أصول الفقه - ج ٢

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٢

١

٢

[ الواجب المطلق والمشروط ]

قوله : ثم إن الحكم في القضايا الخارجية ـ إلى قوله ـ قد يكون مطلقا غير معلّق على شيء أصلا لعلم الآمر بوجود الشرائط ـ إلى قوله ـ وتارة يكون مشروطا بشيء لعدم علمه بوجودها ... إلخ (١).

سيأتي إن شاء الله تعالى (٢) أن القضية المشروطة بشيء لا تنقلب مطلقة عند وجود ذلك الشيء ، نعم يكون الحكم فيها فعليا عند وجود الشرط ، فلا يكون قولك للمستطيع حج إلاّ من باب النتيجة الحاصلة من الصغرى وهي أنك مستطيع والكبرى وهي قوله كل مستطيع يجب عليه الحج ، فلو كان الآمر عالما بوجود الشرط فانه وإن صح له أن يوجّه إليه الخطاب مطلقا إلاّ أنه ليس ذلك إلاّ نتيجة ذلك الشكل.

ثم لا يخفى أن القضية الخارجية لا يدخلها التعليق من جهة من الجهات وإلاّ عادت القضية قضية حقيقية ، هذا في غير الشرائط العامة. أما الشرائط العامة فان أدخلناها في حساب الواجب المطلق والمشروط لم يبق عندنا ما يكون مطلقا على حقيقته بل لا يكون الاطلاق إلاّ إضافيا ، وحينئذ يكون حال هذه الشرائط حال غيرها في كون القضية المتضمنة للتكليف المشروط بها قضية حقيقية ، وأنّ علم الآمر بوجود الشرط لا يكون إلاّ من باب نتيجة تطبيق الكبرى على الصغرى إلاّ إذا كان التكليف خاصا بخصوص المخاطب ، وسيأتي الفرق بين كون ذلك من باب انطباق الكبرى

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٨٦ [ المذكور هنا موافق مع النسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) في صفحة : ٣٨.

٣

أو من باب القضية الخارجية ، وعلى الأوّل لا يخرج ذلك الشرط عن كون التكليف المتوجه إلى ذلك الشخص مشروطا به ، وأن علم الآمر بوجود الشرط لا يوجب انقلاب التكليف من الاشتراط إلى الاطلاق ، ولا يكون ذلك إلاّ من باب تطبيق الكبرى على الصغرى.

ولا يخفى أن ذلك إنما يكون من باب تطبيق الكبرى فيما إذا لم يكن العلم بوجود الشرط من قبيل الداعي على وجه يكون التخلف من باب الخطأ في التطبيق ، وإلاّ كانت القضية خارجية وكان التكليف تابعا لعلم الآمر ولو كان خطأ.

وخلاصة ذلك : أنك لو كنت ترى المصلحة في خروج عبدك من الدار مثلا عند طلوع الشمس ، فكان طلوع الشمس في نظرك شرطا في وجوب خروجه ، لكنك اعتقدت طلوع الشمس فأمرته بالخروج مستغنيا عن الاشتراط لعلمك بتحقق الشرط ، وفي الحقيقة أن أمرك كان مشروطا لكنك استغنيت عن الشرط لعلمك بوجوده ، فهذه الصورة لو تمت لم تكن القضية خارجية ولا يكون الوجوب فيها مطلقا ، بل لا يكون إلاّ مشروطا ولا يكون إلاّ من باب تطبيق الكبرى وأخذ النتيجة وهي فعلية الوجوب ، وفي هذه الصورة نقول إن تحقق الشرط لا يوجب انقلاب الوجوب عن كونه مشروطا إلى كونه مطلقا ، لكن هذه الصورة بعيدة جدا ، والمتعارف هو كون المسألة من باب الخطأ في التطبيق وأن الآمر عند ما يعلم بوجود الشرط فلا ينشئ الآمر إلاّ أمرا مطلقا بتخيل أنه لا يحتاج إلى الاشتراط لعلمه بوجود الشرط ، وحينئذ لا يكون الصادر منه إلاّ الأمر المطلق على وجه لا يجوز لعبده التخلف عن هذا الأمر ولو مع علمه واطلاعه على حقيقة الحال ، فان باب الاطاعة إنما يدور على ما يجعله المولى لا على ما هو متخيله ، ونظير

٤

ذلك ما لو كان عتق عبده الذي هو زيد مستحسنا عنده ولكن استحسانه أو موافقته لمصلحته كان منوطا بما إذا كان قد مات أبوه وكان السيّد يعتقد موت أبيه ، ولأجل هذا الاعتقاد أنشأ عتق زيد عتقا مطلقا غير مشروط بشيء أصلا ، فانه ينعتق ولو صادف حياة أبيه.

وأما دعوى كونه من تطبيق الكبرى على وجه يكون المجعول هو عتقه على تقدير الموت أو أنه أعتقه مقيدا بالموت ولم يصرح به اعتمادا على علمه بوجود الشرط ، أو أنه قد أنشأ عتقه قبل ذلك معلّقا على الموت ثم لمّا علم به قال له أنت حر ، فلا يكون قوله بعد علمه بموت أبيه أنت حر إلاّ من قبيل الاخبار بحريته لا أنه إنشاء لحريته ، فهذه الوجوه كلها في غاية البعد ، بل الظاهر كونه من باب الخطأ في التطبيق ، وإن شئت فقل إنه من باب تخلف الداعي غير المنافي لتحقق الحرية ولو بعد أن انكشف الخلاف بعد إنشائه الحرية.

والأولى عدم التعبير عن ذلك بكونه من الخطأ في التطبيق فانه يوهم كون المقام من قبيل تطبيق الحكم الكبروي ، فالأولى الاقتصار في ذلك على كونه من باب تخلف الداعي ، ولعل الأولى هو التعبير عن ذلك بكونه من قبيل الخطأ في الاعتقاد المقارن.

وإلى هذا الذي ذكرناه من كون المدار في القضية الخارجية على العلم بوجود الشرط وإن كان من قبيل الداعي أو الخطأ في التطبيق أو الاعتقاد المقارن لا على وجود الشرط واقعا ، بخلاف القضية الحقيقية فان المدار فيها على وجود الشرط واقعا لا على علم الآمر ، أشار بقوله : الوجه الثاني أن المؤثر في القضية الخارجية من حيث الموضوع والملاك ... (١).

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٩٠ ـ ١٩١ [ المذكور هنا موافق مع النسخة القديمة غير المحشاة ].

٥

ولا فرق في هذه الجهة التي ذكرناها بين كون ذلك الأمر الذي تضمنته القضية الخارجية أمرا صادرا من السيّد بالنسبة إلى عبده وبين كونه صادرا من الشارع بالنسبة إلى أحد المكلفين ، في أن ذلك الأمر يكون مطلقا وأن علم الآمر هو الميزان سوى أن الأمر الصادر من الشارع بهذه الكيفية لا يتصور فيه الخطأ في التطبيق ولا تخلف الداعي ، بخلاف ما لو كان صادرا من السيد بالنسبة إلى عبده فانه لجهل الآمر يمكن أن يطرقه الخطأ في التطبيق أو تخلف الداعي ، هذا.

ولكن لا يخفى أن المصلحة من قبيل شرط الجعل في كل من القضية الخارجية والحقيقية ، ويكون المؤثر في الجعل والتشريع في كل منهما هو المصلحة بوجودها العلمي ، وأما شرط الوجوب مثل القدرة ونحوها فهو في القضايا الحقيقية يكون من قبيل شرط المجعول ، فيكون المدار في فعلية الحكم وتحققه خارجا في القضايا الحقيقية على وجود الشرط واقعا لا على وجوده العلمي ، بخلاف ما لو كانت القضية خارجية فان الشرط يكون فيها من سنخ شرط الجعل لا من قبيل شرط المجعول ، ويكون حاله في القضية الخارجية حال المصلحة في أن المدار في صدور الجعل من الآمر على وجوده العلمي لا على وجوده الواقعي.

قوله : بل حالها حال القضايا الحقيقية ، وتوضيح الحال فيها أن كل حاكم يأخذ في موضوع حكمه عنوانا عاما يشير به إلى الموضوعات الخارجية ويأخذه في موضوع حكمه على نحو الفرض والتقدير ويحكم على ذات المفروض ... إلخ (١).

دع عنك الأحكام الشرعية الكلية ، ولكن هلمّ في مجعولاتنا ومنشئاتنا

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٨٩ [ المذكور هنا موافق مع النسخة القديمة غير المحشاة ].

٦

التي نجعلها وننشئها معلّقة على وجود شيء مثل قول السيّد لعبده في التدبير أنت حر بعد وفاتي ، ومثل قول المالك في الوصية التمليكية هذا لزيد بعد وفاتي ، ومثل قولك لعبدك إذا خرج ولدي من الدار فاخرج معه ، بل مثل قول الزوج لزوجته أنت طالق إذا خرجت من الدار ، فانه معقول غايته قام الاجماع منّا على عدم صحة التعليق في الطلاق ، لكن من يدعي صحته ما ذا يقول في مثل ذلك ، فانظر إلى مثال التدبير فهل أن ذلك إخبار من السيّد بأنه ينشئ العتق بعد موته ، كلا ثم كلا ، أو أنه ينعتق عند الموت بذلك الانشاء السابق ، وهذا هو المتعين ، ولكن لننظر إلى الزمان الذي هو ما بين قوله أنت حر بعد وفاتي وبين موت السيّد ، وأن الواقع في ذلك الزمان هل هو فعلية الحرية ، كلا لأنها معلّقة على الموت فلا يمكن أن تنوجد قبل الموت ، أو أن ذلك الزمان خال من الحرية أصلا وأنها لا تتحقق إلاّ بعد الموت فيلزم تخلف المنشأ عن الانشاء وتأخره زمانا عن الانشاء ، وهو مساوق لتخلف الوجود وتأخره زمانا عن الايجاد ، وهو مما لا إشكال في بطلانه.

وما في تحرير المرحوم الشيخ محمّد علي رحمه‌الله (١) من الجواب عن ذلك بمقايسة الزمان بالمكان ، فكما أنه يمكن إلقاء حجر من مكانه إلى مكان بعيد ، فكذلك يمكن لمن له السيطرة على الزمان أن يوجد حكمه في الزمان المتأخر لأن الحاكم فوق الزمان.

لا يخفى ما فيه أوّلا : أنه إنما يتأتى فيما لو كان الجاعل هو الشارع الذي هو المسيطر على الزمان.

وثانيا : أنه لا يخلو عن نحو من الشعر والخيال أو الخطابة ، فان

__________________

(١) فوائد الاصول ١ ـ ٢ : ١٧٧.

٧

الكلام في تخلف المنشأ وتأخره عن الانشاء الذي هو مساوق لتأخر الوجود عن الايجاد.

وحينئذ ينحصر الجواب بأن الموجود في ذلك الزمان المتخلل بين الانشاء وما علّق عليه المنشأ الذي هو الحرية مثلا إنما هو الحريّة على تقدير الموت ، وهذا المعنى أعني الحرية على تقدير الموت أمر اعتباري له حظ من الوجود كالحرية التي تنوجد فعلا عند تحقق الموت ، وربما تترتب عليه آثار عرفية وشرعية على وجه لو لم يقم دليل على أن له العدول عمّا أنشأه لكان ملزما بذلك كما يقولون به في الطلاق المعلّق على الخروج من الدار ، وكما نقول به نحن في الملكية على تقدير لو أخذت بنحو شرط النتيجة في متن عقد لازم بأن يقول له بعتك هذا الكتاب وشرطت لك ملكية داري على تقدير مجيء زيد ، فانه لا يصح له العدول عن ذلك ولو قبل مجيء زيد ، وهذا الأمر الاعتباري الموجود قبل حصول المعلق عليه أعني الحرية على تقدير الوفاة هو المجعول وهو المنشأ وهو لم يتأخر زمانا عن الانشاء ، نعم إن الذي يتأخر هو فعلية الحرية وتحققها خارجا وليست هي المنشأة وإنما المنشأ هو الحرية على تقدير الوفاة ، وهذا أعني الحرية على تقدير الوفاة له حظ من الوجود وهو لم يتأخر زمانا عن الانشاء ، ولو سميت ذلك بالحرية الشأنية أو بالحرية الانشائية أو الحرية التعليقية فلا مشاحة في التسمية والاصطلاح.

وعلى هذا المثال من التعليقيات فقس سائر الأمثلة من منشئاتنا التعليقية ، وقس على الجميع الأحكام الشرعية الكلية أو الجزئية المعلّقة في جعل الشارع على تحقق شرط أو عنوان أو سبب ، فان مرجع الجميع إلى تعليق الحكم المنشأ على وجود ذلك الشيء.

٨

وقد استراح من قال بجعل السببية ، فانه يقول إن المجعول والذي ينوجد في مثل قوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ )(١) هو السببية والملازمة بين الدلوك والوجوب ، وهذه لا تتأخر زمانا عن الانشاء. ولكن ترد عليه الاشكالات من هاهنا وهاهنا كما حرر في محله (٢) وكما أشار إليه شيخنا قدس‌سره في هذا المقام إشارة إجمالية ، وحيث التزمنا ببطلان القول بجعل السببية وقلنا إن المجعول هو المسبب عند وجود السبب يكون حال تلك القضايا حال ما عرفت من قول السيّد لعبده أنت حر بعد وفاتي في أن المجعول هو الحرية عند الموت الذي [ هو ](٣) سببها وكل ما جرى في ذلك إشكالا وجوابا يجري في قول الشارع إذا زالت الشمس فقد وجب الطهور والصلاة (٤).

قوله : بخلاف القضية الحقيقية فان الفعلية فيها تدور مدار فعلية الموضوع خارجا ، وتتأخر الفعلية عن الانشاء زمانا ... إلخ (٥).

الظاهر أن مراده هو إمكان التأخر زمانا لا أنه كذلك دائما ، فلا يرد عليه أنه ربما كان الموضوع موجودا سابقا على الانشاء أو مقارنا له ، فلا يكون حينئذ إلاّ التأخر الرتبي.

ولعله قدس‌سره ناظر في ذلك إلى القضايا الحقيقية في الأحكام الشرعية فان إنشاءها يكون سابقا على وجود موضوعها في الخارج إلاّ ما ربما اتفق في بدء الاسلام ، كما لو اتفق أن بعض المسلمين حينما صدر الانشاء

__________________

(١) الإسراء ١٧ : ٧٨.

(٢) فوائد الاصول ٤ : ٣٩٣ وما بعدها ، وسيأتي كلام المصنّف قدس‌سره في ذلك في المجلّد التاسع.

(٣) [ لم يكن في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

(٤) وسائل الشيعة ١ : ٣٧٢ / أبواب الوضوء ب ٤ ح ١ ( نقل بالمضمون ).

(٥) أجود التقريرات ١ : ١٩٠.

٩

وتشريع وجوب الحج بقوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(١) كان واجدا للاستطاعة بحيث لا يكون وجود الموضوع متأخرا زمانا عن زمان إنشاء الحكم وتشريعه ، وليس مثل هذا الفرض محطّ نظر شيخنا قدس‌سره بل محط نظره هو ما عدا هذه الفروض التي اتفقت في أوّل التشريع.

نعم ، يرد عليه أنه بناء على هذا لا يتصور الاشتراط في القضية الخارجية بالنسبة إلى من كان جاهلا بوجود الشرط ، إلاّ أن يرجع محصل الاشتراط فيها إلى أنه إن كنت فعلا واجدا للشرط فأنت مأمور فعلا ، وإن لم تكن واجدا له فأنت لست بمأمور أصلا حتى لو وجد لك الشرط بعد ذلك. ومنه يظهر لك اندفاع ما أورده عليه في الحاشية صفحة ١٢٨ (٢).

قال قدس‌سره فيما حررته عنه ما هذا لفظه : إن التكليف في القضية الخارجية لا واسطة بين إنشائه وفعليته ، بل يكون إنشاؤه عين فعليته سوى الاختلاف بينهما بالرتبة ، بخلاف التكليف في القضية الحقيقية فانه لمّا كان إنشاؤه عبارة عن جعله على من يوجد من أفراد موضوعه لم يكن فعليا بمجرد إنشائه بل كان تحققه الفعلي متوقفا على تحقق موضوعه الذي أخذ فيه مفروض الوجود ، وربما تأخر ذلك بزمان طويل عن إنشائه وجعله.

قوله : الوجه الثاني ... إلخ (٣).

السر في هذا الوجه الثاني وفي الوجه الثالث الآتي بل في الوجه الأوّل أيضا هو أن ما نسمّيه بالشرائط في القضية الخارجية إنما هي أسباب أو

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٩٧.

(٢) حسب الطبعة القديمة المحشاة ، راجع أجود التقريرات ١ : ١٩٠ من الطبعة الحديثة.

(٣) أجود التقريرات ١ : ١٩٠.

١٠

شرائط ، وبالأحرى إنما هي دواع للجعل ، فلا تكون فعلية الحكم متوقفة على وجودها الخارجي ، بل يكون الحكم فعليا بمجرد إنشائه الناشئ عن علم الآمر بوجود تلك الامور في مواطنها ، ولا يكون المؤثر في فعلية الحكم هو وجودها الخارجي بل يكون المؤثر هو وجودها العلمي ، فيمكن أن يكون المتأخر وهو مجيء الضيف غدا داعيا لاصدار تكليف إلى العبد بالاستعداد له ، بخلاف القضية الحقيقية فان الشرط فيها إنما يكون سببا للمجعول ، وبالأحرى هو موضوع للمجعول فيستحيل تأخره أو تقدمه ويكون بوجوده الخارجي مؤثرا ، ويتأتى فيها النزاع في كون المجعول ما هو هل هو السببية كما قيل ، أو هو المسبب عند وجود السبب كما هو المختار ، وهذا بخلاف القضية الخارجية فان السبب فيها كما عرفت لا يكون إلاّ بمعنى الداعي على الجعل ، ولا معنى للقول بأن داعويته هي المجعولة بل لا يكون المسبب فيها إلاّ الجعل.

والخلاصة : لا يكون هناك جعل في السبب الذي هو الداعي ولا في المسبب الذي هو نفس الجعل ، ولا يكون ذلك إلاّ من قبيل تأثير الدواعي في الأفعال الاختيارية ، وذلك لا يكون بتصرف من الشارع ، بل لا يكون التأثير لهاتيك في تلك الارادة الصادرة عنها المتعلقة بذلك الفعل إلاّ تأثيرا واقعيا ، فلا معنى للنزاع فيها في أن المجعول هو المسبب أو السببية ، فلاحظ.

وكان الأولى جعل هذا الثالث من جملة ما تقدم من موارد الخلط بين القضايا الخارجية والقضايا الحقيقية ، فيقال إن البحث في كون المجعول هو المسبب أو أن المجعول هو السببية إنما يتأتى في القضايا الحقيقية دون

١١

القضايا الخارجية ، فهو على العكس مما تقدم من الأبحاث التي تنحصر في القضية الخارجية.

قوله : الأمر الثاني في رجوع القيد في القضية الشرطية بحسب القواعد العربية إلى الهيئة أو المادة أو الجملة المركبة منهما. والتحقيق أن يقال : إن كلاّ منها وإن كان يرجع إلى الآخر بحسب النتيجة إلاّ أن الحق هو رجوع القيد إلى المادة دون الهيئة ... إلخ (١).

لا يخفى أن شيخنا قدس سرّه قد أطال الكلام في توضيح مختاره الذي هو مختار الشيخ قدس‌سره (٢) من رجوع القيد إلى المادة بلحاظ تعلق الطلب بها ، وكان ذلك في ليال متعددة ، وقد ذكر الاحتمالات المتصورة في المقام وأنهاها إلى ستة :

الأول : رجوع القيد إلى المادة.

الثاني : رجوعه إليها بلحاظ تعلق النسبة الطلبية بها.

الثالث : رجوعه إلى نفس النسبة الطلبية.

الرابع : رجوعه إلى المادة بعد تعلق النسبة الطلبية بها.

الخامس : رجوعه إلى نفس المكلف ، فيلحقه القيد ثم يتعلق به الطلب.

السادس : رجوعه إلى نفس المكلف أيضا ولكن بلحاظ تعلق التكليف به.

ثم أخذ في ردّ بعض هذه الوجوه إلى بعض ، وأن المتحصل هو رجوع القيد إلى المادة بلحاظ تعلق النسبة الطلبية بها فرارا من رجوعه إلى نفس مفاد الهيئة ، لكونه معنى حرفيا آليا غير قابل للحوق القيد به ، فلا بدّ من

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٩٢ ـ ١٩٣.

(٢) كما سيأتي في صفحة : ١٩.

١٢

رجوعه إلى المادة بلحاظ كونها مطلوبة ، وقهرا يتقيد الطلب بذلك القيد. وكنت قد حررت تعليقا على تلك الافادات ، وهذا نص ما علّقته :

قلت : لا يخفى أنا إنما فررنا من جعل القيد راجعا في مقام الاثبات إلى نفس مفاد الهيئة من جهة كونه معنى حرفيا لا يمكن أن يطرأه التقييد لاستدعائه اللحاظ الاستقلالي ، ومن الواضح أنه بناء على ما أفاده دام ظله من إرجاع القيد إلى المادة بلحاظ تعلق النسبة الطلبية بها يتأتى الاشكال المذكور من جهتين ، حيث إن لحوق القيد إلى المادة المعروضة للطلب معناه رجوعه إلى المادة المقيدة بطرو مفاد الهيئة عليها ، فيكون مفاد الهيئة قيدا للمادة وجزءا من المقيد بالشرط ، والأوّل أعني أخذ مفاد الهيئة قيدا للمادة يستدعي لحاظها استقلالا كما يقتضيه أخذه مقيدا ، والثاني أعني كون مفاد الهيئة جزءا من المقيد بالشرط يستدعي أيضا لحاظه استقلالا ، فانه وإن لم يكن بنفسه هو المقيد بالشرط إلاّ أنه جزء من المقيد به حيث إن المقيد بالشرط على هذا الوجه هو المادة المطلوبة ، فيكون الطلب جزءا من المقيد بالشرط ، فينبغي أن يكون ملحوظا مستقلا كما لو كان بنفسه هو المقيد بالشرط.

وأجاب دام ظله حسبما فهمته منه : أن المقيد بالشرط على هذا الوجه ليس هو المادة المقيدة بأنها مطلوبة كي يعود المحذور من وجهين ، بل المقيد به إنما هو نفس المادة المعروضة للطلب بحيث يكون الطلب خارجا عن حيّز التقييد ، ولكن حيث إنه لحق القيد للمادة التي هي معروضة له فلا جرم تكون النتيجة انحصار تعلق الطلب بالمادة بمورد وجود القيد.

قلت : والمطلب بعد محتاج إلى التأمل ، فان القيد إن رجع إلى نفس المادة ولم يكن للطلب مساس به فلا بدّ أن يكون الطلب غير مقيد به ، وإن رجع إلى المادة المعروضة للطلب على وجه يكون لعروض الطلب عليها

١٣

مدخلية في ذلك التقييد لزم ما تقدم من أن اللازم عليه هو لحاظه استقلالا.

ولعل المراد أن التقييد لمّا كان تضييقا لما يرد عليه ، فان كان ما يرد عليه التقييد هو نفس المادة لم يكن ذلك موجبا للتقييد في ناحية الطلب ، وإن كان ما يرد عليه التقييد هو الحصة من تلك الطبيعة التي هي مفاد المادة أعني الحصة التي عرض عليها الطلب بحيث إن الآمر في مقام إيراد القيد على مفاد المادة لم يلاحظ نفس الطبيعة ، بل لاحظ الطبيعة التي تكون تحت الطلب وأورد القيد على تلك الطبيعة التي رآها تحت الطلب ، فانه حينئذ يكون الطلب منحصرا في مورد وجود ذلك القيد وإن لم يكن مقيدا قصدا ، بمعنى أن ذلك الطلب المستفاد من الهيئة لا تقييد فيه في نفسه أصلا وإنما طرأ التقييد على الطبيعة التي رآها الآمر تحت الطلب ، ولأجل ضيق ما تحت الطلب يتضيق واقع الطلب قهرا ، لا الطلب الذي دلت عليه الهيئة.

وفيه : أن مجرد كون ما تحت الطلب مقيدا لا يوجب تقييدا في واقع الطلب ، وإلاّ لكان الطلب المتعلق بالصلاة المقيدة بالوضوء مقيدا بذلك القيد.

اللهمّ إلاّ أن يفرّق بينه وبين ما نحن فيه بأن ما نحن فيه يكون الطلب ملحوظا طروّه على مفاد المادة قبل طروّ التقييد عليها ، فانه مورد القيد على المادة الملحوظ تعلق الطلب بها ، بمعنى أن تلك المادة في ذلك الحال تكون مقيدة بهذا القيد ، فقهرا ينحصر الطلب بوجود ذلك القيد ، بخلاف ما ذكرناه من المثال فان الملحوظ فيه أوّلا هو تقييد الصلاة بالوضوء ثم يورد الطلب على ما هو مقيد بذلك القيد ، فلا يلزمه أن يكون واقع الطلب مقيدا بذلك القيد فتأمل ، انتهى ما علّقته (١).

__________________

(١) في ليلة الاثنين ٢٠ / ربيع الثاني / ١٣٤٦ [ منه قدس‌سره ].

١٤

ولا يخفى أن سيدنا المرحوم السيد أبو الحسن قدس‌سره كان يرتئي هذا الرأي (١) وقد حررت ذلك عنه وأشكلت عليه بعين هذا الاشكال ، وأجاب عنه حسبما وجدته فعلا في تقريراتي بما هذا لفظه :

وقد أجاب سلّمه الله تعالى عن هذا الاشكال بما حاصله لا يكون راجعا إلى المادة المقيدة بالطلب حتى يرد أنه كيف يكون الطلب قيدا وجزءا من المقيد بالشرط ، وليس راجعا إلى نفس المادة حتى يرد أنه التزام بما ذكره الشيخ قدس‌سره بل يكون راجعا إلى المادة لكن بعد عروض الطلب عليها أو في حال كونها معروضة له ، فهو واسطة بين تقييدها بالطلب وأخذها مطلقة ، فانه إذا قيدت المادة بقيد حال كونها معروضة للطلب فلا إشكال في سريان ذلك القيد إلى نفس الطلب وإن لم نجعله قيدا للمادة.

وبالجملة : المادة حال تقييدها بالشرط لم تلاحظ مطلقة من جهة الطلب ولا مقيدة به ، بل لوحظت مطلقة في حال الطلب فورد عليها الشرط كذلك ، وهو أمر وجداني تضيق عنه العبارة.

قلت : هذا المطلب محتاج إلى تأمل ، فانا لا نتعقل الواسطة بين لحاظ المادة مقيدة بالطلب وبين لحاظها مطلقة من جهته ، فتأمل لعلك تطلع على حقيقة الحال. انتهى ما كنت حررته هناك في وقته بألفاظه.

والخلاصة من هذه الكلمات هي : أن أخذ المادة ملحوظا تعلق الوجوب بها وإيراد القيد عليها بهذا اللحاظ يوجب تقيد الطلب قهرا. ولكن سيأتي إن شاء الله تعالى (٢) أن كل قيد يرد على المادة لا بدّ أن تكون المادة في مرتبة ورود القيد عليها ملحوظا تعلق الطلب بها ، وإلاّ لم يمكن أن

__________________

(١) وبالأخص في الدورة التي شرع فيها سنة / ١٣٣٦ [ منه قدس‌سره ].

(٢) في صفحة : ٣٢.

١٥

يطرأها التقييد.

وعلى كل حال أن هذا هو الذي فسّروا به كلام الشيخ قدس‌سره وبه فسّروا ما عنه في الكفاية (١) من أخذ القيد في الواجب المشروط على نحو لا يجب تحصيله ، وليس مرادهم بذلك تقدم تعلق الطلب بها زمانا بل ولا رتبة ، بل مرادهم به هو لحاظ تعلق الطلب بها عند إيراد القيد عليها ، وبالأخرة يكون كل من الطارئين أعني الطلب والتقييد في رتبة واحدة ، ولا بدّ حينئذ من كون كل منهما ملحوظا في المادة في مرتبة ورود الآخر عليها.

وربما يقال في الفرق بين تقييد المادة بالقيد في الواجب المشروط وتقييدها به في الواجب المطلق : إن المادة في الأوّل مقيدة بفرض وجود القيد ، بخلافه في الثاني فان المادة فيه مقيدة بنفس وجود القيد ، فيقال على الأوّل إن الشرط وهو الاستطاعة اخذ في المادة مفروض الحصول ثم علّق بها الطلب ، بخلافه على الثاني فان الشرط الذي هو الطهارة مثلا اخذ بنفسه قيدا في المادة ثم علّق الطلب بالصلاة المقيدة بالطهارة ، فتكون النتيجة على الأوّل عدم دخول نفس الاستطاعة في التقييد فلا يجب تحصيلها بخلافه على الثاني.

ولعل هذا هو الذي أراده صاحب الدرر بقوله ، وتوضيح ذلك : أن الطالب قد يلاحظ الفعل المقيد ويطلبه ، أي يطلب المجموع ، وهذا الطلب يقتضي إيجاد القيد إن لم يكن موجودا كما في قوله صلّ مع الطهارة ، وقد يلاحظ القيد موجودا في الخارج ، أي يفرض في الذهن وجوده في الخارج ثم بعد فرض وجوده في الخارج ينقدح في نفسه الطلب فيطلب المقيد

__________________

(١) كفاية الاصول : ٩٥ ـ ٩٦.

١٦

بذلك القيد المفروض وجوده ، فهذا الطلب المتعلق بمثل هذا المقيد المفروض وجود قيده وإن كان متحققا فعلا بنفس الانشاء ، لكن تأثيره في المكلف يتوقف على وجود ذلك القيد المفروض وجوده حقيقة ، ووجهه أن هذا الطلب إنما تحقق مبنيا على فرض وجود الشيء ، وهذا الفرض في لحاظ الفارض حاك عن حقيقة وجود ذلك الشيء فكأنه طلب بعد حقيقة وجوده ، فكما أنه لو طلب بعد وجود ذلك الشيء المفروض وجوده حقيقة ما أثّر الطلب في المكلف إلاّ بعد وجود ذلك الشيء واقعا لعدم الطلب قبله ، كذلك لو طلب بعد فرض وجوده لم يؤثر إلاّ بعد وجوده الخارجي وإن كان الطلب الانشائي محققا قبله أيضا ، فهذا الطلب يقع على نحو يشترط تأثيره في المكلف على شيء في الخارج ، فتدبر جيدا ، انتهى (١).

ولقد تدبرت هذه الكلمات فلم أهتد إلى المراد منها ، فان فرض وجود الشيء في الذهن وانقداح الطلب في نفس الفارض متعلقا بما هو المقيد بذلك المفروض الوجود إن كان عبارة اخرى عن اشتراط الطلب بذلك القيد ، لم يوجب انقداح الطلب بالمقيد ، بل إنما يوجب تعلق الطلب بنفس الذات على تقدير حصول ذلك القيد ، وإن لم يكن إلاّ من مجرد تصور وجود القيد كان الطلب مطلقا ومؤثرا في نفس المكلف وباعثا له على إيجاد القيد والمقيد.

وقد اعترف في البدائع (٢) بجزئية المعنى الحرفي ، لكن جعل الاشتراط بيانا زائدا نظير التخييرية والكفائية والغيرية ، فعدم ذكر ذلك البيان الزائد يحمل الفرد على ما لا يحتاج إلى البيان ، فليس هناك إطلاق ولا تقييد

__________________

(١) درر الفوائد ١ : ١٠٤ ـ ١٠٥.

(٢) بدائع الأفكار للمحقق الرشتي قدس‌سره : ٣١٣.

١٧

ولا توسعة ولا تضييق.

وفيه : أن الكلام في ربط ذلك الزائد بالكلام وهل يكون مربوطا بالمادة أو يكون مربوطا بالهيئة ، مضافا إلى أن ما نحن فيه ليس من قبيل الترديد بين الوجوب التعييني والتخييري مثلا لأنهما فردان متقابلان من مطلق الوجوب ، فبعد فرض عدم إمكان كون المجعول هو القدر الجامع بينهما وكون الأوّل غير محتاج إلى البيان الزائد وكون الثاني هو المحتاج إلى ذلك ، يكون عدم البيان موجبا لحمل الطلب على الفرد الأوّل ، وهذا بخلاف ما نحن فيه فان الوجوب المطلق والوجوب المشروط وإن اشتركا في مطلق الطلب إلاّ أن التقابل بينهما من مقابلة المقيد الذي هو الوجوب المشروط بالاستطاعة مثلا للمطلق الذي هو الوجوب المطلق من حيث الاستطاعة وعدمها ، فيكون الوجوب المشروط مختصا بحال الاستطاعة بخلاف المطلق فانه شامل لحال الاستطاعة وعدمها ، فيكون عدم التقييد بالاستطاعة موجبا لحمل الوجوب على الوجوب المطلق الشامل لحال الاستطاعة وعدمها ، فيكون حال الوجوب فيما نحن فيه حال الرقبة في كونها مقيدة بالايمان وكونها غير مقيدة به ، فلا يكون من الفردين المتباينين الذي يكون أحدهما محتاجا إلى البيان الزائد بخلاف الآخر ، ومفاد الصيغة وإن كان هو الفرد الموجود من الطلب إلاّ أن الموجود من الطلب تارة يكون هو الطلب الخاص المختص بحال الاستطاعة وهو الوجوب المشروط ، وأخرى يكون الموجود هو الطلب المطلق الشامل لحال الاستطاعة وعدمها ، فالتقابل بينهما من تقابل المقيد للمطلق ، فلاحظ وتدبر.

قوله : بيان ذلك ، أن المراد من تقييد المادة ليس ما هو ظاهر تقريرات شيخنا الأنصاري قدس‌سره ـ إلى قوله : ـ حتى يرجع إلى الواجب

١٨

المعلّق باصطلاح صاحب الفصول قدس‌سره ـ إلى قوله : ـ وقد نقل الاستاذ دام ظله عن السيّد العلاّمة الشيرازي قدس‌سره عدم صحة هذه النسبة إلى العلاّمة الأنصاري قدس‌سره بل المراد منه هو تقييد المادة المنتسبة ... إلخ (١).

هذا تعريض بما في الكفاية في بحث المعلق والمنجز ، فانه بعد ذكر عبارة الفصول وبعد ذكر ما عن الشيخ قدس‌سره من إنكار تقسيم الوجوب إلى المعلق والمنجز وبعد ذلك كله قال : ومن هنا انقدح أنه في الحقيقة إنما أنكر الواجب المشروط ... إلخ (٢) ، والغرض أن عبارة التقرير في إبطال رجوع القيد إلى الهيئة وإن كان لها ظهور في الجملة فيما أفاده صاحب الكفاية قدس‌سره إلاّ أن عبائره المتأخرة تدل على أن المراد من تقييد المادة هو تقييدها بما أنها معروضة للطلب ، فيكون المقيد في الحقيقة هو نفس الطلب الذي أوجدته الهيئة في المادة ، وهذا هو المراد من تقييد المادة ، فانه قال في الهداية التي عقدها لما إذا ثبت وجوب شيء وشك في كونه مشروطا أو مطلقا بملاحظة أمر من الامور المحتملة ما هذا لفظه :

إذا تعلق الأمر بشيء فهناك وجوه ، أحدها : أن يكون الأمر غير معلّق على صفة مع إطلاق الفعل المأمور به ، كأن يكون الأمر مطلقا مادة وهيئة نحو قولنا أكرم رجلا ، فانه ليس في المقام ما يحتمل رجوعه بحسب القواعد العربية إلى الهيئة ليكون قيدا للأمر بحسب ما هو الظاهر وإن كان راجعا إلى تقييد المادة كما عرفت ، ولا ما يحتمل أوله إلى المادة ، فعند الشك في قيد سواء كان قيدا للوجوب أو قيدا للفعل يجب التمسك بالاطلاق في دفع الشك.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٩٣ ـ ١٩٤ [ مع اختلاف عمّا في النسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) كفاية الاصول : ١٠١.

١٩

ثم قال : وثانيها : أن تكون الهيئة خالية عمّا يحتمل رجوعه إليها بحسب القواعد العربية ، لكن المطلوب فعل مقيد بقيد خاص ، كما إذا أمر المولى بأداء فعل خاص في مكان خاص كالصلاة في المسجد ـ إلى أن قال ـ فالحكم ما عرفت في الوجه الأوّل ، ومن ذلك ما إذا شك في اشتراط الوجوب بالقيد المذكور أيضا ، فان الأصل في المقام هو الاطلاق أيضا.

ثم أخذ في بيان القيد المذكور الراجع إلى المادة وأنه على نحوين ، نحو يجب تحصيله ونحو لا يجب تحصيله ، ثم قال : فالآمر لا بدّ أن يكشف عن مقصوده في جميع هذه المراتب بلفظ قابل لذلك المطلب وذلك ظاهر ، ففيما نحن بصدده نقول : إن تقييد المأمور به ثابت وتقييد الأمر ليس ثابتا والأصل عدمه ، ولا ينافي ذلك ما قلنا من أن قيد الأمر يرجع إلى المأمور به ، فان المقصود بالأصل هو ما عرفت من أن التقييد ثابت على الوجه الذي لا يستفاد منه عدم الوجوب عند عدم القيد كما في الجمل الشرطية أو ما يقوم مقامها في الافادة المذكورة ، بل المستفاد منه هو الوجوب المطلق التابع للمصلحة على وجه الاطلاق ، فظهر المراد بأصالة الاطلاق في المقام.

وثالثها : عكس الثاني كأن تكون الهيئة مقيدة دون المادة ، ومرجعها على ما عرفت إلى تقييد المادة بقيد لا يحسن أن يكون القيد موردا للتكليف.

إلى أن قال : ورابعها : ما اجتمع فيه القيدان ، والحكم يظهر مما مرّ من غير فرق.

خامسها : أن يثبت قيد ولكن لا يعلم أنه من القيود التي يجب الاتيان بها حتى يكون من قيود الفعل مطلقا ، أو من القيود التي لا يجب الاتيان بها حتى يكون من قيود الفعل بوجه خاص وهو اعتبار وجوده لا على وجه

٢٠