أصول الفقه - ج ١

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٣٩

جملة الأفعال التي يحكم العقل بحسنها ، إلاّ أنّها لمّا كانت قصدية كان حسنها الفعلي عين حسنها الفاعلي ، فلاحظ وتدبر. وقد عرفت في صدر البحث أن الواجب التعبدي خارج عن هذا البحث ، لأنّ دليل عباديته يتكفل باثبات اعتبار ما فوق القصد المجرد باتيانه بداعي التقرب أو بداعي الأمر.

ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما تضمنته الحاشية المذكورة من الايراد على الوجه الثاني بقوله : أوّلا إنّه ( أعني الوجه الثاني ) لا ينافي سقوط التكليف ... إلخ (١) فان سقوط التكليف فيما إذا أتى بالفعل سهوا لأجل دليل يدل على ذلك لا ينافي ما أفاده شيخنا من الوجه الثاني وانه لو خلي ونفسه يقتضي اعتبار القصد في متعلق الأمر ، إذ لا ريب في أنه مع الدليل الخاص يرفع اليد عما يقتضيه الأمر من عدم سقوطه إلا بالقصد.

وأما ما تمسك به المحشي من إطلاق المادة وأن التقييد بالقدرة عقلي ، فقد عرفت أن ظهور الأمر في القصد ينفي إطلاق المادة في شمولها لما لا قصد فيه. وأما ما اعترف به شيخنا قدس‌سره (٢) في مسألة الضد من صدق المأمور به فيما لو حصلت المادة مع عدم القدرة فذلك أمر آخر لا دخل [ له ](٣) بما لو صدرت لا عن قصد.

وأما ما ذكره المحشي في الحاشية المذكورة ثانيا بقوله : إن الدعوى المزبورة إنما تتم على مذهب من يرى أن المنشأ بالصيغة إنما هو مفهوم الطلب أو البعث أو النسبة الايقاعية أو ما يقاربها من المفاهيم ، وأما على ما حققناه من أنّه ليس إلاّ إظهار اعتبار كون المادة على ذمة المكلف ...

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١٥٣.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٢٥ وما بعدها.

(٣) [ لا يوجد في الأصل ، وإنما أضفناه للمناسبة ].

٣٨١

إلخ (١).

فيمكن الخدشة فيه أوّلا : منع ذلك المبنى وإلا لعاد الانشاء إخبارا. وأن اعتبار كون المادة في ذمة المكلف لا يكون إلاّ بجعلها في ذمته.

وثانيا : أنا لو سلّمنا صحة ذلك المبنى لتأتى فيه عين التقريب الذي أجراه شيخنا قدس‌سره (٢) في الصيغة بناء على أنّها لانشاء الطلب والبعث من التمسك بجعل الداعي ، فكما يكون الغرض من إنشاء البعث والطلب هو جعل الداعي وبه يتم المطلوب ، فكذلك يكون الغرض من إظهار اعتبار المادة في ذمة المكلف هو جعل الداعي. وإن شئت فقل : إنّ الغرض من اعتبار المادة في ذمة المكلف ومن إظهار ذلك الاعتبار هو جعل الداعي وتوليده في ناحية المكلف على وجه يكون ذلك مولدا للداعي في ناحية المكلف. فاستوت الطريقتان في أن الغرض من التكليف هو جعل الداعي وتوليده ، وإذا وصلت النوبة إلى ذلك يتم المطلوب المدعى الذي هو كون القصد داخلا في حيّز المأمور به على وجه لو أوجد المكلف الفعل ساهيا أو نائما لم يكن المأمور به منطبقا عليه ، بل كان خارجا عن هذه السلسلة أعني إحداث الداعي والمدعو إليه على ما أفاده شيخنا قدس‌سره فيما حرّره عنه في الوجه الثاني.

نعم ، إن الوجه الثاني وكذلك الوجه الأول لو تمّا كانا من أدلة كون الأصل اللفظي قاضيا بالعبادية على ما سيأتي بيانه فيما بعد (٣) عن الحاج الكلباسي قدس‌سره في الاشارات.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١٥٣.

(٢) أجود التقريرات ١ : ١٥٤.

(٣) في صفحة : ٤٨١ ـ ٤٨٢ ، ٤٦٦.

٣٨٢

قوله في الحاشية المشار إليها : وأما على ما حققناه من أنّه ليس إلاّ إظهار اعتبار كون المادة على ذمة المكلف ، فلا موجب لاشتراط التكليف بالقدرة أصلا ، غاية الأمر أن العقل يعتبرها في موضوع حكمه في مرحلة الالزام بالامتثال ... إلخ (١).

لا يخفى أن كلامه مع شيخنا قدس‌سره إنما هو في اعتبار القصد والاختيار في قبال الفعل الصادر سهوا ونوما ، ولا دخل لذلك بمسألة القدرة وأنها شرط في الأمر أو قيد في المأمور به أولا هذا ولا ذاك ، وإنما هي بحكم العقل بمعنى كونه شرطا في وجوب الطاعة الذي يحكم به العقل ، أو أنّها شرط في الخطاب الشرعي لا في الملاك ، هذه أبحاث أخر لا ربط لها بما هو محل البحث في هذا المقام أعني كون المأمور به منحصرا بالقصد والاختيار ، ولا يشمل ما يقع سهوا ونوما ونحو ذلك من سوالب القصد والارادة والاختيار ، فإن ذلك أعني ما يصدر سهوا أو نوما وإن كان غير مقدور ، إلا أن محل البحث فيه ليس من ناحية كونه غير مقدور وإلا كان الأمر فيه سهلا باعتبار كونه مشمولا للمأمور به لفظا وخروجه بحكم العقل كما سيأتي البحث فيه مع المحقق الثاني في أوائل الترتب (٢) ، بل إن البحث فيه من ناحية كونه فاقدا للقصد ، والمدعى هو أن متعلق الوجوب والطلب مقيد بكونه صادرا عن القصد ، وأنه لو اتفق صدور الفعل الواجب في حال السهو أو النوم لم يكن مجزيا ولم ينطبق عليه المأمور به ، فلا مورد للسؤال بقوله : فان قلت : ما هي الفائدة ... إلخ ، ولا لجوابه بقوله : قلت : فائدته اجتزاء المكلف ... إلخ (٣).

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١٥٣.

(٢) بل قبله ، راجع الحاشيتين الآتيتين في المجلّد الثالث من هذا الكتاب ، الصفحة : ١٣٦ و ١٤٤.

(٣) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١٥٤.

٣٨٣

ثم إنه قال في آخر الحاشية المذكورة : فتحصل أنه لا مانع من إثبات عدم اعتبار تقيد المأمور به بالقدرة شرعا باطلاق الدليل إن كان ، وإلا فالمرجع هي أصالة البراءة للشك في اعتبار أمر زائد ... إلخ.

تقدم (١) الكلام في أنه لو تمّ ما أفاده شيخنا قدس‌سره من الوجهين لكان مقتضاهما هو كون الفعل عباديا ، وإن لم يتم شيء منهما يمكننا إجراء عين الطريقة التي ذكرناها في مسألة اعتبار المباشرة بدعوى أن قضية النسبة البعثية هو الصدور عن قصد واختيار ، وأن الاكتفاء بنفس صدور الفعل لا عن قصد واختيار محتاج إلى المئونة الزائدة ، فيكون مقتضى الأصل اللفظي من ناحية النسبة البعثية هو التقيد بالقصد والاختيار ، وإن كان نفس المادة لا تقييد فيها بمعنى أنها غير مقيدة بالقصد لكونها في حدّ نفسها شاملة للمقصود وغيره لا أنها شاملة للمقدور وغيره ، لما عرفت من أنه ليس المقام براجع إلى اعتبار القدرة. نعم إن الاطلاق من ناحيتها من أي جهة كان يكون ساقطا بازاء إطلاق النسبة البعثية القاضية باعتبار القصد ، ومع قطع النظر عن قضية إطلاق النسبة البعثية القاضي باعتبار القصد يكون المرجع هو إطلاق المادة القاضي بعدم اعتبار القصد ، ولو سقط هذا الاطلاق أيضا كان المرجع في اعتبار القصد والاختيار هو البراءة كما ذكرناه في مسألة اعتبار المباشرة ، فلاحظ وتدبر.

قوله : وأمّا القسم الثالث وهو السقوط بفعل المحرم ... إلخ (٢).

لا يخفى أن المقصود من فعل المحرم هو ما يكون متحدا معه ومنطبقا عليه. ومنه يعلم اختصاص هذا البحث بالواجب التوصلي ، أما الواجب التعبدي فلا ريب في تقيده بأن لا يكون محرما لعدم معقولية

__________________

(١) في صفحة : ٣٧٥.

(٢) أجود التقريرات ١ : ١٥٤.

٣٨٤

التقرب بالمحرم ، وحينئذ نقول لو كان دليل التحريم أخص مثل اغسل ثوبك ولا تغسله بالمغصوب خرج الثاني من الأول ، وكذا لو كان العكس بأن كان دليل الأمر أخص من النهي مثل النهي عن الكذب والأمر به فيما إذا ترتب عليه إنجاء نبي. ولو كان بينهما عموم من وجه وقع بينهما التعارض مثل اغسل ثوبك ولا تغصب الماء ومثل خلّص المؤمن من القتل ولا تكذب أو مثل أصلح بين أخويك بالقياس إلى قوله لا تكذب. فإن كان في البين تقديم فهو ، وإلا كان المرجع بعد التساقط هو الأصل. أما لو كان التركب انضماميا مثل الأمر بالرياضة البدنية ولا تغصب وقد فعل ذلك في الأرض المغصوبة ، دخلت المسألة في مبحث الاجتماع. وعلى القول بالامتناع يكون حالها حال التركب الاتحادي ، وعلى الجواز من الجهة الاولى تدخل في باب التزاحم. وهنا يؤثر الحسن الفاعلي لكن في خصوص ما لو كان الواجب من العبادات ، أما التوصليات فلا يؤثر عليها عدم الحسن الفاعلي أو القبح الفاعلي ، بل يكون المورد مصداقا للواجب وإن كان من الجهة الاخرى موردا للنهي.

نعم ، لو قلنا بأن صلاح الفعل عبارة عن حسنه ، وأن اعتبار حسنه الفعلي يوجب اعتبار حسنه الفاعلي ، كان المورد خارجا عن الواجب ، لكنك قد عرفت (١) المناقشة في ذلك في مسألة اعتبار القصد فلاحظ.

أما الأول وهو موارد التركب الاتحادي فلا مورد فيه للحسن الفاعلي ، لأنّ خروج الغسل بالماء المغصوب عن عموم الأمر بغسله خروج واقعي ولا دخل فيه للقبح أو الحسن الفاعليين ، لكن لو احتملنا أن ما هو المحرّم

__________________

(١) في صفحة : ٣٧٨.

٣٨٥

أعني الغسل بالمغصوب يكون رافعا للنجاسة التي قد علمنا أنه ليس المطلوب بهذا الأمر إلاّ رفعها ، أو أنه يكون رافعا للملاك ، لم يكن ذلك إلا من قبيل المسقط ، وكان المرجع فيه هو أصالة الاشتغال أو استصحاب الوجوب أو استصحاب موضوع ذلك الوجوب أعني النجاسة ، ولا مجال فيه للتمسك باطلاق الوجوب وشموله لما إذا غسله بالمغصوب ، لما عرفت من عدم جريان الاطلاق في أمثال هذه المقامات ممّا يرجع إلى عالم المسقط.

ومن ذلك يظهر لك التأمل فيما في الحاشية بقوله : نعم بناء على الامتناع وتقديم جانب النهي فلا مناص عن القول بعدم السقوط ... إلخ (١) فإنّ النهي وإن أخرج مورده عن المأمور به فكان المأمور به مقيدا بما عداه ، إلاّ أنّ بحال الشك في سقوطه بالمحرم باعتبار أنه وإن لم يكن من المأمور به إلاّ أنه من المحتمل إسقاطه الأمر بأحد الأنحاء التي ذكرناها ، لم يكن لنا بدّ من نفي الاعتناء بهذا الاحتمال باستصحاب الوجوب أو استصحاب موضوعه ، أو لا أقل من الرجوع إلى أصالة الاشتغال ، فلاحظ.

وأما ما ذكره من أنّ مقتضى القاعدة هو السقوط في مورد الاجتماع بناء على الجواز ، ففيه ما تقدمت الاشارة إليه من أن ذلك إنما يتم لو كان الوجوب توصليا ، أما لو كان تعبديا فانه لا بد من الالتزام بعدم السقوط للقبح الفاعلي المانع من قصد القربة كما حقق في محله في مبحث الاجتماع (٢).

ومن جميع ذلك يظهر لك التأمل فيما أفاده شيخنا قدس‌سره من كون

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١٥٥.

(٢) في الصفحة : ٩٠ وما بعدها من المجلد الرابع من هذا الكتاب ، وراجع أجود التقريرات ٢ : ١٨٠ ـ ١٨١.

٣٨٦

المرجع من الاصول اللفظية هو إطلاق الوجوب ، لما عرفت من أنه لا مورد في هذه المقامات لاطلاق دليل الوجوب بعد فرض خروج المحرم عن تحت الواجب ، وإنما يحصل الشك في كون المحرّم مسقطا للوجوب ، وحينئذ يكون المرجع في هذا الشك هو استصحاب الوجوب أو أصالة الاشتغال.

قوله : وحيث إن التعبد أمر قصدي فلا محالة يكون بأحد الدواعي القربية منها قصد الأمر ... إلخ (١).

قال في الكفاية : إنّ التقرب المعتبر في التعبدي إن كان بمعنى قصد الامتثال والاتيان بالواجب بداعي أمره ، كان ممّا يعتبر في الطاعة عقلا ... إلخ (٢) قد شرحنا في أوائل القطع فى مبحث جواز الاحتياط في العبادات (٣) ، أن الأمر بنفسه لا يعقل كونه داعيا للمكلف ، لأن الداعي عبارة عما يكون بوجوده الواقعي معلولا لفعلك ، وبوجوده العلمي التصوري علة لارادتك المتعلقة بفعلك ، بمعنى أن تصورك لتلك الثمرة المترتبة على فعلك يكون داعيا لارادتك ذلك الفعل ، ومن الواضح أن الأمر بوجوده الواقعي لا يكون معلولا لفعلك ، فلا بد أن يكون الداعي هو امتثال الأمر وجعل الداعي هو نفس الأمر مسامحة. ولأجل ذلك عطف في الكفاية قوله « بداعي الامر » على « قصد الامتثال » ومراد شيخنا قدس‌سره من قصد الامتثال هو هذا المعنى ، يعني كون الامتثال بوجوده التصوري داعيا ومحركا لارادة المكلف. ويشهد بذلك قوله : وحيث إنا فرضنا من جملة الأجزاء والقيود نفس قصد الامتثال

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٥٥.

(٢) كفاية الاصول : ٧٢.

(٣) في المجلّد السادس في الحاشية على قول الماتن قدس‌سره : ولا يقاس الشك ...

٣٨٧

الذي هو عبارة عن دعوة شخص ذلك الأمر ... إلخ (١).

وبالجملة : أنّ نفس الأمر ليس من الدواعي بالمعنى المذكور أعني ما يكون ترتبه على الفعل هو المقصود من ذلك الفعل بل إنّ امتثاله هو من الدواعي. ويستفاد من هذه العبائر أن قصد الأمر عبارة اخرى عن قصد امتثاله ، ومعنى قصد الامتثال هو كون الامتثال غاية من الاقدام على الفعل ، فيكون ذلك هو الداعي الذي يكون بوجوده الواقعي مولّدا عن الفعل وبوجوده التصوري موجبا لتولد الارادة المتعلقة بالفعل.

أما توهم كون المراد من كون الأمر داعيا هو المحركية والسوق الخارجي ، بمعنى أنه لمّا كان عبارة عن البعث والتحريك كان حركة العبد نحو الفعل بتحريكه ، فليس ذلك من سنخ الدواعي بل هو سنخ علل الفعل. وكذلك توهم كون الأمر يعطي الفعل عنوانا حسنا مرغوبا للمأمور وهو كونه مأمورا به ، وهذا العنوان يوجب رغبة المأمور بذلك الفعل. ويمكن إرجاع الوجهين إلى الوجه الأول أعني ما يكون بوجوده الخارجي معلولا للفعل وبوجوده العلمي علة للارادة ، فإن كون عنوان المأمور به داعيا عبارة اخرى عن كون الحصول على المأمور به في الخارج داعيا ، وكذلك كون الأمر سائقا فإنّه إنما يسوق المكلف إلى الفعل لأنّه يولد في حقه الداعي إلى الفعل الذي هو كون الفعل محصلا للاطاعة والامتثال.

والذي يظهر من تقرير درس السيد البروجردي ( سلمه الله تعالى ) (٢) هو أخذ داعوية الأمر بهذا المعنى أعني السوق والتحريك الخارجي ، ولأجل

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٦٢.

(٢) نهاية الاصول ١ : ١١٧ وما بعدها [ لا يخفى أنه قدس‌سره ذكر أربعا من الملكات الخمس المذكورة في المصدر ].

٣٨٨

ذلك جعل الملكات الخمسة أعني ملكة الشكر وملكة الميل إلى طاعة الخالق وملكة الميل إلى ثوابه وملكة الخوف من عقابه من قبيل الدواعي إلى فعل المأمور به ، وإن كان تحريكها متوقفا على وجود الأمر.

ثمّ إنّه جعل الأمر داعيا للفعل وسائقا للعبد نحوه ، وأفاد أنّ هذا السوق والتحريك غير منحصر بالسوق نحو ذات المأمور به ، بل جعله سائقا للعبد إلى كل ما يتوقف عليه وجود المأمور به من مقدمات عقلية وتكوينية وشرعية ، وبذلك أنكر ما هو المشهور من أن الأمر لا يدعو إلاّ إلى ما تعلق به. وبذلك جعل جميع المقدمات عبادية بالنظر إلى أنها إنما يؤتى بها بداعي الأمر ، وأنّ ذلك أعني عباديتها لا يتوقف على القول بأنّها مأمور بها شرعا ، فقال : بل لو قلنا بوجوب المقدمة وتعلق أمر غيري بها ، أمكن أن يقال أيضا بعدم كفاية قصده في عبادية متعلقه ، لعدم كونه أمرا حقيقيا بل هو نحو من الأمر يساوق وجوده العدم ... إلخ (١) وذلك لما أفاده من أن قصد الأمر المتعلق بذيها كاف في عباديتها لكونها في طريق إطاعة الأمر المتعلق بذيها.

وبذلك دفع إشكال عدم القدرة ، فان العبد يأتي بذات الصلاة بداعي أمرها الذي نالها من ناحية الأمر بالمركب أعني الصلاة بداعي أمرها ، وبذلك يكون قد حصل على الاتيان بالصلاة بداعي أمرها ، ويتحقق الجزء الأول وهو ذات الصلاة والجزء الثاني وهو كونها بداعي أمرها.

وهذا الجواب نظير ما يجاب به عن إشكال المصنّف على دخول اللحاظ الآلي في المعنى الحرفي ، من أنّه بناء عليه لا بد من لحاظ آخر

__________________

(١) المصدر المتقدم : ١١٨.

٣٨٩

متعلق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ ، بداهة أن تصور المستعمل فيه ممّا لا بدّ منه في استعمال الألفاظ ، فقد اجيب عنه بأنّ اللحاظ الذي هو شرط الاستعمال كاف في تحقق اللحاظ الذي هو جزء المعنى المستعمل فيه.

وبهذه الطريقة دفع الدور في مقام الامتثال ، فإنّ حاصل ذلك الدور هو : أنّ داعوية الأمر إلى الفعل المأمور به تتوقف على اتصافه بكونه مأمورا به ، واتصاف الفعل بكونه مأمورا به يتوقف على داعوية الأمر إلى الفعل المأمور به.

وأجاب عنه أوّلا : بأنّ داعوية الأمر إلى الفعل المأمور به لا تتوقف على اتصافه بكونه مأمورا به قبل الداعوية ، بل يكفي في ذلك اتصافه بذلك ولو بعد الداعوية.

ثانيا : بما قدّمه من أنّ ذات الفعل يتصف بكونه مأمورا به ولو بالأمر الضمني.

ولا يخفى ما في ذلك كله ، مع أنّه غير واف بدفع روح الاشكال الذي هو في مقام الجعل ، وأنّ ما هو في مرتبة الحكم أو متأخر عنه لا يعقل أخذه في مقام جعل الحكم في موضوع ذلك الحكم. وبعبارة اخرى : لا يعقل لحاظ الحكم في الموضوع في مرتبة جعل الحكم للموضوع. وهذا الاشكال نظير ما أشكله صاحب الكفاية قدس‌سره (١) على أخذ الآلية في المعنى الحرفي في المستعمل فيه ، باعتبار كون اللحاظ الآلي من شئون الاستعمال فلا يعقل أخذه في المستعمل فيه ، لأنّ مرتبة المستعمل فيه متقدمة على مرتبة الاستعمال.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١.

٣٩٠

ثم لا يخفى أنّا قد قررنا مطلبه في الحصول على ذات الصلاة بداعي الأمر المتعلق بها ولو في ضمن الأمر المتعلق بالكل المركب منها ومن داعي الأمر ، وذلك مبني على كون داعي الأمر جزءا ، وأمّا بناء على كونه قيدا فله طريقة اخرى هي المتحصّل ممّا أفاده بعد نقل ما في الكفاية من أنّ الجزء التحليلي لا يكون مأمورا به ، قال ما هذا لفظه :

أقول : نحن لا نحتاج في إيجاد الصلاة بداعي الأمر إلى تعلق أمر بذات الصلاة كما هو محط نظره قدس‌سره بل نفس الأمر بالمقيد يدعو إليها أيضا ، ويكفي أيضا في مقربيتها وعباديتها إتيانها بداعي هذا الأمر ، وذلك لما عرفت في المقدمة الثانية من أنه يكفي في عبادية الأجزاء التحليلية والخارجية والمقدمات الوجودية والعلمية إتيانها بداعي الأمر المتعلق بالكل وبذي المقدمة. وقوله « لا يكاد يدعو الأمر إلاّ إلى ما تعلق به لا إلى غيره » واضح الفساد ، فإن الأمر كما يكون داعيا إلى نفس متعلقه كذلك يكون داعيا إلى كل ما له دخل في تحققه من غير احتياج في مدعويتها للأمر إلى تعلق أمر بها على حدة ... إلخ (١).

فهو سلّمه الله تعالى يرى أنّ معنى داعوية الأمر هو كونه سائقا للمكلف على الحصول على متعلقه ، وهو أعني الأمر كما يسوق المكلف إلى نفس متعلقه فكذلك يسوقه إلى كل ما يتوقف عليه وجوده من المقدمات بأسرها. وهذه الصلاة بذاتها وإن لم يتعلق بها الأمر بذاتها إلاّ أنها يتوقف وجوده في الخارج عليها ، فهي في الحقيقة مقدمة وجودية للمأمور به ، فللمكلف أن يأتي بهذه المقدمة بداعي وسائق الأمر المتعلق بذيها ، وإذا

__________________

(١) نهاية الأصول ١ : ١٢٠.

٣٩١

أتى المكلف بها بذلك الداعي يكون قد حصل على ذات المأمور به أعني الصلاة المقيدة بداعي الأمر ، وبذلك تنقلب المقدمة وتصير بعينها هي ذا المقدمة. ولازم ذلك هو كون الأمر المتعلق بالصلاة المقيدة بداعي الأمر التي هي ذو المقدمة أمرا صوريا ليتمكن المكلف من الحصول على ذي المقدمة بالاتيان بالمقدمة بداعي الأمر المتعلق بذي المقدمة ، وبذلك تنقلب المقدمة إلى ذي المقدمة.

ولا يخفى أنّا وإن فسرنا الداعي في كلماته بالسائق المشابه للسائق التكويني نظير قول الحسين عليه‌السلام لأخيه الحسن عليه‌السلام : ما الذي دعاك إلى الصلح مع هذا الطاغية. وقول الحسن له عليهما‌السلام : دعاني الذي دعا أباك إلى التحكيم (١). إلاّ أنه يمكن أن يكون مراده به الداعي الاصطلاحي أعني الغاية المترتبة على الفعل ، ويكون المراد من كون الأمر داعيا هو كون امتثاله داعيا. وهذا الداعي أعني الحصول على امتثال الأمر كما يحرك إرادة العبد نحو نفس المأمور به ، فكذلك يحرك إرادته نحو ما يتوقف عليه المأمور به من المقدمات بأسرها ، بل لعل المراد بالداعي في كلامهما عليهما‌السلام هو هذا المعنى ، فلاحظ.

نعم ، إن إطلاقه الداعي على الملكات الخمس لا بد أن يكون المراد هو ما يساوق السائق التكويني ، ولا بد حينئذ من التسامح في ذلك وإلاّ فهو قد أطلق الداعي على الأمر ، وقد عرفت إمكان كونه على الاصطلاح من أخذ امتثاله في الداعوية. وحيث كان إطلاقه الداعي على الملكات من باب التسامح ، فلا يرد عليه ما أورده عليه المقرّر في حاشيته (٢) فلاحظ. بل

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤٠ ( نقل بالمضمون ).

(٢) نهاية الاصول ١ : ١١٧ ـ ١١٨.

٣٩٢

يمكن التأويل في إطلاق الداعي على هذه الملكات ، باعتبار أنّ من له ملكة الشكر يتوخى ويتطلب من فعله ما يترتب عليه من حصول شكر المنعم ، وهكذا بالنسبة إلى البواقي ، هذا.

ولكنك قد عرفت أنه لو سلّم ذلك كله فهو لا يدفع الاشكال الوارد في أصل الجعل من عدم معقولية لحاظ نفس الحكم في مرتبة لحاظ موضوع ذلك الحكم.

وأما ما تضمنته الحاشية على تحرير درس شيخنا قدس‌سره من قوله : فالأمر بالصلاة مثلا المقيدة بقصد الأمر يكون أمرا بالمجموع المركب من الفعل الخارجي والنفساني ، ومن الواضح أن الأمر بالمركب ينحل إلى الأمر بكل من الجزءين ، فيكون ذات الفعل متعلقا لحصته من الأمر الفعلي لا محالة ، كما أن جعل هذه الحصة من الأمر داعيا إلى الفعل متعلق للحصة الثانية من الأمر ، فاذا اتي بالفعل بداعي الأمر المتعلق به في ضمن الأمر بالمركب فقد تحقق تمام المركب في الخارج ... إلخ (١) فلعله ليس براجع إلى ما أفاده السيد البروجردي ( سلمه الله تعالى ) فيما نقلناه عن تحرير درسه من التشبث بذيل أن المقدمة وإن كانت جزءا تكون قابلة للاتيان بها بداعي امتثال الأمر المتعلق بذيها. بل كأنّه يريد بذلك مطلبا آخر ، وهو أن المركب هو مجموع الصلاة وقصد أمرها ، والأمر المتعلق بالمجموع المركب منهما أمر توصلي غير مقيد بالاتيان بذلك المركب بداعيه ، بل هو في حد نفسه توصلي. وحينئذ تكون لنا حصتان من الأمر ، وقد تعلقت الحصة الاولى من ذلك الأمر بذات الصلاة ، والحصة الثانية من الأمر تعلقت بالاتيان

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١٦٠ ـ ١٦١.

٣٩٣

بالصلاة بداعي تلك الحصة من الأمر ، فإذا أتى المكلف بذات الصلاة التي هي جزء المأمور به بداعي تلك الحصة من الأمر المتعلقة بذاتها فقد حصل المكلف على تمام المركب ، وبذلك يكون قد امتثل تمام الأمر بالمركب.

ويظهر هذا الوجه من تحرير درس الاستاذ العراقي قدس‌سره للآملي فراجعه في جواب الوجه الثاني وفي جواب الوجه الثالث (١).

كما أنه يظهر ذلك من المقالة ، فانه قال : إذ الأمر المتعلق بالجميع وإن كان واحدا ، ولكن بملاحظة قابلية التحليل بقطعة متعلقة بالذات وقطعة اخرى متعلقة بالدعوة ، كان العلم بكل قطعة علما على حدة ، فأحدهما محرك لمحركية الآخر ، وحينئذ من أين يلزم محركية الأمر إلى محركية نفسه كي يجيء ما ذكرت من المحذور (٢) قال ذلك في مقام الرد على ما أفاده المرحوم الشيخ محمد حسين الاصفهاني قدس‌سره في حاشيته على الكفاية فإنه قال : بل التحقيق في خصوص المقام أن الانشاء حيث إنه بداعي جعل الداعي ، فجعل الأمر داعيا إلى جعل الأمر داعيا يوجب عليّة الشىء لعلية نفسه ، وكون الامر محركا الى محركية نفسه ، وهو كعلية الشيء لنفسه ... إلخ (٣).

ولا يخفى ما فيه ، فإنه عبارة عن كون الآمر في حال إيجاده الأمر بالكل ناظرا إلى لزوم الاتيان بأحد جزأي المأمور به المركب بداعي الحصة التي نالته من الأمر بالمركب. وبالأخرة أن هذه الحصة من الأمر يكون متعلقها معتبرا فيه الاتيان بداعي تلك الحصة من الأمر ، لأن المركب

__________________

(١) بدائع الأفكار : ٢٢٥ ، ٢٢٦ ـ ٢٢٨.

(٢) مقالات الاصول ١ : ٢٣٦.

(٣) نهاية الدراية ١ : ٣٢٥.

٣٩٤

الارتباطي يكون كل جزء منه مقيدا بالجزء الآخر ، وحينئذ يعود الاشكال الذي فررنا منه ، أعني كون متعلق الأمر معتبرا فيه الاتيان بمتعلقه بداعيه ، غايته أن هذا الاشكال لم يكن بنحو التقييد محضا بل كان بنحو التركيب الارتباطي في ناحية المأمور به وفي ناحية الأمر ، مضافا إلى أنّ الآمر بالمركب في حال جعله الأمر على ذلك المركب لا ينظر إلاّ إلى نفس الأمر ونفس المجموع الذي تعلق به أمره ، ولا يعقل النظر منه في ذلك الحال إلى حصص الأمر وحصص المأمور به ، وأن الجزء الثاني من المأمور به يكون عبارة عن الاتيان بالحصة الاولى بداعي الحصة الاولى من ذلك الأمر المتعلق بالمركب ، ليكون حاصله هو أن الحصة الثانية من المأمور به والحصة الثانية من ذلك الأمر المتعلقة بالحصة الثانية من المأمور به تصرفا في الحصة الاولى من المأمور به التي تعلق بها الحصة الاولى من الأمر ، فكانت الحصة الثانية من الأمر تصرفا في الحصة الاولى من ذلك الأمر المتعلق بالمجموع.

ومن ذلك يظهر لك الخلل فيما ذكره بعد هذه العبارة وذلك قوله : فإنّه بناء على الانحلال المزبور يكون أحد الأمرين الضمنيين داعيا إلى داعوية الأمر الضمني الآخر ... إلخ (١) فان ذلك إنما يتصور في الأمرين المستقلين ، بأن يعلّق الأمر أوّلا بالصلاة ثم يأمر ثانيا بالاتيان بتلك الصلاة بداعي ذلك الأمر الأول كما أفاده شيخنا قدس‌سره (٢). أما مع الأمر الواحد المتعلق بالكل فلا يعقل فيه أن تكون إحدى الحصتين من الأمر المتعلق بالمجموع داعية إلى داعوية الحصة الاخرى ، فإن الحصة الداعية إلى داعوية الحصة

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١٦١.

(٢) أجود التقريرات ١ : ١٧٣.

٣٩٥

الاخرى تكون متأخرة رتبة عن الحصة الاولى ، فلا يعقل جعلهما بايجاب واحد.

والخلاصة : هي أن هذا الأمر المتعلق بالمجموع المركب من الصلاة وداعي الأمر إن كان تعبديا بمعنى أنه يعتبر في ذلك المجموع المركب الاتيان به بداعي ذلك الأمر المتعلق بذلك المجموع ، كان الاشكال باقيا بحاله وزاد الطين بلة من ناحية دعوة الأمر إلى داعي نفسه. وإن كان توصليا فلما ذا يكون اللازم هو الاتيان بأحد جزأي ذلك المتعلق وهو الصلاة بداعي الحصة المتعلقة به من الأمر ، ولا بد أن يكون الجواب هو أنّ الحصة الثانية من الأمر المتعلقة بالجزء الثاني الذي هو قصد امتثال أمر الصلاة هي القاضية بلزوم الاتيان بالصلاة بداعي الحصة المتعلقة بها من الأمر بالمجموع ، وحينئذ تكون الحصة الثانية من الأمر متأخرة عن الحصة الاولى منه لكونها تصرفا في امتثال الأول ولا يعقل جعلهما بجعل واحد.

مضافا إلى أنّ هذا الواجب المركب من الصلاة وداعي أمرها ارتباطي وهو قاض بتقيد الجزء الأول بالجزء الثاني. فيكون الحاصل أن نفس الصلاة التي تعلقت بها حصتها من الأمر تكون مقيدة بوجود الجزء الثاني من ذلك المركب الذي هو كون الاتيان بها بداعي تلك الحصة ، فيعود الاشكال بعينه. ولا مجال للقول بأنّ هذا المركب غير ارتباطي ، لأن لازمه هو أنه لو جاء بذات الصلاة كان ذلك مسقطا لتلك الحصة من الأمر المتعلقة بها في ضمن الأمر المتعلق بالكل ، كل ذلك.

مضافا إلى جريان أصل الاشكال أيضا من ناحية اخرى ، وهي أن لازم ذلك أن تكون الصلاة في رتبة تعلق تلك الحصة من الأمر بها ملحوظا بها قصد الأمر ، لأن هذا اللحاظ جاءها من ناحية الحصة الثانية من الأمر ،

٣٩٦

وهي في مرتبة الحصة الاولى لكونهما بقالب واحد. وبعبارة اخرى كون الحصتين مجعولا واحدا. ولا يقاس ذلك على مثل قوله « اركع ركوعا بعده السجود » لأن هذا المثال من باب تقييد الركوع بوجود السجود بعده ، فليس في البين أمر واحد منبسط على مجموع الاثنين كما فيما نحن فيه. على أن مثل قوله « صل بداعي الأمر » لا يكون إلاّ من قبيل التقييد وليس ذلك من قبيل التركيب ، فلاحظ وتدبر.

والخلاصة : هي توجه الاشكال على هذه الحاشية وعلى ما أفاده الاستاذ العراقي في المقالة بقوله : إذ الأمر المتعلق بالجميع وإن كان واحدا ولكن بملاحظة قابلية التحليل بقطعة متعلقة بالذات وقطعة اخرى متعلقة بالدعوة كان العلم بكل قطعة علما على حدة ، فأحدهما محرك لمحركية الآخر ... إلخ (١) من وجوه أربعة :

الأول : أن القطعة الثانية من الأمر المتعلق بالمجموع لا يعقل أن تكون ناظرة إلى القطعة الاولى من ذلك الأمر أعني بها القطعة المتعلقة بذات الصلاة وحاكمة عليها مع كونهما مجعولين بجعل واحد. بل مع فرض كون المجعول واحدا وهو الوجوب الواحد ، غاية الأمر أن العقل يحلّل ذلك الوجوب إلى قطعتين ، فلا يعقل أن يكون البعض من ذلك الوجوب حاكما على البعض الآخر أو شارحا له.

الوجه الثاني : أن هذا الواجب المركب وإن كان توصليا إلاّ أنّ أجزاءه ارتباطية. ومعنى الارتباط هو كون الجزء الأول منه مقيدا بالجزء الثاني. فتكون النتيجة هي أن الجزء الأول الذي هو ذات الصلاة التي تعلق بها

__________________

(١) مقالات الاصول ١ : ٢٣٦.

٣٩٧

الحصة الاولى من ذلك الوجوب تكون مقيدة بالجزء الثاني الذي هو قصد الأمر المتعلق بها أعني الحصة المتعلقة بالصلاة ، فيعود المحذور وهو كون متعلق تلك الحصة من الطلب أعني الحصة الاولى من الطلب مقيدا بداعي تلك الحصة.

الثالث : أنّ الحصة الثانية من الوجوب تكون في رتبة الحصة الاولى منه ، لما عرفت من كون الجعل والمجعول واحدا ، فكانت ذات الصلاة في رتبة تعلق تلك الحصة من الطلب بها مطلوبا بها قصد الأمر. وبالجملة كان طلب قصد الامتثال بالصلاة مقارنا في الرتبة لتعلق الحصة من الطلب بها ، ففي رتبة تعلق الحصة من الطلب بها يكون الآمر طالبا قصد امتثال الأمر بها ، وأهم هذه الاشكالات هو الأول والثاني ، فلاحظ وتدبر.

الرابع : أن لازم هذه الطريقة هو كون الحصة الثانية من الأمر بالمركب مشروطة بالحصة الاولى منه ، لأن الحصة الثانية متعلقة بالاتيان بالصلاة بداعي الحصة الاولى من الأمر التي هي متعلقة بذات الصلاة. فلا بد من أخذ الحصة الاولى مفروضة الحصول بالنسبة إلى الحصة الثانية ، وحينئذ يكون بعض الأمر الواحد المتعلق بالمركب الارتباطي شرطا في البعض الآخر منه ، وليس هو إلاّ أمرا واحدا جعلا ومجعولا.

وهذا حاصل الاشكال الذي ذكره المحشي بقوله ، فإن قلت : أخذ قصد الأمر في المتعلق ... إلخ (١) لكنّه صرفه إلى الاشكال في قدرة المكلف ، فأجاب عنه بقوله : قلت بما أن قصد الأمر وجعله داعيا إلى الفعل الخارجي من أفعال النفس ... إلخ ، وقد عرفت أن الاشكال متوجه إلى

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١٦٠.

٣٩٨

الجعل لا إلى قدرة المكلف.

هذا كله على تقدير كون المراد بالأمر في قولنا « إنّ المأمور به هو الصلاة المقيدة بداعي الأمر » هو نفس شخص الأمر المتعلق بالصلاة المقيدة بداعي الأمر. وأمّا لو كان المراد به هو طبيعة الأمر الذي يكون أحد مصاديقه هو ذلك الأمر المتعلق بها ، بدعوى أن الصلاح إنما هو في الصلاة المأتي بها بداعي الأمر الكلي ، ويسري ذلك إلى ذلك الشخص من الأمر سراية قهرية لكونه أحد مصاديق الطبيعة ، فلا يرد عليه الاشكالات السابقة في أخذ شخص ذلك الأمر في متعلقه حتى على طريقة شيخنا قدس‌سره (١) من أخذ الأمر مفروض الوجود في الأمر.

وهذه الطريقة أعني كون الأمر هو طبيعة الأمر قد سلكها سيدنا الاستاذ السيد أبو الحسن قدس‌سره كما حررته عنه في درسه ، ونظّر ذلك بمثل قولك : كل خبري صادق ، في شموله لنفس هذا القول ، مع فرض أنه لم يصدر منه إلاّ ذلك الخبر.

وقد سلكها أيضا الاستاذ العراقي قدس‌سره في مقالته (٢) ونظّر ذلك بشمول صدّق العادل للوسائط في باب حجيّة خبر العادل. ولعلّ التنظير الأول أولى ، لأنه عين مسألتنا ، حيث إنّ المأخوذ في الصلاة وإن كان هو داعي طبيعة الأمر ، إلاّ أنه لا أمر هناك إلا هذا الأمر الذي تعلق بما اخذ فيه ذلك القيد ، فيكون حاله حال قولك : [ كل ](٣) خبري صادق في قصد طبيعة الخبر مع أنّك لم يصدر منك إلاّ هذه الجملة. وهذا بخلاف وجوب التصديق في

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٦١ ـ ١٦٢.

(٢) مقالات الاصول ١ : ٢٣٩.

(٣) [ لا يوجد في الأصل ، وإنما أضفناه للمناسبة ].

٣٩٩

حق الشيخ بمعنى رتب الأثر ، فإنّه وإن انحصر الأثر فيه بلزوم التصديق إلاّ أنه في حق المفيد لا في حق الشيخ ، فيمكن التعدد أو التغاير بين الموضوع والحكم من هذه الناحية.

نعم ، إن في نفس المثال الذي ذكره السيد قدس‌سره مناقشة خاصة ، وهي أنه مع فرض أنه لم تصدر منه إلاّ تلك الجملة لا تكون تلك الجملة متصفة بصدق ولا بكذب ، إذ لا واقع لها كي تكون مطابقة له أو غير مطابقة كما حققناه فيما لو قال : « أول جملة تسمعها من زيد هي صادقة » وقال زيد : « إن ما أخبرك ذلك المخبر كاذب » إلاّ أنه إشكال في المثال ولا يتأتى فيما نحن فيه أعني طبيعة الأمر ، ولك أن تغيّر المثال إلى قولك : « كلامي عربي حسن ».

وعلى أيّ حال ، أن هذه الطريقة لو التزمنا بها لا يبقى إشكال في البين إلاّ إشكال عدم القدرة. ويندفع بالتركيب المذكور وجعل الأمر متعلقا بالمجموع المركب ، والالتزام بتقطيع الأمر إلى قطعة متعلقة بذات الصلاة وقطعة متعلقة بداعي الأمر الكلي الذي يكون مصداقه قهرا هو القطعة الاولى من الأمر المتعلقة بذات الصلاة.

نعم [ يرد ](١) على ذلك ما سيأتي (٢) إن شاء الله تعالى من أنّ الداعي الذي هو عبارة عن تصور العنوان الباعث على الارادة ليس هو من أفعال النفس بل هو من انفعالاتها أو من كيفياتها. نعم إن قصد العنوان بالفعل الخارجي من أفعال النفس وليس هو عبارة عن نفس الداعي. لكن الذي يظهر من المحشي أنه جعلهما شيئا واحدا ، فعطف جعل الأمر داعيا على

__________________

(١) [ لا يوجد في الأصل ، وإنما أضفناه للمناسبة ].

(٢) في صفحة : ٤٣٣ وما بعدها.

٤٠٠