اتحاف الفقهاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقرّاء

المؤلف:

الميرزا محسن آل عصفور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة العزيزي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٤

وما هي قيمته الاعتبارية لكي يرسل عثمان اليها في طلبه وتدفعه له بشرط ارجاعه فيرجعه بعد استنساخه وكأنه ملك لها فاذا كان هو القرآن الذي جمعه ابوبكر برأي عمر على حد دعوى ما تقدم وانه وصل الى يد عمر بالوصاية فاللائق بل اللازم ان ينقل الى يد عثمان بعد وفاة عمر اذ لاداعي لايداعه في يد حفصة لأنها لم تكن خليفة للمسلمين ولم تكن من قرائه ومقرئيه فيحتاج الى ابقائه عندها.

واذا كان مصحف حفصة غير مادون في عصرابي بكر فلما لم يحدثنا التاريخ عن أصله وفصله يضاف الى ذلك كله ان ذلك المصحف على الاحتمالين من كونه مصحف ابي بكر او حفصة كان على درجة من الاعتبار والاستناد فليس هناك داع اصلا الى تجشم عناء جمعه مرة اخرى بعد ان ثبت انه تم تدوينه على أيد امينه وتحت اشراف ورعاية من لا يشك في امره وعمله وضبطه ودقته وانه تم استنساخه في عهد يقرب من عهد الرسالة لما لا يؤخذ ويستنسخ ويجعل حجة يعول عليه وفيصلا ينتهي اليه.

واذا عرفنا مما سبق ان عثمان بن عفان من كتاب الوحي لما لم يكتبه بنفسه ويضبطه حسبما سمعته اذناه من الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وحسبما افاده من مصدر الوحي والرسالة وقد اشرنا في صدر حديثنا في اول هذا المقام الى حديثين يدلان على كونه ممن جمع القرآن بل أول من جمعه من الخلفاء ولمرتين على حدّ تعبيرهما أولاهما في زمن عمر ولم ينقل له على شاهد والثاني في عهده وفترة خلافته بل ربما يضاف اليها زمن الرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وكل ذلك مخدوش وقابل للطعن والتزييف.

وقيل : ولما نسخوا الصحف في المصاحف ردها عثمان الى حفصة ونسخوا اربعة مصاحف وابقى عنده واحداً منها وأرسل عثمان الثلاثة للبصرة والكوفة والشام وعين زيد بن ثابت ان يقرأ بالمدني وبعث عامر بن قيس مع البصري وابا عبد الرحمن عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي مع الكوفي والمغيرة ابن شهاب

٤١

مع الشامي وقرأ كل مصر بما في مصحفه.

وحكى السيد علي بن محمد المعروف بابن طاووس في كتابه سعد السعود عن كتاب ابي جعفر بن منصور ورواية محمد بن زيد بن مروان في اختلاف المصاحف ان القرآن جمعه على عهد ابي بكر زيد بن ثابت وخالفه في ذلك أبي وعبد الله ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ثم عاد عثمان فجمع المصحف برأي مولانا امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام واخذ عثمان مصحف ابي وعبد الله بن مسعود وسالم مولى ابي حذيفة فغسلها وكتب عثمان مصحفاً لنسفه ومصحفاً لأهل المدينة ومصحفاً لأهل مكّة ومصحفاً لأهل الكوفة ومصحفاً لأهل البصرة ومصحفاً لأهل الشام.

ومصحف الشام رآه ابن فضل الله العمري في اواسط القرن ثامن الهجري يقول في وصف مسجد دمشق : والى جانبه الأيسر المصحف العثماني بخط أمير المؤمنين عثمان بن عفان.

أقول : انظر الى هذه النقول التي لا يمكن التوفيق بين أحدها بوجه من وجوه المعقول وقد ورد في جملة من كتب التاريخ ان عثمان بن عفان قام بحرق جميع المصاحف التي كانت في عهده ولم يستثن الا مصحف حفصة حيث اعاده اليها كما تقدم بعد استنساخه ويرد عليه :

(أولا) : اذا كان الأصل نسخة حفصة وهي كاملة فلا معنى لعد عثمان جامعاً للقرآن.

(ثانياً) : اذا قام عثمان بتغيير بعض الايات في النسخة التي نقلها عن مصحف حفصة فعمله هذا لا يخلو من احد امرين اما ان يكون عمله هذا تحريفا للقرآن او اصلاحا له فان كان الأول فلا ريب ولا شبهة في شناعة فعله قبح صنيعه واذا كان الثاني فلابد له ان يعامل مصحف حفصة بما صنعه في بقية المصاحف لانه مصحف وفيه اخطاء فيجب ان يقضى عليه لاحكام القرآن وصونه عن كل تحريف

٤٢

وكذلك لو اخذنا بعين الاعتبار هذا الأمر لتوجه النقض على ابي بكر وعمر ونسبتهما الى الجهل وعدم الامانة.

(ثالثاً) ان العهد لازال قريبا بعصر النبوة واذا سلمنا بدعوى ان القرآن كان مكتوباً على العسيب واللخاف فلما لا يرجع اليها مباشرة ويعول عليها لانها عبارة عن الخطوط الاولى التي دونت باشراف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومحضره.

(رابعاً) ان كان عثمان بن عفان من كتاب الوحي لماذا لم يأت بما كتبه وخطته يده في زمن امتهانه مهنة كتابة ما يوحى الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله منه فاين ذهب يا ترى!!؟

(خامساً) ان كان القرآن كتاباً مقدساً ونص في جملة آياته على وجوب احترامه وتقديسه والعمل به وكذا دلت السنة النبوية فلماذا تنتهك قدسية القرآن بحرقة واذا كان عثمان غيوراً على القرآن لما لم يعمل باحكامه ووزع العالم الاسلامي بين بني عمومته وابناء ارومته فعاثوا في الارض الفساد ومزقوا كل حرمة شر ممزق وهتكوا الحقوق وبذروا اموال بيت المال في اشباع نهم شهواتهم من دون انكار حتى كثرت الشكايا منهم فلم يأبه بذلك ولم يقابلهم باذن صاغية فاجتمعوا عليه وقتلوه في داره.

واذا كان لتلك النسخ التي بعث بها الى الامصار وجود فلما لم ينقل عنها مؤرخ من مؤرخي التاريخ على الرغم من وفرتهم وانتشارهم وسياحتهم سوى ابن فضل الله العمري وفي القرن الثامن الهجري وكأن لأرض قد خليت في تلك الفترة الزمنية المتمادية ممن في يده دواة وقلم وكذا بعد تلك الفترة الى يومنا هذا.

وخلاصة ما نصل اليه انّ اكثر الاحاديث الواردة في هذا الشأن من الموضوعات مبالغ فيها حاكها خلفاء بني أيمة ومن بعدهم بنو العباس خدمة لاغراضهم لاخاصة ولاسدال الستار على الشنائع التي عرفت عمن نسبت اليه والاعمال المزرية التي صدرت عنهم.

٤٣

مواصفات المصحف العثماني

قال الباجي في المحكي عنه : لا سبيل الى تغيير حرف من تكلك الحروف التي في هذا المصحف لأن عثمان والصحابة حرقوا المصاحف الاولى ما سوى هذا المصحف ولو كان فيها شيئاً من بقية تلك الحروف الت انزل عليها القرآن لم يحرقوه وايضاً حرقوها لانها كانت على غير ترتيب هذا المصحف المتفق على ترتيبه.

أقول : ومعنى كلامه هذا ان أول من رتب القرآن بالنحو المتعارف عليه اليوم بيننا هو عثمان بن عفان وهو امر باطل قطعاً لانه لا سبيل له الى ذلك بل هو امر توقيفي ثبت النص عليه من الباري جل وعلا في قوله في سورة القيامة : « لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه » كما انه ورد ان القرآن نزل جملة واحدة في ليلة القدر الى سماء الدنيا وانه نزل بعد ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نجوماً او منجماً بحسب الوقائع والاحداث وكان يخبر الناس بمواضع الآيات واحدة تلو الاخرى كما كان يأمرهم بمواضع السور وترتيبها وكان ينظم ذلك كله كما يتلقاه من الوحي ويأمر بضبطه واثباته.

قال المحدث الماهر السيد نعمة الله الجزائري في كتابه الانوار النعمانية : ترى قواعده (اي قواعد خط المصحف العثماني) تخالل قواعد العربية مثل كتابة الالف بعد واو المفرد وعدمها بعد واو الجمع وغير ذلك وسموه رسم الخط القرآني ولم يعلموا انه من عدم اطلاع عثمان على قواعد العربية والخط. (١).

وقد عبّر عنها السدي حسين البروجردي في تفسيره : بالاغلاط العثمانية في المصاحف السبعة وهي التي بعث بها الى الامصار (٢).

__________________

(١) الانوار النعمانية ج ٢ ص ٣٦١ ط تبريز.

(٢) تفسير الصراط المستقيم ج ٣ ص ١١٣ ط بيروت مؤسسة الوفاء.

٤٤

وقال الفقيه الهمداني في مصباحه :

كانت المصاحف العثمانية عارية عن الاعراب والنقط مع ما فيها من التباس بعض الكلمات ببعض بحسب رسم خطه كملك ومالك ولذا اشتهر عنهم ان كلامنهم كان يخطي الآخر ولا يجوز الرجوع الى الاخر. (١).

أقول : ولذا فما قيل من ان خط المصحف العثماني خط توقيفي تعبدي لا وجه له ولا دليل عليه ولا مؤيد له وقد شاهدنا كثيراً من الايرانيين يتعذر عليهم قراءته بالنحو الذي كتب عليه بل يكثر لحنهم في قراءته اذا لم يكونوا قد اتقنوا قراءته على استاد عارف ضابط فهو من أسباب اللحن الواب تنزيه القرآن عنه وتعريته من وصمة اعواره وابهامه والخصوص في عصرنا هذا عصر المدنية والازدهار والرقى الحضاري والتقنية العالية والمؤمل من علماء أهل السنة وكذلك علماء الشيعة في جميع حواضرهم العلمية اعادة النظر في هذا الأمر المهم والاسهام في عرض الفاظه وحركات اعرابه بحلة قشيبة تبتني على قواعد اللغة العربية التي نزل بها القرآن وضوابطها الاملائية البديعة.

تاريخ القراءات القرآنية بعد زمن عثمان

(القرن الثاني)

قال مكي بن ابي طاب : وكان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة ابي عمرو ويعقوب وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم وبالشام على قراءة ابن عامر وبمكة على قراءة ابن كثير وبالمدينة على قراءة نافع واستمروا على ذلك.

(القرن الثالث)

وفيه اتسع الخرق وقل الضبط وتصدى فيه بعض ائمة الاقراء لضبطه ما بلغه

__________________

(١) مصباح الفقيه ج ٢ ص ٢٧٤ ط ايران.

٤٥

من القراءات فكان أول من جمع القراءات في كتاب ابو عبيد القاسم بن سلام توفي سنة ٢٢٤ هـ.

قال ابن حجر في المحكى عنه : ذكر ابو عبيد في كتابه خمسة عشر رجلاً من كل مصر ثلاثة انفس فذكر من مكة ابن كثير وابن محيصن وحميد الاعرج ومن اهل المدينة ابا جعفر وشيبة ونافعاً ومن أهل البصرة ابا عمرو وعيسى ابن عمر وعبد الله بن ابي اسحاق ومن اهل الكوفة يحيى بن وثاب وعاصماً والأعمش ومن اهل الشام عبد اله بن عامر ويحيى بن الحرث وذهب عني اسم الثالث ولم يذكر في الكوفيين حمزة ولا الكسائي بل قال ان جمهور اهل الكوفة بعد الثلاثة صاروا الى قراءة حمزة ولم يجتمع عليه جماعتهم قال واما الكسائي فكان يتجزى القراءات فأخذ من قراءة الكوفيين بعضاً وترك بعضاً ..

ثم اعقب ابا عبيد القاسم جمع منهم.

١ ـ القاضي اسماعيل بن اسحاق المالكي صاحب قالون الف كتاباً في القراءات وجمع فيه قراءة عشرين قارئاً منهم القراء السبعة المشهورين توفي سنة ٢٨٢ هـ.

٢ ـ ابو حاتم السجستاني وقد صنف كتاباً في القراءت ذكر فيه اكثر من عشرين رجلاً ولم يذكر فيهم ابن عامر ولا حمزة ولا الكسائي.

٣ ـ ابو جعفر محمد بن حرير الطبري جمع كتاباً كاملا سماه الجامع فيه اثنان وعشرون قراءة توفي سنة ٣١٠ هـ.

٤ ـ ابو بكر محمد بن احمد بن عمر الداجوني جمع كتاباً في القراءات فيه عشر قراءات وجعل الطبري المتقدم احدهم توفي سنة ٣٢٠ هـ.

٥ ـ جبير المكي وقد صنف كتاباً في القراءات فاقتصر على خمسة اقتصر من كل مصر اماماً وانما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي ارسلها عثمان الى هذه الامصار كانت خمسة حيث انه لم يصله خبر لمصحفي البحرين واليمن.

٤٦

(القرن الرابع)

وكان في طليعة مدوني تلك الفترة وصدرهم ورئيسهم ابو بكر احمد بن موسى ابن العباس بن مجاهد وجه القراء في عصره وهو أول من اقتصر على قراءة القراء السبعة المشهورين فقط توفي سنة ٣٢٤ هـ.

وقيل ان السبب الذي دعا وحث ابن مجاهد على تسبيع القراءات هو مراعاة عدد المصاحف استبدلوا من غير البحرين واليمن قاريين كمل بهما العدد فصادف ذلك العدد الذي ورد الخبر به وهو أن القرآن انزل على سبعة احرف فوقع ذلك لمن لم يعرف اصل المسألة ولم يكن له فطنة فظن ان المراد بالاحرف السبعة القراءات السبع ولاسيما قد كثر استعمالهم الحرف في موضع القراءة فقالوا قرأ بحرف نافع وبحرف بن كثير فتأكد الظن بذلك وليس الأمر كما ظنه وكان من اجتهاداته على رأس الثلاثمائة من الهجرة ان اثبت اسم الكسائي وحذف يعقوب.

قال مكي بن ابي طالب : والسبب في الاقتصار على السبعة مع ان في ائمة القراءة من هو أجل منهم قدراً واكثر منهم عدداً ان الرواة عن الائمة كانوا كثيراً جداً فلما تقاصرت الهمم به اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه وينضبط القراءة به فنظروا الى من اشتهر بالتثقة والامانة وطول العمر في ملازمة القراءة والاتفاق على الاخذ عنه فافردوا من كل مصر اماماً واحداً ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه الائمة الجحدري وابي جعفر وشيبة وغيرهم.

(القرن الخامس)

فويه أخذ الناس يؤلفون في القراءات انواع التأليفات المشتملة على القراءات العشر والاكثر منها والأقل. (١)

__________________

(١) راجع كتاب القراءات القرآنية للفضلي.

٤٧

عقيدة الشيعة الامامية الاثنا عشرية

في تواتر أصل القرآن الكريم

قال رئيس المحدثين وقطب رحى الحديث الشيخ الصدوق ابو جعفر محمد ابن علي بن بابويه القمي في رسالة الاعتقادات تحت عنوان : الاعتقاد في مبلغ القرآن : اعتقادنا ان القرآن الذي انزله الله تعالى على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله و ما بين الدفتين وما في ايدي الناس ليس باكثر من ذلك ومبلغ سوره عند الناس مائة واربعة عشر سورة وعندنا والضحى والم نشرح سورة واحدهولايلاف والم تر كيف سورة واحدة ومن نسب الينا انا نقول انه اكثر من ذلك فهو كاذب (١).

وقال تحت عنوان آخر : باب الاعتقاد في القرآن :

اعتقادنا في القرآن انه كلام الله ووحيه وتنزيله وكتابه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم وانه القصص الحق وانه لقول فصل وما هو بالهزل وان الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربه وحافظه والمتكلم به (٢).

وقا لالشيخ الاجل المفيد في كتاب اوائل المقالات في المذاهب والمختارات : واتفقوا (اي الامامية) على ان ائمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم(٣) قال جماعة من أهل الامامة انه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف امير المؤمنين عليه‌السلام من تأويل وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك كان ثابتاً منزلا وان لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن

__________________

(١) كتاب الاعتقادات ط قم مركز نشر كتاب ص ٩٢.

(٢) نفس المصدر السابق ص ٩٣.

(٣) اوائل المقالات في المذاهب والمختارات ص ٥٢ ط تبريز سنة ١٣٧١ هـ.

٤٨

المعجز .. وهذا ليس فيه من اهل التفسير اختلاف ... واليه أميل .. واما الزيادة فيه فمقطوع على فسادها من وجه ويجوز صحتها من وجه فالوجه الذي اقطع على فساده ان يمكن لاحد من الخلق زيادة مقدار سورة فيه على حد يلتبس به عند أحد من الفصحاء.

واما الوجه المجوز فهو ان يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف والحرفان وما اشبه ذلك مما لا يبلغ حد الاعجاز ويكون ملتبساًعند اكثر الفصحاء بكلم القرآن غير انه لابد متى وقع ذلك من ان يدل الله عليه ويوضح لعباده عنالحق فيه ولست اقطع على كون ذلك بل أميل الى عدمه وسلامة القرآن عنه ومعي بذلك حديث عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام ... ذهب اليه جماعة من متكلمي الامامية وأهل الفقه منهم والاعتبار (١).

وقال في موضع آخر تحت عنوان (القول في نسخ القرآن بالسنة) :

أقول : ان القرآن ينسخ بعضه بعضاً ولا ينسخ شيئاً منه السنة بل تنسخ السنة به كما تنسخ السنة بمثلها ... والقول بأن السنة لا تنسخ القرآن مذهب اكثر الشيعة ... (٢)

وقال علم الهدى السيد المرتضى في المسائل الطرابلسيات : ان العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب الشمهورة واشعار العرب المسطورة فان العناية اشتدّت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت حداً لا تبلغه فيما ذكرناه لان القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والاحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من اعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز ان يكون مغيراً ومنقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد.

وقال ايضاً قدس الله روحه : ان العلم بتفصيل القرآن وابعاضه في صحة نقله

__________________

(١) نفس المصدر السابق ص ٩٤.

(٢) نفس المصدر السابق ص ١٤١.

٤٩

كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني فان اهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها حتى لو ان مدخلا ادخل في كتاب سيبويه باباً من النحو ليس من الكتاب لعرف وميّز وعلم انه ملحق وليس من اصل الكتاب وكذلك القول في كتاب المزني ومعلوم ان العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء ... وان من خالف في ذلك من الامايمة والحشوية لا يعتد بخلافهم فان الخلاف في ذلك مضاف الى قوم من اصحاب الحديث نقلوا اخباراً ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع الى مثلها عن المعلوم المقطوع على صحته ..

وأضاف الحكيم المتاله الفيض الكاشاني بعد حكاية الكلام المتقدم عن السيد المرتضى معقباً اياه بقوله في تفسيره :

لقائل ان يكون كما ان الدواعي كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين الموصية المغيرين للخلافه لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم والتغيير فيه ان وقع فانما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الان والضبط الشديد انما كان بعد ذلك فلا تنافي بينهما بل لقائل ان يقول انه ما تغير في نفسه وانما التغيير في كتابتهم اياه وتلفظهم به فانهم ما حرفوه الا عند نسخهم من الاصل وبقى الاصل على ما هو عليه عند أهله وهم العلماء به فما هو عند العلماء به ليس بمحرف وانما المحرف ما اظهروه لاتباعهم .. (١).

وقال في موضع آخر من التفسير المذكور في ذيل قوله تعالى : (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) (الحجر ـ ١٠).

(انا نحن نزلنا الذكر) رد لانكارهم واستهزائهم ولذلك اكد من وجوه (وانا له لحافظون) من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان (٢).

__________________

(١) الصافي في تفسير القرآن ج ١ ص ٣٥ ط طهران.

(٢) نفس المصدر السابق ص ٨٩٨.

٥٠

وقال أمين الاسلام الشيخ الطبرسي في تفسير جوامع الجامع :

هذا رد لانكارهم واستهزائهم في قولهم (يا ايها الذي نزل عليه الذكر) ولذلك قال (انا نحن) فأكد عليهم انه هو المنزل للقرآن على القطع والثبات وانه حافظه من كل زيادة ونقصان وتغيير وتحريف بخلاف الكتب المتقدمة فانه لم يتول حفظها وانما استحفظها الربانيين ولم يكل القرآن الى غير حفظه (١).

وقال شيخ الطائفة ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب تمهيد الاصول في علم الكلام : لنا في تصحيح نبوته عليه‌السلام طريقان احدهما الاستدلال بهذا القرآن الموجود معنا والثاني الاستدلال بباقي معجزاته عليه‌السلام ... والاستدلال بالقرآن لا يتم الا بعد بيان خمسة اشياء :

(أحدها) ظهوره بمكة وادعاؤه انه مبعوث الى الخلق رسول اليهم.

(وثانيها) وتحديه العرب بهذا القرآن الذي ظهر على يده وادعاؤه ان الله تعالى انزله عليه وخصه به.

(وثالثها) ان العرب مع طول المدة لم يعارضوه.

(ورابعها) انهم لم يعارضون للتعذر والعجز.

(وخامسها) ان هذا التعذر خارق للعادة فاذا ثبت ذلك فاما ان يكون القرآن نفسه معجزاً خارقاً للعادة بفصاحته ولذلك لم يعارضوه اولان الله تعالى صرفهم عن معارضته ولولا الصرف لعارضوه وأي الامرين ثبت صحت نبوته عليه‌السلام لانه تعالى لا يصدق كذابا ولا يخرق العادة لمبطل اما ظهوره بمكة ودعاؤه الى نفسه فلا شبهة فيه بل ظهوره معلوم ضرورة لا ينكره عاقل وظهور هذا القرآن على يده ايضاً معلوم ضرورة مثل ذلك والشك في احدهما كالشك في الاخر وليس لاحد ان يقول كيف تدعون العلم الضروري والامامية تدعى تغيراً في القرآن الموجود ونقصاناً وكذلك جماعة من اصحاب الحديث.

قلنا العلم بنبوته عليه وآله السلام لا يفتقر الى العلم بان هذا القرآن الموجود

__________________

(١) جوامع الجامع تفسير القرآن ج ١ ص ٧٩١ ط بيروت دار الاضواء.

٥١

بيننا هو الذي وقع التحدي به بعينه لان مع الشك في ذلك نعلم صحة النبوة لان من المعلوم الذي لا يشك انه عليه‌السلام تحدى العرب بكلام ذكر انه كلام ربه تعالى وان ملكاً انزله عليه وخصه به ومعلوم انهم لم يعارضوه لتعذرها عليهم.

وهذا كاف في العلم بنبوته عليه وآله السلام ودلالة على صدقه لان ذلك الكلام الذي تعذر عليهم معارضته لا يخلو ان يكون وجه تعذرها فرط فصاحته التي خرقت العادة أولانه تعالى صرفهم عن المعارضة وكلا الأمرين يدلان على صحة نبوته عليه وآله السلام نصرنا صحة نقل القرآن أولم ننصره على انه لا خلاف ان هذا الذي معنا هو القرآن الذي انزله الله تعالى وانما الخلاف في انه هل كان زائداً عليه أولا وذلك لا يحتاج اليه في العلم بنبوته لان التحدى حاصل بسورة منه فضلا عن جميعه على انه (اي علم الهدى السيد المرتضى) دل على فسادقول من خالفه في ذلك في المسألة الطرابلسية وجملة منه في الذخيرة بما لا مزيد عليه ولا حاجة بنا هنا الى ذكره (١).

القراءة التي نزل القرآن على وفقها

ورووا من طرقهم عدة روايات.

فمن ذلك ما رواه علي بن ابراهيم القمي في تفسيره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمانه قال : لو انّ الناس قرؤا القرآن كما انزل ما اختلف اثنان (٢).

ومن ذلك ما رواه الثقة الكليني عن الامام الرضا عليه‌السلام :

ان القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة (٣) وكذا ما رواه عن الفضل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان الناس

__________________

(١) تمهيد الاصول في علم الاصول ص ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ط طهران جامعة طهران.

(٢) شرح املا محمد صالح المازندراني على الكافي ج ١١ ص ١١ ط طهران.

(٣) منبع الحياة ص ٧١ ط بيروت.

٥٢

يقولون : ان القرآن نزل على سبعة احرف فقال : كذبوا اعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد.

وقال المولى محمد صالح المازندراني في شرحه على الكافي : فالتبس ذلك الحرف المنزل بغيره على الأمة لأجل ذلك فيجوز لهم القراءة باحد هذه الحروف حتى يظهر صاحب الأمر. وقال السيد نعمة الله الجزائري في منبع الحياة :

ان قولهعليه‌السلام : القرآن واحد ينفي تكثر القراءات.

قوال الزمخشري في المحكي عنه : ان القراءات الصحيحة التي قرأ بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انما هي في صفتها وانما هي صفة واحدة.

تواتر القراءت السبع وكمال العشر

قال فقيه الأصول في زماننا السيد الخوئي في تفسيره المرسون بالبيان :

ذهب جمع من علماء السنة الى تواترها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمنقل عن السبكي القول بتواتر القراءات العشر وافراط بعضهم فزعم ان من قال ان القراءات السبع لا يلزم فيها لتواتر فقوله كفر ونسب هذا الراي الى المفتي البلاد الاندلسية ابي سعيد فرج بن لب والمعروف عند الشيعة انها غير متواترة بل القراءت بين ما هو اجتهاد من القاري وبين ما هو منقول بخبر الواحد واختر هذا القول جماعة من المحققين من اهل السنة وغير بعيد ان يكون هذا هو المشهور بينهم ... (١).

أقول : ان ما افاده لا يخلو من مناقشة ذلك ان دعوى التواتر كانت قد شقت طريقها الى الفكر الشيعي بقوة بعد ان شاعت بين أهل السنة وليس الأمر على ما ذكره من ادعاء شهرة عدم التواتر عند أهل السنة مضافاً الى معروفيته عند الشيعة كذلك.

__________________

(١) البيان في تفسير القرآن ج ١ ص ٩٢ ط نجف.

٥٣

اما عند أهل السنة فانه منقوض بقول الرازي في تفسير الكبير :

اتفق الاكثر على ان القراءات المنقولة بالتواتر .. الخ.

ما حكاه العاملي في مفتاح الكرامة عن كتاب وافية الاصول انه جاء فيه : اتفق قدماء العامة على عدم جواز العمل بقراءة غير السبع او العشر المشهورة وتبعهم من تكلم في هذا المقام بين الشيعة ولكن لم ينقل دليل يعتدّ به انتهى.

مضافاً الى السيرة العملية المطبق عليها الى يومنا هذا من جمهور أه السنة في الامصار والآفاق.

وقال ابو حيان بعد التعرض لكلام الزمخشري الآتي ذكره في ادلة نفى التواتر اعجب من اعجمي ضعيف في النحو يردّ على مرّ بي صريح محض قراءة متواترة موجود نظيرها في كلام العرب واعجب بسوء ظن هذا الرجل بقراءات الائمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقاً وغرباً واعتمدهم المسلمون لضبطهم ومعرفتهم وديانتهم ـ انتهى.

وقال المحقق التفتازاني هذا أشد الجرم طعن في اسناد القراء السبعة رواياتهم وزعم انهم انما يقرأون من عند انفسهم وهذه عادته يطعن في تواتر القراءات السبع وينسب الخطأ تارة اليهم كما في هذا الموضوع وتارة الى الرواة عنهم وكلاهما أخطأ لان القراءة خطأ وكذا الرواة عنهم انتهى كلامه.

وقال ابن المنير : نبرأ الى الله ونبري جملة كلامه عما رماهم به فقد ركب عمياً وتخيل القراءة اجتهاداً واختياراً لانقلا واسناداً ونحن نعلم ان هذه القراءة قرأها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على جبرئيل عليه‌السلام كما انزلها عليه وبلغت الينا بالتواتر عنه فالوجوه السبعة المتواترة جملا وتفصيلا فلا مبالاة لقول الزمخشري وامثاله ولولا عذران المنكر ليس من اهل علمي القراءة والاصول لخيف عليه الخروج عن ربقة الاسلام ومع ذلك فهو في عهدة خطرة وزلة منكرة والذي ظن ان تفاصيل الوجوه السبعة فيها ما ليس متواتر غلط ولكنه اقل غلطاً من هذا فان هذا جعلها موكولة

٥٤

الى الآراء ولم يقل ذلك أحد من المسلمين ثم انه شرع في تقرير شواهد من كلام العرب لهذه القراءة وقال في آخر كلامه ك ليس الغرض تصحيح القراءة العربية بل تصحيح العربية بالقراءة (١).

واما نفى التواتر المنقول عن جملة من محققيهم فهي وان كانت ذات تصيب في كتب التحقيق وسهم وافر على السنة العلماء الا انها متروكة ومهجورة ومعزوف عنها في حيز العمل عند جمهور المسلمين لعدم توفر البديل الذي يعتد به.

واما عند الشيعة الامامية فان أول من حكى القراءات السبع ف مصنفاته من علمائهم السيد الرضي (٢) في كتاب حقائق التأويل (٣) في غير موضع منه ثم جاءت النوبة الى العلامة الحلي (٤) فاستلقها واوجب العمل بمقتضاها دون سواها بل ادعى صريحاً تواترها كما هو صريح لفظه في المنتهى حيث قال : يجوز ان يقرأ بأي قراءة شاء من السبعة لتواترها اجمع ولا يجوز ان يقرأ بالشاذ وان اتصلت رواية بعدم تواترها. (٥)

فقلده اكثر من جاء من بعده من غير ضبط أو تحقيق ثم انتهت النوبة الى الشهيد الاول الشيخ جمال الدين محمد بن مكي العاملي (٦) الذي ادعى تواترها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وزاد عليها كمال العشر.

وكان أول من ادعى ذلك بهذه المثابة وقد صرح بذلك في كتابه الموسوم بذكرى الشيعة بقوله : يجوز القراءة بالمتوات ولا يجوز بالشواذ ومنع بعض الأصحاب من قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف وهي كمال العشر والأصح جوازها

__________________

(١) كشكول المحقق البحراني الشيخ يوسف (قده) ج ٣ ص ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

(٢) المتوفى سنة ٤٠٦.

(٣) حقائق التأويل متشابه التنزيل ج ٥ ص ٨٧ ط بيروت.

(٤) المتوفى سنة ٧٦٢ هـ.

(٥) المنتهى ج ١ ص ٢٧٣.

(٦) المستشهد سنة ٧٧٢ هـ.

٥٥

لثبوت تواترها كثبوت قراءة القراء السبعة (١).

والمستغرب كيف انه قد اشتهر على السنة الفقهاء كافة كما سيمر بك نقل كلامهم ان اول من ادعى تواترها انما هو الشهيد الاول ولذا افردوه بالذكر عند النقص ولاابرام وهو غلط محقض بل هو اول من زاد عليها دعوى كمال العشر وقد تعاصرا الا ان العلامة الحلي كان اسبق ولادة ووفاة حيث توفى سنة ٧٦٢ هـ بينما الشهيد الاول كانت شهادته في سنة ٧٨٦ هـ بفارق زمن قدره اربع وعشرون عاماً.

وكان اول من تبعه في هذه الدعوى الشهيد الثاني الشيخ زين الدين الجبعي العاملي المستشهد سنة ٩٦٥ هـ في كتاب المقاصد العلية في شحر النفلية حيث بالغ الأخير بقوله : ان كلا من القراءات السبع من عند الله تعالى نزل بها الروح الأمين على قلب سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرين تخفيفاً على الامة وتهويناً على اهل هذه الملة.

وحكى عند سبطه (ابن بنته) السيد السند في المدراك بقوله : وقد نقل جدي (قده) عن بعض محققي القراء انه أفرد كتاباً في اسماء الرجال الذين نقلوا هذه القراءات في كل طبقة وهم يزيدون عما يعتبر في التواتر (٢).

ثم تبعهم المحقق الثاني الشيخ علي في جامع المقاصد بقوله : فقد اتفقوا على تواتر السبع وفي الثلاث اأخر التي بها تكمل العشرة وهي قراءة ابي جعفر ويعقوب وخلف تردد نظراً الى الاختلاف في تواترها وقد شهد شيخنا في الذكرى بثبوت تواترها ولا يقصر عن ثبوت الاجماع بخبر الواحد فحينئذ تجوز القراءة بها .. (٣).

وتصل النوبة الى السيد محمد جواد العاملي (قده) الذي اعتمد هو الآخر

__________________

(١) ذكرى الشيعة ص ١٨٧ ط قم مكتبة بصيرتي.

(٢) مدارك الاحكام ص ١٨٧ ط قم حجري.

(٣) جامع المقاصد ج ٢ ص ٢٤٦ ط قم مؤسسة اهل البيت :.

٥٦

على ما ادعاه الشهيد الاول فصرح بقوله : ليعلم ان هذه السبع ان لم تكن متواترة الينا كما ظن لكن قد تواتر نقل الاجماع على تواترها فيحصل لنا بذلك القطع ... (١).

... الظاهر من كلام اكثر علمائنا واجماعاتهم انها متواترة اليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ونقل الامام الرازي اتفاق اكثر أصحابه على ذلك .. (٢) وقال في موضع آخر : وقد علم ... ان كل ما ورد الينا متوتراً من السبع فهو متواتر الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وما اختلفت الرواية فيه عن احدهما (اي راويي كل قارئ) يعدل عنه الى ما اتفقت فيه الرواية عن القارئ الآخر لانه ليس بواجب ولا مستحب عند الكل اتباع قراءات الواحد في جميع السورة ولا مانع عندهم (اي القراء) من ترجيح بعضها (اي بعض القراءات المروية عنهم) على بعض. (٣).

ومسنوافيك بالمزيد من الاقوال الأخر في هذه المسألة في الفصل التالي

وكيف كان فان ما ادعاه السيد الخوئي فيما نقلناه عنه في صدر الكلام انما صار اليه من عدم اعطاء النظر والتأمل حقه في المسألة الذي ادى به الى عدم الاحاطة التامة والصحيحة بأطراف الأقوال.

والذي ينبغي ان يذكر في المقام ان العلامة الحلي في كتاب المنتهى هو أول من ادعى تواتر السبع المشهورة ثم زاد عليها الشهيد الاول دعوى أخرى اضافية مفادها تواتر قراءات القراء الثلاثة ابي جعفر ويعقوب وخلف وهي كمال العشر في القرن الثامن الهجري وهذه الدعوى الأخيرة هي الأساس الذي اوقع من جاء بعد عصره في الالتباس وتأثث شباك الوسواس الخناس اما قبل القرن

__________________

(١) مفتاح الكرامة ج ٢ ص ٣٩١.

(٢) نفس المصدر السابق ص ٣٩٢.

(٣) نفس المصدر السابق ص ٣٩٤.

٥٧

الثامن الهجري فلم يكن لهذه الفريد والدعوى عين ولا أثر.

ولا يخفى ما فيها من البعد والتهافت لأمور :

(فاما اولها) فلما تقدم بيانه وتفصيله من تاريخ القراءات.

(واما ثانيها) للمنع من تواترها عن القراء لانهم نصوا على انه كان لكل قارئ راويان يرويان قراءته نعم اتفق التواتر في الطبقات اللاحقة.

كما نص على ذلك الزركشي في كتاب البرهان في علوم القرآن من علمائهم بقوله : التحقيق انها متواترة عن الائمة السبعة ما تواترها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمففيه نظر فان اسنادهم لهذه القراءات السبع موجود في الكتب وهو نقل الواحد عن الواحد. (١)

وقد اورد السيد الخوئي في تفسيره البيان بعض الايرادات عليها بما حاصله :

١ ـ ان اتصال الاسانيد بهم انفسهم (اي القراء السبعة او كمال العشرة) يقطع التواتر حتى لو كان متحققاً في جميع الطبقات فان كل قارئ انما ينقل قراءته بنفسه.

٢ ـ ان استقراء حال القراء يورث القطع بان القراءات نقلت الينا بأخبار الآحاد فليست هي متواترة عن القراء.

٣ ـ ان التأمل في الطرق التي اخذ القراء عنها يدلّ بالقطع على انّها انما نقلت اليهم بطريق الآحاد.

٤ ـ ان احتجاج كل قارئ على صحة قراءته واعراضه عن قراءة غيره دليل قطعي على استنادها الى اجتهادهم دون التواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والا لم يحتج الى الاحتجاج.

٥ ـ اضف الى ذلك انكار جملة من الاعلام على جملة من القراءات ولو كانت متواترة لما صح هذا الانكار .. الى آخر كلامه ومن اراد الوقوف على

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن ج ١ ص ٢١٣ ـ ٢٢٧ ط بيروت.

٥٨

حقيقة تلك الامور فليرجع الى الكتاب المذكور.

ومنه يظهر بطلان ما صرح به العاملي في حاشيته على كتابه مفتاح الكرامة حيث قال في جواب اعتراض وجهه : ان لكل واحد راويين فمن اين حصل التواتر؟ بما نصه : انا نقول الراويان ما رويا أصل التواتر وانما رويا المختار من التواتر ..

حيث طفوح الغلط واللغط العظيم منه بما لا يعلم له وجه ولو على جهة التأويل المتكلف والحمل المتعسف اذ كيف يعقل تحقق التواتر بهذا النحو بأن يكون راويا كل قارئ محرزين لثبوته.

ومن اين ثبت له ان تلك القراءات كانت متواترة بجملتها وقد اختارها من متواترها اولئك القراء بما استحسنته اذواقهم واستذوقته اذهانهم.

اما (ثالث الأمور) : لو سلمنا تواترها عن القراء لكن ذلك لا ينهض حجة شرعية لأنهم من آحاد المخالفين استبدوا بآرائهم كما سيأتي ذكره ولئن حكوا في بعض قراءاتهم الاستناد الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لكن الاعتماد على رواياتهم لا يخفى ما فيه على ما حقق في علم الدراية والاصول.

(واما رابعها) فلما تحقق من أن كتب القراءة والتفسير قد طفحت من قولهم قرأ حفص او عاصم كذا وفي قراءة علي بن ابي طالب عليه‌السلام او اهل البيت عليهم‌السلام كذا بل ربما قالوا وفي قراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذا كما يظهر من الاختلاف المذكور في قراءة (غير المغضوب عليهم ولا الضالين).

والحاصل انهم يجعلون قراءة القراء قسيمة لقراءة المعصومين عليهم‌السلام فكيف تكون القراءات السبع متواترة من الشارع المقدس تواتراً يكون حجة على الناس.

(واما خامسها) ما عثرنا عليه من كلمات جملة من اعلام فقهائنا نور الله مضاجعهم فمن ذلك :

١ ـ ما جادت به يراعة المحقق البارع السيد حسين البروجردي في تفسيره الصراط المستقيم :

٥٩

ان دعوى التواتر في شيء منها فضلا عن جميعها ليست في محلها (١) ... لكنك خبير بان ما ذكروه في هذا الباب مما سمعت وما لم تسمع كلها قاصرة عن افادة ذلك نعم قام الاجماع بل الضرورة على عدم الزيادة في القرآن فالمشترك بين القراءات السبع بل وبين غيرها ايضاً قرآن قطعاً واما خصوص ما تفرد به كل واحد من القراء السبعة او العشرة من حيث تلك الخصوصية لا من حيث المادّة الجامعة فلم يقم اجماع ولا ضرورة على كونه بتلك القراءة الخاصة قرآناً.

كيف وقد سمعت ان المستفاد من الاخبار انه واحد نزل من عند اله واحد بل قد سمعت سبب الاختلاف في ذلك وان كل ما اختلفوا فيه او خصوص السبعة ليس مما نزل به جبرئيل ولا مما قرأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا مما أقره بل كيف يكون الاغلاط العثمانية في المصاحف السبعة واختلاف الناس في قراءة كل منها حيث انها كانت عارية عن النقط والاعراب الصلا في اثبات القرآن النازل من السماء هذا مضافاً الى استفاضة الاخبار بل تواترها على مخالفة قراءة الائمة للقراءات المشهورة.

بل كتب القراءة والتفسير مشحونة من قولهم قرأ حفص كذا وعاصم كذا وحمزة وعلي بن ابي طالب كذا وفي كثير منها وفي قراءة اهل البيت كذا وربما ينسبونها الى واحد منهم عليه‌السلام فجعلوا قراءتهم قسيماً لقراءة أهل بيت الوحي والتنزيل بل كثيراً ما صدر ذلك من الخاصة واخبارهم به متظافرة (٢) ... ومما من ظهر ضعف ما ادعاه الصالح المازندراني في شرح الزبدة من ان التواتر قد يحصل سبعة نفر اذ لا يتوقف على حصول عدد معين بل المعتبر فيه حصول اليقين وان القارين لكل واحد من القراءات السبع كانوا بالغين حد التواتر.

الا انهم اسندوا كل واحدة منها الى واحد منهم اما لتجرده بهذه القراءة

__________________

(١) تفسير الصراط المستقيم ج ٣ ص ١١١.

(٢) نفس المصدر السابق ص ١١٣ ـ ١١٤.

٦٠