اتحاف الفقهاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقرّاء

المؤلف:

الميرزا محسن آل عصفور


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة العزيزي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٤

بصيغة الطلب والفعل الماضي.

(الثالث) ما يتغير بنقط بعض الحروف المهملة مثل ننشرها بالزاء والراي. (الرابع) ما يتبدل بابدال حرف قريب من مخرج الآخر مثل (طلح منضود) و (طلع منضود).

و (الخامسِ) ما يتغير بالتقدم والتأخر مثل و (جاءت سكرة الحق بالموت).

(السادس) ما يتغير بزيادة أو نقصان مثل : (والليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى والذكر والانثى) هذا في النقصان واما في الزيادة فكما في قراءة من قرأ (وانذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين).

(السابع) ما يتعغر بابدال كلمة بكلمة كما في العهن المنفوش والصووف المنفوش.

ويقرب منه ما حكاه شيخ الطائفة ابو جعفر الطوسي في تفسير التبيان عن بعض علمائهم من ان المراد بالحرف هنا انما هي وجوه اختلافات سبعة وعددها بعد ذلك بقوله :

(أولهـا) اختلاف اعراب الكملة او حركة بنائها فلا يزيلها عن صورتها في الكتاب ولا يغير معناها نحو قوله : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) (هود ـ ٧٨) بالرفع والنصب و ( هل نجازي الا الكفور ) (سبأ ـ ١٧) بالنصب والنون و (هل يجازي الا الكفور) بالياء والرفع و (بالبخل) و (البخل) و (البخل) برفع برفع الباء ونصبها و ( ميسرة ) (البقرة ـ ٢٨) و (ميسرة) بنصب السين ورفعها.

و (الثاني) الاختلاف في اعراب الكلمة وحركات بنائها مما يغير معناها ولا يزيلها عن صورتها في الكتابة مثل قوهل ( ربنا باعد بين اسفارنا ) (سبأ ـ ١٩) على الخبر (ربنا باعد) على الدعاء و ( اذ تلقونه بالسنتكم ) (النور ـ ١٥) بالتشديد وتلقونه بكسر اللام والتخفيف.

و (الوجه الثالث) الاختلاف في حروف الكلمة دون اعرابها مما يغير معناها

٢١

ولا يزيل صورتها نحو قوله تعالى : ( كيف ننشزها ) (البقرة ـ ٢٥٩) بالزاء المعجمة وبالراء الغير معجمة.

و (الرابع) الاختلاف في الكلمة مما يغير صورتها ولا يغير معناها نحو قوله : ( ان كانت الاصيحة واحدة ) (يس ـ ٢٩) والازقية وكالوف المنفوش وكالعهن المنفوش (القارعة ـ ٥).

(الخامس) الاختلاف في الحروف مما يزيل الصورة والمعنى نحو : ( طلح منضود ) وطلع (الواقعة ـ ٢٩).

(السادس) الاختلاف بالتقديم والتأخير نحو قوله ( وجاءت سكرة الموت بالحق ) (ق ـ ١٩) ( وجاءت سكرة الحق بالموت ).

(السابع) الاختلاف بالزيادة والنقصان نحو قوله ( وما عملت ايديهم ) و ( ما عملته ) (يس ـ ٣٥) باسقاط الهاء واثباتها ونحو قوله ( فان الله هو الغني الحميد ) ( وان الله الغني الحميد ) في سورة الحديد.

قال الشيخ الطائفة الطوسي (قده) بعد نقل الكلام المتقدم ما نصه وهذا الخبر ـ يعني حديث نزول القرآن على سبعة احرف ـ وان كان خبراً واحداً لا يجب العمل به فالوجه الأخير اصلح الوجون على ما روى عنهم عليهم‌السلام من جواز القراءة بما اختلف القراء فيه انتهى.

واعترض عليه المحقق الفاضل السيد البروجردي في تفسير بقوله :

لكنك قد سمعت تظافر اخبارنا على رد خبر نزوله على سبعة أحرف وعلى فرضه فمقتضاه نزوله على الوجوه السبعة واين هذا من جواز متابعتهم في قراءاتهم المختلفة التي ستسمع اختلافها (١).

وكذلك الفيض الكاشاني (قده) في الوافي بقوله : اما حمل الحديث على سبعة أوجه من القراءة ثم التكلف في تقسيم وجوه القراءة على هذا العدد كما

__________________

(١) تفسير الصراط المستقيم ج ٣ ص ٩٦ ـ ٩٧ ـ ط بيروت مؤسسة الوفاء.

٢٢

نقله في مجمع البيان عن بعضهم فلا وجه له مع انه يكذبه ما رواه في الكافي باسناده عن زراره عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : ان القرآن نزل من عند الواحد ولكن الاختلاف يجئ من قبل الرواة .. الخ.

ثم قال بعد كلام له في البين : الظاهر ان الاختلاف المعتبر ما يسري من اللفظ الى المعنى مثل مالك وملك دون ما لا يجاوز اللفظ أو يجاوزه ولم يخل بالمعنى المقصود سواء كان بحسب اللغة مثل كفوءاً بالهمزة أو بالواو و مخففاً ومثقلاً أبو بحسب الصرف مثل يرتد ويرتدد أو بحسب النحو مثل : (لا يقبل منها) بالتاء والياء وما يسري الى المعنى ولم يخل بالمقصود مثل الريح والرياح للجنس والجمع فان في امثال هذه موسّع علينا القراءات المعروفة وعليه يحمل ما ورد عنهم من اختلاف القراءة في كلمة واحدة وما ورد ايضاً من تصويبهم القراءتين جميعاً أو يحمل على انهم عليه‌السلام لما لم يتمكنوا ان يحملوا الناس على القراءة الصحيحة جوّزوا القراءة بغيرها كما اشير اليه بقولهم عليهم‌السلام : اقرؤوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم وذلك كما جوّزوا قراءة أصل القرآن كما هو عند الناس دون ما هو محفوظ عندهم.

وعلى التقديرين نحن في سعة منها جميعاً وقد اشتهر بين الفقهاء وجوب التزام عدم الخروج عن القراءات السبع أو العشر المعروفة لتواترها وشذوذ غيرها والحق ان المتواتر من القرآن اليوم ليس الا القدر المشتترك بين القراءات جميعاً دون خصوص آحادها اذ المقطوع به ليس الاذاك فان المتواتر لا يشتبه بغيره (١).

واما ابن الجزري فقد ذهب الى ان المراد من الاحرف السبعة بعد تتبعه وامعان النظر في نيف وثلاثين سنة على حد تعبيره ان القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها يرجع اختلافها الى سبعة اوجه من الاختلاف لا يخرج عنها وذلك اما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو البخل بأربعة ويحسب

__________________

(١) الوافي ج ٢ ص ٢٧٢ ط قم مكتبة السيد المرعشي.

٢٣

بوجهين او بتغير في المعنى فقط نحو (فتلقى آدم من ربه كلمات) واما في الحروف بتغير في المعنى لا في الصورة نحو (يتلو) و (تتلو) أو عكس ذلك ـ اي في الصورة لا في المعنى ـ نحو (بصطة) و (بسطة) أو بتغيرهما نحو (اشد منكم) و (منهم).

واما في التقديم والتأخير نحو (فيقتلون) و (ويقتلون) أوفي الزيادة والنقصان نحو (وأوصى) ، (ووصى) فهذه سبعة أوجه.

وقالت طائفة رابعة ان المراد بسبعة أحرف وجوه القراءة التي اختارها القراء وهي السبعة المشهورة وقال المطرزي في المغرب هذا أحسن الأقوال فيها وهو ظاهر كلام الباقلاني.

وقال محمد بن أبي صفرة : القراءات السبع التي يقرؤها الناس اليوم انما هي حرف واحد من تكلك الاحرف السبعة ويقرب منه قول مكي بن ابي طالب حيث قال هذه القراءات التي يقرأها الناس وصحت روايتها عن الائمة جزء من الاحرف السبعة التي نزل بها القرآن.

وقال طائفة خامسة انه قد انكر اكثر أهل العلم ان يكون معنى الاحرف اللغات واختلف هؤلاء على أقوال فقيل هي في المعاني يعنى انه نزل القرآن على سبعة اصناف من المعاني واحتج بحديث ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (كان الكتاب الأول منزلا من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة ابواب على سبعة احرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وامثال) وردّ اولا بعدم ثبوت هذا الحديث من طريق معتبر وثانياً بان قوله زاجر وما بعده استيناف كلام آخر أي هو يعني القرآن زاجر لا تفسير للاحرف او تفسير للأبواب لا للأحرف يعني ان للقرآن سبعة ابواب من ابواب الكلام وقيل هي في اختلاف اللفظ واتحاد المعنى .. الخ الى آخره من الاقوال المضطربة والمتداعية كما سيأتي بيان ما فيها من الوهن والقصور الا اننا قد اطلنا في نقلها لقصد ايضاح ما فيها من الزيف وكشف تهافتها.

٢٤

قال المحقق السيد البروجردي في تفسيره :

و ... ما يتوهم من ان المارد بها القراءات السبع المشتهرة في الازمنة المتأخرة وهو توهم فاسد نبه على فساده كثير من الخاصة والعامة .. بل صرحوا بان القراءات المتداولة بينهم في الاعصار المتقدمة كانت أزيد من عشرين وقد صنفوا فيها الكتب والتصانيف وان أول من اقتصر على السبعة هو ابن مجاهد وقد اعترضوا عليه في اختيار العدد والمعدحود بل حكى الاجماع عنهم فضلا عن غيرهم على فساد هذا التوهم ومنها غير ذلك من الأقوال الكثيرة المحكية عنهم على نحو أربعين قولا بل ربما يقال ان الخبر من المشكل الذي لا يدري معناه لأن الحرف يصدق لغة على حرف الهجاء وعلى الكلمة وعلى المعنى وعلى الجملة .. (١).

وقد روى في بعض المصنفات الحديثيّة للشيعة الامامية ما يتضمن نفس المعنى وذلك في روايتين رواهما رئيس المحدثين الصدوق (رض) في كتاب الخصال :

(الاولى) عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن آبائه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتأني آت من الله فقال : ان الله يأمرك ان تقرأ القرآن على حرف واحد فقلت : يا ربّ وسع على امّتي فقال : ان الله يأمرك ان تقرأ القرآن على سبعة أحرف (٢).

(الثانية) عن الامام الصادق عليه‌السلام حين قال له حمّاد : ان الأحاديث تختلف عنكم قال فقال عليه‌السلام : ان القرآن نزل على سبعة أحرف وادناها للامام ان يفتي على سبعة وجوه ثم قال : هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب (٣).

أقول : ونجيب عنه بوجوه :

(الاول) موافقتها للاخبار العامية المتقدمة بصريح اللفظ والمعنى والحمل

__________________

(١) تفسير الصراط المستقيم ج ٣ ص ٩٩.

(٢) الخصال ج ٢ ص ٤٠٢ المذيل بالترجمة الفارسية.

(٣) نفس المصدر السابق.

٢٥

على التقية منن اظهر المصاديق التي صرح بها جمع من المحققين بل المشهور بينهم (١).

وقال السيد حسين البروجردي في تفسير الصراط المستقيم :

لا يخفى عليك ان هذه الأخبار لضعف سندها وقصور دلالتها وموافقتها للاخبار العامية المتقدمة بل جملة منها بعينها مروية عن طرقهم ومخالفتها لما يأتي مما هو أقوى سنداً واوضح دلالة لا تتنهض حجة لاثبات نزوله على الوجوه السبعة بحسب المادة أو الهيئة او اللغة انتهى (٢).

وقال الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه :

ان التمسك بالخبر المزبور لصحة القراءات وتواترها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في غير محله وكفاك شاهداً لذلك ما قيل من انه نقل اختلافهم في معناه الى ما يقرب من اربعين قولا انتهى (٣).

وقال الشهيد الثاني في مسالك الافهام في باب المهر ما لفظه :

انه قد فسرها بعضهم بالقراءات السبع وليس بجيد لأن القراءات المتواترة لا تنحصر في السبعة بل ولا في العشرة كما حقق في محله واقتصروا على السبعة تبعاً لابن مجاهد حيث اقتصر عليها تبركاً بالحديث وفي اخبارنا ان السبعة ليست هي القراءات بل انواع التركيب من الأمر والنهي والقصص وغيهرا.

(الثاني) انها معارضة بما هو اقوى منها سنداً ومتناً ودلالة واستفاضة.

(الثالث) قصور دلالتها فلا تنهض حجة لاثبات نزوله على القراءات السبع للقراء السبعة الشمهورين وغير ذلك من المعاني المتقدمة كما سيأتي تفصيل القول فيه عما قريب.

(الرابع) على ما هو الارجح عندي والاقوى لدي من ان الرواية التي

__________________

(١) نفس المصدر السابق

(٢) تفسير الصراط المستقيم ج ٣ ص ٩٣.

(٣) مصباح الفقيه ج ٢ ص ٢٧٤.

٢٦

رواها الصدوق عن الامام الصادق عليه‌السلام والاخرى التي رواها عن امير المؤمنين عليه‌السلام غير منافية للروايات التي وردت في الباب من طرق الشيعة والتي تمنع من نزول القرآن على سبعة احرف بمعنى سبع قراءات او نحو ذلك فلا تجعل صفاً لصف مع امثال خبر الهاشمي ولا تنزل منزلتها الذي ينطبق عليه ما قدمنا ذكره من سهام النقض والابرام بل قصارى ما يمكن ان يفهم من تلك الروايات المنع من ارادة المعاني المتقدمة والتي ذهب جمع علماء العامة اليها وجعلوها ذريعة للعبث في سياق الفاظ القرآن وصورتها المادية وهيئتها العنصرية حتى وصلت الى الحالة التي انتهت اليها من الاختلاف والاضطراب.

واما خبر حماد المتقدم فانه مجمل لا يفهم المراد من معنى الحرف الذي ورد ذكره فيه بل هو أجنبي عنها فلابد أن يتتناوله بيان مستقل وتجعل الرواية التي رواها علم الهدى السيد المرتضى في كتاب المحكم والمتشابه والتي هي بمحل من الاعتبار مبينة وشارحة ومفصلة للمراد بالحرف الوارد في خبر حماد وانه معنى أجنبي وانشائي مستأنف وجعل جديد لا يتنافى مع أصول المذهب ومسائله مضافاً الى ما فيه من القرائن والشواهد اللفظية على هذه الدعوى وها نحن ننقلها من الكتاب المذكور بتمامها وكمالها ليتضح موضع الاستدلال منها مع ما هي عليه من جودة المنطوق وكثرة المحصول مع ما صدرها السيد المرتضى نفسه حيث قال قدس الله نفسه الزكية :

اعلموا رحمكم الله ان من لم يعرف من كتاب الله عزوجل الناسخ من المنسوخ والخاص من العام والمحكم من المتشابه والرخص من العزائم والمكي والمدني واسباب التنزيل والمبهم من القرآن في الفاظه المنقطة والمؤلفة وما فيه من علم القضاء والقدر والتقديم والتأخير والمبين والمعمى والظاهر والباطن والابتداء من الانتهاء والسؤال والجواب والقطع والوصل والمستثنى منه والجار فيه والصفة لما قبله مما يدل على بعده والمؤكد منه والمفصل وعزائمه ورخصه ومواضع فرائضه

٢٧

واحكامه ومعنى حلاله وحرامه الذي هلك فيه الملحدون والموصول من الألفاظ والمحمول على ما قبله وعلى ما بعده فليس بعالم بالقرآن ولا هو من أهله ومتى ادعى معرفة هذه الاقسام مدع بغير دليل فهو كاذب مرتاب مفتر على الله الكذب ورسوله ومأواه جهنم وبئس المصير ولقد سال امير المؤمنين عليه‌السلام شيعته عن مثل هذا.

فقال : ان الله تعالى انزل القرآن على سبعة أحرف كل قسم منها كاف شاف وهي أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص ان في القرآن ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وخاص وعام ومقدم ومؤخر ورخص وعزائم وحلال وحرام وفرائض واحكام ومنقطع معطوف ومنقطع غير معطوف وحرف مكان حرف.

ومنه ما لفظه خاص ومنه ما لفظه عام محتمل العموم ومنه ما لفظه واحد ومعناه جمع ومنه ما لفظه جمع ومعناه واحد ومنه ما لفظه ماض ومعناه مستقبل ومنه ما لفظه الخبر ومعناه حكاية عن قوم آخرين ومنه ما هو باق محرف عن جهته ومنه ما اهو على خلاف تنزيله ومنه ما تأويله في تنزيله ومنه ما تأويله مع تنزيله ومنه ما تأويله قبل تنزيله ومنه ما تأويله بعد تنزيله ومنه آيات بعضها في سورة وتمامها في سورة اخرى ومنه آيات نصفها منسوخ ونصفها متروك على حاله.

ومنه آيات مختلفة اللفظ متفقة المعنى ومنه آيات متفقة اللفظ مختلفة المعنى ومنه آيات فيها رخصة واطلاق بعد العزيمة لأن الله عزوجل يحب ان يؤخذ برخصه كما يؤخذ بعزائمه ومنه رخصة صابحها فيها بالخياران شاء اخذ بها وان شاء تركها ومنه رخص ظاهرها خلاف باطنها ومنه ما يعمل بظاهرها عند التقية ولا يعمل بباطنها مع التقية ومنه مخاطبة القوم والمعنى لآخرين ومنه مخاطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعناه واقع على امته ومنه ما لا يعرف تحريمه الا بتحليله ومنه ما تأليفه وتنزيله على غير ما انزل فيه.

ومنه رد من الله واحتجاج على جميع الملحدين والزنادقة والدهرية والثنوية القدرية والمجبرة وعبدة الاوثان وعبدة النيران ومنه احتجاج على

٢٨

النصارى في المسيح عليه‌السلام ومنه الرد على اليهود ومنه الرد على من زعم ان الايمان لا يزيد ولا ينقص وان الكفر كذلك ومنه الرد على من زعم انه ليس بعد الموت وقبل القيامة ثواب وعقاب ومنه رد على من انكر فضل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جميع الخلق ومنه رد على من انكر الاسراء به ليلة المعراج ومنه رد على من أثبت الرؤية.

ومنه صفات الحق وابواب معاني الايمان ومنه وجوبه ووجوهه ومنه رد على من انكر الايمان والكفر والشرك والظلم والظلال ومنه رد على من وصف الله وحده ومنه رد على من انكر الرجعة ولم يعرف تأويلها.

ومنه رد على من زعم ان الله عزوجل لا يعلم الشيء حتى يكون ومنه رد على من لم يعرف الفرق بين المشيئة والارادة والقدرة في مواضع ومنه معرفة ما خاطب الله عزوجل به الائمة والمؤمنين ومنه اخبار خروج القائم منا ومنه ما بين الله فيه شرائع الاسلام وفرائض الاحكام والسبب في معنى بقاء الخلق ومعائشهم ووجوه ذلك.

ومنه اخبار الانبياء وشرائعهم وهلاك اممهم ومنه ما بين الله تعالى في مغازى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحروبه وفضائل اوصيائه وما يتعلق بذلك ويتصل به فكانت الشيعة اذا فرغت عن تكاليفها تسأله عن قسم قسم فيخبرها (١) .. الى ان قال في تفصيل تلك الاحرف السبعة بعد كلام طويل له في توضيح ما أجمله فيها تقدم من نقل كلامه عليه أفضل الصلاة والسلام فقال : (٢).

[١] وأما ما فرضه سبحانه من الفرائض في كتابه : فدعائم الاسلام وهي خمس دعائم وعلى هذه الفرائض بنى الاسلام فجعل سبحانه لكل فريضة من هذه الفرائض اربعة حدود لا يسمع احد جهلها أولها الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم الولاية وهي خاتتمتها والحافظة لجميع الفرائض والسنن.

فحدود الصلاة اربعة معرفة الوفت والتوجه الى القبلة والركوع والسجود

__________________

(١) رسالة المحكم والمتشابه من ص ٥ الى ص ٩ ط حجري.

(٢) نفس المصدر السابق ص ٧٧.

٢٩

وهذه عوام في جميع الناس العالم والعامل وما يتصل بها من جميع أفعال الصلاة والأذان والاقامة وغير ذلك ولما علم الله سبحانه ان العباد لا يستطيعون أن يؤدوا هذه الحدود كلها على حقايقها جعل منها فرائض وهي الأربعة المذكورة وجعل ما فيها من غير هذه الاربعة المذكورة من القراءة والدعاء والتسبيح والتكبير والأذان والاقامة وما شاكل ذلك سنة واجببة من أجلها عمل بها فهذا ذكر حدود الصلاة.

واما حدود الزكاة فأربعة أولها معرفة الوقت التي تجب فيه الزكاة والثاني القيمة والثالث الموضع التي توضع فيه الزكاة والرابع العدد فاما معرفة العدد والقيمة فانه يجب على الانسان ان يعلم كم يجب من الزكاة في الاموال التي فرضها الله تعالى من الابل والبقر والغنم والذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب فيجب ان يعرف كم يخرج من العدد والقيمة ويتبعها الوزن والكيل والمساحة فما كان من العدد فهو باب الابل والبقر والغنم واما المساحة فمن باب الأرضين والمياه وما كان من الكيل فهو من أبواب الحبوب التي هي من أقوات الناس في ذلك واما الوزن فمن الذهب والفضة وسائر ما يوزن من أبواب سلع التجارات مما لا يدخل فيه العدد ولا الكيل فاذا عرف الانسان ما يجب عليه في هذه الاشياء وعرف الموضع التي توضع فيه كان مؤدياً للزكاة على ما فرض الله تعالى.

واما حدود الصيام فاربعة حدود : أولها وثانيها اجتناب الاكل والشرب والثالث اجتناب القيء متعمداً والرابع الاغتماس في الماء وما يتصل بها وما يجري مجراها والسنن كلها واما حدود : الحج فأربعة وهي الاحرام والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف في الموقفين وما يتبعهما وما يتصل بها فمن ترك هذه الحدود وجب عليه الكفارة والاعادة واما حدود الوضوء للصلاة فغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين وما يتعلق بهما ويتصل سنة واجبة على من عرفها وقدر على فعلها.

٣٠

واما حدود المستحق للامامة فمنها ان يعلم الامام المتولى عليه انه معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها لا يزل في الفتيا بولا يخطي في الجواب ولا يسهو ولا ينسي ولا يلهوه شيء من امور الدنيا.

والثاني ان يكون اعلم الناس بحلال الله وحرامه وضروب احكامه وامره ونهيه وجميع ما يحتاج الناس اليه ويتسغني عنهم والثالث يجب ان يكون اسخى الناس وان بخل الناس كلهم لانه ان استولى عليه الشح شح على ما في ايديه من اموال المسلمين والخامس العصمة من جميع الذنوب وبذلك يتميز عن المأمومين الذين هم غير معصومين لأنه لو لم يكن معصومأً لم يؤمن عليه ان يدخل فيها يدخل فيه الناس من موبقات الذنوب المهلكات والشهوات واللذات ولو ضل في هذه الاشياء لاحتاج الى من يقيم الحدود فيكون حينئذ اماماً مأموماً ولا يكون ان يكون الامام بهذه الصفة.

واما وجوب كونه اعلم اللناس فانه لولم يكن اعلم الناس لم يؤمن عليه تقلب الاحكام والحدود وتختلف عليه القضايا المشكلة فلا يجيب عنها او يجيب عنها بخلافها واما وجوب كونه اشجع الناس فلما قدمنا انه لا يجوز ان ينهزم فيبوء بغضب من الله تعالى وهذه لا يصح ان تكون صفة الامام.

واما وجوب كونه اسخى الناس فلما قدمنا وذلك لا يليق بالامام وقد جعل الله بهذه الاربعة دليلين أبان بهما المشكلات وهما الشمس والقمر اي النبي ووصية بلا فصل.

[٢] واما الزجر في كتاب الله تعالى : فهو ما نهى الله سبحانه ووعد عليه بالعقاب لمن خالفه مثل قوله : (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا) وقوله تعالى : (ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن).

وقوله سبحانه : ( ولا تأكلوا الربا اضعافاً مضاعفة ) وقوله تعالى : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ) ومثل هذا كثير في كتاب الله تعالى.

٣١

[٣] زاما الترغيب في كتاب الله تعالى : فقوله ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاماً محموداً ) وقوله ( من عمل صالحاً منن ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) وقوله ( من عمل صالحاً من ذكر او انثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ) وقوله : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يره ) وقوله تعالى : ( يا ايها الذين آمنوا هل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله ورسوله ) الآية وقوله : ( ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً ) وأمثال ذلك كثير في كتاب الله.

[٤] واما الترهيب في كتاب الله تعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم ) الى قوله ( وولكن عذاب الله شديد ) وقوله عزوجل : ( واتقوا يوماً ترجعون فيه الى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) وقوله تعالى ( يا ايها الذين آمنوا اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً ) الى آخر الآية وقوله ( ان اللذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ).

[٥] واما الجدال ومعانيه في كتاب الله تعالى : فقوله تعالى : ( وان فريقاً من المؤمنين لكاذبون يجادلونك في الحق بعد ما تبين لهم كأنما يساقون الى الموت وهم ينظرون ) ولما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى بدر كان خروجه في طلب العدو وقال للصحابة : ان الله عزوجل وعدني ان اظفر بالعير او بقريش فخرجوا مع على هذا فلما اقبلت العير وامره الله بقتال قريش اخبر أصحابه فقال : ان قريشاً قد اقبلت وقد ووعدني الله سبحانه احدى الطائفتين انها لكم وامرني بقتال قريش.

قال : فجزعوا من ذلك وقالوا : يا رسول الله تعالى : ( واذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم وتؤدون ان غير ذات الشوكة تكون لكم ) الى قوله ( ويقطع دابر الكافرين ) وكقوله سبحانه ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشكتي

٣٢

الى الله ) وقوله سبحانه ( وجادلهم بالتي هي احسن ) ومثل هذا [ كثير في كتاب الله تعالى.

[واما] الاحتجاج علىالملحدين وأصناف المشركين مثل قوله حكاية عن قول ابراهيم عليه‌السلام : ( الم تر الى الذي حاج ابراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ) الى آخر الاية وقوله سبحانه عن الانبياء في مجادلتهم لقومهم في سورة الاعراف وغيرها وقوله تعالى حكاية عن قوم نوح عليه‌السلام : ( يا نوح قد جادلتنا فاكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين ) ومثل هذا كثير موجود في مجادلة الامم للانبياء.

[٦] واماما في كتاب الله تعالى من القصص عن الامم فانه ينقسم على ثلاثة اقسام : فمنه ما مضى فما حكاه الله تعالى فقال : نحن نقص عليك أحسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن) ومنه قول موسى لشعيب (فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين) ومنه ما انزل الله من ذكر شرائع الانبياء وقصصهم وقصص اممهم حكاية عن آدم الى نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم اجمعين.

وما الذي كان في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فمنه ما انزل الله تعالى في مغازيه واصحابه وتوبيخهم ومدح من مدح منهم وذم من ذم منهم وما كان من خير وشر وقصة كل فريق منهم مثل ما قص من قصة غزاة بدر واحد وخيبر وحنين وغيرها من المواطن والحروب ومباهلة النصارى ومحاربة اليهود وغيره مما لو شرح لطال به الكتاب.

واما قصص ما يكون بعده مما أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله به وما لم يخبر والقيامة واشراطها وما يمكن من الثواب العقاب واشباه ذلك.

[٧] واما ما في كتاب الله تعالى من ضرب الامثال مثل قوله تعالى : ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة) الى آخر الاية وقوله تعالى : مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا انفسهم) الاية وكقوله

٣٣

الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) الى آخر الاية وانما ضرب الله سبحانه هذه الامثال للناس في كتابه ليعتبروا بها ويستبدلوا بها ما اراده منهم من الطاعة وهو كثير في كتاب تعالى اه (١).

(العامل التاسع) اختلاف الرواة من جهات :

(الاولى) اختلافهم في الاصقاع والامصار وتفرقهم في المدن المتباعدة.

(الثانية) اختلافهم في المذهب فلم يكونوا في الاعتقاد على مذهب واحد بل كل طائفة منهم ان لم تقل كل واحد منهم كانت تدين بمذهب من المذاهب الاسلامية وهذا بطبيعة الحال يوجب الاختلاف في المبنى واصول التلقي والرواية.

(الثالثة) اختلافهم في النقل والرواية فكل واحد منهم كان ينقل في واضع خاصة من القرآن بخلاف ما ينقل الاخرون في روايتهم عن الصدر الاول والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالذات.

(الرابعة) اختلافهم في اغراض النقل فبعضهم ينقل بقصد الرواية وبعضهم للدراية وبعضهم للغيرة والحمية على الدين وبعضهم لنيل حطام الدنيا واشباع البطن وهكذا.

(العامل العاشر) مجاورة المسلمين على حدود الدولة الاسلامية للاعاجم حيث شدة المخالطة لهم والتعامل معهم اديا الى شيوع اللحن على السنتهم لتداخل اللغة باقتضاء ضرورة التعايش والتجاور قال ابو نصر الفارابي في كتاب الالفاظ والحروف :

كانت قريش أجود العرب انتقاء الافصح من الالفاظ واسهلها على اللسان عند النطق واحسنها مسموعأً وأبينها عما في النفس والذين عنهم نقلت اللغة العربية وبهم اقتدى وعنهم أخذ السان العربي من بين قبائل العرب هم : قيس وتميم واسد فان هؤلاء هم الذي أخذ عنهم اكثر ما أخذ ومعظمه وعليهم اتكل في الغريب

__________________

(١) رسالة المحكم والمتشابه لعلم الهدى السيد المرتضى ص ٨٤ ط حجري.

٣٤

و في الاعراب التصريف ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم وبالجملة فانه لم يؤخذ عن حضري لا عن سكان البرارري ممن كان يسكن اطراف بلادهم التي تجاور سائر الامم الذين حولهم :

لم يؤخذ من لخم ولا من جذام فانهم كانوا مجاورين لأهل مصر والقبط ولا من قاعة ولا من غسان ولا من اياد فانهم كانوا مجاورين لأهل الشام واكثرهم نصارى يقرؤون بصلاتهم بغير العربية.

ولا من تغلب ولا النمر فانهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونانية.

ولا من بكر لانهم كانوا مجاورين للنبط والفرس.

ولا من عبد القيس لانهم كانوا من سكان البحرين مخالطين للهند والفرس.

ولا من أزدعمان لمخالطتهم للهند والفرس.

ولا من اهل اليمن اصلا لمخالطتهم للهند والحبشة ولولادة الحبشة فيهم.

ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة ولا من ثقيف وسكان الطائف لمخالطتهم تجار الامم المقيمين عندهم.

ولا من حاضرة الحجاز لان الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدؤوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا من غيرهم من الامم وفسدت السنتهم (١).

القراءات القرآنية في عهد ابي بكر

روى البخاري باسناده عن عبيد بن السباق ان زيد بن ثابت قال : أرسل ابوبكر مقتل (اي عقيب مقتل) اهل اليمامة فاذا عمر بن الخطاب عنده قال ابو بكر : ان عمر أتاني فقال : ان القتل قد استحر (اي كثر واشتد) يوم اليمامة بقراء القرآن واني اخشى ان بستحر القتل بالقراء المواطن فيذهب كثير من القرآن واني أرى ان تأمر بجمع القرآن قلت لعمر : كيف تفعل ما لم يفعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

__________________

(١) الاقتراح للسيوطي ص ٢٢ نقلا عن كتاب الفارابي (الالفاظ والحروف).

٣٥

قال عمر : هذا والله خير فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في الذي رأى عمر قال زيد : قال ابو بكر : انك رجل شاب عاقل لانتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان اثقل على مما أمرني به من جمع القرآن قلت : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال : هو واله خير فلم يزل ابوبكر يراجعني حتى شرح اله صدري للذي شرح له صدر ابي بكر وعمر فتتبعت القرآن اجمعه من العسب (١) واللخاف (٢) وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع ابي خزيمة الانصاري لم اجدها مع غيره « لقد جاء كم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص » حتى خاتمة براءة.

فكانت الصحف عند ابي بكر حتى توفاه الله تعالى ثم عند عمر حتى توفاه الله تعالى ثم عند حفصة بنت عمر.

أقول : لا يخفى على الفطن النبيه ما في هذه الرواية من التهافت.

(اما اولا) فلمخالتفها لما تقدم ذكره حيث تم التعرض لمن جمع القرآن في عصر النبوة فضلا عمن دوّنه وهم من الكثرة بما لا يدع مجالا للشك فيه.

(واما ثانياً) في قوله (كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حيث دل على نقض صريح لمقام النبوة الخاتمة وهو نظير ما حيك ضد شخصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من انه لم يعرف بنبوته لولا اخبار ورقة بننوفل بتوسط زوجته خديجه (رض) فالرسول الاكرم صاحب الرسالة الخاتمة والتي شرعت لكافة الاجيال وللعالمين الى قيام الساعة لا يدوّن قرآنه ويرجع الفضل في ذلك لغيره وبعد زمنه يا سبحان الله وكيف كان فبطلانه مما شهد به الوجدان مؤيداً بالعيان فضلا عن اقامة البرهان وتمام التحقيق في هذه المقام سنودعه في كابنا (كنز القراء) ان شاء الله تعالى

__________________

(١) جمع عسيب وهو جريد من النخل.

(٢) جمع لخفة وهي حجارة بياض رقاق.

٣٦

(واما ثالثاً) ما جاء فيه في قوله (قد كنت تكتب الوحي لرسول الله) فاذا كان زيد كاتباً للوحي فكيف يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يفعله ولم يأمر به.

(واما رابعاً) اذا كان القرآن قد جمع ي عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حسبما تقدم بيانه فلماذا لم يعتمد أو يشار ولو الى نسخة من تلك النسخ المجموعة.

(واما الخامس) فما هو الدليل على ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر كتاب الوحي بكتابة القرآن على العسيب واللخاف على الرغم من وجود الرق والورق وهو زعيم الدولة يومذاك وقائدها ووفرة الامكانات في يده وتحت امرته لكي يأتي من يوجه جمع أبي بكر بأنه كان اول جمع للقرآن على الورق وفي مصحف واحد وكان القرآن في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مجموعاً مكتوبأ مفرقاً على العسيب واللخاف.

(واما سادساً) فلماذا يغفل أي ذك لأمير المؤمنين علي بن طالب وحواري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من امثل سلمان وابي ذر والمقداد في هذا الموضوع المهم الم يكونوا من حفاظه وكتابه وحملته واعيان قرائه؟!!.

القرءات القرآنية في عهد عمر بن الخطاب

قال ابن سعد في طبقاته :

أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس ، حدثني سليمان بن بلال عن سعد بن اسحاق بن كعب بن عجرة عن محمد بن كعب القرظي قال :

جمع القرآن في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خمسة من الانصار معاذ بن جبل وعبادة بن صامت وابي بن كعب وأبو أيوب الدرداء ، فلما كان زمن عمر بن الخطاب كتب اليه يزيد بن ابي سفيان : ان أهل الشام قد كثروا وربلوا وملؤوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن ويفقههم فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم ، فدعا عمر اولئك الخمسة فقال لهم : ان اخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين ، فأعينوني رحمكم

٣٧

الله بثلاثة منكم ، ان أجبتم فاستهموا وان انتدت ثلاثة منكم فليخرجوا ، فقالوا ما كنا لنتساهم ، هذا شيخ كبير لأبي ايوب وأما هذا فسقيم لأبي بن كعب ، فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء.

فقال عمر : ابدؤوا بحمص فانكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة ، منهم من يلقن فاذا رأيتم ذلك فوجهوا اليه طائفة من الناس فاذا رضيتم منهم فليقم بها واحد وليخرج واحد الى دمشق والآخر الى فلسطين. وقدموا حمص فكانوا بها حتى اذا رضوا من الناس أقام بها عبادة وخرج أبو الدرداء الى دمشق ومعاذ الى فلسطين ، وأما معاذ فمات عام طاعون عمواس ، وأما عبادة فصار بعد الى فلسطين فمات بها ، وأما أبو الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات (١).

أقول : ولا يخفي ما في هذا الخبر ايضاً ومخالفته للخبر المتقدم الحاكي لجمع ابي بكر للقرآن باشارة من عمر فاذا كان اولئك الخمسة من الانصار قد جمعوا القرآن في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم العمدة في ضبطه وتدوينه وجمعه وتأليفه فأي خطر خيف منه على القرآن من جراء اشتداد القتل بقرائه في اليمامة واذا كانوا على قيد الحياة في زمن عمرو كان لهم من الصيت ولاشهرة ما دفع عمر لارسال بعضهم للشام فما هو المانع من الاعتماد عليهم في زمن أبي بكر بدلاً من زيد بن ثابت على الرغم من صغر سنه وحداثة عهده قياساً باولئك.

بل لماذا لم يعول على ما جمعوه اذ مع وجوده لا يكون هناك خطراً على بقاء القرآن يضاف الى ذلك انه لم ينقل ان ما جمعه اولئك كان بينه اختلاف فيما بينهم فيه بل لم ينكر على أحد منهم في آية تفرد بها على من سواء في تدوينها وضبطها بل لم ينقل عنهم ادنى من ذلك كاختلاف في هيئة كلمة أو حركة اعراب.

ولا يخفى على كل من له ذرة نباهة وعقل يعقل به وفكر يعي به ان ما روى

__________________

(١) الطبقات الكبرى ج ٢ ص ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

٣٨

عن ابي بكر في طريقه جمعه للقرآن على حد تعبير السيوطي في الاتقان عن مغازي موسى بن عقبة عن ابي شهاب قال : لما اصيب المسلمون باليمامة فزع ابو بكر وخاف ان يذهب من القرآن طائفة فاقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد ابي بكر في الورق فكان ابو بكر أول من جمع القرآن في المصحف ثم اعلن عمر في المدينة بأن ياتي كل من تلقى شيئاً من القرآن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال ابو بكر لعمر وزيد : اقعدا على باب المسجد فمن جاء كما بشاهدين على كتاب الله فاكتباه.

لس له اي قيمة تاريخية واي اعتبار علمي لما في من التهافت والتناقض والنقض والاضطراب بحد لم يدع مجالا لامكان الاخذ به بعين الاعتبار.

وخلاصة القول في المقام ان الورايات الواردة في كتب اهل السنة حول هذا الموضوع بلغت من الاضطراب والتناقض حداً يقطع بسقوطها جميعاً من دون حاجة بنا الى الاستدلال بشواهد خارجة عن دائرتها لنقضها وردها.

القرءات القرآنية في عهد عثمان بن عفان

وى الذهبي في سير اعلام النبلاء عن عامر الشعبي قال : ولم يجمع احد من الخلفاء من الصحابة القرآن غير عثمان. (١)

وقال ابن سعد في طبقاته الكبرى اخبرنا محمد بن عمر اخبرنا ابو بكر ابن عبد الله بن ابي سبرة عن مسلم بن يسار عن ابن مرسامولي لقريش قال : عثمان بن عفان جمع القرآن في خلافة عمر. (٢)

أقول : وقد وقع في هذا الموضوع ايضاً من الاضطراب نظيرها تقدم.

وحكى ابو عبد الله الزنجاني في تاريخ القرآن عن البخاري وصاحب الفهرست انهما قالا : حدثنا ابراهيم قال حدثنا ابن شهاب ان انس بن مالك حدثه ان حذيفة

__________________

(١) سير الاعلام النبلاء ج ٢ ص ٣٤٠.

(٢) الطبقات الكبرى ج ٢ ص ٣٥٦.

٣٩

ابن اليمان قدم على عثمان ـ (في الفهرست وكان بالعراق) ـ وكان يغازي اهل الشام في فتح ارمينة واذربيجان مع أهل العراق فافزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان يا امير المؤمنين ادرك هذه الامة قبل ان يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فارسل عثمان الى حفصة ان أرسلي الينا بالمصحف ثم نردها اليك فأرسلت حفصة الى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.

وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : اذا اختلفهم انتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فانما انزل بلسانهم.

وخرج ابن ابي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال : لما أراد عثمان ان يكتب المصحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والانصار فبعثوا الى الربعة (١) التي في بيت عمر فجئ بها وكان عثمان يتعاهدهم اذ تداروا (٢) في شيء اخروه قال محمد : فظننت انما كان يؤخرونه لينظروا احدثهم عهداً بالعرضة الاخيرة فيكتبونه على قوله.

وقال ابن حجر : فاتفق رأي الصحابة على ان كتبوا ما تحقق انه قرآن في العرضة الأخيرة وتركوا ما سوى ذلك.

ويدل على قول ابن حجر ذيل حديث البخاري عن خارجة بن زيد بن ثابت قال : فقدت آية من الاحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت اسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع ابي خزيمة بن ثابت الانصاري « من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه » فألحقناها في سورتها في المصحف (٣).

أقول : ولقائل ان يقول من اين ذلك المصحف لحفصة ومن اعطاها اياه

__________________

(١) يقال فتح العطار ربعته وهي جونة الطيب وبها سميت ربعة المصحف.

(٢) داورت الامور طلبت وجوه مأتاها.

(٣) تاريخ القرآن لابي عبد الله الزنجاني ص ٤٣ ـ ٤٤.

٤٠