، ومجرد قصد التوصل بها إلى ذي المقدمة لا يكون من داعوية الأمر في شيء.

نعم ، هناك مطلب آخر وهو أن يقال : إنّ المصحح لعباديتها هو الاتيان بها بداعي التوصل إلى امتثال الأمر المتعلق بذيها ، بأن يقال لا حاجة في عبادية الفعل إلى الاتيان به بداعي الأمر المتعلق به ، بل يكفي فيه الاتيان به بداعي الأمر ولو كان ذلك الأمر متعلقا بما هو متوقف على ذلك الفعل. ولعل فيما نقله عن شيخنا قدس‌سره إشارة إلى ذلك ، وذلك قوله : ولكنّه خلاف التحقيق لما عرفت من أن المحرّك في فرض قصد التوصّل هو الأمر النفسي ، وبما أنّ الاتيان بها في هذا الفرض إنّما كان بتحريك الأمر النفسي وبداعي إطاعته ، ولا يعتبر في العبادة أزيد من كونها بداعي الأمر وبتحريكه ... الخ (٢).

ولكن تعرضنا للاكتفاء بعبادية المقدمة باتيانها بداعي الأمر المتعلق بذيها ، فراجع (٣).

وعلى كل حال أنّ المحشي لم يعتمد في هذا الأمر الثاني أعني قوله : وثانيهما ... الخ (٤) على هذه الجهة ، بل اكتفى بمجرد دعوى كون قصد التوصل بالمقدمة إلى ذيها كافيا في عباديتها ، وهو الذي أخذه من ظواهر

__________________

(١) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٦٣ [ المنقول هنا مخالف للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٣) ما يأتي في صفحة : ٢٠٠.

(٤) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٢٥٦.

١٩٤

العبائر التي نقلها عن شيخنا قدس‌سره وقد عرفت ما في ذلك فلاحظ ، وتأمل.

ولا يخفى أنّ هذا الاشكال بعينه وعين الجواب في طريقة الاكتفاء في عبادية المقدمة بقصد التوصل بها إلى ذيها قد نقله الآملي في تحريره (١) عن درس الاستاذ العراقي قدس‌سره وذكر إشكال الدور الذي ذكرناه ، وأجاب عنه بما أجابوا عن الدور في التعبدي ، وهو التقرب بالأمر المتعلق بذات العمل في ضمن الأمر المتعلق بالمركب من ذات العمل وقصد داعي الأمر ، وقد تقدم (٢) الكلام في ذلك. على أن الحصة من الأمر المتعلقة بذات العمل وإن أمكن هناك الاتيان بذات العمل بداعيها ، فيحصل المركب وهو ذات العمل مع داعي الأمر ، إلا أنّ هذه الطريقة لا تتأتى فيما نحن فيه من جهة ، فانّ جزء الموصل إذا اتي به بقصد الايصال لا يوجب تحقق الموصل ، وهو الذات مع قصد التعبد الذي هو التوصل حسب الفرض ، فلاحظ.

وحاصل الفرق أن التركب هناك ناش من تعلق الأمر بالمركب ، وهنا من ناحية كون الموقوف عليه مركبا واقعا ، فلو كانت جهة التوقف ملحوظة كان الملحوظ هو المركب لا الجزء.

وعلى أيّ حال فالذي أظن أنّ الأصل في هذا الذي زعموه من كون الاتيان بالمقدمة بقصد التوصل بها إلى ذيها كافيا في عباديتها ، هو ما أفاده في الكفاية في التذنيب الثاني في عدم اعتبار قصد التوصل بالمقدمة إلى ذيها في وقوعها عبادة ، وأنه لو كان المصحح لعباديتها هو قصد أمرها الغيري لكان ذلك القصد معتبرا فيها ـ إلى أن قال : ـ فان الأمر الغيري لا يكاد

__________________

(١) بدائع الأفكار : ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٢) في صفحة : ٣٩٣ وما بعدها من المجلد الأول من هذا الكتاب.

١٩٥

يمتثل إلا إذا قصد التوصل إلى الغير حيث لا يكاد يصير داعيا إلا مع هذا القصد ، بل في الحقيقة يكون هو الملاك لوقوع المقدمة عبادة ولو لم يقصد أمرها ، بل ولو لم نقل بتعلق الطلب بها أصلا ، وهذا هو السر في اعتبار قصد التوصل في وقوع المقدمة عبادة ، لا ما توهم من أنّ المقدمة إنما تكون مأمورا بها بعنوان المقدمية ... الخ (١).

قوله : وكذا لا إشكال في أن الأمر الغيري بما هو أمر غيري لا حقيقة له إلا كونه واقعا في طريق التوسل إلى الواجب النفسي ، فلا إطاعة له إلا مع قصد الأمر النفسي ، وحينئذ فالآتي بالواجب الغيري قاصدا به التوسل إلى الواجب النفسي شارع في امتثال الأمر النفسي ويثاب على إطاعته ... الخ (٢).

وقوله : ثم إن الظاهر أن الثواب المترتب على إتيان الواجب الغيري بقصد التوسل متحد مع الثواب المترتب على نفس الواجب النفسي ، غاية الأمر أن الثواب يزيد عند إتيان المقدمة بقصد التوسل وتكون الاطاعة من حين الشروع بالمقدمة ... الخ (٣).

وقوله ـ فيما بعد هذه العبارة ـ : وفيه ما عرفت من أن المقدمة إذا اتي بها بداعي التوسل إلى ذي المقدمة وامتثالا لأمره ، فلا محالة يكون عبادة ويترتب عليه الثواب ... إلخ (٤).

لا يخفى أن مقتضى الجملة المتوسطة هو أنه لا ثواب إلاّ الثواب على

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١٢ ـ ١١٣.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٥١ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٣) أجود التقريرات ١ : ٢٥٣.

(٤) أجود التقريرات ١ : ٢٥٤.

١٩٦

نفس ذي المقدمة ، فلا ثواب على نفس المقدمة وإن اتي بها بداعي التوسل إلى ذي المقدمة ، وأما الحكم بزيادة ثواب ذي المقدمة فذلك أمر آخر منشؤه صيرورة ذي المقدمة شاقا بواسطة كثرة مقدماته ، وذلك أعني كونه شاقا منحصر بما كان الاتيان بالمقدمات بقصد التوسل إليه ، لأن الاتيان بها لا بهذا القصد لا يوجب كون نفس ذلك العمل الذي هو ذو المقدمة شاقا. وأما الحكم عليه بالاطاعة من حين الشروع في المقدمات فالظاهر أن منشأه كونه بصدد الاطاعة ، وذلك نظير الحكم عليه بالعصيان عند ترك أول مقدمة لا أنّه بفعل تلك المقدمة يكون مطيعا حقيقة وبتركها يكون عاصيا حقيقة.

ثم لا يخفى أنه لو أتى بالمقدمات بقصد التوسل ولكن لم يتهيأ له ذو المقدمة ولو من جهة عروض المرض أو الموت ، فهل يحكم عليه بترتب الاطاعة والثواب بالنسبة إلى نفس ذي المقدمة؟ الظاهر لا. نعم يمكن أن يقال إن ذلك من باب الانقياد المقرون بالفعل والحركة في الجملة على طبق تلك الارادة الانقيادية ، فيكون له ثواب ذلك الانقياد.

وعلى كل حال أن ما افيد في الجملة الأخيرة من صيرورة المقدمة عبادة عند الاتيان بها بذلك القصد أعني قصد التوسل ، مما لا يمكن الالتزام به وإلاّ كنّا في غنى عن التمحلات في عبادية الطهارات الثلاث ، إلاّ إذا كان المراد من قصد التوسل هو الاتيان بها بداعي الأمر الشرعي الشرطي الذي نالها من الأمر النفسي المتعلق بذي المقدمة ، فراجع ما حررناه عنه قدس‌سره في هذا المقام.

وبالجملة : أن الظاهر من هذه الجملة الأخيرة ، ومن قوله : فتحصل من جميع ما ذكرناه في الطهارات الثلاث أنّ أوامرها الغيرية لا توجب

١٩٧

عباديتها وترتب الثواب عليها إلاّ إذا كان الاتيان بها بقصد التوسل بها إلى غاياتها ... الخ (١) ، ومن قوله : ولكنه خلاف التحقيق ، لما عرفت من أن المحرّك في فرض قصد التوسل هو الأمر النفسي ، فالاتيان بها في هذا الفرض بتحريك الأمر الصلاتي مثلا وإطاعة له حين الفعل ، ولا يعتبر في العبادة أزيد من كونها بداعي الأمر وتحريكه وهو موجود حين الفعل ... الخ (٢) ، كل هذه الجمل ظاهرة في أن منشأ عبادية هذه الطهارات هو الاتيان بها بداعي الأمر المتعلق بذي المقدمة الذي هو الصلاة مثلا ، وبنحو ذلك صرح قدس‌سره فيما حررته عنه.

ولكن قوله : وحاصله أن الأمر النفسي المتعلق بالصلاة مثلا كما أنّ له تعلقا بأجزائها وهو موجب لكونها عبادة لا يسقط أمرها إلاّ بقصد الأمر ، فكذلك له تعلق بالشرائط المأخوذة فيها ، فلها أيضا حصة من الأمر النفسي وهو الموجب لعباديتها ، فالموجب للعبادية في الأجزاء والشرائط على نحو واحد ... إلخ (٣) ، وهكذا الكثير مما حررته عنه أيضا ، ظاهر في أن منشأ العبادية هو الأمر الشرعي الشرطي الذي ينال ذلك الشرط في ضمن الأمر المتعلق بالمشروط.

قال فيما حررته عنه (٤) : والتفصيل أنه فيما إذا كانت المقدمة جزءا من ذيها لا إشكال في ترتب الثواب على الاتيان بها بداعي الأمر ، أعني الأمر الضمني النفسي الذي نالها بواسطة تعلق الأمر النفسي بالمركب منها ومن

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٦١ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٦٣ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٣) أجود التقريرات ١ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسخة المحشاة ].

(٤) في صفحة : ٢٢٧ [ منه قدس‌سره ، ويقصد به تحريراته المخطوطة ].

١٩٨

غيرها ، وكذا لو كانت شرطا شرعيا وكان الشرط نفس الأفعال ، فانها حينئذ يؤتى بها بداعي ذلك الأمر النفسي الذي نالها بواسطة تعلق الأمر النفسي بالمشروط بها ، وأما لو كان الشرط هو العنوان المتولد من تلك الأفعال فكذلك ، لأن الأمر الضمني النفسي المتعلق بذلك العنوان متعلق في الحقيقة بتلك الأفعال ، لما حققناه غير مرة من عدم الفرق في العنوان التوليدي بين تعلق الأمر بالعنوان التوليدي وتعلقه بالفعل الذي يتولد منه ذلك العنوان ... الخ.

وهكذا الحال في المقدمات الاعدادية لنفس الفعل المأمور به بالأمر النفسي ، فان الأمر المتعلق بفعل متوقف على مقدمات إعدادية عقلية كانت أو عادية يكون محرّكا على الاتيان بما يتوقف عليه ذلك الفعل من تلك المقدمات ، فإذا أتى المكلف بتلك المقدمات بداعي الأمر المتعلق بما يتوقف عليها ترتب عليه الثواب ، من دون فرق في جميع ذلك بين القول بتعلق الوجوب الغيري بالمقدمة للدليل الشرعي أو للملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ، وبين القول بعدم الوجوب الغيري بالمقدمة وأنه ليس في البين إلاّ حكم العقل بلزوم الاتيان بها توصلا إلى الاتيان بذيها الذي تعلق به الوجوب النفسي ... الخ.

وكيف كان ، نقول إن المنشأ في العبادية إن كان هو الاتيان بها بداعي التوسل بالمقدمة إلى ذيها بحيث يكون الداعي على الاتيان بها هو الأمر المتعلق بذيها ، فذلك قابل للتأمل ، فان الأمر المتعلق بذي المقدمة لا يدعو إلاّ إلى ما تعلق به وهو ذو المقدمة ، فلا يعقل أن يكون داعيا إلى نفس المقدمة ، وإلاّ لكانت المقدمة داخلة فيما هو المأمور به نفسا.

١٩٩

اللهم إلاّ أن يقال : إن الأمر النفسي المتعلق بذي المقدمة وإن لم يكن متعلقا بنفس المقدمة إلاّ أنّه لا مانع من كون حركة المكلف نحو المقدمة بتحريك ذلك الأمر النفسي المتعلق بذي المقدمة ، بحيث يكون انبعاثه نحو المقدمة بتحريك الأمر المتعلق بذيها ، بأن كان قصده من فعلها هو التوسل بها إلى فعل ذيها ، وهذا المقدار من الداعوية يكفي في ترتب الثواب عند الشروع في المقدمة ، لكنه ليس على نفس المقدمة بل إنما الثواب على ذيها ، وإن كان فعلها موجبا لكثرة الثواب على ذيها باعتبار كونه شاقا على ما مرّ شرحه (١) ، لكنه لا يوجب عبادية تلك المقدمة ، ويكون غرض شيخنا من ذلك هو بيان مجرد تصحيح الثواب لا تصحيح العبادية ، وتكون نسبة كونه مصححا للعبادة إليه اشتباها. والشاهد على ذلك هو التوسعة التي نقلناها (٢) عنه في مسألة الثواب إلى المقدمة العقلية والعادية وتنصيصه في توجيه العبادية على خصوص المقدمة التي تكون شرطا شرعيا.

نعم ، يمكن أن يقال بكون ذلك ـ أعني قصد التوسل الذي هو عبارة عن الاتيان بالمقدمة بداعي الأمر بذيها ـ كافيا في عباديتها ، إذ ليست العبادة إلاّ ما يؤتى بها بداعي الأمر سواء كان ذلك الأمر متعلقا بها بنفسها أو كان متعلقا بما يتوقف فعله على وجودها ، فتأمل.

ولكنه لا يخلو عن إشكال ، فالأولى هو الاعتماد في تصحيح عبادية مثل الطهارات على ما أفاده من الأمر الشرطي الذي نالها من الأمر بالفعل المشروط بها ، من دون فرق في ذلك بين أن نقول إن الشرط هو نفس تلك

__________________

(١) في صفحة : ١٩٧.

(٢) في صفحة : ١٩٩ [ وتقدم في صفحة : ١٩٨ ـ ١٩٩ ما استظهر منه أن العبادية ناشئة من الأمر الشرعي الشرطي ].

٢٠٠