أصول الفقه - ج ١

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٣٩

قوله : أما في الفرض الاول ( يعني فرض عدم الدخول أصلا ) فبمجرد تحقق الرضاع تتحقّق الأميّة والبنتيّة بينهما ، فتبطل زوجيتهما معا ، لعدم إمكان الجمع بين الأمّ والبنت في الزوجية في زمان واحد ولو بقاء ، فلا محالة يرتفعان معا لعدم المرجّح في البين ... إلخ (١).

قال العلامة الخراساني قدس‌سره في رسالته الرضاعية : إنّ الحكم بحرمة الصغيرة جمعا بالمعنى المزبور مع الحكم بحرمة الكبيرة مؤبدا أشكل. وما ذكر من التعليل من لزوم الترجيح بلا مرجّح من الحكم بصحة نكاحها عليل لعدم لزومه ، فانّه إنّما يلزم لو لم يكن الرضاع موجبا لحرمة الكبيرة وفساد نكاحها عينا ، وأما معه فلا موجب لفساد نكاح الصغيرة لعدم الجمع بين البنت وامها ، إلى آخر ما أفاده قدس‌سره (٢).

ويمكن الجواب عنه : بما سيأتي إن شاء الله تعالى من اختلاف الرتبة ، فانّ الكبيرة غير المدخول بها عند إرضاعها الزوجة الصغيرة يتحقق كون الكبيرة أم الزوجة وكون الصغيرة مجتمعة في الزوجية مع الكبيرة ، وحكم الأول حرمة الكبيرة ذاتا وحكم الثاني هو حرمة الجمع القاضي بانفساخ نكاح الصغيرة لعدم الترجيح في تلك المرتبة ، فيترتب الحكمان معا في رتبة واحدة ، كما أنه قد تحقق الموضوعان في رتبة واحدة ، والحكم في الكبيرة وهو حرمتها ذاتا لكونه متأخرا عن كل من العنوانين لا يرفع عنوان الصغيرة الذي هو موضوع ارتفاع العقدين أعني اجتماعهما معا في الزوجية ، فان هذا الموضوع وهو الاجتماع في رتبة موضوع حرمة الكبيرة وهو كونها ام الزوجة.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٨١.

(٢) كتاب الرضاع ( ضمن الرسائل الفقهية ) : ١٥٠.

٢٢١

لا يقال : إنّ حرمتها ذاتا مرجح ، فيبطل به موضوع الثاني أعني الاجتماع وعدم المرجّح.

لأنا نقول : إنّ ذلك أيضا متأخر رتبة ، فلا يعقل كونه رافعا لعدم المرجح الذي هو في الرتبة السابقة.

وأما ما أجاب به في البلغة بقوله : إنّ المانع هو امتناع اتحاد زمان زوجية الأمّ وبنتها ، وهو كما يمنع عن تأثير العقدين ابتداء كذلك يمنع عن دوام أثرهما ، وبعد الانفساخ لا مانع عن تجديد العقد على البنت ما لم يدخل بامها (١) ، فلعلّه ناظر في قوله « هو امتناع اتحاد زمان زوجية الأمّ وبنتها ... إلخ » إلى ما عرفت من اختلاف الرتبة الذي أجاب به عن الاشكال الآخر في حرمة الكبيرة ، وإلاّ فانّ الفرق بين الابتداء والدوام واضح كما أفاده قبيل هذا بقوله « ولا يقاس المقام بالعقد على الأمّ وبنتها دفعة ، لعدم التاثير في كل من العقدين الموجب لعدم تحقق الزوجية لكل منهما ... إلخ » فانّ العقد الابتدائي على كل منهما موجب لعدم المرجح ، فانّ الكبيرة إنما تكون أم الزوجة لو تم العقد على البنت ، والمفروض عدم تماميته فعلا. وهذا بخلاف المقام فانّ الزوجية لكل منهما محققة ، وأمومة الكبيرة توجب حرمتها ، فيمكن القول بأنها تتعين لبطلان الزوجية ، ولا دافع لذلك إلا ما عرفت من اختلاف الرتبة فلاحظ. وليس اختلاف الرتبة راجعا إلى دعوى قطع النظر عن حرمة ام الزوجة مؤبدا كما في الحاشية ، فانّ حرمة الأمّ لو كان مؤثرا في رتبة الموضوع فلا وجه لقطع النظر عنه ، لأن تأثيره حينئذ قهري ولا يدفعه قطع النظر عنه ، فلاحظ وتدبر.

__________________

(١) بلغة الفقيه ٣ : ١٧٩.

٢٢٢

قوله : والمفروض في المقام عدم التحريم من غير جهة المصاهرة لفرض أن اللبن من غيره ... إلخ (١).

لتكون حرمة الصغيرة من جهة كونها ربيبة ، وذلك إنما يكون إذا كان اللبن من غيره ، كما لو كان تزوج الكبيرة في حال كونهما مرضعتين بولادة من غيره ، ولأجل ذلك احتيج إلى التقييد بالدخول باحدى الكبيرتين. أما لو كان اللبن منه كانت الصغيرة بنتا رضاعية له ولا يحتاج في الحكم بحرمتها إلى الدخول بالمرضعة ، بل هي حرام مؤبدا سواء كان قد دخل بالمرضعة كما هو الغالب أو كانت غير مدخول بها كما لو كان قد وطئها شبهة فأولدها ثم تزوجها في حال إرضاعها لولدها وقد أرضعت زوجته الصغيرة ، وكما لو حملت منه بغير الوطء والدخول ، أو كانت قد حملت منه ثم طلقها وبعد وضعها الحمل تزوجها ، على إشكال في كون الأخيرتين ممّن لم يدخل بها.

قوله : ولكن هذا التوهم إنّما يتم إذا كان المعروض هو الشخص دون الكلي ... إلخ (٢).

لا يخفى أن الكلي المتكرر فرده في كل سنة في مثل مقتل الحسين عليه‌السلام إنما هو يوم العاشر لا مقتله عليه‌السلام فانّ حقيقة المقتل هو زمان القتل وليس هو المراد باليوم العاشر ، وحينئذ فلا بد من لحاظ زمان القتل مجردا عن الخصوصية وأخذه كليا ، واعتبار أفراده المتكررة في كل سنة شيئا واحدا متصلا ، ويكون وقوع الحدث في واحد منها مصححا لاعتبار وقوعه في الجميع أعني ذلك الأمر الواحد الاعتباري ، ويكون انقضاؤه عن ذلك

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٨١ [ المنقول هنا مخالف مع النسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) أجود التقريرات ١ : ٨٣.

٢٢٣

الجزء انقضاء عن الجميع مع بقاء الذات ، وهكذا الحال فيما إذا كان الزمان متصلا كما في صدق المقتل على يوم القتل كله مع كونه واقعا في جزء منه.

وبالجملة : لا بد من لحاظ أفراد اليوم العاشر كشيء واحد متصل قد اتصف بأنّه وقع فيه القتل وقد انقضى عنه القتل ، وبقيت الذات ببقاء ذلك الامر الواحد الاعتباري وهو مجموع تلك الأيام التي يجمعها العنوان الكلي الذي هو اليوم العاشر ، وإن شئت تفصيل ذلك وتوضيحه فراجع ما علّقناه على الكفاية في هذا المقام (١).

ثم لا يخفى أنّ هذا التوهم إنّما يتم إذا كان لفظ المقتل مثلا مشتركا لفظيا بين اسم المكان والزمان ، أما [ لو ](٢) قلنا كما هو غير بعيد بأنه موضوع لمحل الحدث سواء كان زمانا أو كان مكانا ، فلا يكون الاشكال المزبور متوجها أصلا.

قوله ـ فيما نقله عن الايضاح (٣) ـ : لعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق ، انتهى (٤).

تتمته : « فكذا هنا » ، ولعل في هذه التتمة إيماء إلى أنّ مراد الايضاح الاعتراف بعدم شمول عنوان النزاع أعني المشتق لمثل الزوجة ، إلا أنّه يريد أن يلحقه بذلك العنوان إلحاقا. وقد تعرض في البدائع (٥) لهذه الجهة فراجع.

__________________

(١) مخطوط ، لم يطبع بعد.

(٢) [ لا يوجد في الأصل ، وإنما أضفناه لاستقامة العبارة ].

(٣) إيضاح الفوائد ٣ : ٥٢.

(٤) أجود التقريرات ١ : ٨١.

(٥) بدائع الافكار للمحقق الرشي قدس‌سره : ١٧٥ ـ ١٧٦.

٢٢٤

قوله : وكذا مما اختاره المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره من أن انحصار الكلي ... إلخ (١).

لا يخفى أنه يرد على ما أفاده في الكفاية (٢) أنه أوّلا : لا يتم به القول بأن الاستعمال فيما مضى مجاز ، فانّ اللازم منه هو عدم صحة الاستعمال في الآن الآخر ، لأنه ذات اخرى لم تتلبس بالمبدإ ، مع أن الوجدان شاهد على صحته ، فنستكشف من ذلك ما ذكرناه من لحاظ الوحدة في أجزاء الزمان أو في أفراده. وثانيا : أن لازمه عدم الثمرة لدخول اسم الزمان فيما هو محل النزاع.

قوله : ثم إن لفخر الدين قدس‌سره دليلين آخرين على تحريم المرضعة الثانية ، وحاصل أحدهما ... إلخ (٣).

الأولى نقل عبارة العلامة قدس‌سره في القواعد ثم نقل عبارة الايضاح. قال العلامة قدس‌سره في القواعد : ولو أرضعت الصغيرة زوجتاه على التعاقب فالأقرب تحريم الجميع ، لأنّ الأخيرة صارت أم من كانت زوجته إن كان قد دخل باحدى الكبيرتين ، وإلا حرمت الكبيرتان مؤبدا وانفسخ عقد الصغيرة ... إلخ (٤) وعقّبه الفخر في الايضاح بقوله : أقول : تحرم المرضعة الاولى والصغيرة مع الدخول باحدى الكبيرتين بالاجماع. وأما المرضعة الأخيرة ففي تحريمها خلاف ، فاختار والدي المصنف وابن ادريس تحريمها ، لأن

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٨٤ [ وسيأتي في الصفحة ٢٤٠ التعليق على هذه العبارة مرة اخرى ]

(٢) كفاية الاصول : ٤٠.

(٣) أجود التقريرات ١ : ٨٢ [ المنقول هنا موافق مع النسخة القديمة غير المحشاة ].

(٤) قواعد الأحكام ٣ : ٢٥.

٢٢٥

هذه يصدق عليها أنها ام زوجته ، لأنه لا يشترط في صدق المشتق بقاء المعنى المشتق منه فكذا هنا ... إلخ (١).

ولا يخفى أنّ فرض كلامهما في المسألة إنّما هو فيما لو لم يكن اللبن للزوج وإلاّ فلو كان اللبن للزوج كانت حرمة الصغيرة من جهة كونها بنتا رضاعية له لا لكونها ربيبة ، وحينئذ يكون التقييد بالدخول لغوا ، إذ لا يتوقف حرمة البنت الرضاعية على الدخول.

ولا يخفى أنّ عبارة الفخر في نقل الكفاية (٢) مشتملة على قوله « مع الدخول بالكبيرتين » باسقاط لفظة « إحدى » ، والصحيح هو وجودها كما نقلناه عن الايضاح ، وهي أعني عبارته إنما كانت تعقيبا لعبارة والده في القواعد. وعبارة القواعد ناظرة إلى ما بعد الرضاعين ، فتكون حرمة الصغيرة مؤبدا متوقفة على الدخول باحدى الكبيرتين ولا تحتاج إلى الدخول بكل منهما أو الدخول بخصوص الاولى ، هذا في التحريم الأبدي بالنسبة إلى الصغيرة بعد تمامية الرضعتين ، فانه يتوقف على الدخول باحدى الكبيرتين. وأما تحريمها جمعا القاضي بانفساخ عقد الصغيرة ، فهو يكفي فيه مجرد الرضاع منها وإن لم يكن في البين دخول كما صرّح به العلامة قدس‌سره بقوله : « وإلا حرمت الكبيرتان مؤبدا وانفسخ عقد الصغيرة ... ».

ولا يخفى أن تحريم الكبيرة الثانية متوقف على مسألة المشتق سواء كان لبن الاولى للزوج أو كان لغيره ، كانت مدخولا بها أو كانت غير مدخول بها. أما الأول فلأن البنت صارت بنتا للزوج ، وأما الثاني فلأنها بنت

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٥٢.

(٢) كفاية الاصول : ٣٩.

٢٢٦

المدخول بها. وأما الثالث فلانفساخ عقد الصغيرة لحرمة الجمع ، وحينئذ لا يكون رضاع الثانية إلا بعد انسلاخ الزوجية عن الصغيرة ، فينحصر التمسك بمسألة المشتق ، فلاحظ.

والحاصل : أن ابتناء المسألة على المشتق إنما هو في الرضاع من الكبيرة الثانية ولا دخل فيه للدخول ، فان الثمرة تترتب وإن لم يكن دخول في الكبيرة الاولى ولا في الكبيرة الثانية.

ثم قال الفخر ما هذا لفظه : ولأن عنوان الموضوع لا يشترط صدقه حال الحكم ، بل لو صدق قبله كفى ، فيدخل تحت قوله ( وامهات نسائكم )(١) ولمساواة الرضاع النسب ، وهو يحرم سابقا ولاحقا فكذا مساويه. وقال الشيخ في النهاية (٢) وابن الجنيد (٣) لا يحرّم لما رواه علي بن مهزيار عن ابي جعفر عليه‌السلام. قال : « قيل له : إن رجلا تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة اخرى ـ الى قوله ـ فقال عليه‌السلام : حرمت الجارية وامرأته التي أرضعتها أوّلا ، أما الأخيرة لم تحرم عليه » (٤). والجواب المنع من صحة سند الرواية ... إلخ.

قلت : أما الوجه الأول فهو مبني على كون الموضوع هو الزوجة ، وحكمه هو حرمة أمها ، وكون هذا الموضوع مأخوذا على نحو يكون حدوثه علة في تحقق الحكم ولو كان متعلق هذا الحكم وهو الامية متأخرا عن ذلك الموضوع.

__________________

(١) النساء ٤ : ٢٣.

(٢) النهاية : ٤٥٦.

(٣) حكاه عنه العلامة في المختلف ٧ : ٤٤ مسألة ١١.

(٤) وسائل الشيعة ٢٠ : ٤٠٢ / أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٤ ح ١ ( مع اختلاف يسير ).

٢٢٧

ولا يخفى أنه يمكن الفرق بينه وبين مثل قوله تعالى ( لا ينال عهدي الظالمين )(١) فانّ ما ينطبق عليه الموضوع فيما نحن فيه وهو الزوجة لم يكن هو متعلق الحكم وهو الحرمة ، بل إن متعلقه هو ام تلك الزوجة المفروض أنّ أمومتها لم تتحقق إلا بعد انقضاء الزوجية ، وهذا بخلاف موضوع الحكم في الآية فانّ ما ينطبق عليه هو بنفسه متعلق الحكم فيها وهو عدم نيل العهد ، فيمكن أن يقال : إن حدوث الظلم يكون علة لحدوث ذلك الحكم ولبقائه ولو بعد زواله ، وذلك من جهة مناسبة الحكم وهو الولاية والموضوع وهو الظلم ، وهذا بخلاف حدوث الزوجية فيما نحن فيه فانّه لا دليل على كونه علة لحرمة الأمّ التي تكون امومتها بعد انقضاء الزوجية ، فتأمل.

وأما الوجه الثاني : فهو مبني على مقايسة حرمة أم الزوجة الرضاعية بحرمة بنتها النسبية بأن يقال كما أن انقضاء الزوجية عن الأمّ لا ينافي حرمة بنتها النسبية ، التي ولدتها بعد انقضاء الزوجية عنها فيما لو طلّق زوجته ثم تزوجت بآخر فأولدها بنتا ، فتحرم هذه البنت على الزوج الأول لأنها بنت زوجته ، فكذلك انقضاء الزوجية عن البنت لا ينافي حرمة امها الرضاعية التي تكون امومتها بعد انقضاء الزوجية عن البنت. فان كان تحريم تلك البنت النسبية بعد انقضاء الزوجية عن امها لأنها يصدق عليها أنها بنت من كانت زوجته بناء على كون المشتق للأعم ، فكذلك ينبغي أن يقال تحرم هذه الأمّ الرضاعية فيما نحن فيه لأنها يصدق عليها أنها ام من كانت زوجته ، غايته أن البنتية هناك نسبية ويمكن أن تكون رضاعية ، بخلاف

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٢٤.

٢٢٨

الامومة هنا فانها لا تكون إلا رضاعية ، وهذا المقدار غير فارق.

اللهم إلا أن يقال : إن المسألة وإن أمكن ابتناؤها على كون المشتق للأعم ، إلا أنه يمكن أن يمنع من كون المشتق للأعم ، ونلتزم بحرمة البنت في المثال لكونها مورد النصوص والاجماع ، بخلاف حرمة الأمّ فيما نحن فيه ، لكن الالتزام بكون الحرمة في ذلك للنص بعيد.

وان شئت قلت : إن تلك المسألة داخلة في عنوان عام وهو كونها بنتا للمدخول بها ، وهو وحده موجب لتحريم البنت سواء كان الدخول باعتبار النكاح الدائم والمنقطع أو كان بوطء الشبهة أو كان من قبيل الزنا ، فانّ الدخول في جميع ذلك محرّم للبنت ، فليس هو منوطا بالزوجية بالنسبة إلى الأمّ كي يكون مبنيا على المشتق ، بخلاف ما نحن فيه فانّ تحريم الأمّ منوط بزوجية البنت المفروض انقضاؤها ، فلا يكون جاريا إلا على القول بالأعم في مسألة المشتق ، فلاحظ.

قال المرحوم الشيخ محمد علي قدس‌سره في تقريره : وأما الوجه الأخير فحاصله : أنّ لحمة الرضاع كلحمة النسب ، وأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (١) ، ومن المعلوم أنه لو تزوج بابنة ثم طلّقها تحرم عليه امها مع زوال زوجيتها بالطلاق ، فكذلك في الأمّ والبنت الرضاعية تحرم الأمّ الرضاعية ولو خرجت البنت عن الزوجية كما في المقام (٢).

وفيه : ما لا يخفى ، فانه بمجرد العقد على البنت تحرم امها ذاتا ودواما ، فلا يؤثر فيه انسلاخ البنت عن الزوجية ، ولا يكون بقاء حرمة الأمّ مبنيا على مسألة المشتق ولا على الوجهين اللذين ذكرهما الفخر ، فانّ حرمة

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٠ : ٣٧١ / أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١.

(٢) فوائد الاصول ١ ـ ٢ : ٨٧.

٢٢٩

ام الزوجة لا رافع لها ، سواء كانت قبل الزوجية كما في المثال نسبا أو رضاعا أو كانت متأخرة عن الزوجية مع مقارنتها كما لو تزوج البنت ثم أرضعتها امرأة أجنبية ثم طلقها ، وهذا إنما يتصور في الرضاع دون النسب ، ولا دخل له بما نحن فيه من تأخر الامومة الرضاعية عن انسلاخ الزوجية للبنت ، فلاحظ وتأمل.

اللهم إلا أن يقال : إنّ العقد على البنت يوجب حرمة امها لدخولها تحت قوله تعالى ( امهات نسائكم )(١) سواء كانت الامومة قبل الزوجية من نسب أو رضاع أو كانت بعد الزوجية كما إذا كانت من الرضاع ، ولكنه مبني على كون الامهات في الآية شاملا للنسب والرضاع لا أنه مختص بالامهات نسبا ، وإلحاق الامهات رضاعا يكون بمقتضى « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » فانّه بناء على ذلك لا دليل على حرمة الأمّ فيما نحن فيه إلاّ على القول بالأعم في مسألة المشتق ، إلا على تكلّف وهو شمول الامهات لكل ما يفرض امّا نسبية ، حتى ما لو كان محالا كما في الأمّ النسبية بعد زوجية الأم ، وحينئذ يكون قوله « يحرم من الرضاع » موجبا لتنزيل الأمّ الرضاعية منزلة تلك الأمّ النسبية المفروضة الوقوع وإن لم تقع بل كان وقوعها محالا ، فتأمل فانّه لا يتم إلا إذا فرضنا الامومة النسبية متأخرة عن انسلاخ زوجية البنت ، فلو حرمت من النسب حرمت من الرضاع ، لكن لا دليل على حرمة تلك الأمّ النسبية التي فرض ولو محالا وقوع أمومتها بعد انسلاخ زوجية البنت إلا على مسألة العموم في المشتق ، فلاحظ وتأمل.

مسألة : لو كانت له زوجة صغيرة فطلّقها فأرضعتها زوجة أخيه مثلا فهل تحرم عليه زوجة أخيه ويحل له النظر اليها باعتبار كونها ام زوجته؟

__________________

(١) النساء ٤ : ٢٣.

٢٣٠

ربما تبتني المسألة على المشتق ، وتقاس على ما لو طلّق زوجته بعد الدخول فتزوجت بآخر وأولدها بنتا ، فان البنت تحرم على الزوج الأول مع فرض حدوث البنتية بعد انتفاء الزوجية.

وأجاب عنه في الجواهر (١) بالفرق في صدق المشتق بين بنت الزوجة وبين ام الزوجة. هذا والظاهر عدم الفرق من ناحية المشتق كما أورد عليه في البلغة (٢).

ولكن هناك فرق آخر ، وهو أن البنت المتأخرة عن الطلاق بعد الدخول لا إشكال في حرمتها لكونها بنت المدخول بها وإن لم تكن زوجة حين الدخول فضلا عن عدم كونها زوجة حين تحقق البنتية ، وهذا بخلاف مسألتنا في ام الزوجة فان حرمة الأمّ منوطة بكونها ام الزوجة ، فلا يمكن القول بالحرمة إلا بناء على مسألة المشتق ، وام المدخول بها وإن كانت حراما وإن لم تكن المدخول بها زوجة ، إلاّ أن فرض ما نحن فيه هو عدم الدخول بالبنت فينحصر الكلام بحرمة الأمّ باعتبار كونها ام الزوجة ولا دخل لذلك بام المدخول بها ، فلاحظ وتأمل.

أما لو كان الطلاق في مسألة الربيبة قبل الدخول ، بأن طلق زوجته قبل الدخول بها ثم تزوجت بآخر فأولدها بنتا ، فان هذه البنت لا تحرم على المطلّق لا ذاتا لعدم الدخول بامها ولا جمعا لأن المفروض كون الأمّ مطلّقة.

مسألة : لو أرضعت زوجته الكبيرة زوجته الصغيرة ، ففي المسألة صور أربع :

الاولى : كون الكبيرة مدخولا بها وكون اللبن لبنه ، فتحرم الكبيرة

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٩ : ٣٣٢.

(٢) بلغة الفقيه ٣ : ١٨٣ وما بعدها.

٢٣١

لكونها ام زوجته ، والصغيرة لكونها بنته رضاعا ولكونها بنت زوجته المدخول بها ، والحرمة في كل من الصغيرة والكبيرة ذاتية.

الثانية : كون الكبيرة مدخولا بها وكون اللبن لغيره كما لو تزوجها وهي ذات لبن من زوج سابق أو من شبهة. والحكم في هذه كالاولى من كون الحرمة فيهما ذاتية ، غير أنها في الصغيرة من جهة واحدة وهي بنت زوجته المدخول بها.

الثالثة : عدم الدخول بالكبيرة لكنها ذات لبن منه كما لو طلّقها وهي ذات لبن منه أو وطئها شبهة ثم تزوجها ولم يدخل بها فأرضعت زوجته الصغيرة ، فيكون الحال في هذه الصورة عين الحال في الصورة الاولى غير أن حرمة الصغيرة ممحّضة لكونها بنته لا لكونها بنت زوجته المدخول بها.

الرابعة : عدم الدخول بالكبيرة وعدم كون اللبن له ، بل كان اللبن لغيره بأن أولدها الغير نكاحا أو شبهة ثم تزوجها الثاني فأرضعت زوجته الصغيرة ، وفي هذه الصورة تحرم الكبيرة لكونها ام زوجته ولا تحرم الصغيرة ذاتا لعدم كونها بنتا له ولعدم كون أمها الرضاعية مدخولا بها ، لكنها تحرم جمعا فيبطل نكاحها بالرضاع ، وله تجديد العقد عليها ، بل قد يقال لا يحتاج إلى تجديد العقد لعدم تحقق الاجتماع في الزوجية بينهما كي يبطل نكاح الصغيرة ، فلاحظ وتأمل.

ولا يخفى أن الصغيرة في الصورة الثالثة (١) والرابعة تحرم ذاتا على صاحب اللبن لكونها بالنسبة إليه بنتا رضاعية للمدخول بها.

قوله : وأما في الفرض الثاني ( يعني الدخول بالمرضعة الاولى ) فلا إشكال في تحريم الرضيعة وأمها ( المفروض كونها مدخولا بها ) وبطلان

__________________

(١) [ هكذا فيما يتراءى من الأصل والصواب ( الثانية ) فلاحظ ].

٢٣٢

زوجيتهما ، لكون الرضيعة بنت الزوجة المدخول بها ربيبة وكون الأمّ أم الزوجة ... إلخ (١).

قال العلامة الخراساني قدس‌سره في رسالته الرضاعية : قلت : لا يذهب عليك أنّ الحكم بحرمة الكبيرة مشكل ، لعدم صيرورتها أم الزوجة لو قيل باعتبار بقاء التلبس بالمبدإ في صدق المشتق ، لارتفاع زوجية الصغيرة في مرتبة صيرورة الكبيرة امّا ـ إلى أن قال : ـ اللهم إلا أن يقال إنّ ذلك كذلك دقة ، أما عرفا فيصدق أنّها صارت أم الزوجة حقيقة ولو بناء على اعتبار بقاء التلبس بالمبدإ فتأمل ... إلخ (٢).

قلت : لا يخفى أنّ الذي هو في مرتبة كون الكبيرة امّا إنما هو كون الصغيرة التي هي زوجة ، بنت الزوجة ، وهذا أعني كون الصغيرة التي هي زوجة ، بنت الزوجة يكون علة وموضوعا لارتفاع زوجية الصغيرة ، فيكون ارتفاع زوجية الصغيرة متأخرا رتبة عن كون الكبيرة امّا للزوجة ومقارنا لارتفاع زوجية الكبيرة.

وبالجملة : أنّ الرضاع علة لكون المرضعة امّا ولكون الرضيعة بنتا. والاول وهو كون المرضعة امّا علة في انسلاخ زوجيتها. والثاني وهو كون الرضيعة بنتا علة في انسلاخ زوجية الصغيرة. وهذا الحكم وهو انسلاخ زوجية الصغيرة لا يصلح لرفع موضوع الحكم في الكبيرة أعني كونها امّا لزوجته ، لأن هذا الموضوع وهو كون الكبيرة امّا لزوجته الصغيرة توأم في الرتبة لموضوع انسلاخ زوجية الصغيرة أعني كونها بنتا لزوجته الكبيرة ، وكما لا يصلح أن يكون الحكم رافعا لموضوع نفسه ، فكذلك لا يصلح

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٨٢ [ المنقول هنا موافق مع النسخة القديمة غير المحشاة ].

(٢) كتاب الرضاع ( ضمن الرسائل الفقهية ) : ١٥٠.

٢٣٣

لرفع ما هو مقارن في الرتبة لموضوع نفسه.

والخلاصة : هي أنّ ما هو متأخر في الرتبة لا يصلح لرفع ما هو سابق عليه في الرتبة ، فان الرضاع قد جعل الصغيرة التي هي زوجته بنتا لزوجته كما قد جعل الكبيرة التي هي زوجته امّا لزوجته الصغيرة. ومع قطع النظر عن الحكم الشرعي أعني الحرمة وانسلاخ الزوجية في كل منهما ، يكون قد اجتمع في الصغيرة : الزوجية وبنت الزوجة ، وفي الكبيرة أيضا : الزوجية وأم الزوجة ، وبعد رتبة الاجتماع في كل منهما تأتي رتبة الحكم في كل منهما وهو الحرمة الموجبة لانسلاخ الزوجية عن كل منهما ، وهذا الانسلاخ لا ينافي تحقق الزوجية في رتبة الموضوع في كل منهما ، فلاحظ وتدبر.

ولو صحّ ما أفاده قدس‌سره لكان الحكم في كل منهما وهو انسلاخ الزوجية رافعا لموضوع ذلك الحكم في الاخرى ، فانّ انسلاخ زوجية البنت لو أوجب عدم كون الأمّ امّا للزوجة لكان انسلاخ زوجية الأمّ موجبا لعدم كون البنت بنتا للزوجة ، وحينئذ يكون الحكم في كل منهما وهو الانسلاخ عن الزوجية رافعا لموضوع الانسلاخ في الاخرى ، فيؤول الأمر إلى أنّ الانسلاخ في كل منهما موجب لبقاء الزوجية في كل منهما (١) وبقاؤها في كل منهما موجب لارتفاعها في الاخرى ، فيكون الانسلاخ في كل منهما موجبا لعدم ذلك الانسلاخ ، وكل هذا إنّما نشأ من إدخال الحكم في مرتبة الموضوع.

اللهم إلا أن يقال : إنّ حرمة البنت ليست منوطة بكونها بنت الزوجة كي يرتفع بحرمة الأمّ ، بل هي منوطة بكونها بنت المدخول بها أو بنت المعقود عليها ، وذلك لا يرتفع بطروّ الحرمة على الأمّ ، وهذا بخلاف حرمة

__________________

(١) ولعلّ ذلك هو مراده ، فانه يريد أن يبطلهما من ناحية اجتماع الزوجيتين ليكون له تجديد العقد على كل منهما [ منه قدس‌سره ].

٢٣٤

الأمّ فانّها منوطة بكونها ام الزوجة وهو مرتفع بحرمة البنت.

ثم لا يخفى أنّ هذا الانقضاء ليس زمانيا كي يدخل تحت النزاع ، وإنما هو بحسب الرتبة ، حيث إنّ زوجية الصغيرة وإن انسلخت إلا أنّ انطباق ام الزوجة على المرضعة الاولى إنما هو في زمان زوجية الصغيرة وان كان في رتبة الانسلاخ. وبالجملة أنّ انسلاخ الزوجية عن الصغيرة مجتمع في الزمان مع كونها زوجة ، غايته أنه متأخر عنه رتبة ، وهذا ليس من الانقضاء الزماني فلاحظ.

وهذا الأخير هو الذي يظهر من المقالة بقوله : إنّ ما هو مركز البحث ومورد النفي والاثبات هو صور انقضاء الوصف زمانا لا رتبة ، فيخرج مثل هذا الانقضاء عن حريم النزاع وكان ملحقا بصورة عدمه (١). ولكن الذي يظهر من تقرير الآملي (٢) هو الوجه الأول ، فلاحظ.

وأما قوله بعد هذا في المقالة : وذلك أيضا لو لا دعوى أنّ ما هو المسلّم في كونه حقيقة هو فرض تلبس الذات بالوصف زمانا ، ومع فقده ـ كما في المقام ـ ربما يجري فيه مناط النفي والاثبات ، فكأنّه إشارة إلى عدم تحقق الموضوع زمانا ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.

قال شيخنا قدس‌سره فيما حرره عنه المرحوم الشيخ محمد علي : أما الفرع الأول وهو حرمة المرضعة الاولى على كل حال ، فلصيرورتها ام الزوجة في حال إكمال الرضعة الخامسة عشرة ، بداهة أنه في ذلك الحال تكون المرتضعة الصغيرة زوجة والمرضعة الكبيرة أم الزوجة ، فيصدق عليها في

__________________

(١) مقالات الاصول ١ : ١٨٠.

(٢) بدائع الأفكار : ١٦٠ ـ ١٦١.

٢٣٥

ذلك الحال ( امهات نسائكم )(١) فتحرم (٢).

ولعله يريد ما أشرنا إليه أخيرا من أن الانقضاء الرتبي لا يوجب الانقضاء الزماني ، أو أنه يشير إلى ما ذكرناه أوّلا من الجواب باختلاف الرتبة. ويبعد كل البعد أن يكون التزاما باختلاف الزمان بين صيرورة الصغيرة التي هي زوجة بنت الزوجة وبين حكمها وهو الحرمة وحرمة الأمّ ، وإلاّ لورد عليه أنه لا تأخر زمانا للحكم عن موضوعه ، فلاحظ.

وعلى كل حال أن العمدة في الجواب هو ما عرفت من اختلاف الرتبة ، وان اجتمع في الزمان زوجية الصغيرة وكونها بنتا للزوجة وحرمتها وانسلاخ زوجيتها لكون الحرمة متأخرة عن الزوجية والبنتية.

ومنه تظهر الخدشة فيما تضمنته الحاشية وهو قوله : إذا فرض بطلان زوجية الأمّ والبنت في آن واحد ، فليس هناك زمان خارجي تتصف فيه الأمّ بأنّها ام الزوجة ـ إلى قوله : ـ إلا أنّ الأحكام الشرعية مترتبة على الموجودات الزمانية دون الرتبية ... إلخ (٣) وإلاّ فكيف يكون الحال فيما لو طرأ التحريم على الزوجية كما لو أرضعت الزوجة زوجها ، إذ لا بد في مثل ذلك أن نقول : إنّ هذه المرأة في الرتبة السابقة على حرمتها قد اجتمع فيها كونها زوجة وكونها أم زوجها ، وفي الرتبة الثانية تحرم على زوجها فتنسلخ عن الزوجية ، وهذه الحرمة مقارنة في الزمان لكونها ام زوجها ، لا أنّ هذا العنوان أعني كونها ام زوجها سابق في الزمان على حرمتها ، وإلاّ ففي أيّ زمان صارت الزوجة ام زوجها ثم انسلخت عنها الزوجية؟ وهل يعقل تأخر

__________________

(١) النساء ٤ : ٢٣.

(٢) فوائد الاصول ١ ـ ٢ : ٨٦.

(٣) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٨٢.

٢٣٦

الحكم عن موضوعه زمانا؟ وكما لا يعقل تأخره زمانا عن موضوعه فكذلك لا يعقل تأخره عما هو في رتبة موضوعه ، فلاحظ وتأمل ، هذا.

ولكن يمكن دفعه : بأنّ موضوع الحرمة في هذه المسألة ليس هو ام الزوج بعنوان كونه زوجا ، بل الموضوع هو ذات الشخص المرتضع ، فإنّه برضاعها له تكون له اما رضاعية ، فتحرم عليه لكونه ابنها الرضاعي ، وهو أعني كونه ابنا رضاعيا لها مستمر بحسب الزمان من حين رضاعها وبه تبطل زوجيتها له ، كما أنّ ما ذكرناه من أنه كما لا يعقل تأخر الحكم زمانا عن موضوعه فكذلك لا يعقل تأخره عما هو في مرتبة موضوعه ، وكما أن الحكم متأخر رتبة عن موضوعه فكذلك هو متأخر رتبة عما هو في رتبة موضوعه ، فالحرمة الطارئة على البنت لمّا كانت متأخرة رتبة عن موضوعها الذي هو كون تلك البنت بنتا للزوجة ، تكون متأخرة رتبة عما هو في مرتبة ذلك الموضوع أعني كون المرضعة اما للزوجة التي هي البنت ، محل مناقشة ذكرناها في مبحث الجمع بين الأحكام الواقعية والظاهرية (١) وحاصلها : أن ما هو متأخر عن الشيء رتبة لكونه حكمه أو كونه معلولا له ، لا يلزمه أن يكون متأخرا عما هو في مرتبة ذلك الشيء إذا لم يكن بين ذلك المتأخر وذلك الواقع في مرتبة ما هو المتأخر عنه ما يقتضي تأخره عنه ، بل تكون نسبته إليه نسبة الشيء إلى ما لا ربط له به في عدم اقتضاء التقدم أو التأخر ، نعم لو تمت هذه المناقشة فهي لا تقتضي كون حرمة البنت القاضية بانفصال زوجيتها سابقة في الرتبة على حرمة الأمّ على وجه تعدم موضوع حرمة الأمّ الذي هو كونها ام الزوجة فعلا ، لأن ذلك إنّما يكون إذا كان انسلاخ زوجية البنت سابقا في الرتبة على حرمة الأمّ ، دون ما لو كان أجنبيا عنه على وجه

__________________

(١) في المجلّد السادس من هذا الكتاب.

٢٣٧

لا طولية بينها ، فلاحظ.

وقد يشكل على ما عرفت من أن الخروج عن الزوجية إنما كان بالتحريم المتأخر رتبة عن صدق البنتية ، فهي في رتبة صدق بنت الزوجة عليها يصدق عليها أنّها زوجة ، وإنما تخرج عنها بالتحريم الناشئ من صدق بنت الزوجة ، بأنّه يتوقف على عدم التضاد بين عنوان الزوجية وعنوان بنت الزوجة ، وهو خلاف المرتكز شرعا ، بل الظاهر أن التحريم إنما جاء من جهة ارتفاع الزوجية بطرو عنوان بنت الزوجة لا العكس ، انتهى.

وفيه : أنّ هذا التضاد المرتكز في أذهان المتشرعة إنما نشأ عما هو المرتكز في أذهانهم من حرمة بنت الزوجة وأنّها لا تكون زوجة ، ولمّا كان أساسه هو التحريم ، خرج عن التضاد القاضي بكون عدم الزوجية في عرض كونها بنت زوجة ، فلا يترتب عليه ما افيد من أن التحريم إنما جاء من جهة ارتفاع الزوجية بطرو عنوان بنت الزوجة ، بتقريب أنه لمّا كانت الزوجية مضادة لبنت الزوجة ، كان عدمها في عرض وجود ضدها الذي هو عنوان بنت الزوجة ، لأنّ عدم أحد الضدين يكون في عرض وجود الضد الآخر للمعاندة بينهما بلا طولية في البين ، ليكون الحاصل أن التحريم وإن كان معلولا لكونها بنت الزوجة إلاّ أنه ليس هو ارتفاع الزوجية ، بل إن ارتفاع الزوجية كان في رتبة كونها بنت الزوجة ، فان ذلك كله مبني على التضاد بين الزوجية وبنت الزوجة وقد عرفت المنع من ذلك.

ومن ذلك يظهر أنه لا يمكن بذلك تصحيح عبارة العلاّمة الخراساني قدس‌سره أعني قوله : إن ارتفاع زوجية الصغيرة في مرتبة صيرورة الكبيرة امّا ... إلخ (١) بدعوى كون الارتفاع المذكور أعني عدم الزوجية لمّا

__________________

(١) كتاب الرضاع ( ضمن الرسائل الفقهية ) : ١٥٠.

٢٣٨

كان في عرض كونها بنتا الذي هو في عرض كونها امّا ، يكون الارتفاع المذكور في عرض كون الكبيرة امّا ، وذلك لما عرفت من أنّ ذلك كله مبني على التضاد بين كونها زوجة وكونها بنت الزوجة ، وقد عرفت المنع من التضاد المذكور فلاحظ.

وفي حاشية منه على الدرر على قوله « تحرم المرضعة الاولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين » ما هذا لفظه : وقد يتوهم جريان النزاع في المرضعة الاولى أيضا ، إذ بعد تحقق الرضاع الكامل كما يحدث عنوان الامومة يزول عنوان الزوجية ، فلا يتحقق عنوان أم الزوجة على القول بالأخص ، ويجاب بتعيّن القول بحرمتها على القول بالأخص أيضا ، لأن بقاء كلتا الزوجيتين مناف لأدلة حرمة أم الزوجة والربيبة ، وارتفاع إحداهما معيّنا ترجيح بلا مرجح ، فيتعين ارتفاع كليتهما ( منه دامت أيام إفاضاته ) (١). ولا يخفى أنه مع فرض الدخول بالكبيرتين يكون تحريم الاولى والصغيرة ذاتيا لا جميعا ، فلا مدخل حينئذ للترجيح بلا مرجح ، مع أنه لا يدفع إشكال الانقضاء ، فلاحظ وتأمل.

قوله : وقد عرفت أنّ بقاء الذات معتبر في محل النزاع ، ولذا بنينا على خروج المشتقات المنتزعة عن مقام الذات عن محل الكلام (٢).

قد عرفت الفرق بينهما بما تقدم من أنّ في مثل الامكان والزوجية لا يعقل الانقضاء لعدم إمكان انسلاخ الممكن أو الأربعة عن الامكان أو الزوجية في أيّ صقع كان. وهذا بخلاف اسم الزمان لإمكان انقضاء الحدث عن الذات ، لكن الذات لا تبقى موجودة خارجا بعد الانقضاء.

__________________

(١) درر الفوائد ١ : ٥٩.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٨٣.

٢٣٩

وقد أجاب سيدنا المرحوم السيد أبو الحسن قدس‌سره حسبما حررته عنه بما حاصله : أنّ الهيئة في اسم الزمان لم تكن موضوعة لخصوص الزمان ، بل هي لمطلق ظرف الحدث زمانا كان أو مكانا ، فهي مثل « الحار » الشامل للزمان وغيره. فعدم قابلية البقاء في بعض أفراده لا يضر بدخوله في محل النزاع ، هذا ولكن « الحار » صالح لاستعماله في مطلق المتلبس زمانا كان أو ماء مثلا ، فلو انقضى عنه الحرارة كان داخلا في محل النزاع ، إلاّ أنّ الهيئة في « مفعل » لا تستعمل في القدر الجامع. ومجرد أنّ لها موردا يتحقق به الانقضاء وهو المكان لا يوجب دخولها في محل النزاع بحسب المورد الآخر. مضافا إلى أنّ مجرد الاشتراك في الهيئة لا يدل على الاشتراك المعنوي لامكان الاشتراك اللفظي مع وحدة الهيئة.

والانصاف أنّ هذه الجهات لا أهمية لها ، والغرض أنّ ما لا انقضاء له مع بقاء الذات لا معنى للنزاع فيه ، سواء كان لأجل المادة كما في الامكان والزوجية ، أو كان لأجل الذات التي يصدق عليها. والحاصل أنّ هيئة « مفعل » لو تلبست بما لا انقضاء له كالامكان فلا معنى للنزاع فيها ، كما أنّ هيئة « مفعل » لو انطبقت على ما لا بقاء له أيضا لا محصل للنزاع فيها ، بل حتى أسماء الفاعلين لو انطبقت على ما لا بقاء له لا تدخل في محل النزاع ، وذلك أمر غير قابل للانكار.

قوله : وكذا ممّا اختاره المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره من أنّ انحصار الكلي في فرد وامتناع فرد آخر ... إلخ (١).

أفاد قدس‌سره في وجه ذلك حسبما حررته عنه ما حاصله : أنّ الاشكال كان

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٨٤ [ وقد علّق قدس‌سره على هذه العبارة سابقا في الصفحة : ٢٢٥ ].

٢٤٠