أصول الفقه - ج ٢

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٤٦٢

فيها.

وفيه : أنّ مثل الشكوك والسهو لا يمكن الحكم بحصول الظن الاطمئناني بعدم اتفاقهما لأي مكلّف كان ، لأنّها أطوار نفسانية غير داخلة تحت قاعدة عادية ، بل هي امور قهرية لا يمكن دخولها تحت ضابطة من عادة ونحوها ، فيجب تعلم أحكامهما على كل أحد ، وحيث يجب التعلم فهو طريقي كما تقدم ، لا يترتب على مخالفته سوى العقاب على مخالفة الواقع لو صادفه والتجري لو لم يصادفه ، انتهى.

قال في الوسيلة في ذيل المسألة الثالثة : ولو علم الفوات بالتأخير ( يعني تأخير التعلم ) أو احتمله ، فان علم أنه يبتلى بها لا محالة وجب السبق إلى التعلم ، ولو لم يعلم ذلك فان عمت البلوى بها وجب التعلم أيضا وإلاّ فلا يكفي مجرد احتمال الابتلاء بها في وجوبه (١).

وهذا هو الذي عدل عنه وجعل المدار في وجوب التعلم على مجرد الاحتمال وإن لم يكن مما تعم به البلوى. نعم لو كان احتمال الابتلاء بعيدا على وجه لا يعتني به العقلاء لم يلزم التعلم ، وهنا محل الكلام في الاعتماد على استصحاب عدم تحقق الشرط ، لكنه قدس‌سره منع من جريان الاستصحاب المذكور ، وقد عرفت أنّه لا مانع منه ، فراجع (٢).

ثم قال في المسألة الرابعة : وأما مسائل الشك والسهو فيجب تعلمها تفصيلا على كل تقدير ويكون عاصيا بتركه ، ولو لم يتعلمها فان كان واثقا عند النية بأنّه لا يتفق شيء منها في صلاته ولم يكن متزلزلا في قصده

__________________

(١) وسيلة النجاة : ه [ لا يخفى أن الصفحات الاولى منها رمز لها بالحروف دون الأرقام ].

(٢) صفحة : ١٣٥.

١٤١

صحت صلاته ، لكن لمّا كان منشأ عروضها هو الطوارئ الاتفاقية فأنّى له بهذا الوثوق ، انتهى.

ولا يخفى أنّ تسجيل العصيان بمجرد ترك التعلم مناف لما ذكره هنا وفي مسألة الفحص قبل البراءة (١) بأنه إنما يتحقق العصيان واستحقاق العقاب عند اتفاق وجود التكليف واتحاده مع ذلك الأمر الطريقي ، أما نفس التعلم فلا عقاب على مجرد مخالفته ، ولأجل ذلك وجّه الاشكال على ما في بعض الرسائل العملية المنسوبة إليه (٢) من كون تارك التعلم عاصيا فاسقا.

ثم لا يخفى أن المقام لا يجري فيه استصحاب عدم الابتلاء بالشك أو السهو إذ ليس له حالة سابقة ، واستصحاب عدم الشك بمفاد ليس التامة لا أثر له إلاّ على تقدير الأصل المثبت.

قوله : خاتمة (٣).

هذه الخاتمة معقودة لبيان الخلاف في دوران الأمر في القيد بين رجوعه إلى الهيئة ورجوعه إلى المادة ، والترديد ثنائي وإن كان الذي يظهر من الكفاية أنّه ثلاثي ، وذلك قوله قدس‌سره : وإن دار أمره ثبوتا بين أن يكون راجعا إلى الهيئة نحو الشرط المتأخر أو المقارن ، وأن يكون راجعا إلى المادة على نهج بحيث يجب تحصيله أو لا يجب إلخ (٤) فجعل الثاني أعني رجوعه إلى المادة مرددا بين كونه على نحو يجب تحصيله وكونه على نحو لا يجب تحصيله ، وهذا مبني على ما أفاده في الايراد على صاحب

__________________

(١) أجود التقريرات ٣ : ٥٥٩ وما بعدها.

(٢) أي إلى الشيخ الأعظم قدس‌سره راجع أجود التقريرات ١ : ٢٣١ ـ ٢٣٢.

(٣) أجود التقريرات ١ : ٢٣٢.

(٤) كفاية الاصول : ١٠٥.

١٤٢

الفصول (١) بقوله : ثم لا وجه لتخصيص المعلّق بما يتوقف حصوله على أمر غير مقدور ، بل ينبغي تعميمه إلى أمر مقدور متأخر اخذ على نحو يكون موردا للتكليف ويترشح عليه الوجوب من الواجب أو لا (٢) ، إلى آخر تلك المباحث التي كان أغلبها مبنيا على تصور أخذ قيد المادة مفروض الحصول ، ولا يكون من قبيل الوجوب المشروط ، وقد تقدم (٣) البحث على ذلك مفصلا ، كما أنه قد تقدم (٤) توجيه دخول الشيخ قدس‌سره في هذا النزاع مع أنّه قائل بامتناع رجوع القيد إلى الهيئة (٥).

وعلى كل حال ، أنّ الذي ينبغي هو تحرير هذه المسألة تحريرا ثنائيا على وجه يكون مطابقا لمذاق القوم من كون القيد في الواجب المشروط قيدا لنفس مفاد الهيئة ، بخلاف ما لو جعلنا واجبا مطلقا وجعلنا القيد راجعا إلى المادة على وجه يكون القيد داخلا تحت الطلب ، فلو تردد الأمر في قيد بين كونه راجعا إلى الهيئة بالمعنى المزبور أو راجعا إلى المادة بالمعنى المذكور (٦).

ولا يخفى أنّ الشيخ قدس‌سره لم يصرح في أنّ ما هو محل النزاع هو القيد المتصل ليكون نظير القيد المتعقب جملا متعددة في كونه موجبا للإجمال ، أو أنّه هو القيد المنفصل ليكون ذلك بعد انعقاد الظهور في كل من الطرفين أعني الهيئة والمادة.

__________________

(١) الفصول الغروية : ٧٩.

(٢) كفاية الاصول : ١٠٣.

(٣) في صفحة : ٦٩ وما بعدها.

(٤) راجع صفحة : ١٩ وما بعدها.

(٥) [ في الأصل : المادة ، والصحيح ما أثبتناه ].

(٦) [ هكذا في الأصل فلاحظ ].

١٤٣

والذي يظهر من الكفاية (١) هو الأوّل ، ولكن الذي يظهر من شيخنا قدس‌سره (٢) هو الثاني وأنّ القيد المتصل لا شك في كونه موجبا لسقوط كلا الاطلاقين ، وإجمال كل من الجهتين أعني المادة والهيئة. ولعلّه يتضح الحال في أثناء الاستدلال والأجوبة إن شاء الله تعالى.

ولا يخفى أن استدلال الشيخ قدس‌سره (٣) على تقييد المادة بأنّ عمومها بدلي وعموم الهيئة شمولي والثاني مقدّم على الأوّل ، مخدوش بما أفاده شيخنا قدس‌سره (٤) من أنه إنما يكون في مورد التعارض بين العمومين مثل أكرم عالما ولا تكرم فاسقا ، دون ما نحن فيه مما تردد القيد بين رجوعه إلى المادة ورجوعه إلى الهيئة.

نعم ، لعله يتم استدلاله الثاني من جهة سقوط إطلاق المادة على كل من رجوع القيد إليها ورجوعه إلى الهيئة ، فيبقى إطلاق الهيئة بلا معارض. لكنّه لا يتم على مذهبه من استحالة تقييد الهيئة لكونها معنى حرفيا كما تقدم (٥) في توجيه مسلكه هنا من كون المراد من تقييد الهيئة هو اعتبار ورود التقييد على المادة بعد اعتبار طروّ الطلب عليها ، وفي قباله اعتبار طروّ الطلب بعد طروّ التقييد على المادة.

وعلى هذه الطريقة نقول : إن القيد لو كان غير اختياري مثل الزمان ونحوه فلا ريب في لزوم إخراجه عن حيّز الطلب ، ويتعين إرجاعه إلى مفاد الهيئة ، ولو كان القيد اختياريا واتفق وجوده فلا يبقى حينئذ شك ، بل

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٧.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٣٤.

(٣) مطارح الأنظار ١ : ٢٥٢.

(٤) أجود التقريرات ١ : ٢٣٨.

(٥) في صفحة : ١٢ وما بعدها.

١٤٤

يحكم بتحقق كل من الوجوب ولزوم الاتيان بالواجب لانوجاد القيد المردد بين كونه للهيئة وكونه للمادة.

نعم ، في صورة عدم وجود القيد ، والمفروض إمكان إيجاده مثل أن يقال تصدق بدرهم عند قيامك ، فهل يكون الوجوب مطلقا والواجب هو التصدق المقيد بالقيام ، أو أنّ وجوب التصدق مشروط بالقيام بمعنى أنك إن حصل منك القيام وجب عليك التصدق بدرهم ، ففي مثل ذلك يتعارض إطلاق المادة من ناحية الطلب في مرتبة عروض التقييد عليها ، ومقتضاه أن المقيد هو المادة وأن الطلب طارئ على المقيد والقيد ، مع إطلاق المادة من القيد في مرتبة عروض الطلب عليها ، ومقتضاه طروّ الطلب على نفس المادة وأنّ القيد طارئ على المادة المطلوبة ، ومقتضاه تقيد الطلب ، ومع التعارض والتساقط يكون المرجع في حالة عدم وجود القيد هو أصالة البراءة من الوجوب ، للشك في إطلاقه أو تقييده بالقيد المفروض فعلا عدم وجوده ، فيكون المرجع في ذلك الحال هو أصالة البراءة من الوجوب.

ومن ذلك كلّه ظهر لك أنّه بعد وصول النوبة إلى التعارض بين الاطلاقين ـ أعني إطلاق المادة من حيث عروض الطلب في مرتبة طروّ القيد عليها ، وإطلاق المادة من حيث عروض التقييد عليها في مرتبة عروض الطلب ، والأوّل قاض باطلاق الطلب ووجوب القيد ، والثاني قاض بتقييد الطلب وعدم وجوب القيد لكونه حينئذ شرطا للوجوب لا قيدا في الواجب ـ تأتي طريقة الشيخ من ترجيح الاطلاق الأوّل لكونه شموليا على الثاني لكونه بدليا ، فان المسألة حينئذ تكون من تعارض الاطلاقين نظير تعارض أكرم عالما ولا تكرم فاسقا ، لا من قبيل تردد الدليل الثالث بين هدمه للاطلاق الأوّل أو هدمه للاطلاق الثاني.

١٤٥

ولكن يمكن الخدشة في ذلك بأنّ الشمولي إنما يقدم على البدلي فيما لو تعارضا في مورد واحد الذي هو العالم الفاسق في قوله أكرم عالما ولا تكرم فاسقا ، أما في مثل ما نحن فيه من إطلاق المادة من الطلب في تعلق القيد بها القاضي بكون الطلب مطلقا والمطلوب مقيدا ، وإطلاق المادة من القيد في تعلق الطلب بها القاضي بكون الطلب مقيدا بالقيد وعدم تقيد المطلوب وإن انحصر قهرا في مورد ، فالظاهر أنه لا مورد فيه لهذه القضية القائلة بتقديم الشمولي على البدلي ، فان منشأ التقديم هو كون الشمولي بمنزلة القرينة على التصرف في البدلي ، وهذه الجهة لا تتأتى فيما نحن فيه فتأمل.

قوله : فانّ تقديم الاطلاق البدلي يقتضي رفع اليد عن مقدار من مدلول الاطلاق الشمولي وهو العلماء الفساق ، بخلاف تقديم الاطلاق الشمولي فانّه لا يقتضي رفع اليد عن مقدار من مدلوله ، فانّ المفروض أنه الواحد على البدل وهو محفوظ لا محالة ، غاية الأمر أنّ دائرته كانت وسيعة فصارت ضيّقة ... إلخ (١).

لا يخفى أنّ هذا المقدار من الضيق الحاصل في مدلول البدلي كاف في كون تقديم الشمولي موجبا للتصرف في ناحية البدلي باخراج ذلك البعض الذي هو مورد العام الشمولي عن مدلول المطلق البدلي.

قوله : وبعبارة أخرى ... إلخ (٢).

لا يخفى أنّ هذا مطلب آخر غير ما تقدم وذلك هو ما افيد في باب

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٣٦ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٣٦ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

١٤٦

التعادل والتراجيح (١) من ان العام الشمولي وإن كان إطلاقيا مقدّم على البدلي. وفي وجه التقديم المزبور إشكال حررناه في تعليقنا على ما أفاده قدس‌سره في ذلك الباب ، وحاصل الاشكال هو أنّ التساوي بين الأفراد إن كان من مقدمات الحكمة في المطلق البدلي فهو أيضا من تلك المقدمات في المطلق الشمولي ، لامكان أن يقال إنّ تسرية الحكم إلى كل فرد من أفراد الطبيعة موقوف على كون ذلك الفرد مساويا لباقي الأفراد في عدم المانع من تسرية الحكم إليه ، كما أن نقول إن سعة الاطلاق البدلي لذلك الفرد متوقف على كونه مساويا لباقي الأفراد في عدم المانع من سعة الحكم وشموله ولو بدليا لذلك الفرد ، فراجع ما حررناه هناك (٢) وتأمل.

قوله : وبعبارة اخرى المتيقن تقييد المادة بذاتها ، وأما تقييدها بعد الانتساب فمشكوك يدفعه الاطلاق ... إلخ (٣).

حاصل ذلك هو التمسك باطلاق المادة من ناحية كونها ملحوظا فيها الطلب في حال تعلق القيد بها ، فيكون الطلب حينئذ غير مقيد بذلك القيد ، ولازمه هو كون ذلك القيد واقعا تحت الطلب. لكن يعارضه التمسك باطلاق المادة من ناحية القيد المزبور في حال طروّ الطلب عليها فلا يكون ذلك القيد واقعا تحت الطلب ، ولازمه كون ذلك القيد راجعا إلى الطلب يعني إلى المادة من حيث عروض الطلب عليها.

والحاصل : أن كلا من الطلب والقيد من طوارئ المادة ، فان كان الملحوظ أوّلا هو الطلب وطرأ التقييد بالقيد المزبور على المادة الملحوظ

__________________

(١) فوائد الاصول ٤ : ٧٣٢.

(٢) في المجلّد الثاني عشر في الحاشية على قوله : لأنّ من مقدمات الحكمة ...

(٣) أجود التقريرات ١ : ٢٤٠ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

١٤٧

فيها الطلب ، كان ذلك القيد قيدا للطلب. وإن كان الملحوظ أوّلا هو التقييد بالقيد المزبور وكان طروّ الطلب على المادة الملحوظ فيها القيد المزبور ، كان ذلك القيد قيدا للواجب وكان داخلا تحت الطلب ، فكما يمكن التمسك باطلاق المادة من ناحية الطلب في حال طروّ القيد عليها على عدم تقييد الطلب بذلك القيد ليكون لازمه كون القيد داخلا تحت الطلب ، فكذلك يمكن التمسك باطلاق المادة من ناحية ذلك القيد في حال طروّ الطلب عليها ، فلا يكون ذلك القيد داخلا تحت الطلب ، ولازمه كون ذلك القيد قيدا للطلب أيضا ، فراجع ما حررناه في هذه المقامات في تحريراتنا (١).

ولا يخفى أنّ مقابل المادة من حيث تعلق النسبة الطلبية بها وإن لم يكن هو المادة بشرط لا بل هو المادة لا بشرط ، إلاّ أنّه أعني لحاظ المادة لا بشرط مباين للحاظها بشرط شيء الذي هو لحاظها مطروّة للطلب ، فلا يكون من قبيل الأقل والأكثر كي يكون لحاظها بشرط شيء هو المحتاج إلى المئونة الزائدة ، بل هو من قبيل التباين في احتياج كل منهما إلى المئونة ، فان لحاظ المادة لا بشرط القسمي الذي هو المراد في المقام يباين لحاظها بشرط شيء ، وإن كان اللابشرط القسمي والبشرطشيء من قبيل الأقل والأكثر ، فان ذلك إنما هو في الخارج لا في مقام اللحاظ ، وليس المقصود في المقام هو اللابشرط المقسمي لما حقق في محله أن ذلك أعني اللابشرط المقسمي خارج عن دائرة الأحكام.

ثم لو سلّمنا كونهما من قبيل الأقل والأكثر وأن لحاظ المادة بشرط شيء يحتاج إلى مئونة زائدة في مقام اللحاظ ، فذلك بمجرده غير نافع ،

__________________

(١) مخطوطة لم تطبع بعد.

١٤٨

لأنّ زيادة المئونة في مقام اللحاظ إنما تنفع لو كانت موجبة لزيادة المئونة في مقام الاثبات وفي عالم الدلالة وعالم الحكاية اللفظية ، فانه حينئذ يمكن التمسك بالاطلاق اللفظي على عدمها ، أما إذا كانت مقصورة على مقام اللحاظ فقط فلا مورد فيها لأصالة الاطلاق. نعم يمكن الاعتماد في نفيها على أصالة العدم وذلك مطلب آخر غير التمسك بالاطلاق اللفظي ، والاعتماد عليه في المقام في غاية الاشكال ، مضافا إلى ما عرفت من أنّ المقام من قبيل التباين لا من قبيل الأقل والأكثر لحاظا ، فتأمل.

ثم لا يخفى أن هذا كلّه بناء على طريقة الشيخ قدس‌سره (١) في كون القيد في الواجب المشروط قيدا للمادة بلحاظ النسبة الطلبية ، وأما بناء على مسلك المشهور من رجوع القيد ابتداء إلى مفاد الهيئة فالتمسك باطلاق الهيئة عند التردد واضح ، لأنّ الاطلاق في ناحية الهيئة حينئذ بلا مزاحم لسقوط إطلاق المادة ، إما لكونها هي المقيدة أو لكون المقيد هو الهيئة الموجب لتقييد المادة وانحصارها بمورد وجود القيد انحصارا قهريا ، وحيث قد سقط التمسك باطلاق المادة كان إطلاق الهيئة باقيا بحاله بلا مزاحم ، هذا في القيد المنفصل. والظاهر أنه كذلك في القيد المتصل ، إلاّ أن يدعى أن اتصال القيد يوجب الاجمال في ناحية الهيئة أيضا ، فلاحظ وتأمل.

وأما ما افيد (٢) من التمسك باطلاق القيد على عدم أخذه مفروض الوجود ، فيمكن التأمل فيه من جهة ابتنائه على كون الفرق بين قيد الوجوب وقيد الواجب بعد فرض تساويهما في الرجوع إلى نفس المادة في حال طروّ الطلب عليها ، بأن الأوّل مأخوذ مفروض الوجود بخلاف الثاني ،

__________________

(١) كما تقدم استظهاره في صفحة : ١٩ وما بعدها.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٣٤١.

١٤٩

وقد تقدم (١) أنه بعد الاعتراف برجوع كل منهما إلى المادة في حال طروّ الطلب عليها لا محصل لأخذ القيد مفروض الوجود ، بل يكون تقيد المادة بالقيد في حال طروّ الطلب عليها موجبا لدخول ذلك القيد تحت الطلب ، ولأجل ذلك أشكلنا على الواجب المعلّق بأنّ لازمه وجوب جرّ الزمان وإلاّ كان لصاحب الفصول أن يجيب بأنه لا يستدعي جرّ الزمان ، لأنّ الزمان قد أخذ مفروض الوجود.

والحاصل : أنّ أخذ القيد مفروض الوجود لا يلتئم مع كون المقيد به هو المادة في حال طروّ الطلب عليها ، وإنما يلتئم مع كون المقيد هو الطلب لا المادة المعروضة للطلب بأن المقيد هو المادة من حيث عروض الطلب عليها كما هو المبنى ، فان كون القيد راجعا إلى المادة المعروضة للطلب لا يناسب أخذ القيد مفروض الوجود ، بل يكون الذي هو مفروض الوجود حينئذ هو الطلب. هذا مضافا إلى أنّ أخذه مفروض الوجود كأخذه غير مفروض الوجود لا يكون لذلك القيد إطلاق ينفيه ولا يثبته ، فراجع ما حررناه في هذا المقام على ما حررناه عنه قدس‌سره (٢).

وان شئت فقل : إنّ أخذ القيد مفروض الوجود لا يلتئم مع مسلك الشيخ قدس‌سره بل لا يلتئم مع مسلك الجماعة الذين يقولون برجوع القيد إلى الهيئة ، وإنما يلائم ما تقدم (٣) فيما شرحناه من كون ذلك راجعا إلى القضايا الشرطية ، وأن الأداة تربط بين جملة الشرط وجملة الجزاء على نحو كون

__________________

(١) في صفحة : ١٦ ـ ١٨.

(٢) مخطوطة لم يطبع بعد.

(٣) في صفحة : ٣٣ وما بعدها.

١٥٠

الثاني ثابتا على تقدير وجود الأوّل ، وهو عبارة أخرى عن جعل المسبب على تقدير وجود السبب أو جعل السببية بينهما ، وهذا المفاد كما هو محقق في مقام الاثبات يكون هو المحقق في مقام الثبوت ، فان المجعول واقعا هو الوجوب على تقدير وجود الزوال ، وهو على طبق الجملة القائلة إذا زالت الشمس فصلّ ، فيكون مقام الاثبات منطبقا على مقام الثبوت ، وهكذا الحال لو قلنا بجعل السببية.

وعلى كل حال أنّ ما أفاده الشيخ قدس‌سره وكذلك ما أفاده الجماعة من جعل القيد راجعا إلى مفاد الهيئة لا يطابق القول بجعل المسبب ولا القول بجعل السببية ، كما أنه لا يطابق القول بأنّ ما هو شرط الوجوب يكون مفروض الوجود ، ومع قطع النظر عن ذلك كلّه فدعوى كون أخذ القيد مفروض الوجود محتاجا إلى عناية زائدة يكون إطلاق نفس القيد نافيا لها ، مما لم أتوفق لمعرفة الوجه فيه.

وأما الوجه الثالث فهو راجع إلى دعوى ظهور القيد في كونه راجعا إلى المادة بنفسها لا إليها من حيث طروّ الطلب عليها ، وذلك أمر آخر غير ما نحن بصدده من دعوى التمسك باطلاق المادة.

قوله : وأما إذا كانت لبية من إجماع ونحوه فيجري فيه الوجهان الأوّلان ... إلخ (١).

لا يخفى أنه لا يتأتى الوجه الثاني أعني التمسك باطلاق القيد فيما لو كان دليل التقييد لبيا مثل الاجماع ، إذ لا لفظ في البين في ناحية القيد كي يتمسك باطلاقه.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٤٢ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسخة المحشاة ].

١٥١

قوله : فان تقييد الهيئة كما عرفت غير معقول ... إلخ (١).

قد تقدم في مطاوي الأبحاث السابقة (٢) أنّ الشيخ قدس‌سره لا يريد التمسك باطلاق الهيئة ، بل إن مبنى كلامه قدس‌سره على أن الفرق بين قيد الوجوب وقيد الواجب هو كون الأوّل راجعا إلى المادة ملحوظا فيها الطلب ، والثاني راجعا إليها قبل طروّ الطلب ، وأنه في مورد الدوران يكون رجوع القيد إلى المادة ملحوظا فيها الطلب موجبا لانهدام إطلاق المادة بذاتها ولتقييد ذلك الطلب لبا ، بخلاف رجوعه إلى المادة قبل طروّ الطلب عليها فانه لا يوجب إلاّ سقوط إطلاق ذات المادة ، من دون أن يكون له مساس بناحية الطلب فيكون الثاني أولى من الأوّل. نعم يرد عليه أن العمل الذي يكون موجبا لانهدام الاطلاق في ناحية ذات المادة ليس هو على خلاف الأصل ، فراجع وتأمل.

__________________

(١) [ هذه العبارة وردت في النسخة القديمة غير المحشاة بعنوان الإشكال على ما أفاده الشيخ قدس‌سره من دوران الأمر بين تقييد المادة فقط أو تقييد الهيئة المستلزم لبطلان محل الإطلاق في المادة. وقد حذفت هذه العبارة في الطبعة الجديدة المحشاة ].

(٢) راجع صفحة : ١٤٤ ، ١٤٧ وما بعدها.

١٥٢

[ الواجب النفسي والغيري ]

قوله : وما قيل من أنّها مقدورة بالواسطة ـ إلى قوله : ـ إنّه إنّما يتم في الأفعال التوليدية لا في العلل المعدّة (١).

سيأتي في ص ١٨٥ (٢) من مباحث مقدمة الواجب ما مفاده خروج العناوين التوليدية عن مبحث المقدمة ودخول الأسباب في محل النزاع ، أعني خصوص ما يكون المسبب فيها مباينا في الوجود للسبب ، وأن هذا القسم من الأسباب هو مورد قولهم إن المقدور بواسطة القدرة على سببه مقدور ، وذلك مثل شرب الماء ورفع العطش ، بل هو مثل الخطوة الأخيرة من قطع المسافة إلى الكوفة مثلا بالنسبة إلى الواجب الذي هو الكون في المسجد ، فانه أعني الكون في المسجد مسبب عن مجموع تلك الخطى غير أن الجزء الأخير هو الذي ينشأ عنه المسبب المذكور ، وذلك المسبب مقدور بواسطة القدرة على سببه.

قوله : وأما الثاني : فلأنّ حسن الأفعال إن كان ناشئا من مقدميتها لمصالح فيها فهو عين الالتزام بالوجوب الغيري (٣).

قال في الكفاية : فالأولى أن يقال إن الأثر المترتب عليه وإن كان لازما

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٤٤.

(٢) حسب الطبعة القديمة غير المحشاة ، راجع أجود التقريرات ١ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ من الطبعة الحديثة.

(٣) أجود التقريرات ١ : ٢٤٤ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

١٥٣

إلاّ أن ذا الأثر لمّا كان معنونا بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله بل وبذم تاركه ، صار متعلقا للايجاب بما هو كذلك ، ولا ينافيه كونه مقدمة لأمر مطلوب واقعا ، بخلاف الواجب الغيري لتمحض وجوبه في أنه لكونه مقدمة لواجب نفسي ، وهذا أيضا لا ينافي أن يكون معنونا بعنوان حسن في نفسه ، إلاّ أنه لا دخل له في إيجابه الغيري (١).

وكنا شرحنا قوله الأوّل : ولا ينافيه ، أن وجه عدم المنافاة أن كونه مقدمة لأمر مطلوب واقعا يكون مؤكدا لطلبه النفسي لا أنه موجب لتعلق طلب آخر به من مقولة الطلب الغيري. ويظهر هذا من قوله في الواجب الغيري : لتمحض وجوبه الخ ، فانه دليل على أن الطلب النفسي غير متمحض بل هو من جهتين النفسية والغيرية. وشرحنا قوله ثانيا : ولا ينافي الخ ، أنّ وجه عدم المنافاة هو أنّ الطلب الغيري يكون في طول الطلب النفسي ، فلا يكون ذلك من قبيل اجتماع المثلين ولا من قبيل التأكد ، فتأمل. هذا ما كنا شرحنا به العبارة المذكورة في تعليقاتنا على الكفاية.

ولكن لا يخفى أن هذه الطوليّة لا اختصاص لها بالقسم الثاني ، بل يمكن أن تأتي في القسم الأوّل أيضا. ومنه يظهر لك أنه لا وجه لكون الوجوب في القسم الثاني ممحضا للغيرية.

والحاصل : أنه بناء على هذا الذي أفاده من كون ذي الأثر ذا عنوان حسن في حد ذاته مضافا إلى كونه مقدمة لأمر مطلوب ، يكون ذلك الفعل مجمعا للملاكين النفسية والغيرية ، فان كانت الطولية نافعة في اجتماع الوجوبين كانت جارية في كل من القسمين ، وإلاّ كان اللازم هو الالتزام

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٨.

١٥٤

بالتأكد في كل من القسمين ، ومجرد تغيير العبارة بجعل الحسن الذاتي في الأوّل مقدّما في الذكر على كونه مقدمة لواجب آخر وجعل كونه مقدمة مقدما في الذكر في القسم الثاني على كونه ذا عنوان حسن ، لا يوجب تغييرا في أصل المطلب أعني كون الفعل مضافا إلى حسنه الذاتي مقدمة لواجب آخر ، وحينئذ لا بدّ من الالتزام بأن ذلك الفعل يكون مجمعا لكل من الوجوبين ، هذا أوّلا.

وثانيا : أنّ ظاهره هو أن الفعل يكون في حد نفسه ذا عنوان حسن ، وأنه بواسطة ذلك العنوان يمدح فاعله ويذم تاركه ، هذا قبل تعلق الوجوب الشرعي به ، وأن ملاك هذا الوجوب الشرعي هو حسنه الذاتي الموجب لمدح فاعله وذم تاركه مع قطع النظر عن تعلق الايجاب الشرعي به ، وليس لنا من الواجبات الشرعية ما يكون كذلك أعني أنه يمدح فاعله ويذم تاركه مع قطع النظر عن تعلق الوجوب الشرعي إلاّ ما يقال من مثل حسن الاحسان ، وأين ذلك من جميع الواجبات النفسية عبادية كانت أو توصلية ، وظاهره أن جميع الواجبات تكون كذلك من جهة الالتزام بترتب المصالح عليها ، وأنه قدس‌سره يلتزم بوجوب تلك المصالح ويريد أن يقول إنه لا منافاة بين كون تلك الأفعال مقدمة لتلك المصالح اللازمة وبين كونها واجبة نفسيا لكونها معنونة بعنوان حسن ، لأنه قدس‌سره يريد أن يجمع بين كون تلك الأفعال واجبة نفسيا وبين كونها مقدمة لواجب آخر ، وهو الفائدة المترتبة عليها أعني المصالح الحاصلة من تلك الأفعال.

وثالثا : أن الحسن الذاتي للفعل منحصر بترتب المصلحة على ذلك الفعل ، فلو لا تلك المصالح المترتبة على تلك الأفعال لم تكن معنونة بعنوان حسن يقتضي إيجابها نفسيا. وبعبارة أخرى أن المقتضي للوجوب النفسي

١٥٥

هو ترتب المصلحة على ذلك الفعل ، لا أنه من حيث ترتب المصلحة عليه يكون واجبا غيريا ومن حيث عنوانه الحسن يكون واجبا نفسيا.

ورابعا : أنه قد حقق في محله (١) أنّ المصالح المترتبة على الأفعال لا يتعلق الوجوب النفسي بها ، بل إن الوجوب النفسي إنما يتعلق بنفس تلك الأفعال التي تترتب عليها تلك المصالح ، فلا تكون تلك المصالح إلاّ عللا غائية للوجوب النفسي المتعلق بتلك الأفعال ، لا أنها بنفسها تكون واجبة نفسية وتكون تلك الأفعال مقدمة لتلك المصالح المترتبة عليها ، إذ ليست هي من قبيل العناوين الثانوية بالنسبة إلى تلك الأفعال ، أعني كونها بالنسبة اليها من المسببات التوليدية ، وإلاّ كان اللازم هو الالتزام بالاحتياط عند الشك في الجزئية والشرطية بالنسبة إلى تلك الأفعال ، ولا يبقى مجال للرجوع إلى البراءة في شيء من ذلك.

قوله : نعم ، يرد على تعريف المشهور النقض بوجوب المقدمات التي يترتب على تركها فوت الواجب في ظرفه ، فانّه داخل في تعريف الوجوب الغيري على تعريف المشهور ، مع أنّه من أقسام الوجوب النفسي (٢).

يمكن إصلاح تعريف المشهور بأنّ مرادهم من الواجب الآخر ما يكون واجبا فعلا ، ولا ريب أن الواجب الآخر في هذه المقدمات ليس بواجب فعلا فلا يصدق عليها بأنها واجبة للتوصل إلى واجب آخر ، والأمر في ذلك سهل لأنه تابع لقصد المعرفين ولا مشاحة في القصد.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٥٦ ـ ٥٩.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٤٤.

١٥٦

قوله : ثم إنه إذا شك في واجب أنّه نفسي أو غيري ، فقد أفاد صاحب التقريرات قدس‌سره عدم إمكان التمسك بالاطلاق لاثبات النفسية ، لأن مفاد الهيئة جزئي غير قابل للتقييد ... الخ (١).

الذي يظهر من مجموع هذه الكلمات من تقرير مطلب الشيخ (٢) وتقرير إشكال الكفاية (٣) عليه ، والاشكال على إشكال الكفاية ، والاشكال على مطلب الشيخ قدس‌سره ، هو أن الشيخ قدس‌سره يمنع من تقييد مفاد الهيئة لكونه جزئيا حقيقيا ، وأن جزئيته إنما نشأت من كونه حرفيا ، وعليه فيكون محل النزاع هنا مبنيا على محل النزاع في المعنى الحرفي وأنه هل يكون جزئيا أو أنّه يكون كليا ، فكأنّ الشيخ قدس‌سره يقول بكونه جزئيا وصاحب الكفاية يقول إنه كلي ، وشيخنا قدس‌سره يورد عليهما بأن المانع من التقييد هنا ليس هو الجزئية ، بل إن المعنى الحرفي وإن قلنا بأنّه كلّي بأن بنينا على عموم الموضوع له والمستعمل فيه ، يكون المانع من قابليته للتقييد هو كون المعنى الحرفي آليا.

ولا يخفى أن هذا النزاع ـ أعني كون المعنى الحرفي جزئيا أو كونه آليا ـ ليس بالنزاع الجديد ، ولكن الذي يظهر من كلام الشيخ قدس‌سره في التقريرات (٤) هو أن في البين مطلبا آخر وهو كون مفاد الهيئة جزئيا باعتبار كونه عبارة عن نفس الصفة المنقدحة في نفس الطالب ، لأنه يقول : والتحقيق هو القول بأن هيئة الأمر موضوعة لخصوصيات الطلب المنقدحة

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٤٥ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) مطارح الأنظار ١ : ٣٣٢ وما بعدها.

(٣) كفاية الاصول : ١٠٩.

(٤) مطارح الأنظار ١ : ٣٣٢.

١٥٧

في نفس الطالب باعتبار دواعيها التي تدعو إليها ، ولا تختلف تلك الافراد باختلاف الدواعي اختلافا يرجع إلى اختلاف الطلب نوعا ، إلى أن قال ما حكاه عنه في الكفاية (١).

والظاهر من هذه الكلمات هو أن جزئية مفاد الهيئة من جهة كون مفادها هو الطلب الواقعي المنقدح في نفس الطالب ، ولأجل ذلك يتجه عليه ما في الكفاية من أن ما في نفس الطالب غير قابل للانشاء.

ولكن لا يخفى أن هذا ليس من قبيل خلط المفهوم بالمصداق بل هو أعظم منه ، إذ لا ربط لما هو قائم في نفس الطالب من الصفة النفسية بما هو المنشأ بالصيغة. نعم إن ما ينشأ بالصيغة هو مصداق الطلب في قبال مفهوم الطلب الذي هو اسمي ، وهذا هو محل الخلط بين المفهوم والمصداق ، وأما ما يكون من الطلب قائما بنفس الطالب فهو أمر آخر غير ما ينشأ ويوجد بالصيغة وغير ذلك المفهوم الكلي ، فراجع وتأمل.

قوله : ثم إنّه لو كان لأحد الدليلين إطلاق دون الآخر ، فيتمسك به لنفي كلا التقييدين أحدهما بالمطابقة والآخر بالملازمة ... الخ (٢).

مثلا لو جرت أصالة الاطلاق في ناحية المادة المأمور بها نفسيا أعني الصلاة مثلا وحكمنا بأنّ الصلاة غير مقيدة بالغسل ، كان لازم هذا الاطلاق هو كون الوجوب الوارد على الغسل وجوبا نفسيا ، وهذا واضح بعد الفراغ عن كون أصالة الاطلاق من قبيل الأمارات التي يترتب عليها لازمها. أما العكس بأن ثبت الاطلاق في ناحية وجوب الغسل ولم يثبت في ناحية

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٨ ـ ١٠٩.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

١٥٨

المادة في وجوب الصلاة ، فلا يكون إطلاق الأمر بالغسل إلاّ نافيا كونه غيريا ومعينا لكونه نفسيا.

لكن هذا أعني ثبوت وجوب الغسل نفسيا لا يلزمه عدم تقيد الصلاة به ، لامكان كونه قيدا فيها مع فرض كونه واجبا نفسيا ، فلا ملازمة بين كون وجوب الغسل نفسيا وبين كون الصلاة غير مقيدة به ، لامكان أن يجتمع في الغسل كلا المطلبين أعني كونه واجبا نفسيا وكونه مقدمة للصلاة أيضا لكونه شرطا فيها ، كما في صلاة الظهر بالنسبة إلى صلاة العصر.

اللهم إلاّ أن يقال : إنا نعلم من الخارج أنه ليس للغسل ملاكان أو وجوبان بل ليس في البين إلاّ مطلب واحد ، وهو هذا الذي تضمنه قوله اغتسل ، المردد بين النفسية والغيرية ، وأنه على الأول أعني النفسية نقطع من الخارج أنه ليس بشرط في الصلاة ، فبناء على هذا الفرض يكون عدم تقييد الصلاة بالغسل ملازما لكون وجوبه نفسيا ، فاذا ثبت كون وجوبه نفسيا باطلاق الهيئة في اغتسل دل ذلك بالملازمة على إطلاق الصلاة وأنها غير مقيدة بالغسل.

لكن هذه ملازمة اتفاقية يشكل الحكم فيها بترتب اللازم على الأصل اللفظي العقلائي ، فانّ العقلاء إنما يرتبون اللوازم على مجاري الاصول اللفظية فيما لو كان اللزوم واضحا بينا لا فيما إذا كان اتفاقيا ناشئا عن المصادفات الاتفاقية. ولو تم الاطلاق من الجانبين توافقا ولزم العمل بهما.

ولا يخفى أن الاطلاق من الجهة الاولى أعني مادة الواجب النفسي إنما ينفع في نفي الوجوب الغيري عمّا يحتمل وجوبه الغيري فيما لو كان وجوبه الغيري من جهة احتمال كونه قيدا في المأمور به النفسي ، دون ما لو

١٥٩

كان احتمال وجوبه الغيري ناشئا عن كونه مقدمة عادية لواجب نفسي آخر.

تنبيه وتكميل :

لا يخفى أن الشيخ قدس‌سره في التقريرات بعد أن برهن على عدم إمكان تقييد الطلب بما قدّمنا (١) نقله من أن هيئة الأمر موضوعة لخصوصيات الطلب المنقدحة في نفس الطالب باعتبار دواعيها التي تدعو إليها ولا تختلف تلك الأفراد باختلاف الدواعي اختلافا يرجع إلى اختلاف الطلب نوعا ، إلى آخر ما نقله عنه في الكفاية من اتصاف الفعل بالمطلوبية بواسطة واقع الطلب لا بواسطة مفهوم الطلب ، قال : نعم يصح التمسك بالاطلاق من جهة المادة حيث إن المطلوب لو كان هو الفعل على وجه يكون شرطا للغير يجب التنبيه عليه من المتكلم الحكيم ، وحيث ليس ما يصلح أن يكون بيانا فيجب الأخذ بالاطلاق ، ويحكم بأن الواجب نفسي غير منوط بالغير على وجه لو فرض امتناع الغير يجب الاتيان به مع إمكانه انتهى (٢).

ولم أتوفق لمعرفة الوجه في التمسك باطلاق المادة من قوله اغتسل على كون الوجوب نفسيا ، إذ بعد فرض منع التمسك باطلاق الهيئة كيف يقال إنه يجب على الحكيم بيان أن الواجب نفسي غير منوط بالغير.

ولعله قدس‌سره يريد أنه لو كان الوجوب غيريا لكان ذلك الوجوب مشروطا بوجوب ذلك الغير ، فيكون حاله حال الوجوب المشروط في كون القيد راجعا إلى المادة من حيث تعلق الطلب بها ، فيتمسك باطلاق المادة

__________________

(١) في صفحة : ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٢) مطارح الأنظار ١ : ٣٣٣.

١٦٠