أصول الفقه - ج ١

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٣٩

الخاص بأيّ هيئة تلبّست ، فيشمل ذلك قولنا ضرب وضارب ويضرب إلى آخر جميع المشتقات في هذه المادة.

ومن ذلك تعرف أنّ الأصل في الاشتقاق هو المادة ، فإنّ الهيئات طارئة عليها فتكون هي الأصل. ولكن يمكن أن يقال : على هذا الحساب إنّ هيئة فاعل هي الأصل لجميع المواد الطارئة عليها أعني ضارب وشارب وعالم إلى غير ذلك من أسماء الفاعلين ، وهكذا الحال في أسماء المفعولين وجميع الهيئات. وهذه المعارضة تكشف عن أنّه لا أصل في البين يكون هو الذي تتفرع عنه الفروع لا في طرف المادة ولا في طرف الهيئة. وحسبما حررناه في حقيقة الوضع في بدو الأمر والاختراع الأول ، يظهر لك أنّه لا مادة موضوعة على حدة ولا هيئة موضوعة على حدة ، بل ليس هناك إلاّ وضع المجموع من المادة والهيئة ، ولكن بعد جمع اللغة وتدوينها وجمع المواد التي تتوارد عليها الهيئات المختلفة مثل الضرب والشرب وتوارد هيئة ضرب يضرب عليها إلى آخر هيئات المشتقات ، تخيل المتخيل أن هناك مادة وصورة وأن الثانية طارئة على الاولى دون العكس. ولعل هناك من يجري نفس هذا التشكيك في الأجسام والأنواع الطبيعية وتحليلها إلى جنس وفصل أو إلى مادة وصورة ، فيقال هل الأصل هو المادة والصورة طارئة ، أو الاصل هو الصورة والمادة طارئة؟ أو لا هذا ولا ذاك وما هو إلاّ خيالات يتخيلها المتخيلون في مخلوقاته ( تبارك وتعالى ) التي لا يعلم حقيقتها إلاّ خالقها ( جل وعلا )؟

ثم إنّ ما ذكرناه في الوضع ، وأنّ الواضع الأول هو في منتهى درجة البساطة ، لا ينافي كون الألفاظ الموضوعة مشتملة على خصوصيات ومزايا هي في منتهى درجة الدقة والمتانة ، فإنّ ذلك الوضع وإن كان بفعل من

٢٦١

ذلك المخترع البسيط لكنه كان بالغريزة التي أودعها فيه خالقه وخالق الكون ومدبّر الأمر على أتمّ ما يكون صنع الله الذي أتقن كل مكوّن وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال والشجر بيوتا ... إلخ ، فكان نظامها في تعيّشها وتناسلها وجميع شئونها ممّا تعجز عنه القوانين المجعولة من البشر لعالم الاجتماع ، ولعلّ قائلا يقول : مع قطع النظر عن مقام النبوة يمكننا تنزيل قوله تعالى ( وعلّم آدم الأسماء )(١) على هذه الطريقة.

وعلى أيّ حال نحن بعد أن عرفنا هذه الطريقة ، نعرف أنّه لا واقعية للاشتقاق ولا للتركب من المادة والهيئة ، فيسهل القول حينئذ علينا بأنّ مفهوم المشتق بسيط وإن حللناه عقلا إلى مركب ، حتى في مثل ضرب في قولنا : زيد ضرب ، فإنّها لا تدل إلاّ على حركة الضرب وخروجه من القوة إلى الفعل ، وذلك أمر بسيط ، لكن الاصطلاح ابتدع له ضميرا مستترا وجعله مركبا من حدث ونسبة ومنسوب إليه ، وهكذا الحال في قولنا : زيد ضارب. ومن الواضح أنه لا محيص عن التركيب بعد التقييد بهذه القيود ، وأنّ المادة موضوعة بوضع مستقل للحدث ، وكذلك الهيئة موضوعة بوضع مستقل للنسبة المتقوّمة بين ذلك الحدث وتلك الذات ، فلا محيص عن القول بالتركيب.

ويمكننا القول بأنّ الالتزام بهذه الامور مع الالتزام ببساطة المشتق من التناقض الذي لا مدفع له ، وكلما كثرت الأجوبة في دفع هذا الاشكال كان ذلك تأكيدا للاشكال لا أنّه دافع له ، فلاحظ الأجوبة حتى مثل قولهم : إنّ

__________________

(١) البقرة ٢ : ٣١.

٢٦٢

الهيئة اخذت فيه للدلالة على أخذ المادة عنوانا للذات ، فإنّ ذلك عبارة اخرى عن التركيب من المادة وممّا يدل على أخذها عنوانا للذات باعتبار صدورها منها ، مضافا إلى عدم إمكان كون المادة عنوانا للذات فكيف يمكننا القول بأنّ الهيئة دالة على أخذ المادة عنوانا ، وهكذا الحال فيما [ لو ](١) قلنا إن الهيئة حاكية عن الذات باعتبار تلبسها بالمادة ، فإنّ الهيئة بما أنها معنى حرفي يستحيل جعلها دالة على الذات. ولا مخلص من هذه الاشكالات إلا بما عرفت من إنكار الوضع للمادة والوضع للهيئة ، بل ليس في البين إلاّ مجموع هذا اللفظ أعني لفظ ضارب مثلا موضوعا للذات ، فيكون حاله حال لفظ الانسان ، غير أنّ ذلك عنوان لها باعتبار نفسها وهذا عنوان لها باعتبار جهة زائدة عليها وهي جهة الضرب ، فلاحظ وتدبر.

قوله : بقي الكلام في أنّ المفاهيم الاشتقاقية هل هي بسيطة ـ إلى قوله : ـ فنقول وقع الخلاف بين الاعلام في أنّها بسيطة أو مركبة ... إلخ (٢).

قد يقال المركب في قبال المفرد ، وقد يقال المركب في قبال البسيط ، والأول في الألفاظ والثاني في المعاني المفهومة من اللفظ. قال التفتازاني في التهذيب : والموضوع ( يعني اللفظ الموضوع ) إن قصد بجزء منه الدلالة على جزء المعنى فمركب إما تام خبرا أو انشاء ، وإما ناقص تقييدي أو غيره ، وإلاّ فمفرد ، وهو إن استقل فمع الدلالة بهيئته على أحد الأزمنة الثلاثة كلمة وبدونها اسم وإلا فأداة ، انتهى (٣). فجعل الكلمة التي هي

__________________

(١) [ لا يوجد في الأصل ، وإنما أضفناه للمناسبة ].

(٢) أجود التقريرات ١ : ٩٤.

(٣) الحاشية على تهذيب المنطق : ٢٤ ـ ٢٦.

٢٦٣

الفعل من أقسام المفرد مع أنّه مركب من مادة تدل على الحدث وهيئة تدل على الزمان أو النسبة.

وهكذا الحال في المشتق كاسم الفاعل فإنّه مركب من مادة تدل على الحدث وهيئة تدل على النسبة ، وحينئذ يتوجه عليه أنّهما ينطبق عليهما تعريفه المركب وهو ما قصد بجزء من لفظه الدلالة على جزء المعنى ، فينبغي عدّهما من أقسام المركب ، ولا بد حينئذ من الجواب عن ذلك بأنّ مصطلحهم في المركب اللفظي هو تعدد اللفظ وجودا ويقابله المفرد وهو ما كان اللفظ واحدا. وعند تعدد اللفظ وجودا لا بد من كون كل منهما مشتملا على مادة وصورة كما تراه في مثل غلام زيد وفي مثل « من زيد » ومثل « بزيد » وهذا بخلاف ما لو لم يكن في البين إلاّ وجود واحد غايته أنّه مشتمل على مادة وصورة ، فهذا لا يدخل في المركب بل هو من أقسام المفرد ، غايته أنّه يخالف بقية المفردات مثل « رجل » في أنّ هيئتها لا تدل على معنى بخلاف الفعل وبقية المشتقات ، فالمركب اللفظي لا بد من اشتماله على مادتين وصورتين بخلاف المفرد فإنّه لا يكون مشتملا إلا على مادة واحدة وصورة واحدة ، فهما في ذلك مثل الانسان والفرس في اشتمال كل منهما على مادة وصورة ، بخلاف الانسان وحده فإنّه لا يشتمل إلاّ على مادة واحدة وصورة واحدة ، فهو وحده مفرد يعني غير متعدد ، وعند اجتماعه مع الفرس يكون المجموع متعددا ، هذا كله في التركيب اللفظي في قبال الافراد.

وأمّا التركيب المعنوي في قبال بساطة المعنى الذي هو المفهوم من اللفظ ، أعني ما يحضر في ذهن السامع عند سماعه اللفظ ، فمعرفته تتوقف على معرفة المراد بالبساطة ، فقال في الكفاية : إرشاد : لا يخفى أنّ معنى

٢٦٤

البساطة بحسب المفهوم وحدته إدراكا وتصورا بحيث لا يتصور عند تصوره إلاّ شيء واحد لا شيئان ، وإن انحل بتعمل من العقل إلى شيئين كانحلال مفهوم الشجر والحجر إلى شيء له الحجرية أو الشجرية مع وضوح بساطة مفهومهما ... إلخ (١) ويظهر منه أنّ ما يفهم من اللفظ المفرد لو كان بسيطا لم يضرّ ببساطته تحليل العقل له إلى شيئين.

ولا يخفى أنه لو كان هذا هو المراد من القول ببساطة مفهوم المشتق ، كان لازمه هو أن مراد القائل بالتركيب أن المشتق ـ مع فرض كونه لفظا مفردا ـ ذو مفهومين ، ومن الواضح أن اللفظ المفرد لا يكون ذا مفهومين أو معنيين ، وكأنه لأجل ذلك عدل شيخنا قدس‌سره في التحرير فأفاد أن المراد بالتركيب هو التحليل العقلي وإن كان المفهوم بسيطا ، فقال : والغرض من البساطة والتركب هي البساطة والتركيب بحسب التحليل العقلي ، وإلاّ فلا ريب أن مفهوم المشتق ليس مركبا من مفاهيم تفصيلية ... إلخ (٢).

ولكن يتوجه على ذلك أنه ما من بسيط إلاّ ويحلله العقل إلى شيئين أو أشياء ، وحينئذ فما معنى القول ببساطة مفهوم المشتق في قبال تركبه بالمعنى المذكور أعني التحليل العقلي ، وبالنتيجة كان الحاصل هو أنه على التفسير الذي أفاده في الكفاية لا يتصور القول بالتركيب ، وعلى التفسير الذي أفاده شيخنا قدس‌سره لا يتصور القول بالبساطة في قبال التركيب بالمعنى المذكور.

وعلى كل حال نحن لو قلنا بأن المشتق مركب من مادة دالة على الحدث وهيئة دالة على النسبة ولو ناقصة تقييدية ، لا بد من القول بالتركيب

__________________

(١) كفاية الاصول : ٥٤.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٩٥.

٢٦٥

بحسب المعنى والمفهوم بل بحسب اللفظ أيضا ، غايته أنه ليس بالتركيب اللفظي المصطلح أعني تعدد اللفظ وجودا ، لكن ذلك لا يخرجه عن كونه واقعا مركبا من اسم وهي المادة وحرف وهو الهيئة ، وحينئذ فيكون قولنا ضارب مركبا من اسم وحرف ، وكذلك قولنا ضرب. نعم لو لم نقل بذلك بل قلنا إن المشتق عنوان منتزع عن الذات باعتبار عروض المبدأ عليها من غير أن يكون في البين مادة وهيئة دالة على النسبة ، بل لا يكون وضعه إلاّ كوضع سائر الجوامد ، غايته أنها منتزعة من الذات باعتبار نفسها كالانسان والحجر ، وهو منتزع منها باعتبار تلبسها بالمبدإ وعروضه عليها ، فلا يكون إلاّ بسيطا ، إذ لا يعقل التركب فيما يفهم من اللفظ المفرد ، بل إن المفاهيم الافرادية كلها بسائط في منتهى درجة البساطة.

وأما ما أفاده (١) من أنه لا فائدة في أخذ الذات فلا يحسن من الحكيم ، ففيه أنه لو كان المشتق متضمنا للنسبة كما هو مبنى القائلين بالتركيب ، كان أخذ الذات فيه ضروريا لازما ، وكان يستحيل تمامية معناه الموضوع له بدون الذات.

وأما ما أفاده (٢) من لزوم أخذ المعروض في العرض ، ففيه أن العرض هو المبدأ ولم يدّع أحد أخذ الذات فيه.

وأما ما أفاده (٣) من لزوم التكرار ، ومن أن اللازم من أخذ الذات أخذ النسبة ، فيلزم اشتمال الكلام الواحد على نسبتين ، فكأن الاشكالين إشكال واحد ، وعلى كل حال أن القائل بذلك يلتزم به وليس هو باللازم الباطل ، وهو موجود في قولنا : زيد يقوم ويقعد مما تضمن الاخبار بالفعل المستند

__________________

(١ و ٢) أجود التقريرات ١ : ٩٩.

(٣) أجود التقريرات ١ : ١٠٠.

٢٦٦

إلى ضمير المبتدأ.

قوله : والغرض من البساطة والتركب هي البساطة والتركب بحسب التحليل العقلي ، وإلاّ فلا ريب في أنّ مفهوم المشتق ليس مركبا من مفاهيم تفصيلية وهي مفهوم ذات ثبت لها المبدأ ... إلخ (١).

كأنّ هذا رد على الكفاية حيث قال : إنّ التحليل العقلي لا ينافي البساطة (٢) ، فإنّه يستفاد منه أنّ القول بالتركيب هو ما يقابل البساطة التي لا ينافيها التحليل العقلي ، فيكون ذلك غير معقول ، لاستحالة دلالة اللفظ المفرد على مفهومين مع عدم تركب اللفظ. ولكن لازم ما أفاده شيخنا قدس‌سره هو عدم إمكان القول بالبساطة ، لأن أيّ معنى تصورنا ولو كان في منتهى درجة البساطة فهو قابل للتحليل العقلي بنحو الحد ، ولا أقل من تحليله بنحو الرسم بذكر خواصه وعوارضه الخاصة به. وفي الحقيقة أنّ المشتق مركب من مادة وهيئة دالة على أخذ المادة منسوبة إلى الذات على نحو تكون عنوانا للذات ، فإن شئت فسمّ ذلك تركبا وإن شئت فسمه بساطة على ما شرحناه في حواشينا على الكفاية.

وأما ما أفاده شيخنا قدس‌سره (٣) من أنه إن كان المنظور إليه في المشتق هو الذات كان لازمه التركب ، وإن كان المنظور إليه هو الحدث فلازمه البساطة ، فلم أتوفق لشرحه ، إذ لم أفهم منه إلا مجرد تغيير العبارة ، فإنّ المنظور إليه لو كان هو الحدث فلا ريب أنّه لا يكون بنفسه عنوانا للذات ، وإنّما يكون كذلك باعتبار صدوره عنها ، فيكون مفاده هو الحدث الصادر عن الذات

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٩٥.

(٢) كفاية الاصول : ٥٤ ( نقل بالمضمون ).

(٣) أجود التقريرات ١ : ٩٥.

٢٦٧

المنسوب إليها على وجه يكون عنوانا لها ، فيرجع الأمر بالأخرة إلى ما لو كان المنظور إليه الذات ، في أنّ النظر إليه يكون باعتبار صدور المبدأ منه ، ويكون مرجع العبارتين إلى معنى واحد ، والنسبة ملحوظة في كل منهما ، فلا فرق بين أن نقول إنّ معنى الضارب هو الذات التي ثبت لها الضرب أو أنّه هو الضرب الذي ثبت للذات ، في كون النسبة مأخوذة وملحوظة في كل منهما ، وبدون لحاظها لا يتم معنى المشتق أصلا.

وأما ما رتّبه قدس‌سره (١) على البساطة من اعتبار التلبس وعدم الصدق على صورة الانقضاء ، وعلى التركب من عدم ذلك فكذلك لم أتوفق لفهمه ، فإنّا كما نقول إن تلك الذات المأخوذة فيها نسبة الحدث إليها ، يمكن أن تكون النسبة عامة لصورة الانقضاء ، فكذلك نقول إنّ ذلك الحدث المأخوذ عنوانا للذات باعتبار صدوره منها يمكن أن يكون ذلك الصدور عاما لصورة الانقضاء ، ولعل الوجدان شاهد على العموم لما نراه من استعمال المشتق في مورد الانقضاء استعمالا غير مبني على علاقة وعناية وتجوّز ، بل هو استعمال للفظ فيما يقتضيه حاق معناه (٢) كما أنّ دعوى إرجاعه إلى مورد التلبس الفعلي ، بدعوى أنّ الملحوظ فيه هو حاله فيما مضى ، بمعنى كون التطبيق بلحاظ ما مضى لا بلحاظ حال الانقضاء ، فهو أشكل من ارتكاب طريقة التجوّز ، بمعنى أنها عناية دقيقة بعيدة يحصل القطع بأنّ المستعملين لم يلاحظوها. نعم في المشتقات التي تكون مبادئها قابلة للدوام والبقاء يكون الظاهر هو دوام الحكم ما دام المبدأ كما هو الشأن في القضية العرفية

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١١٠.

(٢) وليت شعري أيّ علاقة بين من انقضى عنه المبدأ ومن تلبس به فعلا. وعلاقة ما كان لا واقعية لها ، فلا مثال إلاّ أمثلة المشتق التي هي محل الكلام. [ منه قدس‌سره ].

٢٦٨

العامة ، بخلاف المبادئ غير المستقرة فإنّ ظاهر الاستعمالات فيها هو الانقضاء.

قوله : المقدمة السابعة ، قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أنّ مفهوم المشتق مأخوذ لا بشرط ، بخلاف المصدر واسم المصدر فانهما مأخوذان بشرط لا ، وان افترقا من وجه آخر تقدم الكلام فيه ... إلخ (١).

وقال في الكفاية : الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوما أنّه بمفهومه لا يأبى عن الحمل على ما تلبس بالمبدإ ولا يعصي عن الجري عليه لما هما عليه من نحو من الاتحاد ، بخلاف المبدأ فانّه بمعناه يأبى عن ذلك ـ إلى قوله : ـ وإلى هذا يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما من أنّ المشتق يكون لا بشرط والمبدأ يكون بشرط لا ، أي يكون مفهوم المشتق غير آب عن الحمل ومفهوم المبدأ يكون آبيا عنه ... إلخ (٢). فجعل المقابلة بين المشتق وبين مبدئه. ولعلّ مراده من المبدأ بنحو من التسامح هو المصدر أو اسم المصدر وإلاّ فإنّ المبدأ على ما هو التحقيق الذي أفاده شيخنا قدس‌سره وشرحناه فيما حررنا عنه قدس‌سره لا يكون مقابلا للمشتق ، بل المادة المنبثة فيه وفي المصدر وفي سائر المشتقات حتى اسم المصدر وان كان هو من الجوامد.

وغاية الفرق بين المصدر وبين اسم المصدر ، أن الأوّل لوحظ فيه النسبة ، والثاني لم يلاحظ فيه النسبة بل لوحظ فيه نفس الحدث مجردا عن النسبة ، ولأجل ذلك لم يعمل ، بخلاف الأول فانه لأجل لحاظ النسبة يكون عاملا عمل فعله من دون أن يكون الدال على النسبة فيه هو هيئته ، بل إن

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٠٧.

(٢) كفاية الاصول : ٥٥.

٢٦٩

الدال على ذلك هو الهيئة التركيبية منه ومن معمولاته.

والخلاصة : هي أنّ مبدأ الاشتقاق لا وجود له استقلالا في عالم الألفاظ كي يتكلم في الفرق بينه وبين المشتق ، وإن اريد به المبدأ الموجود في المشتق فذلك قد أخذ بالنسبة إلى الحمل لا بشرط أو بشرط شيء وهو الحمل ، فكيف يصح القول بأنّ المبدأ الموجود في المشتق قد أخذ بشرط لا بالقياس إلى الحمل.

وكيف كان ، فالأولى أن يقال : إن مبدأ الاشتقاق الذي هو المادة الموجودة في ضمن جميع المشتقات وفي ضمن المصدر واسم المصدر لو لوحظ في حدّ نفسه بما أنه قدر جامع بين الجميع حتى اسم المصدر وإن لم يكن له لفظ خاص ، فذلك القدر الجامع لو لوحظ فلا بد أن يكون ملحوظا من حيث النسبة لا بشرط ، كما أن اسم المصدر ملحوظ من حيث النسبة بشرط لا ، وباقي المشتقات ومنها المصدر ملحوظ بشرط شيء ، بمعنى أنّ المبدأ بما أنّه قدر جامع بين الجميع يكون ملحوظا لا بشرط من حيث النسبة ، وما هو منه في اسم المصدر يكون ملحوظا بشرط لا ، وفي باقي المشتقات ومنها المصدر يكون ملحوظا بشرط شيء وهو النسبة على اختلاف أنحائها. فان اريد الفرق بين المشتق وبين المصدر كان المبدأ في كل منهما ملحوظا بشرط شيء وهو النسبة ، غير أنّ النسبة في المصدر صدورية وفي المشتق على نحو العنوانية. وإن اريد الفرق بينه وبين اسم المصدر كان الفرق بينهما أن المشتق لوحظ المبدأ فيه بشرط شيء وهو النسبة العنوانية ، واسم المصدر لوحظ المبدأ فيه بشرط لا. وان اريد الفرق بين المشتق ومبدئه المتحقق فيه فقد عرفت أنه لا معنى لأخذه بشرط لا ، بل لا يكون في البين إلاّ لحاظ واحد وهو أخذ المبدأ المذكور بشرط شيء

٢٧٠

وهو الانتساب الخاص.

ومن ذلك كله يظهر لك الحال فيما افيد هنا بقوله : فحيث إن وجوده في نفسه عين وجوده لموضوعه ، فلا محالة يكون مرآة ومعرّفا لموضوعه ونعتا له وفانيا فيه حيث إنه من أطواره ... إلخ (١) فإنّ مجرد لحاظ معنى المبدأ أعني العرض على واقعه من حيث وجوده لمعروضه لا يكون موجبا لكونه عنوانا له ، بل أقصى ما في ذلك أن يكون ذلك العرض بذلك اللحاظ هو مفاد المصدر كما أفاده بقوله : إنّ تلك المادة الهيولائية التي عرفت أنها المبدأ للمشتقات بالحقيقة تارة لا تلاحظ فيه إلا نفس نسبته إلى محله التي هي ذاتية له ، وباقتضاء كونه عرضا فتكون مدلولة للمصدر ـ إلى قوله : ـ واخرى تلاحظ بدون النسبة بما هو شيء من الأشياء. وبعبارة اخرى نتيجة المصدر والحاصل عنه فيسمى الدال عليها باسم المصدر ـ إلى قوله : ـ وخامسة تلاحظ المادة بما هي عرضي محمول على خلاف المشتقات السابقة كما في اسم الفاعل وما يلحقه من الصفات ... إلخ (٢) فإنه يستفاد من ذلك أنّ مجرد لحاظ العرض على واقعه من حيث إنّ وجوده بنفسه عين وجوده لمعروضه ، لا يتولد منه معنى المشتق مثل اسم الفاعل ، بل لا بد من لحاظ أمر آخر فوق ذلك ، وذلك هو لحاظ كون تلك النسبة على وجه العنوانية المصحّحة لكونه حاكيا عن الذات التي هي معروض ذلك العرض باعتبار صدوره عنها.

وبالجملة : أن لحاظ المبدأ لا بشرط بالقياس إلى قيامه بمعروضه في قبال لحاظه مجردا عن ذلك ، لا يكفي في صحة وتمامية عنوان المشتق ، بل

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٠٨.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٩١ ـ ٩٣ [ مع اختلاف عمّا في النسختين ].

٢٧١

لا بد من لحاظ ذلك القيام على وجه العنوانية ، فلا يخرج المشتق عن كون المبدأ فيه ملحوظا بشرط شيء ، فتأمل.

وكيف كان ، فالمراد بالعرض هنا هو مطلق ما كان خارجا عن الذات ممّا يصحّ نسبته إليها ولو بنحو من الاعتبار ، فيشمل الامكان والامتناع والوجوب ، والحرمة والوجوب ، وليس هو مختصّا بالأعراض الاصطلاحية ، كما أنّ المراد من قول شيخنا قدس‌سره في التقرير « ونعتا له » ليس هو النعت الاصطلاحي في النحو كي يرد عليه أنه لا يصح النعتية في ملابسات الفعل كالزمان والمكان ... إلخ ، بل المراد به ما يكون عنوانا له ومعرّفا بقرينة عطفه عليه بقوله : فلا محالة يكون مرآة ومعرّفا لموضوعه ونعتا له ... إلخ ، وليس المراد بالموضوع هو فاعله بل كل ما يلابس المبدأ ، كما أنه ليس المراد من الاتحاد في المقام هو [ الاتحاد الخارجي بل ](١) ما تقدّمت (٢) الاشارة إليه من جعله جاريا عليه وعنوانا له ومحمولا عليه باعتبار كونه عنوانا له منتزعا عن تلبسه بالمبدإ كما تقدّمت الاشارة إليه ، ومن ذلك كله يتّضح لك النظر في الامور الثلاثة التي ذكرها في الحاشية ص ٧٣ (٣).

ثم لا يخفى أن ما ذكرناه من الفرق بين المصدر واسم المصدر ، بأنّ الحدث في الأول ملحوظ فيه الانتساب والثاني ملحوظ بشرط لا ، وأنّ كل اسم من أسماء الحدث مثل الضرب إن لوحظ باللحاظ الأول كان مصدرا وإن لوحظ باللحاظ الثاني كان اسم مصدر ، لا ينافي ما ربما ينقل عن بعض

__________________

(١) [ لا يوجد في الأصل ، وإنما أضفناه للمناسبة ].

(٢) راجع صفحة : ٢٦٦.

(٣) حسب الطبعة القديمة المحشاة ، راجع أجود التقريرات ١ : ١٠٨ ـ ١٠٩ من الطبعة الحديثة.

٢٧٢

أهل اللغة من اختصاص بعض الهيئات بالمصدر وبعضها باسم المصدر ، مثل قولهم : إنّ الغسل ـ بالفتح ـ مصدر وبالضم اسم مصدر ، فإنّ ذلك إن ثبت لا ينافي ما ذكرناه بينهما من الفرق المعنوي ، فإنّ وجود الفارق اللفظي في بعض المواد لا ينافي ذلك الفارق المعنوي الذي هو أساس الفرق بينهما.

وممّا ينبغي أن يحرر في المقام : هو الفرق بين الوضع النوعي والوضع الشخصي ، وأنّ الموضوع في الأول كلي تحته أنواع مثل هيئة فاعل ، فإنّ هذه الهيئة كلي تحته أنواع وهي ضارب وناصر وعالم وغير ذلك ، وهذا بخلاف الوضع الشخصي مثل رجل فان الموضوع فيه كلي تحته أفراد وهي هذه اللفظة الموجودة بقولك « رجل جاءني » وبقول غيرك « رجل جاءني » بل إنّ اللفظة المذكورة التي تنطق بها الآن فرد والتي تنطق بها ثانيا فرد آخر ، وهكذا.

ويمكن أن يقال : كما أن هيئة المشتق موضوعة بالوضع النوعي ، فكذلك مادته أيضا موضوعة بالوضع النوعي ، فيقال : إن مادة الضرب موضوعة للحدث الخاص ، سواء كانت تلك المادة موجودة في ضمن ضرب أو في ضمن يضرب أو في ضمن ضارب ، فكما أن الهيئة كلي تحته أنواع باعتبار المواد ، فكذلك المادة كلي تحته أنواع باعتبار تلبسها بهيئات مختلفة.

وهناك اصطلاح آخر للوضع النوعي وهو في عالم المعاني دون الألفاظ ، وذلك ما يقال من أنّ المجاز موضوع بالوضع النوعي الكلي القانوني ، بأنّ يدعى أن الواضع لمّا وضع لفظة الأسد للحيوان المفترس فقد وضعها وضعا ثانيا كليا قانونيا لكل ما يناسب ذلك الحيوان المفترس بشيء

٢٧٣

من جهاته كالشجاعة والبخر أو الطول أو العرض ونحو ذلك ممّا يكون من الخواص الظاهرة في الأسد. فهذا الوضع القانوني لو سلّمناه يكون وضعا نوعيا ، إذ لم يكن المعنى الموضوع له فيه إلاّ كليا تحته أنواع من المعاني ، فالمشابه للحيوان المفترس كلي تحته مشابهه في الشجاعة ومشابهه في البخر و ... إلخ ، بل إن نفس ما يشابهه في الشجاعة أيضا تحته أنواع وهي الرجل الشجاع والذئب الشجاع وغير ذلك من أنواع الحيوان ، وقد تقدم (١) الكلام في الوضع النوعي في المشتقات ، سواء كان من حيث المادة أو كان من حيث الهيئة ، وأنها كسائر الموضوعات موضوعة بوضع واحد مادة وهيئة لحاصل معناها خصوصا في المشتقات الاسمية.

ثم لا يخفى أنّ الظاهر من اللابشرطية أو بشرط لا أو بشرط شيء إنما هو بالقياس إلى الطوارئ الطارئة على الطبيعة ، وأما إن اخذ بالقياس إلى الحمل وعدمه فذلك لا محصل له في مبدأ الاشتقاق حتى لو كان المادة الموجودة في ضمن جميع المشتقات التي قلنا إنها لا وجود لها في عالم الألفاظ ولا في عالم المعنى ، فإن نفس المبدأ لا يحمل على الذات وإن اخذ لا بشرط بالقياس إلى الحمل على الذات ، بل حتى لو اخذ بشرط شيء الذي هو الحمل ، فإن نفس المبدأ لا يحمل على الذات ، وأخذه بشرط شيء أو أخذه لا بشرط مناقض لمفاده الذي هو نفس الحدث. وأمّا صحة حمل المشتق مثل الضارب على الذات أعني زيدا مثلا فذلك لا دخل لهذه الجهات [ فيه ](٢) ، وإنّما مصحّح الحمل فيه هو ما عرفت من كونه عنوانا للذات باعتبار جهة زائدة على الذات على ما عرفت تفصيل الكلام فيه.

__________________

(١) في صفحة : ٢٦٠.

(٢) [ لم يكن في الأصل ، وإنما اضفناه لاستقامة العبارة ].

٢٧٤

قوله : إنّ المشتق كما عرفت سابقا ليس إلاّ ما لوحظ المبدأ فيه بحيث يتحد مع الذات وينطبق عليه ... إلخ (١).

ربما اشكل عليه كما في الحاشية ص ٦٦ (٢) بأنّ المبدأ يستحيل اتحاده مع ما يقوم به في الخارج ... إلخ. ولا يخفى أن المبدأ ليس هو المصدر ولا اسم المصدر ممّا يستحيل انطباقه على الذات ، بل هو المادة الهيولائية المنبثة في جميع المشتقات ، وكما أن تلك المادة لفظا لا وجود لها وحدها في عالم الألفاظ ، فكذلك معناها لا ينوجد في حدّ نفسه في عالم المعاني ، بل كما أنّ لفظها سار في جميع المشتقات متكيّف باحدى الكيفيات من الهيئات ، فكذلك معناها يكون متكيّفا باحدى الكيفيات المعنوية الطارئة على ذلك المعنى. ومن جملة تلك الكيفيات المعنوية لحاظه عنوانا للذات التي يقوم بها ولو بواسطة صدوره عنها أو قيامه بها.

ولا يخفى أنه ليس المراد من الاتحاد هنا هو اتحاد نفس العرض بالذات ليرد عليه المحالية ، بل المراد بالاتحاد الاتحاد الصدقي بواسطة الاشتقاق على وجه يؤخذ من ذلك المبدأ عنوانا يكون منطبقا على الذات ومتحدا معها اتحاد الحاكي والمحكي.

نعم ، يبقى الكلام في أنّ مفاد تلك الهيئة هل هو مجرد ذلك الاتحاد ، أو هو انتساب المبدأ إلى الذات ، أو هو عنوانية المبدأ للذات باعتبار انتسابه إليها ، أو لا هذا ولا ذاك ولا مادة ولا هيئة كما عرفت الاشارة إليه من أنّ المجموع من المادة والهيئة موضوع بوضع واحد لمعنى واحد كسائر

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٩٨.

(٢) حسب الطبعة القديمة المحشاة ، راجع أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٩٨ من الطبعة الحديثة.

٢٧٥

الأسماء التي هي عناوين الذات ، غايته أنه أعني المشتق عنوان منتزع من الذات باعتبار تلبسها بالمبدإ لا باعتبار نفسها كما في الحجر والانسان ، ولأجل أن منشأ انتزاع هذه العنوانية للذات هو تلبسها بالمبدإ يرى الرائي أو يتخيل المتخيل أنّها متضمنة للنسبة ، فيقال إن معنى ضارب هو ذات وقع الضرب منها أو ثبت لها الضرب ، ولكن ذلك جار في الجوامد فيقال : معنى حجر ، ذات أو شيء له الحجرية ، وغير ذلك من التعبيرات التسامحية. وينبغي مراجعة ما علّقناه (١) على الكفاية في هذه المقامات أعني مقام بساطة المشتق أو تركبه ومقام الفرق بين المشتق وبين مبدئه.

قوله : الأول من طريق الإن ، فانه لو كان المشتق دالا على النسبة التي هي معنى حرفي فلا محالة يكون ... إلخ (٢).

ربما أشكل عليه كما في الحاشية على ص ٦٦ (٣) ما حاصله : أنّ الدال على النسبة هو الهيئة ، وذلك أجنبي عن كون الاسم الذي هو المادة فيما نحن فيه متضمنا لمعنى الحرف. وهذا البرهان ذكره قدس‌سره (٤) أيضا في دلالة المصدر مادة أو هيئة على النسبة ، ويتوجه عليه هناك ما يتوجه عليه هنا.

لكن لا يبعد أنّ مراد شيخنا قدس‌سره الاشكال على القائلين بأنّ المشتق أو المصدر المتضمّن لمعنى النسبة اسم ، وحاصل الاشكال أنه إذا كان المشتق بمجموعه مادة وهيئة اسما ومع ذلك يتضمن النسبة ، ورد عليهم كونه كسائر الأسماء المتضمنة لمعنى الحروف ، وإن لم يكن بمجموعه اسما بل كان

__________________

(١) مخطوط ، لم يطبع بعد.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٩٨.

(٣) حسب الطبعة القديمة المحشاة ، راجع أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٩٨ من الطبعة الحديثة.

(٤) أجود التقريرات ١ : ٩٣.

٢٧٦

الاسم هو المادة نفسها ، وكانت الهيئة دالة على النسبة ، انتقض ما قالوه من كونه اسما ، وعاد المشتق مركبا من الاسم والحرف ، ولا شك أنّهم لا يقولون بأنه مركب من الاسم والحرف ، بل هم قائلون بأنّه اسم كسائر الاسماء ، وحينئذ يتوجه على إدخالهم النسبة في معناه لزوم البناء لتضمنه معنى الحرف.

نعم ، إن عين هذا الاشكال يتوجه على شيخنا قدس‌سره فانه ملتزم بالمادة والهيئة ، غايته أنه قدس‌سره يقول بأن مفاد الهيئة هو إفادة اتحاد المبدأ مع موضوعه ، وحينئذ يرد عليه : أنّ لازمه هو تركب المشتق من اسم هو المادة وهيئة هي الحرف ، أيّ شيء كان مدلولها ، سواء كان هو النسبة أو كان هو إيجاد الاتحاد بين المبدأ وموضوعه ، حيث إن مفاد الهيئة آلي ولا يعقل كون مفادها استقلاليا ، وحينئذ يتوجه عليه من الاشكال ما توجه على القول بأنّ مفادها النسبة ، فلاحظ.

ومنه يظهر لك الاشكال فيما تضمّنه تقرير المرحوم الشيخ محمد علي قدس‌سره أعني قوله : فلا محيص عن القول بأنّ هيئة المشتق موضوعة بوضع استقلالي اسمي للعنوان المتولد من قيام العرض بمحلّه ... إلخ (١) فراجع. نعم إن المجموع من المادة والهيئة موضوع بوضع استقلالي اسمي للعنوان المنتزع المتولد من قيام العرض بمحله ، فتأمل.

قوله : واجيب عن الشق الأول بوجهين ، الأول : أنّ الناطق إنّما اعتبر فصلا مقوّما للانسان مع التجريد عن معناه اللغوي ... إلخ (٢).

الأولى في تقريب الاشكال الأول هو أن يقال : لا شبهة في كون

__________________

(١) فوائد الاصول : ١ ـ ٢ : ١٠٩.

(٢) أجود التقريرات ١ : ١٠١.

٢٧٧

الناطق بسيطا سواء كان فصلا أو كان خاصة ، وحينئذ يستحيل أخذ شيء في مفهومه ، سواء كان ذلك الشيء عرضا عاما أو كان جنسا أو كان فصلا أو كان نوعا ، لاستحالة أخذ واحد من هذه الامور في كل من الفصل والخاصة.

أمّا الاشكال الثاني فالأولى في تقريبه : هو استحالة أخذ المصداق في المفهوم وإن لم يكن في البين انقلاب مادة الامكان إلى الضرورة ، فلاحظ وتدبر.

قوله : فلا محالة يكون جنسا عاليا لها. إن قلت : على ذلك يلزم تركب مفاهيم الأعراض من الجنس والفصل مع أنّه لا إشكال في بساطة مفاهيمها. قلت : ما هو المتسالم عليه في باب الأعراض هو بساطتها بمعنى أنّ ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز ـ ثم قال ما محصّله : ـ إنّ اللازم هو دخول الجنس في الفصل لا دخول العرض ـ إلى أن قال : ـ وكيف كان ، فلا إشكال في تمامية مدعى المحقق الشريف وهو خروج مفهوم الشيء عن مفاهيم المشتقات ، سواء كان محذور دخوله فيها هو أخذ العرض العام في الفصل أو الجنس فيه ـ إلى أن قال : ـ غاية الأمر أن محذور أخذ مفهوم الشيء فيها هو أخذ الجنس البعيد في الفصل ومحذور أخذ مفهوم الذات هو أخذ الجنس القريب فيه ، ولا فرق في الاستحالة بين الأمرين أصلا (١).

لا يخفى أنه قدس‌سره قد التزم بأنّ مفهوم الشيء جنس مشترك بين الأجناس العالية التي هي بسائط ، فلا بد أن يكون جنسا لها وللأنواع والأجناس والفصول التي هي تحت أحد تلك الأجناس العالية الذي هو

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٠٤ ـ ١٠٥.

٢٧٨

الجوهر ، وذلك عبارة اخرى عن كون الشيء جنسا للفصول ومنها الناطق.

وأجاب عن اشتراكه بين البسائط ، بأنّ ما به الاشتراك عين ما به الامتياز ، فلا مانع من كون مفهوم الشيء مشتركا بين مقولة الكيف والكم مثلا ، كما أنه لا مانع من كونه مشتركا بين الكيف وبين الانسان مثلا ، وحينئذ يتوجه عليه أنه لا مانع من كون هذا الجنس الذي هو مفهوم الشيء مشتركا بين الناطق الذي هو الفصل وبين الفرس مثلا ، أو بين الناطق الذي هو فصل الانسان وبين الصاهل الذي هو فصل الفرس ، لأنّ ما به الاشتراك في الفصل الذي هو البسيط عين ما به الامتياز ، سواء كان مقابله فصلا مثله أو كان مقابله مركبا كنوع آخر.

قوله : واجيب عن الشق الثاني بأنّ ثبوت مصداق الذات ... إلخ (١).

قال في الفصول : إنه يمكن أن يختار الوجه الثاني أيضا ، ويجاب بأن المحمول ليس مصداق الشيء والذات مطلقا بل مقيدا بالوصف. وليس ثبوته للموضوع حينئذ بالضرورة ، لجواز أن لا يكون ثبوت القيد ضروريا. وفيه نظر ، لأن الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلا إن كانت مقيدة به واقعا ، صدق الايجاب بالضرورة ، وإلا صدق السلب بالضرورة ، مثلا لا يصدق زيد كاتب بالضرورة ، لكن يصدق زيد الكاتب بالقوة أو بالفعل بالضرورة ... إلخ (٢).

ملخص ما أفاده شيخنا قدس‌سره في الايراد على الجزء الأول من كلام

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٠٥.

(٢) الفصول الغروية : ٦١.

٢٧٩

صاحب الفصول : هو ما أفاده في الكفاية (١) ، وذلك هو أن القيد إن لم يكن داخلا في الحمل كانت القضية ضرورية ، وإن كان داخلا كانت القضية منحلة إلى قضيتين ، قضية حمل الذات في طرف المحمول على الذات في طرف الموضوع وهي ضرورية ، وقضية حمل القيد في طرف المحمول على الذات في طرف الموضوع وهي غير ضرورية. واكتفيا في تحقق الانقلاب بالقضية الاولى ، وفيه تأمل. ثم إنّ صاحب الكفاية قدس‌سره عقّب ذلك بقوله : وذلك لأن الأوصاف قبل العلم بها أخبار ، كما أنّ الأخبار بعد العلم بها تكون أوصافا ، فعقد الحمل ينحل إلى قضية كما أنّ عقد الوضع ينحل إلى قضية ... إلخ (٢).

ولا يخفى أن انحلال عقد الحمل الذي هو مركب من الذات في طرف المحمول المقيدة بمثل قولنا « له الكتابة » إلى قضية ، لا ينتج إلا حمل القيد على الذات في طرف المحمول ، وذلك لا دخل له بصدر الكلام من كون القضية الثانية هي حمل القيد في طرف المحمول على الذات في طرف الموضوع إلاّ بتطويل المسافة ، بأن نقول إن الذات في طرف المحمول لمّا كانت هي عين الذات في طرف الموضوع ، كان البرهان القاضي بأن التوصيف في طرف المحمول راجع إلى القضية ، تكون هذه القضية المتضمنة لحمل القيد على الذات في طرف المحمول عين القضية التي تتضمّن حمل ذلك القيد على الذات في طرف الموضوع.

وأمّا ما أفاده صاحب الفصول بقول « وفيه نظر » فكأنه يريد به هو أن المحمول بواسطة اشتماله على تقييد الذات بالقيد المزبور يتضمن قضية

__________________

(١) كفاية الاصول : ٥٢.

(٢) كفاية الاصول : ٥٣.

٢٨٠