أصول الفقه - ج ١

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٣٩

وهي أنّ الذات في طرف المحمول محمول عليها وصف الكتابة بالقوة أو بالفعل. وهذه القضية التي هي في طرف المحمول محمولة برمّتها موضوعا ومحمولا على الذات التي في طرف الموضوع ، فقولنا « زيد كاتب » ينحلّ بناء على التركيب إلى قولنا « زيد زيد كاتب » وهذه القضية التي هي في طرف المحمول إن كانت صادقة كان حملها برمّتها على زيد في طرف الموضوع بضرورة الايجاب ، وإلا كان حملها عليه بضرورة السلب.

ويشهد بذلك ما نقله بعض السادة من مشايخنا قدس‌سرهم أنّ النسخ القديمة من الفصول تشتمل على تكرار لفظ زيد في قوله زيد الكاتب ... إلخ وان كان المضمون المذكور لا يتوقف على زيادتها لكفاية الألف واللام عن تكرار زيد ، فلاحظ.

ولا يبعد الجزم بأنّ في العبارة سقطا ، وذلك الساقط إمّا هو لفظ زيد الثاني ، فيكون معنى العبارة هو ما ذكرناه ، وإما أن يكون الساقط هو لفظ كاتب بعد قوله « الكاتب » ليكون الصحيح هو بهذا اللفظ « لكن يصدق زيد الكاتب كاتب بالقوة أو بالفعل بالضرورة » وحينئذ يكون مفادها هو ما ذكروه من أخذ المحمول قيدا في الموضوع.

ولكن لا يخفى أنّ أخذ المحمول قيدا في الموضوع يوجب الانقلاب إلى الضرورة ، سواء قلنا إنّ مفهوم المشتق بسيط أو قلنا بأنه مركب ، ولا يكون ذلك مختصا بالقول بالتركيب. وأمّا قوله في آخر العبارة مما مفاده اختصاص الاشكال بالتركب من مفهوم الذات أو مصداقها ... إلخ فكأنّه يومئ إلى التركب من المادة والهيئة الدالة على النسبة الناقصة ، فذلك ممّا لا يمنعه البرهان المذكور ، فلاحظ وتدبر.

وعلى كل حال ، أن البرهان على هذه القضية في طرف المحمول هو

٢٨١

ما أفاده في الكفاية من قوله : لأن الأوصاف قبل العلم بها أخبار ... إلخ ، وكأن شيخنا قدس‌سره وكذلك صاحب الكفاية قدس‌سره فهما من قول صاحب الفصول « إن كانت مقيدة به واقعا صدق الايجاب بالضرورة » أنّ صاحب الفصول يريد أن يقيّد الذات في طرف الموضوع بكونها كاتبة ، ثم بعد هذا التقييد يحمل عليه عنوان الكاتب ، فأوردا عليه بأنّ ذلك من قبيل الضرورة بشرط المحمول. لكنك قد عرفت أنّ مراده هو أن القضية الثانية التي هي في طرف المحمول إن كانت صادقة ومطابقة للواقع كان حملها برمّتها على الذات في طرف الموضوع بالضرورة الايجابية.

نعم ، يرد على صاحب الفصول : أن تحليل التركيب التقييدي في ناحية المحمول إلى تركيب حملي لا يزيد نغمة الطنبور ولا ينقصها ، فإنّ الاشكال الذي أورده على التقييد بقوله : إن المحمول ليس مصداق الشيء والذات مطلقا بل مقيدا بالوصف ... إلخ جار في انحلال ذلك التقييد إلى الجملة الحملية ، فيقال : إنا لو قلنا زيد زيد كاتب ، لم يكن زيد الثاني محمولا مطلقا على زيد الأول ، بل كان المحمول هو زيد الثاني المحمول عليه كاتب ، ولا يكون حينئذ حمله عليه ضروريا لجواز كون الكاتب غير ضروري ، وحينئذ يتوجه عليه ما أفاداه قدس‌سرهما فيقال : إنّ هذه القضية الحملية أعني قولنا زيد كاتب في حملها على زيد الذي طرف الموضوع إن لم يكن محمولها دخيلا في الحمل وكان المحمول هو نفس زيد كانت القضية ضرورية ، وإن كان محمولها دخيلا في الحمل انحل حملها على زيد الأول إلى قضيتين : حمل موضوعها على الموضوع وحمل محمولها على ذلك الموضوع أيضا ، والاولى ضرورية قطعا وأما الثانية فهي غير ضرورية إلاّ إذا أخذنا المحمول فيها قيدا في الموضوع ، فلاحظ وتأمل.

٢٨٢

قوله : بخلاف ما إذا قلنا بالبساطة فانه عليه ليس المشتق إلاّ نفس المبدأ المأخوذ لا بشرط ـ ثم قال بعد أسطر : ـ فإنّ المتّصف بالعناوين الاشتقاقية هي الذوات ، وهي باقية بعد زوال التلبس ، فيصح الاستعمال مجازا ... إلخ (١).

يمكن دعوى التهافت بين هاتين الجملتين. والحق هو الجملة الأخيرة. أما الاولى وهي كون المشتق نفس المبدأ لا بشرط ، فقد عرفت الاشكال فيها ، وأن المبدأ في جميع المشتقات مأخوذ بشرط النسبة ، غاية الأمر أن النسبة فيها مختلفة ، ففي الفعل صدورية وفي المشتق تطبيقية حاصلة من أخذ المشتق عنوانا بسيطا للذات وهو منتزع عنها باعتبار تلبسها بالمبدإ. فليس النظر فيه إلى نفس الحدث بل إن النظر فيه إلى الذات باعتبار تلبسها بالمبدإ. ولو كان المنظور إليه في المشتق هو نفس الحدث كان اللازم عدم صحة الاستعمال بعد انقضائه ، وكان أسوأ حالا من الجوامد بعد تبدل صورتها النوعية إلى صورة اخرى ، وكان مقتضاه أن لا يصح الاستعمال في موارد الانقضاء ولو مجازا. وما أجاب به شيخنا قدس‌سره بقوله : قلنا نعم إلاّ أن المتصف بالعناوين الاشتقاقية حين الاتصاف ... إلخ كأنه خروج عن الفرض ، إذ المفروض أن المشتق هو نفس المبدأ وذلك هو التهافت ، ونظير هذه الجملة الاولى قوله : وهذا بخلاف العناوين الاشتقاقية فانها عين مبادئها وهي بسيطة ، فإذا انعدمت المبادئ تنعدم العناوين بالكلية ولا يبقى شيء أصلا (٢).

وحينئذ يظهر لك أن القول ببساطة المشتق لا يوجب القول باعتبار

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١١٠ ـ ١١١.

(٢) أجود التقريرات ١ : ١١٣ [ مع اختلاف عما في النسخة القديمة غير المحشاة ].

٢٨٣

التلبس الفعلي ، لامكان القول بأنّ هذا العنوان المنتزع عن الذات باعتبار تلبسها بالمبدإ بعد فرض أن كان تمام النظر فيه إلى الذات هو منتزع عنها باعتبار مطلق التلبس ولو فيما مضى ، وإن شئت فقل : إن التلبس علة في صدق العنوان ، ويقع الكلام في كونها علة مادامية أو أنّها محدثة مبقية.

ومن ذلك يتّضح لك التأمل فيما أفاده بقوله : وتوضيح ذلك ، أنه إن قلنا بالوضع للمركب ، فلا محالة يكون الركن الوطيد هو الذات ، وانتساب المبدأ إليها كأنه جهة تعليلية لصدق المشتق عليها ، ومن المعلوم أن النسبة الناقصة التقييدية لم يؤخذ فيها زمان دون زمان ... إلخ (١) فإنّ التركيب على ما أفاده قدس‌سره من قوله قبيل هذه العبارة : فان قلنا بالتركب فحيث إن مفهوم المشتق اخذ فيه انتساب المبدأ إلى الذات ... إلخ (٢) لا يكون إلا بأن تكون النسبة دخيلة في مفهوم المشتق ، أما كون الركن الركين هو الذات وأن النسبة علة في صدق العنوان على الذات فذلك هو عين البساطة. والذي حررته عنه هو : أنّ المنظور إليه على القول بالتركيب هو الذات ، وقد اخذ تلبسها بالحدث جهة تقييدية فيها فراجع. اللهم إلاّ أن يكون المراد هنا أنه وإن كان جهة تقييدية إلاّ أنه كأنه جهة تعليلية ، فلاحظ وتدبر.

وأمّا قوله : ومن المعلوم أن النسبة الناقصة التقييدية لم يؤخذ فيها زمان دون زمان ... إلخ (٣) فهو إنّما يصح دليلا على كون الموضوع له هو مطلق النسبة لا النسبة الحالية في الزمان الحالي ، كل ذلك بعد فرض دلالته على النسبة الذي هو عبارة اخرى عن القول بالتركيب ، فيكون

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١١٢.

(٢) أجود التقريرات ١ : ١١٠.

(٣) أجود التقريرات ١ : ١١٢.

٢٨٤

الحاصل حينئذ هو أنا لو قلنا بالتركيب بالمعنى المذكور أمكننا القول بأنه للأعم ، بل تعين علينا ذلك ، لأن الهيئة الدالة على النسبة التي هي المنشأ للقول بالتركيب لا دلالة لها على الزمان الحالي ، بل لا دلالة لها على الزمان أصلا.

ثم لا أظن أنّ القائلين بالتركيب يقولون بأنّ هيئة المشتق تتضمّن نسبة الحدث إلى الذات ، بل لا يبعد القول بأن هيئته عندهم كما هي عند القائلين بالبساطة ، لكنهم يدعون دخول الذات في مفهومه من باب كون عنوان المشتق صفة للذات ، بل لا أظن أن للقول بالتركيب أساسا سوى ذلك الجواب عن الاشكال في تعريف النظر بأنه ترتيب امور معلومة بالنقض بالتعريف بالفصل والخاصة ، فاجيب بالتركيب وأن قولنا ناطق أو ضاحك بمنزلة شيء له النطق أو له الضحك.

ولا أظن أن الجواب يحتاج إلى هذا التعمق ، بل يكفي في الجواب أن يقال : إن المقام من قبيل حذف الموصوف وبقاء الصفة. ولعلّ أصل الجواب كان كذلك لكن غيّره التعمق إلى ما صنعه المتأخرون ، وليت شعري كيف يتخيل المنطقي أنّ الفصل أو الخاصة مركبة ليرد عليه إشكالات الشريف وما هو نظيرها ممّا تقدم. وما هذا الاشكال والجواب عنه إلا كما لو قال النحوي لا بد في إعمال اسم الفاعل من كونه معتمدا على الموصوف ، ثم يشكل عليه بمثل جاءني ضارب زيدا. فيجيب بتحقق الاعتماد لأنه في قوة قولك إنسان ضارب.

ولعل من ادعى كون المشتق يتضمّن النسبة التقييدية لم ينظر إلاّ إلى هذه الجهة أعني كونه عنوانا وصفة ، ولا بدّ له من موصوف أو معنون إما ظاهر معه ، كأن تقول جاءني إنسان ضارب ، أو مقدر كأن تقول جاءني

٢٨٥

ضارب ، فيكون مراده بالنسبة التقييدية هو التوصيفية ، وأن تركيب المشتق مع موصوفه تركيب وصفي إما ظاهر أو مقدر.

ثم إنه شرح المراد بالتركيب فقال : إن مفهوم المشتقات بناء على التركيب ليس مركبا من مفهوم المبدأ ونسبة ناقصة تقييدية ـ إلى قوله : ـ بل القائل بالتركب إنّما يدعي التركب من الذات والمبدأ ، غاية الأمر أن المفهوم متضمن لمعنى حرفي كأسماء الاشارة والموصولات ، إلى آخر ما أفاده (١) ، فراجعه فانه مشتمل على جمل لا تخلو من غرابة ، ولا أظن القائل بالتركيب يقصد شيئا من تلك المفادات ، فلاحظ وتأمل.

قوله : ويدل عليها ـ زيادة على البراهين السابقة ـ التبادر ، فانه لا إشكال ولا ريب في أنّ أهل كل لغة يتبادر إلى أذهانهم من الهيئات الاشتقاقية ركنية المبدأ ، ويلزمها بساطة المعنى وخروج الذات عن المفهوم ، ويتفرّع عليه كون المعنى هو خصوص المتلبس ... إلخ (٢).

مراده من ركنية المبدأ في مفهوم المشتق هو كونه تمام المعنى كما أفاده فيما سبق بقوله : فانه عليها ليس المشتق إلاّ نفس المبدأ المأخوذ لا بشرط ... إلخ (٣) ، فلا يرد عليه ما في الحاشية من أنّ الركنية وإن كانت ظاهرة إلا أنه لا ملازمة بينها وبين بساطة المفاهيم الاشتقاقية. نعم لازمها هو الوضع لخصوص المتلبس كما هو ظاهر (٤) بدعوى تحقق الركنية مع القول بالتركيب باعتبار كون الموضوع له هو الذات المتلبسة بالمبدإ ، أو باعتبار

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١١٥ ـ ١١٦.

(٢) أجود التقريرات ١ : ١١٣ ـ ١١٤.

(٣) أجود التقريرات ١ : ١١٠.

(٤) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١١٤.

٢٨٦

دلالة الهيئة على نسبة المبدأ إلى الذات فيكون المبدأ جزءا من المعنى ، وذلك لما عرفت من أنّ مراده قدس‌سره بالركنية هي كون المبدأ تمام المعنى لا أنّه جزء المعنى. وهذا هو الحجر الأساسي في دعواه البساطة ، وفي دعواه كون الموضوع له هو خصوص المتلبس ، وهو الحجر الاساسي أيضا في دعواه عدم الجامع بين التلبس والانقضاء ، لكونه مساوقا للجامع بين وجود الحدث وعدمه. وهذه الدعوى هي الحجر الاساسي في (١) صحة السلب عن الذات التي انقضى عنها المبدأ حتى مع إطلاق السلب والمسلوب.

ولا يخفى أن هذه الدعوى وهي عدم الجامع لو تمت لكانت هي وحدها كافية في كون الموضوع له هو خصوص المتلبس من دون حاجة إلى التبادر ولا إلى صحة السلب ، لكن قد عرفت أن أساس هذه الدعوى أعني عدم الجامع هو كون المبدأ هو تمام المعنى وإن اخذ لا بشرط. وقد عرفت المنع من ذلك وأن النظر في المشتق إنما هو إلى الذات ، وأن مفاده هو كون المشتق عنوانا منتزعا من الذات باعتبار تلبسها بالمبدإ ، على أن يكون التلبس علة في انتزاع ذلك العنوان عن الذات وفي انطباقه عليها ، لا أن النظر فيه إلى نفس المبدأ وأن المبدأ تمام معناه ، كما عرفت أن المبدأ لم يؤخذ في المشتق لا بشرط بل اخذ بشرط شيء وهو انتسابه إلى الذات بطريق العنوانية.

ولا يخفى أن أخذ المبدأ بشرط شيء بهذا المعنى لا يلازم كون المنظور إليه في مفهوم المشتق هو المبدأ ، بل إن تمام النظر فيه إلى الذات لكن باعتبار تلبسها بالمبدإ. وحينئذ يكون المبدأ في هذه المرحلة أعني

__________________

(١) [ في الأصل زيادة « كون » والصحيح ما أثبتناه ].

٢٨٧

مرحلة كون التلبس به علة في انتزاع هذا المفهوم عن الذات ملحوظا بشرط شيء ، لا أنه هو تمام المنظور إليه وأنه لوحظ بشرط شيء أو لا بشرط ، فلاحظ وتدبر.

قوله : ودعوى منافاة صحة السلب مع صحة الحمل ـ إلى قوله : ـ مدفوعة بأن صحة الحمل بالعناية لا تنافي صحة السلب بلا عناية ... إلخ (١).

قد يرد عليه : أنه مصادرة وليس ذلك بأولى من القول بأن صحة السلب بالعناية لا تنافي صحة الحمل بلا عناية ، ولا دافع لذلك إلا بما أفاده الشيخ قدس‌سره (٢) من الرجوع إلى الوجدان وتحكيمه في أنّ أيهما المحتاج إلى العناية.

قوله : فمدفوع بأنّه بناء على البساطة كما أثبتناها لا يعقل هناك معنى جامع بين المتلبس والمنقضي ... إلخ (٣).

حاصله : أنا نختار الشق الأول ، وهو كون المسلوب هو الضارب المطلق ، وقولكم إنه غير سديد غير سديد ، بناء على ما أثبتناه من البساطة ، وأن محصّلها كون المشتق عبارة عن المبدأ ملحوظا لا بشرط ، وهو قاض بصحة سلبه عمّن انقضى عنه المبدأ ، وأن التوهم إنما يتم لو أمكن وجود قدر جامع بين المتلبس والمنقضي ليقول القائل إنه لا يصح سلبه عن المنقضي ، ويستكشف من ذلك عدم كون المشتق منحصرا بالأول أعني المتلبس ، ولكن لمّا عرفت عدم معقولية الجامع تعرف أن دعوى القائل

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١١٤.

(٢) المشتق : ١٨ ـ ١٩.

(٣) أجود التقريرات ١ : ١١٤.

٢٨٨

بعدم صحة السلب عن المنقضي لا بد أن ترجع إلى ادعاء كون اللفظ موضوعا له بخصوصه أو أنه مشترك لفظي بينهما ، وكل من ذلك ممّا لم يقل به أحد.

والخلاصة : هي أنا لا بدّ لنا من الالتزام بصحة السلب ، إذ لو قلنا بعدم صحة السلب لزمنا القول بكونه موضوعا للقدر الجامع ، أو القول بأنه موضوع لخصوص المنقضي ، أو القول بالاشتراك اللفظي بينهما ، والأول غير معقول ، والثاني والثالث لم يقل بواحد منهما أحد ، فيتعين القول حينئذ بصحة السلب هذا ، ولكنك قد عرفت معنى البساطة وأنها ليست عبارة عن كون المنظور إليه هو الحدث ليكون هو تمام المعنى ، ويكون ذلك برهانا على عدم معقولية الجامع بين الموردين.

قوله : وبيانه أن مفهوم المشتقات بناء على التركيب ليس مركبا من مفهوم المبدأ ونسبة ناقصة تقييدية حتى يكون المفهوم مركبا من مفهوم اسمي وحرفي ... إلخ (١).

لا يخفى أن هذا أعني تركب المشتق من المبدأ والنسبة الناقصة لو تم لكان موجبا لعدم معقولية الجامع ، كما كان القول بالبساطة بالمعنى الذي أفاده قدس‌سره موجبا لذلك ، لاشتراكهما في كون المبدأ ركنا في المفهوم ، وأنه هو المنظور إليه ، وأنه هو بنفسه تمام المعنى ، إذ بناء على ذلك يكون المبدأ هو تمام المعنى ، وأن انضمام النسبة إليه كانضمام أخذه لا بشرط الذي هو عبارة عن الحمل إليه ، فلاحظ.

قوله : إذ عليه لا يمكن الحمل على الذات أبدا ولا يمكن

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١١٥.

٢٨٩

استعمالاتها ... إلخ (١).

يمكن التأمل في ذلك ، فإن أقصى ما يكون هو أنّ مفهوم المشتق عبارة عن الحدث بقيد النسبة التقييدية ، وذلك غير مانع من حمله برمّته على الذات ، ولا يكون حال ضارب حينئذ إلا حال يضرب في صحة جعله برمّته خبرا عن المبتدأ ، فكما يصح أن يقال زيد يضرب مع كون يضرب مقرونا بالنسبة الخبرية ، فينبغي أن يصح قولنا زيد ضارب بناء على كونه الحدث المقرون بالنسبة التقييدية. ثم إنه تقدمت (٢) الاشارة إلى ورود ذلك على ما أفاده قدس‌سره من البساطة حيث إنه قدس‌سره ملتزم بأن لفظ المشتق مركب من مادة وهيئة ، والهيئة لا بد أن يكون معناها حرفيا ، وما تضمنه تحرير المرحوم الشيخ محمد علي قدس‌سره (٣) من دلالة الهيئة هنا على معنى اسمي ممّا لا يمكن الالتزام به ، فراجع.

قوله : ولا يمكن استعمالاتها ، لما ذكرنا سابقا من أن الحروف لا يصح استعمالها إلاّ في طي الكلام حتى تكون رابطة بين المفاهيم الاستقلالية ... إلخ (٤).

يمكن التأمل فيه ، أوّلا : المنع من هذه الكلية ، فإن المنع من استعمال الحروف كذلك مختص بالحروف النسبية وإلاّ فإنّ ذلك لا يجري في الاسم المعرّف باللام.

وثانيا : أن مفاد الهيئة وإن كان هو من النسبيات إلاّ أنه لا مانع من

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١١٥.

(٢) في صفحة : ٢٧٧.

(٣) فوائد الاصول ١ ـ ٢ : ١٠٩.

(٤) أجود التقريرات ١ : ١١٥.

٢٩٠

استعماله مع مدخوله ، ويكون هو كلاما مستقلا كما في قولك ضرب أو يضرب إذا كان المرجع معلوما ، فكما يصح ذلك في الفعل الماضي والمضارع فليصح في اسم الفاعل ، فإنه لا فرق بينهما وبينه إلاّ في أن النسبة فيه تقييدية وفيهما خبرية.

نعم ، إنّ قولنا ضارب وإن اشتمل على النسبة التقييدية ، إلاّ أنّه لا يستقل في الكلام من جهة كون نفس ضارب اسما من الأسماء ، ولا بد في ذكره في عالم الألفاظ والإفادة بها من كونه محكوما عليه أو به أو منسوبا إليه ، إلى غير ذلك من طوارئ الأسماء المفردة ، وذلك أمر آخر يمنع من استعماله منفردا ، وهو غير المدعى من كونه مركبا من اسم هو المادة وحرف هو الهيئة الدالة على النسبة التقييدية.

قوله : بل القائل بالتركب إنما يدعي تركبه من الذات والمبدأ غاية الأمر أن المفهوم متضمن لمعنى حرفي كأسماء الاشارة ... إلخ (١).

كأنه يريد أنه لا نسبة في البين ، وحينئذ يتوجه الاشكال على هذا التركيب وأيّ تركيب هو؟ وكيف كان المفهوم المركب من الحدث والذات متضمنا لمعنى الحرف؟ وأيّ حرف ذلك الحرف الذي هو قد تضمنه هذا المفهوم المركب؟ كل ذلك ممّا لم أتوفق لفهمه.

ثم إنه يرد عليه ما تقدم على الوجه السابق من دخول المعنى الحرفي المانع من الحمل والاستقلال في الاستعمال ، وعلى كل حال هو مثله ومثل القول بالبساطة بالمعنى الذي أفاده في عدم الجامع ، ولا يحتاج في إثبات عدم الجامع إلى جعل الجامع هو الزمان كي يورد عليه بما أفاده بقوله : ومن

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١١٦.

٢٩١

المعلوم أن مفاهيم المشتقات عارية عن الزمان ... إلخ ، فلاحظ وتأمل.

قوله : وقلنا بوضع الهيئات للنسبة الناقصة التقييدية التي هي من المعاني الحرفية لما أمكن تصور الجامع ... إلخ (١).

هذا إشارة إلى ما تقدم في قوله : وبيانه أن مفهوم المشتقات بناء على التركيب ليس مركبا من مفهوم المبدأ ونسبة ناقصة تقييدية ... إلخ ، وقد عرفت أن ذلك لو تم يكون في عدم معقولية الجامع مشاركا لما أفاده من البساطة في كون المنظور إليه في كل من الوجهين هو المبدأ ، لكنه قدس‌سره هنا يريد منع الجامع من ناحية اخرى وهي عدم الجامع بين النسبة المنقضية والنسبة الفعلية.

ولا يخفى إمكان تطرق المنع إلى المنع من الجامع بين النسبتين ، إذ ليس معنى النسبة الناقصة هنا إلاّ عبارة عن كون زيد الذي هو الذات منسوبا إليها الضرب ، ومن الممكن أن يقال إن ذلك أعم من انتسابه إليه فيما مضى وانتسابه إليه في الحال.

ثم إنه قدس‌سره ذكر الاستدلال على الاختصاص بتضاد المبادئ مثل القيام والقعود ، فلا بد أن يتحقق هذا التضاد في المشتقات منها مثل قائم وقاعد. وذكر الجواب عنه : بأن التضاد بين المبادئ لا يوجب التضاد في المشتقات ، لجواز أن تكون في هيئة المشتق خصوصية ترفع هذا التضاد. وأجاب عنه : بقوله : وفيه أنّ هيئات المشتقات بناء على كون مفادها بسيطا لا تفيد إلاّ إخراج المبدأ عن البشرطلائية إلى اللابشرطية ، فهي هي بعينها والاختلاف بالاعتبار ، فلا محالة يكون التضاد باقيا على حاله كما في

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١١٦.

٢٩٢

مبادئها. وأمّا بناء على التركيب فحيث إنك قد عرفت عدم تعقل جامع بين المنقضي عنه والمتلبس ، فلا محالة يكون موضوعا لخصوص المتلبس فيبقى التضاد على حاله (١).

وإذا بقي التضاد في المشتقات بحاله في المبادئ ، وكان الوجدان حاكما بالتضاد بين قولنا زيد قائم وقولنا زيد قاعد ، كشف عن اعتبار خصوصية التلبس ، إذ لو كان للأعم لم يكن بين القولين تضاد. والحجر الأساسي في جميع ذلك هو عدم معقولية كونه للأعم لعدم معقولية القدر الجامع ، وذلك ناشئ عن بساطة المفهوم بالمعنى الذي أفاده من كون مفاد المشتق هو نفس المبدأ لا بشرط. وهذا إذا ثبت لم يحتج إلى التمسك بدعوى التناقض ، بل تكون دعوى التناقض مبنية على البساطة المذكورة ، ومن الواضح أنه إذا انهدم هذا المعنى من البساطة انهارت جميع هذه المباني ، ولم يبق بأيدينا إلاّ دعوى حكم الوجدان بالتناقض وذلك قابل للانكار ، فنحتاج إلى ما أفاده الشيخ قدس‌سره في وجه صحة السلب من الاستناد إلى دعوى الوجدان ، وليست دعوى الوجدان في صحة السلب إلاّ كدعوى الوجدان في تحقق التضاد المذكور ، فلا يكون إلاّ من قبيل الأدلة الانصافية ، وليس شيء من ذلك من قبيل الأدلة العقلية التي لا يتمكن الخصم من التخلص منها.

قوله : فان قلت : إنّ ما ذكرته من مضادة المعاني الاشتقاقية ينافي ما ذهب إليه علماء الميزان من أنّ نقيض المطلقة العامة الدائمة المطلقة ، وأن لا تنافي بين قضيتي زيد قائم وزيد قاعد إلاّ إذا قيّد

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١١٧.

٢٩٣

أحدهما بالدوام ، فينافي صدق الآخر ولو في أحد الازمنة بالضرورة (١).

لا يخفى أنّ هذا الذي ذكره علماء الميزان إنّما هو حكم التناقض الذي لا بد فيه من كون إحدى القضيتين موجبة والاخرى سالبة ، دون التضاد الذي يكون بين الوجودين المتقابلين. لكن شيخنا قدس‌سره تكلّف فأرجع التضاد إلى التناقض بجعل إحدى القضيتين التي أثبت فيها أحد الضدين إلى سالبة الضد الآخر ، بأن يقال إنّ قولنا زيد قائم مثلا عبارة عن قولنا زيد ليس بقاعد ، وحينئذ تكون مناقضة لقولنا زيد قاعد ، وهكذا الحال من طرف العكس.

ولا يخفى أنه لو تم هذا الارجاع لكان جاريا من الطرفين ، فيكون الحاصل حينئذ قضيتين موجبتين واخريين سالبتين ، ولا ريب في صحة السالبتين ، أعني قولنا زيد ليس بقائم وقولنا زيد ليس بقاعد ، لجواز كونه نائما. وإنّما الاشكال في القضيتين الموجبتين ، أعني قولنا زيد قائم وقولنا زيد قاعد ، لعدم إمكان اجتماعهما في الصدق ، وهذا أعني اجتماع المحمولين لكونهما ضدين هو بنفسه محال من دون حاجة إلى إرجاع إحدى الموجبتين إلى سالبة الاخرى ، بل لو فرض محالا عدم الارجاع كان اجتماع الموجبتين بنفسه محالا من دون إرجاع الموجبة إلى سالبة الاخرى ، نعم يكون هذا الارجاع مولدا لمحال آخر ، وهو أنّ مثل زيد قائم لا يجتمع مع زيد ليس بقائم لأنه تناقض ، ولا يجتمع مع زيد قاعد لانّه تضاد ، وعلى كل حال أنّ ما ذكروه من كون نقيض المطلقة العامة السالبة هو الدائمة المطلقة ، إنّما هو في التناقض لا في التضاد ، إلاّ بعد إرجاع التضاد إلى التناقض.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١١٧.

٢٩٤

ثم إنّ هذا الذي ذكروه من كون الدائمة الموجبة نقيضا للسالبة المطلقة إنّما هو في خصوص الموجّهات ، أما إذا لم تكن القضية موجّهة واقتصرنا على قولنا زيد قائم وقولنا زيد ليس بقائم فهما متناقضان إلاّ بنحو من التصرف بجعل إحداهما في زمان والاخرى في زمان آخر ، أو بجعل إحداهما موجّهة بالامكان مثلا والاخرى بالفعلية.

ثم إنّ هذا التناقض الوجداني أو هذا التضاد الوجداني كاشف عن اعتبار التلبس ، إذ لو كان للأعم لصح الايجاب باعتبار ما مضى والسلب باعتبار الآن.

أمّا ما التزم به شيخنا قدس‌سره من إرجاع التضاد إلى التناقض ، وأنّه لا بد من اعتبار الفعلية في إحدى القضيتين والدوام في الاخرى الموجب للالتجاء إلى التفرقة بين نظريات المنطقيين ونظريات الاصوليين ، فلعلّه تكلّف لا داعي إليه ، فلاحظ ما أفاده قدس‌سره وتأمل فيه لعلك تتمكن من جعل كلماته ناظرة إلى هذه الجهات التي ذكرناها.

وأما مسألة الكر فالظاهر أنها غير مبنية على هذا الذي أفاده هنا من التفرقة بين النقيض المنطقي والنقيض العرفي ، بل الظاهر أنّها مبنيّة على أنّ المعلّق على الشرط الذي هو الكرية هل هو كلية السلب ، فلا يكون نقيضه الذي هو رفعه إلاّ مجرد الإيجاب الجزئي ، أو أنّ المعلق على الكرية هو آحاد السلوب ، فيكون هناك سوالب متعددة ، وكل سالبة معلّق فيها السلب على الكرية ، وعند انتفاء الكرية يثبت مكان كل سالبة موجبة ، فينحل المفهوم إلى موجبات كما كان المنطوق منحلا إلى سوالب ، والظاهر بل المتعين هو الثاني ، لأنّ الأول يحتاج إلى لحاظ كلية السلب لحاظا استقلاليا وجعل نفس الكلية معلّقة ، من دون فرق في ذلك بين استفادة العموم من

٢٩٥

لفظ كل أو كونه مستفادا من النكرة في سياق النفي ، وهذا لا يتأتي في جميع العمومات فضلا عن العموم المستفاد من الحروف الدالة على السلب الكلي ، وهذا هو الاساس في المسألة ، وقد تعرض له شيخنا قدس‌سره في مبحث المفاهيم (١) وإن كانت جملة من عباراته هناك ظاهرة فيما ذكره هنا ، وتمام الكلام في محله في باب المفاهيم إن شاء الله تعالى.

وأما مثل قولك : إنّ الأمير إذا غضب لم يحترم أحدا ، أو قولك : إنّ زيدا إذا لبس سلاحه لم يخف أحدا ، فليس الأحد في ذلك مأخوذا على إطلاقه ، بل هو الأحد الذي يستحق الاحترام والأحد الذي يخاف منه العقلاء ، ولا ريب أنّ مفهومه حينئذ أنّه إذا لم يغضب احترم كل واحد يستحق الاحترام ، أو أنّه إذا لم يلبس سلاحه يخاف من كل أحد من شأن العقلاء الخوف منه ، هذا.

مضافا إلى إمكان دعوى أنّ أمثال هذه القضايا لا مفهوم لها ، لأنّ ثبوت المفهوم للقضية الشرطية يتوقف على كونها مسوقة لحصر الجزاء بمورد وجود الشرط مثل قوله « إذا زالت الشمس فصلّ » (٢) إذ كان بمنزلة قولك : إن وجوب الصلاة إنّما هو إذا زالت ، وهكذا قوله عليه‌السلام « إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء » (٣) فكأنّه يقول انّ عدم التنجس في الماء إنّما هو إذا بلغ كرا ، وأما هذه الأمثلة فليست مسوقة لذلك ، لوضوح أنّه ليس المقصود هو أنّ عدم احترام الأمير لكل أحد منحصر بما إذا غضب ، بل هي

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٥٥ وما بعدها.

(٢) وسائل الشيعة ٤ : ١٣٤ / أبواب المواقيت ب ٥ ح ١١ وغيره ، مستدرك الوسائل ٦ : ٢٣ / أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٣ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ١ : ١٥٨ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١ ، ٢ ، ٦. ونصّه « إذا كان الماء ... ».

٢٩٦

مسوقة لمجرد أنّ غضبه موجب لعدم احترامه لكل أحد ، فهي من هذه الجهة أشبه شيء بالحكم المجعول على اللقب. ومن ذلك كله يظهر لك ما في الحاشية في هذا المقام (١) وفي ذلك المقام (٢) فلاحظها وتدبر.

قوله : فظهر من جميع ما ذكرناه أنّ ما بنينا عليه ( سابقا ) من ملازمة القول بالتركيب للوضع للأعم غير صحيح (٣).

هذا إشارة إلى ما تقدم من قوله : ويشبه أن يكون النزاع مبتنيا على البساطة والتركّب في مفهوم المشتق ، فان قلنا بالتركب فحيث إنّ مفهوم المشتق اخذ فيه انتساب المبدأ إلى الذات ، ويكفي في الانتساب التلبس في الجملة ، فلا محالة يكون موضوعا للأعم ، إلخ (٤).

وقال فيما حررته عنه : بخلافه على التركيب فانه لمّا كان المنظور إليه على هذا القول هو الذات ، وكان تلبسها بالحدث جهة تقييدية لتلك الذات ، لم يكن له دلالة على أزيد من الذات المقيدة بانتساب الحدث إليها وتحققه منها ، وهذا هو القدر الجامع بين حال الانقضاء وحال التلبس ، فيكون دعوى أخذ خصوص حال التلبس فيه محتاجة إثباتها إلى عناية زائدة على ما يقتضيه حاق مفهوم المشتق.

ولا يخفى أن الأليق بالقول بالتركيب هو هذا المفاد أعني الذات المتلبسة بالمبدإ ، لا أنّ مفاده هو المبدأ المقيد بالنسبة ، ولا أن مفهومه هو المركب من المبدأ والذات كما مر ذكره (٥) ، فتأمل.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ١١٨.

(٢) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٢٥٥.

(٣) أجود التقريرات ١ : ١١٧.

(٤) أجود التقريرات ١ : ١١٠.

(٥) راجع صفحة : ٢٨٦.

٢٩٧

تنبيه : قال شيخنا قدس‌سره فيما حررته عنه في مقام إبطال احتمال كونه موضوعا لخصوص ما انقضى : وهذا أيضا لا يقول به أحد وإن ذكره بعضهم من جهة الاشكال في تصور تحقق حال التلبس بالنسبة إلى الأحداث الآنية من جهة أنّه إن كان بعد تحقق مثل هذا الحدث لا بد أن يكون الحدث منقضيا إذ لا بقاء له ، وان كان قبل تحققه يكون التلبس به استقباليا. وبالجملة أنّ مثل [ هذا ](١) الحدث ليس له وجود غير حال انقضائه وحال ما قبل تلبس الذات به.

وهذا الاشكال نظير الاشكال في معقولية وجود زمان الحال في قبال الماضي والمستقبل من جهة أنّه ليس إلاّ آخر الماضي وأول المستقبل.

والجواب عن هذا الاشكال فيما نحن فيه أن يقال : إنّ لحال التلبس بذلك الحدث تحققا واقعيا وإن لم يكن [ له ](٢) دوام وبقاء ، فان اجري المشتق على الذات بلحاظ ذلك الحال كان من قبيل الاستعمال بلحاظ التلبس الفعلي ، وإن اجري على الذات بلحاظ حال انقضاء ذلك الحدث كان من قبيل الاستعمال بلحاظ حال الانقضاء ، وإن اجري عليها بلحاظ حال قبل تحقق ذلك الحدث كان من قبيل الاستعمال بلحاظ حال الاستقبال.

وبالجملة : فمتى كان حال تطبيق المشتق على الذات وجريه عليها مقرونا بحال التلبس ، كان من قبيل الاستعمال بلحاظ حال التلبس ، فان حال التلبس وإن كان آنيا لا بقاء له ولا استمرار إلاّ أنّ حال التطبيق والاجراء لا يحتاج إلى دوام واستمرار بل هو آني أيضا ، فيمكن أن يقصد جعل الحمل والتطبيق والاجراء في حال التلبس وإن كان آنيا ، بل كان من هذا القبيل وإن

__________________

(١ و ٢) [ لا يوجد في الأصل ، وإنما أضفناه للمناسبة ].

٢٩٨

كان ذلك الاجراء قبل التلبس أو بعده لكنه كان بلحاظ حال التلبس ، انتهى.

تكميل : الذي يظهر من الكفاية (١) في مقام الجواب عن إشكال صاحب الفصول (٢) على صحة السلب ـ بأنّه إن اريد صحته مطلقا فغير سديد وإن اريد مقيدا فغير مفيد ـ هو التزام صاحب الكفاية قدس‌سره بعدم التقييد (٣) وأنّه لا بد منه ، لكن لا بجعل القيد في طرف المسلوب فانّه غير مفيد كما أفاده المستشكل ، لكن بجعل القيد أعني حال الانقضاء قيدا للسلب أو قيدا للذات المسلوب عنها المشتق.

قلت : ولكنّه لا يخلو عن تأمل ، فانّه مع تقييد السلب أو الذات المسلوب عنها بأن يقال هذا ليس الآن بضارب أو هذا في هذا الحال أعني حال عدم التلبس وانقضائه ليس بضارب ، يكون السؤال باقيا بحاله ، لأنّه إن اريد من نفيه في هذا الحال أو نفيه عن الذات المقيدة بهذا الحال نفي الضارب المطلق فغير سديد ، أو نفي الضارب في هذا الحال فغير مفيد. مضافا إلى أنّه لو كان مفيدا كما أفاده في الكفاية لكان حجره الاساسي هو وضع المشتق لخصوص المتلبس في الحال ، ومع فرض كونه كذلك لا تبقى حاجة في صحة السلب إلى تقييد السلب أو الذات المسلوب عنها ، بل يكون سلب المطلق صحيحا أيضا بمعنى أنّ المسلوب هو الضارب بما له من المعنى الواقعي غير مقيد بضارب الأمس ولا بضارب اليوم ، فلا يتم قول صاحب الفصول إن اريد سلبه مطلقا فغير سديد.

ثم إنّ ما أفاده من أخذ القيد في الذات لا يخلو من تأمّلات اخرى ؛

__________________

(١) كفاية الاصول : ٤٧.

(٢) الفصول الغروية : ٦١.

(٣) [ هكذا في الأصل ، والصحيح حذف لفظة العدم ].

٢٩٩

لأنّ الذات الشخصية غير قابلة للتقييد الموجب لتضييق الدائرة ، بل أقصى ما في البين هو تقييدها بلحاظ ورود الحكم عليها الذي هو السلب ، ففي الحقيقة يكون القيد راجعا إلى السلب ، فانّ ذلك من سنخ تقييد الذات الخاصة التي هي جزئي حقيقي تقييدا أحواليا أو تقييدا أزمانيا ، بمعنى أنّ ورود الحكم عليها يكون في خصوص اتصافها بذلك الحال أو في خصوص وجودها في ذلك [ الزمان ](١) وحينئذ فلا يكون المقيد الدائرة هو ذلك الجزئي الحقيقي ، بل يكون المضيق الدائرة هو الحكم المنحصر وروده على تلك الذات في تلك الحال أو في ذلك الزمان.

نعم ، لو رجع التقييد إلى تحصيص الذات حصتين لتكونا بمنزلة الذاتين ، فذات متلبسة وذات انقضى عنها التّلبس ، اشكل الأمر من ناحية اخرى ، وهي أنّ تلك الحصة الخاصة التي حصّصها القيد لا يكون لها ربط بالحصة الفاقدة لذلك القيد أعني تلك الذات من زيد التي كانت مقارنة لوجود الحدث ، أما هذه الذات المقارنة لانقضائه فتلك كأنّها ذات جديدة لم تتلبس بعد بالمبدإ ، أما ما كان متلبسا به فتلك ذات اخرى باعتبار التحصيص المذكور ولا اتصال بين الحصتين أصلا.

قوله : واستدل القائل بالأعم بوجوه : الأول : كثرة الاستعمال في موارد الانقضاء ـ إلى قوله : ـ وفيه أنّ الاستعمال في موارد الانقضاء وإن كان كثيرا إلاّ أنّه لم يعلم أنّ الاستعمال بلحاظ حال الانقضاء ... إلخ (٢).

هذا المطلب وهو كثرة استعمال المشتق في موارد الانقضاء قد وقع

__________________

(١) [ لا يوجد في الأصل ، وإنما أضفناه للمناسبة ].

(٢) أجود التقريرات ١ : ١١٩.

٣٠٠