اتحاف الفقهاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقرّاء

المؤلف:

الميرزا محسن آل عصفور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة العزيزي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٤

او لكثرة مباشرته لها ثم اسندوا الرواية عن كل واحد منهم الى اثنين لتجردهما لروايتها وعدم تجرد غيرهما اذ فيه المنع من حصول اليقين ينقلهم سيّما مع مخالفةالمذهب مع هن وهن مع انه ليس الكلام في المشترك بل الخصوص وبلوغ القارين لكل واحدة منها حد التواتر اول الكلام هذا كله مضافاً الى ما اورده الرازي عليهم من انه اذا كانت تلك القراءات متواترة وخير الله المكلفين بينها فترجيح بعضها على بعض موجب للفسق مع انك ترى ان كل واحد من هؤلاء القراء مختص بنوع معين من القراءة ويحمل الناس عليه ويمنعهم عن غيره ... الخ (١)

٢ ـ ما نمقته يراعه المحقق النجفي في جواهر الكلام حيث قال : منع التواتر او فائدته اذ لو أريد به الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان فيه ان ثبوت ذلك بالنسبة الينا عن طريق العلم مفقود قطعاً بل لعل المعلوم عندنا خلافة ضرورة معروفية مذهبنا بأن القرآن نز بحرف واحد على نبي واحد والاختلاف فيه من الرواة كما اعترف به غير واحد من الاساطين ... (٢)

وبالجملة من انكر التواتر منا ومن القوم خلق كثير بل ربما نسب الى اكثر قدمائهم تجويز العمل بها وبغيرها لعدم تواترها (٣) ... كما انه من المستبعد ايضاً توتر الحركات والسكنات مثلاً في الفاتحة وغيرها من سور القرآن ولم يتواتر اليهم ان البسملة آية منها ومن كل سورة عدا براءة وأنه يجب قراءتها معها سيما والفاتحة باعتبار وجوب قراءتها في الصلاة تتوفر الدواعي الى معرفة ذلك فيها.

فقول القراء حينئذ بخروج البسامل من القرآن كقولهم بخروج المعوذتين منه أقوى شاهد على ان قرائتهم مذهب لهم لا انه قد تواتر اليهم ذلك والمشهور بين اصحابنا بل لا خلاف فيه بينهم كما عن المعتبر كونها آية من الفاتحة بل عن المنتهى

__________________

(١) نفس المصدر السابق ص ١١٥.

(٢) جواهر الكلام ج ٩ ص ٩٤٣.

(٣) نفس المصدر السابق ص ٢٩٥.

٦١

انه مذهب أهل البيت بل النصوص مستفيضة فيه ان لم تكن متواترة كالاجماعات على ذلك بل وعلى جزئيتها من كل سورة (١) ... واغرب منها القول بان عدم تواترها يقضى بعدم تواتر بعض القرآن اذ هو مع انه مبني على كونها من القرآن ليس شيئاً واضح البطلان.

ضرورة كون الثابت عندنا تواتره من القرآن موارد الكلمات وجواهرها التي تختلف الخطوط ومعاني المفردات بها لا غيرها من حركات (حيث) مثلاً ونحوها مما هو جائز بحسب اللغة وجرت العادة بايكال الامر فيه القياسات اللغوية من غير ضبط لخصوص ما يقع من اتفاق التلفظ به من الحركات الخاصة ... اذ دعوى حصول القطع به (أي بالتواتر المزعوم عنهم) من امثال ذلك مكابرة واضحة كدعوى كفاية الظن في حرمة التعدي عنه الى غيره مما هو جائز وموافق للنهج العربي وانه متى خالف بطلت صلاته اذ لا دليل على ذلك (٢) ... ودعوى ارادة القراءات السبعة في حركات المباني من الاعراب في عبارات الأصحاب لا دليل عليها نعم وقع ذلك التعيين في كلام بعض متأخري المتأخرين من أصحابنا.

وظني انه وهم محض كالمحكي عن الكفاية عن بعضهم من القول بوجوب مراعاة جميع الصفات المعتبرة عند القراء ... بل لو ان مثل تلك الامور مع عدم اقتضاء اللسان لها من اللوازم لنادى بها الخطباء وكرر ذكرها العلماء .. ولأكثروا السؤال في ذلك للائمة الامناء ولتواتر النقل لتوفر دواعيه والاستدلال على الدعوى المزبورة بتلك الاخبار يدفعه ظهور تلك النصوص في ارادة عدم قراءة القرآن بخلاف ما هو عليها من الاشياء التي ورد في النصوص حذفهم لها او تحريفها لامثل الهيئات الموفقة للنهج العربي (٣).

__________________

(١) نفس المصدر السابق ص ٢٩٦.

(٢) نفس المصدر السابق ص ٢٩٧.

(٣) نفس المصدر السابق ص ٢٩٩.

٦٢

٣ ـ ما ذكره الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه بقوله : ان دعوى تواتر جميع القراءات السبعة او العشرة بجميع خصوصياتها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمتتضمن مفاسد ومناقضات لا يمكن توجيهها وقد تصدى جملة من القدماء والمتأخرين لايضاح ما فيها من المفاسد لا يهمنا الاطالة في اليرادها. ثم نقل كلام الشهيد الثاني المتقدم ذكره وذيله بقوله : اذ كيف يعقل ذلك بعد فرض كون القرآن واحداً بالشخص ومباينة بعض القراءات مع بعض في ذات.

فالذي يغلب على الظن ان عمدة الاختلاف بين القراء نشأ من الاجتهاد والرأي والاختلاف في قراءة المصاحف العثمانية العارية عن الاعراب والنقط مع ما فيها من التباس بعض الكلمات ببعض بحسب رسم خطه كملك ومالك ولذا اشتهر عنهم ان كلا منهم كان يخطئ الآخر ولا يجوز الرجوع الى الآخر.

نعم لا ننكر ان القراء يسندون قراءاتهم الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وان الاختلاف قد ينشأ من ذلك فانه نقل ان عاصم الكوفي قرأ القراءة على جماعة منهم ابو عبد الرحمن وهو اخذها من مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام وهو من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وان حمزة اخذها من جماعة منهم مولانا الصادق عليه‌السلام وهم يوصلون سندها الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهكذا سائر القراء ولكن لا تعويل على هذا الاسانيد فضلا عن صيرورة القراءات بها متواترة خصوصا بعد أن ترى انهم كثيراً ما يعدون القرءات قسيماً لقراءة علي واهل البيت عليهم‌السلام.

ثم قال : قال بعض الافاضل انه يظهر من جماعة ان اصحاب الاراء في القراءت كانوا كثيرة وكان دأب الناس انه اذا جاء قار جديد اخذوا بقوله وتركوا قراءة من تقدمه نظراً الى ان كل قار لا حق كان ينكر سابقه ثم بعد مدة رجعوا عن هذه الطريقة فبعضهم يأخذ قول بعض المتقدمين وبعضهم يأخذ قول الآخر فحصل بينهم اختلاف شديد ثم عادوا واتفقوا على الأخذ بقول السبعة. (١)

__________________

(١) مصباح الفقيه ج ٢ كتاب الصلاة ص ٣٧٤ ـ ٢٧٥ ط طهران حجري.

٦٣

٤ ـ ما أفاده جمع من الاعلام في تزييف دعوى الشهيد الاول بل العلامة الحلي بطريق أولى :

فمن ذلك ما ذكره المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد :

« وأورد عليه ان المقرر في الاصول اشتراط التواتر فيما يقرأ قرآناً ومجرد نقل واحد (ويقصد به الشهيد الأول) ولو كان عدلا لا يفيد حصول التواتر ... (١)

(وثانيه) ما افاده المقدس الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان بقوله : ولا يفكفي شهادة مثل الشهيد لاشتراط التواتر في القرآن الذي يجب ثبوته بالعلم ولا يكفي في ثبوته الظن والخبر الواحد ونحوه كما ثبت في الاصول فلا يقاس بقبول الاجماع بنقله لأنّه يقبل فيه قول الواحد وكيف يقبل ذلك مع انه لو نقل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك لم يثبت فقول المحقق الثاني انه يجزي ما فوق السبع الى العشرة لشهادة الشهيد بالتواتر وهو كاف لعدالته واخباره بثبوته كنقل الاجماع غير واضح نعم يجوز له (اي للشهيد) ذلك (اي ادعاء التواتر) اذا كان ثابتاً عنده بطريق علمي وهو واضح .. (٢).

اقول : اراد بقوله الأخير وهو واضح اي واضح البطلان من جهة الثبوت.

(وثالثه) ما اجاب عنه المحقق البروجردي في تفسيره بقوله :

ما حكاه في المدارك عن جده عن بعض محققي القراء انه افراد كتاباً في ذلك فلعمري ان الحكاية لا يثبت بها تواتر الرواية وانما هو بالنسبة الينا بل اليه خبر واحد فمن الغريب الركون الى مثله في دعوى التواتر فضلاً عن دعوى تواتر الثلاثة كمال العشرة كما سمعت في الذكرى .. (٣).

(ورابعه) ما اجب به عن كلام الشيخ علي الذي سطره في جامع مقاصده

__________________

(١) ذخيرة المعاد في شرح الارشاد ص ٢٧٣ ط قم مؤسسة اهل البيت ( : ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ج ٢ ص ٢١٧ ـ ٢١٨ ط جامعة مدرسين.

(٣) تفسير الصراط المستقيم ج ٣ ص ١١٦ ط بيروت مؤسسة الوفاد.

٦٤

المتقدم نقله بقوله : اذ في كل من المقيس والمقيس عليه نظر واضح على انه لا يثبت به التواتر ولعله لهذه الجهة وغيرها انكر كثير من المتأخرين تواتر السبعة فضلا عن غيرها ونسبة في القوانين الى جماعة من اصحابنا .. (١).

(وخامسه) ما استطرفه المحدث الخبير والفاضل التحرير السيد نعمة الله الجزائري في منبع الحياة بعد انكاره لتواتر تلك القراءات حيث قال قدس سره ما نصه : فقد وافقنا عليها سيدنا الجل علي بن طاووس طاب ثراه في مواضع من كتاب سعد السعود وغيره وصاحب الكشاف عند تفسير قوله تعالى : وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركائهم » ونجم الائمة الرضي في موضعين من شرح الرسالة (أحدهما) عند قوله ابن الحاجب واذا عطف على الضمير المجرور اعيد الخافض وبسط الكلام في هذين المقامين محال على مثل ما تقدم وهذا هو الكلام في رد ما ادعوه من تواتر الاحاديث.

وأما قولهم بافادتها القطع واليقين فيرد عليه امور : منها ما روى بالاسانيد الكثيرة عن الرضا عليه‌السلام انه قال من رد متشابه القرآن الى محكمه فقد هدى ثم قل عليه‌السلام : ان في اخبارنا حكماً كمحكم القرآن ومتشابهاً كتمشابه القرآن فردوا متشابهها الى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا ولا ريب انه القرآن كما قال علماء الاسلام قطعي المتن ظني الدلالة فاين حصول القطع بما اشتمل على الفردين المحكم والمتشابه.

ومنها ما رواه الصدوق طاب ثراه في معاني الاخبار باسناده الى داود بن فرقد قال سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول انتم افقه الناس اذا عرفتم معاني كلامنا ان الكلمة لتصرف على وجوه فلو شاء انسان لصرفه كلامه كيف شاء ولا يكذب ثم أضاف قائلاً : أقول من مارس الاحاديث يعرف هذا المعنى المراد منها فاذا كانت الكلمة تصرف على وجوه فكيف يقطع على المعنى المراد منها نعم يتفاوت الحال

__________________

(١) تفسير الصراط المستقيم ج ٣ ص ١١٦ ـ ١١٧.

٦٥

في الظهور والخفاء ومدار الاستدلال على ظواهر النصوص كما نص عليه علماء الاسلام ... (١).

أقول : والمحقق في علم الأصول ان التعارض موجب للتساقط للتنافر والتكاذب المتحقق بين تكلم الشهادتين شهادة الشهيد الأول او العلامة الحلي وشهادة السيد ابن طاووس وذلك نظير ما ذكر من الشواهد والأمثلة في المسألة.

(وسادسه) ما حكاه العاملي في مفتاح الكرامة عن استاذه البهبهاني في حاشية له على المدارك راداً على الشهيد الثاني ما نصه : لا يخفى ان القراءة عندنا نزلت بحرف واحد من عند الواحد والاختلاف جاء من قبل الرواية فالمراد بالمتواتر ما تواتر صحة قراءته في زمان الائمة عليهم‌السلام بحيث كانوا يجوزون ارتكابه في الصلاة وغيرها لانهم عليهم‌السلام كانوا راضين بقراءة القرآن على ما هو عند الناس بل ربما كانوا يمنعون من قراءة الحق ويقولون هي مخصوصة بزمان ظهور القائم عجل الله فرجه ... (٢).

(وسابعه) ماأفاده وسطره المحقق البحراني في حدائقه الناضرة حيث قال قدس اله سره وطيب رمسه ما نصه بعد الاشارة الى دعوى التواتر :

(أولا) ان هذا التواتر المدعي ان ثبت فانما هو من طريق العامة الذي هم النقلة لتلك القراءات والرواة لها في جميع الطبقات وانما تلقاها غيرهم عنهم واخذوا منهم وثبوت الاحكام الشرعية بنقلهم وان ادعوا تواتره لا يخفى ما فيه.

(وثانياً) ما ذكره الامام الرازي في تفسيره الكبيرة حيث قال على ما نقله بعض محدثي اصحابنا رضوان الله عليهم : اتفق الاكثرون على ان القراءات المشهورة منقولة بالتواتر وان الله خير المكلفين بين هذه القراءات فان كان كذلك كان ترجيح

__________________

(١) منبع الحياة وحجية قول المجتهد من الاموات ص ٧١ ـ ٧٢ ـ ط بيروت مؤسسة الاعلمي.

(٢) مفتاج الكرامة ج ٢ ص ٣٩٣.

٦٦

بعضها على بعض واقعاً على خلاف الحكم الثابت بالتواتر فوجب ان يكون الذاهبون الى ترجيح البعض على البعض مستوجبين للفسق ان لم يلزمهم الكفر كما ترى ان كل واحد من هؤلاء القراء يختص بنوع معين من القراءة ويحمل الناس عليه ويمنعهم من غيره وان قلنا بعدم التواتر بل ثبوتها من طرق الآحاد فحينئذ يخرج القرآن عن كونه مفيداً للجزن والقطع وذلك باطل قطعاً.

والجواب عن ذلك بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني الذي هو احد المشيدين لهذه المباني وهو ما اشار اليه سبطه هنا من انه ليس المراد بتواترها ان كل وما ورد متواتر بل المراد انحصار المتواتر الآن من القرءات فان بعض ما نقل عن السبعة شاذ فضلا عن غيرهم كما حققه جماعة من هل هذا الشأن انتهى منظور فيه من وجهين :

(أحدهما) ما ذكره سبطه في الجواب عن ذلك من ان المتواتر لا يشتبه بغيره كما يشهد به الوجدان فلو كان بعضها متواتراً كما ادعاه لصار معلوماً على حده لا يشتبه ما هو شاذ نادر كما ذكره والحال ان الأمر ليس كذلك.

(وثانيهما) ما ذكره في شرح الالفية مما قدمنا نقله عنه فان ظاهره كون جميع تلك القراءات مما ثبت عن الله عزوجل بطريق واحد وهو ما ادعوه من التواتر وبالجملة فانه لو كان هنا شيء متواتر من هذه القراءات في الصدر الأول أعني زمن اولئك القراء او كلها متواترة لم يجز هذا التعصب الذي ذكره الرازي بين اولئك القراء في حمل كل منهم على قراءاته والمنع من متابعة غيره ...

(وثالثاً) وهو العمدة ان الوراد في أخبارنا يدفع ما ذكروه فروى ثقة الاسلام في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : ان القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن اختلاف يجيء من قبل الرواة ... (١).

ــــــــــــــــــ

(١) الحدائق الناضرة ج ٨ ص ٩٧ ـ ٩٨.

٦٧

أقوال فقهاء الامامية فيما ينبغي الاخذ به

من القراءات القرآنية

انقسم علماء المسلمين من الفريقين الخاصة والعامة فيما بينهم ف مسألة ما يبنغي الاخذ به من القراءات لقراءة القرآن وبالخصوص في مواضع الابتلاء كالصلاة التي هي عمود الدين على أقوال متعددة وقد وافق جمع من علمائنا على تصحيح دعوى التواتر للقراءت السبع أو العشر عملا بما صرح به مدعيها من أهل السنة بينما خالف آخرون على ما قدمنا الاشارة له فيما تقدم ذكره.

وسيأتي مزيد منه في هذا الموضع ولا ريب في ان كلا من منحيهما عى ما هما عليه من التعارض الذي يوجب التباين في البين الاّ انه قد اتفقت مقالتهم والتأمت عباراتهم في شأن جواز القراءة بها مع غض النظر عن ثبوت التواتر وعدمه باستثناء القول ما قبل الأخير من الاقوال التي سيأتي ذكرها ههنا وكيف كان فالمستفاد من عباراتهم في الباب ان لهم عشرين قولا :

( القول الأول)

جواز القراءة بكل نحو ورد عن أي قارئ صح اقراؤه من قراء الصدر الاول من دون حصر في عدد معين خصوصاً وان هناك قراءات تواترت عن جملة من خيار الصحابة فضلا عن صالحي التابعين ممن اجمعت طوائف المسلمين على تشتت مناهجها وتباعد طرائقها على فضلهم وسابقتهم وطول باعهم في علوم القرآن.

وهو مختار قدماء علماء الشيعة الامامية والمشهور بينهم قديما صرح بذلك شيخ الطائفة وزعيم المذهب ورئيس الفرقة الحقة في عصره الشيخ الطوسي في تفسيره التبيان بقوله :

اعلموا أن العرف في مذهب اصحابنا والشائع من اخبارهم ورواياتهم أن

٦٨

القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد غير انهم اجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القراء وان الانسان مخير بأي قراءة شاء وقرأ وكرهوا تجريد قراءة بعينها بل اجازوا القراءة بالمجاز الذي يجوز بين لاقراء ولم يبلغوا بذلك حد التحريم والحظر انتهى كلامه طاب ثراه.

وبمثله صرح أمين الاسلام الشيخ ابو علي الطبرسي في تفسيره مجمع البيان بقوله : الظاهر من مذهب الامامية انهم اجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القراء بينهم من القراءات الا انهم اختاروا القراءة بما جاز بين القراء وكرهوا تجريد قراءة منفردة والشائع في أخبارهم ان القرآن نزل بحرف واحد (١).

وقد نجح الى هذا القول جمع من علماء متأخري العامة منهم محمد ابن محمد الجزري في كتاب النشر في القراءات العشر بقوله : كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه وافقت المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن السبعة ام العشرة ام غيرهم ومتى اختل ركن من هذه الاركان الثلاثة اطلق عليها انها ضعيفة او شاذة او باطلة سواء كانت من السبعة ام عمن هو اكبر منهم هذا هو الصحيح عند أهل التحقيق من السلف و الخلف ..

(القول الثاني)

ان الصحيح المجزي قراءته هو ما وافق العربية مطلقاً بأي نحو يصدق معه موافقة أصول اللغة العربية وقواعدها بما لا يغير معنى يعد اصلاً ومبنى ولا يعد ضرباً من التحريف.

وهو مذهب جماعة من قدماء فقهائنا منهم ابن البراج في مهذبه حيث قال عنده عده لواجبات الصلاة : « والقراءة باللسان العربي » (٢).

__________________

(١) مجمع البيان في تفسير القرآن ج ١ ص ٢٢ ط ١ صيدا ـ لبنان.

(٢) المهذب لابن البراج ج ١ ص ٩٧ ط قم جامعه مدرسين.

٦٩

ومنهم ابو الصلاح الحلبي في كتابه الموسوم بالكافي في الفقه حيث قال :

من حق القراءة ان تكون بلسان العرب المعرب فان عبر عن القرآن بغير العربية أو لحن في قراءته عن قصد بطلب صلاته وان كان ساهياً فعلهي سجدتا السهو (١).

ومنهم ابن حمزة في الوسيلة لظاهر قوله في واجبات القراءة :

ووضع الحروف مواضعها مع الاماكن في القراءة (٢).

حيث يستفاد منه ارادة شمول مراعاة الوضع لوضع الرحوف البنائي ووضع الحروف الاعرابي المحلي والظاهري وفي قوله (مع الامكان) أي اذا كان بامكانه ضبط ذلك وله القدرة عليه وعلى تعلمه اما اذا كانت به علة او مانع في لسانه وفي جهاز نطقه او نحو ذلك فيشمله (اذا سلب ما وهب سقط ما وجب).

وهو ظاهر المحقق الحلي نجم الدين ابي القاسم جعفر بن الحسن (ت ٦٧٦ هـ) في مختصره النافع وزاد عليه في معتبره بقوله وعليه علماؤنا أجمع (٣) والذي يلوح من جملة شروح مختصر المحقق الحلي اختياره.

ككشف الرموز (٤) للفاضل الآبي (ت ٦٧٦ هـ) والتنقيح الرائع (٥) لجمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلي (ت ٨٢٦ هـ) والمهذب البارع (٦) للعلامة الشيخ احمد بن فهد الحلي (ت ٨٤١ هـ) وكنز المسائل والمآخذ (٧) للشيخ

__________________

(١) الكافي في الفقه ص ١١٨ ط اصفهان مكتبة امير المؤمنين (٧).

(٢) الوسيلة ص ٩٣ ط قم.

(٣) المعتبر في شرح المختصر ص ١٧٢.

(٤) كشف الرموز ج ١ ص ١٥٢ ط قم جامعة مدرسين.

(٥) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ج ١ ص ١٩٦ ط قم مكتبة السيد المرعشي.

(٦) المهذب البارع في شرح المختصر النافع ج ١ ص ٣٦٣ ـ ٣٦٤ ط قم جامعة مدرسين.

(٧) كنز المسائل والمأخذ في شرح المختصر النافع ج ١ ص ٢١٦ من نسخة خطية.

٧٠

عبد الله التستري البحراني (ت أواخر القرن الثاني عشر الهجري).

بل هو ظاهر الفاضل الهندي المحقق البارع بهاء الدين محمد بن الحسن الاصفهاني في كتابه كشف اللثام (١).

(القول الثالث)

وجوب القرءاة بما يتداوله الناس واشتهر عندهم الموافق القواعد اللغة العربية لكن لاعلى جهة الاطلاق بل بملاك صدق عنوان حكم العرف العام عليه (المسامحة العرفية) يكونه تالياً وحاكياً عما يقرأ لا بملاك انطباق حكم الدقة العلمية الخاضعة لقوانين أهل الاقراء واقيستهم الموجبة للعسر والحرج.

وهو ظاهر ما افاده العلامة السيد محمود الطباطبائي في كتابه الموسوم بالمواهب السنية في شرح منظومة الفقه للسيد بحر العلوم المسماة بالدرة النجفية حيث قال ما نصه :

ولا يجب مراعاة جميع ما اعتبروه القراء من الدقائق وان كانت من محسناتها بل المعتبر ما يتميز به الحروف بحيث لو اطلع أهل اللسان يقول تلفظ بهذا الحرف والمعتبر في مخارج الحروف هو الطبيعي العرفي لا أزيد وان اعتبره القراء للأصل والاطلاق .. (واعرب الكلم) على ما يقتضيه قواعد الأدب ولغة العرب وكل ما في علمي النحو والصرف من قواعد الاعراب والبناء والصحة الاعتلال للكلم (وجب فواب) للزوم التكلم على طبق لسان العرب كما عرفت فمع الاخلال به بطلت الصلاة سواء كان مما يغير المعنى كضم تاء انعمت مثلاً أو لا ككسر الدال وضم الهاء في (الحمد لله).

وفي الشوارح : (٢) في جملة كلام له : والحق انه ان كان الواجب عندهم

__________________

(١) كشف اللثام في شرح قواعد الاحكام للعلامة الحلي ج ١ ص ٢١٥ ط طهران.

(٢) اسم كتاب

٧١

مما وجب لغة نحواً أو صرفاً فهو واجب ومستنده واضح (ويستحب المستحب) في قواعد العلمين لأنهم أهل اللسان والمخبرون عنهم ويشكل اطلاق متابعتهم فانهم جوزوا قطع نعت المجرور بالنصب بتقدير اعنى أو بالرفع بتقدير المبتدأ كما في (الحمد لله رب العالمين) ولا يخالف قواعدهم ولكن يخالف قراءة الكسرة المشهورة والأحوط في مثله الترك وان جوزوه (١).

ويعضده ما افاده المولى محمد تقي المجلسي (ره) والد صاحب البحار في المحكي عنه في غير موضع :

ان هذه الوقوف (اي اقسام الوقوف وانواعها التي ذكرها القراء) انما وصفوا على حسب ما فهموه من تفاسير الآيات وقد وردت الأخبار الكثيرة في ان معاني القرآن لا يفهمه الا أهل البيت عليهم‌السلام الذين نزل بهم القرآن ويشهد له انا نرى كثيراً من الآيات كتبوا فيها نوعاً من الوقف بناءاً على ما فهموه ووردت الاخبار المستفيضة بخلاف ذلك المعنى كما انهم كتبوا الوقف اللازم في قوله سبحانه : (وما يعلم تأويله الا الله) اخرى بخلاله لزعمهم ان الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله المتشابهات.

وقد وردت الاخبار المستفيضة في ان الراسخين هم الائمة عليهم‌السلام وهم يعلمون تأويلها من ان المتأخرين من مفسري العامة والخاصة رجحوا في كثير من الآيات تفاسير لا توافق ما اصطلحوا عليه في الوقف ولعل الجمع بين المعنيين لورود الاخبار على الوجهين وتعميمهم بحيث ينقطع الكلام ويتبدد النظام فيكره او يصل الى حد يخرج عن كونه قارئاً فيحرم على المشهور أولى واظهر تكثيراً للفائدة ورعاية لتفاسير العلماء واللغويين واخبار الائمة.

__________________

(١) المواهب السنية ج ٣ ص ٤٨٠ ط ايرن هجري.

٧٢

(القول الرابع)

ما حكى عن علم الهدى السيد المرتضى عن بعض رسائله انه افتى بجواز اللحن في الاعراب في قراءة القرآن في الصلاة الذي لا يغير المعنى به.

قال المحقق السبزواري في ذخيرة المعاد بعد حكايته عنه : لعل السيد نظر الى أنّ من قرأ الفاتحة على هذا الوجه يصدق عليه المسمى عرفاً والظاهر انّ امثال تلك التغيرات مما يقع التسامح فيه والتساهل في الاطلاقات العرفية فالاطلاق العرفي مستند الى التساهل في العبارة والتأدية لا أنه يصدق اللفظ حقيقة (١).

أقول : وهو قول شاذ لم يصرح به غيره من علماء الطائفة واجلاء الفرقة بل الشهرة والاجماع منعقد ان على خلافه وقد اتّهم السيد علي صاحب الرياض المرتضى بأنه افتى بذلك تبعاً لبعض العامة العمياء (٢) وفي المعتبر نسبه المحقق الى بعض الجمهور منهم (٣).

(القول الخامس)

جواز القراءة بكافة القراءات سليمها وشاذّها مع الاحتياط على جهة الاستحباب بالتزام القراءات السبع بل اولوية القراءة بما وافق النهج العربي بأي نحو اتفق :

وقد جنح اليه أفضل مجتهدي متأخري المتأخرين السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي في العروة الوثقى بقوله :

__________________

(١) ذخيرة المعاد في شرح الارشاد ص ٢٧٣ ط قم مؤسسة أهل البيت ( : ).

(٢) رياض المسائل ص ١٥٨ ط قم مؤسسة أهل البيت ( : ).

(٣) المعتبر ص ١٧٢ ط ايران حجري.

٧٣

الأحوط القراءة باحدى القراءات السبع وأن كان الأقوى عدم وجوها بل يكفي القراءة على النهج العربي وان كانت مخالفة (أي القراءة المقرؤة طبقاً لقواعد اللغة) لهم في حركة بنية او أعراب .. (١).

(القول السادس)

حصر القراءات بالسبع المشهورة لتوترها ولثبوت الأمر بها بحديث نزل القرآن على سبعة أحرف فلا يجوز تعديها والقراءة بغيرها بأي حال وان توفرت الدواعي والقرائن على تواترها غيرها يقيناً.

ونسبة المحدث البارع السيد نعمة الله الجزائري في منبع الحياة الى معظم المجتهدين من فقهاء الاماميّة وقال بعده :

فأنهم حكموا بتواترها القراءات السبع وبجواز القراءة بكل واحدة منها في الصلاة وقالوا ان الكل مما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلموربما استندوا عليه بما روى من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله نزل القرآن على سبعة أحرف ففسروها بالقراءات مع انه ورد في الأخبار عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام رد هذا الخبر وان القرآن نزل على حرف واحد .. (٢).

وقال المحقق المتتبع السيد محمد جواد العاملي في مفتاح الكرامة :

قال اكثر علمائنا يجب ان يقرأ بالمتواتر وهي السبع وفي جامع المقاصد : الاجماع على تواترها وكذا الغرية وفي الروض : اجماع العلماء وفي مجمع البرهان نفى الخلاف في ذلك وقد نعتت بالتواتر في الكتب الأصولية والفقهية كالمنتهى والتحرير والتذكرة والذكرى والموجز الحاوي وكشف الالتباس والمقاصد العليّة والمدارك وغيرها وقد نقل جماعة حكاية الاجماع على تواترها

__________________

(١) العروة الوثقى ط بيروت بتعليقة زين الدين ج ١ ص ٤٣٤.

(٢) منبع الحياة ص ٧١ ط بيروت مؤسسة الاعلمي.

٧٤

عن جماعة وفي رسم المصاحف بها وتدوين الكتب لها حتى انها معدودة حرفاً فحرفاً وحركة فحركة مما يدل على ان تواترها مقطوع به كما اشار الى ذلك في مجمع البرهان.

والعادة نقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن من اجزائه والفاظه وحركاته وسكناته ووضعه في محله لتوفر الدواعي على نقله من المقر كونه اصلا لجميع الاحكام والمنكر لابطال كونه معجزاً فلا يعبأ بخلاف من خالف أوشك في المقام (١).

وقال العلامة الحلي في تحرير الاحكام : يجب ان يقرأ بالمتواتر فلو قرأ بمصحف ابن مسعود بطلت صلاته (ثم أردفها بقوله) : يجوز ان يقرأ بأي قراءة شاء من القراءات السبع ولا يجوز ان يقرأ بغيرها وان اتصلت روايته (٢).

وقال ايضاً في تذكرة الفقهاء : يجب ان يقرأ بالمتواتر من القراءات وهي السبعة ولا يجوز أن يقرأ بالشواذ ولا بالعشر وجوّز أحمد قراءة العشرة ولكره قراءة حمزة والكسائي من السبعة لما فيها من التكثر والادغام ويجب ان يقرأ بالمتواتر من الآيات وهو ما تضمنه مصحف علي عليه‌السلام لآن اكثر الصحابة اتفقوا عليه وحرق عثمان ما عداه ولا يجوز ان يقرأ مصحف ابن مسعود ولا أبى ولا غيرهما وعن احمد رواية بالجواز اذا اتصلت بالرواية وهو غلط لن غير المتواتر ليس بقرآن (٣).

أقول وهو مختار الشريف الرضي على ما يظهر من كلامه في كتاب حقائق التأويل في متشابه التنزيل حيث قال ما لفظه : وقرأنا لعبد الله بن عامر ولابي بكر بن عياش عن عاصم (والله اعلم بما وضعت) بضم التاء ولبقية السبعة بتسكينها .. (٤)

__________________

(١) مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة ج ٢ ص ٣٩٠ ط مصر مطبعة مفتاح الكرامة.

(٢) تحرير الاحكام ص ٣٨ ط قم مؤسسة أهل البيت ( : ).

(٣) تذكرة الفقهاء ج ١ ص ١١٥ ـ ١١٦ ط طهران المكتبة المرتضوية.

(٤) حقائق التأويل ج ٥ ص ٨٧ ط بيروت دار المهاجر.

٧٥

(القول السابع)

حصر القراءات بالسبع لثبوت تواترها من ناحية جوهريتها اما ما يتعلّق بأحكامها الادائية فلا ينبغي العمل بما تضمنته.

وهو مختار الشيخ البهائي على ما يظهر من صريح كلامه في كتاب الزبدة حيث قال : والسبع متواترة ان كانت جوهرية كملك ومالك وأمّا الأدائية كالمد والامالة فلا.

وفي محكى تفسير الصراط المستقيم ان الفاضل المازندراني قال في شرحها في تعليل الأول أن كلاّ من القراءتين قرآن فلابد ان يكون متواتراً والالزم ان يكون بعض القرآن غير متواتر وهو باطل وكأنه اشار به الى ما حققوه في موضع آخر من انه لابد ان يكون القرآن متواتراً وان ما ليس بمتواتر فليس بقرآن نظراً الى توفر الدواعي على نقله للمقرين باعجاز الخصم وقهره وللمنكرين بارادة التحدي لابطال كونه معجزاً ولانه أهل لجميع الاحكام علميّاً كان او عملياً وكلما كان كذلك فالعادة تقضى بالتواتر في تفاصيله من أجزائه والفاظه وحركاته وسكناته ... (١).

(القول الثامن)

حصر القراءات بالسبع لا لثبوت تواترها بل لشمول الأمر لها في زمن الغيبة على جهة التقية وهو ظاهر عبارة المحقق البحراني الشيخ يوسف في رسالته الصلاتية الصغرى حيث صرّح فيها مقتصراً على السبعة بقوله : (ويجب القراءة بأحد القراءات السبع) (٢)

__________________

(١) تفسير الصراط المستقيم ج ٣ ص ١١٢ ط بيروت مؤسسة الوفاء.

(٢) الرسالة الصلاتية ص ٥٥ ط بيروت دار الزهراء.

٧٦

(القول التاسع)

استحسان بعض القراءات السبع تخصيصاً.

وهو صريح عبارة العلامة الحلي في كتاب منتهى المطلب حيث قال أحب القرآن الى ما قرأه العاصم من طريق ابي بكر بن عياش وقراءة أبي عمر بن العلافانهما أولى من قراءة حمزة والكسائي لما فيهما من الادغام والامالة وزيادة المد وذلك كله تكلّف ولو قرأ به صحت صلاته بلا خلاف .. (١).

(القول العاشر)

حصر القراءة بالسبع وكمال العشر بناءاً على تواترها وثبوتها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

واول من ذهب اليه واختاره وصرح به من علماء الامامية على ما قدمنا تفصيل القول فيه الشهيد الاول الشيخ محمد بن جمال الدين مك العاملي في كتاب الذكرى وكذا في كتاب آخر موسوم بالبيان حيث قال قدس سره ما نصه : وتبطل (أي الصلاة) لو ... قرأ بالشاذ لا بالسبع والعشر أو اخرج حرفاً من غير مخرجه حتى الضاد والظاء عالماً أو جاهلاً يمكنه التعلم. (٢)

وقد تبعه في ذلك الشهيد الثاني في غير موضع من مصنفاته قال العاملي في مفتاح الكرامة :

وفي الدروس يجوز بالسبع والعشر وفي العشرية وشرحيها انه قوي وفي جامع المقاصد والمقاصد العلي والروض ان شهادة الشهيد لا تقصر عن ثبوت الاجماع بخبر واحد فحينئذ تجوز القراءة بها بل في الروض ان تواترها مشهور بين

__________________

(١) منتهى المطلب ج ١ ص ٢٧٣ ط ايران هجري.

(٢) البيان ص ٨٢ ط قم حجري.

٧٧

المتأخرين .. (١)

أقول : وهو ظاهر عبارة النراقي على ما صرح به في كتابه مستند الشيعة بقوله : فالحق جواز القراءة باحدى العشر والتخصيص بالسبع لتواترها او اجماعيتها غير جيد .. (٢)

وكذا ظاهر ما صرح به السيد محمد باقر الخوانساري في روضات الجنات بقوله : لا خلاف في حجية السبع منهم مطلقاً ولا في الثلاث المكملة للعشر في الجملة ... القراءة المعتبرة المتفق على اجرائها وكفايتها بل نزل الروح الأمين بجملها وتواترها بوجوهها السبعة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند قاطبة أهل الاسلام كما صرح بذلك جماعة من الفقهاء الاعلام .. (٣)

ومن انصار هذا القول المعاصر الشيخ ابو الحسن الشعراني حيث قال في تعليقته المطبوعة على شرح أصول الكافي للملا محمد صالح المازندراني : اما قراءة السبعة فكانت مشهورة متداولة في مشارق الارض ومغاربها من عهدهم الى زماننا بحيث يمتنع تواطؤ الناقلين عنهم على الكذب عمداً أو سهواً .. ولكن لم يبق لنا طريق متواتر الاّ الى السبع ولا يبعد عندي تواتر العشر ايضاً واماما سواها فلا يجوز لنا قطعاً .. (٤) ولا محيص عن القراءة بهذه القراءات المشهورة فان اكتفينا بالمتواتر فهو والاّ فيجب تجويز كل ما روى بطريق الآحاد والشواذ ويعظم الخرق ويزيد الاختلاف على ما هو موجود اضعافاً مضاعفة وطبع المسلم الموحد يأبى ذلك قطعاً وقد بينا ذلك بالتفصيل في حواشي الوافي فراجع اليه ... (٥).

__________________

(١) مفتاح الكرامة ج ٢ ص ٣٩٠.

(٢) مستند الشيعة ج ١ ص ٣٣٥ ط قم مكتبة السيد المرعشي.

(٣) روضات الجنات ص ٢٦٣ ط حجري.

(٤) و (٥) شرح المولى محمد صالح المازندراني ج ١١ ص ٦٥ ـ ٦٦ ط طهران.

٧٨

وقال ايضاً في مقال له نشرته مجلة الفكر الاسلامي :

اتفق المسلمون قاطبة على اعتماد القراء في قراءتهم على السمع والنقل الموثوق .. ولدينا اليوم القراءات السبع بأسماء قرائها مذكورة في كتب التفسير وحالياً تدوري تلك القراءات في اسماعنا نتيجة جهود جهابذة علماء السملمين على اختلاف مذاهبهم ومواطنهم من المحيط الاطلسي حتى المحيط الهندي .. (١)

(القول الحادي عشر)

حصر القراءة بالسبع وكمال العشر بناءاً على شمول الأمر لها الوارد عنهم عليهم‌السلام في زمن الهدنة فيجب القراءة بأحدها على جهة التقية لا لثبوت تواترها المتقدّم زعمه.

وهو مختار المحق البحراني في حدائقه الناضرة حيث صرّح بقوله : ان الذي يظهر من الأخبار ايضاً هو وجوب القراءات المشهور لا من حيث ما ذكروه من ثبوتها وتواترها عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بل من حيث الاستصلاح والتقية فروى في الكافي بسنده الى بعض الاصحاب عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : قلت له جعلت فداك انا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟ فقال : لا اقرؤا كما تعلمتم فسيجيء من يعلمكم

وروى فيه بسنده الى سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبد الله عليه‌السلام وانا استمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس؟ فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : كف عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم .. الحديث ثم قال : وبالجملة فالنظر في الأخبار وضم بعضها الى بعض يعطي جواز القراءة لنا بتلك القراءات رخصة وتقيّة وان كانت القراءة الثابتة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انما هي واحدة .. (٢)

__________________

(١) مجلة الفكر الاسلامي العدد الاول ص ٧١ ـ ٧٢.

(٢) الحدائق الناظرة ج ٨ ص ٩٩ ـ ١٠٠.

٧٩

وقال في شرح رسالته الصلاتية الواسطي بعد حكاية قوله في الاصل : (وتجب القراءة بأحد القراءات السبع المشهورة) ايجاب القراءة باحدى السبع كما ذكرناه لا لما ذكره اصحابنا رضوان الله عليهم وفي هذا المقام من ثبوت تواتر هذه القراءات عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمفانه مجازفة ظاهرة واخبارنا ترده كما بسطنا الكلام عليه في كتاب المسائل الشيرازية بل لما دلت عليه اخبارنا من الامر بذلك رخصة وتوسعة للتقية حتى يقوم صاحب الأمر عجل الله فرجه وسهل مخرجه ثم قال (وفي العشر قول قوى) وهي قراءة ابي جعفر ويعقوب وخلف زيادة على السبعة المشهورة اما بناءاً على ما يقوله اصحابنا من التواتر .. واما على ما اخترناه فالظاهر لان جواز القراءة بكل من هذه القراءات المشهروة بين العامة انما هو رخصة وموافقة لهم لدفع الشنعة والخوف فالعلة في الجميع واحدة (١).

وهو ايضاً ظاهر الآية الحجة السيد حسين البروجردي في تفسيره حيث أفاد بقوله : انا معشر الامامية وان لم نحكم بصحة خصوص كل من القراءات السبع بل العشر ايضاً فضلا عن غيرها بمعنى مطابقة كل منها للمنزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والاذن العام الشمولي الاول للجميع الا انه لما عمت البلية وخفي الحق وقامت الفتنة على قطبها وارتد الناس على اعقابهم القهقري وتركوا سيد الورى في التمسك بالثقلين امرنا ان نقرأ القرآن كما يقرأه الناس كما روى عن الصادق عليه‌السلام :

مه كف عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فاذا قام قرأ كتاب الله على حده (٢) .. والأحوط مع كل ذلك عدم الخروج عن شيء من العشر بل الأولى اقتصار على السبع سيما اذا وجبت القراءة لصلاة وانذر او استيجار أو غيرها. (٣)

__________________

(١) شرح الرسالة الصلاتية نسخة خطية مصورة من أصل الموجود في مكتبة السيد المرعشي الكائنة في مدينة قم.

(٢) تفسير الصراط المستقيم ج ٣ ص ١٢٠.

(٣) نفس المصدر السابق ص ١٢٣.

٨٠